الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

وليّه ختانه.

وهل يجب على الوليّ ذلك قبله؟ وجهان : من عدم التكليف حينئذٍ ، واستلزام تأخيره إلى البلوغ تأخير الواجب المضيَّق عن (١) أوّل وقته. وفي التحرير : لا يجوز تأخيره إلى البلوغ (٢) وهو دالّ على الثاني ، ودليله غير واضح.

(ويستحبّ خفض النساء وإن بلغن) قال الصادق عليه السلام : «خفض النساء مكرُمة ، وأيّ شيء أفضل من المكرُمة» (٣).

(والعقيقة شاة) أو جزور (تجتمع فيها شروط الاُضحيّة) وهي السلامة من العيوب والسمن ، والسنّ على الأفضل ، ويجزئ فيها مطلق الشاة ، قال الصادق عليه السلام : «إنّما هي شاة لحم ليست بمنزلة الاُضحيّة ، يُجزي منها كلّ شيء» (٤) و«خيرها أسمنها» (٥).

(ويستحبّ مساواتُها الولد في الذكورة والاُنوثة) ولو خالفته أجزأت.

(والدعاءُ عند ذبحها بالمأثور) وهو «بِسمِ اللّٰهِ وَبِاللّٰهِ ، اللَّهُمَّ [هذهِ] (٦) عَقيقَةٌ عَنْ فُلان ، لَحْمُها بِلَحمِهِ ، وَدَمُها بِدَمِهِ ، وَعَظْمُها بِعَظمِهِ ، اللَّهُمَّ اجعَلْهُ وِقاءً لآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيهِ وَآله (٧)) رواه الكرخي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام (٨).

وعن الباقر عليه السلام قال : إذا ذبحت فقل : «بِسمِ اللّٰهِ وَبِاللّٰهِ وَالحَمدُ للّٰهِ وَاللّٰهُ أكبَرُ

__________________

(١) في (ع) و (ش) : في. ولم ترد عبارة (عن أوّل وقته) في (ف).

(٢) التحرير ٤ : ٨ ، الرقم ٥٢٧٩.

(٣) الوسائل ١٥ : ١٦٧ ، الباب ٥٦ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٣.

(٤) الوسائل ١٥ : ١٥٤ ، الباب ٤٥ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ١ و ٢.

(٥) الوسائل ١٥ : ١٥٤ ، الباب ٤٥ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ١ و ٢.

(٦) لم يرد في المخطوطات.

(٧) في (ع) و (ف) : عليه وعليهم.

(٨) الوسائل ١٥ : ١٥٤ ، الباب ٤٦ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث الأوّل.

٣٢١

إيماناً بِاللّٰهِ ، وَثَناءً عَلىٰ رَسولِ اللّٰهِ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَالعَظَمَةُ لأمرِهِ ، وَالشُّكْرُ لِرِزْقِهِ ، وَالمَعرِفَةُ بِفَضْلِهِ عَلَينا أهلَ البَيت) فإن كان ذكراً فقل : (اللَّهُمَّ إنَّكَ وَهَبْتَ لَنا ذَكَراً وَأنتَ أعلَمُ بِما وَهَبْتَ ، وَمِنْكَ ما أعطَيتَ ، وَكُلُّ ما صَنَعنا فَتَقَبَّلْهُ مِنَّا عَلىٰ سُنَّتِكَ وَسُنَّةِ نَبِيِّكَ وَرَسو لِكَ صَلّى اللّٰهُ عَلَيهِ وَآلِهِ ، واخسأ عَنَّا الشَّيطانَ الرَّجيمَ [اللَّهُمَّ] (١) لَكَ سُفِكَتِ الدِّماءُ لا شَريكَ لَكَ وَالحَمدُ للّٰهِ رَبِّ العالَمين) (٢).

وعن الصادق عليه السلام مثله وزاد فيه : «اللَّهُمَّ لَحمُها بِلَحمِهِ ، وَدَمُها بِدَمِهِ ، وَعَظْمُها بِعَظمِهِ ، وَشَعرُها بِشَعرِهِ ، وَجِلدُها بِجِلدِهِ ، اللَّهُمَّ اجعَلها وِقاءً لِفُلان بنِ فُلان» (٣).

وعنه عليه السلام : إذا أردت أن تذبح العقيقة قلت : «يا قومِ إنِّي بَريءٌ مِمَّا تُشرِكونَ ، إنِّي وَجَّهتُ وَجهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالأرضَ حَنيفاً مُسلِماً وَما أنا مِنَ المُشرِكينَ ، إنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي للّٰهِ رَبِّ العالَمينَ لا شَريكَ لَهُ وَبِذلِكَ اُمِرتُ وَأنَا مِنَ (٤) المُسلِمينَ ، اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ بِسمِ اللّٰهِ وَاللّٰهُ أكبَرُ» وتسمّي المولود باسمه ثمّ تذبح (٥).

وعنه عليه السلام : يقال عند العقيقة : «اللَّهُمَّ مِنْكَ وَلَكَ ما وَهَبتَ وَأنتَ أعطَيتَ ، اللَّهُمَّ فَتَقَبَّلهُ مِنَّا عَلىٰ سُنَّةِ نَبيِّكَ صَلَّى اللّٰهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَنَستَعيذُ بِاللّٰهِ مِنَ الشَّيطانِ الرَّجيم» وتسمّي وتذبح وتقول : «لَكَ سُفِكَتِ الدِّماءُ لا شَريكَ لَكَ ، وَالحَمدُ للّٰهِ رَبِّ العالَمينَ اللَّهُمَّ اخسأ عَنَّا الشَّيطانَ الرَّجيم» (٦) فهذا جملة ما وقفت عليه من الدعاء المأثور.

__________________

(١) لم يرد في المخطوطات.

(٢) و (٣) الوسائل ١٥ : ١٥٥ ـ ١٥٦ ، الباب ٤٦ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٤ و ٥.

(٤) في (ر) : أوّل.

