الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

كتاب الغصب

(وهو الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدواناً) والمراد بالاستقلال : الإقلال ، وهو الاستبداد به ، لا طلبه كما هو الغالب في باب الاستفعال.

وخرج به ما لا إثبات معه أصلاً كمنعه من ماله حتّى تلف ، وما لا استقلال معه كوضع يده على ثوبه الذي هو لابسه ، فإنّ ذلك لا يسمّى غصباً.

وخرج بالمال الاستقلال باليد على الحرّ ، فإنّه لا تتحقّق فيه الغصبيّة فلا يضمن.

وبإضافة المال إلى الغير ما لو استقلّ بإثبات يده على مال نفسه عدواناً كالمرهون في يد المرتهن ، والوارث على التركة مع الدين فليس بغاصب وإن أثم وضمن.

وبالعدوان إثبات المرتهن والوليّ والوكيل والمستأجر والمستعير أيديهم على مال الراهن والمولّى عليه والموكّل والمؤجر والمعير.

ومع ذلك فينتقض التعريف في عكسه بما لو اشترك اثنان فصاعداً في غصب بحيث لم يستقلّ كلّ منهما باليد ، فلو أبدل «الاستقلال» ب‍ «الاستيلاء» لشمله؛ لصدق الاستيلاء مع المشاركة.

٥٦١

وبالاستقلال بإثبات اليد على حقّ الغير كالتحجير وحقّ المسجد والمدرسة والرباط ونحوه ممّا لا يُعدّ مالاً ، فإنّ الغصب متحقّق ، وكذا غصب ما لا يتموَّل عرفاً كحبّة الحنطة ، فإنّه يتحقّق به أيضاً على ما اختاره المصنّف ويجب ردّه على مالكه مع عدم الماليّة ، إلّاأن يراد هنا جنس المال ، أو يُدّعى إطلاق «المال» عليه ، ويفرّق بينه وبين «المتموَّل» وهو بعيد.

وعلى الحرّ الصغير والمجنون إذا تلف تحت يده بسبب ، كلدغ الحيّة ووقوع الحائط ، فإنّه يضمن عند المصنّف وجماعة (١) كما اختاره في الدروس (٢) فلو أبدل «المال» ب‍ «الحقّ» لشمل جميع ذلك.

وأمّا من ترتّبت يده على يد الغاصب جاهلاً به ، ومن سكن دار غيره غلطاً أو لبس ثوبه خطأً ، فإنّهم ضامنون وإن لم يكونوا غاصبين؛ لأنّ الغصب من الأفعال المحرَّمة في الكتاب (٣) والسنّة (٤) بل الإجماع ودليل العقل ، فلا يتناول غير العالم وإن شاركه في بعض الأحكام (٥).

وإبدال «العدوان» ب‍ «غير حقّ» ليتناولهم من حيث إنّهم ضامنون ، ليس بجيّد؛ لما ذكرناه (٦) وكذا الاعتذار بكونه بمعناه ، أو دعوى الاستغناء عن القيد

__________________

(١) مثل الشيخ في المبسوط ٧ : ١٨ ، والخلاف ٣ : ٤٢١ ، المسألة ٤٠ من كتاب الغصب ، والعلّامة في القواعد ٢ : ٢٢٣ ، والمختلف ٦ : ١٣٥ ، وحسّنه ابن فهد في المقتصر : ٣٤٢.

(٢) الدروس ٣ : ١٠٦.

(٣) في آية حرمة أكل المال بالباطل ، البقرة : الآية ١٨٨ و ١٩٤.

(٤) اُنظر الوسائل ١٧ : ٣٠٨ ، الباب الأوّل من أبواب كتاب الغصب ، والمستدرك ١٧ : ٨٧ نفس الباب.

(٥) كالضمان ووجوب الردّ.

(٦) من أنّ الغصب من فعل محرّم ، وهؤلاء لا يوصف فعلهم لحرمة.

٥٦٢

أصلاً ليشملهم ، بل الأجود الافتقار إلى قيد (العدوان) الدالّ على الظلم.

وقد تلخّص أنّ الأجود في تعريفه : أنّه الاستيلاء على حقّ الغير عدواناً ، وأنّ أسباب الضمان غير منحصرة فيه.

وحيث اعتبر في الضمان الاستقلال والاستيلاء (فلو منعه من سكنى داره) ولم يثبت المانع يده عليها (أو) منعه من (إمساك دابّته المرسلة) كذلك (فليس بغاصب لهما) فلا يضمن العين لو تلفت ، ولا الاُجرة زَمَن المنع؛ لعدم إثبات اليد الذي هو جزء مفهوم الغصب.

ويشكل بأ نّه لا يلزم من عدم الغصب عدم الضمان؛ لعدم انحصار السبب فيه ، بل ينبغي أن يختصّ ذلك بما لا يكون المانع سبباً في تلف العين بذلك بأن اتّفق تلفها مع كون السكنى غير معتبرة في حفظها ، والمالك غير معتبر في مراعاة الدابّة كما يتّفق لكثير من الدور والدوابّ. أمّا لو كان حفظه متوقّفاً على سكنى الدار ومراعاة الدابّة لضعفها و (١) كون أرضها مسبعة مثلاً ، فإنّ المتّجه الضمان نظراً إلى كونه سبباً قويّاً مع ضعف المباشر.

