الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

لا متعة وملكَ يمين) على أشهر الأقوال (١) والقول الآخر الجواز مطلقاً (٢) والثالث المنع مطلقاً (٣) وإنّما جعلنا المجوسيّة من أقسام الكتابيّة مع أنّها مغايرة لها وإن اُلحقت بها في الحكم؛ لدعواه الإجماع على تحريم نكاح من عداها مع وقوع الخلاف في المجوسيّة ، فلولا تغليبه الاسم عليها لدخلت في المجمع على تحريمه. ووجه إطلاقه عليها أنّ لها شبهة كتاب صحّ بسببه التجوّز. والمشهور بين المتأخّرين أنّ حكمها حكمها فناسب الإطلاق.

وإنّما يمنع من نكاح الكتابيّة ابتداءً لا استدامة؛ لما سيأتي من أنّه لو أسلم زوج الكتابيّة فالنكاح بحاله.

(ولو ارتدّ أحد الزوجين) عن الإسلام (قبل الدخول بطل النكاح) سواء كان الارتداد فطريّاً أم ملّيّاً (ويجب) على الزوج (نصف المهر إن

__________________

(١) ذهب إليه الشيخ في النهاية : ٤٥٧ ، إلّاأ نّه جوّز الدائم أيضاً اضطراراً ، والحلبي في الكافي : ٢٨٦ و ٢٩٩ ، والديلمي في المراسم : ١٥٠ و ١٥٧ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٢٩٤ ، والمختصر النافع : ١٧٩ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٣٨ ، والمختلف ٧ : ٧٦.

(٢) اختاره العمّاني في حرائر اليهود والنصارى ، على ما نقل عنه في غاية المراد ٣ : ٧٩ ، وانظر كلامه في المختلف ٧ : ٧٣ ، ونسبه في كشف الرموز ٢ : ١٤٧ ، إلى المفيد في المسائل الغريّة كما ونسب ذلك في المختلف ٧ : ٧٣ وغاية المراد ٣ : ٧٩ إلى ابن بابويه وابنه في الفريقين (اليهوديّة والنصرانيّة) ، وانظر المقنع : ٣٠٨.

(٣) اختاره السيّد المرتضى في الانتصار : ٢٧٩ ، المسألة ١٥٥ ، وفخر المحقّقين في الإيضاح ٣ : ٢٢ ، وقال : إنّه الذي استقرّ عليه رأي والدي المصنّف في البحث ، وابن فهد الحلّي في المهذّب البارع ٣ : ٢٩٧ ، والمقتصر : ٢٣٩ ، وهناك أقوال وتفصيلات اُخرى في المسألة راجع للاطلاع عليها الإيضاح ٣ : ٢٢ ، والمهذّب البارع ٣ : ٢٩٤ ـ ٢٩٦ ، وغاية المراد ٣ : ٧٦ ـ ٨٢.

٢٢١

كان الارتداد من الزوج) لأنّ الفسخ جاء من جهته فأشبه الطلاق. ثمّ إن كانت التسمية صحيحة فنصف المسمّى ، وإلّا فنصف مهر المثل. وقيل : يجب جميع المهر؛ لوجوبه بالعقد ولم يثبت تشطيره إلّابالطلاق (١) وهو الأقوى (٢).

ولو كان الارتداد منها فلا مهر لها؛ لأنّ الفسخ جاء من قبلها قبل الدخول (٣).

(ولو كان) الارتداد (بعده) أي بعد الدخول (وقف) انفساخ النكاح (على انقضاء العدّة) إن كان الارتداد من الزوجة مطلقاً ، أو من الزوج عن غير فطرة ، فإن رجع المرتدّ قبل انقضائها ثبت النكاح ، وإلّا انفسخ.

(ولا يسقط شيء من المهر) لاستقراره بالدخول (ولو كان) ارتداده (عن فطرة بانت) الزوجة (في الحال) إذ لا تقبل توبته بل يقتل وتخرج عنه أمواله بنفس الارتداد وتبين منه زوجته وتعتدّ عدّة الوفاة.

