الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

(الفصل الرابع)

(في الأحكام)

(يجب الإنفاق) على الزوجة (في العدّة الرجعيّة (١) كما كان في صُلب النكاح) شروطاً وكمّيّةً وكيفيّةً (ويحرم عليها الخروج من منزل الطلاق) وهو المنزل الذي طلّقت وهي فيه إذا كان مسكن أمثالها وإن لم يكن مسكنها الأوّل ، فإن كان دون حقّها فلها طلب المناسب ، أو فوقه فله ذلك. وإنّما يحرم الخروج مع الاختيار.

ولا فرق بين منزل الحضريّة والبدويّة والبرّيّة والبحريّة ، ولو اضطرّت إليه لحاجة خرجت بعد انتصاف الليل وعادت قبل الفجر مع تأدّيها بذلك ، وإلّا خرجت بحسب الضرورة. ولا فرق في تحريم الخروج بين اتّفاقهما عليه وعدمه على الأقوى؛ لأنّ ذلك حقّ اللّٰه تعالى وقد قال تعالى : (لاٰ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلاٰ يَخْرُجْنَ) (٢) بخلاف زمن الزوجيّة ، فإنّ الحقّ لهما. واستقرب في التحرير جوازه بإذنه (٣) وهو بعيد.

__________________

(١) في نسخة بدل (ر) من الشرح زيادة : مع عدم نشوزها قبل الطلاق وفي زمن العدّة.

(٢) الطلاق : ١.

(٣) التحرير ٤ : ١٧٩ ، الرقم ٥٦٠٤.

٣٨١

ولو لم تكن حالَ الطلاق في مسكن وجب العود إليه على الفور ، إلّاأن تكون في واجب كحجّ فتتمّه كما يجوز لها ابتداؤه. ولو كانت في سفر مباح أو مندوب ، ففي وجوب العود إن أمكن إدراكها جزءاً من العدّة ، أو مطلقاً أو تتخيّر بينه وبين الاعتداد في السفر ، أوجه : من إطلاق النهي عن الخروج من بيتها فيجب عليها تحصيل الكون به ، ومن عدم صدق النهي هنا لأنّها غير مستوطنة ، وللمشقّة في العود وانتفاء الفائدة حيث لا تدرك جزءاً من العدّة. كلّ ذلك مع إمكان الرجوع وعدم الضرورة إلى عدمه.

(و) كما يحرم عليها الخروج (يحرم عليه الإخراج) لتعلّق النهي بهما في الآية (إِلاّٰ أَنْ يَأْتِينَ بِفٰاحِشَةٍ) مبيّنة (يجب بها الحدّ ، أو تؤذي أهله) بالقول أو الفعل ، فتُخرج في الأوّل لإقامته ثمّ تردّ إليه عاجلاً ، وفي الثاني تخرج إلى مسكن آخر يناسب حالها من غير عود إن لم تتب ، وإلّا فوجهان ، أجودهما جواز إبقائها في الثاني؛ للإذن في الإخراج معها مطلقاً ، ولعدم الوثوق بتوبتها؛ لنقصان عقلها ودينها. نعم يجوز الردّ ، فإن استمرّت عليها وإلّا اُخرجت ، وهكذا ...

واعلم أنّ تفسير الفاحشة في العبارة بالأوّل هو ظاهر الآية (١) ومدلولها لغة [مع] (٢) ما هو أعمّ منه. وأمّا الثاني ففيه روايتان مرسلتان (٣) والآية غير ظاهرة

__________________

(١) وهي قوله تعالى : (إِلاّٰ أَنْ يَأْتِينَ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) الطلاق : ١.

(٢) كُتب عليه في (ش) : ل ، والأوفق للعبارة إسقاطه.

(٣) وهما مرويّتان عن الرضا عليه السلام في الوسائل ١٥ : ٤٣٩ ، الباب ٢٣ من أبواب العدد ، الحديث ١ و ٢.

٣٨٢

فيه ، لكنّه مشهور بين الأصحاب. وتردّد في المختلف (١) لما ذكرناه ، وله وجه.

(ويجب الإنفاق في) العدّة (الرجعيّة على الأمة) كما يجب على الحرّة (إذا أرسلها مولاها ليلاً ونهاراً) ليتحقّق به تمام التمكين ، كما يشترط ذلك في وجوب الإنفاق عليها قبل الطلاق. فلو منعها ليلاً أو نهاراً أو بعض واحد منهما فلا نفقة لها ولا سكنى ، لكن لا يحرم عليه إمساكها نهاراً للخدمة وإن توقّفت عليه النفقة ، وإنّما يجب عليه إرسالها ليلاً ، وكذا الحكم قبل الطلاق.

(ولا نفقة للبائن) طلاقها (إلّاأن تكون حاملاً) فتجب لها النفقة والسُكنى حتّى تضع؛ لقوله تعالى : (وَإِنْ كُنَّ أُولاٰتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (٢) ولا شبهة في كون النفقة بسبب الحمل ، لكن هل هي له أو لها؟ قولان أشهرهما الأوّل (٣) للدوران وجوداً وعدماً كالزوجيّة.

