الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

أو ندباً؛ لاقتضاء أفعل التفضيل الاشتراك في أصل المصدر ، وما يكون مكروهاً أو حراماً لا فضيلة فيه.

(وقد قال بعض الأصحاب) وهو عبد اللّٰه بن بكير : (إنّ هذا الطلاق لا يحتاج إلى محلّل بعد الثلاث) بل استيفاء العدّة الثالثة يهدم التحريم استناداً إلى رواية أسندها إلى زرارة ، قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : «الطلاق الذي يحبّه اللّٰه تعالى والذي يطلّق الفقيه وهو العدل بين المرأة والرجل : أن يطلّقها في استقبال الطهر ، بشهادة شاهدين وإرادة من القلب ، ثمّ يتركها حتّى تمضي ثلاثة قروء ، فإذا رأت الدم في أوّل قطرة من الثالثة ـ وهو آخر القرء؛ لأنّ الأقراء هي الأطهار ـ فقد بانت منه وهي أملك بنفسها ، فإن شاءت تزوّجته وحلّت له ، فإن فعل هذا بها مئة مرّة هدم ما قبله وحلّت له بلا زوج) ... الحديث (١).

وإنّما كان ذلك قول عبد اللّٰه؛ لأنّه قال حين سئل عنه : «هذا ممّا رزق اللّٰه من الرأي» (٢) ومع ذلك رواه بسند صحيح. وقد قال الشيخ : إنّ العصابة أجمعت على تصحيح ما يصحّ عن عبد اللّٰه بن بكير ، وأقرّوا له بالفقه والثقة (٣).

وفيه نظر؛ لأنّه فطحيّ المذهب ، ولو كان ما رواه حقّاً لما جعله رأياً له. ومع ذلك فقد اختلف سند الرواية عنه ، فتارة أسندها إلى رفاعة (٤) واُخرى إلى زرارة ، ومع ذلك نسبه إلى نفسه. والعجب من الشيخ رحمه الله مع دعواه الإجماع المذكور أنّه قال : إنّ إسناده إلى زرارة وقع نصرة لمذهبه الذي أفتى به ، لما رأى أنّ أصحابه

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٣٥٥ ـ ٣٥٦ ، الباب ٣ من أبواب أقسام الطلاق ، الحديث ١٦.

(٢) الوسائل ١٥ : ٣٥٦ ، ذيل الحديث المتقدّم آنفاً.

(٣) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّي) : ٣٧٥ ، الرقم ٧٠٥.

(٤) كما في الوسائل ١٥ : ٣٥٣ ، الباب ٣ من أبواب أقسام الطلاق ، الحديث ١١.

٣٦١

لا يقبلون ما يقوله برأيه. قال : وقد وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب الحقّ إلى الفطحيّة ما هو معروف ، والغلط في ذلك أعظم من الغلط في إسناد فُتياً يعتقد صحّته لشبهة دخلت عليه إلى بعض أصحاب الأئمّة عليهم السلام (١).

(والأصحّ احتياجه إليه) أي إلى المحلّل؛ للأخبار الصحيحة الدالّة عليه (٢) وعموم القرآن الكريم (٣) بل لا يكاد يتحقّق في ذلك خلاف؛ لأنّه لم يذهب إلى القول الأوّل أحد من الأصحاب على ما ذكره جماعة (٤) وعبد اللّٰه بن بكير ليس من أصحابنا الإماميّة ، ونسبة المصنّف له إلى أصحابنا التفاتاً إلى أنّه من الشيعة في الجملة ، بل من فقهائهم ـ على ما نقلناه عن الشيخ ـ وإن لم يكن إماميّاً. ولقد كان ترك حكاية قوله في هذا المختصر أولى.

(ويجوز طلاق الحامل أزيد من مرّة) مطلقاً (٥) على الأقوى (ويكون طلاق عدّة إن وطئ) بعد الرجعة ثمّ طلّق (وإلّا) يطأ بعدها (فسُنّة بمعناه الأعمّ) وأمّا طلاق السنّة بالمعنى الأخصّ فلا يقع بها؛ لأنّه مشروط بانقضاء العدّة ثمّ تزويجها ثانياً كما سبق (٦) وعدّة الحامل لا تنقضي إلّابالوضع ،

__________________

(١) التهذيب ٨ : ٣٦ ، ذيل الحديث ١٠٧ ، والوسائل ١٥ : ٣٥٦ ، الباب ٣ من أبواب أقسام الطلاق ، ذيل الحديث ١٦.

(٢) اُنظر الوسائل ١٥ : ٣٥٠ و ٣٥٧ ، الباب ٣ و ٤ من أبواب أقسام الطلاق.

(٣) وهو عموم قوله تعالى (فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلاٰ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) البقرة : ٢٣٠.

(٤) مثل : ابن فهد الحلّي في المهذّب البارع ٣ : ٤٦٥ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٣٢٠.

(٥) سواء مضت ثلاثة أشهر أم لا.

(٦) في الصفحة ٣٦٠.

٣٦٢

وبه تخرج عن كونها حاملاً ، فلا يصدق أنّها طُلّقت طلاقَ السُنّة بالمعنى الأخصّ ما دامت حاملاً ، إلّاأن يُجعل وضعها قبل الرجعة كاشفاً عن كون طلاقها السابق طلاق سُنّة بذلك المعنى. والأقوال هنا مختلفة (١) كالأخبار (٢) والمحصَّل ما ذكرناه.

(والأولى تفريق الطَلَقات على الأطهار) بأن يوقع كلّ طلقة في طهر غير طهر الطلقة السابقة (لمن) أراد أن (يُطلّق ويراجع) أزيد من مرّة.

وهذه الأولويّة بالإضافة إلى ما يأتي بعده ، وإلّا فهو موضع الخلاف وإن

__________________

(١) وهي أربعة :

الأوّل : قول الصدوقين في الرسالة والمقنع ، وهو أنّه إذا راجع الحبلى قبل أن تضع أو يمضي لها ثلاثة أشهر ثمّ أراد طلاقها ثانياً لم يكن له ذلك إلّابعد الوضع والطهر ، ولم يفصّلا ، اُنظر المختلف ٧ : ٣٦٢ ، والمقنع : ٣٤٦.

