الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

(والمباراة)

وأصلها المفارقة ، قال الجوهري : تقول : بارأت شريكي إذا فارقته ، وبارأ الرجل امرأته (١) وهي (كالخلع) في الشرائط والأحكام (إلّاأ نّها) تفارقه في اُمور :

منها : أنّها (تترتّب على كراهية) كلّ من (الزوجين) لصاحبه ، فلو كانت الكراهة من أحدهما خاصّة أو خالية عنهما لم تصحّ بلفظ المباراة. وحيث كانت الكراهة منهما (فلا تجوز الزيادة) في الفدية (على ما أعطاها) من المهر ، بخلاف الخلع حيث كانت الكراهة منها فجازت الزيادة. ونبّه بالفاء على كون هذا الحكم مترتّباً (٢) على الكراهة منهما وإن كان حكماً آخر يحصل به الفرق بينها وبين الخلع.

(و) منها : أنّه (لا بدّ فيها من الإتباع بالطلاق) على المشهور ، بل لا نعلم فيه مخالفاً ، وادّعى جماعة أنّه إجماع (٣) (ولو قلنا في الخلع : لا يجب(

__________________

(١) الصحاح ١ : ٣٦ (برأ).

(٢) في سوى (ع) : مرتّباً.

(٣) مثل العلّامة في القواعد ٣ : ١٦٨ ، والمختلف ٧ : ٤٠٢ ، والتحرير ٤ : ٩٧ ، ولم نعثر على الإجماع في غيرها. نعم ، في الغنية : ٣٧٥ بعد ذكر صيغة المباراة المتضمّنة للفظ الطلاق قال : وذلك لفظه بدليل الإجماع المشار إليه. ونسب في المختلف ٧ : ٤٠٢ والمهذّب البارع ٣ : ٥١٤ والتنقيح الرائع ٣ : ٣٦٥ إلى الشيخ أنّه ادّعى الإجماع ، ولم نعثر على لفظ (الإجماع) في كتب الشيخ. نعم ، فيها ما يفيد ذلك وسائر العبارات أيضاً قريبة من عبائر الشيخ ، اُنظر التهذيب ٨ : ١٠٢ ، ذيل الحديث ٣٤٦ ، والاستبصار ٣ : ٣١٩ ، ذيل الحديث ١١٣٧ ، والمبسوط ٤ : ٣٧٣ ، والسرائر ٢ : ٧٢٣ ، والشرائع ٣ : ٥٨.

٤٠١

إتباعه بالطلاق. وروي أنّها لا تفتقر أيضاً إلى الإتباع (١) وربما كان به قائل؛ لأنّ الشيخ رحمه الله نسب في كتابي الحديث القول بلزوم إتباعها بالطلاق إلى المحصّلين من أصحابنا (٢) وهو يدلّ بمفهومه على مخالف منهم غير محصِّل. والمحقّق في النافع نسبه إلى الشهرة (٣) وكيف كان فالعمل به متعيّن.

وصيغتها : بارأتك ـ بالهمزة ـ على كذا فأنت طالق.

ومنها : أنّ صيغتها لا تنحصر في لفظها ، بل تقع بالكنايات الدالّة عليها ، كفاسختكِ على كذا ، وأبنتكِ ، وبتتّكِ؛ لأنّ البينونة تحصل بالطلاق وهو صريح ، بخلاف الخلع على القول المختار فيه (٤) وينبغي على القول بافتقاره إلى الطلاق أن يكون كالمباراة.

(ويشترط في الخلع والمباراة شروط الطلاق) من كمال الزوج ، وقصده واختياره ، وكون المرأة طاهراً طهراً لم يقربها فيه بجماع إن كانت مدخولاً بها حائلاً غير يائسة والزوج حاضر أو في حكمه ، وغيرها من الشروط.

* * *

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٥٠٢ ، الباب ٩ من أبواب الخلع والمباراة ، الحديث ٤.

(٢) تقدّم في الصفحة السابقة في الهامش ٣.

(٣) المختصر النافع : ٢٠٤ ، وفيه : على قول الأكثر.

(٤) وهو عدم لزوم الإتباع بالطلاق فيه.

٤٠٢

كتاب الظهار

٤٠٣
٤٠٤

(كتاب الظهار)

وهو فِعال من الظهر ، اختصّ به الاشتقاق؛ لأنّه محلّ الركوب في المركوب. والمراد به هنا تشبيه المكلَّف من يملك نكاحها بظهرِ محرّمة عليه أبداً بنسب أو رضاع ، قيل : أو مصاهرة (١).