(٥) و (٦) الوسائل ١٥ : ١٥٤ ـ ١٥٥ ، الباب ٤٦ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٢ و ٣.

٣٢٢

(وسؤالُ اللّٰه تعالى أن يجعلها فدية له ، لحماً بلحم وعظماً بعظم وجلداً بجلد) هذا داخل في المأثور فكان يستغني عن تخصيصه ، ولعلّه لمزيد الاهتمام به أو التنبيه عليه حيث لا يتّفق الدعاء بالمأثور (ولا تكفي الصدقة بثمنها *) وإن تعذّرت ، بل يُنتظر الوجدان ، بخلاف الاُضحيّة.

قيل للصادق عليه السلام : إنّا طلبنا العقيقة فلم نجدها فما ترى ، نتصدّق بثمنها؟ فقال عليه السلام : «لا ، إنّ اللّٰه يحبّ إطعام الطعام وإراقة الدماء» (١) (ولتخصّ القابلة بالرِجل والوَرِك (٢)) وفي بعض الأخبار : أنّ لها ربع العقيقة (٣) وفي بعضها : ثلثها ) «ولو لم تكن قابلةٌ تصدّقت به الاُمّ» بمعنى أنّ حصّة القابلة تكون لها وإن كان الذابح الأب ، ثمّ هي تتصدّق بها؛ لأنّه يُكره لها الأكل كما سيأتي. ولا تختصّ صدقتها بالفقراء ، بل تُعطي من شاءت كما ورد في الخبر (٥).

(ولو بلغ الولد ولمّا يُعقّ عنه استحبّ له العقيقة عن نفسه ، وإن شكّ) الولد هل عُقّ عنه أم لا (فليعقّ) هو (إذ الأصل عدم عقيقة أبيه) ولرواية عبد اللّٰه بن سنان عن عمر بن يزيد قال : «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام : إنّي واللّٰه ما أدري كان أبي عَقَّ عنّي أم لا؟ قال : فأمرني أبو عبد اللّٰه عليه السلام فعققت عن نفسي وأنا شيخ [كبير] (٦)» (٧) وقال عمر : سمعت أبا عبد اللّٰه عليه السلام يقول : «كلّ امرئ

__________________

(*) في (ق) و (س) : بقيمتها.

(١) الوسائل ١٥ : ١٤٦ ، الباب ٤٠ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث الأوّل.

(٢) الورْك ، والوَرِك : ما فوق الفَخِذ ، كالكَتِف فوق العَضُد.

(٣) الوسائل ١٥ : ١٥٠ ، الباب ٤٤ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٤.

(٤) الوسائل ١٥ : ١٥٦ ، الباب ٤٧ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث الأوّل.

(٥) الوسائل ١٥ : ١٥٠ ، الباب ٤٤ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٤.

(٦) لم يرد في المخطوطات.

(٧) الوسائل ١٥ : ١٤٥ ، الباب ٣٩ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث الأوّل.

٣٢٣

مرتهن بعقيقته ، والعقيقة أوجب من الاُضحيّة) (١).

(ولو مات الصبيّ يوم السابع بعد الزوال لم تسقط ، وقبله تسقط) روى ذلك إدريس بن عبد اللّٰه عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام (٢).

(ويكره للوالدين أن يأكلا منها شيئاً ، وكذا مَن في عيالهما) وإن كانت القابلة منهم؛ لقول الصادق عليه السلام : «لا يأكل هو ولا أحد من عياله من العقيقة. وقال : للقابلة ثلث العقيقة ، فإن كانت القابلة اُمَّ الرجل أو في عياله فليس لها منها شيء» (٣) وتتأكّد الكراهة في الاُمّ؛ لقوله عليه السلام في هذا الحديث : «يأكل العقيقة كلّ أحد إلّاالاُمّ» (وأن تكسر عظامها ، بل تفصّل أعضاء) لقوله عليه السلام في هذا الخبر : (ويجعل (٤) أعضاء ثمّ يطبخها).

(ويستحبّ أن يُدعى لها المؤمنون ، وأقلّهم عشرة) قال الصادق عليه السلام : «يطعم منه عشرة من المسلمين ، فإن زاد فهو أفضل» (٥) وفي الخبر السابق : (لا يعطيها إلّالأهل الولاية) وأن يُطبخ طبخاً دون أن تفرَّق لحماً أو تُشوى على النار؛ لما تقدّم من الأمر بطبخها.

والمعتبر مسمّاه (و) أقلّه أن (تُطبخ بالماء والملح) ولو اُضيف إليهما غيرهما فلا بأس؛ لإطلاق الأمر الصادق به بل ربما كان أكمل ، وما ذكره المصنّف للتنبيه على أقلّ ما يتأدّى به الطبخ لا للحصر؛ إذ لم يرد نصّ بكون الطبخ بالماء والملح خاصّة ، بل به مطلقاً.

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ١٤٣ ، الباب ٣٨ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث الأوّل.

(٢) الوسائل ١٥ : ١٧٠ ، الباب ٦١ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث الأوّل.

(٣) الوسائل ١٥ : ١٥٦ ، الباب ٤٧ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث الأوّل.

(٤) في (ع) : بل تجعل.

(٥) الوسائل ١٥ : ١٥٠ ، الباب ٤٤ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٤.

٣٢٤

(ومنها : الرضاع).

(فيجب على الاُمّ إرضاع اللباء) بكسر اللام ، وهو أوّل اللبن في النتاج ، قاله الجوهري (١) وفي نهاية ابن الأثير : هو أوّل ما يحلب عند الولادة (٢) ولم أقف على تحديد مقدار ما يجب منه ، وربما قيّده بعض بثلاثة أيّام (٣) وظاهر ما نقلناه عن أهل اللغة أنّه حَلبة واحدة.