ووجه الثاني أنّها لو كانت للولد لسقطت عن الأب بيساره كما لو ورث أخاه لأبيه وأبوه قاتل لا يرث ولا وارث غير الحمل ، ولوجبت على الجدّ مع فقر الأب ، لكن التالي فيهما باطل فالمقدّم مثله. واُجيب بمنع بطلانه فيهما (٤).

وتظهر فائدة القولين في مواضع :

منها : إذا تزوّج الحرّ أمةً شرط مولاها رقّ الولد وجوّزناه. وفي العبد إذا

__________________

(١) المختلف ٧ : ٤٩٢.

(٢) الطلاق : ٦.

(٣) وهو مذهب الشيخ في المبسوط ٦ : ٢٨ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٣٤٨ ، واختاره العلّامة في المختلف ٧ : ٤٩٥ ، ونسبه إلى ظاهر كلام ابن حمزة ، اُنظر الوسيلة : ٣٢٨. والثاني هو المنسوب إلى ابن زهرة ، اُنظر الغنية : ٣٨٥.

(٤) أجاب عنه الشيخ في المبسوط ٦ : ٢٩.

٣٨٣

تزوّج أمة أو حرّة وشرط مولاه الانفراد برقّ الولد ، فإن جعلناها للحمل فلا نفقة على الزوج. أمّا في الأوّل فلأ نّه ملك لغيره ، وأمّا في الثاني فلأنّ العبد لا يجب عليه نفقة أقاربه. وإن جعلناها للحامل وجبت ، وهو في الأوّل ظاهر ، وفي الآخر (١) في كسب العبد أو ذمّة مولاه ، على الخلاف.

وتظهر الفائدة أيضاً فيما لو كان النكاح فاسداً والزوج حرّاً ، فمن جعل النفقة لها نفاها هنا؛ إذ لا نفقة للمعتدّة عن غير نكاح له حرمة ، ومن جعلها للحمل فعليه؛ لأنّها نفقة ولده.

(ولو انهدم المسكن) الذي طلّقت فيه (أو كان مستعاراً ، فرجع مالكه) في العارية (أو مستأجراً انقضت مدّته ، أخرجها إلى مسكن يناسبها) ويجب تحرّي الأقرب إلى المنتقل عنه فالأقرب ، اقتصاراً على موضع الضرورة. وظاهره (٢) كغيره (٣) أنّه لا يجب تجديد استئجاره ثانياً وإن أمكن. وليس ببعيد وجوبه مع إمكانه ، تحصيلاً للواجب بحسب الإمكان. وقد قطع في التحرير بوجوب تحرّي الأقرب (٤) وهو الظاهر ، فتحصيل نفسه أولى.

(وكذا لو طلّقت في مسكن لا يناسبها أخرجها إلى مسكن مناسب) متحرّياً للأقرب فالأقرب ، كما ذكر (٥) (ولو مات فورث المسكن جماعة لم يكن

__________________

(١) في (ش) : الأخير ، وفي (ر) : الثاني.

(٢) أي الماتن.

(٣) مثل : المحقّق في الشرائع ٣ : ٤٣ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ١٥٢ ، والإرشاد ٢ : ٥٠.

(٤) التحرير ٤ : ١٧٩ ، الرقم ٥٦٠٦ ، و ١٨٠ ، الرقم ٥٦٠٩.

(٥) ذكره الشيخ في المبسوط ٥ : ٢٥٤.

٣٨٤

لهم قسمته) حيث ينافي القسمة سكناها؛ لسبق حقّها إلّامع انقضاء عدّتها.

هذا (إذا كانت حاملاً وقلنا : لها السكنى) مع موته كما هو أحد القولين في المسألة (١). وأشهر الروايتين (٢) أنّه لا نفقة للمتوفّى عنها ولا سكنى مطلقاً ، فيبطل حقّها من المسكن. وجمع في المختلف بين الأخبار بوجوب نفقتها من مال الولد لا من مال المتوفّى (٣) (وإلّا) تكن حاملاً أو قلنا : لا سكنى للحامل المتوفّى عنها (جازت القسمة) لعدم المانع منها حينئذٍ.

(وتعتدّ زوجة الحاضر من حين السبب) الموجب للعدّة من طلاق أو فسخ وإن لم تعلم به (وزوجة الغائب في الوفاة من حين بلوغ الخبر) بموته وإن لم يثبت شرعاً ، لكن لا يجوز لها التزويج إلّابعد ثبوته (وفي الطلاق من حين الطلاق) والفرق مع النصّ (٤) ثبوت الحداد على المتوفّى عنها ، ولا يتمّ إلّامع بلوغها الخبر بموته ، بخلاف الطلاق ، فعلى هذا لو لم يبلغها الطلاق إلّابعد مضيّ مقدار العدّة جاز لها التزويج بعد ثبوته ، بخلاف المتوفّى عنها.

__________________

(١) اختاره الشيخ في النهاية : ٥٣٧ ، والحلبي في الكافي : ٣١٣ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٣١٩ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٩ ، ونسبه في المسالك ٨ : ٤٥٤ إلى الأكثر. والقول بالعدم لابن إدريس في السرائر ٢ : ٧٣٨ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٣٤٩ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ١٥١.

