الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

كتاب الإقرار

٥٢١
٥٢٢

(كتاب الإقرار)

(وفيه فصول) :

(الأوّل)

(الصيغة ، وتوابعها)

من شرائط المُقِرّ ، وجملة من أحكامه المترتّبة على الصيغة ، ويندرج فيه بعض شرائط المُقَرّ به. وكان عليه أن يدرج شرائط المُقَرّ له أيضاً فيه ، وهي : أهليّته للتملّك وأن لا يكذّب المُقِرَّ ، وأن يكون ممّن يملك المُقَرّ به ، فلو أقرّ للحائط أو الدابّة لغا ، ولو أكذبه لم يُعطَ ، ولو لم يصلح لملكه ـ كما لو أقرّ لمسلم بخنزير أو خمر غير محترمة ـ بطل ، وإنّما أدرجنا ذلك ليتمّ الباب.

(وهي) أي الصيغة : (له عندي كذا) أو عليَّ (أو هذا) الشيء ـ كهذا البيت أو البستان ـ (له) دون (بيتي) و (بستاني) في المشهور؛ لامتناع اجتماع مالكين مستوعبين على شيءٍ واحد ، والإقرار يقتضي سبق ملك المقَرّ له على وقت الإقرار ، فيجتمع النقيضان.

نعم ، لو قال : بسبب صحيح ـ كالشراء ونحوه ـ صحّ؛ لجواز أن يكون له حقّ

٥٢٣

وقد جعل دارَه في مقابلته.

والأقوى الصحّة مطلقاً (١) لإمكان تنزيل الخالي من الضميمة عليها؛ لأنّ الإقرار مطلقاً يُنزّل على السبب الصحيح مع إمكان غيره ، ولأنّ التناقض إنّما يتحقّق مع ثبوت الملك لهما في نفس الأمر ، أمّا ثبوت أحدهما ظاهراً والآخر في نفس الأمر فلا ، والحال هنا كذلك ، فإنّ الإخبار بملك المُقَرّ له يقتضي ثبوت ملكه في الواقع ، ونسبة المُقَرّ به إلى نفسه يحمل على الظاهر ، فإنّه المطابق لحكم الإقرار؛ إذ لا بدّ فيه من كون المقَرّ به تحت يد المقِرّ ، وهي تقتضي ظاهراً كونه ملكاً له ، ولأنّ الإضافة يكفي فيهاأدنى ملابسة ، مثل (لاٰ تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ) (٢) فإنّ المراد : بيوت الأزواج واُضيفت إلى الزوجات بملابسة السكنى ، ولو كان ملكاً لهنّ لما جاز إخراجهنّ عند الفاحشة. وكقول أحد حاملي الخشبة : «خُذ طرفَك» و«كوكب الخرقاء» (٣) و«شهادة اللّٰه» و«دينه).

وهذه الإضافة لو كانت مجازاً لوجب الحمل عليه ، لوجود القرينة الصارفة عن الحقيقة والمعيّنة له؛ لأنّ الحكم بصحّة إقرار العقلاء مع الإتيان باللام المفيد

__________________

(١) سواء كانت مع الصحيحة أو بدونها (هامش ر).

(٢) الطلاق : ١.

(٣) جملةٌ من بيتٍ تمامه هذا :

إذا كوكب الخرقاء لاح بسحرةٍ

سهيلٌ أزاعت غزلها في الأقارب

والخرقاء اسم امرأة في عقلها نقصان ، وإنّما سمّيت بها لأنّها كانت لا تهيّئ أسباب الشتاء في الصيف ، فلمّا طلع سهيل وأصاب البَرْد فرّقت قطنها بين نساء أقاربها وجاراتها ليساعدْنها في الغزل لتهيّئ لباس شتائها. والشاهد في إضافة الكوكب إلى الخرقاء بأدنى ملابسة وذلك أنّ عمل تلك المرأة كان مقارناً لطلوع سهيل ، فأضاف الشاعر ذلك الكوكب إليها. راجع جامع الشواهد : ٢٩.

٥٢٤

للملك والاستحقاق قرينة على أنّ نسبة المال إلى المقرّ بحسب الظاهر.

وفرّق المصنّف بين قوله : «ملكي لفلان» و«داري» فحكم بالبطلان في الأوّل وتوقّف في الثاني (١) والأقوى عدم الفرق.

وليس منه (٢) ما لو قال : «مسكني له» فإنّه يقتضي الإقرار قطعاً؛ لأنّ إضافة السكنى لا تقتضي ملكيّة العين؛ لجواز أن يسكن [ملك] (٣) غيره.

(أو له في ذمّتي) كذا (وشبهه) كقوله : (له قِبَلي كذا).

(ولو علّقه بالمشيئة) كقوله : «إن شئت» أو «إن شاء زيد» أو «إن شاء اللّٰه» (بطل) الإقرار (إن اتّصل) الشرط؛ لأنّ الإقرار إخبار جازم عن حقّ لازم سابق على وقت الصيغة ، فالتعليق ينافيه؛ لانتفاء الجزم في المعلّق ، إلّاأن يُقصد في التعليق على مشيئة اللّٰه : التبرّك ، فلا يضرّ.

