الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

وقيل : تأخذ ما قبضته ولا يُسلّم الباقي (١) استناداً إلى رواية (٢) حمْلها على كون المقبوض بقدر مهر المثل أولى من إطلاقها المخالف للأصل.

وقبل الدخول لا شيء لها؛ لبطلان العقد المقتضي لبطلان المسمّى ، فإن كانت قد قبضته استعاده ، وإن تلف في يدها ضمنته مطلقاً ، وكذا لو دخل وهي عالمة بالفساد؛ لأنّها بغيّ ولا مهر لبغيٍّ.

(ويجوز العزل عنها وإن لم يشترط) ذلك في متن العقد ، وهو هنا موضع وفاق ، وهو منصوص بخصوصه (٣) ولأنّ الغرض الأصلي منه الاستمتاع دون النسل ، بخلاف الدوام. (و) لكن (يلحق به الولد) على تقدير ولادتها بعد وطئه بحيث يمكن كونه منه (وإن عزل) لأنّها فراش والولد للفراش ، وهو مرويّ أيضاً (٤) لكن لو نفاه انتفى ظاهراً بغير لعان ، بخلاف ولد الدوام.

(ويجوز اشتراط السائغ في العقد ، كاشتراط الإتيان ليلاً أو نهاراً) لأنّه شرط لا ينافي مقتضى العقد؛ لجواز تعلّق الغرض بالاستمتاع في وقت دون آخر ، إمّا طلباً للاستبداد أو توفيراً لما سواه على غيره من المطالب (أو) شرط إتيانها (مرّة أو مراراً) مضبوطة (في الزمان المعيّن) لما ذكر. ولو لم يعيّن الوقت بل أطلق المرّة والمرّات بطل؛ للجهالة.

(ولا يقع بها طلاق) بل تبين بانقضاء المدّة أو بهبته إيّاها. وفي رواية

__________________

(١) قاله الشيخ في النهاية : ٤٩١.

(٢) وهي رواية حفص البختري في الوسائل ١٤ : ٤٨٢ ، الباب ٢٨ من أبواب المتعة ، الحديث الأوّل.

(٣) اُنظر الوسائل ١٤ : ٤٩٠ ، الباب ٣٤ من أبواب المتعة.

(٤) اُنظر الوسائل ١٤ : ٤٨٨ ، الباب ٣٣ من أبواب المتعة.

٢٤١

محمّد بن إسماعيل عن الرضا عليه السلام (قلت : وتبين بغير طلاق؟ قال : نعم) (١).

(ولا إيلاء) على أصحّ القولين (٢) لقوله تعالى في قصّة الإيلاء : (وَإِنْ عَزَمُوا اَلطَّلاٰقَ) (٣) وليس في المتعة طلاق ، ولأنّ من لوازم الإيلاء المطالبة بالوطء وهو منتفٍ في المتعة وبانتفاء اللازم ينتفي الملزوم. وللمرتضى رحمه الله قول بوقوعه بها (٤) لعموم لفظ «النساء» (٥) ودُفع (٦) بقوله تعالى : (وَإِنْ عَزَمُوا اَلطَّلاٰقَ) فإنّ عود الضمير إلى بعض العامّ يخصّصه.

(ولا لعان إلّافي القذف بالزنا على قول» المرتضى والمفيد (٧) استناداً إلى أنّها زوجة فيقع بها اللعان؛ لعموم قوله تعالى : (وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوٰاجَهُمْ) (٨) فإنّ الجمع المضاف يعمّ. واُجيب (٩) بأ نّه مخصوص بالسنّة؛ لصحيحة ابن سنان عن الصادق عليه السلام «لا يلاعن الحرّ الأمة ولا الذمّيّة ، ولا التي يتمتّع بها» (١٠) ومثله

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٤٧٩ ، الباب ٢٥ من أبواب المتعة ، الحديث الأوّل.

(٢) قاله الشيخ في النهاية : ٥٢٨ ، والمحقّق في المختصر النافع : ٢٠٧ ، وابن فهد في المقتصر : ٢٩٤. وهو المشهور بين الفقهاء.

(٣) البقرة : ٢٢٧.

(٤) لم نعثر على قوله وإن نسب إليه في الإيضاح ٣ : ١٣١ ، وجامع المقاصد ١٣ : ٣٥ ، بل ما أفاده في الانتصار : ٢٧٧ يوافق قول المشهور كما اعترف به في كشف اللثام ٧ : ٢٨٦.

(٥) في الآية ٢٢٦ من سورة البقرة.

(٦) دفعه المحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٣ : ٣٥.

(٧) راجع خلاصة الإيجاز (مصنّفات المفيد ٦ : (٣٧) والانتصار : ٢٧٦.

(٨) النور : ٦.

(٩) أجاب به المحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٣ : ٣٦.

(١٠) الوسائل ١٥ : ٥٩٦ ، الباب ٥ من أبواب اللعان ، الحديث ٤.

٢٤٢

رواية عليّ بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام (١) ولا قائل بالفرق بين الحرّ والعبد ، فالقول بعدم وقوعه مطلقاً قويّ. وأمّا لعانها لنفي الولد فمنفيّ إجماعاً ، ولانتفائه بدونه.