وإنّما وجب عليها ذلك؛ لأنّ الولد لا يعيش بدونه ، ومع ذلك لا يجب عليها التبرّع به ، بل (باُجرةٍ على الأب إن لم يكن للولد مال) وإلّا ففي ماله جمعاً بين الحقّين (٤) ولا منافاة بين وجوب الفعل واستحقاق عوضه ، كبذل المال في المخمصة للمحتاج. وبذلك يظهر ضعف ما قيل بعدم استحقاقها الاُجرة عليه؛ لوجوبه عليها (٥) لما علم من عدم جواز أخذ الاُجرة على العمل الواجب.

والفرق أنّ الممنوع من أخذ اُجرته هو نفس العمل ، لا عين المال الذي يجب بذله ، واللباء من قبيل الثاني ، لا الأوّل. نعم ، يجيء على هذا : أنّها لا تستحقّ اُجرة على إيصاله إلى فمه؛ لأنّه عمل واجب.

وربما مُنع من كونه لا يعيش بدونه ، فينقدح حينئذٍ عدم الوجوب ، والعلّامة

__________________

(١) الصحاح ١ : ٧٠ (لبأ).

(٢) النهاية ٤ : ٢٢١ ، المادّة نفسها.

(٣) لم نعثر عليه.

(٤) هما حقّ الولد الواجب على الاُمّ ، وحقّ الاُمّ وهو الاُجرة. (هامش ر).

(٥) القائل بعدم استحقاقها الاُجرة عليه المقداد في التنقيح [٣ : ٢٦٧] مستدلّاً بوجوب تقدّم العمل ، ومانعاً لكونه لا يعيش بدونه. (منه رحمه الله).

٣٢٥

قطع في القواعد بكونه لا يعيش بدونه (١) وقيّده بعضهم بالغالب (٢) وهو أولى.

(ويستحبّ) للاُمّ (أن ترضعه طول المدّة) المعتبرة في الرضاع ، وهي حولان كاملان لمن أراد أن يتمّ الرضاعة (٣) فإن أراد الاقتصار على أقلّ المجزي فأحد وعشرون شهراً ، ولا يجوز نقصانه عنها (٤) ويجوز الزيادة على الحولين شهراً وشهرين خاصّة ، لكن لا تستحقّ المرضعة على الزائد اُجرة.

وإنّما كان إرضاع الاُمّ مستحبّاً؛ لأنّ لبنها أوفق بمزاجه؛ لتغذّيه به في الرحم دماً.

(والاُجرة كما قلناه) من كونها في مال الولد إن كان له مال ، وإلّا فعلى الأب وإن علا ـ كما سيأتي ـ مع يساره ، وإلّا فلا اُجرة لها ، بل يجب عليها ، كما يجب عليها الإنفاق عليه لو كان الأب معسراً.

(ولها إرضاعه) حيث يستأجرها الأب (بنفسها وبغيرها) إذا لم يشترط عليها إرضاعه بنفسها ، كما في كلّ أجير مطلق (وهي أولى) بإرضاعه ولو بالاُجرة (إذا قنعت بما يقنع به الغير) أو أنقص أو تبرّعت بطريق أولى فيهما (ولو طلبت زيادة) عن غيرها (جاز للأب انتزاعه) منها (وتسليمه إلى الغير) الذي يأخذ أنقص أو يتبرّع. ويفهم من قوله : «انتزاعه وتسليمه» سقوط حضانتها أيضاً ، وهو أحد القولين (٥). ووجهه لزوم الحرج

__________________

(١) القواعد ٣ : ١٠١.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) إشارة إلى الآية ٢٣٣ من سورة البقرة.

(٤) في (ع) : عنه.

(٥) اختاره المحقّق في الشرائع ٢ : ٣٤٦. والقول الآخر عدم السقوط ، اختاره ابن إدريس في السرائر ٢ : ٦٥٢ ، والعلّامة في التحرير ٤ : ١١ ، الرقم ٥٢٨٧ ، وولده في الإيضاح ٣ : ٢٦٣.

٣٢٦

بالجمع بين كونه في يدها وتولّي غيرها إرضاعه ، ولظاهر رواية داود بن الحصين عن الصادق عليه السلام : (إن وجد الأب من يُرضعه بأربعة دراهم وقالت الاُمّ : لا اُرضعه إلّابخمسة دراهم ، فإنّ له أن ينزعه منها) (١).

والأقوى بقاء حقّ الحضانة لها؛ لعدم تلازمهما ، وحينئذٍ فتأتي المرضعة وترضعه عندها مع الإمكان ، فإن تعذّر حمل الصبيّ إلى المرضعة وقت الإرضاع خاصّة ، فإن تعذّر جميع ذلك اتّجه سقوط حقّها من الحضانة؛ للحرج والضرر.

(وللمولى إجبار أمته على الإرضاع لولدها وغيره) لأنّ منافعها مملوكة له ، فله التصرّف فيها كيف شاء ، بخلاف الزوجة حرّةً كانت أم مملوكة لغيره ، معتادة لإرضاع أولادها أم غير معتادة؛ لأنّه لا يستحقّ بالزوجيّة منافعها وإنّما استحقّ الاستمتاع.

(ومنها : الحضانة).

بالفتح ، وهي : ولاية على الطفل والمجنون لفائدة تربيته وما يتعلّق بها من مصلحته : من حفظه وجعله في سريره ورفعه ، وكحله ودَهْنه ، وتنظيفه وغسل خِرَقه وثيابه ، ونحوه.

وهي بالاُنثى أليق منها بالرجل (فالاُمّ أحقّ بالولد مدّةَ الرضاع وإن كان) الولد (ذكراً إذا كانت) الاُمّ (حرّة مسلمة) عاقلة (أو كانا) أي الأبوان معاً (رقيقين أو كافرين) فإنّه يسقط اعتبار الحرّيّة في الأوّل والإسلام في الثاني؛ لعدم الترجيح. ولو كانت الاُمّ خاصّة حرّة مسلمة فهي أحقّ بالولد مطلقاً من الأب الرقّ أو الكافر إلى أن يبلغ وإن تزوّجت.

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ١٩١ ، الباب ٨١ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث الأوّل.