وقد يشكل البطلان في الأوّل بأنّ الصيغة قبل التعليق تامّة الإفادة لمقصود الإقرار ، فيكون التعليق بعدها كتعقيبه بما ينافيه ، فينبغي أن يلغو المنافي ، لا أن يبطل الإقرار.

والاعتذار بكون الكلام كالجملة الواحدة لا يتمّ إلّابآخره ، واردٌ في تعقيبه بالمنافي مع حكمهم بصحّته.

وقد يُفرَّق بين المقامين بأنّ المراد بالمنافي الذي لا يسمع : ما وقع بعد تمام صيغة جامعة لشرائط الصحّة ، وهنا ليس كذلك؛ لأنّ من جملة الشرائط التنجيز وهو غير متحقّق بالتعليق فتلغو الصيغة.

__________________

(١) الدروس ٣ : ١٢٣.

(٢) في (ع) زيادة : مثل.

(٣) في المخطوطات : مال.

٥٢٥

(ويصحّ) الإقرار (بالعربيّة وغيرها) لاشتراك اللغات في التعبير عمّا في الضمير ، والدلالة على المعاني الذهنيّة بحسب المواضعة ، لكن يشترط في تحقيق اللزوم علم اللافظ بالوضع ، فلو أقرّ عربيٌّ بالعجميّة أو بالعكس وهو لا يعلم مؤدّى اللفظ لم يقع. ويُقبل قوله في عدم العلم إن أمكن في حقّه ، أو صدَّقه المُقَرّ له ، عملاً بالظاهر والأصلِ من عدم تجدّد العلم بغير لغته. والمعتبر في الألفاظ الدالّة على الإقرار إفادتها له عرفاً وإن لم يقع على القانون العربيّ وقلنا باعتباره في غيره من العقود والإيقاعات اللازمة لتوقّف تلك على النقل ، ومن ثَمَّ لم تصحّ (١) بغير العربيّة مع إمكانها.

(ولو علّقه بشهادة الغير) فقال : «إن شهد لك فلان عليَّ بكذا فهو لك في ذمّتي» أو «لك عليَّ كذا إن شهد لك به فلان» (أو قال : إن شهد) لك (فلان) عليَّ بكذا (فهو صادق) أو فهو صِدق ، أو حقّ ، أو لازم لذمّتي ، ونحوه (فالأقرب البطلان) وإن كان قد علّق ثبوت الحقّ على الشهادة ، وذلك لا يصدق إلّا إذا كان ثابتاً في ذمّته الآن وحكم بصدقه على تقدير شهادته ، ولا يكون صادقاً إلّا إذا كان المشهود به في ذمّته؛ لوجوب مطابقة الخبر الصادق لمُخبَره بحسب الواقع؛ إذ ليس للشهادة أثر في ثبوت الصدق ولا عدمه ، فلولا حصول الصدق عند المُقرّ لما علّقه على الشهادة؛ لاستحالة أن تجعله الشهادة صادقاً وليس بصادق ، وإذا لم يكن للشهادة تأثير في حصول الصدق عند المُقرّ (٢) وقد حكم به ، وجب أن يلزمه المال وإن أنكر الشهادة ، فضلاً عن شهادته أو عدم شهادته.

وإنّما لم يؤثّر هذا كلّه (لجواز أن يعتقد استحالة صدقه؛ لاستحالة شهادته

__________________

(١) في (ر) : لا تصحّ.

(٢) أثبتنا (عند المُقرّ) من (ع).

٥٢٦

عنده) ومثله في محاورات العوام كثير ، يقول أحدهم : (إن شهد فلان أنّي لست لأبي فهو صادق) ولا يريد إلّاأ نّه لا تصدر عنه الشهادة؛ للقطع بعدم تصديقه إيّاه على كونه ليس لأبيه ، وغايته قيام الاحتمال ، وهو كافٍ في عدم اللزوم وعدم صراحة الصيغة في المطلوب ، معتضداً بأصالة براءة الذمّة ، مع أنّ ما ذكر في توجيه اللزوم معارَض بالإقرار المعلَّق على شرط بتقريب ما ذكر (١) وكذا قولهم : إنّه يصدق (كلّما لم يكن المال ثابتاً في ذمّته لم يكن صادقاً على تقدير الشهادة) وينعكس بعكس النقيض إلى قولنا : (كلّما كان صادقاً على تقدير الشهادة كان ثابتاً في ذمّته وإن لم يشهد) لكن المقدَّم حقّ؛ لعموم (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) (٢) وقد أقرّ بصدقه على تقدير الشهادة ، فالتالي ـ وهو ثبوت المال في ذمّته ـ مثلُه ، فإنّه معارَض بالمعلَّق ومنقوض بالاحتمال الظاهر (٣).

(ولا بدّ من كون المقرّ كاملاً) بالبلوغ والعقل (خالياً من الحجر للسَفَه) أمّا الحجر للفَلَس فقد تقدّم في باب الدين (٤) اختيار المصنّف أنّه مانع من الإقرار بالعين دون الدين؛ فلذا لم يذكره هنا. ويعتبر مع ذلك القصدُ والاختيار.

فلا عبرة بإقرار الصبيّ وإن بلغ عشراً إن لم نُجز وصيّتَه ووقفَه وصدقتَه ، وإلّا قُبل إقراره بها؛ لأنّ من ملك شيئاً ملك الإقرار به.