وهو محرَّم وإن ترتّبت عليه الأحكام؛ لقوله تعالى : (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ اَلْقَوْلِ وَزُوراً) (٢).

لكن قيل : إنّه لا عقاب فيه (٣) لتعقّبه بالعفو (٤) ويضعَّف بأ نّه وصف مطلق ، فلا يتعيّن كونه عن هذا الذنب المعيّن.

(وصيغته : هي) أو أنتِ أو هذه أو فلانة عليَّ ونحوه أو محذوف الصلة (٥) (كظهر اُمّي أو اُختي أو ابنتي) أو غيرهنّ من المحرّمات (ولو من

__________________

(١) قاله العلّامة في المختلف ٧ : ٤١٥.

(٢) المجادلة : ٢.

(٣) قاله الفاضل المقداد في كنز العرفان ٢ : ٢٩٠ ، وانظر التنقيح الرائع ٣ : ٣٦٧.

(٤) في قوله تعالى في الآية المذكورة : (وإنّ اللّٰه لعَفُوٌّ غفور).

(٥) أي لفظ (عليَّ) ونحوه.

٤٠٥

الرضاع على الأشهر) في الأمرين ، وهما : وقوعه بتعليقه بغير الاُمّ من المحارم النسبيّات ، ومحرّمات الرضاع مطلقاً.

ومستند عموم الحكم في الأوّل (١) ـ مع أنّ ظاهر الآية (٢) وسبب الحكم (٣) تعلّقه بالاُمّ ـ صحيحتا زرارة وجميل (٤) عن الباقر والصادق عليهما السلام الدالّتان عليه صريحاً ، ولا شاهد للمخصّص بالاُمّ النسبيّة في قوله تعالى : (مٰا هُنَّ أُمَّهٰاتِهِمْ) (٥) لأنّه لا ينفي غير الاُمّ ونحن نُثبت غيرها بالأخبار الصحيحة لا بالآية ، ولا في صحيحة (٦) سيف (٧) التمّار عن الصادق عليه السلام «قال : قلت له : الرجل يقول لامرأته : أنتِ عليَّ كظهر اُختي أو عمّتي أو خالتي ، فقال : إنّما ذكر اللّٰه تعالى الاُمّهات وإنّ هذا لحرام» (٨) لأنّ عدم ذكره لغيرهنّ لا يدلّ على الاختصاص. ولا يلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة أو الخطاب؛ لأنّه أجاب بالتحريم. ولعلّ السائل استفاد مقصوده منه؛ إذ ليس في السؤال ما يدلّ على موضع حاجته.

ومستند عمومه في الثاني (٩) قوله صلى الله عليه وآله : «يحرم من الرضاع ما يحرم

__________________

(١) غير الاُمّ من المحارم النسبيّات.

(٢) المجادلة : ٢.

(٣) أي سبب نزول الآية ، حيث نزلت في شخصٍ ظاهَرَ وعلّقه بالاُمّ.

(٤) الوسائل ١٥ : ٥١١ ، الباب ٤ من كتاب الظهار ، الحديث ١ و ٢.

(٥) المجادلة : ٢.

(٦) عطف على (في قوله تعالى) يعني لا شاهد في صحيحة سيف أيضاً.

(٧) في (ع) زيادة : بن.

(٨) الوسائل ١٥ : ٥١١ ـ ٥١٢ ، الباب ٤ من كتاب الظهار ، الحديث ٣.

(٩) يعني المحرّمات بالرضاع مطلقاً.

٤٠٦

من النسب «(١) وقول الباقر عليه السلام في صحيحة زرارة : (هو من كلّ ذي محرم : اُمّاً أو اُختاً (٢) أو عمّة أو خالة) ... الحديث (٣) و (كلّ) من ألفاظ العموم يشمل المحرَّمة (٤) رضاعاً ، و (من) في الخبر (٥) تعليليّة ، مثلها في قوله تعالى : (مِمّٰا خَطِيئٰاتِهِمْ أُغْرِقُوا) (٦) وقوله : «ويُغضىٰ من مهابته» (٧) أو بمعنى الباء ، مثلها في قوله تعالى : (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ) (٨) والتقدير : يحرم لأجل الرضاع أو بسببه ما يحرم لأجل النسب أو بسببه ، والتحريم في الظهار بسبب النسب ثابت في الجملة إجماعاً ، فيثبت بسبب الرضاع كذلك. وحينئذٍ فيندفع ما قيل : من أنّ الظهار سببه التشبيه بالنسب لا نفس النسب ، فلا يلزم من كون التشبيه بالنسب سبباً في التحريم كونُ التشبيه بالرضاع سبباً فيه (٩)

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٨٠ ، الباب الأوّل من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث الأوّل.