ومثله ما لو منعه من الجلوس على بساطه فتلف أو سرق ، أو غصب (٢) الاُمّ فمات ولدها جوعاً. وهذا هو الذي اختاره المصنّف في بعض فوائده (٣) وإن اتّبع هنا وفي الدروس (٤) المشهور.

أمّا لو منعه من بيع متاعه فنقصت قيمته السوقيّة مع بقاء العين وصفاتها

__________________

(١) في سوى (ع) : أو.

(٢) في نسخة بدل (ع) : حبس.

(٣) لم نعثر عليه.

(٤) الدروس ٣ : ١٠٥.

٥٦٣

لم يضمن قطعاً؛ لأنّ الفائت ليس مالاً بل اكتسابه.

(ولو سكن معه قهراً) في داره (فهو غاصب للنصف) عيناً وقيمة؛ لاستقلاله به ، بخلاف النصف الذي بيد المالك. هذا إذا شاركه في سكنى البيت على الإشاعة من غير اختصاص بموضع معيّن ، أمّا لو اختصّ بمعيّن اختصّ بضمانه ، كما لو اختصّ ببيتٍ من الدار وموضعٍ خاصٍّ من البيت الواحد. ولو كان قويّاً مستولياً وصاحب الدار ضعيفاً بحيث اضمحلّت يده معه احتمل قويّاً ضمان الجميع.

(ولو انعكس) الفرض بأن (ضعف الساكن) الداخل على المالك عن مقاومته ولكن لم يمنعه المالك مع قدرته (ضمن) الساكن (اُجرة ما سكن) لاستيفائه منفعته بغير إذن مالكه.

(قيل) والقائل المحقّق (١) والعلّامة (٢) وجماعة (٣) : (ولا يضمن) الساكن (العين) لعدم تحقّق الاستقلال باليد على العين الذي لا يتحقّق الغصب بدونه.

ونسبته إلى القول يشعر بتوقّفه فيه. ووجهه ظهور استيلائه على العين التي انتفع بسكناها. وقدرة المالك على دفعه لا ترفع الغصب مع تحقّق العدوان.

__________________

(١) الشرائع ٣ : ٢٣٥.

(٢) القواعد ٢ : ٢٢٢ ، والتحرير ٤ : ٥٢١ ، الرقم ٦١٣٥ ، والإرشاد ١ : ٤٤٥.

(٣) مثل المحقّق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ٢١١ ـ ٢١٢ ، كما يظهر ذلك من الفخر في الإيضاح حيث لم يعلّق على كلام العلّامة ، اُنظر الإيضاح ٢ : ١٦٦ ، ولم نعثر على غيرهما.

٥٦٤

نعم ، لو كان المالك القوي نائياً فلا شبهة في الضمان؛ لتحقّق الاستيلاء.

(ومدّ مِقود الدابّة) ـ بكسر الميم ـ وهو الحبل الذي يشدّ بزمامها أو لجامها (غصبٌ) للدابّة وما يصحبها؛ للاستيلاء عليها عدواناً (إلّاأن يكون صاحبها راكباً) عليها (قويّاً) على دفع القائد (مستيقظاً) حالةَ القود غير نائم ، فلا يتحقّق الغصب حينئذٍ؛ لعدم الاستيلاء.

نعم لو اتّفق تلفها بذلك ضمنها؛ لأنّه جانٍ عليها.

ولو لم تتلف هل يضمن منفعتها زمن القود؟ يحتمل قويّاً ذلك؛ لتفويتها بمباشرته وإن لم يكن غاصباً كالضعيف الساكن. ولو كان الراكب ضعيفاً عن مقاومته أو نائماً فلا ريب في الضمان؛ للاستيلاء. ولو ساقها قدّامه بحيث صار مستولياً عليها لكونها تحت يده ولا جماح (١) لها فهو غاصب؛ لتحقّق معناه ، ولو تردّت (٢) بالجماح حينئذٍ أو غيره فتلفت أو عابت ضمن؛ للسببيّة.

(وغصب الحامل غصب للحمل) لأنّه مغصوب كالحامل ، والاستقلال باليد عليه حاصل بالتبعيّة لاُمّه. وليس كذلك حمل المبيع فاسداً حيث لا يدخل في البيع؛ لأنّه ليس مبيعاً ، فيكون أمانة في يد المشتري؛ لأصالة عدم الضمان ، ولأنّ تسلّمه بإذن البائع. مع احتماله؛ لعموم (على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي) (٣) وبه قطع المحقّق في الشرائع (٤) (ولو تبعها الولد) حين غصبها (ففي

__________________

(١) جمح الفرس على راكبه : تغلّب عليه وذهب به ، فلم يمكنه الاستيلاء عليه.

(٢) تردّى في البئر : سقط.

(٣) المستدرك ١٧ : ٨٨ ، الباب الأوّل من كتاب الغصب ، الحديث ٣.

(٤) الشرائع ٣ : ٢٣٦.

٥٦٥

الضمان) للولد (قولان) (١) مأخذهما : عدم إثبات اليد عليه ، وأ نّه سبب قويّ.

والأقوى الضمان وهو الذي قرّبه في الدروس (٢).

(والأيدي المتعاقبة على المغصوب أيدي ضمان) سواء علموا جميعاً بالغصب أم جهلوا أم بالتفريق؛ لتحقّق التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، فيدخل في عموم (على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي) وإن انتفى الإثم عن الجاهل بالغصب.

