الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

(ولو أوصى للعبد لم يصحّ) سواء كان قنّاً أم مدبَّراً أم اُمَّ ولد ، أجاز مولاه أم لا؛ لأنّ العبد لا يملك بتمليك سيّده ، فبتمليك غيره أولى ، ولرواية عبد الرحمن ابن الحجّاج عن أحدهما عليهما السلام قال : «لا وصيّة لمملوك» (١) ولو كان مكاتباً مشروطاً أو مطلقاً لم يؤدّ شيئاً ففي جواز الوصيّة له قولان (٢) من أنّه في حكم المملوك حيث لم يتحرّر منه شيء ، ولرواية محمّد بن قيس عن الباقر عليه السلام (٣) ومن انقطاع سلطنة المولى عنه ، ومن ثَمَّ جاز اكتسابه ، وقبول الوصيّة نوع منها. والصحّة مطلقاً أقوى ، والرواية لا حجّة فيها (٤).

(إلّاأن يكون) العبد الموصى له (عبدَه) أي عبد الموصي (فتُصرف) الوصيّة (إلى عتقه) فإن ساواه عُتق أجمع وإن نقص عُتق بحسابه (وإن زاد المال عن ثمنه فله) الزائد. ولا فرق في ذلك بين القنّ وغيره ، ولا بين المال المشاع والمعيَّن على الأقوى. ويحتمل اختصاصه بالأوّل ، لشيوعه في جميع المال وهو من جملته فيكون كعتق جزء منه ، بخلاف المعيَّن ،

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٦٦ ، الباب ٧٨ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٢.

(٢) القول بالجواز للمفيد في المقنعة : ٦٧٧ ، والديلمي في المراسم : ٢٠٧ ، والشهيد في الدروس ٢ : ٢٥١ ، وقوّاه الفاضل المقداد في التنقيح ٢ : ٣٧٢. والقول بعدمه للشيخ في النهاية : ٦١٠ ، والحلّي في السرائر ٣ : ١٩٩ ، ويحيى بن سعيد في الجامع : ٤٩٥ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٢٥٣ ، وغيرهم. وراجع للتفصيل مفتاح الكرامة ٩ : ٣٩٩.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٦٨ ، الباب ٨٠ من أبواب أحكام الوصايا ، وفيه حديث واحد.

(٤) إمّا لاشتراك محمّد بن قيس الذي يروي عن الباقر عليه السلام بين الثقة وغيره ، أو لأنّها واقعة حالٍ فلا يعمّ؛ لأنّه يسأله عن مكاتبٍ كانت تحته امرأة حرّة ، فأوصت له عند موتها بوصيّةٍ فقال أهل الميراث : لا نجيز وصيّتها ، إنّه مكاتبٌ لم يُعتق ولا يرث ، فقضى أنّه يرث بحساب ما اُعتق منه ويجوز له من الوصيّة بحساب ما اُعتق منه ... الحديث (منه رحمه الله).

١٠١

ولا بين أن تبلغ قيمته ضعف الوصيّة وعدمه. وقيل : تبطل في الأوّل (١) استناداً إلى رواية (٢) ضعيفة.

(وتصحّ الوصيّة للمشقَّص) وهو الذي عُتق منه شِقص ـ بكسر الشين ـ وهو الجزء (بالنسبة) أي بنسبة ما فيه من الحرّية. والمراد به مملوك غير السيّد ، أمّا هو فتصحّ في الجميع بطريق أولى.

(ولاُمّ الولد) أي اُمّ ولد الموصي؛ لأنّها في حياته من جملة مماليكه ، وإنّما خصّها ليترتّب (٣) عليها قوله : (فتعتق من نصيبه) أي نصيب ولدها (وتأخذ الوصيّة) لصحيحة أبي عبيدة عن الصادق عليه السلام (٤) ولأنّ التركة تنتقل من حين الموت إلى الوارث فيستقرّ ملك ولدها على جزءٍ منها فتعتق عليه وتستحقّ الوصيّة. والوصيّة للمملوك وإن لم تتوقّف على القبول فينتقل إلى ملك الموصى له بالموت ، إلّاأنّ تنفيذها يتوقّف على معرفة القيمة ووصول التركة إلى الوارث ، بخلاف ملك الوارث. وقيل : تعتق من الوصيّة ، فإن ضاقت فالباقي من نصيب ولدها (٥) لتأخّر الإرث عن الوصيّة والدين بمقتضى الآية (٦)

__________________

(١) قاله المفيد في المقنعة : ٦٧٦ ، والشيخ في النهاية : ٦١٠ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ١٠٧.

(٢) اُنظر الوسائل ١٣ : ٣٦٧ ، الباب ١١ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ١٠. والرواية ضعيفة بالحسن (الحسن بن صالح) فإنّ حاله في الزيديّة مشهور. راجع المسالك ٦ : ٢٢٤ ـ ٢٢٥.

(٣) في (ش) : ليرتّب.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٧٠ ، الباب ٨٢ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٤.

(٥) قاله ابن إدريس في السرائر ٣ : ٢٠٠ ، والعلّامة في الإرشاد ١ : ٤٥٨ ، والتحرير ٣ : ٣٦٨ ، والقواعد ٢ : ٤٤٩ ، ونسبه في المهذّب البارع ٣ : ١٠٩ ، إلى المشهور.

(٦) النساء : ١١ و ١٢.

١٠٢

ولظاهر الرواية (١).