(٢) في (ع) : اُمّاً واُختاً ، وفي (ش) : اُمّاً اُختاً. وفي الكافي والتهذيب : اُمٍّ أو اُختٍ ، وفي الوسائل : من اُمٍّ أو اُخت.

(٣) الوسائل ١٥ : ٥١١ ، الباب ٤ من كتاب الظهار ، الحديث الأوّل.

(٤) في (ش) : المحرّمات.

(٥) أي الخبر النبويّ (يحرم من الرضاع ...).

(٦) نوح : ٢٥.

(٧) جملة من أحد أبيات القصيدة المشهورة للفرزدق في مدح الإمام السجّاد عليه السلام أمام هشام ابن عبد الملك في موسم الحجّ وتمام البيت :

يغضي حياءً ويُغضىٰ من مهابته

فما يكلّم إلّاحين يبتسمُ

إرشاد المفيد ٢ : ١٥١.

(٨) الشورى : ٤٥.

(٩) قاله فخر المحقّقين في الإيضاح ٣ : ٤٠٩.

٤٠٧

لما قد عرفت من الملازمة (١).

ويمكن أن ينبّه بالأشهر على ثالث وهو اختصاص التشبيه بمن ذكر ، وهو محرّمات النسب والرضاع ، دون غيرهنّ (٢) لتخرج المحرّمات مؤبّداً بالمصاهرة ، فقد قيل بوقوعه بالتشبيه بهنّ للاشتراك في العلّة (٣) وهي التحريم المؤبَّد ، ولعموم قوله عليه السلام : «هو من كلّ ذي محرم» (٤) ولا ينافيه قوله بعد ذلك : «اُمّاً أو اُختاً أو عمّة» لأنّ ذكرهنّ للمثال لا للحصر؛ إذ المحرم النسبي أيضاً غير منحصر فيهنّ ، ولم يقل أحد باختصاص الحكم بالثلاثة. لكن المشهور عدم وقوعه متعلّقاً بهنّ (٥).

(ولا اعتبار بغير لفظ الظهر) من أجزاء البدن ، كقوله : أنت عليَّ كبطن اُمّي أو يدها أو رِجلها أو فرجها؛ لأصالة الإباحة وعدم التحريم بشيءٍ من الأقوال إلّا ما أخرجه الدليل ، ولدلالة الآية (٦) والرواية (٧) على الظَهر ، ولأ نّه مشتقّ منه فلا يصدق بدونه.

__________________

(١) وهي قوله : والتحريم في الظهار بسبب النسب ثابت في الجملة إجماعاً فيثبت ...

(٢) اختاره الشيخ في المبسوط ٥ : ١٤٩ ـ ١٥٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٣٤ ، وابن الجنيد كما نقل عنه العلّامة في المختلف ٧ : ٤١٥ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ٦١.

(٣) القائل بذلك فخر الدين في شرحه [الإيضاح ٣ : ٤٠٩] (منه رحمه الله). وقاله العلّامة أيضاً في المختلف ٧ : ٤١٥.

(٤) تقدّم تخريجه في الهامش ٣ من الصفحة السابقة.

(٥) أي بالمحرّمات بالمصاهرة.

(٦) وهي قوله تعالى : (اَلَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ) المجادلة : ٣.

(٧) وهي رواية زرارة وجميل المتقدّم تخريجهما في الهامش ٤ من الصفحة ٤٠٦.

٤٠٨

وقيل : يقع بجميع ذلك (١) استناداً إلى رواية ضعيفة (٢).

ولو علّقه بما يشمل الظهر ـ كالبدن والجسم ـ فالوجهان وأولى بالوقوع.

[شروطه واحكامه]

(ولا التشبيه * بالأب) وإن عيّن ظهره (أو الأجنبيّة) وإن شاركا في التحريم (أو اُخت الزوجة) لأنّ تحريمها غير مؤبّد. ويفهم من تخصيصها بالذكر من بين المحرّمات بالمصاهرة الميل إلى التحريم بهنّ ، وإلّا لكان التمثيل بمن حرم منهنّ مؤبّداً أولى (أو مظاهرتها منه) لأصالة عدم التحريم في ذلك كلّه وكون التحريم حكماً شرعيّاً يقف على مورده.