٣٢٧

(فإذا فُصل) عن الرضاع (فالاُمّ أحقّ بالاُنثى إلى سبع) سنين. وقيل : إلى تسع (١) وقيل : ما لم تتزوّج الاُمّ (٢) وقيل : إلى سبع فيهما (٣) والأوّل مع شهرته جامع بين الأخبار المطلقة (٤) (والأب أحقّ بالذكر) بعد فصاله (إلى البلوغ ، و) أحقّ (بالاُنثى بعد السبع) والأقوى أنّ الخنثى المشكل هنا كالاُنثى استصحاباً لولاية الاُمّ الثابتة عليه ابتداءً إلى أن يثبت المزيل ، ولا ثبوت له قبل السبع؛ لعدم العلم بالذكوريّة التي هي مناط زوال ولايتها عنه بعد الحولين ، وأصالة عدم استحقاقه الولاية قبلها.

هذا كلّه إذا كان الأبوان موجودين ، فإن مات أحدهما كان الآخر أحقّ بالولد مطلقاً من جميع الأقارب إلى أن يبلغ (و) كذلك (الاُمّ أحقّ من الوصيّ) أي وصيّ الأب (بالابن) وكذا بالبنت بعد السبع ، كما هي أحقّ من الأقارب وإن تزوّجت.

(فإن فُقد الأبوان فالحضانة لأب الأب) لأنّه أب في الجملة ، فيكون أولى من غيره من الأقارب ، ولأ نّه أولى بالمال فيكون أولى بالحضانة ، وبهذا جزم في القواعد ، فقدّم الجدّ للأب على غيره من الأقارب (٥) ويشكل بأنّ ذلك لو كان

__________________

(١) اختاره المفيد في المقنعة : ٥٣١ ، والديلمي في المراسم : ١٦٦.

(٢) وهو المنسوب إلى ابن الجنيد والصدوق والشيخ في الخلاف. اُنظر المقنع : ٣٦٠ ، والمختلف ٧ : ٣٠٦ ، والخلاف ٥ : ١٣١ ، المسألة ٣٦ من كتاب النفقات ، مع تفاوت بين ما قاله في المقنع وهو في مطلق الولد ، وبين ما قاله الإسكافي والشيخ وهو في البنت فقط.

(٣) نسبه في التحرير ٤ : ١٢ ـ ١٣ إلى الشيخ في الخلاف والمبسوط ، اُنظر الخلاف ٥ : ١٣١ ، المسألة ٣٦ كتاب النفقات ، والمبسوط ٦ : ٣٩.

(٤) اُنظر الوسائل ١٥ : ١٩٠ ، الباب ٨١ من أبواب أحكام الأولاد.

(٥) القواعد ٣ : ١٠٢.

٣٢٨

موجباً لتقديمه لاقتضى تقديم اُمّ الاُمّ عليه؛ لأنّها بمنزلة الاُمّ وهي مقدّمة على الأب على ما فُصّل ، وولاية المال لا مدخل لها في الحضانة ، وإلّا لكان الأب أولى من الاُمّ وكذا الجدّ له ، وليس كذلك إجماعاً. والنصوص خالية من غير الأبوين من الأقارب ، وإنّما استفيد حكمهم من آية اُولي الأرحام (١) وهي لا تدلّ على تقديمه على غيره من درجته ، وبهذا جزم في المختلف (٢) وهو أجود.

(فإن فقد) أبو الأب أو لم نرجّحه (فللأقارب ، الأقرب) منهم إلى الولد (فالأقرب) على المشهور؛ لآية اُولي الأرحام ، فالجدّة لاُمّ كانت أم لأب وإن علت أولى من العمّة والخالة ، كما أنّهما أولى من بنات العمومة والخؤولة ، وكذلك الجدّة الدنيا والخالة والعمّة أولى من العليا منهنّ وكذا ذكور كلّ مرتبة.

ثمّ إن اتّحد الأقربُ فالحضانة مختصّة به ، وإن تعدّد اُقرع بينهم؛ لما في اشتراكها من الإضرار بالولد.

ولو اجتمع ذكر واُنثى ففي تقديم الاُنثى قول (٣) مأخذه : تقديم الاُمّ على الأب وكونُ الاُنثى أوفق لتربية الولد وأقوم بمصالحه ، سيّما الصغير والاُنثى. وإطلاق الدليل المستفاد من الآية يقتضي التسوية بينهما ، كما يقتضي التسوية بين كثير النصيب وقليله ومن يمتّ بالأبوين وبالاُمّ خاصّة؛ لاشتراك الجميع في الإرث.

وقيل : إنّ الاُخت من الأبوين أو الأب أولى من الاُخت للاُمّ ، وكذا اُمّ الأب أولى من اُمّ الاُمّ ، والجدّة أولى من الأخوات (٤) والعمّة أولى من الخالة ، نظراً إلى

__________________

(١) وهي الآية ٧٥ من سورة الأنفال.

(٢) اُنظر المختلف ٧ : ٣١٤ ـ ٣١٥.

(٣) هو قول العلّامة في التحرير [٤ : ١٥] مع اعترافه بعدم النصّ. (منه رحمه الله).

(٤) القول للعلّامة في القواعد [٣ : ١٠٢] ، وفي التحرير [٤ : ١٣ ـ ١٤] نسب القول إلى الشيخ [اُنظر المبسوط ٦ : ٤٢] ساكتاً على الحكاية؛ لتردّده فيه. (منه رحمه الله).

٣٢٩

زيادة القرب أو كثرة النصيب (١).

وفيه نظر بيّن؛ لأنّ المستند ـ وهو الآية ـ مشترك ، ومجرّد ما ذُكر لا يصلح دليلاً.

وقيل : لا حضانة لغير الأبوين اقتصاراً على موضع النصّ (٢).

وعموم الآية يدفعه.

