الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

بالنسبة. وإن بقي على الإجارة تخيّر في فسخ العقد الطارئ وإجازته؛ إذ المنفعة مملوكة له فالعاقد عليها فضوليّ ، فإن فسخه رجع إلى اُجرة المثل عن المدّة الفائتة؛ لأنّها قيمة العمل المستحقّ له بعقد الإجارة وقد أتلف عليه.

ويتخيّر في الرجوع بها على الأجير؛ لأنّه المباشر للإتلاف ، أو المستأجر؛ لأ نّه المستوفي. وإن أجازه ثبت له المسمّى فيه ، فإن كان (١) قبلَ قبض الأجير له فالمطالَب به المستأجر؛ لأنّ الأجير هنا بمنزلة فضوليّ باع ملكَ غيره فأجاز المالك ، فإنّ الفضولي لا يُطالَب بالثمن. وإن كان بعدَ القبض وكانت الاُجرة معيّنة فالمطالَب بها من هي في يده ، وإن كانت مطلقة ، فإن أجاز القبض أيضاً فالمطالَب الأجير ، وإلّا المستأجر. ثمّ المستأجر يرجع على الأجير بما قبض مع جهله أو علمه وبقاء العين.

وإن كان عمله بجعالة تخيّر مع عدم فسخ إجارته بين إجازته فيأخذ المسمّى ، وعدمه فيرجع باُجرة المثل.

وإن عمل تبرّعاً وكان العمل ممّا له اُجرة في العادة تخيّر مع عدم فسخ عقده بين مطالبة من شاء منهما باُجرة المثل ، وإلّا فلا شيء ، وفي معناه عمله لنفسه.

ولو حاز شيئاً من المباحات بنيّة التملّك ملكه ، وكان حكم الزمان المصروف في ذلك ما ذكرناه.

(ويجوز للمطلق) وهو الذي يُستأجر لعمل مجرّد عن المباشرة مع تعيين المدّة كتحصيل الخياطة يوماً ، أو عن المدّة مع تعيين المباشرة كأن يخيط له ثوباً بنفسه من غير تعرّض إلى وقت ، أو مجرّد عنهما كخياطة ثوب مجرّد عن تعيين الزمان. وسُمّي مطلقاً؛ لعدم انحصار منفعته في شخص معيّن ، فمن ثَمّ جاز له أن

__________________

(١) في (ش) : كانت ، وما أثبتناه من سائر النسخ أيضاً صحيح بتأويل (الإجازة) بالإذن.

٢١

يعمل لنفسه وغيره. وتسميته بذلك أولى من تسميته (مشتركاً) كما صنع غيره (١) لأ نّه في مقابلة المقيّد وهو الخاصّ ، ويباين هذا الخاصَّ باعتباراته الثلاثة؛ إذ الأوّل مطلق بالنسبة إلى المباشر (٢) والثاني بالنسبة إلى المدّة ، والثالث فيهما معاً.

وللمصنّف رحمه الله قول بأنّ الإطلاق في كلّ الإجارات يقتضي التعجيل وأ نّه يجب المبادرة إلى ذلك الفعل (٣) فإن كان مجرّداً عن المدّة خاصّة فبنفسه ، وإلّا تخيّر بينه وبين غيره ، وحينئذٍ فيقع التنافي بينه وبين عملٍ آخر في صورة المباشرة. وفرّع عليه عدم صحّة الإجارة الثانية في صورة التجرّد عن المدّة مع تعيين (٤) المباشرة كما مُنع الأجير الخاصّ. ويرشد إليه ما تقدّم في الحجّ من عدم صحّة الإجارة الثانية مع اتّحاد زمان الإيقاع نصّاً أو حكماً (٥) كما لو اُطلق فيهما ، أو عُيّن في إحداهما بالسنة الاُولى واُطلق في الاُخرى.

وما ذكره أحوط ، لكن لا دليل عليه إن لم نقل باقتضاء مطلق الأمر الفور.

(وإذا تسلّم) المستأجر (العين ومضت مدّة يمكن فيها الانتفاع) بها فيما استأجرها له (استقرّت الاُجرة) وإن لم يستعملها. وفي حكم التسليم ما لو بذل المؤجر العين فلم يأخذها المستأجر حتّى انقضت المدّة ، أو مضت مدّة يمكنه الاستيفاء فتستقرّ الاُجرة.

(ولا بدّ من كونها) أي المنفعة (مباحة ، فلو استأجره لتعليم كفر أو

__________________

(١) كالمحقّق في الشرائع ٢ : ١٨٢ ، والعلّامة في القواعد ٢ : ٢٩١.

(٢) في (ش) : المباشرة.

(٣) نسبه في المسالك ٥ : ١٩٢ ، إلى بعض تحقيقاته ولم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتبه.

(٤) كذا في النسخ ، والظاهر زيادة (تعيين) والعبارة قد وردت في المسالك بدون هذه الكلمة.

(٥) تقدّم في الجزء الأوّل : ٤٥٧.