(ولا يقع إلّامنجّزاً) غير معلّق على شرط ولا صفة ، كقدوم زيد وطلوع الشمس ، كما لا يقع الطلاق معلّقاً إجماعاً ، وإنّما كان مثله لقول الصادق عليه السلام : «لا يكون الظهار إلّاعلى مثل موقع الطلاق» (٣) ولرواية القاسم بن محمّد قال : «قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام : إنّي ظاهرت من امرأتي ، فقال لي : كيف قلت؟ قال : قلت : أنتِ عليَّ كظهر اُمّي إن فعلت كذا وكذا. فقال : لا شيء عليك

__________________

(١) قاله الشيخ في المبسوط ٥ : ١٤٩ ، والخلاف ٤ : ٥٣٠ ، المسألة ٩ من كتاب الظهار ، والنهاية : ٥٢٦ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٢٩٨ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٣٤ ، ونسبه في المختلف ٧ : ٤١٠ إلى الصدوق في المقنع ولكن لم نعثر فيه على ذلك.

(٢) هي رواية سدير عن الصادق عليه السلام ، الوسائل ١٥ : ٥١٧ ، الباب ٩ من كتاب الظهار ، الحديث ٢. وهي ضعيفة السند بسهل بن زياد وهو غالٍ ، وغياث بن إبراهيم وهو بتري ، ومحمّد بن سليمان وهو ضعيف أو مشترك بينه وبين الثقة ، وحال سدير إلى الضعف أقرب من غيره. راجع المسالك ٩ : ٤٧١.

(*) في (ق) و (س) : بالتشبيه.

(٣) الوسائل ١٥ : ٥١٠ ، الباب ٢ من كتاب الظهار ، الحديث ٣.

٤٠٩

ولا تعد) (١) ومثله روى ابن بكير عن أبي الحسن عليه السلام (٢).

(وقيل) والقائل الشيخ (٣) وجماعة (٤) : (يصحّ تعليقه على الشرط) وهو ما يجوز وقوعه في الحال وعدمه كدخول الدار (لا) على (الصفة) وهي ما لا يقع في الحال قطعاً ، بل في المستقبل كانقضاء الشهر (وهو قويّ) لصحيحة حريز عن الصادق عليه السلام قال : «الظهار ظهاران : فأحدهما أن يقول : أنت عليَّ كظهر اُمّي ثمّ يسكت ، فذلك الذي يكفّر قبل أن يواقع ، فإذا قال : أنت عليّ كظهر اُمّي إن فعلتُ كذا وكذا ففعل ، وجبت عليه الكفّارة حين يحنث» (٥) وقريب منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عنه عليه السلام (٦) أيضاً (٧) فخرج الشرط عن المنع بهما وبقي غيره على أصل المنع.

وأمّا أخبار المنع من التعليق مطلقاً فضعيفة جدّاً (٨) لا تعارض الصحيح ، مع

__________________

(١) و (٢) الوسائل ١٥ : ٥٣٠ ، الباب ١٦ من كتاب الظهار ، الحديث ٤ و ٣.

(٣) المبسوط ٥ : ١٥٠ ، والنهاية : ٥٢٥ ، والخلاف ٤ : ٥٣٥ ـ ٥٣٦ ، المسألة ٢٠ من كتاب الظهار.

(٤) مثل : الصدوق في المقنع : ٣٢٣ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٣٤ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ٦٢ والمختصر : ٢٠٥ ، والعلّامة في المختلف ٧ : ٤١٦ والقواعد ٣ : ١٧٢ ، وولده في الإيضاح ٣ : ٤١١ ، وابن فهد في المقتصر : ٢٨٩ وقال : هو المشهور.

(٥) و (٦) الوسائل ١٥ : ٥٣٠ ـ ٥٣١ ، الباب ١٦ من كتاب الظهار ، الحديث ٧ و ١.

(٧) أثبتنا (أيضاً) من (ع).

(٨) مثل رواية قاسم بن محمّد وابن بكير المتقدّم تخريجهما في الهامش ١ و ٢ ، ورواية ابن فضّال ، الوسائل ١٥ : ٥٣٢ ، الباب ١٦ من كتاب الظهار ، الحديث ١٣. وأمّا ضعف الروايات فلأنّ في سند الاُولى القاسم بن محمّد وهو مشترك بين الثقة والضعيف ، والأخيرتان مرسلتان وفي طريقهما ابن فضال وابن بكير وحالهما معلوم. راجع المسالك ٩ : ٤٧٩.