ولو أقرّ بالبلوغ استُفسِر فإن فَسَّره بالإمناء قُبل مع إمكانه ، ولا يمين عليه حذراً من الدور.

__________________

(١) أي بالدليل الذي ذكر في التعليق بالمشيئة (هامش ع).

(٢) كما روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله ، اُنظر الوسائل ١٦ : ١١١ ، الباب ٣ من أبواب الإقرار ، الحديث ٢.

(٣) احتمال أن يعتقد المقرّ استحالة صدقه (هامش ر).

(٤) تقدّم في الجزء الثاني : ٣٥٨.

٥٢٧

ودفعُ المصنّف له ـ في الدروس ـ بأنّ يمينه موقوفة على إمكان بلوغه ، والموقوف على يمينه هو وقوع بلوغه فتغايرت الجهة (١) مندفعٌ بأنّ إمكان البلوغ غير كافٍ شرعاً في اعتبار أفعال الصبيّ وأقواله التي منها يمينه. ومثله إقرار الصبيّة به أو بالحيض.

وإن ادّعاه بالسنّ كُلِّف البيّنة ، سواء في ذلك الغريب والخامل وغيرهما ، خلافاً للتذكرة حيث ألحقهما فيه بمدّعي الاحتلام (٢) لتعذّر إقامة البيّنة عليهما غالباً. أو بالإنبات اعتبر؛ فإنّ محلّه ليس من العورة ، ولو فرض أنّه منها فهو موضع حاجة.

ولا بإقرار المجنون إلّامن ذي الدور وقتَ الوثوق بعقله. ولا بإقرار غير القاصد ، كالنائم والهازل والساهي والغالط.

ولو ادّعى المقرّ أحد هذه (٣) ففي تقديم قوله عملاً بالأصل ، أو قول الآخر عملاً بالظاهر وجهان.

ومثله دعواه بعد البلوغ وقوعه حالة الصِبا ، والمجنونُ حالتَه مع العلم به ، فلو لم يُعلم له حالة جنون حلف نافيه. والأقوى عدم القبول في الجميع.

ولا بإقرار المكرَه فيما اُكره على الإقرار به ، إلّامع ظهور أمارة اختياره ، كأن يكره على أمر فيقرّ بأزيد منه.

وأمّا الخلوّ من السَفَه : فهو شرط في الإقرار المالي ، فلو أقرّ بغيره كجناية توجب القصاص ونكاحٍ وطلاقٍ قُبل ، ولو اجتمعا قُبل في غير المال كالسرقة بالنسبة إلى القطع ، ولا يلزم بعد زوال حجره ما بطل قبلَه ، وكذا يُقبل إقرار المفلَّس

__________________

(١) الدروس ٣ : ١٢٦ ـ ١٢٧.

(٢) التذكرة (الحجريّة) ٢ : ١٤٦.

(٣) النوم والهزل والسهو والغلط.

٥٢٨

في غير المال مطلقاً.

(وإقرار المريض من الثلث مع التهمة) وهي : الظنّ الغالب بأ نّه إنّما يريد بالإقرار تخصيصَ المُقَرّ له بالمُقَرّ به ، وأ نّه في نفس الأمر كاذب.

ولو اختلف المقَرُّ له والوارثُ فيها فعلى المدّعي لها البيّنة؛ لأصالة عدمها ، وعلى منكرها اليمين. ويكفي في يمين المُقَرّ له أنّه لا يعلم التهمة ، لا أنّها ليست حاصلة في نفس الأمر؛ لابتناء الإقرار على الظاهر. ولا يكلّف الحلف على استحقاق المقَرّ به من حيث إنّه يعلم بوجه استحقاقه؛ لأنّ ذلك غير شرط في استباحة المُقَرّ به ، بل له أخذه ما لم يعلم فساد السبب.

هذا كلّه مع موت المُقِرّ في مرضه ، فلو برئ [من مرضه] (١) نفذ من الأصل مطلقاً. ولا فرق في ذلك بين الوارث والأجنبي.

(وإلّا) يكن هناك تهمة ظاهرة (فمن الأصل) مطلقاً على أصحّ الأقوال (٢).

__________________

(١) لم يرد في المخطوطات.

(٢) اختاره الشيخ في النهاية : ٦١٧ ـ ٦١٨ ، والقاضي في المهذّب ١ : ٤١٩ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ١٥٢ ، والعلّامة في القواعد ٢ : ٥٣١ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١١ : ١٠٨. والقول الآخر أنّه من الأصل مطلقاً ، اختاره الديلمي في المراسم : ٢٠٤ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٥٠٦.

وهنا قول ثالث منسوب إلى السيّد وهو التفصيل بين الإقرار بالدين فيمضي من الأصل مطلقاً ، وبين الإقرار بالعين فأمضاها من الأصل مع عدم التهمة ، اُنظر المهذّب البارع ٣ : ١٤٢ ، وجامع المقاصد ١١ : ١٠٨ ، والمقنعة : ٦٦٢ ، باب الإقرار في المرض.

والقول الرابع أنّه من الثلث مع التهمة وإلّا فمن الأصل إن كان الإقرار للأجنبي ، وأمّا إن كان الإقرار للوارث فهو من الثلث مطلقاً مع التهمة وبلا تهمة ، اختاره المحقّق في المختصر ١ : ١٦٨.