(فيتخيّر المالك في تضمين من شاء) منهم العين والمنفعة (أو) تضمين (الجميع) بدلاً واحداً بالتقسيط وإن لم يكن متساوياً؛ لأنّ جواز الرجوع على كلّ واحد بالجميع يستلزم جواز الرجوع بالبعض ، وكذا له تقسيط ما يرجع به على أزيد من واحد وترك الباقين؛ لما ذكر.

(ويرجع الجاهل منهم بالغصب) إذا رجع عليه (على من غرّه) فسلّطه على العين أو المنفعة ولم يُعلِمه بالحال ، وهكذا الآخر ... إلى أن يستقرّ الضمان على الغاصب العالم وإن لم تتلف العين في يده.

هذا إذا لم تكن يد من تلفت في يده يدَ ضمان كالعارية المضمونة ، وإلّا لم يرجع على غيره. ولو كانت أيدي الجميع عارية تخيَّر المالك كذلك واستقرّ الضمان على من تلفت العين في يده ، فيرجع غيره عليه لو رجع عليه دونه. وكذا يستقرّ ضمان المنفعة على من استوفاها عالماً.

__________________

(١) أمّا القول بالضمان فهو للشهيد في الدروس كما نسبه الشارح إليه ولم نعثر على غيره. وأمّا عدم الضمان فلم نعثر على من صرّح به ، ولكن تردّد في ثبوت الضمان المحقّق في الشرائع ٣ : ٢٣٨ ، والعلّامة في القواعد ٢ : ٢٢٣. نعم في غاية المرام ٤ : ٨٥ : ظاهر فخر الدين والشهيد في شرح الإرشاد ترجيح أصالة البراءة. اُنظر الإيضاح ٢ : ١٦٧ ـ ١٦٨.

(٢) الدروس ٣ : ١٠٧ ، وغاية المراد ٢ : ٣٩٤.

٥٦٦

(والحرّ لا يضمن بالغصب) عيناً ومنفعة؛ لأنّه ليس مالاً فلا يدخل تحت اليد.

هذا إذا كان كبيراً عاقلاً إجماعاً ، أو صغيراً فمات من قبل اللّٰه تعالى. ولو مات بسببٍ كلدغ الحيّة ووقوع الحائط ، ففي ضمانه قولان للشيخ (١) واختار المصنّف في الدروس الضمان (٢) لأنّه سبّب الإتلاف ، ولأنّ الصغير لا يستطيع دفع المهلِكات عن نفسه ، وعروضها أكثريّ ، فمن ثَمّ رجّح السبب.

والظاهر أنّ حدّ «الصِغَر» (٣) العجز عن دفع ذلك عن نفسه حيث يمكن الكبير دفعها عادةً ، لا عدم التمييز. واُلحق به المجنون ، ولو كان بالكبير خَبَل (٤) أو بلغ [مرتبة] (٥) الصغير لكبر أو مرض ، ففي إلحاقه به وجهان.

(ويُضمن الرقيق) بالغصب؛ لأنّه مال (ولو حُبس الحرّ) مدّة لها اُجرة بالعادة (٦) (لم يضمن اُجرته إذا لم يستعمله) لأنّ منافع الحرّ لا تدخل تحت اليد تبعاً له ، سواء كان قد استأجره لعمل فاعتقله ولم يستعمله أم لا.

نعم ، لو كان قد استأجره مدّة معيّنة فمضت زمنَ اعتقاله وهو باذل نفسه للعمل استقرّت الاُجرة لذلك ، لا للغصب (بخلاف الرقيق) لأنّه مال محض

__________________

(١) القول بعدم الضمان في المبسوط ٣ : ١٠٥ ، والقول بالضمان أيضاً فيه ٧ : ١٨ ، وفي الخلاف ٣ : ٤٢١ ، المسألة ٤٠ من كتاب الغصب.

(٢) الدروس ٣ : ١٠٦.

(٣) في (ف) و (ش) : الصغير.

(٤) الخَبلُ : فساد العقل بحيث لم يبلغ حدّ الجنون.

(٥) في المخطوطات : رتبة.

(٦) في (ر) : عادةً.

٥٦٧

ومنافعه كذلك.

(وخمر الكافر المستتر) بها (محترم يُضمن بالغصب) مسلماً كان الغاصب أم كافراً؛ لأنّها مال بالإضافة إليه وقد اُقرّ عليه ولم تجز مزاحمته فيه.

وكان عليه تأنيث ضمائر (الخمر) ؛ لأنّها مؤنّث سماعيّ.

ولو غصبها من مسلم أو كافر متظاهر فلا ضمان وإن كان قد اتّخذها للتخليل؛ إذ لا قيمة لها في شرع الإسلام ، لكن هنا يأثم الغاصب.

وحيث يضمن الخمر يعتبر (بقيمته عند مستحلّيه) لا بمثله وإن كان بحسب القاعدة مثليّاً؛ لتعذّر الحكم باستحقاق الخمر في شرعنا وإن كنّا لا نعترضهم إذا لم يتظاهروا بها. ولا فرق في ذلك بين كون المتلف مسلماً وكافراً على الأقوى.