(٢) قال الشارح في المسالك ٨ : ٤٥٣ ، المراد بالرواية الجنس؛ لأنّه ورد بعدم الإنفاق أربع روايات معتبرات الأسناد. وانظر الوسائل ١٥ : ٢٣٤ ، الباب ٩ من أبواب النفقات ، الحديث ١ ـ ٣ و ٧.

(٣) المختلف ٧ : ٤٩٣.

(٤) اُنظر الوسائل ١٥ : ٤٤٥ ـ ٤٤٦ ، الباب ٢٧ و ٢٨ من أبواب العدد.

٣٨٥

وقيل : تشتركان في الاعتداد من حين بلوغ الخبر (١) وبه روايات (٢) والأشهر الأوّل ، ولو لم نوجب الحداد على الأمة فهي كالمطلّقة ، عملاً بالعلّة المنصوصة (٣).

* * *

__________________

(١) قاله الإسكافي كما نقله عنه العلّامة في المختلف ٧ : ٤٩٨ ، والحلبي في الكافي : ٣١٣.

(٢) اُنظر الوسائل ١٥ : ٤٤٨ ـ ٤٤٩ ، الباب ٢٨ من أبواب العدد ، الحديث ٩ و ١٢.

(٣) العلّة المنصوصة هي الحداد ، اُنظر الوسائل ١٥ : ٤٤٦ ، الباب ٢٨ من أبواب العدد.

٣٨٦

كتاب الخلع والمبارة

٣٨٧
٣٨٨

(كتاب الخلع والمباراة)

وهو طلاق بعوض مقصود ، لازم لجهة الزوج ، ويفترقان باُمورٍ تأتي. والخلع بالضمّ اسم لذلك مأخوذ منه بالفتح ، استعارة من خلع الثوب وهو نزعه؛ لقوله تعالى : (هُنَّ لِبٰاسٌ لَكُمْ) (١).

(وصيغة الخلع أن يقول) الزوج : (خلعتكِ * على كذا ، أو أنت مختلعة) على كذا أو خلعت فلانة أو هي مختلعة على كذا (ثمّ يتبعه بالطلاق) على الفور ويقول (٢) بعد ذلك : فأنت طالق (في القول الأقوى (٣)» لرواية موسى ابن بكر (٤) عن الكاظم عليه السلام قال : «المختلعة يتبعها بالطلاق ما دامت في عدّتها» (٥).

__________________

(١) البقرة : ١٨٧.

(*) في (ق) : خالعتكِ.

(٢) في غير (ع) : فيقول.

(٣) وهو ما اختاره الشيخ في المبسوط ٤ : ٣٤٤ ، والخلاف ٤ : ٤٢٢ ، المسألة ٣ ، والاستبصار ٣ : ٣١٧ ، ذيل الحديث ١٢٢٨ ، والتهذيب ٨ : ٩٧ ، ذيل الحديث ٣٢٨ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٢٦٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٧٢٦.

(٤) في (ف) و (ر) : موسى بن بكير.

(٥) الوسائل ١٥ : ٤٩٠ ـ ٤٩١ ، الباب ٣ من كتاب الخلع والمباراة ، الحديث الأوّل.

٣٨٩

وقيل : يقع بمجرّده من غير إتباعه به ، ذهب إليه المرتضى (١) وابن الجنيد (٢) وتبعهما العلّامة في المختلف والتحرير (٣) والمصنّف في شرح الإرشاد (٤) لصحيحة محمّد بن إسماعيل (٥) بن بزيع أنّه قال للرضا عليه السلام في حديث : «قد روي أنّها لا تبين حتّى يتبعها بالطلاق؛ قال : ليس ذلك إذن خلع (٦) فقلت : تبين منه؟ قال : نعم» (٧) وغيرها من الأخبار (٨) والخبر السابق ضعيف السند (٩) مع إمكان حمله على الأفضليّة. ومخالفته لمذهب العامّة فيكون أبعد عن التقيّة ـ مع تسليمه ـ لا يكفي في المصير إليه وترك الأخبار الصحيحة وهو على ما وصفناه ، فالقول الثاني أصحّ.

__________________

(١) اُنظر الناصريّات : ٣٥١ ، المسألة ١٦٥.

(٢) نقله العلّامة عنه في المختلف ٧ : ٣٩٢.

(٣) اُنظر المختلف ٧ : ٣٩٣ ، والتحرير ٤ : ٨٦ ، الرقم ٥٤٤١.

(٤) غاية المراد ٣ : ٢٥٧.

(٥) في (ر) زيادة : بن نوح.

(٦) في هامش (ع) ما يلي : بضمّ العين وهو الموجود في نسخ التهذيب ، والصواب إثبات الألف؛ لأنّه خبر ليس فيكون منصوباً. وأمّا ما تكلّف به شيخنا الشهيد في شرح الإرشاد من كون اسم ليس ضمير الشأن ، فلا يناسب التركيب ، وذكر أنّه وجد مضبوطاً بخطّ بعض الأفاضل بفتح الخاء واللام والعين بجعله فعلاً ماضياً واستحسنه ، وليس بشيء.

(٧) الوسائل ١٥ : ٤٩٣ ، الباب ٣ من كتاب الخلع والمباراة ، الحديث ٩.