٥٢٩

(وإطلاق الكيل أو الوزن) في الإقرار كأن قال : له عندي كيل حنطة أو رطل سمن (يُحمل على) الكيل والوزن (المتعارف في البلد) أي بلد المُقِرّ وإن خالف بلد المقَرّ له (فإن تعدّد) المكيال والميزان في بلده (عيّن المُقرّ) ما شاء منها (ما لم يغلب) أحدها في الاستعمال على الباقي (فيُحمل على الغالب) ولو تعذّر استفساره فالمتيقّن هو الأقلّ (١) وكذا القول في النقد.

(ولو أقرّ بلفظ مبهم صحّ) إقراره (واُلزم تفسيره) واللفظ المبهم (كالمال والشيء والجزيل والعظيم والحقير) والنفيس ، ومال أيّ مال. ويُقبل تفسيره بما قلّ؛ لأنّ كلّ مال عظيم خطره شرعاً كما ينبّه عليه كفر مستحلّه (٢) فيُقبل [في] (٣) هذه الأوصاف.

(و) لكن (لا بدّ من كونه ممّا يتموَّل) أي يُعدّ مالاً عرفاً (لا كقشر جوزة ، أو حبّة دُخن) أو حِنطة؛ إذ لا قيمة لذلك عادة.

وقيل : يُقبل بذلك؛ لأنّه مملوك شرعاً ، والحقيقة الشرعيّة مقدّمة على العرفيّة ، ولتحريم أخذه بغير إذن مالكه ووجوب ردِّه (٤).

ويشكل بأنّ الملك لا يستلزم إطلاق اسم المال شرعاً ، والعرف يأباه. نعم ، يتَّجه ذلك تفسيراً للشيء ، وإن وصفه بالأوصاف العظيمة؛ لما ذُكر (٥) ويقرب منه (٦)

__________________

(١) في (ش) زيادة : قيمةً ووصفاً.

(٢) لم نعثر عليه بعينه.

(٣) لم يرد في المخطوطات.

(٤) قاله العلّامة في التذكرة (الحجريّة) ٢ : ١٥١ ـ ١٥٢ ، والشهيد في غاية المراد ٢ : ٢٥٩ ، ولكنّه في مورد حبّة من حنطة ومثلها ، ولم نعثر على القبول في القشر.

(٥) من أنّ كلّ مال عظيم خطره شرعاً (هامش ر).

(٦) أي من الإقرار بالشيء.

٥٣٠

ما لو قال : له عليَّ حقّ.

وفي قبول تفسيرهما (١) بردّ السلام والعيادة وتسميت العطاس (٢) وجهان : من إطلاق «الحقّ» عليها في الأخبار (٣) فيُطلَق «الشيء» لأنّه أعمّ ، ومن أنّه خلاف المتعارف وبُعدُهما عن الفهم في معرض الإقرار وهو الأشهر.

ولو امتنع من التفسير حُبس وعُوقب عليه حتّى يفسِّر؛ لوجوبه عليه.

ولو مات قبله طولب الوارث به إن علمه وخلَّف تركة ، فإن أنكر العلم وادّعاه عليه المُقَرُّ له حلف على عدمه.

(ولا فرق) في الإبهام والرجوع إليه في التفسير (بين قوله : عظيم أو كثير *» لاشتراكهما في الاحتمال.

(وقيل) والقائل الشيخ (٤) وجماعة (٥) بالفرق وإنّ (الكثير ثمانون) كالنذر؛ للرواية الواردة به فيه (٦) والاستشهاد بقوله تعالى : (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اَللّٰهُ فِي مَوٰاطِنَ كَثِيرَةٍ) (٧) ويضعّف مع تسليمه ببطلان القياس ، ولاستعمال الكثير في القرآن

__________________

(١) الشيء والحقّ.

(٢) في (ع) : العاطس ، وفي نسخة بدلها : العطاس.

(٣) اُنظر الوسائل ٨ : ٤٥٩ ، الباب ٥٧ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ١ و ٤.

(*) في (ق) : بين كونه عظيماً أو كثيراً. وفي (س) : بين قوله : عظيماً أو كثيراً.

(٤) المبسوط ٣ : ٦ ، والخلاف ٣ : ٣٥٩ ، المسألة الاُولى من كتاب الإقرار.

(٥) مثل القاضي في المهذّب ١ : ٤٠٥ ، والكيدري في الإصباح : ٣٣٢ ، والسيّد ابن زهرة في الغنية : ٢٧١.

(٦) اُنظر الوسائل ١٦ : ١٨٦ ، الباب ٣ من أبواب كتاب النذر والعهد.

(٧) التوبة : ٢٥.

٥٣١

لغير ذلك مثل (فِئَةً كَثِيرَةً) (١) و (ذِكْراً كَثِيراً) (٢) ودعوى أنّه عرف شرعيّ فلا قياس ، خلاف الظاهر. وإلحاق (العظيم) به غريب (٣).

(ولو قال : له عليَّ أكثر من مال فلان) لزمه بقدره وزيادة (و) لو (فسّره بدونه وادّعى ظنَّ القلّة حلف) لأصالة عدم علمه به مع ظهور أنّ المال من شأنه أن يخفى ، وفسَّر (٤) بما ظنّه وزاد عليه زيادة. وينبغي تقييده بإمكان الجهل به في حقّه. ولا فرق في ذلك بين قوله قبل ذلك : (إنّي أعلم مال فلان) وعدمه.