٤١٠

إمكان حملها على اختلال بعض الشروط غير الصيغة كسماع الشاهدين (١) فإنّه لو لم يكن ظاهراً لوجب جمعاً بينها (٢) لو اعتبرت.

(والأقرب صحّة توقيته) بمدّة كأن يقول : أنت عليّ كظهر اُمّي إلى شهر أو سنة مثلاً؛ لعموم الآيات (٣) والروايات (٤) ولأنّ الظهار كاليمين القابلة للاقتران بالمدّة ، وللأصل ، ولحديث سلمة بن صخر : أنّه ظاهر من امرأته إلى سلخ رمضان وأقرّه النبيّ صلى الله عليه وآله وأمره بالتكفير للمواقعة قبله (٥) وإقراره حجّة كفعله وقوله صلى الله عليه وآله.

وقيل : لا يقع مطلقاً (٦) لأنّ اللّٰه تعالى علّق حِلّ الوطء في كلّ المظاهرين بالتكفير ، ولو وقع مؤقّتاً أفضى إلى الحِلّ بغيره ، واللازم كالملزوم في البطلان.

وربما فُرّق بين المدّة الزائدة على ثلاثة أشهر وغيرها؛ لعدم المطالبة بالوطء قبلها وهي من لوازم وقوعه (٧) وهو غير كافٍ في تخصيص العموم.

(ولا بدّ من حضور عدلين) يسمعان الصيغة كالطلاق ، فلو ظاهر ولم يسمعه الشاهدان وقع لاغياً (وكونها طاهراً من الحيض والنفاس(

__________________

(١) في (ش) : شاهدين.

(٢) في (ر) : بينهما.

(٣) المجادلة : ٢ و ٣.

(٤) منها صحيحة حريز وعبد الرحمن المتقدّم تخريجهما في الهامش ٥ و ٦ من الصفحة السابقة.

(٥) اُنظر السنن الكبرى ٧ : ٣٩٠ ، وكنز العمّال ١٠ : ١٢٨ ، الرقم ٢٨٦٤٤.

(٦) قاله الشيخ في الخلاف ٤ : ٥٤٢ ، المسألة ٢٦ من كتاب الظهار ، والمبسوط ٥ : ١٥٦ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٣٠١ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٧٠٩.

(٧) احتمله العلّامة في المختلف ٧ : ٤٤٦ ، ونسبه إليه في المسالك ٩ : ٤٨١ دون تردّد نافياً البأس عنه.

٤١١

مع حضور الزوج أو حكمه وعدمِ الحَبَل كالطلاق ، وكان عليه أن ينبّه عليه ، ولعلّه أهمله لظهور أنّ هذه شرائط الطلاق (وأن لا يكون قد قربها في ذلك الطهر) مع حضوره أيضاً كما سبق (١) فلو غاب وظنّ انتقالها منه إلى غيره وقع [منه] (٢) مطلقاً (٣) (وأن يكون المظاهر كاملاً) بالبلوغ والعقل (قاصداً) فلا يقع ظهار الصبيّ والمجنون وفاقد القصد بالإكراه والسكر والإغماء والغضب إن اتّفق.

(ويصحّ من الكافر) على أصحّ القولين (٤) للأصل والعموم (٥) وعدم المانع؛ إذ ليس عبادة يمتنع وقوعها منه. ومنعه الشيخ؛ لأنّه لا يقرّ بالشرع ، والظهار حكم شرعيٌّ ، ولأ نّه لا تصحّ منه الكفّارة لاشتراط نيّة القربة فيها فيمتنع منه الفئة ، وهي من لوازم وقوعه.

ويضعَّف بأ نّه من قبيل الأسباب وهي لا تتوقّف على اعتقادها ، والتمكّن من التكفير متحقّق بتقديمه الإسلام؛ لأنّه قادر عليه ، ولو لم يقدر على العبادات لامتنع تكليفه بها عندنا ، وإنّما تقع منه باطلة لفقد شرطٍ مقدور.

(والأقرب صحّته بملك اليمين) ولو مدبَّرة أو اُمّ ولد؛ لدخولها في عموم

__________________

(١) سبق في الصفحة ٣٥٣.

(٢) لم يرد في المخطوطات.

(٣) صادف الحيض أم لا.