(ولو أسلم زوج الكتابيّة) دونها (فالنكاح بحاله) قبلَ الدخول وبعدَه ، دائماً ومنقطعاً ، كتابيّاً كان الزوج أم وثنيّاً ، جوّزنا نكاحها للمسلم ابتداءً أم لا (ولو أسلمت دونه) بعد الدخول (وقف) الفسخ (على) انقضاء (العدّة) وهي عدّة الطلاق من حين إسلامها ، فإن انقضت ولم يسلم تبيّن أنّها بانت منه حين إسلامها ، وإن أسلم قبل انقضائها تبيّن بقاء النكاح. هذا هو المشهور بين الأصحاب ، وعليه الفتوى.

__________________

(١) قاله المحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ٤١٠.

(٢) في سوى (ع) : أقوى.

(٣) أشار بذلك إلى ضابطٍ كلّي وهو أنّه متى كان الفسخ منها قبل الدخول ، فلا شيء لها ولايستثنى عن ذلك إلّاشيءٌ واحدٌ وهو ما لو فسخت قبله لعنّته فإنّ لها نصف المهر؛ للنصّ [الوسائل ١٤ : ٦١٣ ، الباب ١٥ من أبواب العيوب والتدليس ، الحديث الأوّل]. (منه رحمه الله).

٢٢٢

وللشيخ رحمه الله قول بأنّ النكاح لا ينفسخ بانقضاء العدّة إذا كان الزوج ذمّيّاً ، لكن لا يمكَّن من الدخول عليها ليلاً ، ولا من الخلوة بها ولا من إخراجها إلى دار الحرب ما دام قائماً بشرائط الذمّة (١) استناداً إلى رواية (٢) ضعيفة (٣) مرسلة أو معارَضة بما هو أقوى منها (٤).

(وإن كان) الإسلام (قبل الدخول وأسلمت الزوجة بطل) العقد ولا مهر لها؛ لأنّ الفُرقة جاءت من قبلها ، وإن أسلم الزوج بقي النكاح كما مرّ.

ولو أسلما معاً ثبت النكاح؛ لانتفاء المقتضي للفسخ.

(الثانية عشرة) :

(لو أسلم أحد) الزوجين (الوثنيّين) المنسوبين إلى عبادة الوَثَن ـ وهو الصنم ـ وكذا من بحكمهما من الكفّار غير الفرق الثلاثة ، وكان الإسلام (قبل الدخول بطل) النكاح مطلقاً؛ لأنّ المسلم إن كان هو الزوج استحال بقاؤه على نكاح الكافرة غير الكتابيّة؛ لتحريمه ابتداءً واستدامةً ، وإن كان [هي] (٥) الزوجة فأظهر (ويجب النصف) أي نصف المهر (بإسلام الزوج) وعلى

__________________

(١) قاله في النهاية : ٤٥٧ ، والتهذيب ٧ : ٣٠٠ ، ذيل الحديث ١٢٥٣ ، و ٣٠٢ ، ذيل الحديث ١٢٥٩ ، والاستبصار ٣ : ١٨٣ ، ذيل الحديث ٦٦٢.

(٢) اُنظر التهذيب ٧ : ٣٠٠ ، الحديث ١٢٥٤ و ٣٠٢ ، الحديث ١٢٥٩ ، والاستبصار ٣ : ١٨١ و ١٨٣ ، الحديث ٦٥٨ و ٦٦٣ ، وعنهما في الوسائل ١٤ : ٤٢٠ ـ ٤٢١ ، الباب ٩ من أبواب ما يحرم بالكفر ، الحديث ١.

(٣) بعليّ بن حديد الواقع في سندها. المسالك ٧ : ٣٦٦.

(٤) مثل ما في الوسائل ١٤ : ٤١٧ ، الباب ٥ من أبواب ما يحرم بالكفر ، الحديث ٥.

(٥) لم يرد في المخطوطات.

٢٢٣

ما تقدّم (١) فالجميع. ويسقط بإسلامها؛ لما ذكر (٢).

(وبعده) أي بعد الدخول (يقف) الفسخ (على) انقضاء (العدّة) فإن انقضت ولم يسلم الآخر تبيّن انفساخه من حين الإسلام ، وإن أسلم فيها استمرّ النكاح ، وعلى الزوج نفقة العدّة مع الدخول إن كانت هي المسلمة ، وكذا في السابق (٣) ولو كان المسلم هو فلا نفقة لها عن زمن الكفر مطلقاً (٤) لأنّ المانع منها مع قدرتها على زواله.