الثاني : قول الإسكافي وهو أنّه إذا أراد طلاقها بعد الرجعة وكان قد واقعها ، اشترط مضيّ شهر من المواقعة ، وكذا في الثالث ، ويحرم حتّى المحلّل ، اُنظر المختلف ٧ : ٣٦٢.

الثالث : قول الشيخ والقاضي وابن حمزة بالمنع من طلاق السنّة ، بمعنى أنّه إذا طلّقها وراجعها ولم يواقعها فليس له طلاقها حتّى تضع ما في بطنها ، اُنظر النهاية : ٥١٦ ـ ٥١٧ ، والمهذّب ٢ : ٢٨٥ ـ ٢٨٦ ، والوسيلة : ٣٢٢.

الرابع : قول ابن إدريس ، واختاره المتأخّرون ـ كما في غاية المرام ٣ : ٣١٨ ـ مثل المحقّق والعلّامة ، وهو أنّه يجوز طلاقها للسنّة كما يجوز للعدّة ، اُنظر السرائر ٢ : ٦٨٩ ، والشرائع ٣ : ٢٤ ، والنهاية ونكتها ٣ : ٤٤٢ ، والمختلف ٧ : ٣٦٤ ، والإيضاح ٣ : ٣١٧ ، وراجع للتفصيل الإيضاح ٣ : ٣١٦ ، والمهذّب البارع ٣ : ٤٦٨ ، والتنقيح الرائع ٣ : ٣٢١.

(٢) اُنظر الوسائل ١٥ : ٣٠٩ ، الباب ٢٧ من أبواب مقدّمات الطلاق ، و ٣٨٠ ، الباب ٢٠ من أبواب أقسام الطلاق ، و ٤١٧ ، الباب ٩ من أبواب العدد.

٣٦٣

كان أصحّ الروايتين (١) صحّته ، وإنّما الأولى المُخرج من الخلاف أن يراجع ويطأ ثمّ يُطلّق في طهر آخر ، فإنّ الطلاق هنا يقع إجماعاً.

(ولو طلّق مرّات في طهر واحد) بأن يُطلّق ويراجع ، ثمّ يطلّق ويراجع ، وهكذا ... ثلاثاً (فخلاف أقربه الوقوع مع تخلّل الرجعة) بين كلّ طلاقين؛ لعموم القرآن (٢) والأخبار الصحيحة (٣) بصحّة الطلاق لمن أراده في الجملة ، إلّاما أخرجه الدليل. وروى إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام قال : «قلت له : رجل طلّق امرأته ثمّ راجعها بشهود ، ثمّ طلّقها بشهود [ثمّ راجعها بشهود ، ثمّ طلّقها بشهود] (٤) تبين منه؟ قال : نعم. قلت : كلّ ذلك في طهر واحد ، قال : تبين منه» (٥).

وهذه الرواية من الموثّق ، ولا معارض لها إلّارواية عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السلام «في الرجل يطلّق امرأته ، له أن يراجعها؟ قال : لا يطلّق الطلقة الاُخرى حتّى يمسّها» (٦) وهي لا تدلّ على بطلانه؛ نظراً إلى أنّ

__________________

(١) اُنظر الوسائل ١٥ : ٣٧٨ ، الباب ١٩ من أبواب أقسام الطلاق ، الحديث ١ و ٢.

(٢) هو قوله تعالى : (اَلطَّلاٰقُ مَرَّتٰانِ فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) البقرة : ٢٩٥.

(٣) اُنظر الوسائل ١٥ : ٣٧٩ ، الباب ١٩ من أبواب أقسام الطلاق ، الحديث ٣ و ٥.

(٤) ما بين المعقوفتين لم يرد في المخطوطات ، إلّاأ نّه صحّح في (ش) طبقاً لما في التهذيب ٨ : ٩٢ ، الباب ٣ في أحكام الطلاق ، الحديث ٢٣٦ ، والوسائل ونصّ الحديث فيهما : (رجل طلّق امرأته ثمّ راجعها بشهود ، ثمّ طلّقها ، ثمّ بدا له فراجعها بشهود ، ثمّ طلّقها فراجعها بشهود تبين منه؟ ...).

(٥) راجع الهامش رقم ٣ ، الحديث ٥.

(٦) الرواية الثانية [رواية عبد الرحمن بن الحجّاج ، الوسائل ١٥ : ٣٧٦ ـ ٣٧٧ ، الباب ١٧ من أبواب أقسام الطلاق ، الحديث ٢] حسنة السند ، والاُولى [رواية إسحاق بن عمّار] موثّقة لكنّها معتضدة بعموم القرآن والأخبار الصحيحة. (منه رحمه الله).

٣٦٤

النهي في غير العبادة لا يفسد.

واعلم أنّ الرجعة بعد الطلقة تجعلها بمنزلة المعدومة بالنسبة إلى اعتبار حالها قبل الطلاق وإن بقي لها أثر في الجملة كعدّها من الثلاث ، فيبقى حكم الزوجيّة بعدها كما كان قبلها ، فإذا كانت مدخولاً بها قبل الطلاق ثمّ طلّقها وراجع ثمّ طلّق ، يكون طلاقها طلاق مدخول بها ، لا طلاق غير مدخول بها؛ نظراً إلى أنّ الرجعة بمنزلة التزويج الجديد فيكون طلاقها بعده واقعاً على غير مدخول بها؛ لما عرفت من أنّ الرجعة أسقطت حكم الطلاق ، ولولا ذلك (١) لم يمكن الطلاق ثلاثاً وإن فرّق الطلقات على الأطهار من غير دخول والروايات الصحيحة (٢) ناطقة بصحّتها حينئذٍ ، وكذا فتوى الأصحاب (٣) إلّامن شذّ (٤) وحينئذٍ فيكون الطلاق الثاني رجعيّاً لا بائناً ، وإن وقع بغير مدخول بها بالنسبة إلى ما بعد الرجعة ، فإنّها مدخول بها قبلها ، وهو كافٍ.