وقيل : يضمن الكافرُ المثلَ لإمكانه في حقّه ، من حيث إنّه مثليٌّ مملوك له يمكنه دفعه سرّاً (١).

ورُدّ بأنّ استحقاقه كذلك يؤدّي إلى إظهاره؛ لأنّ حكم المستحقّ أن يَحبس غريمَه لو امتنع من أدائه وإلزامه بحقّه ، وذلك ينافي الاستتار.

(وكذا) الحكم في (الخنزير) إلّاأنّ ضمان قيمة الخنزير واضح؛ لأنّه قيمي حيث يُملك.

(ولو اجتمع المباشر) وهو موجد علّة التلف ـ كالأكل والإحراق والقتل والإتلاف ـ (والسبب) وهو فاعل ملزوم العلّة كحافر البئر (ضمن المباشر) لأنّه أقوى (إلّامع الإكراه أو الغرور) للمباشر (فيستقرّ الضمان في الغرور على الغارّ) وفي الإكراه على المكرِه لضعف المباشر بهما ، فكان السبب أقوى ،

__________________

(١) وهو أحد قولي القاضي في المهذّب ١ : ٤٤٤.

٥٦٨

كمن قدّم طعاماً إلى المغرور فأكله ، فقرار الضمان على الغارّ فيرجع المغرور عليه لو ضمن.

هذا في المال. أمّا النفس فيتعلّق بالمباشر مطلقاً ، لكن هنا يحبس الآمر حتّى يموت.

(ولو أرسل ماءً في ملكه ، أو أجّج ناراً فسرى إلى الغير) فأفسد (فلا ضمان) على الفاعل (إذا لم يزد) في الماء والنار (عن قَدر الحاجة ولم تكن الريح) في صورة الإحراق (عاصفة) بحيث علم أو ظنّ التعدّي الموجب للضرر؛ لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم ، ولهم الانتفاع بها كيف شاؤوا.

نعم ، لو زاد عن قدر حاجته فالزائد مشروط بعدم ضرر بالغير ولو بالظنّ؛ لأ نّه مناط أمثال ذلك ، جمعاً بين الحقّين ودفعاً للإضرار المنفي (١) (وإلّا ضمن).

وظاهر العبارة : أنّ الزائد عن قدر الحاجة يضمن به وإن لم يقترن بظنّ التعدّي.

وكذا مع عصف الريح وإن اقتصر على قدر (٢) حاجته؛ لكونه مظنّة للتعدّي ، فعدم الضمان على هذا مشروط بأمرين : عدم الزيادة عن الحاجة ، وعدم ظهور سبب التعدّي كالريح ، فمتى انتفى أحدهما ضمن.

ومثله في الدروس (٣) إلّاأ نّه اعتبر علم التعدّي ولم يكتف بالظنّ ولم يعتبر الهواء ، فمتى علمه وإن لم يكن هواء ضمن وإن لم يزد عن حاجته ، فبينهما مغايرة. وفي بعض فتاويه اعتبر في الضمان أحد الاُمور الثلاثة : مجاوزة الحاجة ،

__________________

(١) اُنظر الوسائل ١٧ : ٣٤٠ ، الباب ١٢ من أبواب إحياء الموات.

(٢) أثبتنا كلمة (قدر) من (ع).

(٣) الدروس ٣ : ١٠٧.

٥٦٩

أو عصف الهواء ، أو غلبة الظنّ بالتعدّي (١).

واعتبر جماعة ـ منهم الفاضلان (٢) ـ في الضمان اجتماع الأمرين معاً ، وهما : مجاوزة الحاجة ، وظنّ التعدّي أو العلم به ، فمتى انتفى أحدهما فلا ضمان.

وهذا قوي وإن كان الأوّل أحوط.

(ويجب ردّ المغصوب) على مالكه وجوباً فوريّاً إجماعاً ، ولقوله صلى الله عليه وآله : «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي» (٣) (ما دامت العين باقية) يمكنه ردّها ، سواء كانت على هيئتها يوم غصبها أم زائدة أم ناقصة (ولو أدّى ردّه إلى) عسر و (ذهاب مال الغاصب) كالخشبة في بنائه واللوح في سفينته؛ لأنّ البناء على المغصوب لا حرمة له ، وكذا مال الغاصب في السفينة حيث يُخشى تلفُه أو غرقُ السفينة على الأقوى.

نعم ، لو خيف غرقُه (٤) أو غرقُ حيوان محترم أو مالٌ لغيره لم يُنزع إلى أن تصل الساحل.

(فإن تعذّر) ردّ العين لتلف ونحوه (ضمنه) الغاصب (بالمثل إن كان) المغصوب (مثليّاً) وهو المتساوي الأجزاء والمنفعة المتقارب الصفات ، كالحنطة والشعير ، وغيرهما من الحبوب والأدهان (وإلّا) يكن مثليّاً (فالقيمة العُليا من حين الغصب إلى حين التلف) لأنّ كلّ حالة زائدة من حالاته في ذلك الوقت مضمونة كما يرشد إليه : أنّه لو تلف حينئذٍ ضمنها ، فكذا إذا

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) الشرائع ٣ : ٢٣٧ ، والقواعد ٢ : ٢٢٣ ، وتبعهما في جامع المقاصد ٦ : ٢١٨.

(٣) تقدّم تخريجه في الصفحة ٥٦٥.

(٤) أي الغاصب.