(والوصيّة لجماعة تقتضي التسوية) بينهم فيها ، ذكوراً كانوا أم إناثاً أم مختلفين ، وسواء كانت الوصيّة لأعمامه وأخواله أم لغيرهم على الأقوى (إلّامع التفضيل) فيتّبع شرطه ، سواء جعل المفضَّل الذكر أم الاُنثى.

(ولو قال : على كتاب اللّٰه ، فللذكر ضعف الاُنثى) لأنّ ذلك حكم الكتاب في الإرث ، والمتبادر منه هنا ذلك.

(والقرابة : من عرف بنسبه) عادةً؛ لأنّ المرجع في الأحكام إلى العرف حيث لا نصّ ، وهو دالّ على ذلك. ولا يكفي مطلق العلم بالنسب كما يتّفق ذلك في الهاشميّين ، ونحوه ممّن يُعرف نسبه مع بُعده الآن مع انتفاء القرابة عرفاً. ولا فرق بين الوارث وغيره ، ولا بين الغنيّ والفقير ، ولا بين الصغير والكبير ، ولا بين الذكر والاُنثى.

وقيل : ينصرف إلى أنسابه الراجعين إلى آخر أب واُمّ له في الإسلام ، لا مطلق الأنساب (٢) استناداً إلى قوله صلى الله عليه وآله : «قطع الإسلام أرحام الجاهليّة» (٣) فلا يُرتقى إلى آباء الشرك وإن عُرفوا بالنسب.

وكذا لا يُعطى الكافر وإن انتسب إلى مسلم؛ لقوله تعالى عن ابن نوح : (إِنَّهُ

__________________

(١) أي الرواية السابقة عن أبي عبيدة ، فإنّه قال فيها : تعتق من ثلث الميّت وتُعطى ما أوصى لها به. وفي ظاهرها تدافع ولكن ورد فيها أنّها تعتق من نصيب ابنها وتعطى من ثلثه ما أوصى لها به [الوسائل ١٣ : ٤٧٠ ، الباب ٨٢ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٤] (منه رحمه الله).

(٢) قاله المفيد في المقنعة : ٦٧٥ ، والشيخ في النهاية : ٦١٤.

(٣) لم نعثر عليه في الجوامع الحديثيّة.

١٠٣

لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) (١) ودلالتهما على ذلك ممنوعة مع تسليم سند الأوّل.

(والجيران لمن يلي داره إلى أربعين ذراعاً) من كلّ جانب على المشهور. والمستند (٢) ضعيف. وقيل : إلى أربعين داراً (٣) استناداً إلى رواية عامّيّة (٤).

والأقوى الرجوع فيهم إلى العرف. ويستوي [فيه] (٥) مالك الدار ومستأجرها ومستعيرها ، وغاصبها على الظاهر. ولو انتقل منها إلى غيرها اعتبرت الثانية. ولو غاب لم يخرج عن الحكم ما لم تطل الغيبة بحيث يخرج عرفاً. ولو تعدّدت دور الموصي وتساوت في الاسم عرفاً استحقّ جيران كلّ واحدة ، ولو غلب أحدها اختصّ. ولو تعدّدت دور الجار واختلفت في الحكم اعتبر إطلاق اسم «الجار» عليه عرفاً كالمتّحد. ويحتمل اعتبار الأغلب سكنى فيها.

وعلى اعتبار الأذرع ففي استحقاق ما كان على رأس الغاية وجهان ، أجودهما الدخول. وعلى اعتبار الدور قيل : يقسَّم على عددها ، لا على عدد

__________________

(١) هود : ٤٦.

(٢) قال الشارح في المسالك ٥ : ٣٤٣ : الثاني (أربعون ذراعاً) قول الأكثر ومنهم الشيخان وأتباعهما وابن إدريس والشهيد ومال إليه العلّامة في التحرير ومع ذلك لم نقف على مستند خصوصاً لمثل ابن إدريس الذي لا يعول في مثل ذلك على الأخبار الصحيحة ونحوها ...

(٣) نسبه في الإيضاح ٢ : ٣٨٦ ، وغاية المرام ٢ : ٣٧١ ، وجامع المقاصد ٩ : ٤٥ إلى بعض الأصحاب. ولكن لم نعثر عليه بعينه ، نعم نسبه في مفتاح الكرامة ٩ : ٥٩ إلى خيرة الدروس ، ولكنّه سهو منه قدس سره. اُنظر الدروس ٢ : ٢٧٣ و ٣٠٨.

(٤) روتها عائشة عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه قال : الجار إلى أربعين داراً [كنز العمّال ٩ : ٥٢ ، الحديث ٢٤٨٩٥. وراجع الوسائل ٨ : ٤٩١ ـ ٤٩٢ ، الباب ٩٠ من أحكام العشرة]. (منه رحمه الله).

(٥) لم يرد في المخطوطات.

١٠٤

سكّانها ثمّ تقسَّم حصّة كلّ دار على عدد سكّانها (١) ويحتمل القسمة على عدد السكّان مطلقاً (٢) وعلى المختار فالقسمة على الرؤوس مطلقاً.

(وللمَوالي) أي موالي الموصي واللام عوض عن المضاف إليه (تحمل على العتيق) بمعنى المفعول (والمعتِق) بالبناء للفاعل على تقدير وجودهما ، لتناول الاسم لهما كالإخوة (٣) ولأنّ الجمع المضاف يفيد العموم فيما يصلح له. (إلّامع القرينة) الدالّة على إرادة أحدهما خاصّة ، فيختصّ به بغير إشكال ، كما أنّه لو دلّت على إرادتهما معاً تناولتهما بغير إشكال ، وكذا لو لم يكن له مَوالٍ إلّا من إحدى الجهتين (٤).