(وتحتاج) المطلّقة مطلقاً (مع كمال) الطلقات (الثلاث إلى المحلّل) للنصّ (٥) والإجماع. ومخالفة من سبق ذكره (٦) في بعض موارده

__________________

(١) في (ع) زيادة : لكان.

(٢) مثل صحيحة عبد الحميد وصحيحة البزنطي ، اُنظر الوسائل ١٥ : ٣٧٨ ، الباب ١٩ من أبواب أقسام الطلاق ، الحديث ١ و ٢.

(٣) لم يرد (الأصحاب) في (ع).

(٤) المخالف ابن أبي عقيل [نقل عنه العلّامة في المختلف ٧ : ٣٨٠] لا نعرف مخالفاً غيره. (منه رحمه الله).

(٥) المتقدّم تخريجه تفصيلاً في الصفحة ٣٦٢ ، الهامش رقم ٢.

(٦) وهو عبد اللّٰه بن بكير ، وسبق في الصفحة ٣٦١.

٣٦٥

غير قادح فيه بوجه.

(ولا يلزم الطلاق بالشكّ) فيه لتندفع الشبهة الناشئة من احتمال وقوعه ، بل تبقى على حكم الزوجيّة؛ لأصالة عدمه وبقاء النكاح.

لكن لا يخفى الوَرَع في ذلك ، فيراجع إن كان الشكّ في طلاق رجعيّ ليكون على يقينٍ من الحلّ ، أو في البائن بدون ثلاث جدّد النكاح ، أو بثلاث أمسك عنها وطلّقها ثلاثاً لتحلّ لغيره يقيناً. وكذا يُبنى على الأقلّ لو شُكّ في عدده ، والوَرَع الأكثر.

(ويكره للمريض الطلاق) للنهي عنه في (١) الأخبار (٢) المحمولة على الكراهة جمعاً بينها وبين ما دلّ على وقوعه صريحاً (٣) (فإن فعل توارثا في) العدّة (الرجعيّة) من الجانبين كغيره (وترثه) هي (في البائن والرجعي إلى سنة) من حين الطلاق؛ للنصّ (٤) والإجماع. وربما عُلّل بالتُهمَة بإرادة إسقاط إرثها ، فيؤاخذ بنقيض مطلوبه (٥) وهو لا يتمّ حيث تسأله الطلاق أو تخالعه أو تبارئه.

والأقوى عموم الحكم؛ لإطلاق النصوص (ما لم تتزوّج) بغيره (أو يبرأ من مرضه) فينتفي إرثها بعد العدّة الرجعيّة وإن مات في أثناء السنة.

وعلى هذا لو طلّق أربعاً في مرضه ثمّ تزوّج أربعاً ودخل بهنّ ومات في السنة مريضاً قبل أن تتزوّج المطلّقات ، ورث الثمان الثمن أو الربع بالسويّة.

__________________

(١) في (ر) زيادة : بعض.

(٢) اُنظر الوسائل ١٥ : ٣٨٣ ، الباب ٢١ من أبواب أقسام الطلاق.

(٣) اُنظر الوسائل ١٥ : ٣٨٤ ـ ٣٨٧ ، الباب ٢٢ من أبواب أقسام الطلاق.

(٤) اُنظر الوسائل ١٥ : ٣٨٤ ـ ٣٨٧ ، الباب ٢٢ من أبواب أقسام الطلاق.

(٥) كما في المختلف ٧ : ٣٣٥ ، والتنقيح الرائع ٣ : ٣٢٣.

٣٦٦

ولا يرث أزيد من أربع زوجات اتّفاقاً (١) إلّاهنا. ولا يلحق الفسخ في المرض بالطلاق ، عملاً بالأصل.

(والرجعة تكون بالقول ، مثل رجعت وارتجعت) متّصلاً بضميرها ، فيقول : رجعتك وارتجعتك ، ومثله راجعتك. وهذه الثلاثة صريحة ، وينبغي إضافة «إليّ» أو «إلى نكاحي). وفي معناها : رددتك وأمسكتك؛ لورودهما في القرآن قال تعالى : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذٰلِكَ) (٢) (فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ) (٣) ولا يفتقر إلى نيّة الرجعة؛ لصراحة الألفاظ.

وقيل : يفتقر إليها في الأخيرين (٤) لاحتمالهما غيرها كالإمساك باليد أو في البيت ونحوه. وهو حسن.

(وبالفعل كالوطء والتقبيل واللمس بشهوة) لدلالته على الرجعة كالقول ، وربما كان أقوى منه. ولا تتوقّف إباحته على تقدّم رجعة؛ لأنّها زوجة. وينبغي تقييده بقصد الرجوع به أو بعدم قصد غيره؛ لأنّه أعمّ خصوصاً لو وقع منه سهواً. والأجود اعتبار الأوّل.

(وإنكار الطلاق رجعةٌ) لدلالته على ارتفاعه في الأزمنة الثلاثة ودلالةِ الرجعة على رفعه في غير الماضي ، فيكون أقوى ، أو دلالته عليها ضمناً. ولا يقدح فيه كون الرجعة من توابع الطلاق فتنتفي حيث ينتفي المتبوع؛ لأنّ

__________________

(١) احترز بقوله : اتّفاقاً ، عن مثل ما أسلم عن أزيد من أربعٍ فاختار أربعاً أو مات قبل البيان أو مات قبل الاختيار ، فقد قيل : إنّ سهم الزوجة يقسم بينهنّ أجمع ، لكنّ الأقوى خلافه. وكيف كان لم يحصل الاتّفاق عليه. (منه رحمه الله).

(٢) و (٣) البقرة : ٢٢٨ و ٢٢٩.

(٤) قاله العلّامة وولده في القواعد ٣ : ١٣٥ ، والإيضاح ٣ : ٣٢٩.

٣٦٧

غايتها التزام ثبوت النكاح والإنكار يدلّ عليه ، فيحصل المطلوب منها وإن أنكر سبب شرعيّتها.