(٤) قوّاه ابن إدريس في السرائر ٢ : ٧٠٨ ، واختاره المحقّق في الشرائع ٣ : ٦٣ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ١٧٠ ، والإرشاد ٢ : ٥٥. والقول بالعدم للشيخ في الخلاف ٤ : ٥٢٥ ، المسألة ٢ من كتاب الظهار ، والمبسوط ٥ : ١٤٥ ، ونسبه في المختلف ٧ : ٤٠٨ إلى ظاهر الإسكافي.

(٥) عموم أدلّة الظهار.

٤١٢

(وَاَلَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ) (١) كدخولها في قوله تعالى : (وَأُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ) (٢) فحرمت اُمّ الموطوءة بالملك ، ولصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال : «وسألته عن الظهار على الحرّة والأمة؟ فقال : نعم» (٣) وهي تشمل الموطوءة بالملك والزوجيّة.

وذهب جماعة (٤) إلى عدم وقوعه على ما لا يقع عليه الطلاق؛ لأنّ المفهوم من النساء : الزوجة ، ولورود السبب (٥) فيها ، ولرواية حمزة بن حمران عن الصادق عليه السلام في من يظاهر من أمته ، قال : «يأتيها وليس عليه شيء» (٦) ولأنّ الظهار كان في الجاهليّة طلاقاً وهو لا يقع بها ، وللأصل.

ويُضعَّف بمنع الحمل على الزوجة ، وقد سلف ، والسبب لا يخصِّص وقد حُقّق في الاُصول (٧) والرواية ضعيفة السند (٨) وفعل الجاهليّة لا حجّة فيه ، وقد نقل أنّهم كانوا يُظاهرون من الأمة أيضاً (٩) والأصل قد اندفع بالدليل.

__________________

(١) المجادلة : ٣.

(٢) النساء : ٢٣.

(٣) الوسائل ١٥ : ٥٢٠ ، الباب ١١ من كتاب الظهار ، الحديث ٢.

(٤) مثل الشيخ المفيد في المقنعة : ٥٢٤ ، والحلبي في الكافي : ٣٠٤ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٢٩٨ ، والديلمي في المراسم : ١٦٢ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٧٠٩.

(٥) سبب نزول الآية.

(٦) الوسائل ١٥ : ٥٢١ ، الباب ١١ من كتاب الظهار ، الحديث ٦.

(٧) راجع الذريعة إلى اُصول الشريعة ١ : ٣٠٧.

(٨) لأنّ في طريقها ابن فضّال وابن بكير وهما فطحيّان ، راجع المسالك ٩ : ٩ ـ ١٠.

(٩) اُنظر غاية المراد ٣ : ٢٧٧.

٤١٣

وهل يشترط كونها مدخولاً بها؟ قيل : لا (١) للأصل والعموم (٢).

(والمرويّ) صحيحاً (اشتراط الدخول) فروى محمّد بن مسلم في الصحيح عن أحدهما عليهما السلام قال : «لا يكون ظهاراً (٣) ولا إيلاء حتّى يدخل بها» (٤) وفي صحيحة الفضل بن يسار أنّ الصادق عليه السلام قال : «لا يكون ظهاراً (٥) ولا إيلاء حتّى يدخل بها» (٦) وهذا هو الأصحّ ، وهو مخصّص للعموم بناءً على أنّ خبر الواحد حجّة ويخصّص عموم الكتاب (ويكفي الدُبر) لصدق الوطء به كالقبل.

(ويقع الظهار بالرتقاء والقرناء والمريضة التي لا توطأ) كذا ذكره المصنّف وجماعة (٧) وهو يتمّ على عدم اشتراط الدخول ، أمّا عليه فلا؛ لإطلاق النصّ (٨) باشتراطه من غير فرق بين من يمكن ذلك في حقّه بالنظر إليه وإليها

__________________

(١) قاله المفيد في المقنعة : ٥٢٤ ، وابن زهرة في الغنية : ٣٦٦ ـ ٣٦٧ ، والكيدري في الإصباح : ٤٥٦ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٧١٠.

(٢) عموم أدلّة الظهار.

(٣) كذا في النسخ. وفي المصادر : ظهار ، وهو الصحيح.

(٤) التهذيب ٨ : ٢١ ، الحديث ٦٥ ، والوسائل ١٥ : ٥١٦ ، الباب ٨ من كتاب الظهار ، الحديث ٢ ، وفيهما : في المرأة التي لم يدخل بها زوجها ، قال : لا يقع عليها إيلاء ولا ظهار. وروي الحديث في الوسائل عن أبي جعفر وأبي عبد اللّٰه عليهما السلام.

(٥) كذا في النسخ. وفي المصادر : ظهار ، وهو الصحيح.