(وقيل : تبطل) مع عدم قرينة تدلّ على إرادتهما أو أحدهما (٥) لأنّه لفظ مشترك ، وحمله على معنييه مجاز؛ لأنّه موضوع لكلّ منهما على سبيل البدل ، والجمع تكرير الواحد فلا يتناول غير صنف واحد ، والمعنى المجازي لا يصار إليه عند الإطلاق؛ وبذلك يحصل الفرق بينه وبين الإخوة؛ لأنّه لفظ متواطئ لا مشترك؛ لأ نّه موضوع لمعنى يقع على المتقرّب بالأب وبالاُمّ وبهما. وهذا أقوى.

(و) الوصيّة (للفقراء تنصرف إلى فقراء ملّة الموصي) لا مطلق الفقراء وإن كان جمعاً معرّفاً مفيداً للعموم ، والمخصِّص شاهد الحال الدالّ على عدم إرادة فقراء غير ملّته ونحلته (ويدخل فيهم المساكين إن جعلناهم

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) سواء وافقت حصّةُ كلّ واحد منهم حصَّتَه على تقدير القسمة على الدور أم لا.

(٣) فإنّها تتناول الإخوة من الأب ومن الاُمّ ومنهما.

(٤) يعني العتيق والمُعتِق.

(٥) قاله العلّامة في المختلف ٦ : ٣٢٦ ، والقواعد ٢ : ٤٠٠ و ٤٥١.

١٠٥

مساوين) لهم في الحال بأن جعلنا اللفظين بمعنى واحد ، كما ذهب إليه بعضهم (١) (أو أسوأ) حالاً كما هو الأقوى (وإلّا فلا) يدخلون؛ لاختلاف المعنى ، وعدم دلالة دخول الأضعف على دخول الأعلى ، بخلاف العكس.

وذكر جماعة من الأصحاب أنّ الخلاف في الأسوأ والتساوي إنّما هو مع اجتماعهما كآية الزكاة ، أمّا مع انفراد أحدهما خاصّة فيشمل الآخر إجماعاً (٢) وكأنّ المصنّف لم تثبت عنده هذه الدعوى (وكذا) القول (في العكس) بأن أوصى للمساكين ، فإنّه يتناول الفقراء على القول بالتساوي أو كون الفقراء أسوأ حالاً ، وإلّا فلا. وعلى ما نقلناه عنهم يدخل كلّ منهما في الآخر هنا مطلقاً.

__________________

(١) قاله المحقّق في الشرائع ١ : ١٩٥.

(٢) قاله ابن إدريس في السرائر ١ : ٤٥٦ ، والعلّامة في المختلف ٣ : ١٩٨ ، ونهاية الإحكام ٢ : ٣٧٩ ، والتحرير ٢ : ٤٠١ ، والصيمري في غاية المرام ١ : ٢٦٣ ، وغيرهم ، ولكن لم نعثر فيها وفي غيرها على الإجماع ، نعم ادّعى في النهاية عدم الخلاف.

١٠٦

(الفصل الثاني)

(في متعلّق الوصيّة)

(وهو كلّ مقصود) للتملّك عادةً (يقبل النقل) عن الملك من مالكه إلى غيره ، فلا تصحّ الوصيّة بما ليس بمقصود كذلك ، إمّا لحقارته كفضلة الإنسان ، أو لقلّته كحبّة الحنطة وقشر الجوزة ، أو لكون جنسه لا يقبل الملك كالخمر والخنزير ، ولا بما لا يقبل النقل كالوقف واُمّ الولد.

(ولا يشترط كونه معلوماً) للموصي ولا للموصى له ولا مطلقاً (ولا موجوداً) بالفعل (حال الوصيّة) بل يكفي صلاحيّته للوجود عادة في المستقبل.

(فتصحّ الوصيّة بالقسط والنصيب وشبهه) كالحظّ والقليل والكثير والجزيل (ويتخيّر الوارث) في تعيين ما شاء إذا لم يعلم من الموصي إرادة قدر معيَّن أو أزيد ممّا عيّنه الوارث.

(أمّا الجزء : فالعُشر) لحسنة أبان بن تغلب عن الباقر عليه السلام متمثّلاً بالجبال العشرة التي جعل على كلّ واحد منها جزءاً من الطيور الأربعة (١).

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٤٣ ، الباب ٥٤ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٤.

١٠٧

(وقيل : السُبع (١)) لصحيحة البزنطي عن أبي الحسن عليه السلام متمثّلاً بقوله تعالى : (لَهٰا سَبْعَةُ أَبْوٰابٍ لِكُلِّ بٰابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (٢)) ورُجّح (٣) الأوّل بموافقته للأصل. ولو أضافه إلى جزءٍ آخر ـ كالثلث ـ فعُشره؛ لصحيحة عبد اللّٰه بن سنان عن الصادق عليه السلام وتمثّل أيضاً بالجبال (٤) وهو مرجّح آخر.

(والسهم : الثُمن) لحسنة صفوان عن الرضا عليه السلام (٥) ومثله روى السكوني عن الصادق عليه السلام معلّلاً بآية أصناف الزكاة الثمانية (٦) وأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قسّمها على ثمانية أسهم (٧).