نعم ، لو كان قد أقرّ بأ نّه قدرٌ يزيد عمّا ادّعى ظنَّه ، لم يقبل إنكاره ثانياً ، ولو تأوّل بأنّ (٥) «مال فلان حرام أو شبهة أو عين ، وما أقررت به حلال أو دين ، والحلال والدين أكثر نفعاً أو بقاءً» ففي قبوله قولان (٦) : من أنّ المتبادر كثرة المقدار فيكون حقيقة فيها وهي مقدّمة على المجاز مع عدم القرينة الصارفة ، ومن إمكان إرادة المجاز ولا يُعلم قصده إلّامن لفظه فيرجع إليه فيه. ولا يخفى قوّة الأوّل. نعم لو اتّصل التفسير بالإقرار لم يبعد القبول.

(ولو قال : له عليَّ كذا دراهم ، بالحركات الثلاث) : الرفع والنصب والجرّ (والوقف) بالسكون ، وما في معناه (فواحد) لاشتراكه بين الواحد

__________________

(١) البقرة : ٢٤٩.

(٢) الأحزاب : ٤١.

(٣) الملحِق به ابن الجنيد [نقل عنه في المختلف ٦ : ٥٢ والدروس ٣ : ١٣٩]. (منه رحمه الله).

(٤) عطف على قول الماتن : حلف.

(٥) في (ر) : بأن قال.

(٦) القول بالقبول للعلّامة في الإرشاد ١ : ٤١٠ ، التحرير ٤ : ٤٠٧ ، الرقم ٥٩٩١ ، والتذكرة (الحجريّة) ٢ : ١٥٣ ، وولده في الإيضاح ٣ : ٤٤١. والقول الآخر منسوب في الدروس ٣ : ١٣٩ إلى الشيخ ، اُنظر الخلاف ٣ : ٣٦٢ ـ ٣٦٣ ، المسألة ٢ من الإقرار.

٥٣٢

فما زاد وضعاً ، فيحمل على الأقلّ؛ لأنّه المتيقّن إذا لم يفسّره بأزيد ، فإنّ (كذا) كناية عن (الشيء).

فمع الرفع يكون الدرهم بدلاً منه ، والتقدير : «شيءٌ درهمٌ).

ومع النصب يكون تمييزاً له. وأجاز بعض أهل العربيّة نصبَه على القطع (١) كأ نّه قطع ما ابتدأ به وأقرّ بدرهم.

ومع الجرّ تُقدّر الإضافة بيانيّة ك‍ (حَبّ الحصيد) والتقدير شيء هو درهم.

ويشكل بأنّ ذلك وإن صحّ ، إلّاأ نّه يمكن تقدير ما هو أقلّ منه بجعل (الشيء) جزءاً من الدرهم اُضيف إليه ، فيلزمه جزء يرجع في تفسيره إليه؛ لأنّه المتيقّن ، ولأصالة البراءة من الزائد ، ومن ثَمّ حُمل الرفع والنصب على الدرهم مع احتمالهما أزيد منه. وقيل : إنّ الجرّ لحنٌ يحمل على أخويه فيلزمه حكمهما (٢).

وأمّا مع الوقف فيحتمل الرفع والجرّ لو اُعرب ، لا النصب؛ لوجوب إثبات الألِف فيه وقفاً ، فيحمل على مدلول ما احتمله.

فعلى ما اختاره يشتركان في احتمال الدرهم فيحمل عليه. وعلى ما حقّقناه يلزمه جزء درهم خاصّة؛ لأنّه باحتماله الرفع والجرّ حصل الشكّ فيما زاد على الجزء فيحمل على المتيقّن ، وهو ما دلّت عليه الإضافة.

(وكذا كذا درهماً ، وكذا وكذا درهماً كذلك) في حمله على الدرهم مع الحركات الثلاث والوقف؛ لاحتمال كون «كذا» الثاني تأكيداً للأوّل في الأوّل ، والحكم في الإعراب ما سلف ، وفي الوقف يُنزَّل على أقلّ الاحتمالات. وكون «كذا» شيئاً مبهماً والثاني معطوفاً عليه في الثاني ، ومُيّزا بدرهم على تقدير

__________________

(١) نقله العلّامة في التذكرة (الحجريّة) ٢ : ١٥٣ عن بعض الكوفيّين.

(٢) لم نعثر عليه ، نعم تنظّر الكيدري في الإصباح : ٣٣٤ في جواز الجرّ وفي الاستعمال.

٥٣٣

النصب ، واُبدلا منه على تقدير الرفع ، وبُيّنا معاً بالدرهم مع الجرّ ، ونُزّل على أحدهما مع الوقف ، أو اُضيف الجزء إلى جزء الدرهم في الجرّ على ما اخترناه ، وحُمل الوقف عليه أيضاً.

(ولو فسّر في) حالة (الجرّ) من الأقسام الثلاثة (ببعض درهم جاز) لإمكانه وضعاً بجعل الشيء المراد من «كذا» (١) وما اُلحق به كنايةً عن الجزء.