(ولو تزوّجت الاُمّ) بغير الأب مع وجوده كاملاً (٣) (سقطت حضانتها) للنصّ (٤) والإجماع (فإن طُلّقت عادت الحضانة) على المشهور؛ لزوال المانع منها ، وهو تزويجها واشتغالها بحقوق الزوج التي هي أقوى من حقّ الحضانة.

وقيل : لا تعود؛ لخروجها عن الاستحقاق بالنكاح فيستصحب ويحتاج عوده إليها إلى دليل آخر ، وهو مفقود (٥) وله وجه وجيه. لكنّ الأشهر الأوّل ، وإنّما تعود بمجرّد الطلاق إذا كان بائناً ، وإلّا فبعد العدّة إن بقي لها شيء من المدّة. ولو لم يكن الأب موجوداً لم تسقط حضانتها بالتزويج مطلقاً (٦) كما مرّ.

(وإذا بلغ الولد رشيداً سقطت الحضانة عنه) لأنّها ولاية ، والبالغ الرشيد لا ولاية عليه لأحد ، سواء في ذلك الذكر والاُنثى ، البكر والثيّب. لكن يستحبّ له

__________________

(١) لم نعثر عليه. نعم ، قال العلّامة في القواعد ٣ : ١٠٢ : وتتساوى العمّة والخالة على إشكال.

(٢) القول لابن إدريس [السرائر ٢ : ٦٥٤] ويظهر من المحقّق الميل إليه؛ لأنّه تردّد في الشرائع [٢ : ٣٤٦]. (منه رحمه الله).

(٣) من حيث العقل والإسلام والحرّيّة.

(٤) الوسائل ١٥ : ١٩١ ، الباب ٨١ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٤.

(٥) قاله ابن إدريس في السرائر ٢ : ٦٥١.

(٦) كان التزويج دائميّاً أو موقّتاً ، والطفل مؤنّثاً أم مذكّراً ، مدّة الحضانة أو بعدها.

٣٣٠

أن لا يفارق اُمّه ، خصوصاً الاُنثى إلى أن تتزوّج.

واعلم أنّه لا شبهة في كون الحضانة حقّاً لمن ذكر. ولكن هل تجب عليه مع ذلك ، أم له إسقاط حقّه منها؟ الأصل يقتضي ذلك ، وهو الذي صرّح به المصنّف في قواعده ، فقال : لو امتنعت الاُمّ من الحضانة صار الأب أولى به ، قال : ولو امتنعا معاً فالظاهر إجبار الأب (١) ونُقل عن بعض الأصحاب وجوبها (٢) وهو حسن حيث يستلزم تركُها تضييعَ الولد ، إلّاأنّ حضانته حينئذٍ تجب كفاية كغيره من المضطرّين ، وفي اختصاص الوجوب بذي الحقّ نظر ، وليس في الأخبار ما يدلّ على غير ثبوت أصل الاستحقاق.

__________________

(١) القواعد والفوائد ١ : ٣٩٦.

(٢) لم نعثر عليه.

٣٣١

(النظر الثاني في النفقات)

(وأسبابُها) ثلاثة : (الزوجيّة ، والقرابة) البعضيّة (١) (والملك).

(فالأوّل : تجب نفقة الزوجة بالعقد الدائم) دون المنقطع سواء في ذلك الحرّة والأمة المسلمة والكافرة (بشرط التمكين الكامل) وهو أن تخلّي بينه وبين نفسها قولاً وفعلاً (في كلّ زمان ومكان يسوغ فيه الاستمتاع) فلو بذلت في زمان دون زمان أو مكان كذلك يصلحان للاستمتاع ، فلا نفقة لها ، وحيث كان مشروطاً بالتمكين.

(فلا نفقة للصغيرة) التي لم تبلغ سنّاً يجوز الاستمتاع بها بالجماع على أشهر القولين (٢) لفقد الشرط وهو التمكين (٣) من الاستمتاع. وقال ابن إدريس : تجب النفقة على الصغيرة؛ لعموم وجوبها على الزوجة ، فتخصيصه بالكبيرة الممكّنة يحتاج إلى دليل (٤) وسيأتي الكلام على هذا الشرط.

ولو انعكس بأن كانت كبيرة ممكِّنة والزوجُ صغيراً وجبت النفقة؛ لوجود المقتضي وانتفاء المانع؛ لأنّ الصغر لا يصلح [للمنع] (٥) كما في نفقة الأقارب ،

__________________

(١) يعني القرابة بالولادة.

(٢) اختاره الشيخ في المبسوط ٦ : ١٢ ، والخلاف ٥ : ١١٣ ، المسألة ٤ من كتاب النفقات ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٣٤٧ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٣٤٨ ، والعلّامة في التحرير ٤ : ٢٣ ، والقواعد ٣ : ١٠٤ ، والإرشاد ٢ : ٣٦ ، وغيرهم.

(٣) في (ع) : التمكّن.

(٤) السرائر ٢ : ٦٥٥.

(٥) لم يرد في المخطوطات.

٣٣٢

فإنّها تجب على الصغير والكبير ، خلافاً للشيخ رحمه الله (١) محتجّاً بأصالة البراءة. وهي مندفعة بما دلّ على وجوب نفقة الزوجة الممكّنة أو مطلقاً (٢).

ولو قيل : إنّ الوجوب من باب خطاب الشرع المختصّ بالمكلّفين ، أمكن جوابه بكون التكليف هنا متعلّقاً بالوليّ أن يؤدّي من مال الطفل ، كما يكلَّف بأداء أعواض متلفاته التي لا خلاف في ضمانها وقضاء ديونه وغراماته.

(ولا للناشزة *) الخارجة عن طاعة الزوج ولو بالخروج من بيته بلا إذن ومنع لمسٍ بلا عذر (ولا للساكتة بعد العقد ما) أي مدّة (لم تعرض التمكين عليه) بأن تقول : «سلّمت نفسي إليك في أيّ مكان شئت» ونحوه ، وتعمل بمقتضى قولها حيث يطلب. ومقتضى ذلك أنّ التمكين الفعلي خاصّة غير كافٍ ، وأ نّه لا فرق في ذلك بين الجاهلة بالحال والعالمة ، ولا بين من طلب منها التمكين وطالبته بالتسليم وغيره.