(ولا توارث) بينهما (إلّامع شرطه) في العقد ، فيثبت على حسب ما يشترطانه. أمّا انتفاؤه بدون الشرط فللأصل ، ولأنّ الإرث حكم شرعيٌّ فيتوقّف ثبوته على توظيف الشارع ولم يثبت هنا ، بل الثابت خلافه ، كقول الصادق عليه السلام (٢) : (من حدودها ـ يعني المتعة ـ : أن لا ترثك ، ولا ترثها» (٣) وأمّا ثبوته معه فلعموم «المؤمنون عند شروطهم» (٤) وقول الصادق عليه الصلاة والسلام في صحيحة محمّد بن مسلم : «إن اشترطت (٥) الميراث فهما على شرطهما» (٦) وقول الرضا عليه الصلاة والسلام في حسنة البزنطي «إن اشترطت الميراث كان ، وإن لم تشترط لم يكن» (٧).

وفي المسألة أقوال اُخر ، مأخذها أخبار أو إطلاق لا تقاوم هذه :

أحدها : التوارث مطلقاً (٨).

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٢٩٦ ، الباب ٥ من أبواب اللعان ، الحديث ١١.

(٢) في (ر) زيادة : في صحيحة محمّد بن مسلم.

(٣) الوسائل ١٤ : ٤٨٧ ، الباب ٣٢ من أبواب المتعة ، الحديث ٨ ، وليس في طريقها محمّد بن مسلم.

(٤) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.

(٥) في (ر) والوسائل : اشترطا.

(٦) الوسائل ١٤ : ٤٨٦ ، الباب ٣٢ من أبواب المتعة ، الحديث ٥.

(٧) المصدر السابق : ٤٨٥ ، الحديث الأوّل.

(٨) اختاره القاضي في المهذّب ٢ : ٢٤٠ و ٢٤٣.

٢٤٣

وثانيها : عدمه مطلقاً (١).

وثالثها : ثبوته مع عدم شرط عدمه (٢).

والأظهر مختار المصنّف.

ثمّ إن شرطاه لهما فعلى ما شرطاه ، أو لأحدهما خاصّة احتمل كونه كذلك عملاً بالشرط ، وبطلانه؛ لمخالفته مقتضاه؛ لأنّ الزوجيّة إن اقتضت الإرث وانتفت موانعه ثبت من الجانبين ، وإلّا انتفى منهما.

(ويقع بها الظهار) على أصحّ القولين (٣) لعموم الآية (٤) فإنّ المستمتع بها زوجة ولم تخصّ ، بخلاف ما سبق. وذهب جماعة إلى عدم وقوعه بها (٥) لقول الصادق عليه الصلاة والسلام : (الظهار مثل الطلاق) (٦) والمتبادر من المماثلة أن يكون في جميع الأحكام ، ولأنّ المُظاهِر يُلزم بالفئة أو الطلاق ، وهو هنا متعذّر ، والإلزام بالفئة وحدها بعيد ، وبهبة المدّة بدل الطلاق أبعد.

__________________

(١) اختاره الحلبي في الكافي : ٢٩٨ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٦٢٤ ، والعلّامة في المختلف ٧ : ٢٢٨ ، وولده في الإيضاح ٣ : ١٣٢ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٣ : ٣٧.

(٢) اختاره العماني كما نقل عنه العلّامة في المختلف ٧ : ٢٢٦ ، والسيّد المرتضى في الانتصار : ٢٧٥ ، ذيل المسألة ١٥٣ في المتعة.

(٣) ذهب إليه ابن أبي عقيل على ما حكاه عنه العلّامة في المختلف ٧ : ٤١٨ ، والسيّد في الانتصار : ٢٧٦ ، والحلبي في الكافي : ٣٠٣ ، وابن زهرة في الغنية : ٣٥٦ ، واختاره العلّامة في المختلف ٧ : ٤١٨ ـ ٤١٩.

(٤) المجادلة : ٣.

(٥) نسبه العلّامة في المختلف ٧ : ٤١٨ إلى الصدوق وابن الجنيد ، وراجع الهداية : ٢٧٤ ، واختاره ابن إدريس في السرائر ٢ : ٦٢٤ و ٧٠٩.

(٦) الوسائل ١٥ : ٥١٠ ، الباب ٢ من أبواب الظهار ، الحديث ٣ مع اختلاف في العبارة.

٢٤٤

ويضعّف بضعف الرواية (١) وإرسالها ، والمماثلة لا تقتضي العموم والإلزام (٢) بأحد الأمرين جاز أن يختصّ بالدائم ، ويكون أثر الظهار هنا وجوب اعتزالها كالمملوكة.

(وعدّتها) مع الدخول إذا انقضت مدّتها أو وهبها (حيضتان) إن كانت ممّن تحيض؛ لرواية محمّد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال : «طلاق الأمة تطليقتان وعدّتها حيضتان» (٣) وروى زرارة في الصحيح عن الباقر عليه السلام : «أنّ على المتمتّعة ما على الأمة» (٤).

وقيل : عدّتها قُرءان (٥) وهما طهران؛ لحسنة زرارة عن الباقر عليه السلام : «إن كان حرّ تحته أمة فطلاقها تطليقتان وعدّتها قرءان» (٦) [مضافة] (٧) إلى صحيحة زرارة.

والأوّل أحوط ، وعليه لو انقضت أيّامها أووهبها في أثناء الحيض لم يُحسب ما بقي منه؛ لأنّ الحيضة لا تصدق على بعضها ، وإن احتسب ما بقي من الطهر طهراً.

__________________

(١) وضعفها بابن فضّال ، فإنّه فطحيّ. اُنظر المسالك ٩ : ٩ ـ ١٠.

(٢) في (ع) : والالتزام.

(٣) الوسائل ١٥ : ٤٧٠ ، الباب ٤٠ من أبواب العدد ، الحديث ٥.

(٤) المصدر السابق : ٤٨٤ ، الباب ٥٢ من أبواب العدد ، الحديث ٢.