(٨) راجع الوسائل ١٥ : ٤٩٣ ، الباب ٣ من كتاب الخلع والمباراة ، الحديث ٢ ـ ٤ و ١٠ ، و ٤٩٨ ، الباب ٦ من كتاب الخلع والمباراة.

(٩) وهو رواية موسى بن بكر ، وضعف سنده من جهة أنّ في طريقه ابن فضّال وإبراهيم بن أبي سماك وموسى بن بكر ، والأوّل فطحي ، والآخران واقفيّان ضعيفان. راجع المسالك ٩ : ٣٦٩.

٣٩٠

ثمّ إن اعتبرنا إتباعه بالطلاق فلا شبهة في عدّه طلاقاً ، وعلى القول الآخر هل يكون فسخاً ، أو طلاقاً؟ قولان أصحّهما الثاني (١) لدلالة الأخبار الكثيرة (٢) عليه ، فيُعدّ فيها ويفتقر إلى المحلِّل بعد الثلاث (٣) وعلى القولين لا بدّ من قبول المرأة عقيبه بلا فصل معتدّ به ، أو تقدّم سؤالها له قبله كذلك.

(ولو أتى بالطلاق مع العوض) فقال : «أنتِ طالق على كذا» مع سبق سؤالها له أو مع قبولها بعده كذلك (اُغني عن لفظ الخلع) وأفاد فائدته ولم يفتقر إلى ما يفتقر إليه الخلع من كراهتها له خاصّة؛ لأنّه طلاق بعوض لا خلع.

(وكلّ ما صحّ أن يكون مهراً) من المال المعلوم والمنفعة والتعليم وغيرها

(صحّ أن يكون فدية) في الخلع (ولا تقدير فيه) أي في المجعول فدية في طرف الزيادة والنقصان بعد أن يكون متموّلاً (فيجوز على أزيد ممّا وصل إليها منه) من مهر وغيره؛ لأنّ الكراهة منها ، فلا يتقدّر عليها في جانب الزيادة.

(ويصحّ بذل الفدية منها ومن وكيلها) الباذل له من مالها (وممّن يضمنه) في ذمّته (بإذنها) فيقول للزوج : طلّق زوجتك على مئة وعليَّ ضمانها. والفرق بينه وبين الوكيل : أنّ الوكيل يبذل من مالها بإذنها ، وهذا من ماله بإذنها.

وقد يشكل هذا بأ نّه ضمان ما لم يجب. لكن قد وقع مثله صحيحاً فيما لو قال راكب البحر لذي المتاع : «ألقِ متاعك في البحر وعليَّ ضمانه» وفي

__________________

(١) اختاره السيّد في الناصريّات : ٣٥٢ ، ذيل المسألة ١٦٥ ، وهو المنسوب إلى الإسكافي على ما حكي عنه في المختلف ٧ : ٣٩٦ ، وغاية المراد ٣ : ٢٥٥ وهو اختيارهما أيضاً. والقول الأوّل للشيخ في الخلاف ٤ : ٤٢٤ ، ذيل المسألة ٣.

(٢) منها ما تقدّم تخريجه في الهامش ٨ من الصفحة المتقدّمة.

(٣) في (ر) : الثالث.

٣٩١

ضمان ما يُحدثه المشتري من بناء أو غرس على قول (١) وفي أخذ الطبيب البراءة قبل الفعل.

(وفي) صحّته من (المتبرّع) بالبذل من ماله (قولان أقربهما المنع (٢)) لأنّ الخلع من عقود المعاوضات فلا يجوز لزوم العوض لغير صاحب المعوَّض كالبيع؛ ولأ نّه تعالى أضاف الفدية إليها في قوله : (فَلاٰ جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا فِيمَا اِفْتَدَتْ بِهِ) (٣) وبذل الوكيل والضامن بإذنها كبذلها ، فيبقى المتبرّع على أصل المنع ، ولأصالة بقاء النكاح إلى أن يثبت المزيل ، ولو قلنا بمفهوم الخطاب فالمنع أوضح ، وحينئذٍ فلا يملك الزوج البذل ، ولا يقع الطلاق إن لم يتبع به ، فإن اُتبع به كان رجعيّاً.

ووجه الصحّة : أنّه افتداء وهو جائز من الأجنبيّ ، كما تقع الجعالة منه على الفعل لغيره وإن كان طلاقاً.

والفرق بين الجعالة والبذل تبرّعاً : أنّ المقصود من البذل جعل الواقع خلعاً ليترتّب عليه أحكامه المخصوصة ، لا مجرّد بذل المال في مقابلة الفعل ، بخلاف الجعالة ، فإنّ غرضه وقوع الطلاق بأن يقول : «طلّقها وعليَّ ألف» ولا مانع من

__________________

(١) اختاره الشهيد في متن الكتاب ، اُنظر الجزء الثاني : ٤١٤.

(٢) قوّاه الشيخ في المبسوط ٤ : ٣٦٥ ، واستقربه المحقّق في الشرائع ٣ : ٥١ وفيه : الأشبه المنع ، واستقربه العلّامة في القواعد ٣ : ١٦٢ والإرشاد ٢ : ٥٢ ، واعتمد عليه ولده في الإيضاح ٣ : ٣٨٧ ، والصيمري في غاية المرام ٣ : ٢٦٣.