(ولو طلّق الذمّيّة جاز مراجعتها ولو منعنا من ابتداء نكاحها دواماً) لما تقدّم : من أنّ الرجعة ترفع حكم الطلاق ويستصحب حكم الزوجيّة السابقة (١) لا أنّها تحدث حكم نكاح جديد ، ومن ثَمّ أمكن طلاقها ثلاثاً قبل الدخول بعدها استصحاباً لحكم الدخول السابق ، ولأنّ الرجعيّة زوجة ، ولهذا يثبت لها أحكام الزوجيّة ، ولجواز وطئه ابتداءً من غير تلفّظ بشيء.

وربما يُخيّل المنع هنا من حيث إنّ الطلاق أزال قيد النكاح والرجعة تقتضي ثبوته ، فإمّا أن يثبت بالرجعة عين النكاح الأوّل أو غيره ، والأوّل محال؛ لاستحالة إعادة المعدوم ، والثاني يكون ابتداءً لا استدامة.

ويُضعَّف بمنع زوال النكاح أصلاً ، بل إنّما يزول بالطلاق وانقضاء العدّة ، ولم يحصل.

(ولو أنكرت الدخول عقيب الطلاق) لتمنعه من الرجعة قُدّم قولها و (حلفت) لأصالة عدم الدخول ، كما يُقدّم قوله لو أنكره ليُسقط عنه نصف المهر.

ثمّ مع دعواه الدخول يكون مُقرّاً بالمهر وهي مقرّة على نفسها بسقوط نصفه ، فإن كانت قبضته فلا رجوع له بشيء عملاً بإقراره ، وإلّا فلا تطالبه إلّابنصفه عملاً بإنكارها. ولو رجعت إلى الإقرار بالدخول لتأخذ النصف ، ففي ثبوته لها أو توقّفه على إقرار جديد منه ، وجهان ، وأولى بالعدم لو كان رجوعها بعد انقضاء العدّة على تقدير الدخول.

(ورجعة الأخرس بالإشارة) المفهمة لها (وأخذ القناع) عن رأسها؛

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٣٦٥.

٣٦٨

لما تقدّم من أنّ وضعه عليه إشارة (١) الطلاق (٢) وضدّ العلامة علامة الضدّ. ولا نصّ هنا عليه بخصوصه فلا يجب الجمع بينهما ، بل يكفي الإشارة مطلقاً.

(ويُقبل قولها في انقضاء العدّة في الزمان المحتمل) لانقضائها فيه (وأقلّه ستّة وعشرون يوماً ولحظتان) إن كانت معتدّة بالأقراء ، وذلك بأن يطلّق وقد بقي من الطهر لحظة ، ثمّ تحيض أقلّ الحيض ثلاثة أيّام ، ثمّ تطهر أقلّ الطهر عشرة ، ثمّ تحيض وتطهر كذلك ، ثمّ تطعن في الحيض (٣) لحظة.

(و) هذه اللحظة (الأخيرة دلالة على الخروج) من العدّة أو من الطهر الثالث؛ لاستبانته بها (لا جزء) من العدّة؛ لأنّها ثلاثة قروء وقد انقضت قبلها (٤) فلا تصحّ الرجعة فيها ويصحّ العقد.

وقيل : هي منها؛ لأنّ الحكم بانقضائها موقوف على تحقّقها (٥) وهو لا يدلّ على المدّعى.

هذا إذا كانت حرّة. ولو كانت أمة فأقلّ عدّتها ثلاثة عشر يوماً ولحظتان. وقد يتّفق نادراً انقضاؤها في الحرّة بثلاثة وعشرين يوماً وثلاث لحظات ، وفي الأمة بعشرة وثلاث ، بأن يطلّقها بعد الوضع وقبل رؤية دم النفاس بلحظة ، ثمّ تراه لحظة ، ثمّ تطهر عشرة ، ثمّ تحيض ثلاثة ، ثمّ تطهر عشرة ، ثمّ ترى الحيض لحظة ، والنفاس معدود بحيضة. ومنه يُعلم حكم الأمة.

__________________

(١) في (ر) زيادة : إلى.

(٢) تقدّم في الصفحة ٣٤٧.

(٣) أي تدخل فيه.

(٤) قبل اللحظة الأخيرة.

(٥) قوّاه الشيخ في المبسوط ٥ : ٢٣٦.

٣٦٩

ولو ادّعت ولادةَ تامٍّ فإمكانه بستّة أشهر ولحظتين من وقت النكاح : لحظة للوطء ولحظة للولادة وإن ادّعتها بعد الطلاق بلحظة. ولو ادّعت ولادةَ سقطٍ مصوّر أو مُضغةٍ أو علقةٍ اعتبر إمكانه عادةً.

وربما قيل : إنّه مئة وعشرون يوماً ولحظتان في الأوّل ، وثمانون يوماً ولحظتان في الثاني ، وأربعون كذلك في الثالث (١) ولا بأس به.

(وظاهر الروايات أنّه لا يُقبل منها غير المعتاد إلّابشهادة * أربع من النساء المطّلعات على باطن أمرها (٢) وهو قريب) عملاً بالأصل والظاهر ، واستصحاباً لحكم العدّة ، ولإمكان إقامتها البيّنة عليه.

ووجه المشهور : أنّ النساء مؤتمنات على أرحامهنّ ولا يُعرف إلّا من جهتهنّ غالباً ، وإقامة البيّنة عَسِرة على ذلك غالباً ، وروى زرارة في الحسن عن الباقر عليه السلام. قال : «العدّة والحيض للنساء ، إذا ادّعت صُدّقت» (٣) والأقوى المشهور.

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(*) في (س) ومصحّحة نسخة (ش) من الشرح زيادة : عدلين أو.

(٢) اُنظر الوسائل ٢ : ٥٩٦ ، الباب ٤٧ من أبواب الحيض.

(٣) الوسائل ١٥ : ٤٤١ ، الباب ٢٤ من أبواب العدد ، الحديث الأوّل.