ولا يخفى أنّ هذه التعليلات لا تصلح للعلّيّة ، وإنّما ذكروها عليهم السلام على وجه التقريب والتمثيل.

وقيل : السهم العُشر ، استناداً إلى رواية (٨) ضعيفة.

__________________

(١) قاله المفيد في المقنعة : ٦٧٣ ، والشيخ في النهاية : ٦١٣ ، والخلاف ٤ : ١٣٩ ، المسألة ٧ من الوصايا ، وابن إدريس في السرائر ٣ : ١٨٧ و ٢٠٧ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٩٥ ، وغيرهم.

(٢) الوسائل ١٣ : ٤٤٧ ، الباب ٥٤ من أبواب الوصايا ، الحديث ١٢ ، والآية في سورة الحجر : ٤٤.

(٣) رجّحه العلّامة في المختلف ٦ : ٣٤٩.

(٤) الوسائل ١٣ : ٤٤٢ ـ ٤٤٣ ، الباب ٥٤ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٢.

(٥) و (٦) الوسائل ١٣ : ٤٤٨ ، الباب ٥٥ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٢ و ٣.

(٧) المصدر السابق : ذيل الحديث ٢.

(٨) لم نعثر على القائل ، وأمّا الرواية فهي الحديث ٤ من المصدر السابق. والظاهر أنّ ضعفها بطلحة بن زيد الواقع في سندها فهو بتري ، والبتريّة فرقة من الزيديّة لا يعتدّ بروايتهم. راجع المسالك ١٢ : ٣٤١ و ١٤ : ١٣.

١٠٨

وقيل : السُدس؛ لما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله أنّه أعطاه لرجل اُوصي له بسهم (١).

وقيل : إنّ في كلام العرب أنّ السهم سُدس (٢) ولم يثبت.

(والشيء : السُدس) ولا نعلم فيه خلافاً.

وقيل : إنّه إجماع (٣) وبه نصوص (٤) غير معلّلة.

(و) حيث لم يشترط في الموصى به كونه موجوداً بالفعل (تصحّ الوصيّة بما ستحمله الأمة أو الشجرة) إمّا دائماً أو في وقت مخصوص كالسنة المستقبلة (وبالمنفعة) كسكنى الدار مدّة معيّنة أو دائماً. ومنفعة العبد كذلك وشبهه وإن استوعبت قيمة العين.

(ولا تصحّ الوصيّة بما لا يقبل النقل ، كحقّ القصاص وحدّ القذف والشفعة) فإنّ الغرض من الأوّل تشفّي الوارث باستيفائه فلا يتمّ الغرض بنقله إلى غيره ، ومثله حدّ القذف ، والتعزير للشتم. وأمّا الشفعة فالغرض منها دفع الضرر عن الشريك بالشركة ولا حظّ للموصى له في ذلك. نعم لو اُوصي له بالشِقص والخيار معاً لم تبعد الصحّة؛ لأنّ الوصيّة بالمال والخيار تابع ، ونفعه ظاهر مقصود ، وكذا غيرها من الخيار.

(وتصحّ) الوصيّة (بأحد الكلاب الأربعة) والجرْو (٥) القابل للتعليم؛

__________________

قاله الشيخ في الخلاف (٤) : (١٤٠) ، المسألة (٩) من كتاب الوصايا ، والمبسوط (٤) : (٨) ، ولم نعثر على الرواية في المجاميع الحديثيّة ، نعم أورده الشيخ في الخلاف نفس الموضع.

(٢) قاله العلّامة في التذكرة (الحجريّة) (٢) : (٤٩٦).

(٣) قاله السيّد ابن زهرة في الغنية : (٣٠٨).

(٤) اُنظر الوسائل (١٣) : (٤٥٠) ، الباب (٥٦) من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث الأوّل وذيله.

(٥) بتثليث الجيم : صغير كلّ شيء حتّى الرمّان والبطّيخ ، وغُلب على ولد الكلب والأسد.

١٠٩

لكونها مالاً مقصوداً (لا بالخنزير ، وكلب الهراش) لانتفاء الماليّة فيهما. ومثله طبل اللهو الذي لا يقبل التغيير عن الصفة المحرّمة مع بقاء الماليّة.

(ويشترط في الزائد عن الثلث إجازة الوارث) وإلّا بطل (وتكفي) الإجازة (حالَ حياة الموصي) وإن لم يكن الوارث مالكاً الآن؛ لتعلّق حقّه بالمال وإلّا لم يمنع الموصي من التصرّف فيه ، ولصحيحة منصور بن حازم وحسنة محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السلام (١).

وقيل : لا تعتبر إلّابعد وفاته؛ لعدم استحقاق الوارث المال حينئذٍ (٢) وقد عرفت جوابه.

ولا فرق بين وصيّة الصحيح والمريض في ذلك؛ لاشتراكهما في الحَجر بالنسبة إلى ما بعد الوفاة ، ولو كان التصرّف منجّزاً افترقا.

ويعتبر في المجيز جواز التصرّف ، فلا عبرة بإجازة الصبيّ والمجنون والسفيه. أمّا المفلَّس فإن كانت إجازته حالَ الحياة نفذت؛ إذ لا ملك له حينئذٍ ، وإنّما إجازته تنفيذ لتصرّف الموصي. ولو كان بعد الموت ففي صحّتها وجهان ، مبناهما على أنّ التركة هل تنتقل إلى الوارث بالموت وبالإجازة تنتقل عنه إلى الموصى له ، أم تكون الإجازة كاشفة عن سبق ملكه من حين الموت. فعلى الأوّل لا تنفذ؛ لتعلّق حقّ الغرماء بالتركة قبل الإجازة. وعلى الثاني يحتمل الأمرين وإن كان النفوذ أوجه.