وهذا هو المشهور بين الأصحاب واستدلّوا عليه بأنّ الأصل براءة الذمّة من وجوب النفقة ، خرج منه حالة التمكين بالإجماع (٣) فيبقى الباقي على الأصل.

وفيه نظر؛ لأنّ النصوص عامّة أو مطلقة فهي قاطعة للأصل إلى أن يوجد المخصّص والمقيّد. إلّاأنّ الخلاف غير متحقّق ، فالقول بما عليه الأصحاب متعيّن.

__________________

(١) المبسوط ٦ : ١٢ ـ ١٣ ، والخلاف ٥ : ١١٣ ـ ١١٤ ، المسألة ٥ من كتاب النفقات.

(٢) مثل الآية ٢٣٣ من سورة البقرة ، والآية ٧ من سورة الطلاق وغيرهما ، والأخبار المنقولة عن المعصومين عليهم السلام. اُنظر الوسائل ١٥ : ٢٢٣ ، الباب الأوّل من أبواب النفقات.

(*) في (ق) : للناشز ، وهكذا في (ع) و (ف) من الشرح.

(٣) كما في غاية المرام ٣ : ١٨١ ، والإيضاح ٣ : ٢٦٨.

٣٣٣

وتظهر الفائدة فيما ذُكر (١) وفيما إذا اختلفا في التمكين وفي وجوب (٢) النفقة الماضية. فعلى المشهور القول قوله في عدمهما ، عملاً بالأصل فيهما ، وعلى الاحتمال (٣) قولها؛ لأنّ الأصل بقاء ما وجب. كما يُقدّم قولها لو اختلفا في دفعها مع اتّفاقهما على الوجوب.

(والواجب) على الزوج (القيام بما تحتاج إليه المرأة) التي تجب نفقتها (من طعام وإدام وكسوة وإسكان وإخدام وآلة الدَهن) والتنظيف من المشط والدُهن والصابون ، دون الكحل والطيب والحمّام إلّامع الحاجة إليه؛ لبرد ونحوه (تبعاً لعادة أمثالها من بلدها) المقيمة به (٤) لأنّ اللّٰه تعالى قال : (وَعٰاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٥) ومن العشرة به : الإنفاق عليها بما يليق بها عادة (و) لا يتقدّر الإطعام بمدّ ولا بمدّين ولا غيرهما ، بل (المرجع في الإطعام إلى سدّ الخلّة) بفتح الخاء ، وهي الحاجة.

(ويجب الخادم إذا كانت من أهله) في بيت أبيها ، دون أن ترتفع بالانتقال إلى بيت زوجها (أو كانت مريضة) أو زَمِنة تحتاج إلى الخادم ، ويتخيّر بين إخدامها بحرّة أو أمة ولو باُجرة. ولو كان معها خادم تخيّر بين إبقائها وينفق عليها وبين إبدالها وإن كانت مألوفة لها؛ لأنّ حقّ التعيين له لا لها ، حتّى لو أراد أن يخدمها بنفسه أجزأ. ولو خدمت نفسها لم يكن لها المطالبة بنفقة الخادم.

__________________

(١) من حالة السكوت وعدم ظهور علامات التمكين.

(٢) في (ر) زيادة : قضاء.

(٣) احتمال عدم كون التمكين شرطاً في وجوب الإنفاق المشار إليه آنفاً بقوله : وفيه نظر ...

(٤) أثبتناه من (ش) وفي سائر النسخ : بها.

(٥) النساء : ١٩.

٣٣٤

(وجنس المأدوم والملبوس والمسكن يتبع عادة أمثالها) في بلد السكنى لا في بيت أهلها. ولو تعدّد القوت في البلد اعتبر الغالب ، فإن اختلف الغالب فيها أو قوتها من غير غالب وجب اللائق به.

(ولها المنع من مشاركة غير الزوج) في المسكن بأن تنفرد ببيت صالح لها ولو في دار ، لا بدار؛ لما في مشاركة غيره من الضرر.

(ويزيد) كسوتها (في الشتاء المحشوّة) بالقطن (لليقظة ، واللحاف للنوم) إن اعتيد ذلك في البلد (ولو كان في بلد يعتاد فيه الفرو للنساء وجب) على الزوج بذله (ويرجع في جنسه) من حرير أو كتّان أو قطن أو في جنس الفرو من غنم وسنجاب وغيرهما (إلى عادة أمثالها) في البلد ، ويُعتبر في مراتب الجنسِ المعتادِ حالُه في يساره وغيره. وقيل : لا تجب الزيادة على القطن؛ لأنّ غيره رعونة (١) وهو ضعيف؛ لاقتضاء المعاشرة بالمعروف ذلك. (وكذا لو احتيج إلى تعدّد اللحاف) لشدّة البرد أو لاختلاف الفصول فيه. ولكن هنا لا يجب إبقاء المستغنى عنه في الوقت الآخر عندها (وتزاد المتجمّلة ثياب التجمّل بحسب العادة) لأمثالها في ذلك البلد.

(ولو دخل بها واستمرّت تأكل معه على العادة فليس لها مطالبته بمدّة مؤاكلته) لحصول الغرض وإطباق الناس عليه في سائر الأعصار. ويحتمل جواز مطالبتها بالنفقة؛ لأنّه لم يؤدّ عين الواجب وتطوّع بغيره.

واعلم أنّ المعتبر من المسكن الإمتاع اتّفاقاً ، ومن المؤونة التمليك في صبيحة كلّ يوم لا أزيد بشرط بقائها ممكِّنة إلى آخره ، فلو نشزت في أثنائه

__________________

(١) لم نعثر عليه. ومعنى الرعونة : الحمق والاسترخاء.