٣٧٠

(الفصل الثالث)

(في العِدد)

جمع عدّة ، وهي مدّة تتربّص فيها المرأة لتعرف براءة رحمها من الحمل ، أو تعبّداً (١) و

من الطلاق والفسخ (إلّافي الوفاة ، فيجب) على الزوجة مطلقاً الاعتداد (أربعة أشهر وعشرة أيّام إن كانت حرّة) وإن كان زوجها عبداً (ونصفها) شهران وخمسة أيّام (إن كانت أمة) وإن كان زوجها حرّاً على المشهور (٢) ومستنده صحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال : «الأمة إذا توفّي عنها زوجها فعدّتها شهران وخمسة أيّام» (٣).

وقيل : كالحرّة (٤) استناداً إلى عموم الآية (٥) وبعض الروايات (٦) وتخصيصهما

__________________

(١) كما في عدّة الوفاة في غير المدخول بها.

(٢) في (ر) ونسخة بدل (ش) : الأشهر.

(٣) الوسائل ١٥ : ٤٧٣ ، الباب ٤٢ من أبواب العدد ، الحديث ٩.

(٤) قاله الصدوق في المقنع : ٣٥٨ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٧٤٣.

(٥) وهي الآية ٢٣٤ من سورة البقرة.

(٦) وهي صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام ، اُنظر الوسائل ١٥ : ٤٧٢ ، الباب ٤٢ من أبواب العدد ، الحديث ٢.

٣٧١

بغيرها طريق الجمع سواء (دخل بها أو لا) صغيرة كانت أم كبيرة ولو يائسة ، دائماً كان النكاح أم منقطعاً.

(وفي باقي الأسباب) الموجبة للفُرقة (تعتدّ ذات الأقراء) جمع قرء ـ بالفتح والضمّ ـ وهو الطهر أو الحيض (المستقيمة الحيض) بأن يكون لها فيه عادة مضبوطة وقتاً ، سواء انضبط عدداً أم لا (مع الدخول) بها المتحقّق بإيلاج الحشفة ـ أو قدرها من مقطوعها ـ قُبلاً ودبراً على المشهور وإن لم يُنزل (بثلاثة أطهار) أحدها ما بقي من طهر الطلاق بعده وإن قلّ. وغيرُ مستقيمة الحيض ترجع إلى التمييز ، ثمّ إلى عادة نسائها إن كانت مبتدأة ، ثمّ تعتدّ بالشهور.

(وذات الشهور وهي التي لا يحصل لها الحيض المعتاد وهي في سنّ الحيض) سواء كانت مسترابة كما عبّر به كثير (١) أم انقطع عنها الحيض لعارض من مرض وحمل ورضاع وغيرها ، تعتدّ (بثلاثة أشهر) هلاليّة إن طلّقها عند الهلال ، وإلّا أكملت المنكسر ثلاثين بعد الهلالين على الأقوى.

(والأمة) تعتدّ (بطهرين) إن كانت مستقيمة الحيض (أو خمسة وأربعين يوماً) إن لم تكن.

(ولو رأت) الحرّة (الدم في الأشهر) الثلاثة (مرّة أو مرّتين) ثمّ احتبس إلى أن انقضت الأشهر (انتظرت تمام الأقراء) لأنّها قد استرابت بالحمل غالباً (فإن تمّت) الأقراء قبل أقصى الحمل انقضت عدّتها (وإلّإ

__________________

(١) منهم : الشيخ في النهاية : ٥٣٢ ، والطوسي في الوسيلة : ٣٢٥ ، والمحقّق في المختصر النافع : ٢٠٠ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٧١ ، والعلّامة في التحرير ٤ : ١٥٦ ، والإرشاد ٢ : ٤٧.

٣٧٢

صبرت تسعة أشهر) (١) على أشهر القولين (٢) (أو سنة) على قول (٣) (فإن وضعت ولداً أو اجتمعت الأقراء) الثلاثة (فذاك) هو المطلوب في انقضاء العدّة (وإلّا) يتّفق أحد الأمرين (اعتدّت بعدها) أي بعد التسعة أو السنة (بثلاثة أشهر ، إلّاأن يتمّ الأقراء قبلها) فتكتفي بها.

__________________

(١) هذا الحكم وهو التربّص تسعة أشهرٍ أو سنةً ثمّ الاعتداد بعده هو المشهور بين الأصحاب لا نعلم فيه مخالفاً ، والمرويّ فيه خبر عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام المشتمل على التربّص سنةً وثلاثة أشهر [الوسائل ١٥ : ٤٢٢ ، الباب ١٣ من أبواب العدد ، الحديث الأوّل]. وأمّا التربّص تسعة فليس بمرويّ ، لكنّه عليه أكثر الأصحاب والعمل به أقوى ، وإن نقل بأ نّها أقصى الحمل مطلقاً لأنّها أقصاه غالباً تقريباً. والأصل براءة الذمّة من التربّص فيما زاد مع ضعف مستند الرواية [المذكورة آنفاً]. وقد روى محمّد بن مسلم وأبو بصير في الصحيح [الوسائل ١٥ : ٤١٠ ـ ٤١١ ، الباب ٤ من أبواب العدد ، الحديث ١ و ٢] وزرارة في الحسن [المصدر السابق : ٤١١ ، الحديث ٥] أنّ من مضى عليها ثلاثة أشهر لا تحيض فيها تبين بالثلاثة من غير تفصيل. فيمكن الاستدلال بهما على الاكتفاء بالتسعة وإن لم يكن ثَمّ نصٌّ إن لم نقل بالاكتفاء بما هو أقلّ ، حيث إنّ ظاهر الأصحاب الاتّفاق على عدم انقضاء العدّة بما دون التسعة. (منه رحمه الله).

(٢) وهو المنسوب في المسالك ٩ : ٢٤٠ إلى الأكثر ، واختاره الشيخ في الاستبصار ٣ : ٣٢٣ ، ذيل الحديث ١١٤٩ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٧٤٠ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ٣٦ ، والمختصر : ٢٠٠ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ١٣٩ ـ ١٤٠ ، والإرشاد ٢ : ٤٧ ، والمختلف ٧ : ٥٠٤ ، وابن فهد في المقتصر : ٢٨١.