__________________

(١) اُنظر الكافي ٧ : ١٢ ، الحديث الأوّل وذيله ، والفقيه ٤ : ٢٠٠ ، الحديث ٥٤٦١ وذيله ، والوسائل ١٣ : ٣٧١ ، الباب ١٣ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث الأوّل وذيله.

(٢) قاله المفيد في المقنعة : ٦٧٠ ، والديلمي في المراسم : ٢٠٦ ، وابن إدريس في السرائر ٣ : ١٩٤.

١١٠

(والمعتبر بالتركة) بالنظر إلى مقدارها ليعتبر ثلثها (حين الوفاة) لا حين الوصيّة ولا ما بينهما؛ لأنّه وقت تعلّق الوصيّة بالمال (فلو قتل فاُخذت ديته حُسبت) الدية (من تركته) واعتبر ثلثها؛ لثبوتها بالوفاة وإن لم تكن عند الوصيّة.

وهذا إنّما يتمّ بغير إشكال لو كانت الوصيّة بمقدار معيّن كمئة دينار مثلاً ، أو كانت بجزءٍ من التركة مشاع ـ كالثلث ـ وكانت التركة حين الوصيّة أزيد منها حين الوفاة. أمّا لو انعكس أشكل اعتبارها عند الوفاة مع عدم العلم بإرادة الموصي للزيادة المتجدّدة؛ لأصالة عدم التعلّق ، وشهادةِ الحال بأنّ الموصي لا يريد ثلث المتجدّد حيث لا يكون تجدّده متوقّعاً غالباً ، خصوصاً مع زيادته كثيراً.

وينبغي على ما ذكر اعتبارها بعد الموت أيضاً؛ إذ قد يتجدّد للميّت مال بعد الموت كالدية إذا ثبتت صلحاً. وقد يتجدّد تلف بعض التركة قبل قبض الوارث ، فلا يكون محسوباً عليه.

والأقوى اعتبار أقلّ الأمرين من حين الوفاة إلى حين القبض.

(ولو أوصى بما يقع اسمه على المحرّم والمحلّل صرف إلى المحلّل) حملاً لتصرّف المسلم على الصحيح (كالعود) وله عود لهو ، وعيدان قِسيّ (١) وعيدان عِصيّ (٢) وعيدان السقف والبنيان (والطبل) وله طبل لهو وطبل حرب. ثمّ إن اتّحد المحلَّل حُمل عليه ، وإن تعدّد تخيّر الوارث في تعيين ما شاء. ولو لم يكن له إلّاالمحرّم بطلت الوصيّة إن لم يمكن إزالة الوصف المحرّم مع بقاء ماليّته ، وإلّا صحّت وحُوّل إلى المحلَّل.

__________________

(١) و (٢) جمع قوس وعصا.

١١١

(ويتخيّر الوارث في المتواطئ) وهو المقول على معنى يشترك فيه كثير (كالعبد ، وفي المشترك) وهو المقول على معنيين فصاعداً بالوضع الأوّل (١) من حيث هو كذلك (كالقوس) لأنّ الوصيّة بالمتواطئ وصيّة بالماهيّة الصادقة بكلّ [فرد] (٢) من الأفراد كالعبد؛ لأنّ مدلول اللفظ فيه هو الماهيّة الكلّية ، وخصوصيّات الأفراد غير مقصودة إلّاتبعاً ، فيتخيّر الوارث في تعيين أيّ فرد شاء؛ لوجود متعلّق الوصيّة في جميع الأفراد.

وكذا المشترك؛ لأنّ متعلَّق الوصيّة فيه هو الاسم ، وهو صادق على ما تحته من المعاني حقيقة ، فتحصل البراءة بكلّ واحدٍ منها.

وربما احتمل هنا القرعة (٣) لأنّه أمر مشكل؛ إذ الموصى به ليس كلّ أحد؛ لأنّ اللفظ لا يصلح له ، وإنّما المراد واحد غير معيَّن ، فيتوصّل إليه بالقرعة.

ويضعَّف بأ نّها لبيان ما هو معيَّن في نفس الأمر مشكل ظاهراً ، وليس هنا كذلك ، فإنّ الإبهام حاصل عند الموصي وعندنا وفي نفس الأمر ، فيتخيّر الوارث ، وسيأتي في هذا الإشكال بحث (٤).

__________________

(١) احترز ب‍ (الوضع الأوّل) عن المجاز ، فإنّ لفظه استعمل لمعنيين فصاعداً ، لكن لا بوضعٍ واحدٍ بل وضع أوّلاً للمعنى الحقيقي ثمّ استعمل في الثاني من غير نقلٍ كالأسد ، فإنّه وضع أوّلاً للحيوان المفترس ثمّ استعمل في الرجل الشجاع لعلاقةٍ بينهما وهي الشجاعة. وبقيد (الحيثيّة) عن المتواطئ المتناول للمختلفين لكن لا من حيث الاختلاف بل باعتبار اتّحاد المعنى المتناول لهما. (منه رحمه الله).

(٢) لم يرد في المخطوطات.