٢٢

غناء) ونحوه من المعلومات الباطلة (أو حمل مسكر بطل) العقد. ويُستثنى من حمل المسكر الخمر بقصد الإراقة أو التخليل ، فإنّ الإجارة لهما جائزة.

(وأن يكون مقدوراً على تسليمها ، فلا تصحّ إجارة الآبق) لاشتمالها فيه على الغرر (وإن ضمّ إليه) شيئاً متموّلاً (أمكن الجواز) كما يجوز في البيع ، لا بالقياس ، بل لدخولها في الحكم بطريق أولى؛ لاحتمالها من الغرر ما لا يحتمله. وبهذا الإمكان أفتى المصنّف في بعض فوائده (١).

ووجه المنع : فقد النصّ المجوّز هنا فيقتصر فيه على مورده وهو البيع ، ومنع الأولويّة.

وعلى الجواز هل يعتبر في الضميمة إمكان إفرادها بالإجارة أم بالبيع ، أم يكفي كلّ واحد منهما في كلّ واحد منهما؟ أوجهٌ : من حصول المعنى في كلّ منهما ، ومن أنّ الظاهر ضميمة كلّ شيء إلى جنسه ، وقوّى المصنّف الثاني (٢).

ولو آجره ممّن يقدر على تحصيله صحّ من غير ضميمة. ومثله المغصوب لو آجره الغاصبَ أو من يتمكّن من قبضه.

(ولو طرأ المنع) من الانتفاع بالعين المؤجرة فيما اُوجرت له (فإن كان) المنع (قبلَ القبض فله الفسخ) لأنّ العين قبل القبض مضمونة على المؤجر ، فللمستأجر الفسخ عند تعذّرها ومطالبة المؤجر بالمسمّى لفوات المنفعة ، وله الرضا بها وانتظار زوال المانع ، أو مطالبة المانع باُجرة المثل لو كان غاصباً بل يحتمل مطالبة المؤجر بها أيضاً؛ لكون العين مضمونة عليه حتّى يقبض. ولا يسقط

__________________

(١) أفتى به في حواشيه على القواعد كما نقله المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٧ : ١٣٤ ، ولكن لا توجد لدينا.

(٢) لم نعثر عليه.

٢٣

التخيير بزوال المانع في أثناء المدّة؛ لأصالة بقائه.

(وإن كان) المنع (بعدَه) أي بعد القبض (فإن كان تلفاً * بطلت) الإجارة؛ لتعذّر تحصيل المنفعة المستأجَر عليها (وإن كان غصباً) لم تبطل؛ لاستقرار العقد بالقبض وبراءة المؤجر ، والحال أنّ العين موجودة يمكن تحصيل المنفعة منها ، وإنّما المانع عارض و (رجع المستأجر على الغاصب) باُجرة مثل المنفعة الفائتة في يده ، ولا فرق حينئذٍ بين وقوع الغصب في ابتداء المدّة وخلالها. والظاهر عدم الفرق بين كون الغاصب المؤجر وغيره.

(ولو ظهر في المنفعة عيب فله الفسخ) لفوات بعض الماليّة بسببه فيجبر بالخيار ، ولأنّ الصبر على العيب ضرر منفيّ (وفي الأرش) لو اختار البقاء على الإجارة (نظر) من وقوع العقد على هذا المجموع وهو باقٍ فإمّا أن يفسخ أو يرضى بالجميع ، ومن كون الجزء الفائت أو الوصف مقصوداً للمستأجر ولم يحصل ، وهو يستلزم نقص المنفعة التي هي أحد العوضين فيجبر بالأرش. وهو حسن.

وطريق معرفته : أن ينظر إلى اُجرة مثل العين سليمةً ومعيبةً ويرجع من المسمّى بمثل نسبة المعيبة إلى الصحيحة.

وإن اختار الفسخ وكان قبل مضيّ شيء من المدّة فلا شيء عليه ، وإلّا فعليه من المسمّى بنسبة ما مضى إلى المجموع.

(ولو طرأ) العيب (بعد العقد فكذلك ، كانهدام المسكن) وإن كان بعد استيفاء شيءٍ من المنفعة. ولا يمنع من ذلك كون التصرّف مسقطاً للخيار؛ لأنّ المعتبر منه ما وقع في العوض المعيب الذي تعلّقت به المعاوضة وهو هنا المنفعة

__________________

(*) في (س) : ولو كان بعده فإن تلف.

٢٤

وهي تتجدّد شيئاً فشيئاً ، وما لم يستوفه منها لا يتحقّق فيه (١) التصرّف. وإنّما يتخيّر مع انهدام المسكن إذا أمكن الانتفاع به وإن قلّ أو أمكن إزالة المانع ، وإلّا بطلت. ولو أعاده المؤجر بسرعةٍ بحيث لا يفوت عليه شيء معتدّ به ، ففي زوال الخيار نظر ، من زوال المانع ، وثبوت الخيار بالانهدام فيُستصحب. وهو أقوى.