وفيه : أنّ قبول تفسيره به يقتضي صحّته بحسب الوضع ، فكيف يحمل مع الإطلاق على ما هو أكثر منه مع إمكان الأقلّ؟ فالحمل عليه مطلقاً أقوى.

(وقيل) والقائل به الشيخ وجماعة (٢) : «يتبع في ذلك» المذكور من قوله : «كذا» و«كذا كذا» و«كذا وكذا» (٣) بالحركات الثلاث والوقف وذلك اثنتا عشرة صورةً : (موازنه من الأعداد) جعلاً لكذا كنايةً عن العدد ، لا عن الشيء ، فيكون الدرهم في جميع أحواله تمييزاً لذلك العدد ، فيُنظر إلى ما يناسبه بحسب ما تقتضيه قواعد العربيّة من إعراب المميِّز للعدد ويُحمل عليه.

فيلزمه مع إفراد المبهم ورفع الدرهم : درهمٌ؛ لأنّ المميّز لا يكون مرفوعاً ، فيجعل بدلاً كما مرّ. ومع النصب : عشرون درهماً؛ لأنّه أقلّ عدد مفرد ينصب مُميّزه؛ إذ فوقه ثلاثون إلى تسعين ، فيحمل على الأقلّ. ومع الجرّ : مئة درهمٌ؛ لأنّه أقلّ عدد مفرد فُسّر بمفرد مجرور؛ إذ فوقه الألف. ومع الوقف : درهمٌ؛ لاحتماله

__________________

(١) في (ر) بدل (من كذا) : بكذا.

(٢) اُنظر المبسوط ٣ : ١٢ ـ ١٣ ، والخلاف ٣ : ٣٦٥ ـ ٣٦٧ ، المسألة ٨ ـ ١١ ، والغنية : ٢٧٣ ، والمختلف ٦ : ٤١ ، والإرشاد ١ : ٤١٠ ، والتذكرة (الحجريّة) ٢ : ١٥٣ ، والتنقيح الرائع ٣ : ٤٩٢ ، وقيّده في المختلف والتذكرة والتنقيح بما إذا كان المقرّ من أهل اللسان وعارفاً.

(٣) في (ر) زيادة : درهماً.

٥٣٤

الرفع والجرّ ، فيحمل على الأقلّ (١).

ومع تكريره بغير عطف ورفع الدرهم : درهمٌ؛ لما ذكر (٢) في الإفراد مع كون الثاني تأكيداً للأوّل. ومع نصبه : أحد عشر؛ لأنّه أقلّ عدد مركَّب مع غيره يُنصب بعده مميّزه؛ إذ فوقه اثنا عشر إلى تسعة عشر ، فيحمل على المتيقّن. ومع جرّه : ثلاثمئة درهم؛ لأنّه أقلّ عدد اُضيف إلى آخر ومُيِّز بمفرد مجرور؛ إذ فوقه أربعمئة إلى تسعمئة ، ثمّ مئة مئة ، ثمّ مئة ألف ، ثمّ ألف ألف ، فيحمل على المتيقّن والتركيب هنا لا يأتي (٣) لأنّ مميّز المركّب لم يرد مجروراً ، وهذا القسم لم يصرّح به صاحب القول (٤) ولكنّه لازم له. ومع الوقف : يحتمل الرفع والجرّ ، فيحمل على الأقلّ منهما وهو الرفع.

ومع تكريره معطوفاً ورفع الدرهم : يلزمه درهم؛ لما ذكر في الإفراد بجعل الدرهم بدلاً من مجموع المعطوف والمعطوف عليه. ويحتمل أن يلزمه درهم وزيادة؛ لأنّه ذكر شيئين متغايرين بالعطف ، فيجعل الدرهم تفسيراً للقريب منهما وهو المعطوف ، فيبقى المعطوف عليه على إبهامه فيرجع إليه في تفسيره. وأصالة البراءة تدفعه.

ومع نصب الدرهم : يلزمه أحد وعشرون درهماً ، لأنّه أقلّ عددين عُطف أحدهما على الآخر وانتصب المميّز بعدهما؛ إذ فوقه اثنان وعشرون إلى تسعة وتسعين فيحمل على الأقلّ.

__________________

(١) في (ش) زيادة : منهما.

(٢) في (ر) : ذكرنا.

(٣) في (ر) : لا يتأتّى.

(٤) وهو الشيخ والجماعة المتقدّمون في الصفحة السابقة.

٥٣٥

ومع جرّ الدرهم : يلزمه ألف ومئة؛ لأنّه أقلّ عددين عُطف أحدهما على الآخر ومُيِّز بمفرد مجرور؛ إذ فوقه من الأعداد المعطوف عليها المئة والألف ما لا نهاية له. ويحتمل جعل الدرهم مميّزاً للمعطوف فيكون مئة ويبقى المعطوف عليه مبهماً فيرجع إليه في تفسيره ، وجعله درهماً لمناسبة الأعداد المميّزة ، فيكون التقدير درهم ومئة درهم؛ لأصالة البراءة من الزائد. وهذا القسم أيضاً لم يصرّحوا بحكمه ، ولكنّه لازم للقاعدة.

ومع الوقف عليه : يحتمل الرفع والجرّ ، فيحمل على الأقلّ وهو الرفع.