(٣) قاله الشيخ في النهاية : ٥٣٣ فيما إذا كان المحتبس هو الدم الثالث ، وتبعه القاضي في المهذّب ٢ : ٣٢٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٦ ، واختاره العلّامة في التحرير ٤ : ١٥٦ في مورد تأخير الثانية والثالثة.

٣٧٣

وقيل : لا بدّ من وقوع الثلاثة الأقراء بعد أقصى الحمل كالثلاثة الأشهر (١).

والأوّل أقوى ، وإطلاق النصّ (٢) والفتوى يقتضي عدم الفرق بين استرابتها بالحمل وعدمه في وجوب التربّص تسعة أو سنة ثمّ الاعتداد بعدها ، حتّى لو كان زوجها غائباً عنها فحكمها كذلك ، وإن كان ظاهر الحكمة يقتضي اختصاصه بالمسترابة.

واحتمل المصنّف رحمه الله في بعض تحقيقاته (٣) الاكتفاء بالتسعة لزوجة الغائب محتجّاً بحصول مسمّى العدّة والدليل في محلّ النزاع ، وهذه أطول عدّة تُفرض.

والضابط : أنّ المعتدّة المذكورة إن مضى لها ثلاثة أقراء قبل ثلاثة أشهر انقضت عدّتها بها ، وإن مضى عليها ثلاثة أشهر لم ترَ فيها دم حيض انقضت عدّتها بها وإن كان لها عادة مستقيمة فيما زاد عليها بأن كانت ترى الدم في كلّ أربعة أشهر مرّة ، أو ما زاد ، أو ما نقص بحيث يزيد عن ثلاثة ولو بلحظة. ومتى رأت في الثلاثة دماً ولو قبل انقضائها بلحظة فحكمها ما فصّل سابقاً من انتظار أقرب الأمرين : من تمام الأقراء ووضع الولد ، فإن انتفيا اعتدّت بعد تسعة أشهر بثلاثة أشهر ، إلّاأن يتمّ لها ثلاثة أقراء قبلها ولو مبنيّة على ما سبق. ولا فرق بين أن يتجدّد لها دم آخر في الثلاثة أو قبلها وعدمه.

(وعدّة الحامل وضع الحمل) أجمع كيف وقع إذا علم أنّه نشوء آدميّ (وإن كان علقة) ووضعته بعد الطلاق بلحظة ، ولا عبرة بالنطفة (في غير

__________________

(١) قاله الشيخ في المبسوط ٥ : ٢٣٧ ، والصيمري في غاية المرام ٣ : ٢٤٠ ، لكن فيما لو رأت الدم في الثلاثة أشهر.

(٢) اُنظر الوسائل ١٥ : ٤٢٢ ، الباب ١٣ من أبواب العدد.

(٣) لم نعثر عليه فيما بأيدينا من كتبه.

٣٧٤

الوفاة ، وفيها بأبعد الأجلين : من وضعه ومن الأشهر) الأربعة والعشرة الأيّام في الحرّة ، والشهرين والخمسة الأيّام في الأمة.

(ويجب الحداد على) الزوجة (المتوفّى عنها) زوجها في جميع مدّة العدّة (وهو ترك الزينة : من الثياب والأدهان والطيب والكحل الأسود) والحنّاء ، وخضب الحاجبين بالسواد ، واستعمال الاسفيداج (١) في الوجه ، وغير ذلك ممّا يُعدّ زينة عرفاً. ولا يختصّ المنع بلون خاصّ من الثياب ، بل تختلف ذلك باختلاف البلاد والأزمان والعادات ، فكلّ لونٍ يُعدّ زينة عرفاً يحرم لبس الثوب المصبوغ به. ولو احتاجت إلى الاكتحال بالسواد لعلّةٍ جاز ، فإن تأدّت الضرورة باستعماله ليلاً ومسحه نهاراً وجب ، وإلّا اقتصرت على ما تتأدّى به الضرورة. ولا يحرم عليها التنظيف ولا دخول الحمّام ولا تسريح الشعر ولا السواك ولا قلم الأظفار ولا السكنى في المساكن العالية ولا استعمال الفُرُش الفاخرة ولا تزيين أولادها وخدمها. ولا فرق بين الزوجة الكبيرة والصغيرة ، الحامل والحائل إذا كانت حرّة.

(وفي الأمة قولان (٢) المرويّ) صحيحاً عن الباقر عليه السلام (أنّها لا تحدّ) لأنّه قال : «إنّ الحرّة والأمة كلتيهما إذا مات عنهما زوجهما سواء في العدّة ، إلّاأنّ الحرّة تحدّ والأمة لا تحدّ» (٣) وهذا هو الأقوى.

__________________

(١) مسحوق أبيض لزينة النساء معرّب : سفيد آب.

(٢) القول بعدم الحداد للشيخ في النهاية : ٥٣٧ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٣١٩ ، ونسبه في المختلف ٧ : ٤٩٦ إلى الإسكافي ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ٣٨ ، والمختصر النافع : ٢٠١ ، والعلّامة في المختلف ٧ : ٤٩٧ ، والإرشاد ٢ : ٤٨ ، واختاره المصنّف في غاية المراد ٣ : ٢٤٨ ، ونسبه في التنقيح الرائع ٣ : ٣٤٦ إلى متقدّمي أصحابنا.

(٣) الوسائل ١٥ : ٤٧٢ ، الباب ٤٢ من أبواب العدد ، الحديث ٢.

٣٧٥

وذهب الشيخ في أحد قوليه (١) وجماعة (٢) إلى وجوب الحداد عليها؛ لعموم قول النبيّ صلى الله عليه وآله : «لا يحلّ لامرأة تؤمن باللّٰه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّت فوق ثلاث ليال إلّاعلى زوج أربعة أشهر وعشراً» (٣) وفيه مع سلامة السند : أنّه عامّ وذاك خاصّ ، فيجب التوفيق بينهما بتخصيص العامّ.

ولا حداد على غير الزوج مطلقاً ، وفي الحديث دلالة عليه ، بل مقتضاه أنّه محرَّم.

والأولى حمله على المبالغة في النفي أو الكراهة.