٥٧٠

تلف بعدها.

(وقيل) والقائل به المحقّق في أحد قوليه ـ على ما نقله المصنّف عنه (١) ـ يضمن الأعلى من حين الغصب (إلى حين الردّ) أي ردّ الواجب وهو القيمة.

وهذا القول مبنيّ على أنّ القيمي يُضمن بمثله كالمثلي ، وإنّما ينتقل إلى القيمة عند دفعها لتعذّر المثل ، فيجب أعلى القيم إلى حين دفع القيمة؛ لأنّ الزائد في كلّ آنٍ سابق من حين الغصب مضمون تحت يده ، ولهذا لو دفع العين حالة الزيادة كانت للمالك ، فإذا تلفت في يده ضمنها.

وعلى القول المشهور من ضمان القيمي بقيمته ابتداءً لا وجه لهذا القول.

(وقيل) والقائل به الأكثر ـ على ما نقله المصنّف في الدروس (٢) ـ : إنّما يضمن (بالقيمة يوم التلف لا غير) لأنّ الواجب زمنَ بقائها إنّما هو ردّ العين ، والغاصب مخاطَب بردّها حينئذٍ زائدة كانت أم ناقصة من غير ضمان شيء من النقص إجماعاً ، فإذا تلفت وجبت قيمة العين وقتَ التلف؛ لانتقال الحقّ إليها حينئذٍ؛ لتعذّر البدل.

ونقل المحقّق في الشرائع عن الأكثر : أنّ المعتبر القيمة يوم الغصب (٣) بناءً على أنّه أوّل وقت ضمان العين.

ويُضعّف بأنّ ضمانها حينئذٍ إنّما يراد به كونها : لو تلفت لوجب بدلها ، لا وجوب قيمتها؛ إذ الواجب مع وجود العين منحصر في ردّها.

وفي صحيح أبي ولّاد عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في اكتراء البغل ومخالفة

__________________

(١) نقله في الدروس ٣ : ١١٣ بلفظ : وإليها جنح المحقّق ، وانظر الشرائع ٣ : ٢٤٠.

(٢) الدروس ٣ : ١١٣.

(٣) الشرائع ٣ : ٢٤٠.

٥٧١

الشرط (١) ما يدلّ على هذا القول.

ويمكن أن يستفاد منه اعتبار الأكثر (٢) منه إلى يوم التلف.

وهو قويّ عملاً بالخبر الصحيح (٣) وإلّا لكان القول بقيمة يوم التلف مطلقاً (٤) أقوى.

وموضع الخلاف ما إذا كان الاختلاف بسبب اختلاف القيمة السوقيّة. أمّا لو كان لنقص العين أو لتعيّبها ، فلا إشكال في ضمان ذلك النقص.

(وإن عاب) المغصوب ولم تذهب عينه (ضمن أرشه) إجماعاً؛ لأ نّه عوض عن أجزاء ناقصة أو أوصاف ، وكلاهما مضمون ، سواء كان النقص من الغاصب أم من غيره ولو من قِبل اللّٰه تعالى. ولو كان العيب غير مستقرّ ، بل يزيد على التدريج ، فإن لم يمكن المالك بعد قبض العين قطعه أو التصرّف (٥) فيه ، فعلى الغاصب ضمان ما يتجدّد أيضاً. وإن أمكن ففي زوال الضمان وجهان : من استناده إلى الغاصب ، وتفريطِ المالك. واستقرب المصنّف في الدروس عدم الضمان (٦).

__________________

(١) هذا الخبر ذكره الشيخ في التهذيب في كتاب الإجارة [٧ : ٢١٥ ، الحديث ٢٥] ولم يحتجّ بذكره الأصحاب في هذا الباب مع أنّه الحجّة القويّة. (منه رحمه الله).

(٢) في (ش) : أكثر الأمرين.

(٣) وهو خبر أبي ولّاد المتقدّم.

(٤) زادت قيمته أو نقصت.

(٥) المراد : بالقطع إزالته من أصله ، ومن التصرّف فيه جعله بحيث لا يزيد وإن بقي أصله (هامش ر).

(٦) الدروس ٣ : ١١٢.

٥٧٢

(ويضمن) أيضاً (اُجرته إن كان له اُجرة ، لطول المدّة) التي غصبه فيها ، سواء (استعمله أو لا) لأنّ منافعه أموال تحت اليد فتضمن بالفوات والتفويت. ولو تعدّدت المنافع فإن أمكن فعلها جملة أو فعل أكثر من واحدة وجب اُجرة ما أمكن ، وإلّا ـ كالخياطة والحياكة والكتابة ـ فأعلاها اُجرةً. ولو كانت الواحدة أعلى منفردة عن منافع متعدّدة يمكن جمعها ، ضَمِن الأعلى.

(ولا فرق بين بهيمة القاضي والشوكي (١) في ضمان الأرش) إجماعاً؛ لعموم الأدلّة ، وخالف في ذلك بعض العامّة (٢) فحكم في الجناية على بهيمة القاضي بالقيمة ويأخذ الجاني العين ، نظراً إلى أنّ المعيب لا يليق بمقام القاضي.