(٣) احتملها العلّامة في القواعد ٢ : ٤٦٠.

(٤) يأتي في الصفحة ١١٦.

١١٢

(والجمع يُحمل على الثلاثة) جمعُ (قلّة كان كأعبد ، أو كثرة كالعبيد) لتطابق اللغة والعرف العامّ على اشتراط مطلق الجمع في إطلاقه على الثلاثة فصاعداً.

والفرق بحمل جمع‌الكثرة على ما فوق العشرة اصطلاح خاصّ (١) لا يستعمله أهل المحاورات العرفيّة والاستعمالات العامّيّة ، فلا يحمل إطلاقهم عليه.

ولا فرق في ذلك بين تعيين الموصي قدراً من المال يصلح لعتق العبيد بما يوافق جمع الكثرة لو اقتصر على الخسيس من ذلك الجنس وعدمه ، فيتخيّر بين شراء النفيس المطابق لأقلّ الجمع فصاعداً ، وشراء الخسيس الزائد المطابق لجمع الكثرة حيث يعبّر بها.

(ولو أوصى بمنافع العبد دائماً أو بثمرة البستان دائماً قُوّمت المنفعة على الموصى له ، والرقبة على الوارث إن فرض لها قيمة) كما يتّفق في العبد؛ لصحّة عتق الوارث له ولو عن الكفّارة ، وفي البستان بانكسار جذع ونحوه ، فيستحقّه الوارث حطباً أو خشباً؛ لأنّه ليس بثمرة. ولو لم يكن للرقبة نفع البتّة قُوّمت العين أجمع على الموصى له.

وطريق خروجها من الثلث ـ حيث يعتبر منه ـ يستفاد من ذلك ، فتقوَّم العين بمنافعها مطلقاً ثمّ تقوَّم مسلوبة المنافع الموصى بها ، فالتفاوت هو الموصى به ، فإن لم يكن تفاوت فالمخرج من الثلث جميع القيمة. ومنه يعلم حكم ما لو كانت المنفعة مخصوصة بوقت.

__________________

(١) وهو اصطلاح النحاة على ما أشار إليه في تمهيد القواعد : ١٦٠ ، وانظر شرح ابن عقيل ٤ : ١٣٤.

١١٣

(ولو أوصى بعتق مملوكه وعليه دين قُدّم الدين) من أصل المال الذي من جملته المملوك (وعتق من الفاضل) عن الدين من جميع التركة (ثلثه) إن لم يزد على المملوك. فلو لم يملك سواه بطل منه فيما قابل الدين وعُتق ثلث الفاضل إن لم يُجز الوارث.

ولا فرق بين كون قيمة العبد ضِعفَ الدين وأقلّ على أصحّ القولين (١).

وقيل : تبطل الوصيّة مع نقصان قيمته عن ضِعف الدين (٢).

(ولو نجّز عتقه) في مرضه (فإن كانت قيمته ضِعف الدين صحّ العتق) فيه أجمع (وسعى في) قيمة (نصفه للديّان وفي ثلثه) الذي هو ثلثا النصف الباقي عن الدين (للوارث) لأنّ النصف الباقي هو مجموع التركة بعد الدين ، فيعتق ثلثه ويكون ثلثاه للورثة ، وهو ثلث مجموعه ، وهذا ممّا لا خلاف فيه.

إنّما الخلاف فيما لو نقصت قيمته عن ضعف الدين ، فقد ذهب الشيخ (٣) وجماعة (٤) إلى بطلان العتق حينئذٍ استناداً إلى صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السلام (٥) ويفهم من المصنّف هنا الميل إليه ، حيث شرط في صحّة العتق

__________________

(١) ذهب إليه العلّامة في القواعد ٢ : ٤٦٩ ، والمختلف ٦ : ٣٧٢ ، وغيرهما ، وولده في الإيضاح ٢ : ٥٣٠ ـ ٥٣١.

(٢) قاله الشيخ في النهاية : ٦١٠ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ١٠٨ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٢٥٣ ـ ٢٥٤. وراجع للتفصيل مفتاح الكرامة ٩ : ٥٢٤.

(٣) النهاية : ٥٤٥.

(٤) وهو مذهب المفيد في المقنعة : ٦٧٦ ـ ٦٧٧ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٣٦١ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٢٥٤ ، والمختصر : ١٦٤ ، وأبي العبّاس في المقتصر : ٢١٦ ، وغيرهم.

(٥) الوسائل ١٣ : ٤٢٣ ـ ٤٢٤ ، الباب ٣٩ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٥.

١١٤

كون قيمته ضعف الدين ، إلّاأ نّه لم يصرّح بالشقّ الآخر.

والأقوى أنّه كالأوّل ، فينعتق منه بمقدار ثلث ما يبقى من قيمته فاضلاً عن الدين ، ويسعى للديّان بمقدار دينهم ، وللورثة بضِعف ما عتق منه مطلقاً ، فإذا أدّاه عتق أجمع. والرواية المذكورة مع مخالفتها للاُصول معارضة بما يدلّ على المطلوب ، وهو حسنة الحلبي عنه عليه السلام (١).

(ولو أوصى بعتق ثُلث عبيده ، أو عدد منهم) مبهم كثلاثة (استخرج) الثلث والعدد (بالقرعة) لصلاحيّة الحكم لكلّ واحد ، فالقرعة طريق التعيين؛ لأ نّها لكلّ أمر مشكل؛ ولأنّ العتق حقّ للمعتَق ولا ترجيح لبعضهم؛ لانتفاء التعيين ، فوجب استخراجه بالقرعة.