(٦) التهذيب ٨ : ٢١ ، الحديث ٦٦ ، والوسائل ١٥ : ٥١٦ ، الباب ٨ من كتاب الظهار ، الحديث الأوّل. وفيهما عن الفضيل بن يسار.

(٧) منهم المحقّق في الشرائع ٣ : ٦٤ ، والعلّامة في الإرشاد ٢ : ٥٥ ، والقواعد ٣ : ١٧١.

(٨) راجع الهامش ٤ و ٦.

٤١٤

وغيره ، ولكن ذكر ذلك من اشترط الدخول كالمصنّف ، ومن توقّف كالعلّامة (١) والمحقّق (٢) ويمكن أن يكون قول المصنّف هنا من هذا القبيل (٣) وكيف كان فبناء الحكم على اشتراط الدخول غير واضح. والقول بأ نّه إنّما يشترط حيث يمكن تحكّم ، ومثله حكمهم (٤) بوقوعه من الخصيّ والمجبوب حيث يمتنع الوطء منهما.

(وتجب الكفّارة بالعود ، وهي *) أنَّث الضمير لتوسّطه بين مذكّر ومؤنّث أحدهما مفسّر للآخر قاعدة مطّردة ، أي المراد من العود (إرادة الوطء) لا بمعنى وجوبها مستقرّاً بإرادته ، بل (بمعنى تحريم وطئها حتّى يكفّر) فلو عزم ولم يفعل ولم يكفّر ثمّ بدا له في ذلك فطلّقها سقطت عنه الكفّارة. ورجّح في التحرير (٥) استقرارها به محتجّاً بدلالة الآية وهي قوله تعالى : (ثُمَّ يَعُودُونَ لِمٰا قٰالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) (٦) عليه. وفي الدلالة عليه نظر ، وإنّما ظاهرها وجوبها بالعود قبل أن يتماسّا ، لا مطلقاً.

وإنّما يحرم الوطء عليه به لا عليها ، إلّاأن تكون معاونة له على الإثم فيحرم لذلك ، لا للظهار ، فلو تشبّهت عليه على وجه لا يحرم عليه ، أو استدخلته

__________________

(١) و (٢) راجع الهامش ٧ في الصفحة السابقة.

(٣) قد جعل المصنّف في شرح الإرشاد [غاية المراد ٣ : ٢٧٥] اشتراط الدخول أصحّ ، وهذا هو التصريح بالاشتراط ، أمّا نسبته إلى المرويّ فلا يخلو من شائبة التوقّف. (منه رحمه الله).

(٤) مثل فخر المحقّقين في الإيضاح ٣ : ٤٠٥.

(*) في (ق) : هو.

(٥) التحرير ٤ : ١٠٧ ، الرقم ٥٤٧٢.

(٦) المجادلة : ٣.

٤١٥

وهو نائم لم يحرم عليها؛ لثبوت الحلّ لها قبله والأصل بقاؤه.

ويفهم من قوله : (بمعنى تحريم وطئها حتّى يكفّر) أنّ غير الوطء من ضروب الاستمتاع لا يحرم عليه ، وهو أحد القولين في المسألة (١) لظاهر قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا) (٢) إذ الظاهر منها الوطء كما في قوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) (٣) وإن كان بحسب اللغة أعمّ منه ، حذراً من الاشتراك. ولا يرد استلزامه النقل ، والاشتراك خير منه؛ لأنّا نجعله متواطئاً على معنى يشترك فيه كثير وهو تلاقي الأبدان مطلقاً ، وإطلاقه على الوطء استعمال اللفظ في بعض أفراده. وهو أولى منهما ومن المجاز أيضاً. ومنه يظهر جواب ما احتجّ به الشيخ على تحريم الجميع استناداً إلى إطلاق المسيس (٤).

وأمّا الاستناد إلى تنزيلها منزلة المحرّمة مؤبّداً (٥) فهو مصادرة.

هذا كلّه إذا كان الظهار مطلقاً. وأمّا لو كان مشروطاً لم يحرم حتّى يقع الشرط ، سواء كان الشرط الوطء أم غيره.

ثمّ إن كان هو الوطء تحقّق بالنزع ، فتحرم المعاودة قبلها ولا تجب قبله وإن

__________________

(١) ذهب إليه ابن إدريس في السرائر ٢ : ٧١١ ، وقوّاه العلّامة في المختلف ٧ : ٤٢٤.