(ولو جنى على العبد المغصوب) جانٍ غير الغاصب (فعلى الجاني أرش الجناية) المقرّر في باب الديات (وعلى الغاصب ما زاد عن أرشها من النقص إن اتّفق) زيادة ، فلو كانت الجناية ممّا له مقدّر كقطع يده الموجب لنصف قيمته شرعاً فنقص بسببه ثلثا قيمته ، فعلى الجاني النصف وعلى الغاصب السدس الزائد من النقص ، ولو لم يحصل زيادة فلا شيء على الغاصب بل يستقرّ الضمان على الجاني.

والفرق : أنّ ضمان الغاصب من جهة الماليّة ، فيضمن ما فات منها مطلقاً (٣) وضمان الجاني منصوص ، فيقف عليه حتّى لو كان الجاني هو الغاصب فيما له مقدّر شرعي فالواجب عليه أكثر الأمرين : من المقدّر الشرعي والأرش؛ لأنّ

__________________

(١) حامل الشَوْك.

(٢) نسبه في المجموع ١٤ : ٣٥٥ إلى المالك ، وفي الفتاوى الهنديّة ٥ : ١٢٢ إلى شريح.

(٣) سواء كان زائداً عن مقدار الجناية أم لا.

٥٧٣

الأكثر إن كان هو المقدّر فهو جانٍ ، وإن كان هو الأرش فهو مال فوّته تحت يده كغيره من الأموال؛ لعموم (على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي) ، ولأنّ الجاني لم تثبت يده على العبد فيتعلّق به ضمان الماليّة ، بخلاف الغاصب.

والأقوى عدم الفرق بين استغراق أرش الجناية القيمة وعدمه ، فيجتمع عليه ردّ العين والقيمة فما زاد.

(ولو مثّل به) الغاصب (انعتق) لقول الصادق عليه السلام : «كلّ عبد مُثّلَ به فهو حرّ» (١) (وغرم قيمته للمالك).

وقيل : لا يعتق بذلك (٢) اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع الوفاق وهو تمثيل المولى ، والرواية العامّة ضعيفة السند (٣).

وأمّا بناء الحكم على الحكمة في عتقه ـ هل هي عقوبة للمولى أو جبر للمملوك؟ فيعتق هنا على الثاني دون الأوّل ـ فهو ردّ للحكم إلى حكمة مجهولة لم يرد بها نصّ. والأقوى عدم الانعتاق.

نعم ، لو اُقعد أو عمي عُتق وضمن الغاصب؛ لأنّ هذا السبب غير مختصّ بالمولى إجماعاً.

(ولو غصب) ما ينقصه التفريق مثل (الخفّين أو المصراعين أو الكتاب سفرين فتلف أحدهما) قبل الردّ (ضمن قيمته) أي قيمة التالف (مجتمعاً)

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ٢٦ ، الباب ٢٢ من كتاب العتق ، الحديث الأوّل.

(٢) قاله العلّامة في الإرشاد ١ : ٤٤٦ ، والقواعد ٢ : ٢٣٢ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٦ : ٢٨٦.

(٣) وضعفها لإرسالها أوّلاً ولجهالة جعفر بن محبوب الواقع في سندها ثانياً. اُنظر المسالك ١٠ : ٣٥٩.

٥٧٤

مع الآخر ونَقص الآخر (١) فلو كان قيمة الجميع عشرة وقيمة كلّ واحد مجتمعاً خمسة ومنفرداً ثلاثة ضمن سبعة؛ لأنّ النقصان الحاصل في يده مستند إلى تلف عين مضمونة عليه ، وما نقص من قيمة الباقي في مقابلة الاجتماع فهو بفوات صفة الاجتماع في يده. أمّا لو لم تثبت يده على الباقي ، بل غصب أحدهما ثمّ تلف في يده أو أتلفه ابتداءً ، ففي ضمانه قيمة التالف مجتمعاً أو منفرداً أو منضمّاً إلى نقص الباقي كالأوّل أوجه ، أجودها الأخير؛ لاستناد الزائد إلى فقد صفة ، وهي كونه مجتمعاً حصل منه.

(ولو زادت قيمة المغصوب بفعل الغاصب فلا شيء عليه) لعدم النقصان (ولا له) لأنّ الزيادة حصلت في مال غيره (إلّاأن تكون) الزيادة (عيناً) من مال الغاصب (كالصبغ ، فله قلعه) لأنّه ماله (إن قبل الفصل) ولو بنقص قيمة الثوب ، جمعاً بين الحقّين.

(و) نقصُ الثوب ينجبر بأنّ الغاصب (يضمن أرش الثوب) ولا يرد أنّ قلعه يستلزم التصرّف في مال الغير بغير إذن وهو ممتنع ، بخلاف تصرّف مالك الثوب في الصِبغ؛ لأنّه وقع عدواناً؛ لأنّ وقوعه عدواناً لا يقتضي إسقاط ماليّته ، فإنّ ذلك عدوان آخر ، بل غايته أن يُنزع ولا يلتفت إلى نقص قيمته أو اضمحلاله؛ للعدوان بوضعه.

ولو طلب أحدهما ما لصاحبه بالقيمة لم تجب إجابته ، كما لا يجب قبول

__________________

(١) لا يكاد يستفاد ضمان نقص الآخر من العبارة؛ لأنّ ضمير قيمته إن عاد إلى التالف كما هو الظاهر ، فالظاهر عدم دلالته عليه ، وإن عاد إلى قيمة المغصوب يلزم ضمان قيمة الموجود وهو غير مراد ولا صحيح ، ولا بدّ من القول بضمان نقص الآخر كما ذكره غيره ، وذكر هو في غير الكتاب [الدروس ٣ : ١١٨]. (منه رحمه الله).