وأمّا القول بالصحّة فلم يعلم قائله من الأصحاب كما اعترف به في المسالك ٩ : ٣٩٢. نعم ، يصحّ عند المخالفين ، بل جاء في المغني المطبوع مع الشرح الكبير ٨ : ٢١٨ : وهذا قول أكثر أهل العلم ، وقال أبو ثور : لا يصحّ. اُنظر أيضاً الخلاف ٤ : ٤٤٠ ـ ٤٤١ ، المسألة ٢٦.

(٣) البقرة : ٢٢٩.

٣٩٢

صحّته حتّى لا يشترط في إجابته الفوريّة والمقارنة لسؤاله ، بخلاف الخلع. ولو قلنا بصحّته من الأجنبيّ فهو خلع لفظاً وحكماً ، فللأجنبيّ أن يرجع في البذل ما دامت في العدّة فللزوج حينئذٍ أن يرجع في الطلاق ، وليس للزوجة هنا رجوع في البذل؛ لأنّها لا تملكه ، فلا معنى لرجوعها فيه. ويحتمل عدم جواز الرجوع هنا مطلقاً (١) اقتصاراً فيما خالف الأصل على موضع اليقين ، وهو رجوع الزوجة فيما بذلته خاصّة.

وفي معنى التبرّع ما لو قال : طلّقها على ألف من مالها وعليَّ ضمانها ، أو على عبدها هذا كذلك ، فلا يقع الخلع ولا يضمن؛ لأنّه ضمان ما لم يجب وإن جاز (ألقِ متاعك في البحر وعليَّ ضمانه) لمسيس الحاجة بحفظ النفس ثَمَّ دون هذا ، أو للاتّفاق على ذاك على خلاف الأصل ، فيقتصر عليه.

(ولو تلف العوض) المعيّن المبذول (قبل القبض فعليها ضمانه ، مثلاً) أي بمثله إن كان مثليّاً (أو قيمةً) إن كان قيميّاً ، سواء أتلفته باختيارها أم تلف بآفة من اللّٰه تعالى أم أتلفه أجنبيّ ، لكن في الثالث يتخيّر الزوج بين الرجوع عليها وعلى الأجنبيّ ، وترجع هي على الأجنبيّ لو رجع عليها إن أتلفه بغير إذنها ، ولو عاب فله أرشه (وكذا) تضمن مثله أو قيمته (لو ظهر استحقاقه) لغيرها ولا يبطل الخلع؛ لأصالة الصحّة ، والمعاوضة هنا ليست حقيقيّة كما في البيع ، فلا يؤثّر بطلان العوض المعيّن في بطلانه ، بل ينجبر بضمانها المثل أو القيمة.

ويشكل مع علمه باستحقاقه حالة الخلع؛ لقدومه على معاوضة فاسدة إن لم يُتبعه بالطلاق ، ومطلقاً من حيث إنّ العوض لازم لماهيّته ، وبطلان اللازم يستلزم بطلان الملزوم. والمتّجه البطلان مطلقاً إن لم يتبعه بالطلاق ، وإلّا وقع رجعيّاً.

__________________

(١) حتّى من الأجنبي الباذل.

٣٩٣

(ويصحّ البذل من الأمة بإذن المولى) فإن أذن في عين من أعيان ماله تعيّنت ، فإن زادت عنها شيئاً من ماله وقف على إجازته ، فإن ردّ بطل فيه. وفي صحّة الخلع ـ ويلزمها مثله أو قيمته تتبع به بعد العتق ـ أو بطلانه الوجهان. وكذا لو بذلت شيئاً من ماله ولم يُجزه ، ولو أجاز فكالإذن المبتدأ.

وإن أذن في بذلها في الذمّة أو من ماله من غير تعيين (فإن عيّن قدراً) تعيّن وكان الحكم مع تخطّيه ما سبق (وإلّا) يُعيّن قدراً (انصرف) إطلاق الإذن (إلى) بذل (مهر المثل) كما ينصرف الإذن في البيع إلى ثمن المثل ، نظراً إلى أنّه في معنى المعاوضة وإن لم تكن حقيقيّة ، ومهر المثل عوض البُضع فيحمل الإطلاق عليه (ولو لم يأذن) لها في البذل مطلقاً (صحّ) الخلع في ذمّتها دون كسبها و (تبعت به بعد العتق) كما لو عاملها بإقراض وغيره. ولا إشكال هنا وإن علم بالحال؛ لأنّ العوض صحيح متعلّق بذمّتها وإن امتنع قبضه حالّاً خصوصاً مع علمه بالحكم؛ لقدومه عليه ، وثبوت العوض في الجملة. بخلاف بذل العين حيث لا يصحّ؛ لخلوّ الخلع عن العوض. ولو بذلت مع الإطلاق أزيد من مهر المثل فالزائد كالمبتدأ بغير إذن.