(ولو أسلما معاً فالنكاح بحاله) لعدم المقتضي للفسخ. والمعتبر في ترتّب الإسلام ومعيّته بآخر كلمة الإسلام ، لا بأوّلها. ولو كانا صغيرين قد أنكحهما الوليّ فالمعتبر إسلام أحد الأبوين في إسلام ولده ، ولا اعتبار بمجلس الإسلام عندنا.

(ولو أسلم الوثنيّ) ومن في حكمه (٥) (أو الكتابي على أكثر من أربع) نسوة بالعقد الدائم (فأسلمن ، أو كنّ كتابيّات) وإن لم يسلمن (تخيّر أربعاً) منهنّ وفارق سائرهنّ إن كان حرّاً وهنّ حرائر ، وإلّا اختار ما عيّن له سابقاً من حرّتين وأمتين ، أو ثلاث حرائر وأمة ، والعبد يختار حرّتين ، أو أربع إماء ، أو حرّة وأمتين ، ثمّ تتخيّر الحرّة في فسخ عقد الأمة وإجازته كما مرّ (٦).

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٢٢٢ القول بوجوب جميع المهر؛ لوجوبه بالعقد ولم يثبت تشطيره إلّابالطلاق.

(٢) من أنّ الفسخ جاء من قِبَلها.

(٣) وهو إسلام الكتابيّة.

(٤) سواء أسلمت في العدّة أم لا. (هامش ر).

(٥) من سائر المشركين والملحدين.

(٦) مرّ في الصفحة ٢٠٤.

٢٢٤

ولو شرطنا في نكاح الأمة الشرطين توجّه انفساخ نكاحها هنا إذا جامعت حرّة؛ لقدرته عليها المنافية لنكاح الأمة. ولو تعدّدت الحرائر اعتبر رضاهنّ جُمَع ما لم يزدن على أربع ، فيعتبر رضاء من يختارهنّ من النصاب.

ولا فرق في التخيير بين من ترتّب عقدهنّ واقترن ، ولا بين اختيار الأوائل والأواخر ، ولا بين من دخل بهنّ وغيرهنّ. ولو أسلم معه أربع وبقي أربع كتابيّات فالأقوى بقاء التخيير.

(الثالثة عشرة) :

(لا يحكم بفسخ نكاح العبد بإباقه وإن لم يَعُد في العدّة على الأقوى) لأصالة بقاء الزوجيّة (ورواية عمّار) الساباطي عن الصادق عليه السلام قال : (سألته عن رجل أذن لعبده في تزويج امرأة فتزوّجها ، ثمّ إنّ العبد أبق؟ فقال : ليس لها على مولاه نفقة ، وقد بانت عصمتها منه ، فإنّ إباق العبد طلاق امرأته ، وهو بمنزلة المرتدّ عن الإسلام. قلت : فإن رجع إلى مولاه ترجع امرأته إليه؟ قال : إن كانت قد انقضت عدّتها ثمّ تزوّجت غيره فلا سبيل له عليها ، وإن لم تتزوّج ولم تنقض العدّة فهي امرأته على النكاح الأوّل) (١) (ضعيفة) السند ، فإنّ عمّاراً وإن كان ثقةً إلّاأ نّه فطحيٌّ لا يُعتمد على ما ينفرد به. ونبّه بالأقوى على خلاف الشيخ في النهاية (٢) حيث عمل بمضمونها ، وتبعه ابن حمزة (٣) إلّاأ نّه خصّ الحكم بكون العبد زوجاً لأمة غير سيّده ، وقد تزوّجها بإذن السيّدين.

والحقّ المنع مطلقاً ووجوب النفقة على السيّد ، ولا تبين المرأة إلّابالطلاق.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٥٨٣ ، الباب ٧٢ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث الأوّل.

(٢) النهاية : ٤٩٨.

(٣) الوسيلة : ٣٠٧.

٢٢٥

(الرابعة عشرة) :

(الكفاءة) ـ بالفتح والمدّة ـ وهي تساوي الزوجين في الإسلام والإيمان ، إلّاأن يكون المؤمن هو الزوج والزوجة مسلمة من غير الفِرَق المحكوم بكفرها مطلقاً ، أو كتابيّة في غير الدائم.