٣٣٥

استحقّت بالنسبة. وفي الكسوة قولان (١) أجودهما أنّها إمتاع ، فليس لها بيعها ولا التصرّف فيها بغير اللبس من أنواع التصرّفات ، ولا لبسها زيادة على المعتاد كيفيّة وكمّيّة ، فإن فعلت فأبلتها قبل المدّة التي تُبلى فيها عادة لم يجب عليه إبدالها ، وكذا لو أبقتها زيادة على المدّة. وله إبدالها بغيرها مطلقاً وتحصيلها بالإعارة والاستئجار وغيرهما. ولو طلّقها أو ماتت أو مات أو نشزت استحقّ ما يَجِده منها مطلقاً. وما تحتاج إليه من الفرش والآلات في حكم الكسوة.

(الثاني : القرابة) البعضيّة دون مطلق النسبة (٢) (وتجب النفقة على الأبوين فصاعداً) وهم : آباء الأب واُمّهاته وإن علوا ، وآباء الاُمّ واُمّهاتها وإن علوا (والأولاد فنازلاً) ذكوراً كانوا أم إناثاً لابن المنفق أم لبنته.

(ويستحبّ) النفقة (على باقي الأقارب) من الإخوة والأخوات وأولادهم والأعمام والأخوال ذكوراً وإناثاً وأولادهم (ويتأكّد) الاستحباب (في الوارث منهم) في أصحّ القولين (٣).

__________________

(١) ذهب إلى التمليك الشيخ في المبسوط ٦ : ٥ ، والمحقّق كما نسبه إليه في المسالك ٨ : ٤٦٤ ، وانظر الشرائع ٢ : ٣٥٠ ، والعلّامة في القواعد ٢ : ١٠٧ ، وفخر المحقّقين في الإيضاح ٣ : ٢٧٢. أمّا القول بالإمتاع فاختاره العلّامة في الإرشاد ٢ : ٣٥ ، والتحرير ٤ : ٣٣ ، وقال بأولويّته الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٢٨٨.

(٢) في (ع) و (ف) : النسبيّة.

(٣) اختاره المحقّق في الشرائع ٢ : ٣٥٢ ، والمختصر : ١٩٥ ، ويحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع : ٤٩٠ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ١١٣ ، والإرشاد ٢ : ٣٧ ، والتحرير ٤ : ٤٠ ، وغيرهم.

٣٣٦

وقيل : تجب النفقة على الوارث (١) لقوله تعالى : (وَعَلَى اَلْوٰارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ) (٢) بعد قوله تعالى : (وَعَلَى اَلْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٣) وإذا وجب على الوارث ـ والعلّة هي الإرث ـ ثبت من الطرفين؛ لتساويهما فيه. ولا فرق في المنفق بين الذكر والاُنثى ولا بين الصغير والكبير ، عملاً بالعموم (٤).

(وإنّما يجب الإنفاق على الفقير العاجز عن التكسّب) فلو كان مالكاً مؤونة سنة أو قادراً على تحصيلها بالكسب تدريجاً لم يجب الإنفاق عليه. ولا يشترط عدالته ولا إسلامه ، بل يجب (وإن كان فاسقاً أو كافراً) للعموم (٥) ويجب تقييد الكافر بكونه محقون الدم ، فلو كان حربيّاً لم يجب؛ لجواز إتلافه ، فترك الإنفاق لا يزيد عنه.

وأمّا الحرّيّة فهي شرط؛ لأنّ المملوك نفقته على مولاه. نعم ، لو امتنع منها أو كان معسراً أمكن وجوبه على القريب عملاً بالعموم (٦) وقيل : لا يجب مطلقاً ، بل يُلزم ببيعه أو الإنفاق عليه (٧) كما سيأتي (٨). وهو حسن.

(ويُشترط في المنفق أن يَفضُل مالُه عن قوته وقوت زوجته) ليومه

__________________

(١) وهو المنسوب في الإيضاح ٣ : ٢٨٣ وغاية المرام ٣ : ١٩١ والتنقيح الرائع ٣ : ٢٨٣ وغيرها إلى الشيخ ، ولكنّه في المبسوط ٦ : ٣٥ نسب الوجوب إلى رواية وحملها على الاستحباب ، كما في المسالك ٨ : ٤٨٤. نعم ، احتمله في الخلاف كما في كشف اللثام ٧ : ٥٩٥ ، ولكنّه قوّى المشهور. اُنظر الخلاف ٥ : ١٢٧ ـ ١٢٨ ، المسألة ٣١ من النفقات.

(٢) البقرة : ٢٣٣.

(٣) البقرة : ٢٣٣.

(٤) الوسائل ١٥ : ٢٣٨ ، الباب ١٢ من أبواب النفقات ، والآية ٧ من سورة الطلاق.

(٥) الوسائل ١٥ : ٢٣٦ ـ ٢٣٨ ، الباب ١١ من أبواب النفقات.

(٦) الوسائل ١٥ : ٢٣٦ ـ ٢٣٨ ، الباب ١١ من أبواب النفقات.

(٧) قاله العلّامة في التحرير ٤ : ٤٥.

(٨) في الصفحة ٣٤١.

٣٣٧

الحاضر وليلته ليصرف إلى مَن ذُكر ، فإن لم يَفضُل شيء فلا شيء عليه؛ لأنّها (١) مواساة وهو ليس من أهلها.

(والواجب) منها (قدر الكفاية) للمنفَق عليه (من الإطعام والكسوة والمسكن) بحسب زمانه ومكانه.

(ولا يجب إعفاف واجب النفقة) أي تزويجه ليصير ذا عفّة وإن كان أباً ، ولا النفقة على زوجته؛ للأصل. نعم ، يستحبّ تزويج الأب ، وعليه يُحمل ما ورد من الأمر به (٢) وكذا لا يجب إخدامه ، ولا النفقة على خادمه إلّامع الزَمانة المحوجة إليه.