٥٧٥

هبته. نعم ، لو طلب مالك الثوب بيعهما ليأخذ كلّ واحد حقّه لزم الغاصب إجابته ، دون العكس.

(ولو بيع مصبوغاً بقيمته مغصوباً) بغير صبغ (فلا شيء للغاصب) لعدم الزيادة بسبب ماله.

هذا إذا بقيت قيمة الثوب بحالها. أمّا لو تجدّد نقصانه للسوق فالزائد للغاصب؛ لأنّ نقصان السوق مع بقاء العين غير مضمون.

نعم ، لو زاد الباقي عن قيمة الصبغ كان الزائد بينهما على نسبة المالين ، كما لو زادت القيمة عن قيمتهما من غير نقصان. ولو اختلفت قيمتهما بالزيادة والنقصان للسوق ، فالحكم للقيمة الآن؛ لأنّ النقص غير مضمون في المغصوب للسوق وفي الصبغ مطلقاً (١) فلو كان قيمة كلّ واحد خمسة وبيع بعشرة ، إلّاأنّ قيمة الثوب ارتفعت إلى سبعة وقيمة الصبغ انحطّت إلى ثلاثة ، فلصاحب الثوب سبعة وللغاصب ثلاثة ، وبالعكس.

(ولو غصب شاة فأطعمها المالكَ جاهلاً) بكونها شاته (ضمنها الغاصب) له؛ لضعف المباشر بالغرور ، فيرجع على السبب. وتسليطُه المالك على ماله وصيرورته بيده على هذا الوجه لا يوجب البراءة؛ لأنّ التسليم غير تامّ ، فإنّ التسليم التامّ تسليمه على أنّه ملكه يتصرّف فيه كتصرّف الملّاك ، وهنا ليس كذلك ، بل اعتقد أنّه للغاصب وأ نّه أباحه إتلافه بالضيافة ، وقد يتصرّف بعض الناس فيها بما لا يتصرّفون في أموالهم ، كما لا يخفى. وكذا الحكم في غير الشاة من الأطعمة والأعيان المنتفع بها كاللباس.

(ولو أطعمها غير صاحبها) في حالة كون الآكل (جاهلاً ضمن

__________________

(١) سواء كان للسوق أم لغيره.

٥٧٦

المالكُ) قيمتها (من شاء) من الآكل والغاصب؛ لترتّب الأيدي كما سلف (١) (والقرار) أي قرار الضمان (على الغاصب) لغروره للآكل بإباحته الطعامَ مجّاناً مع أنّ يده ظاهرة في الملك وقد ظهر خلافه.

(ولو مزج) الغاصب (المغصوب) بغيره أو امتزج في يده بغير اختياره (كُلّف قسمته *» بتمييزه (إن أمكن) التمييز (وإن شقّ) كما لو خلط الحنطةَ بالشعير أو الحمراء بالصفراء؛ لوجوب ردّ العين حيث يمكن (ولو لم يمكن) التمييز كما لو خلط الزيت بمثله أو الحنطة بمثلها وصفاً (ضمن المثل إن مزجه بالأردى) لتعذّر ردّ العين كاملة؛ لأنّ المزج في حكم الاستهلاك من حيث اختلاط كلّ جزءٍ من مال المالك بجزءٍ من مال الغاصب وهو أدون من الحقّ فلا يجب قبوله ، بل ينتقل إلى المثل. وهذا مبنيّ على الغالب من عدم رضاه بالشركة ، أو قول في المسألة (٢).

والأقوى تخييره بين المثل والشِركة مع الأرش؛ لأنّ حقّه في العين لم يسقط ، لبقائها كما لو مزجها بالأجود ، والنقص بالخلط يمكن جبره بالأرش.

(وإلّا) يمزجه بالأردى ، بل بالمساوي أو الأجود (كان شريكاً) بمقدار عين ماله ، لا قيمته؛ لأنّ الزيادة الحاصلة صفة حصلت بفعل الغاصب عدواناً ، فلا يسقط حقّ المالك مع بقاء عين ماله ، كما لو صاغ النقرةَ وعلف الدابّة فسمنت.

__________________

(١) سلف في الصفحة ٥٦٦.

(*) في (ق) و (س) : فصله.

(٢) في التنقيح الرائع ٤ : ٧٢ : وهذا لا خلاف أنّه يضمن المثل لتعذّر العين في صورة مزجه بالأدون.

٥٧٧

وقيل : يسقط حقّه من العين للاستهلاك ، فيتخيّر الغاصب بين الدفع من العين؛ لأنّه متطوّع بالزائد ، ودفع المثل (١) والأقوى الأوّل.

(ومؤونة القسمة على الغاصب) لوقوع الشركة بفعله تعدّياً.

هذا كلّه إذا مزجه بجنسه ، فلو مزجه بغيره كالزيت بالشيرج فهو إتلاف؛ لبطلان فائدته وخاصّيته.

وقيل : تثبت الشركة هنا أيضاً كما لو مزجاه بالتراضي أو امتزجا بأنفسهما؛ لوجود العين (٢).