(٥) قاله المفيد في المقنعة : ٥٣٦ ، والحلبي في الكافي : ٣١٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٢٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٦٢٥ ، واعتمد عليه العلّامة في المختلف ٧ : ٢٣٢.

(٦) الوسائل ١٥ : ٤٦٩ ، الباب ٤٠ من أبواب العدد ، الحديث الأوّل.

(٧) في المخطوطات : مضافاً.

٢٤٥

(ولو استرابت) بأن لم تحض وهي في سنّ من تحيض (فخمسة وأربعون يوماً) وهو موضع وفاق. ولا فرق فيهما بين الحرّة والأمة (و) تعتدّ (من الوفاة بشهرين وخمسة أيّام إن كانت أمة ، وبضعفها إن كانت حرّة).

ومستند ذلك الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ عدّة الأمة من وفاة زوجها شهران وخمسة أيّام (١) والحرّة ضِعفُها (٢) من غير فرق بين الدوام والمتعة. وتزيد الأمة هنا بخصوصها مرسلة عليّ بن أبي شعبة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام «في رجل تزوّج امرأة متعة ثمّ مات عنها ، ما عدّتها؟ قال : خمسة وستّون يوماً» (٣) بحملها على الأمة جمعاً.

وقيل : إنّ عدّتها أربعة أشهر وعشراً مطلقاً (٤) لصحيحة زرارة عن الباقر عليه الصلاة والسلام قال : «سألته ما عدّة المتمتّعة إذا مات عنها زوجها (٥) قال : أربعة أشهر وعشراً. ثمّ قال : يا زرارة كلّ النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرّةً كانت ، أو أمة وعلى أيّ وجه كان النكاح منه متعة أو تزويجاً أو ملك يمين فالعدّة أربعة أشهر وعشراً» (٦) وصحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن الصادق عليه السلام قال : «سألته عن المرأة يتزوّجها الرجل متعة ثمّ يتوفّى عنها ، هل عليها العدّة؟ فقال :

__________________

(١) اُنظر الوسائل ١٥ : ٤٧٣ ، الباب ٤٢ من أبواب العدد ، الحديث ٦ و ٧ و ٨ و ٩.

(٢) الوسائل ١٥ : ٤٥١ ـ ٤٥٥ ، الباب ٣٠ من أبواب العدد.

(٣) المصدر السابق : ٤٨٥ ، الباب ٥٢ من أبواب العدد ، الحديث ٤.

(٤) قاله ابن إدريس في السرائر ٢ : ٦٢٥ و ٧٣٥ ، وقوّاه العلّامة في المختلف ٧ : ٢٣٥ ، وجعله الأصحّ المحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٣ : ٤٤.

(٥) لم يرد (زوجها) إلّافي (ع) ، وفي الوسائل مكانه : الذي يتمتّع بها.

(٦) الوسائل ١٥ : ٤٨٤ ، الباب ٥٢ من أبواب العدد ، الحديث ٢.

٢٤٦

تعتدّ أربعة أشهر وعشرة أيّام) (١).

ويشكل بأنّ هذه مطلقة ، فيمكن حملها على الحرّة جمعاً. وصحيحة زرارة تضمّنت أنّ عدّة الأمة في الدوام كالحرّة ولا قائل به ، ومع ذلك معارضة بمطلق الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ عدّة الأمة في الوفاة على نصف الحرّة ، وبأنّ كونها على النصف في الدوام يقتضي أولويّته في المتعة؛ لأنّ عدّتها أضعف في كثير من أفرادها ، ونكاحها أضعف ، فلا يناسبها أن تكون أقوى. وهذه مخالفة اُخرى في صحيحة زرارة للاُصول ، وإن كان العمل بها أحوط.

(ولو كانت حاملاً فبأبعد الأجلين) من أربعة أشهر وعشرة أو شهرين وخمسة ، ومن وضع الحمل (فيهما) أي في الحرّة والأمة. أمّا إذا كانت الأشهر أبعد فظاهرٌ؛ للتحديد بها في الآية (٢) والرواية (٣) وأمّا إذا كان الوضع أبعد فلامتناع الخروج من العدّة مع بقاء الحمل.

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٤٨٤ ، الباب ٥٢ من أبواب العدد ، الحديث الأوّل.

(٢) وهي الآية ٢٣٤ من سورة البقرة.

(٣) اُنظر الوسائل ١٥ : ٤٥١ و ٤٥٥ ، الباب ٣٠ و ٣١ من أبواب العدد.

٢٤٧
٢٤٨

(الفصل الخامس)

(في نكاح الإماء)

بكسر الهمزة مع المدّ جمع أمة بفتحها (لا يجوز للعبد ولا للأمة أن يعقدا لأنفسهما نكاحاً إلّابإذن المولى) لأنّهما ملك له فلا يتصرّفان في ملكه بغير إذنه؛ لقبحه (أو إجازته) لعقدهما لو وقع بغير إذنه على أشهر القولين (١) لحسنة زرارة عن الباقر عليه السلام قال : «سألته عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده قال : ذاك إلى السيّد إن شاء أجاز ، وإن شاء فرّق بينهما» (٢).

وعلى هذا فتكون الإجازة كاشفة عن صحّته من حين إيقاعه كغيره من العقود الفضوليّة. وقيل : بل يكون كالعقد المستأنف (٣) وقيل : يقع باطلاً إمّا بناءً على بطلان العقد الفضولي مطلقاً (٤) أو بطلان نكاح الفضولي

__________________

(١) ذهب إليه المحقّق في الشرائع ٢ : ٣٠٩ ، والمختصر : ١٨٣ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٤٥ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٥٥ ، والمختلف ٧ : ٢٦٨ ، وغيرهما ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٣ : ٦١ ، ونسبه في المسالك ٨ : ٦ إلى الأكثر.