وقيل : يعتبر مع ذلك يسار الزوج بالنفقة قوّةً أو فعلاً (١).

وقيل : يُكتفى بالإسلام (٢) والأشهر الأوّل. وكيف فُسّرت فهي (معتبرة في النكاح ، فلا يجوز للمسلمة) مطلقاً (التزويج * بالكافر) وهو موضع وفاق.

(ولا يجوز للناصب التزويج بالمؤمنة) لأنّ الناصبي شرّ (٣) من اليهودي والنصراني على ما رُوي في أخبار أهل البيت عليهم السلام (٤) وكذا العكس ، سواء الدائم والمتعة. (ويجوز للمسلم التزويج متعة أو استدامة) للنكاح على تقدير إسلامه (كما مرّ (٥) بالكافرة) الكتابيّة ومنها المجوسيّة ، وكان عليه أن يقيّدها ، ولعلّه اكتفى بالتشبيه بما مرّ.

__________________

(١) قاله الشيخ في المبسوط ٤ : ١٧٨ ـ ١٧٩ ، والعلّامة في التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٦٠٣ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٢٩٩.

(٢) قاله المفيد في المقنعة : ٥١٢ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٣٢.

(*) في (ع) و (ف) : التزوّج.

(٣) في (ر) : أشرّ.

(٤) اُنظر الوسائل ١ : ١٥٩ ، الباب ١١ من أبواب الماء المضاف ، الحديث ٥ ، و ١٦٥ ، الباب ٣ من أبواب الأسآر ، الحديث ٢.

(٥) مرّ في الصفحة ٢٢٠ ـ ٢٢١.

٢٢٦

(وهل يجوز للمؤمنة التزويج بالمخالف) من أيّ فِرَق الإسلام كان ولو من الشيعة غير الإماميّة؟ (قولان) :

أحدهما ـ وعليه المعظم ـ المنع (١) لقول النبيّ صلى الله عليه وآله : (المؤمنون بعضهم أكفاء بعض) (٢) دلّ بمفهومه على أنّ غير المؤمن لا يكون كفواً للمؤمنة. وقوله صلى الله عليه وآله : (إذا جاءكم من ترضون خُلقه ودينه فزوّجوه ، إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) (٣) والمؤمن لا يرضى دين غيره. وقول الصادق عليه الصلاة والسلام : (إنّ العارفة لا توضع إلّاعند عارف) (٤) وفي معناها أخبار كثيرة (٥) واضحة الدلالة على المنع لو صحّ سندها ، وفي بعضها تعليل ذلك بأنّ المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه (٦).

والثاني : الجواز على كراهية ، اختاره المفيد (٧) والمحقّق ابن سعيد (٨) إمّا لأنّ

__________________

(١) مثل الشيخ في المبسوط ٤ : ١٧٨ ، والخلاف ٤ : ٢٧١ ، المسألة ٢٧ ، وابن إدريس في السرائر ٢ : ٥٥٧ ، والعلّامة في التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٦٠٣ ـ ٦٠٤ ، والقواعد ٣ : ١٤.

(٢) الوسائل ١٤ : ٣٩ ، الباب ٢٣ من أبواب مقدّمات النكاح ، الحديث ٢.

(٣) الوسائل ١٤ : ٥١ ـ ٥٢ ، الباب ٢٨ من أبواب مقدّمات النكاح ، الحديث ١ و ٢ و ٦.

(٤) الوسائل ١٤ : ٤٢٤ ، الباب ١٠ من أبواب ما يحرم بالكفر ، الحديث ٥.

(٥) مثل ما في الوسائل ١٤ : ٤٢٤ ، الباب ١٠ من أبواب ما يحرم بالكفر ، الحديث ٣ و ٤ وغيرهما في الباب ١١ من الأبواب.

(٦) الوسائل ١٤ : ٤٢٨ ، الباب ١١ من أبواب ما يحرم بالكفر ، الحديث ٢.

(٧) لم نعثر على تصريحه به ، نعم نسبه في المقتصر : ٢٤٠ وفي المهذّب البارع ٣ : ٣٠١ إلى ظاهر المفيد ، اُنظر المقنعة : ٥١٢.

(٨) الشرائع ٢ : ٣٠٠ ، والمختصر النافع : ١٨٠.