وقيل : يتخيّر الوارث في الثاني (٢) لأنّ متعلّق الوصيّة متواطئ فيتخيّر في تعيينه الوارث كما سبق (٣) ولأنّ المتبادر من اللفظ هو الاكتفاء بعتق أيّ عدد كان من الجميع فيحمل عليه. وهو قويّ. وفي الفرق بينه وبين الثُلث نظر.

(ولو أوصى باُمور) متعدّدة (فإن كان فيها واجب قُدّم) على غيره وإن تأخّرت الوصيّة به ، سواء كان الواجب ماليّاً أم غيره ، وبُدئ بعدَه بالأوّل فالأوّل. ثمّ إن كان الواجب ماليّاً ـ كالدين والحجّ ـ اُخرج من أصل المال والباقي من الثلث. وإن كان بدنيّاً ـ كالصلاة والصوم ـ قُدّم من الثلث واُكمل من الباقي مرتّباً للأوّل فالأوّل.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٢٣ ، الباب ٣٩ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٣.

(٢) استحسنه في الشرائع ٢ : ٢٥٢ ، واستجوده في التحرير ٣ : ٣٥٢ ، واختاره في الإرشاد ١ : ٤٦٢ ، وقوّاه في جامع المقاصد ١٠ : ٢٠٩.

(٣) سبق في الصفحة ١١٢ عند قول الماتن : ويتخيّر الوارث في المتواطئ.

١١٥

(وإلّا) يكن فيها واجب (بُدئ بالأوّل) منها (فالأوّل حتّى يستوفى الثلث) ويبطل الباقي إن لم يُجز الوارث. والمراد بالأوّل : الذي قدّمه الموصي في الذكر ولم يعقّبه بما ينافيه ، سواء عطف عليه التالي (١) بثُمّ أم بالفاء أم بالواو ، أم قطعه عنه ، بأن قال : «أعطوا فلاناً مئة ، أعطوا فلاناً خمسين» ولو رتّب ثمّ قال : (ابدؤوا بالأخير) أو بغيره اتُّبع لفظه الأخير (ولو لم يرتّب) بأن ذكر الجميع دفعة فقال : «أعطوا فلاناً وفلاناً وفلاناً مئة» أو رتّب باللفظ ثمّ نصّ على عدم التقديم (بُسط الثلث على الجميع) وبطل من كلّ وصيّة بحسابها. ولو عُلم الترتيب واشتبه الأوّل اُقرع. ولو اشتبه الترتيب (٢) وعدمه فظاهرهم إطلاق التقديم بالقرعة كالأوّل.

ويشكل باحتمال كون الواقع عدمه وهي لإخراج المشكل ولم يحصل ، فينبغي الإخراج على الترتيب وعدمه؛ لاحتمال أن يكون غير مرتَّب فتقديم كلّ واحد ظلم.

ولو جامع الوصايا منجّزاً (٣) يخرج من الثلث قدّم عليها مطلقاً وأكمل الثلث منها كما ذكر.

(ولو أجاز الورثة) ما زاد على الثلث (فادّعوا) بعد الإجازة (ظنّ القلّة) أي قلّة الموصى به وأ نّه ظهر أزيد ممّا ظنّوه (فإن كان الإيصاء بعين لم يقبل منهم) لأنّ الإجازة وقعت على معلوم لهم فلا تسمع دعواهم أنّهم ظنّوا

__________________

(١) في (ش) و (ر) : الثاني.

(٢) ينبغي تأمّل ذلك؛ لأنّ أحداً لم يتنبّه عليه. (منه رحمه الله).

(٣) كذا في (ع) التي قوبلت بالأصل ، وفي سائر النسخ : منجّز.

١١٦

زيادته عن الثلث بيسير مثلاً فظهر أزيد أو ظنّ أنّ المال كثير؛ لأصالة عدم الزيادة في المال ، فلا تعتبر دعواهم ظنَّ خلافه (وإن كان) الإيصاء (بجزء شائع) في التركة (كالنصف قُبل) قولهم (مع اليمين) لجواز بنائهم على أصالة عدم زيادة المال فظهر خلافه ، عكس الأوّل.

وقيل : يُقبل قولهم في الموضعين (١) لأنّ الإجازة في الأوّل وإن وقعت على معلوم إلّاأنّ كونه بمقدار جزءٍ مخصوص من المال كالنصف لا يعلم إلّابعد العلم بمقدار التركة؛ ولأ نّه كما احتمل ظنّهم قلّة النصف في نفسه يحتمل ظنّهم قلّة المعيَّن بالإضافة إلى مجموع التركة ظنّاً منهم زيادتها. وأصالة عدمها لا دخل لها في قبول قولهم وعدمه؛ لإمكان صدق دعواهم وتعذّر إقامة البيّنة عليها ، ولأنّ الأصل عدم العلم بمقدار التركة على التقديرين ، وهو يقتضي جهالة قدر المعيَّن من التركة كالمشاع ، ولإمكان ظنّهم أنّه لا دين على الميّت فظهر ، مع أنّ الأصل عدمه.

وهذا القول متّجه ، وحيث يحلفون على مدّعاهم يُعطى الموصى له من الوصيّة ثلث المجموع وما ادّعوا ظنَّه من الزائد.