(ويستحبّ أن يقاطع من يستعمله على الاُجرة أوّلاً) للأمر به في الأخبار ، فعن الصادق عليه السلام «من كان يؤمن باللّٰه واليوم الآخر فلا يستعملنّ أجيراً حتّى يُعلمه ما أجره» (٢) وعن الرضا عليه السلام أنّه ضرب غلمانه حيث استعملوا رجلاً بغير مقاطعة ، وقال : «إنّه ما من أحد يعمل لك شيئاً بغير مقاطعة ثمّ زدته لذلك الشيء ثلاثة أضعاف على اُجرته إلّاظنّ أنّك قد نقصته اُجرته ، وإذا قاطعته ثمّ أعطيته اُجرته حمدك على الوفاء ، فإن زدته حبّةً عرف ذلك لك ، ورأى أنّك قد زدته» (٣).

(وأن يوفّيه) اُجرته (عقيب فراغه) من العمل ، قال الصادق عليه السلام في الحمّال والأجير : «لا يجفّ عرقه حتّى تعطيه اُجرته» (٤) وعن حنان بن شعيب قال : تكارينا لأبي عبد اللّٰه عليه السلام قوماً يعملون في بستان له وكان أجلهم إلى العصر ، فلمّا فرغوا قال لمعتِّب : «أعطهم اُجورهم قبل أن يجفّ عرقهم» (٥).

(ويكره أن يُضمَّن) ـ أي يُغرَّم ـ عوضَ ما تلف بيده بناءً على ضمان الصانع ما يتلف بيده ، أو مع قيام البيّنة على تفريطه ، أو مع نكوله عن اليمين حيث يتوجّه عليه لو قضينا بالنكول (إلّامع التهمة) له بتقصيره على وجهٍ يوجب الضمان.

__________________

(١) في (ع) : فيها.

(٢) الوسائل ١٣ : ٢٤٥ ، الباب ٣ من كتاب الإجارة ، الحديث ٢. وفيه : حتّى يعلم ما أجره.

(٣) نفس المصدر : الحديث الأوّل.

(٤) المصدر السابق : الباب ٤ من كتاب الإجارة ، الحديث الأوّل.

(٥) المصدر السابق : الحديث ٢. وفيه وفي الكافي والتهذيب : عن حنان عن شعيب.

٢٥

(مسائل)

(الاُولى) :

(من تقبّل عملاً فله تقبيله غيره * بأقلّ) ممّا تقبّله به (على الأقرب) لأصالة الجواز ، وما ورد من الأخبار دالّاً على النهي عنه (١) يحمل على الكراهة جمعاً بينها وبين ما يدلّ على الجواز (٢) هذا إذا لم يشترط عليه العمل بنفسه وإلّا فلا إشكال في المنع ، وإذا لم يحدث فيه حدثاً وإن قلّ (ولو أحدث فيه حدثاً فلا بحث) في الجواز؛ للاتّفاق عليه حينئذٍ. وعلى تقدير الجواز فالمشهور اشتراط إذن المالك في تسليم العين للمتقبّل؛ لأنّها مال الغير فلا يصحّ تسليمه لغيره بغير إذنه. وجواز إجارته لا ينافيه ، فيستأذن المالك فيه ، فإن امتنع رفع أمره إلى الحاكم. فإن تعذّر ، ففي جوازه بغير إذنه ، أو تسلّطه على الفسخ وجهان. وجواز التسليم بغير إذنه مطلقاً ـ خصوصاً إذا كان المتقبّل ثقة ـ قويّ.

(الثانية) :

(لو استأجر عيناً فله إجارتها بأكثر ممّا استأجرها به) للأصل ، وعموم الأمر بالوفاء بالعقود (٣).

(وقيل بالمنع إلّاأن تكون) إجارتها (بغير جنس الاُجرة ، أو يحدث

__________________

(*) في (ق) : لغيره.

(١) اُنظر الوسائل ١٣ : ٢٦٥ ـ ٢٦٦ ، الباب ٢٣ من كتاب الإجارة ، الأحاديث ١ ، ٤ ، ٧.

(٢) المصدر السابق : الحديثان ٢ ، ٣.

(٣) المائدة : ١.

٢٦

فيها صفة كمال) (١) استناداً إلى روايتين (٢) ظاهرتين في الكراهة وإلى استلزامه الربا. وهو ضعيف؛ إذ لا معاوضة على الجنس الواحد.

(الثالثة) :

(إذا فرّط في العين) المستأجرة (ضمن قيمتها يومَ التفريط) لأنّه يوم تعلِّقها بذمّته ، كما أنّ الغاصب يضمن القيمة يوم الغصب. هذا قول الأكثر (٣) (والأقرب) ضمان قيمتها (يومَ التلف) لأنّه يوم الانتقال إلى القيمة ، لا قبله وإن حكم بالضمان؛ لأنّ المفروض بقاء العين فلا ينتقل إلى القيمة. وموضع الخلاف ما إذا كان الاختلاف بتفاوت القيمة. أمّا لو كان بسبب نقص في العين فلا شبهة في ضمانه.

(ولو اختلفا في القيمة حلف الغارم) لأصالة عدم الزيادة ولأ نّه منكر. وقيل : قول المالك إن كانت دابّة (٤) وهو ضعيف.