٢٢٧

الإيمان هو الإسلام ، أو لضعف الدليل الدالّ على اشتراط الإيمان ، فإنّ الأخبار بين مرسل وضعيف ومجهول (١) ولا شكّ أنّ الاحتياط المطلوب في النكاح ـ المترتّب عليه مهامّ الدين مع تظافر الأخبار بالنهي وذهاب المعظم إليه حتّى ادّعى بعضهم الإجماع عليه (٢) ـ يرجّح القول الأوّل. واقتصار المصنّف على حكاية القولين مشعر بما نبّهنا عليه (٣).

(أمّا العكس فجائز) قطعاً (لأنّ المرأة تأخذ من دين بعلها) فيقودها إلى الإيمان. والإذن فيه من الأخبار (٤) كثير.

(الخامسة عشرة) :

(ليس التمكّن من النفقة) قوّةً أو فعلاً (شرطاً في صحّة العقد) لقوله تعالى : (وَأَنْكِحُوا اَلْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَاَلصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَإِمٰائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اَللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ) (٥) وللخبرين السابقين.

__________________

(١) فالمرسل مثل خبر الكليني (المشار إليه في الصفحة السابقة في الهامش رقم (٢) ، والضعيف مثل خبر سهل بن زياد (المشار إليه في الصفحة السابقة في الهامش رقم (٣) وهو فاسد المذهب ، والمجهول كخبر فضيل بن يسار (المشار إليه في الصفحة السابقة في الهامش رقم ٥ ، الحديث (٤) وفي طريقه مروان بن مسلم وعليّ بن يعقوب وهما مجهولان. راجع المسالك ٧ : ٤٠٢ ـ ٤٠٣.

(٢) مثل الشيخ وابن إدريس ، راجع الصفحة المتقدّمة ، التخريج ١.

(٣) من تظافر الأخبار على المنع وذهاب المعظم إليه ، ومطلوبيّة الاحتياط في النكاح من جهة ، وموافقة القول الثاني للاُصول وضعف ما دلّ على خلافه من جهة اُخرى.

(٤) اُنظر الوسائل : ٤٢٧ ، الباب ١١ من أبواب ما يحرم بالكفر.

(٥) النور : ٣٢.

٢٢٨

ثمّ إن كانت عالمة بفقره لزم العقد ، وإلّا ففي تسلّطها على الفسخ إذا علمت قولان (١) مأخذهما : لزوم التضرّر ببقائها معه كذلك المنفيّ بالآية (٢) والرواية (٣) وأنّ النكاح عقد لازم والأصل البقاء ، ولقوله تعالى :(وَإِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ)(٤) وهو عامّ. وهو الأجود. والوجهان آتيان فيما إذا تجدّد عجزه.

وقيل : هو شرط في صحّة النكاح كالإسلام ، وأنّ الكفاءة مركّبة منهما أو منهما ومن الإيمان (٥).

والأقوى عدم شرطيّته مطلقاً (٦) (نعم هو شرط في وجوب الإجابة) منها أو من وليّها؛ لأنّ الصبر على الفقر ضرر عظيم في الجملة ، فينبغي جبره بعدم وجوب إجابته ، وإن جازت أو رجحت مع تمام خُلْقه وكمال دينه ، كما أمر به النبيّ صلى الله عليه وآله في إنكاح جويبر (٧) وغيره (٨).

وملاحظة المال مع تمام الدين ليس محطَّ نظر ذوي الهمم العوالي.

__________________

(١) القول بتسلّطها على الفسخ لابن إدريس في السرائر ٢ : ٥٥٧ ، والعلّامة في المختلف ٧ : ٢٩٩. والقول بالعدم للصيمري في غاية المرام : ٧٨ ، ونسب ذلك في المهذّب ٣ : ٣٠٤ وغيره إلى المحقّق والعلّامة وولده ولكنّ الموجود في كتبهم عدم اشتراط التمكّن ولم يتعرّضوا للفسخ.

(٢) الحجّ : ٧٨.

(٣) اُنظر الوسائل ١٢ : ٣٦٤ ، الباب ١٧ من أبواب الخيار ، الحديث ٣ و ٤.

(٤) البقرة : ٢٨٠.

(٥) تقدّم عن الشيخ والعلّامة في الصفحة ٢٢٦ ، الرقم ١.