(والمكاتبة المشروطة كالقنّ) فيتعلّق البذل بما في يدها مع الإذن ، وبذمّتها مع عدمه إن كان مطلقاً ، وإن كان معيّناً ولم يُجز المولى بطل. وفي صحّة الخلع ولزوم المثل أو القيمة تتبع به الوجهان (أمّا) المكاتبة (المطلقة فلا اعتراض عليها) للمولى مطلقاً ، هكذا أطلق الأصحاب (١) تبعاً للشيخ رحمه الله (٢).

وفي الفرق نظر؛ لما اتّفقوا عليه في باب الكتابة : من أنّ المكاتب مطلقاً

__________________

(١) مثل المحقّق في الشرائع ٣ : ٥٣ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ١٦٠ ، وقاله القاضي في المهذّب ٢ : ٢٧٢ في المكاتبة خالياً من قيد المطلقة والمشروطة.

(٢) اُنظر المبسوط ٤ : ٣٦٦ ـ ٣٦٧.

٣٩٤

ممنوع من التصرّف المنافي للاكتساب ومسوَّغ فيه من غير فرق بينهما ، فالفدية إن كانت غير اكتساب ـ كما هو الظاهر؛ لأنّ العائد إليها البضع وهو غير مال ـ لم يصحّ فيهما ، وإن اعتبر كونه معاوضة وأ نّه كالمال من وجه وجب الحكم بالصحّة فيهما ، والأصحاب لم ينقلوا في ذلك خلافاً. لكن الشيخ رحمه الله في المبسوط حكى في المسألة أقوالاً : الصحّة مطلقاً ، والمنع مطلقاً ، واختار التفصيل وجعله الموافق لاُصولنا وتبعه الجماعة.

والظاهر أنّ الأقوال التي نقلها للعامّة ، كما هي عادته. فإن لم تكن المسألة إجماعيّة فالمتّجه عدم الصحّة فيهما إلّابإذن المولى.

(ولا يصحّ الخلع إلّامع كراهتها *) له (فلو) طلّقها والأخلاق ملتئمة و (لم تكره بطل البذل ووقع الطلاق رجعيّاً) من حيث البذل ، وقد يكون بائناً من جهة اُخرى ، ككونها غير مدخول بها ، أو كون الطلقة ثالثة (ولو أكرهها على الفدية فعل حراماً) للإكراه بغير حقّ (ولم يملكها بالبذل) لبطلان تصرّف المكرَه إلّاما استثني (١) (وطلاقها رجعيّ) من هذه الجهة؛ لبطلان الفدية ، فلا ينافي كونه بائناً من جهة اُخرى إن اتّفقت.

(نعم لو أتت بفاحشة) مبيّنة ، وهي الزنا ، وقيل : ما يوجب الحدّ مطلقاً (٢) وقيل : كلّ معصية (٣) (جاز عَضْلُها) وهو منعها بعض حقوقها أو جميعها من غير

__________________

(*) في (ق) و (س) : كراهيتها.

(١) كالمماطل بأداء الدين والمحجور عليه.

(٢) ذهب إليه المحقّق في المختصر النافع : ٢٠٢.

(٣) قاله الشيخ في التبيان ٣ : ١٥٠ ، والراوندي في فقه القرآن ٢ : ١٨٤ ، والطبرسي في مجمع البيان ٢ : ٢٤.

٣٩٥

أن يفارقها (لتفتدي نفسها) لقوله تعالى : (وَلاٰ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مٰا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاّٰ أَنْ يَأْتِينَ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) (١) والاستثناء من النهي إباحة؛ ولأ نّها إذا زنت لم يؤمن أن تلحق به ولداً من غيره وتفسد فراشه ، فلا تقيم حدود اللّٰه تعالى في حقّه فتدخل في قول اللّٰه تعالى : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّٰ يُقِيمٰا حُدُودَ اَللّٰهِ فَلاٰ جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا فِيمَا اِفْتَدَتْ بِهِ) (٢).

وقيل : لا يصحّ ذلك ولا يستبيح المبذول مع العضل؛ لأنّه في معنى الإكراه ، ولقوله تعالى : (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً) (٣) والمشروط عدم عند عدم شرطه (٤).

وقيل (٥) : إنّ الآية الاُولى (٦) منسوخة بآية الحدّ (٧) ولم يثبت؛ إذ لا منافاة بينهما ، والأصل عدم النسخ. وعلى الأوّل هل يتقيّد جواز العضل ببذل ما وصل إليها منه من مهر وغيره فلا يجوز الزيادة عليه ، أم لا يتقيّد إلّابرضاه؟ اختار المصنّف الأوّل (٨) حذراً من الضرر العظيم ، واستناداً إلى قول النبيّ صلى الله عليه وآله لجميلة بنت

__________________

(١) و (٣) النساء : ١٩ و ٤.

(٢) البقرة : ٢٢٩.

(٣)

(٤) قاله الشافعي في أحد قوليه. اُنظر المغني والشرح الكبير ٨ : ١٧٨ ـ ١٧٩ ، وانظر المجموع ١٨ : ١٤٥ ـ ١٤٩ أيضاً.

(٥) قاله بعض المفسّرين مثل عطاء وغيره ، اُنظر تفسير الطبري ٤ : ٢١١ ، والجامع لأحكام القرآن ٥ : ٩٦ ، ومجمع البيان ٢ : ٢٤.