(الرابعة) :

(مؤونة العبد أو الدابّة على المالك) لا المستأجر؛ لأنّها تابعة للملك ، وأصالة عدم وجوبها على غير المالك. وقيل : على المستأجر مطلقاً (٥) وهو ضعيف.

__________________

(١) قاله المحقّق في الشرائع ٢ : ١٨١.

(٢) الوسائل ١٣ : ٢٦٣ ، الباب ٢٢ من كتاب الإجارة ، الحديثان ٤ ، ٥.

(٣) منهم المحقّق في الشرائع ٢ : ١٨٧ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٢٩٤ ، والعلّامة في التحرير ٣ : ١٣٠ ، والقواعد ٢ : ٣٠٤.

(٤) قاله الشيخ في النهاية : ٤٤٦.

(٥) قاله المحقّق في الشرائع ٢ : ١٨٧ ، والعلّامة في الإرشاد ١ : ٤٢٥.

٢٧

ثمّ إن كان المالك حاضراً عندها أنفق ، وإلّا استأذنه المستأجر في الإنفاق ورجع عليه (ولو أنفق عليه المستأجر بنيّة الرجوع) على المالك (صحّ مع تعذّر إذن المالك أو الحاكم) وإن لم يُشهد على الأقوى. ولو أهمل مع غيبة المالك ضمن؛ لتفريطه ، إلّاأن ينهاه المالك.

(ولو استأجر أجيراً لينفذه في حوائجه فنفقته على المستأجر في المشهور) استناداً إلى رواية سليمان بن سالم عن الرضا عليه السلام (١) ولاستحقاق منافعه المانع من ثبوت النفقة عليه.

والأقوى أنّه كغيره لا تجب نفقته إلّامع الشرط ، وتحمل الرواية ـ مع سلامة سندها (٢) ـ عليه ، واستحقاق منافعه لا يمنع من وجوب النفقة في ماله الذي من جملته الاُجرة.

وحيث يشترط فيه وفي غيره من الحيوان على المستأجر يعتبر بيان قدرها ووصفها ، بخلاف ما لو قيل بوجوبها عليه ابتداءً ، فإنّه يكفي القيام بعادة أمثاله.

(الخامسة) :

(لا يجوز إسقاط المنفعة المعيّنة) أي الإبراء منها ، سواء كان بلفظ الإسقاط أم الإبراء أم غيرهما من الألفاظ الدالّة عليه؛ لأنّه عبارة عن إسقاط ما في الذمّة فلا يتعلّق بالأعيان ولا بالمنافع المتعلّقة بها (ويجوز إسقاط) المنفعة (المطلقة) المتعلّقة بالذمّة وإن لم يستحقّ المطالبة بها (و) كذا (الاُجرة) يصحّ إسقاطها إن تعلّقت بالذمّة ، لا إن كانت عيناً.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٢٥٠ ـ ٢٥١ ، الباب ١٠ من كتاب الإجارة ، الحديث الأوّل.

(٢) نبّه بقوله (مع سلامة سندها) إلى قصوره عمّا يوجب العمل بها؛ لأنّ سليمان بن سالم مجهول الحال. (منه رحمه الله).

٢٨

(وإذا تسلّم) أجيراً ليعمل له عملاً (فتلف لم يضمن) صغيراً كان أم كبيراً ، حرّاً كان أم عبداً؛ لأنّه قبضه لاستيفاء منفعة مستحقّة لا يمكن تحصيلها إلّا بإثبات اليد عليه ، فكان أمانة في يده. ولا فرق بين تلفه مدّة الإجارة وبعدها ، إلّا أن يحبسه مع الطلب بعد انقضاء المدّة فيصير بمنزلة المغصوب ، وسيأتي ـ إن شاء اللّٰه ـ أنّ الحرّ البالغ لا يُضمن مطلقاً (١) وما عليه من الثياب تابع له ، ولو كان صغيراً أو عبداً ضمنه.

(السادسة) :

(كلّ ما يتوقّف عليه توفية المنفعة فعلى المؤجر ، كالقَتَب (٢) والزِمام والحِزام) والسرج والبَرْذَعَة ورفع المحمل والأحمال وشدّها وحطّها والقائِد والسائق إن شرط مصاحبته (والمداد في النسخ) لتوقّف إيفاء المنفعة الواجبة عليه بالعقد اللازم ، فيجب من باب المقدّمة.

والأقوى الرجوع فيه إلى العرف ، فإن انتفى أو اضطرب فعلى المستأجر؛ لأنّ الواجب على المؤجر إنّما هو العمل؛ لأنّ ذلك هو المقصود من إجارة العين ، أمّا الأعيان فلا تدخل في مفهوم الإجارة على وجهٍ يجب إذهابها لأجلها ، إلّافي مواضع نادرة تثبت على خلاف الأصل كالرضاع والاستحمام. ومثله الخيوط للخياطة ، والصبغ للصباغة ، والكُشّ (٣) للتلقيح.