(والمفقود إذا جهل خبره) وكان لزوجته من ينفق عليها وجب عليها التربّص إلى أن يحضر ، أو تثبت وفاته أو ما يقوم مقامها (٤) (و) إن (لم يكن له وليّ ينفق عليها) ولا متبرّع ، فإن صبرت فلا كلام ، وإن رفعت أمرها إلى الحاكم بحث عن أمره (وطلب أربع سنين) من حين رفع أمرها إليه في الجهة التي فقد فيها إن كانت معيَّنة ، وإلّا ففي الجهات الأربع حيث يحتمل الأربع (ثمّ يطلّقها الحاكم) بنفسه أو يأمر الوليّ به. والأجود تقديم أمر الوليّ به ، فإن امتنع طلّق الحاكم؛ لأنّه مدلول الأخبار الصحيحة (٥) (بعدها) أي بعد المدّة ورجوع الرسل أو ما في حكمه (وتعتدّ) بعده.

__________________

(١) المبسوط ٥ : ٢٦٥.

(٢) مثل : ابن إدريس في السرائر ٢ : ٧٤٥ ، وهو ظاهر شيخنا المفيد وابن أبي عقيل وأبي الصلاح وسلّار وابن حمزة حيث لم يفصلوا بين الحرّة والأمة ، اُنظر المختلف ٧ : ٤٩٦ ، والمقنعة : ٥٣٥ ، والكافي : ٣١٣ ، والمراسم : ١٦٦ ، والوسيلة : ٣٢٩.

(٣) المستدرك ١٥ : ٣٦٢ ، الباب ٢٥ من أبواب العدد ، الحديث ٩.

(٤) كالإخبار بالطلاق أو الارتداد.

(٥) اُنظر الوسائل ١٥ : ٣٨٩ ، الباب ٢٣ من أبواب أقسام الطلاق.

٣٧٦

(والمشهور) بين الأصحاب (أنّها تعتدّ عدّة الوفاة) وفي خبر سماعة دلالة عليه؛ لأنّه لم يذكر الطلاق وقال : «بعد مضيّ أربع سنين أمرها أن تعتدّ أربعة أشهر وعشراً» (١) وباقي الأخبار (٢) مطلقة ، إلّاأنّ ظاهرها أنّ العدّة عدّة الطلاق حيث حكم فيها بأ نّه يطلّقها ثمّ تعتدّ. وفي حسنة بريد دلالة عليه؛ لأنّه قال فيها : «فإن جاء زوجها قبل أن تنقضي عدّتها فبدا له أن يراجعها فهي امرأته ، وهي عنده على تطليقتين ، وإن انقضت العدّة قبل أن يجيء أو يراجع فقد حلّت للأزواج ولا سبيل للأوّل عليها» (٣).

وفي الرواية دلالة على أنّه إذا جاء في العدّة لا يصير أحقّ بها إلّامع الرجعة ، فلو لم يرجع بانت منه. ووجهه : أنّ ذلك لازم حكم الطلاق الصحيح.

وإنّما نسب المصنّف القول إلى الشهرة؛ لضعف مستنده (٤) وتظهر الفائدة في المقدار والحداد والنفقة.

(وتباح) بعد العدّة (للأزواج) لدلالة الأخبار عليه (٥) ولأنّ ذلك هو فائدة الطلاق (فإن جاء) المفقود (في العدّة فهو أملك بها) وإن حكم بكونها عدّة وفاة بائنة؛ للنصّ (٦) (وإلّا) يجئ في العدّة (فلا سبيل له عليها) سواء وجدها قد (تزوّجت) بغيره (أو لا) أمّا مع تزويجها فموضع وفاق ، وأمّا

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٣٩٠ ، الباب ٤٤ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الحديث ٢.

(٢) اُنظر الوسائل ١٥ : ٣٨٩ ـ ٣٩٠ ، الباب ٢٣ من أقسام الطلاق ، الأحاديث ١ و ٣ ـ ٥.

(٣) نفس المصدر ، الحديث الأوّل.

(٤) لأنّ سماعة واقفيّ. راجع المسالك ٢ : ٤٨٠ ، و ١٤ : ٢٠٧.

(٥) يدلّ عليه خبر سماعة وحسنة بريد المتقدّم تخريجهما في الصفحة السابقة ، ومرسلة الصدوق المنقولة في الوسائل ١٥ : ٣٩٠ ، الباب ٢٣ من أبواب أقسام الطلاق ، الحديث ٢.

(٦) مثل خبر سماعة وحسنة بريد المتقدّمين.

٣٧٧

بدونه فهو أصحّ القولين (١) وفي الرواية السابقة (٢) دلالة عليه ، ولأنّ حكم الشارع بالبينونة بمنزلة الطلاق ، فكيف مع الطلاق! والحكم بالتسلّط بعد قطع السلطنة يحتاج إلى دليل ، وهو منفيّ.

ووجه الجواز : بطلان ظنّ وفاته ، فيبطل ما ترتّب عليه. وهو متّجه إن لم نوجب طلاقها بعد البحث ، أمّا معه فلا.

(وعلى الإمام أن ينفق عليها من بيت المال طول المدّة) أي مدّة الغيبة إن صبرت ، ومدّة البحث إن لم تصبر. هذا إذا لم يكن له مال ، وإلّا أنفق الحاكم منه مقدّماً على بيت المال.

(ولو اُعتقت الأمة في أثناء العدّة أكملت عدّة الحرّة إن كان الطلاق رجعيّاً ، أو عدّة وفاة) أمّا الأوّل فلأ نّها في حكم الزوجة وقد اُعتقت. وأمّا الثاني فلرواية أبي بصير عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام (٣) ولو كان بائناً أتمّت عدّة الأمة؛ للحكم بها ابتداءً ، وصيرورتها بعد العتق (٤) أجنبيّة منه ، فلا يقدح عتقها في العدّة.