(٦) قوله تعالى : (وَلاٰ تَعْضُلُوهُنَّ ...).

(٧) قوله تعالى : (اَلزّٰانِيَةُ وَاَلزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ ...) النور : ٢.

(٨) وهو جواز العضل ، ولم نعثر على موضع اختياره. وقال في المسالك ٩ : ٤٢٢. ورجّح الشهيد في بعض تحقيقاته تقييده بما وصل إليها منه.

٣٩٦

عبد اللّٰه بن اُبيّ لمّا كرهت زوجها ثابتَ بن قيس وقال لها : (أتردّين عليه حديقته؟) قالت : وأزيده : (لا ، حديقته فقط) (١) (٢).

ووجه الثاني إطلاق الاستثناء (٣) الشامل للزائد ، وعدّ الأصحاب (٤) مثل هذا خلعاً ، وهو غير مقيّد.

وفيه نظر؛ لأنّ المستثنى منه إذهاب بعض ما أعطاها ، فالمستثنى هو ذلك البعض ، فيبقى المساوي والزائد على أصل المنع ، فإن خرج المساوي بدليل آخر بقي الزائد. وإطلاق الخلع عليه محلّ نظر؛ لأنّها ليست كارهة أو (٥) الكراهة غير مختصّة بها بحسب الظاهر. وذكرها في باب الخلع لا يدلّ على كونها منه.

(وإذا تمّ الخلع فلا رجعة للزوج) قبل رجوعها في البذل (وللزوجة الرجوع * في البذل ما دامت في العدّة) إن كانت ذات عدّة ، فلو خرجت عدّتها أو لم يكن لها عدّة ـ كغير المدخول بها والصغيرة واليائسة ـ فلا رجوع لها مطلقاً (فإذا رجعت) هي حيث يجوز لها الرجوع صار الطلاق رجعيّاً يترتّب عليه أحكامه من النفقة وتحريم الاُخت والرابعة و (رجع هو إن شاء) ما دامت العدّة

__________________

(١) السنن الكبرى ٧ : ٣١٣ ـ ٣١٤ ، والمستدرك ١٥ : ٣٨٦ ، الباب ١٣ من أبواب كتاب الخلع ، الحديث ٣.

(٢) هذا مقول قول النبيّ صلى الله عليه وآله الأوّل الذي أشار إليه بقوله (واستناداً إلى قول النبيّ صلى الله عليه وآله). (منه رحمه الله).

(٣) وهو قوله تعالى : (إِلاّٰ أَنْ يَأْتِينَ بِفٰاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ).

(٤) مثل الشيخ في المبسوط ٤ : ٣٤٣ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ٥٥ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ١٥٧ ، وولده في الإيضاح ٣ : ٣٧٨.

(٥) في (ع) : والكراهة ، وفي (ف) : إذ الكراهة.

(*) في (ق) و (س) : الرجعة.

٣٩٧

باقية ولم يمنع من رجوعه مانع كما لو تزوّج باُختها ، أو رابعة قبل رجوعها إن جوّزناه. نعم لو طلّقها (١) بائناً في العدّة جاز له الرجوع حينئذٍ فيها؛ لزوال المانع.

ولو كان الطلاق بائناً مع وجود العدّة ـ كالطلقة الثالثة ـ ففي جواز رجوعها في العدّة وجهان : من إطلاق الإذن فيه المتناول له ، ومن أنّ جواز رجوعها في البذل مشروط بإمكان رجوعه في النكاح بالنظر إلى الخلع ، لا بسبب أمر خارجي يمكن زواله كتزويجه باُختها؛ ولأ نّه برجوعها يصير الطلاق رجعيّاً ، وهذا لا يمكن أن يكون رجعيّاً.

ولا يخفى أنّ هذين مصادرة على المطلوب. لكنّ المشهور المنع.

والوجهان آتيان فيما لو رجعت ولمّا يعلم حتّى خرجت العدّة حيث يمكنه الرجوع لو علم ، من إطلاق الإذن لها في الرجوع ، ولزوم الإضرار به.

والأقوى الجواز هنا؛ للإطلاق ، ولأنّ جواز رجوعه مشروط بتقدّم رجوعها ، فلا يكون شرطاً فيه ، وإلّا دار (٢) والإضرار حصل باختياره حيث أقدم على ذلك ، مع أنّ له طريقاً إلى الرجعة في الأوقات المحتملة إلى آخر جزءٍ من العدّة.

(ولو تنازعا في القدر) أي قدر الفدية (حلفت) لأصالة عدم زيادتها عمّا تعترف به منها (وكذا) يقدّم قولها مع اليمين (لو تنازعا في الجنس) مع

__________________

(١) أي الاُخت ، أو الرابعة.

(٢) وجه الدور : أنّ الشرط مقدّمٌ على المشروط ، فلو توقّف وجود الشرط على وجود المشروط لزم تأخّره عنه ، فيتوقّف الشيء على نفسه ، وذلك دورٌ. ويمكن دفعه بأنّ المشروط هو جواز الرجعة لا وقوعها بالفعل ، وذلك لا يستلزم الدور؛ لجواز مقارنة جوازها له زماناً. ولو ادّعى أنّ المشروط هو وقوعها منعنا كونها شرطاً في وقوع رجعتها ، وبالجملة فمرجع هذا إلى دور المعيّة ، وهو غير ممتنع. (منه رحمه الله).