وإنّما حملنا العبارة على جميع هذه الأقسام مع احتمال أن يريد بقوله : «وكذا كذا درهماً وكذا وكذا درهماً كذلك» حكمهما في حالة النصب؛ لأنّه الملفوظ ، ويكون حكمهما في غير حالة النصب مسكوتاً عنه؛ لأنّه (١) عقّبه بقوله : «ولو فسّر في الجرّ ببعض درهم جاز» وذلك يقتضي كون ما سبق شاملاً لحالة الجرّ؛ إذ يبعد كون قوله : «ولو فسّر في الجرّ» تتميماً لحكم «كذا» المفرد؛ لبُعده.

وعلى التقديرين (٢) يترتّب قولُه : «وقيل : يتبع في ذلك موازنه» فعلى ما ذكرناه تتشعّب الصور إلى اثني (٣) عشرة ، وهي : الحاصلة من ضرب أقسام الإعراب الأربعة في المسائل الثلاث ، وهي : «كذا» المفرد ، والمكرّر بغير عطف ، ومع العطف. وعلى الاحتمال (٤) يسقط من القسمين الأخيرين ما زاد على نصب المميّز ، فتنتصف الصور.

__________________

(١) أي المصنّف ، وهذا تعليل حمل العبارة على الأقسام كلّها دون أن يخصّها بحالة النصب. (هامش ر).

(٢) التعميم والتخصيص.

(٣) كذا ، والمناسب : اثنتي.

(٤) يعني احتمال التخصيص بحالة النصب.

٥٣٦

وكيف كان : فهذا القول (١) ضعيف ، فإنّ هذه الألفاظ لم توضع لهذه المعاني لغةً ولا اصطلاحاً ، ومناسبتها على الوجه المذكور لا يوجب اشتغال الذمّة بمقتضاها ، مع أصالة البراءة واحتمالها لغيرها على الوجه الذي بُيّن. ولا فرق في ذلك بين كون المقرّ من أهل العربيّة وغيرهم؛ لاستعمالها على الوجه المناسب للعربيّة في غير ما ادّعوه استعمالاً شهيراً. خلافاً للعلّامة حيث فرّق ، فحكم بما ادّعاه الشيخ على المقرّ إذا كان من أهل اللسان (٢) وقد ظهر ضعفه.

(و) إنّما (يمكن هذا) القول (مع الاطّلاع على القصد) أي على قصد المقرّ وأ نّه أراد ما ادّعاه القائل ، ومع الاّطلاع لا إشكال.

(ولو قال : لي عليك ألف ، فقال : نعم أو أجل أو بلى أو أنا مقرّ به ، لزمه) الألف.

أمّا جوابه ب‍ «نعم» فظاهر؛ لأنّ قول المجاب إن كان خبراً فهي بعده حرف تصديق ، وإن كان استفهاماً محذوف الهمزة فهي بعده للإثبات والإعلام؛ لأنّ الاستفهام عن الماضي إثباته ب‍ «نعم» ونفيه ب‍ «لا).

و«أجل» مثله.

وأمّا «بلى» فإنّها وإن كانت لإبطال النفي ، إلّاأنّ الاستعمال العرفي جوّز وقوعها في جواب الخبر المثبت كنعم ، والإقرارُ جارٍ عليه لا على دقائق اللغة. ولو قدّر كون القول استفهاماً فقد وقع استعمالها في جوابه لغة وإن قلّ ، ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وآله لأصحابه : «أترضون أن تكونوا من أرفع أهل الجنّة؟ قالوا : بلى» (٣)

__________________

(١) قول الشيخ وجماعة بأ نّه يتبع في ذلك موازنه من الأعداد.

(٢) المختلف ٦ : ٤١.

(٣) صحيح البخاري ٨ : ١٦٣ ، وسنن ابن ماجة ٢ : الحديث ٤٢٨٣ ، ولكن فيهما : ربع أهل الجنّة ، ونقله في المسالك ١١ : ٦٣ كما في المصدرين.

٥٣٧

والعرف قاضٍ به.

وأمّا قوله : (أنا مقرّ به) فإنّه وإن احتمل كونه مقرّاً به لغيره ، وكونه وعداً بالإقرار ، من حيث إنّ «مقرّاً» اسم فاعل يحتمل الاستقبال ، إلّاأنّ المتبادر منه كون ضمير «به» عائداً إلى ما ذكره المقرّ له وكونه إقراراً بالفعل عرفاً ، والمرجع فيه إليه.

وقوّى المصنّف في الدروس أنّه ليس بإقرار حتّى يقول : «لك» (١) وفيه : مع ما ذُكر أنّه لا يدفع (٢) لولا دلالة العرف ، وهي واردة على الأمرين (٣).

ومثله «أنا مقرّ بدعواك» أو «بما ادّعيت» أو «لستُ منكراً له» لدلالة العرف ، مع احتمال أن لا يكون الأخير إقراراً؛ لأنّه أعمّ.

(ولو قال : زِنه ، أو انتقده ، أو أنا مقرّ) ولم يقل : «به» (لم يكن شيئاً) أمّا الأوّلان : فلانتفاء دلالتهما على الإقرار؛ لإمكان خروجهما مخرج الاستهزاء ، فإنّه استعمال شائع في العرف. وأمّا الأخير : فلأ نّه مع انتفاء احتماله الوعد يحتمل كون المقرّ به المدّعى وغيرَه ، فإنّه لو وصل به قوله : «بالشهادتين» أو «ببطلان دعواك» لم يختلّ اللفظ؛ لأنّ المقرّ به غير مذكور ، فجاز تقديره بما يطابق المدّعى وغيرَه معتضداً بأصالة البراءة.