__________________

(١) وهو مختار أكثر المتقدّمين والمتأخّرين (المسالك ٩ : (٢٩٠) فقد نُسب إلى الشيخ في المبسوط ٥ : ٢٧٨ ـ ٢٧٩ لكنّه قوّى فيه ردّها إلى الزوج إن لم تتزوّج ، كما ذهب إلى ذلك ابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٤ ، والديلمي في المراسم : ١٦٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٧٣٧ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ٣٩ ، والمختصر النافع : ٢٠١ ، وغيرهم.

والقول الآخر أنّه أملك بها ، ذهب إليه المفيد في المقنعة : ٥٣٧ ، والشيخ في النهاية : ٥٣٨ ، والخلاف ٥ : ٧٨ ، المسألة ٣٤ من كتاب العدّة ، وقوّاه فخر المحقّقين في الإيضاح ٣ : ٣٥٤. وهناك قول ثالث : وهو أنّه إن كانت العدّة بعد طلاق الوليّ فلا سبيل للزوج عليها ، وإن كانت العدّة بأمر الحاكم من غير طلاق فهو أملك بها. اختار ذلك العلّامة في المختلف ٧ : ٣٨٥.

(٢) وهي حسنة بريد.

(٣) الوسائل ١٥ : ٤٧٥ ، الباب ٤٣ من أبواب العدد ، الحديث ٦.

(٤) في (ع) : بعد الحكم.

٣٧٨

(والذمّيّة كالحرّة في الطلاق والوفاة على الأشهر) بل لا نعلم القائل بخلافه. نعم ، روى زرارة في الصحيح عن الباقر عليه السلام قال : «سألته عن نصرانيّة كانت تحت نصرانيّ فطلّقها ، هل عليها عدّة مثل عدّة المسلمة؟ فقال : لا ـ إلى قوله ـ : قلت : فما عدّتها إن أراد المسلم أن يتزوّجها؟ قال : عدّتها عدّة الأمة ، حيضتان أو خمسة وأربعون يوماً ...» الحديث (١) والعمل على المشهور. و (٢) تظهر فائدة الخلاف لو جعلنا عدّة الأمة في الوفاة نصف عدّة الحرّة كما سلف (٣) ولو جعلناها كالحرّة فلا إشكال هنا في عدّة الوفاة للذمّيّة ، ويبقى الكلام مع الطلاق.

(وتعتدّ اُمّ الولد من وفاة زوجها) لو كان مولاها قد زوّجها من غيره بعد أن صارت اُمّ ولده (أو) من وفاة (سيّدها) لو لم يكن حين وفاته مزوّجاً لها (عدّة الحرّة) لرواية إسحاق بن عمّار عن الكاظم عليه السلام في الأمة يموت سيّدها ، قال : «تعتدّ عدّة المتوفّى عنها زوجها» (٤).

وقيل : لا عدّة عليها من وفاة سيّدها؛ لأنّها ليست زوجة كغيرها من إمائه الموطوءات من غير ولد ، فإنّ عدّتهنّ من وفاة المولى الواطئ قرء واحد (٥).

وهذا القول (٦) ليس ببعيد لمن لم يعمل بالخبر الموثَّق ، فإنّ خبر إسحاق

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٤٧٧ ، الباب ٤٥ من أبواب العدد ، الحديث الأوّل.

(٢) في (ش) و (ر) زيادة : إنّما.

(٣) سلف في الصفحة ٣٧١.

(٤) الوسائل ١٥ : ٤٧٢ ، الباب ٤١ من أبواب العدد ، الحديث ٤.

(٥) قاله ابن إدريس في السرائر ٢ : ٣٥ ، ونفى عنه البأس العلّامة في المختلف ٧ : ٤٨٣.

(٦) وهذا القول مال إليه العلّامة في المختلف [٧ : ٤٨٣] وجزم به في التحرير في موضع [٤ : ١٧٥ ، المسألة ٥٥٩٦] واختار أنّها كالحرّة في موضع آخر [المصدر السابق ، المسألة ٥٥٩٣] ، ويمكن الاحتجاج عليه بصحيحة سليمان بن خالد : إنّ عليّاً عليه السلام قال في اُمّهات الأولاد : لا يتزوّجن حتّى يعتددن أربعة أشهر وعشراً [الوسائل ١٥ : ٤٧٢ ، الباب ٤٢ من أبواب العدد ، الحديث الأوّل] فإنّها عامّةٌ في موت سيّدها وزوجها. (منه رحمه الله).

٣٧٩

كذلك. والأجود الأوّل.

ولو مات سيّدها وهي مزوّجة من غيره فلا عدّة عليها قطعاً ولا استبراء ، وكذا لو مات سيّدها قبل انقضاء عدّتها. أمّا لو مات بعدها وقبل دخوله ففي اعتدادها منه أو استبرائها نظر : من إطلاق النصّ (١) باعتداد اُمّ الولد من سيّدها ، وانتفاء حكمة العدّة والاستبراء ، لعدم الدخول ، وسقوط حكم السابق (٢) بتوسّط التزويج (ولو أعتق السيّد أمته) الموطوءة سواء كانت اُمّ ولد أم لا (فثلاثة * أقراء) لوطئه إن كانت من ذوات الحيض ، وإلّا فثلاثة أشهر.

(ويجب الاستبراء) للأمة (بحدوث الملك) على المتملّك ، (وزواله) على الناقل بأيّ وجه كان من وجوه الملك إن كان قد وطئ (بحيضة) واحدة (إن كانت تحيض ، أو بخمسة وأربعين يوماً إذا كانت لا تحيض وهي في سنّ من تحيض ** ).

والمراد بالاستبراء ترك وطئها قبلاً ودبراً في المدّة المذكورة ، دون غيره من وجوه الاستمتاع ، وقد تقدّم البحث في ذلك مستوفى (٣) وما يسقط معه الاستبراء في باب البيع ، فلا حاجة إلى الإعادة في الإفادة.

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٤٧٢ ، الباب ٤١ من أبواب العدد ، الحديث ٤.

(٢) أي الدخول السابق من المولى.

(*) في (ق) ونسخة (ش) من الشرح : فبثلاثة.

(**) في (ق) و (س) : في سنّ المحيض.

(٣) تقدّم في الجزء الثاني : ٢٣٦.

٣٨٠