ويشكل بأنّ جبر المالك على أخذه بالأرش أو بدونه إلزام بغير الجنس في المثلي ، وهو خلاف القاعدة. وجبر الغاصب إثبات لغير المثل عليه بغير رضاه ، فالعدول إلى المثل أجود. ووجود العين غير متميّزة من غير جنسها كالتالفة.

(ولو زرع) الغاصب (الحبّ) فنبت (أو أحضن البيض) فأفرخ (فالزرع والفرخ للمالك) على أصحّ القولين (٣) لأنّه عين مال المالك وإنّما حدث بالتغيّر اختلاف الصور ، ونماء الملك للمالك وإن كان بفعل الغاصب.

وللشيخ قول بأ نّه للغاصب تنزيلاً لذلك منزلة الإتلاف ، ولأنّ النماء بفعل الغاصب (٤) وضعفهما ظاهر.

(ولو نقله إلى غير بلد المالك وجب عليه نقله) إلى بلد المالك (ومؤونة

__________________

(١) قاله الشيخ في المبسوط ٣ : ٧٩ ـ ٨٠ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٤٨٢.

(٢) القول للعلّامة في التذكرة [٢ : ٣٩٥ الحجريّة]. (منه رحمه الله).

(٣) نسبه في جامع المقاصد ٦ : ٢٩٣ إلى مذهب الأكثر ، وفي غاية المرام ٤ : ٩٨ إلى المشهور.

(٤) قاله في المبسوط ٣ : ١٠٥ ، والخلاف ٣ : ٤٢٠ ، المسألة ٣٨ من كتاب الغصب.

٥٧٨

نقله) وإن استوعبت أضعاف قيمته؛ لأنّه عادٍ بنقله ، فيجب عليه الردّ مطلقاً. ولا يجب إجابة المالك إلى اُجرة الردّ مع إبقائه فيما انتقل إليه؛ لأنّ حقّه الردّ ، دون الاُجرة (ولو رضي المالك بذلك المكان) الذي نقله إليه (لم يجب) الردّ على الغاصب؛ لإسقاط المالك حقّه منه ، فلو ردّه حينئذٍ كان له إلزامه بردّه إليه.

(ولو اختلفا في القيمة حلف الغاصب) لأصالة البراءة من الزائد ، ولأ نّه منكر ما لم يدّع ما يُعلم كذبه ، كالدرهم قيمةً للعبد ، فيكلّف بدعوى قدر يمكن ، مع احتمال تقديم قول المالك حينئذٍ.

وقيل : يحلف المالك (١) وهو ضعيف.

(وكذا) يحلف الغاصب (لو ادّعى) المالك إثبات (صناعة يزيد بها الثمن) لأصالة عدمها. وكذا لو كان الاختلاف في تقدّمها لتكثّر الاُجرة؛ لأصالة عدمه.

(وكذا) يحلف الغاصب (لو ادّعى التلف) وإن كان خلاف الأصل؛ لإمكان صدقه ، فلو لم يُقبل قوله لزم تخليده الحبس لو فرض التلف. ولا يرد مثله لو (٢) أقام المالك بيّنة ببقائه مع إمكان كذب البيّنة؛ لأنّ ثبوت البقاء شرعاً مجوِّز للإهانة والضرب إلى أن يُعلم خلافه ، ومتى حلف على التلف طولب بالبدل وإن كانت العين باقية بزعم المالك؛ للعجز عنها بالحلف ، كما يستحقّ البدل مع العجز عنها وإن قطع بوجودها ، بل هنا أولى (أو ادّعى) الغاصب (تملّك ما على العبد من الثياب) ونحوها؛ لأنّ العبد بيده ، ولهذا يضمنه ومنافعَه ، فيكون ما معه

__________________

(١) في (ر) زيادة (مطلقاً) ، والقائل الشيخان في المقنعة : ٦٠٧ ، والنهاية : ٤٠٢ ، ونسبه في الشرائع ٣ : ٢٤٩ ، والتحرير ٤ : ٥٥٠ إلى الأكثر.

(٢) في (ر) : ما لو.

٥٧٩

في يده ، فيقدَّم قوله في ملكه.

(ولو اختلفا في الردّ حلف المالك) لأصالة عدمه ، وكذا لو ادّعى ردّ بدله مِثلاً أو قيمةً ، أو تقدّم ردّه على موته وادّعى المالك موته قبله؛ لأصالة عدم التقدّم. ولا يلزم هنا (١) ما لزم في دعوى التلف؛ للانتقال إلى البدل حيث يتعذّر تخليص العين منه.

لكن هل ينتقل إليه ابتداءً ، أو بعد الحبس والعذاب إلى أن تظهر أمارة عدم إمكان العين؟ نظر. ولعلّ الثاني أوجه؛ لأنّ الانتقال إلى البدل ابتداءً يوجب الرجوع إلى قوله ، وتكليفه بالعين مطلقاً قد يوجب خلود حبسه كالأوّل ، فالوسط (٢) متّجه. وكلامهم هنا (٣) غير منقَّح.

__________________

(١) أي في مسألة الكتاب وهي قبول قول المالك في عدم الردّ. (منه رحمه الله).

(٢) يعني الانتقال إلى البدل بعد الحبس ، إلى أن تظهر أمارة عدم إمكان العين.

(٣) لم يرد (هنا) في (ع).

٥٨٠