(٢) الوسائل ١٤ : ٥٢٣ ، الباب ٢٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث الأوّل.

(٣) وهو المنسوب إلى الشيخ في النهاية كما في غاية المراد ٣ : ٤١ ، والمسالك ٨ : ٦ ، وانظر النهاية : ٤٧٦ ، واختاره القاضي في المهذّب ٢ : ٢١٦.

(٤) وهو أحد قولي الشيخ في المبسوط ٤ : ١٦٣ ، والخلاف ٣ : ١٦٨ ، المسألة ٢٧٥ من كتاب البيع ، واختاره فخر المحقّقين في الإيضاح ١ : ٤١٧ ، و ٣ : ٢٧.

٢٤٩

مطلقاً (١) أو بطلان هذا بخصوصه ، نظراً إلى أنّه منهيّ عنه (٢) لقبح التصرّف في ملك الغير فيكون فاسداً ، ولما رُوي عن النبيّ صلى الله عليه وآله : (أيّما مملوك تزوّج بغير إذن مولاه فنكاحه باطل) (٣) وكلّية الكبرى والسند ممنوعان.

وقيل : تختصّ الإجازة بعقد العبد دون الأمة (٤) عملاً بظاهر النصّ السابق ، ورجوعاً في غيره إلى النهي المفيد للبطلان ، وكلاهما ممنوعان ، فإنّ المملوك يصلح لهما ، والنهي لا يقتضيه هنا.

وحيث يأذن المولى أو يجيز عقد العبد فالمهر ونفقة الزوجة عليه ، سواء في ذلك كسب العبد وغيره من سائر أمواله على أصحّ الأقوال (٥) وله مهر أمته.

(وإذا كانا) أي الأبوان (رقّاً فالولد رقّ) لأنّه فرعهما وتابع لهما. ويملكه المولى إن اتّحد ، وإن كان كلّ منهما لمالك (* يملكه الموليان إن أذنا لهما) في النكاح (أو لم يأذن أحدهما) أيّ كلّ واحد منهما؛ لأنّه نماء ملكهما ، فلا مزيّة لأحدهما على الآخر ، والنسب لاحق بهما. بخلاف باقي الحيوانات ، فإنّ

__________________

(١) سواء كان من العبد أو الحرّ ، قاله الشيخ في الخلاف ٤ : ٢٥٧ ـ ٢٥٨ ، المسألة ١١.

(٢) نسبه العلّامة في المختلف ٧ : ٢٦٨ إلى ابن إدريس. اُنظر السرائر ٢ : ٥٩٦.

(٣) سنن أبي داود ٢ : ٢٢٨ ، الحديث ٢٠٧٩ ، منقول بالمضمون.

(٤) وهو المنسوب في غاية المرام وغيره إلى ابن حمزة ، اُنظر غاية المرام ٣ : ٩٦ ، والوسيلة : ٣٠٠.

(٥) ذهب إليه المحقّق في الشرائع ٢ : ٣٠٩ ، والعلّامة في التحرير ٣ : ٥٠٣.

والقول الثاني : أنّه على العبد في كسبه ، قاله الشيخ في المبسوط ٤ : ١٦٧.

والقول الثالث : التفصيل بأنّ العبد إن كان غير مكتسب فعلى سيّده وإن كان مكتسباً فمولاه مخيّر ، واختاره ابن حمزة في الوسيلة : ٣٠٦. اُنظر غاية المرام ٣ : ٣٣.

(*) في (ق) و (س) زيادة : و.

٢٥٠

النسب غير معتبر ، والنموّ والتبعيّة فيه لاحق بالاُمّ خاصّة ، والنصّ (١) دالّ عليه أيضاً ، والفرق به أوضح.

(ولو أذن أحدهما) خاصّة (فالولد لمن لم يأذن) سواء كان مولى الأب أم مولى الاُمّ. وعُلِّل مع النصّ (٢) بأنّ الآذن قد أقدم على فوات الولد منه ، فإنّه قد يتزوّج من ليس برقّ فينعقد الولد حرّاً ، بخلاف من لم يأذن فيكون الولد له خاصّة (٣).

ويُشكل الفرق فيما لو انحصر إذن الآذن في وطء المملوكة ، فإنّه لم يضيّع الولد حينئذٍ.

ويُشكل الحكم فيما لو اشترك أحدهما بين اثنين ، فأذن مولى المختصّ وأحد المشتركين دون الآخر ، أو تعدّد مولى كلّ منهما ، فإنّه خارج عن موضع النصّ والفتوى ، فيحتمل كونه كذلك فيختصّ الولد بمن لم يأذن اتّحد أم تعدّد ، واشتراكُه (٤) بين الجميع على الأصل حيث لا نصّ.

(ولو شرط أحد الموليين انفراده بالولد ، أو بأكثره صحّ الشرط) لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (٥) ولأ نّه شرط لا ينافي النكاح.

(ولو كان أحد الزوجين حرّاً فالولد حرّ) للأخبار الكثيرة الدالّة عليه (٦) سواء في ذلك الأب والاُمّ؛ ولأ نّه نماء الحرّ في الجملة وحقّ الحرّيّة مقدّم؛

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) لم نعثر عليه. كما اعترف به في المسالك ٨ : ٢٧.

(٣) نقله في جامع المقاصد ١٣ : ٨٦ عن بعض الأصحاب وقال : لم نقف عليه.