(و) كذا يجب على المؤجر (المفتاح في الدار) لأنّه تابع للغَلَق المثبت الذي يدخل في الإجارة ، بل هو كالجزء منه وإن كان منقولاً ، ومن شأن

__________________

(١) وإن كان مغصوباً ، يأتي في الصفحة ٥٦٧.

(٢) الرحل.

(٣) بالضمّ ما يُلقح به النخل.

٢٩

المنقول أن لا يدخل في إجارة العقار الثابت. وأمّا مفتاح القُفل فلا يجب تسليمه كما لا يجب تسليم القُفل؛ لانتفاء التبعيّة عرفاً.

(السابعة) :

(لو اختلفا في عقد الإجارة حلف المنكر) لها ، سواء كان هو المالك أم غيره؛ لأصالة عدمها.

ثمّ إن كان النزاع قبل استيفاء شيء من المنافع رجع كلّ مال إلى صاحبه. وإن كان بعد استيفاء شيءٍ منها أو الجميع ـ الذي يزعم من يدّعي وقوع الإجارة أنّه متعلّق العقد ـ وكان المنكر المالك ، فإن أنكر مع ذلك الإذن في التصرّف وحلف استحقّ اُجرة المثل وإن زادت عن المسمّى بزعم الآخر. ولو كان المتصرّف يزعم تعيّنها في مال مخصوص وكان من جنس النقد الغالب لزم المالك قبضه عن اُجرة المثل ، فإن ساواها أخذه ، وإن نقص وجب على المتصرّف الإكمال ، وإن زاد صار الباقي مجهول المالك؛ لزعم المتصرّف استحقاق المالك وهو ينكر ، وإن كان مغايراً له ولم يرض المالك به وجب عليه الدفع من الغالب ، وبقي ذلك بأجمعه مجهولاً. ويضمن العين بإنكار الإذن ، ولو اعترف به فلا ضمان.

وإن كان المنكر المتصرّف وحلف وجب عليه اُجرة المثل ، فإن كانت أزيد من المسمّى بزعم المالك لم يكن له المطالبة به إن كان دفعه؛ لاعترافه باستحقاق المالك له ، ووجب عليه دفعه إن لم يكن دفعه ، وليس للمالك قبضه؛ لاعترافه بأ نّه لا يستحقّ أزيد من المسمّى. وإن زاد المسمّى عن اُجرة المثل كان للمنكر المطالبة بالزائد إن كان دفعه ، وسقط إن لم يكن. والعين ليست مضمونة عليه هنا؛ لاعتراف المالك بكونها أمانة بالإجارة.

(و) لو اختلفا (في قدر الشيء المستأجَر) ـ بفتح الجيم ـ وهو العين

٣٠

المستأجرة ، بأن قال : آجرتك البيت بمئة ، فقال : بل الدار أجمع بها (حلف النافي) لأصالة عدم وقوع الإجارة على ما زاد عمّا اتّفقا عليه. وقيل : يتحالفان (١) وتبطل الإجارة؛ لأنّ كلّاً منهما مدّعٍ ومنكر.

(وفي ردّ العين حلف المالك) لأصالة عدمه ، والمستأجر قبض لمصلحة نفسه فلا يقبل قوله فيه ، مع مخالفته للأصل.

(وفي هلاك المتاع المستأجر عليه حلف الأجير) لأنّه أمين ، ولإمكان صدقه فيه ، فلو لم يقبل قوله فيه لزم تخليده الحبسَ ولا فرق بين دعواه تلفه بأمر ظاهر كالغَرَق ، أو خفيّ كالسَرَق.

(وفي كيفيّة الإذن) في الفعل (كالقباء والقميص) بأن قطعه الخيّاط قباءً فقال المالك : أمرتك بقطعه قميصاً (حلف المالك) لأنّه منكر لما يدّعيه الخيّاط من التصرّف في ماله ، والأصل عدم ما يدّعيه الخيّاط من الإذن ، ولقبول قول المالك في أصل الإذن وكذا في صفته؛ لأنّ مرجع هذا النزاع إلى الإذن على وجهٍ مخصوص. وقيل : يحلف الخيّاط؛ لدعوى المالك عليه ما يوجب الأرش ، والأصل عدمه (٢).

وعلى المختار إذا حلف المالك ثبت على الخيّاط أرش الثوب ما بين كونه مقطوعاً قميصاً وقباءً ، ولا اُجرة له على عمله. وليس له فتقه ليرفع ما أحدثه من العمل إن كانت الخيوط للمالك؛ إذ لا عين له ينزعها ، والعمل ليس بعين وقد صدر عدواناً ظاهراً.

__________________

(١) لم نعثر على القائل به بتّاً. نعم ، في جامع المقاصد ٧ : ٢٩٧ : ولا ريب أنّ التحالف أقوى.

(٢) قاله الشيخ في الخلاف ٣ : ٣٤٨ ، في المسألة ١١ من كتاب الوكالة ، وإن ذهب في كتاب الإجارة إلى مقالة المشهور ، اُنظر الصفحة ٥٠٦ ، المسألة ٣٤.