(٦) يعني عدم شرطيّة التمكّن مع العلم بفقره وعدمه ، ومع سبق عجزه أو تجدّده.

(٧) الوسائل ١٤ : ٤٤ ، الباب ٢٥ من أبواب مقدّمات النكاح ، الحديث الأوّل.

(٨) المصدر السابق : الحديث ٢ ، والأبواب ٢٦ و ٢٧ و ٢٨.

٢٢٩

(السادسة عشرة) :

(يكره تزويج الفاسق خصوصاً شارب الخمر) قال الصادق عليه السلام : «من زوّج كريمته من شارب الخمر فقد قطع رحمها» (١) وذهب بعض العامّة (٢) إلى عدم جواز تزويج الفاسق مطلقاً (٣) إلّالمثله؛ لقوله تعالى : (أَفَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ) (٤).

(السابعة عشرة) :

(لا يجوز التعريض بالعقد لذات البعل) اتّفاقاً ، ولما فيه من الفساد (ولا للمعتدّة رجعيّة) لأنّها في حكم المزوّجة.

والمراد بالتعريض : الإتيان بلفظٍ يحتمل الرغبة في النكاح وغيرها مع ظهور إرادتها ، مثل : ربّ راغب فيك وحريص عليك ، أو إنّي راغب فيك ، أو أنت عليَّ كريمة أو عزيزة ، أو إنّ اللّٰه لسائق إليك خيراً أو رزقاً ، ونحو ذلك. وإذا حرم التعريض لهما فالتصريح أولى.

(ويجوز في المعتدّة بائناً) كالمختلعة (التعريض من الزوج) وإن لم تحلّ له في الحال (وغيره ، والتصريح منه) وهو الإتيان بلفظٍ لا يحتمل

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٥٣ ، الباب ٢٩ من أبواب مقدّمات النكاح ، الحديث الأوّل.

(٢) هو الشافعي ذهب إلى أنّ الفاسق ليس بكفو للعدل [اُنظر الشرح الكبير ٧ : ٣٧٤ ـ ٣٧٥ ، ومغني المحتاج ٣ : ١٦٦]. (منه رحمه الله).

(٣) لم يرد (مطلقاً) في (ع).

(٤) السجدة : ١٨.

٢٣٠

غير إرادة النكاح (إن حلّت له في الحال) بأن تكون على طلقة أو طلقتين ، وإن توقّف الحلّ على رجوعها في البذل (ويحرم) التصريح منه (إن توقّف) حلّها له (على المحلّل. وكذا يحرم التصريح) في العدّة (من غيره مطلقاً) سواء توقّف حلّها للزوج على محلّل أم لا ، وكذا منه بعد العدّة.

(ويحرم التعريض للمطلّقة تسعاً) للعدّة (من الزوج) لامتناع نكاحه لها والملاعنة ونحوها من المحرّمات على التأبيد. (ويجوز) التعريض لها (من غيره) كغيرها من المطلّقات بائناً.

واعلم أنّ الإجابة تابعة للخطبة في الجواز والتحريم ، ولو فعل الممنوع تصريحاً أو تعريضاً لم تحرم بذلك ، فيجوز له بعد انقضاء العدّة تزويجها ، كما لو نظر إليها في وقت تحريمه ثمّ أراد نكاحها.

(الثامنة عشرة) :

(تحرم الخطبة بعد إجابة الغير) منها أو من وكيلها أو وليّها؛ لقوله صلى الله عليه وآله : «لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه» (١) فإنّ النهي ظاهر في التحريم ، ولما فيه من إيذاء المؤمن وإثارة الشحناء المحرّم ، فيحرم ما كان وسيلة إليه ، ولو رُدّ لم تحرم إجماعاً. ولو انتفى الأمران (٢) فظاهر الحديث التحريم أيضاً ، لكن لم نقف على قائل به. (ولو) خالف وخطب و (عقد صحّ) وإن فعل محرَّماً؛ إذ لا منافاة بين تحريم الخطبة وصحّة العقد.

__________________

(١) عوالي اللآلئ ٢ : ٢٧٤ ، الحديث ٣٩ ، وكنز العمّال ١٦ : ٢٩٢ ، الرقم ٤٤٥٣٨ ـ ٤٤٥٣٩ ، والسنن الكبرى ٧ : ١٧٩.