(٤) أي احتمال اشتراكه.

(٥) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.

(٦) اُنظر الوسائل ١٤ : ٥٢٨ ، الباب ٣٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٢٥١

لأ نّها أقوى ، ولهذا بُني العتق على التغليب والسراية. وقول ابن الجنيد : بأ نّه لسيّد المملوك منهما إلّامع اشتراط حرّيته (١) ـ تغليباً لحقّ الآدمي على حقّ اللّٰه تعالى ـ ضعيف.

(ولو شرط) مولى الرقّ منهما (رقّيته جاز) وصار رقّاً (على قول مشهور) بين الأصحاب (ضعيف المأخذ) لأنّه رواية مقطوعة (٢) دلّت على أنّ ولد الحرّ من مملوكة مملوك ، حملوها على ما إذا شرط المولى الرقّيّة. ومثل هذه الرواية لا تصلحُ مؤسّسة لهذا الحكم المخالف للأصل ، فإنّ الولد إذا كان مع الإطلاق ينعقد حرّاً فلا تأثير في رقّيته للشرط؛ لأنّه ليس ملكاً لأبيه حتّى يؤثّر شرطه ، كما لا يصحّ اشتراط رقّيّة مَن وُلد حرّاً ، سيّما مع ورود الأخبار الكثيرة (٣) بحرّيّة من أحد أبويه حرّ ، وفي بعضها : (لا يُملَك ولد حرٍّ) (٤).

ثمّ على تقدير اشتراط رقّيّته في العقد أو التحليل وقلنا بعدم صحّة الشرط ، هل يحكم بفساد العقد؛ لعدم وقوع التراضي بدون الشرط الفاسد كما في غيره من العقود المشتملة على شرط فاسد ، أم يصحّ ويبطل الشرط خاصّة؟

يحتمل الأوّل؛ لأنّ العقد يتبع القصد ولم يحصل إلّابالشرط والشرط لم يحصل. والثاني؛ لأنّ عقد النكاح كثيراً ما يصحّ بدون الشرط الفاسد وإن لم يصحّ غيره من العقود. وفي الأوّل قوّة. وصحّته في بعض الموارد لدليل خارج لا يقتضي عمومه في جميع موارده ، وأولى بعدم الصحّة لو كان تحليلاً؛ لأنّه متردّد بين العقد والإذن ، كما سيأتي. ولا يلزم من ثبوت الحكم في العقد ثبوته في الإذن

__________________

(١) نقله عنه في المختلف ٧ : ٢٦٣.

(٢) الوسائل ١٤ : ٥٣٠ ، الباب ٣٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ١٠.

(٣) اُنظر الوسائل ١٤ : ٥٢٨ ، الباب ٣٠ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٤) الوسائل ١٤ : ٥٧٩ ، الباب ٦٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٥.

٢٥٢

المجرّد ، بل يبقى على الأصل.

وعلى هذا لو دخل مع فساد الشرط وحكمنا بفساد العقد كان زانياً مع علمه بالفساد وانعقد الولد رقّاً كنظائره. نعم ، لو جهل الفساد كان حرّاً؛ للشبهة. وإن قلنا بصحّته لزم بالشرط ولم يسقط بالإسقاط بعد العقد؛ لأنّ ذلك مقتضى الوفاء به ، مع احتماله تغليباً للحرّيّة ، كما لو أسقط حقَّ التحجير ونحوه.

(ويُستحبّ إذا زوّج عبده أمته أن يعطيها شيئاً من ماله) ليكون بصورة المهر جبراً لقلبها ، ورفعاً لمنزلة العبد عندها ، ولصحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال : «سألته عن الرجل كيف يُنكح عبده أمته؟ قال : يجزيه أن يقول : قد أنكحتك فلانة ويعطيها شيئاً من قبله أو من قبل مولاه ولو بمدّ من طعام أو درهم ، أو نحو ذلك» (١).

وقيل : بوجوب الإعطاء (٢) عملاً بظاهر الأمر ، ولئلّا يلزم خلوّ النكاح عن المهر في العقد والدخول معاً. ويضعَّف بأنّ المهر يستحقّه المولى؛ إذ هو عوض البُضع المملوك له ، ولا يُعقل استحقاقه شيئاً على نفسه وإن كان الدفع من العبد كما تضمّنته الرواية؛ لأنّ ما بيده ملك للمولى. أمّا الاستحباب فلا حرج فيه؛ لما ذكر وإن لم يخرج عن ملكه. ويكفي فيه كونه إباحة بعض ماله للأمة تنتفع به بإذنه.

والفرق بين النفقة اللازمة للمولى والمهر : أنّه في مقابلة شيء هو ملك المولى ، بخلافها فإنّها مجرّد نفع ، ودفعُ ضرورة لا معاوضة.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٥٤٨ ، الباب ٤٣ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث الأوّل مع بعض الاختلاف ، ولعلّه خلط بين هذه الصحيحة وبين ما روي عن الحلبي عن الصادق عليه السلام في الحديث ٢ من نفس الباب.

(٢) قاله المفيد في المقنعة : ٥٠٧ ، والشيخ في النهاية : ٤٧٨ ، والحلبي في الكافي : ٢٩٧ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٢١٨ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٠٥.