٣١

ولو كانت الخيوط للخيّاط ، فالأقوى أنّ له نزعها كالمغصوب. ووجه المنع : استلزامه التصرّف في مال الغير ، ولو طلب المالك أن يشدّ في طرف كلّ خيط منها خيطاً لتصير خيوطه في موضع خيوط الخيّاط إذا سلّها لم يجب إجابته؛ لأنّه تصرّف في مال الغير يتوقّف على إذنه ، كما لا يجب عليه القبول لو بذل له المالك قيمة الخيوط.

(وفي قدر الاُجرة حلف المستأجر) لأصالة عدم الزائد. وقيل : يتحالفان (١) كما لو اختلفا في قدر المستأجَر؛ لأنّ كلّاً منهما مدّعٍ ومنكر. وهو ضعيف؛ لاتّفاقهما على وقوع العقد ومقدار العين والمدّة ، وإنّما تخالفا على القدر الزائد عمّا يتّفقان عليه ، فيحلف منكره.

__________________

(١) قاله ابن البرّاج في المهذّب ١ : ٤٧٤

٣٢

كتاب الوكالة

٣٣
٣٤

(كتاب الوكالة)

بفتح الواو وكسرها (وهي استنابة في التصرّف) بالذات؛ لئلّا يرد الاستنابة في نحو القراض والمزارعة والمساقاة. وخرج بقيد «الاستنابة «الوصيّة بالتصرّف ، فإنّها إحداث ولاية ، لا استنابة وب‍ «التصرّف» الوديعة ، فإنّها استنابة في الحفظ خاصّة. وتفتقر إلى إيجاب وقبول؛ لأنّها من جملة العقود وإن كانت جائزة.

(وإيجابها : وكّلتك ، أو استنبتك) أو ما شاكله من الألفاظ الدالّة على الاستنابة في التصرّف ، وإن لم تكن على نهج الألفاظ المعتبرة في العقود (أو الاستيجاب والإيجاب) كقوله : وكّلني في كذا ، فيقول : وكّلتك (أو الأمر بالبيع والشراء) كما دلّ عليه قول النبيّ صلى الله عليه وآله لعروة البارقي : «اشتر لنا شاةً «.

(وقبولها قوليٌّ) كقبلت ورضيت ، وما أشبهه (وفعليٌّ) كفعله ما أمره بفعله (ولا يشترط فيه) أي في القبول (الفوريّة) بل يجوز تراخيه عن الإيجاب وإن طالت المدّة (فإنّ الغائب يوكَّل) والقبول متأخّر. وكأنّ جواز توكيل الغائب موضع وفاق ، فلذا جعله شاهداً على الجواز ، وإلّا فهو فرع المدّعى.

(ويشترط فيها التنجيز) فلو عُلّقت على شرط متوقَّع كقدوم المسافر ، أو صفة مترقّبة كطلوع الشمس ، لم يصحّ.

٣٥

وفي صحّة التصرّف بعد حصول الشرط أو الصفة بالإذن الضمني قولان (١) منشؤهما : كون الفاسد بمثل ذلك إنّما هو العقد ، أمّا الإذن الذي هو مجرّد إباحة تصرّف فلا ، كما لو شرط في الوكالة عوضاً مجهولاً فقال : «بع كذا على أنّ لك العشر من ثمنه» فتفسد الوكالة دون الإذن ، ولأنّ الوكالة أخصّ من مطلق الإذن ، وعدم الأخصّ أعمّ من عدم الأعمّ. وأنّ (٢) الوكالة ليست أمراً زائداً على الإذن ، وما يزيد عنه من مثل الجعل أمر زائد عليها؛ لصحّتها بدونه ، فلا يعقل فسادها مع صحّته.

(ويصحّ تعليق التصرّف) مع تنجيز الوكالة ، بأن يقول : «وكّلتك في كذا ، ولا تتصرّف إلّابعد شهر» ؛ لأنّه بمعنى اشتراط أمر سائغ زائد على أصلها الجامع لشرائطه (٣) التي من جملتها التنجيز وإن كان في معنى التعليق؛ لأنّ العقود المتلقّاة من الشارع منوطة بضوابط ، فلا تقع بدونها وإن أفاد فائدتها.

(وهي جائزة من الطرفين) فلكلٍّ منهما إبطالها في حضور الآخر وغيبته. لكن إن عزل الوكيل نفسَه بطلت مطلقاً (ولو عزله) الموكّل (اشترط علمه) بالعزل ، فلا ينعزل بدونه في أصحّ الأقوال (٤).

__________________

(١) استقرب العلّامة في التذكرة (الحجريّة) ٢ : ١١٤ القول بصحّة التصرّف ، واختار فخرالمحقّقين في الإيضاح ٢ : ٣٣٤ عدم صحّته

(٢) هذا دليل لعدم بقاء الإذن الضمنيّ

(٣) في (ر) : لشرائطها

(٤) في المسألة أقوال ثلاثة : الأوّل :

اشتراط الانعزال بالعلم وهو الذي قوّاه الشيخ في الخلاف ٣ : ٣٤٣ ، المسألة ٣ من الوكالة وقال : وقد رجّحناه في الكتابين ، واختاره المحقّق في الشرائع ٢ : ١٩٣ ـ ١٩٤ ، والمختصر النافع : ١٥٤ ، وابن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع : ٣٢٠ ، والعلّامة في

٣٦

والمراد بالعلم هنا بلوغه الخبر بقول من يُقبل خبره وإن كان عدلاً واحداً؛ لصحيحة هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام (١) ولا عبرة بخبر غيره وإن تعدّد ما لم يحصل به العلم أو الظنّ المتاخم له.