(ويدخل في الوصيّة بالسيف جَفْنُه) بفتح أوّله ، وهو غِمْده بكسره. وكذا تدخل حِلْيته؛ لشمول اسمه لها عرفاً وإن اختصّ لغةً بالنصل (٢) ورواية أبي جميلة بدخولها (٣) شاهد مع العرف (وبالصُندوق أثوابُه) الموضوعة فيه ، وكذا غيرها من الأموال المظروفة.

__________________

(١) جامع المقاصد ١٠ : ١٢٦.

(٢) اُنظر العين : ٨٠٩ ، وتاج العروس ٨ : ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٣) الوسائل ١٣ : ٤٥١ ، الباب ٥٧ من أبواب أحكام الوصيّة ، الحديث ١ و ٢.

١١٧

(وبالسفينة متاعُها) الموضوع فيها عند الأكثر (١) ومستنده رواية أبي جميلة عن الرضا عليه السلام (٢) وغيرها ممّا لم يصحّ سنده (٣) والعرف قد يقضي بخلافه في كثير من الموارد ، وحقيقة الموصى به مخالفة للمظروف ، فعدم الدخول أقوى ، إلّاأن تدلّ قرينة حاليّة أو مقاليّة على دخول الجميع أو بعضِه فيثبت ما دلّت عليه خاصّة. والمصنّف اختار الدخول (إلّامع القرينة) فلم يعمل بمدلول الرواية مطلقاً (٤) فكان تقييد الدخول بالقرينة أولى. ويمكن حمل الروايات عليه.

(ولو عقّب الوصيّة بمضادّها) بأن أوصى بعين مخصوصة لزيد ثمّ أوصى بها لعمرو (عُمل بالأخيرة) لأنّها ناقضة للاُولى ، والوصيّة جائزة من قبله فتبطل الاُولى.

(ولو أوصى بعتق رقبة مؤمنة وجب) تحصيل الوصف بحسب الإمكان (فإن لم يجد أعتق من لا يعرف بنَصب) على المشهور. ومستنده رواية عليّ بن

__________________

(١) منهم المفيد في المقنعة : ٦٧٤ ، والشيخ في النهاية : ٦١٤ ، وابن إدريس في السرائر ٣ : ٢٠٩ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٢٤٨ ، ويحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع : ٤٩٦.

(٢) الكافي ٧ : ٤٤ ، الحديث الأوّل ، والوسائل ١٣ : ٤٥٢ ، الباب ٥٨ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث ٢. وضعفه بأبي جميلة وهو المفضّل بن صالح. راجع فهارس المسالك ١٦ : ٣٠٠.

(٣) مثل رواية عقبة بن خالد ، وانظر الوسائل ١٣ : ٤٥٢ ، الباب ٥٨ من أبواب الوصايا ، الحديث الأوّل. فإنّها ضعيفة بعقبة بن خالد؛ لأنّه لم يرد فيه مدح. راجع جامع الرواة ١ : ٥٣٩.

(٤) أي على الإطلاق ، بل مقيّداً بعدم القرينة على الخلاف.

١١٨

أبي حمزة عن أبي الحسن عليه السلام (١) والمستند ضعيف (٢) فالأقوى عدم الإجزاء ، بل يتوقّع المكنة وفاقاً لابن إدريس (٣) (ولو ظنّها مؤمنة) على وجه يجوز التعويل عليه بإخبارها أو إخبار من يُعتدّ به فأعتقها (كفى وإن ظهر خلافه) لإتيانه بالمأمور به على الوجه المأمور به ، فيخرج عن العهدة؛ إذ لا يعتبر في ذلك اليقين ، بل ما ذُكر من وجوه الظنّ.

(ولو أوصى بعتق رقبة بثمن معيَّن وجب) تحصيلها به مع الإمكان (ولو تعذّر إلّابأقلّ * اشتري وعتق ** ودفع إليه ما بقي) من المال المعيَّن على المشهور بين الأصحاب.

وربما قيل : إنّه إجماع (٦) ومستنده رواية سماعة عن الصادق عليه السلام (٧) ولو لم يوجد إلّابأزيد تُوقّع المكنة ، فإن يئس من أحد الأمرين ففي وجوب شراء بعض رقبةٍ ، فإن تعذّر صُرف في وجوه البرّ ، أو بطلان الوصيّة ابتداءً ، أو مع تعذّر بعض الرقبة ، أوجه أوجهها الأوّل. ويقوى لو كان التعذّر طارئاً على زمن الوصيّة أو على الموت؛ لخروج القدر عن ملك الورثة فلا يعود إليهم.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٤٦٢ ، الباب ٧٣ من أبواب أحكام الوصايا ، الحديث الأوّل ، وانظر الرواية الثانية من الباب ، أيضاً.

(٢) بعليّ بن أبي حمزة. اُنظر المسالك ٦ : ٢١٢.

(٣) السرائر ٣ : ٢١٣.

(*) في (ق) و (س) : بالأقلّ.

(**) في النسختين : اُعتق.

(٥) لم نعثر عليه بعينه ، كما اعترف به في مفتاح الكرامة ٩ : ٥٣٤ ، نعم ادّعى الشيخ في المبسوط ٤ : ٢٢ عدم الخلاف في المسألة.

(٦) الوسائل ١٣ : ٤٦٥ ـ ٤٦٦ ، الباب ٧٧ من أبواب أحكام الوصايا ، وفيه حديث واحد.

١١٩
١٢٠