٣٩٨

اتّفاقهما على القدر ، بأن اتّفقا على أنّها مئة لكن ادّعى أنّها دنانير وادّعت أنّها دراهم؛ لأصالة عدم استحقاق ما يدّعيه ، ولأ نّه مدّعٍ فعليه البيّنة ، فتحلف يميناً جامعة بين نفي ما يدّعيه وإثبات ما تدّعيه فينتفي مدّعاه. وليس له أخذ ما تدّعيه؛ لاعترافه بأ نّه لا يستحقّه. وينبغي جواز أخذه مقاصّة ، لا أصلاً.

ويحتمل تحالفهما؛ لأنّ كلّاً منهما منكر لما يدّعيه صاحبه ، وهي قاعدة التحالف (١) وحينئذٍ فيسقط ما تداعياه بالفسخ أو الانفساخ ، ويثبت مهر المثل ، إلّاأنّ أصحابنا أعرضوا عن هذا الاحتمال رأساً ، ومخالفونا جزموا به (٢).

(أو الإرادة) مع اتّفاقهما عليها بأن اتّفقا على ذكر القدر وعدم ذكر الجنس لفظاً ، وعلى إرادة جنس معيّن ، لكن اختلفا في الجنس المراد. وإنّما كان القول قولها فيها؛ لأنّ الاختلاف في إرادتها ولا يُطّلع عليها إلّامن قبلها ، فيقدّم قولها فيها.

ويُشكل بأنّ المعبتر إرادتهما معاً للجنس المعيّن ، ولا تكفي إرادتها خاصّة ، وإرادة كلّ منهما لا يُطّلع عليها إلّامن قبله. ولو عُلّل بأنّ الإرادة إذا كانت كافية عن ذكر الجنس المعيّن كان الاختلاف فيها اختلافاً في الجنس المعيّن ، فتقديم قولها من هذه الحيثيّة ، لا من جهة تخصيص الإرادة.

وقال الشيخ : يبطل الخلع هنا (٣) مع موافقته على السابق. وللقول بالتحالف هنا وجه كالسابق.

__________________

(١) في العبارة تسامح.

(٢) جزم به الشافعي وبعض أتباعه كما في المغني والشرح الكبير ٨ : ٢٢٩ ، والمجموع ١٨ : ١٩٤ ـ ١٩٧.

(٣) المبسوط ٤ : ٣٤٩.

٣٩٩

ولو كان اختلافهما في أصل الإرادة مع اتّفاقهما على عدم ذكر الجنس ، فقال أحدهما : أردنا جنساً معيّناً ، وقال الآخر : إنّا لم نرد بل أطلقنا ، رجع النزاع إلى دعوى الصحّة والفساد. ومقتضى القاعدة تقديم مدّعيها منهما مع يمينه.

ويحتمل تقديم منكرها والبطلان؛ لأصالة عدمها (١) وهو ظاهر القواعد (٢) وتقديمُ قول المرأة؛ لرجوع النزاع إلى إرادتها كما مرّ (٣) وهو ظاهر التحرير (٤) وفيه ما ذكر (٥).

(ولو قال : خلعتكِ على ألف في ذمّتكِ ، فقالت : بل في ذمّة زيد ، حلفت على الأقوى) لأنّه مدّعٍ وهي منكرة لثبوت شيءٍ في ذمّتها فكانت اليمين عليها. وقال ابن البرّاج : عليه اليمين (٦) لأنّ الأصل في مال الخلع أن يكون في ذمّتها ، فإذا ادّعت كونه في ذمّة غيرها لم تُسمع؛ لأصالة عدم انتقاله عن ذمّتها. وعلى الأوّل لا عوض عليها ولا على زيد إلّاباعترافه ، وتبين منه بمقتضى دعواه.

ومثله ما لو قالت : «بل خالعك فلان والعوض عليه» ، لرجوعه إلى إنكارها الخلع من قِبَلها. أمّا لو قالت : «خالعتك على ألف ضَمِنها فلان عنّي» أو «دفعتها» أو «أبرأتني» ونحو ذلك فعليها المال مع عدم البيّنة.

__________________

(١) أي الإرادة.

(٢) اُنظر القواعد ٣ : ١٦٦.

(٣) مرّ آنفاً في قوله : لأنّ الاختلاف في إرادتها ، ولا يُطّلع عليها إلّامن قبلها.

(٤) اُنظر التحرير ٤ : ٨٩.

(٥) هو ما ذكره في قوله : ويشكل بأنّ المعتبر إرادتهما معاً.

(٦) نقل ذلك عنه العلّامة في المختلف ٧ : ٤٠٢ ، ولكن ما جاء في المهذّب ٢ : ٢٦٩ هو : أنّ عليه البيّنة وعليها اليمين. ولعلّ المنقول عنه هنا ورد في كتابه الكامل ، وهو لا يوجد لدينا.

٤٠٠