والقول الآخر تحريم الجميع ذهب إليه الشيخ في المبسوط ٥ : ١٥٤ ـ ١٥٥ ، والخلاف ٤ : ٥٣٩ ، المسألة ٢٢ من كتاب الظهار ، والعلّامة في القواعد ٣ : ١٧٣ ، وولده في الإيضاح ٣ : ٤١٥.

(٢) المجادلة : ٣.

(٣) البقرة : ٢٣٧ ، والأحزاب : ٤٩.

(٤) اُنظر الخلاف ٤ : ٥٣٩ ، ذيل المسألة ٢٢ من كتاب الظهار ، والمبسوط ٥ : ١٥٥.

(٥) استند إليه الفخر في الإيضاح ٣ : ٤١٥.

٤١٦

طالت مدّته على أصحّ القولين (١) حملاً على المتعارف.

(ولو وطئ قبل التكفير) عامداً حيث يتحقّق التحريم (فكفّارتان) إحداهما للوطء ، والاُخرى للظهار ، وهي الواجبة بالعزم. ولا شيء على الناسي. وفي الجاهل وجهان : من أنّه عامد ، وعذره في كثير من نظائره.

(ولو كرّر) الوطء قبل التكفير عن الظهار وإن كان قد كفّر عن الأوّل (تكرّرت الواحدة) وهي التي وجبت للوطء ، دون كفّارة الظهار ، فيجب عليه ثلاث للوطء الثاني ، وأربع للثالث ، وهكذا ... ويتحقّق تكراره بالعود بعد النزع التامّ (وكفّارة الظهار بحالها) لا تتكرّر بتكرّر الوطء.

(ولو طلّقها) طلاقاً (بائناً أو رجعيّاً وانقضت العدّة حلّت له من غير تكفير) لرواية بريد العجلي (٢) وغيره (٣) ولصيرورته بذلك كالأجنبيّ ، واستباحة الوطء ليس بالعقد الذي لحقه التحريم. ورُوي أنّ ذلك لا يسقطها (٤) وحملت على الاستحباب (٥) ولو راجع في الرجعيّة عاد التحريم قطعاً (وكذا لو ظاهر من أمة) هي زوجته (ثمّ اشتراها) من مولاها؛ لاستباحتها حينئذٍ بالملك وبطلان

__________________

(١) اختاره المحقّق في الشرائع ٣ : ٦٥ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ١٧٣. والقول الآخر هو المنسوب إلى الشيخ ، اُنظر النهاية : ٥٢٥.

(٢) كذا في سند الصدوق في الفقيه ، ولكن في الكافي ٦ : ١٦١ الحديث ٣٤ والتهذيب ٨ : ١٦ الحديث ٥١ يزيد الكناسي بدل بريد ، اُنظر الفقيه ٣ : ٥٢٩ ، الحديث ٤٨٣١ ، والوسائل ١٥ : ٥١٨ ، الباب ١٠ من كتاب الظهار ، الحديث ٢.

(٣) اُنظر بقيّة أحاديث الباب ١٠ من الوسائل في الهامش السابق.

(٤) اُنظر الوسائل ١٥ : ٥١٩ ، الباب ١٠ من كتاب الظهار ، الحديث ٩.

(٥) حملها السيوري في التنقيح الرائع ٣ : ٣٧٦.

٤١٧

حكم العقد كما بطل حكم السابق في السابق (١) وكذا يسقط حكم الظهار لو اشتراها غيره وفسخ العقد ثمّ تزوّجها المظاهر بعقد جديد.

(ويجب تقديم الكفّارة على المسيس) لقوله تعالى : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّٰا) (٢) (ولو ماطل) بالعود أو التكفير (رافعته إلى الحاكم فيُنظِره ثلاثة أشهر) من حين المرافعة (حتّى يُكفّر ويفيء) أي يرجع عن الظهار مقدّماً للرجعة على الكفّارة كما مرّ (٣) (أو يطلّق ويُجبره على ذلك بعدها) أي بعد المدّة (لو امتنع) فإن لم يختر أحدهما ضيّق عليه في المطعم والمشرب حتّى يختار أحدهما ، ولا يجبره على أحدهما عيناً. ولا يطلّق عنه ، كما لا يعترضه لو صبرت.

* * *

__________________

(١) وهو في ما إذا طلّق بائناً ، أو رجعيّاً وانقضت العدّة.

(٢) المجادلة : ٣.

(٣) في الصفحة ٤١٥.

٤١٨

كتاب الإيلاء

٤١٩
٤٢٠