(وتُقضى نفقة الزوجة) لأنّها حقّ مالي وجب في مقابلة الاستمتاع ، فكانت كالعوض اللازم في المعاوضة (لا نفقة الأقارب) لأنّها وجبت على طريق المواساة وسدّ الخلّة لا التمليك ، فلا تستقرّ في الذمّة ، وإنّما يأثم بتركها (ولو قدّرها الحاكم) لأنّ التقدير لا يفيد الاستقرار (نعم ، لو أذِن) الحاكم للقريب (في الاستدانة) لغيبته أو مدافعته بها (أو أمره) الحاكمُ (٣) بالإنفاق (قُضي) لأنّها تصير ديناً في الذمّة بذلك.

(والأب مقدّم) على الاُمّ وغيرها (في الإنفاق) على الولد مع وجوده ويساره (ومع عدمه أو فقره فعلى أب الأب فصاعداً) (٤) يُقدّم الأقرب

__________________

(١) أي النفقة.

(٢) الظاهر منه هو الأمر بالمصاحبة بالمعروف كما في الآية ١٥ من سورة لقمان. راجع الجواهر ٣١ : ٣٧٧.

(٣) مسألة أمر الحاكم له لم يذكرها الأصحاب ، فإنّهم اقتصروا على أمره بالاستدانة منه. (منه رحمه الله).

(٤) وبقي حكم أب اُمّ الأب وإن علا وكذا حكم أب اُمّ الجدّ. (منه رحمه الله).

٣٣٨

منهم فالأقرب (فإن عدمت الآباء) أو كانوا معسرين (فعلى الاُمّ) مع وجودها ويسارها (ثمّ على أبويها بالسويّة) لا على جهة الإرث ، واُمّ الأب بحكم اُمّ الاُمّ وأبيها ، وكذا اُمّ الجدّ للأب مع أبوي الجدّ والجدّة للاُمّ ، وهكذا.

(والأقرب) إلى المنفَق عليه (في كلّ مرتبة) من المراتب (مقدّم على الأبعد) وإنّما ينتقل إلى الأبعد مع عدمه أو فقره ، فالولد مقدّم في الإنفاق على أبيه واُمّه وإن علوا على ابنه ، وهكذا. ومتى تعدّد من يجب عليه الإنفاق تساووا فيه وإن اختلفوا في الذكوريّة والاُنوثيّة. وكذا يتساوى الغنيّ فعلاً وقوّة على الأقوى فيهما.

(وأمّا) ترتيب (المنفق عليهم : فالأبوان والأولاد سواء) لأنّ نسبتهم إلى المنفِق واحدة بحسب الدرجة ، وإنّما اختلفت بكونها في أحدهما عليا وفي الآخر دنيا ، فلو كان له أب وابن أو أبوان وأولاد معهما أو مع أحدهما وجب قسمة الميسور على الجميع بالسويّة ذكوراً كانوا أم إناثاً أم ذكوراً وإناثاً.

ثمّ إن كفاهم أو نفع كلّ واحد نصيبُه نفعاً معتدّاً به اقتسموه ، وإن لم ينتفع به أحدُهم؛ لقلّته وكثرتهم ، فالأجود القرعة؛ لاستحالة الترجيح بغير مرجّحٍ ، والتشريك ينافي الغرض. ولو كان نصيب بعضهم يكفيه؛ لصغره ونحوه ونصيب الباقين لا ينفعهم منقسماً ، اعتبرت القرعة في من عدا المنتفع.

(وهم) يعني الآباء والأولاد (أولى من آبائهم وأولادهم) لزيادة القرب (و) هكذا (كلّ طبقة أولى من التي بعدها) ويتساوى الأعلى والأدنى مع تساوي الدرجة كالأجداد وأولاد الأولاد ، وهكذا.

كلّ ذلك (مع القصور) أمّا مع سعة ماله للإنفاق على الجميع فيجب التعميم.

(ولو كان للعاجز أب وابن قادران فعليهما) نفقتُه (بالسويّة) لتساويها في المرتبة بالنسبة إليه ، والبنت كالابن. أمّا الاُمّ ففي مساواتها للأب في مشاركة

٣٣٩

الولد أو تقديمه عليها وجهان ، مأخذهما : اتّحادُ الرتبة ، وكون الولد مقدّماً على الجدّ المقدّم عليها ، فيكون أولى بالتقديم.

فإن اجتمعوا فعلى الأب والولدين (١) خاصّة بالسويّة؛ لما تقدّم من أنّ الأب مقدّم على الاُمّ ، وأمّا الأولاد فعلى أصل الوجوب من غير ترجيح ، مع احتمال تقديم الذكور نظراً إلى الخطاب في الأمر بها بصيغة المذكّر (٢).

(ويجبرُ الحاكمُ الممتنعَ عن الإنفاق) مع وجوبه عليه (وإن كان له مال) يجب صرفه في الدين (باعه الحاكم) إن شاء (وأنفق منه). وفي كيفيّة بيعه وجهان : أحدهما أن يبيع كلّ يوم جزءاً بقدر الحاجة. والثاني : [أن] (٣) لا يفعل ذلك؛ لأنّه يشقّ ، ولكن يقترض عليه إلى أن يجتمع ما يسهل بيع العقار له. والأقوى جواز الأمرين. ولو تعذّرا فلم يوجد راغب في شراء الجزء اليسير ولا مُقرض ولا بيت مال يقترض منه جاز بيع أقلّ ما يمكن بيعه وإن زاد عن قدر نفقة اليوم؛ لتوقّف الواجب عليه.

(الثالث الملك : وتجب النفقة على الرقيق *) ذكراً أو اُنثى [وإن كان أعمى وزَمِناً] (٤) (والبهيمة **) بالعلف والسقي ـ حيث تفتقر إليهما ـ والمكان

__________________

(١) يعني الذكر والاُنثى.

(٢) في الآية ٧ من سورة الطلاق.

(٣) لم يرد في المخطوطات.

(*) في (ق) و (س) : بملك الرقيق.

(٤) لم يرد في المخطوطات.

(**) في (س) : البهائم.

٣٤٠