٢٥٣

واعلم أنّه يكفي في إنكاح عبده لأمته مجرّد اللفظ الدالّ على الإذن فيه كما يظهر من الرواية. ولا يشترط قبول العبد ولا المولى لفظاً. ولا يقدح تسميته فيها نكاحاً وهو متوقّف على العقد ، وإيجابُه إعطاءَ شيء وهو ينافي الإباحة؛ لأنّ قوله عليه السلام : (يجزيه) (١) ظاهر في الاكتفاء بالإيجاب والإعطاء على وجه الاستحباب ، ولأنّ رفعه بيد المولى والنكاح الحقيقي ليس كذلك ، ولأنّ العبد ليس له أهليّة الملك فلا وجه لقبوله ، والمولى بيده الإيجاب والجهتان ملكه ، فلا ثمرة لتعليقه ملكاً بملك ، نعم يعتبر رضاه بالفعل وهو يحصل بالإباحة الحاصلة بالإيجاب المدلول عليه بالرواية (٢). وقيل : يعتبر القبول من العبد (٣) إمّا لأنّه عقد ، أو لأنّ الإباحة منحصرة في العقد أو التمليك ، وكلاهما يتوقّف على القبول.

وربما قيل : يعتبر قبول المولى؛ لأنّه الوليّ كما يعتبر منه الإيجاب (٤).

(ويجوز تزويج الأمة بين الشريكين لأجنبيّ باتّفاقهما) لانحصار الحقّ فيهما واتّحاد سبب الحِلّ. ولو عقد أحدهما وحلّلها الآخر لم يصحّ؛ لتبعّض البُضع مع احتمال الجواز لو جعلنا التحليل عقداً.

ثمّ إن اتّحد العقد منهما فلا إشكال في الصحّة ، وإن أوقع كلّ منهما عقداً على المجموع صحّ أيضاً ، وإن أوقعه على ملكه لم يصحّ (ولا يجوز تزويجها لأحدهما) لاستلزامه تبعّض البُضع من حيث استباحته بالملك والعقد والبُضع لا يتبعّض؛ ولأنّ الحِلّ منحصر في الأزواج وملكِ الأيمان ، والمستباح بهما خارج عن القسمة؛ لأنّ التفصيل يقطع الاشتراك.

__________________

(١) و (٢) اُنظر صحيحة محمّد بن مسلم المذكورة في الصفحة السابقة.

(٣) لم نعثر على قائله.

(٤) نسبه إلى المشهور في غاية المرام ٣ : ١٠١.

٢٥٤

ودوران الحكم بين منع الخلوّ ومنع الجمع يوجب الشكّ في الإباحة ، فيرجع إلى أصل المنع (١).

(ولو حلّل أحدهما لصاحبه) حصّته (فالوجه الجواز) لأنّ الإباحة بمنزلة الملك؛ لأنّها تمليك للمنفعة فيكون حلّ جميعها بالملك ، ولرواية محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام (في جارية بين رجلين دبّراها جميعاً ثمّ أحلَّ أحدهما فرجها لصاحبه ، قال : هي له حلال) (٢).

وقيل بالمنع أيضاً بناءً على تبعّض السبب (٣) حيث إنّ بعضها مستباح بالملك والبعض بالتحليل ، وهو مغاير لملك الرقبة في الجملة ، أو لأنّه عقد أو إباحة ، والكلّ مغاير لملكه ، كمغايرة الإباحة بالعقد لها بالملك مع اشتراكهما في أصل الإباحة ، والرواية ضعيفة السند (٤).

__________________

(١) جواب سؤالٍ تقديره : أنّ الآية الحاصرة للحلّ من الأزواج أو ملك الأيمان [المؤمنون : ٦] كما يحتمل إرادة منع الجمع الذي ادّعيتموه يحتمل إرادة منع الخلوّ منهما ، فلا تدلّ على منع الجمع ، فإذا استباح بهما صحّ. وتقرير الجواب : أنّ المنفصلة يحتمل إرادة منع الجمع والخلوّ ومنع كلّ واحدٍ منهما على انفراده ، ومع قيام الاحتمال يتحقّق الجواز مع وجود أحدهما خاصّة ، ويحصل الشكّ مع اجتماعهما ، فيستصحب حكم المنع الثابت قبل ذلك. وإن أمكن إرادة منع الخلوّ؛ لأنّ مجرّد احتماله غير كافٍ في رفع الحظر. (منه رحمه الله).

(٢) الوسائل ١٤ : ٥٤٥ ، الباب ٤١ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث الأوّل.

(٣) نسبه في المسالك ٨ : ٢٩ ، إلى الأكثر ، واختاره الإسكافي والعلّامة في المختلف ٧ : ٢٦٢ ، وفخر المحقّقين في الإيضاح ٣ : ١٤٩ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٣ : ٩٧ ، واعتمد عليه في غاية المرام ٣ : ١٠٢ ، وغيرهم.

(٤) والظاهر أنّ ضعفها بمحمّد بن قيس ، فإنّه مشترك بين الثقة وغيره. راجع المسالك ٨ : ٤٧٥.

٢٥٥

وأمّا تعليل الجواز بأ نّها قبل التحليل محرَّمة وإنّما حلّت به ، فالسبب واحد. ففيه : أنّه حينئذٍ يكون تمام السبب ، لا السبب التامّ في الإباحة ، ضرورة أنّ التحليل مختصّ بحصّة الشريك ، لا بالجميع ، وتحقّق المسبَّب عند تمام السبب لا يوجب كون الجزء الأخير منه سبباً تامّاً.

(ولو اُعتقت المملوكة) التي قد زوّجها مولاها قبلَ العتق (فلها الفسخ) لخبر بريرة وغيره (١) ولما فيه من حدوث الكمال وزوال الإجبار. ولا فرق بين حدوث العتق قبل الدخول وبعده.