ويحتمل عدّه إقراراً؛ لأنّ صدوره عقيب الدعوى قرينة صرفه إليها وقد استعمل لغةً كذلك ، كما في قوله تعالى : (أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قٰالُوا أَقْرَرْنٰا) (٤) وقوله تعالى : (قٰالَ فَاشْهَدُوا) (٥) ولأ نّه لولاه لكان هذراً.

__________________

(١) الدروس ٣ : ١٢٢.

(٢) يعني ضميمة (لك) لا تدفع احتمال الوعد بالإقرار ونحوه.

(٣) مع إضافة (لك) وعدمه.

(٤) و (٥) آل عمران : ٨١.

٥٣٨

وفيه : منع القرينة؛ لوقوعه كثيراً على خلاف ذلك ، واحتمال الاستهزاء مندفع عن الآية. ودعوى الهذريّة إنّما يتمّ لو لم يكن الجواب بذلك مفيداً ولو بطريق الاستهزاء ، ولا شبهة في كونه من الاُمور المقصودة للعقلاء عرفاً المستعمل لغةً ، وقيام الاحتمال يمنع لزوم الإقرار بذلك.

(ولو قال : أليس لي عليك كذا؟ فقال : بلى كان إقراراً) لأنّ (بلى) حرف يقتضي إبطال النفي ، سواء كان مجرّداً نحو (زَعَمَ اَلَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلىٰ وَرَبِّي) (١) أم مقروناً بالاستفهام الحقيقي كالمثال ، أم التقريري ، نحو (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قٰالُوا بَلىٰ (٢) أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قٰالُوا بَلىٰ) (٣) ولأنّ أصل «بلى» : «بل» زيدت عليها الألِف ، فقوله : (بلى) ردٌّ لقوله : «ليس عليك كذا» فإنّه الذي دخل عليه حرف الاستفهام ونفي له ، ونفي النفي إثبات فيكون إقراراً.

(وكذا) لو قال : (نعم ، على الأقوى) لقيامها مقام (بلى) لغةً وعرفاً ، أمّا العرف فظاهر ، وأمّا اللغة فمنها قول النبيّ صلى الله عليه وآله للأنصار : «ألستم ترون لهم ذلك؟ فقالوا : نعم» (٤) وقول بعضهم :

أليس الليل يجمع اُمّ عمرو

وإيّانا، فذاك بنا تداني

نعم، وأرى الهلال كما تراه

ويعلوها النهار كما علاني (٥)

ونقل في المغنى عن سيبويه وقوع «نعم» في جواب «ألست» وحكى عن

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) نسبه في مغني اللبيب ١ : ١٥٤ و ٤٥٢ ، ولم نعثر عليه في التفسير المنسوب إليه ولا في سائر التفاسير.

(٣) الأعراف : ١٧٢.

(٤) اُنظر مغني اللبيب ٢ : ٤٥٣ ، والدروس ٣ : ١٢٢ ، وجامع المقاصد ٩ : ١٩٥.

(٥) اُنظر مغني اللبيب ١ : ١٥٤ و ٤٥٣ ـ ٤٥٤.

٥٣٩

جماعة من المتقدّمين والمتأخّرين جوازه (١).

والقول الآخر : أنّه لا يكون إقراراً؛ لأنّ «نعم» حرف تصديق كما مرّ ، فإذا ورد على النفي الداخل عليه الاستفهام كان تصديقاً له فينافي الإقرار ، ولهذا قيل ـ ونسب إلى ابن عبّاس (٢) ـ : إنّ المخاطبين بقوله تعالى : (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قٰالُوا بَلىٰ) (٣) لو قالوا : نعم كفروا ، فيكون التقدير حينئذٍ : ليس لك عليّ ، فيكون إنكاراً لا إقراراً.

وجوابه : أنّا لا ننازع في إطلاقها كذلك ، لكن قد استعملت في المعنى الآخر لغةً كما اعترف به جماعة (٤) والمثبت مقدّم واشتهرت فيه عرفاً. ورُدّ المحكيّ عن ابن عبّاس (٥) وجُوّز الجواب بنعم. وحمله في المغني على أنّه لم يكن إقراراً كافياً؛ لاحتماله (٦) وحيث ظهر ذلك عرفاً ووافقته اللغة رجح هذا المعنى وقوي كونه إقراراً.

_________________

(١) المصدر السابق.

(٢) نسبه في مغني اللبيب ١ : ١٥٤ و ٤٥٢، ولم نعثر عليه في التفسير المنسوب إليه ولا في سائر التفاسير.

(٣) الأعراف : ١٧٢.

(٤) أنطر مغني اللبيب ٤٥٣:٢، والدروس ١٢٢:٣، وجامع المقاصر ١٩٥:٩.

(٥) انظر مني البيب ١٥٤:١ و ٤٥٣ ـ ٤٥٤.

(٦) مغني اللبيب ٤٥٤:١.

٥٤٠