(ولا يكفي) في انعزاله (الإشهاد) من الموكّل على عزله على الأقوى؛ للخبر السابق ، خلافاً للشيخ وجماعة.

(و) حيث كانت جائزة (تبطل بالموت والجنون والإغماء) من كلّ واحد منهما ، سواء طال زمان الإغماء أم قصر ، وسواء أطبق الجنون أم كان أدواراً ، وسواء علم الموكّل بعروض المبطل أم لم يعلم (وبالحَجر على الموكِّل فيما وكَّل فيه) بالسفه والفلس؛ لأنّ منعه من مباشرة الفعل يقتضي منعه من التوكيل فيه.

وفي حكم الحَجر طروّ الرقّ على الموكّل بأن كان حربيّاً فاسترقّ ، ولو كان وكيلاً صار بمنزلة توكيل عبد الغير.

و (لا) تبطل (بالنوم وإن تطاول) لبقاء أهليّة التصرّف (ما لم يؤدّ إلى الإغماء) فتبطل من حيث الإغماء ، لا من حيث النوم. ومثله السكر ، إلّاأن يشترط عدالته كوكيل الوكيل والوليّ (وتبطل بفعل الموكّل ما تعلّقت به الوكالة) كما لو وكّله في بيع عبد ثمّ باعه. وفي حكمه فعله ما ينافيها كعتقه.

__________________

الإرشاد ١ : ٤١٧ وغيره ، والصيمري في غاية المرام ٢ : ٣٣٩ ، وغيرهم.

الثاني : الانعزال بأحد الأمرين الإشهاد أو الإعلام ، وهو اختيار الشيخ في النهاية : ٣١٨ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٩٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٢٨٣ ، وغيرهم.

الثالث : الانعزال بالعزل من غير شرط الإشهاد والإعلام ، وهو مذهب العلّامة في القواعد ٢ : ٣٦٤. وراجع لتفصيل الأقوال مفتاح الكرامة ٧ : ٦١٤ ـ ٦١٥

(١) الوسائل ١٣ : ٢٨٦ ، الباب ٢ من كتاب الوكالة ، الحديث الأوّل

٣٧

(وإطلاق الوكالة في البيع يقتضي البيع بثمن المثل) إلّابنقصان عنه يتسامح بمثله عادة كدرهم في مئة ، وإلّا مع وجود باذل لأزيد منه فلا يجوز الاقتصار عليه ، حتّى لو باع بخيارٍ لنفسه فوجد في مدّة الخيار باذلاً للزيادة وجب عليه الفسخ إن تناولت وكالته له ، إلّاأن يعيّن له قدراً فلا يجب تحصيل الزائد وإن بُذل (حالّاً) فلا يجوز بالمؤجّل مطلقاً (١) (بنقد البلد) فإن اتّحد تعيّن ، وإن تعدّد باع بالأغلب ، فإن تساوت النقود باع بالأنفع للموكّل ، فإن استوت نفعاً تخيّر.

(وكذا) التوكيل (في الشراء) يقتضيه بثمن المثل حالّاً بنقد البلد (ولو خالف) ما اقتضاه الإطلاق أو التنصيص (ففضوليٌّ) يتوقّف بيعه وشراؤه على إجازة المالك.

(وإنّما تصحّ الوكالة فيما لا يتعلّق غرض الشارع بإيقاعه من مباشر بعينه كالعتق) فإنّ غرضه فيه فكّ الرقبة سواء أحدثه المالك أم غيره (والطلاق) فإنّ غرضه منه رفع الزوجيّة كذلك. ومثله النكاح (والبيع) وغيرهما من العقود والإيقاعات (لا فيما يتعلّق) غرضه بإيقاعه من مباشر بعينه.

ومرجع معرفة غرضه في ذلك وعدمه إلى النقل ، ولا قاعدة له لا تنخرم. وقد عُلم تعلّق غرضه بجملة من العبادات؛ لأنّ الغرض منها امتثال المكلَّف ما اُمر به وانقياده وتذلّله بفعل المأمور به ولا يحصل ذلك بدون المباشرة (كالطهارة) فليس له الاستنابة فيها أجمع ، وإن جاز في غسل الأعضاء ومسحها حيث يعجز عن مباشرتها مع تولّيه النيّة ، ومثل هذا لا يعدّ توكيلاً حقيقيّاً ، ومن ثَمّ يقع ممّن لا يجوز توكيله كالمجنون ، بل استعانة على إيصال المطهّر إلى العضو كيف اتّفق (والصلاة الواجبة في) حال (الحياة) فلا يستناب فيها

__________________

(١) زاد على ثمن المثل أم لا

٣٨

مطلقاً إلّاركعتا الطواف ، حيث يجوز استنابة الحيّ في الحجّ الواجب ، أو فيها (١) خاصّة على بعض الوجوه.