والفسخ (على الفور) اقتصاراً في فسخ العقد اللازم على موضع اليقين ، والضرورة تندفع به. وتُعذر مع جهلها بالعتق أو فوريّةِ الخيار أو أصلِه على الأقوى (وإن كانت) الأمة (تحت حرّ) لعموم صحيحة الكناني عن الصادق عليه السلام : (أيّما امرأة اُعتقت فأمرها بيدها إن شاءت أقامت وإن شاءت فارقته) (٢) وغيرها (٣).

وقيل : يختصّ الخيار بزوجة العبد (٤) لما روي من أنّ بريرة كانت تحت عبد وهو مغيث (٥) ولا دلالة فيه على التخصيص لو تمّ (٦) (بخلاف العبد ، فإنّه لا خيار

__________________

(١) اُنظر الوسائل ١٤ : ٥٥٩ ـ ٥٦١ ، الباب ٥٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

(٢) المصدر السابق : ٥٦١ ، الحديث ٨.

(٣) المصدر السابق : الحديث ١١ ـ ١٣.

(٤) قاله الشيخ في المبسوط ٤ : ٢٥٨ ، والخلاف ٤ : ٣٥٤ ذيل المسألة ١٣٤ من كتاب النكاح ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٣١١.

(٥) المستدرك ١٥ : ٣٢ ، الباب ٣٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٣ ، والسنن الكبرى ٧ : ٢٢١ ـ ٢٢٢.

(٦) أشار بقوله : (لو تمّ) إلى أنّه روي أيضاً [السنن الكبرى ٧ : ٢٢٣] أنّ زوجها كان حرّاً ، فسقط الاستدلال بها. (منه رحمه الله).

٢٥٦

له بالعتق) للأصل ، ولانجبار كماله بكون الطلاق بيده. وكذا لا خيار لسيّده ولا لزوجته حرّة كانت أم أمة؛ للأصل.

(ويجوز جعل عتق أمته صداقها) فيقول : تزوّجتك وأعتقتك وجعلت مهرك عتقك (ويقدّم) في اللفظ (ما شاء من العتق والتزويج) لأنّ الصيغة أجمع جملة واحدة لا يتمّ إلّابآخرها ، فلا فرق بين المتقدّم منها والمتأخّر.

وقيل : يتعيّن تقديم العتق (١) لأنّ تزويج المولى أمته باطل.

ويُضعَّف بما مرّ (٢) وبأ نّه يستلزم عدم جواز جعل العتق مهراً؛ لأنّه لو حكم بوقوعه بأوّل الصيغة امتنع اعتباره في التزويج المتعقّب.

وقيل : بل يُقدّم التزويج (٣) لئلّا تعتق فلا تصلح لجعل عتقها مهراً ، ولأ نّها تملك أمرها فلا يصحّ تزويجها بدون رضاها ، ولرواية عليّ بن جعفر عليه السلام عن أخيه موسى عليه السلام قال : «سألته عن رجل قال لأمته : أعتقتكِ وجعلت مهركِ عتقكِ؟ فقال : عُتقت وهي بالخيار إن شاءت تزوّجته ، وإن شاءت فلا ، فإن تزوّجته فليعطها شيئاً» (٤) ونحوه رُوي عن الرضا عليه السلام (٥).

__________________

(١) قاله الشيخ في الخلاف ٤ : ٢٦٨ ، المسألة ٢٢ من كتاب النكاح ، والحلبي في الكافي : ٣١٧ ، والعلّامة في المختلف ٧ : ٢٨٦ ، والإرشاد ٢ : ١٣.

(٢) آنفاً من أنّ الصيغة جملة واحدة لا تتمّ إلّابآخرها.

(٣) نُسب في جامع المقاصد ١٣ : ١٢١ والمسالك ٨ : ٤١ إلى المشهور وأ نّه مختار الشيخ وأتباعه وجماعة كابن إدريس والمحقّق وابن سعيد والعلّامة ، اُنظر النهاية : ٤٩٧ ، والمهذّب ٢ : ٢٤٧ ، والوسيلة : ٣٠٤ ، وإصباح الشيعة : ٤١٢ ، والسرائر ٢ : ٦٣٨ ، والجامع للشرائع : ٤٤٢ ، والمختصر النافع : ١٨٤ ، والقواعد ٣ : ٥٩.

(٤) و (٥) الوسائل ١٤ : ٥١١ ، الباب ١٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ١ و ٢.

٢٥٧

وفيه نظر؛ لما ذكر ، ولأنّ المانع في الخبر (١) عدم التصريح بلفظ «التزويج» لا تقديم العتق ، وهو غير المتنازع.

والحقّ أنّهما صيغة واحدة لا يترتّب شيء من مقتضاها إلّابتمامها ، فيقع مدلولها وهو العتق وكونه مهراً وكونها زوجة.

(ويجب قبولها على قول) (٢) لاشتمال الصيغة على عقد النكاح ، وهو مركَّب شرعاً من الإيجاب والقبول. ولا يمنع منه كونها حال الصيغة رقيقة؛ لأ نّها بمنزلة الحرّة حيث تصير حرّة بتمامه ، فرقّيّتها غير مستقرّة ، ولولا ذلك امتنع تزويجها.

ووجه عدم الوجوب : أنّ مستند شرعيّة هذه الصيغة هو النقل المستفيض عن النبيّ صلى الله عليه وآله (٣) والأئمّة عليهم صلوات اللّٰه (٤) وليس في شيء منه ما يدلّ على اعتبار القبول ، ولو وقع لنقل؛ لأنّه ممّا تعمّ به البلوى ، وأنّ حِلَّ الوطء مملوك له ، فهو بمنزلة التزويج ، فإذا أعتقها على هذا الوجه كان في معنى استثناء بقاء الحلّ من مقتضيات العتق ، ولأنّ القبول إنّما يُعتبر من الزوج ، لا من المرأة ، وإنّما وظيفتها الإيجاب ولم يقع منها. وبذلك يظهر أنّ عدم اعتبار قبولها أقوى ، وإن كان القول به أحوط. ويظهر أيضاً جواب ما قيل : إنّه كيف يتزوّج جاريته ، وكيف

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٥١١ ، الباب ١٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث الأوّل.

(٢) لم نعثر على من قطع به ، نعم ذكر العلّامة في القواعد ٣ : ٥٩ اشتراط القبول على إشكال ، وقال المحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٣ : ١٢٠ : الأحوط اعتباره.

(٣) اُنظر السنن الكبرى ٧ : ٥٨.

(٤) اُنظر الوسائل ١٤ : ٥٠٩ ـ ٥١١ ، الباب ١١ و ١٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء.

٢٥٨

يتحقّق الإيجاب والقبول وهي مملوكة؟ (١).

وما قيل : من أنّ المهر يجب أن يكون متحقّقاً قبل العقد ومع تقديم التزويج لا يكون متحقّقاً وأ نّه يلوح منه الدور ، فإنّ العقد لا يتحقّق إلّابالمهر الذي هو العتق ، والعتق لا يتحقّق إلّابعد العقد (٢) مندفعٌ بمنع اعتبار تقدّمه ، بل يكفي مقارنته للعقد وهو هنا كذلك ، وبمنع توقّف العقد على المهر وإن استلزمه ، وإذا جاز العقد على الأمة وهي صالحة لأن تكون مهراً لغيرها جاز جعلها أو جعل فكّ ملكها مهراً لنفسها ، مع أنّ ذلك كلّه في مقابلة النصّ الصحيح المستفيض (٣) فلا يُسمع.

(ولو بيع أحد الزوجين فللمشتري والبائع الخيار) في فسخ النكاح وإمضائه ، سواء دخل أم لا ، وسواء كان الآخر حرّاً أم لا ، وسواء كانا لمالكٍ أم كلّ واحد لمالك. وهذا الخيار على الفور كخيار العتق. ويُعذر جاهله وجاهل الفوريّة على الظاهر.

(وكذا) يتخيّر كلّ (من انتقل إليه الملك بأيّ سبب كان) من هبة وصلح وإصداق وغيره. ولو اختلف الموليان في الفسخ والإلزام (٤) قدّم الفاسخ كغيره من الخيار المشترك (ولو بيع الزوجان معاً على واحد تخيّر) لقيام المقتضي (ولو بيع كلّ منهما على واحد تخيّرا) لما ذكر. وكذا لو باعهما المالك من اثنين على جهة الاشتراك.

(وليس للعبد طلاق أمة سيّده) لو كان متزوّجاً بها بعقد يلزمه جواز

__________________

(١) و (٢) قاله المحقّق في النهاية ونكتها ٢ : ٣٩٣.

(٢)

(٣) تقدّم تخريجه في الهامش ٣ و ٤ من الصفحة السابقة.

(٤) في (ف) و (ر) : الالتزام.

٢٥٩

الطلاق (إلّابرضاه) كما أنّ تزويجه بيده. وهو موضع نصّ (١) وإجماع (٢).

(ويجوز) للعبد (طلاق غيرها) أي غير أمة سيّده وإن كان قد زوّجه بها مولاه (أمة كانت) الزوجة (أو حرّة ، أذن المولى) في طلاقها (أو لا) على المشهور؛ لعموم قوله عليه السلام : (الطلاق بيد من أخذ بالساق) (٣) وروى ليث المرادي عن الصادق عليه السلام وقد سأله عن جواز طلاق العبد ، فقال : «إن كانت أمتك فلا ، إنّ اللّٰه تعالى يقول : (عَبْداً مَمْلُوكاً لاٰ يَقْدِرُ عَلىٰ شَيْءٍ) (٤) وإن كانت أمة قوم آخرين جاز طلاقه» (٥).

وقيل : ليس له الاستبداد به كالأوّل (٦) استناداً إلى أخبار مطلقة (٧) حملُها على كون الزوجة أمة المولى طريق الجمع.

وفي ثالث (٨) يجوز للسيّد إجباره على الطلاق كما له إجباره على النكاح ،

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٥٧٥ ، الباب ٦٤ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٨ ، و ١٥ : ٣٤١ ، الباب ٤٣ من أبواب مقدّمات الطلاق ، الحديث ١ و ٢ و ٤.

(٢) ادّعاه ابن زهرة في الغنية : ٣٥٢.

(٣) المستدرك ١٥ : ٣٠٦ ، الباب ٢٥ من أبواب مقدّمات الطلاق ، الحديث ٣.

(٤) النحل : ٧٥.

(٥) الوسائل ١٥ : ٣٤١ ، الباب ٤٣ من أبواب مقدّمات الطلاق ، الحديث ٢.

(٦) قاله القديمان حسب ما نقل العلّامة في المختلف ٧ : ٣٧٨ ، وقال : ليس عندي بعيداً من الصواب.

(٧) اُنظر الوسائل ١٤ : ٥٥١ ، الباب ٤٥ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٧ ، و ٥٧٦ ، الباب ٦٦ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ١ و ٢ ، و ١٥ : ٣٤٣ ، الباب ٤٥ من أبواب مقدّمات الطلاق.

(٨) ذهب إليه الحلبي في الكافي : ٢٩٧.

٢٦٠