واحترز بالواجبة عن المندوبة ، فيصحّ الاستنابة فيها في الجملة ، كصلاة الطواف المندوب ، أو في الحجّ المندوب وإن وجب ، وصلاة الزيارة. وفي جواز الاستنابة في مطلق النوافل وجه.

وبالجملة ، فضبط متعلّق غرض الشارع في العبادات وغيرها يحتاج إلى تفصيلٍ ومستندٍ نقليٍّ.

(ولا بدّ من كمال المتعاقدين) بالبلوغ والعقل ، فلا يُوكَّل ولا يتوكّل الصبيّ والمجنون مطلقاً (وجواز تصرّف الموكّل) فلا يوكّل المحجور عليه فيما ليس له مباشرته. وخصّ الموكِّل؛ لجواز كون المحجور في الجملة وكيلاً لغيره فيما حجر عليه فيه من التصرّف ، كالسفيه والمفلَّس مطلقاً والعبد بإذن سيّده.

(وتجوز الوكالة في الطلاق للحاضر) في مجلسه (كالغائب) على أصحّ القولين (٢) لأنّ الطلاق قابل للنيابة ، وإلّا لما صحّ توكيل الغائب. ومنع الشيخ من توكيل الحاضر فيه (٣) استناداً إلى رواية ضعيفة السند قاصرة الدلالة (٤).

__________________

(١) أي صلاة الطواف ، وفي (ر) : فيهما ، باعتبار رجوع الضمير إلى الركعتين

(٢) اختاره ابن إدريس في السرائر ٢ : ٨٣ ، والمحقّق في المختصر النافع : ١٥٤ ، والشرائع ٢ : ١٩٧ ، والعلّامة في المختلف ٦ : ٢٠

(٣) النهاية : ٣١٩

(٤) هي رواية جعفر بن سماعة عن زرارة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام أنّه قال : لا يجوز الوكالة في الطلاق [الوسائل ١٥ : ٣٣٤ ، الباب ٣٩ من كتاب الطلاق ، الحديث ٥] ووجه قصور دلالتها ظاهر؛ لتضمّنها النهي عن طلاق الوكيل مطلقاً فتقييده بالغائب لا وجه له ، وأمّا ضعف سندها فبابن سماعة فإنّه واقفي ، وفيه أيضاً مجاهيل. (منه رحمه الله)

٣٩

(ولا يجوز للوكيل أن يوكّل إلّامع الإذن صريحاً) ولو بالتعميم ك‍ «اصنع ما شئت «(أو فحوىً ، كاتّساع متعلّقها) بحيث تدلّ القرائن على الإذن له فيه ، كالزراعة في أماكن متباعدة لا تقوم إلّابمساعد. ومثله عجزه عن مباشرته وإن لم يكن متّسعاً مع علم الموكّل به (وترفع الوكيل عمّا وُكّل فيه عادة) فإنّ توكيله حينئذٍ يدلّ بفحواه على الإذن له فيه مع علم الموكِّل بترفّعه عن مثله ، وإلّا لم يجز؛ لأنّه مستفاد من القرائن ، ومع جهل الموكِّل بحاله ينتفي.

وحيث أذن له في التوكيل ، فإن صرّح له بكون وكيله وكيلاً عنه أو عن الموكِّل لزمه حكم من وكّله ، فينعزل في الأوّل بانعزاله ـ لأنّه فرعه ـ وبعزل كلّ منهما له ، وفي الثاني لا ينعزل إلّابعزل الموكّل أو بما أبطل توكيله.

وإن أطلق ، ففي كونه وكيلاً عنه أو عن الموكّل أو تخيّر الوكيل في توكيله عن أيّهما شاء ، أوجه. وكذا مع استفادته من الفحوى ، إلّاأنّ كونه هنا وكيلاً عن الوكيل أوجه.

(ويستحبّ أن يكون الوكيل تامّ البصيرة) فيما وُكّل فيه ، ليكون مليّاً بتحقيق مراد الموكّل (عارفاً باللغة التي يُحاور بها) فيما وُكّل فيه ، ليحصل الغرض من توكيله. وقيل : إنّ ذلك واجب (١) وهو مناسب لمعنى الشرط بالنسبة إلى الأخير (٢).

(ويستحبّ لذوي المروءات) وهم أهل الشرف والرفعة والمروءة (التوكيل في المنازعات) ويُكره أن يتولّوها بأنفسهم لما يتضمّن من الامتهان

__________________

(١) وهو ظاهر الحلبي في الكافي : ٣٣٧ ، كما قال في المختلف ٦ : ٢٥ ، وابن حمزة في‌الوسيلة : ٢٨٢ ، ونسبه في المختلف إلى القاضي ، ولم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتبه

(٢) وهو كونه عارفاً باللغة التي يحاور بها

٤٠