(٢) أي الردّ والإجابة من المرأة.

٢٣١

(وقيل : تكره الخطبة) بعد إجابة الغير من غير تحريم (١) لأصالة الإباحة وعدم صيرورتها بالإجابة زوجة ، ولعدم ثبوت الحديث ، كحديث النهي عن الدخول في سومه (٢) وهذا أقوى ، وإن كان الاجتناب طريق الاحتياط. هذا كلّه في الخاطب المسلم.

أمّا الذمّي إذا خطب الذمّية لم تحرم خطبة المسلم لها قطعاً؛ للأصل وعدم دخوله في النهي؛ لقوله صلى الله عليه وآله : (على خطبة أخيه).

(التاسعة عشرة) :

(يكره العقد على القابلة المربّية) للنهي عنه في عدّة أخبار (٣) المحمول على الكراهة جمعاً بينها وبين ما دلّ صريحاً على الحِلّ (٤).

وقيل : تحرم (٥) عملاً بظاهر النهي. ولو قبلت ولم تربّ ، أو بالعكس لم تحرم ولم تكره قطعاً. والمعتبر في التربية مسمّاها ، عملاً بالإطلاق.

وكذا يُكره العقد على بنتها؛ لأنّها بمنزلة اُخته ، كما أنّ القابلة بمنزلة اُمّه؛ لورودها معها في بعض الأخبار (٦) وكان عليه أن يذكرها ، إلّاأ نّه لا قائل هنا بالمنع.

__________________

(١) قاله المحقّق في المختصر النافع : ١٨١ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ١١٤ ، ونسبه في غاية المرام ٣ : ٨٢ إلى المشهور وقال : وهو المعتمد.

(٢) اُنظر الوسائل ١٢ : ٣٣٨ ، الباب ٤٩ من أبواب آداب التجارة ، الحديث ٣.

(٣) اُنظر الوسائل ١٤ : ٣٨٦ ـ ٣٨٩ ، الباب ٣٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٤) المصدر السابق : ٣٨٧ ، الحديث ٥ و ٦.

(٥) قاله الصدوق في المقنع : ٣٢٦.

(٦) اُنظر الوسائل ١٤ : ٣٨٦ ـ ٣٨٧ ، الباب ٣٩ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الحديث ١ و ٣ و ٨.

٢٣٢

(و) كذا يُكره (أن يزوّج ابنه بنت زوجته المولودة بعد مفارقته) لاُمّها. وكذا ابنة أمته كذلك؛ للنهي عنه عن الباقر عليه السلام معلّلاً بأنّ أباه لها بمنزلة الأب (١).

وكذا يُكره تزويج ابنته لابنها كذلك ، والرواية شاملة لهما؛ لأنّه فرضها في تزويج ولده لولدها ، فلو فرضها المصنّف كذلك كان أشمل (أمّا) لو ولدتها (قبل تزويجه فلا كراهة) لعدم النهي وانتفاء العلّة (وأن يتزوّج بضرّة الاُمّ مع غير الأب لو فارقها الزوج) لرواية زرارة عن الباقر عليه السلام قال : «ما اُحبّ للرجل المسلم أن يتزوّج ضرّة كانت لاُمّه مع غير أبيه» (٢) وهو شامل لما إذا كان تزوّج ذلك الغير قبل أبيه وبعده.

(العشرون) :

(نكاح الشغار) بالكسر. وقيل : بالفتح (٣) أيضاً (باطل) * إجماعاً (وهو أن يزوّج كلّ من الوليّين الآخر على أن يكون بُضع كلّ واحدة مهراً للاُخرى) وهو نكاح كان في الجاهليّة ، مأخوذ من الشغر وهو رفع إحدى الرِجلين ، إمّا لأنّ النكاح يُفضي إلى ذلك ومنه قولهم : «أشغراً وفخراً؟» أو لأنّه يتضمّن رفع المهر ، أو من قبيل شغر البلد : إذا خلا من القاضي والسلطان؛ لخلوّه من المهر. والأصل في تحريمه ما رُوي من النهي عنه عن النبيّ صلى الله عليه وآله (٤).

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٣٦٥ ، الباب ٢٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الحديث ٥.

(٢) الوسائل ١٤ : ٣٨٩ ، الباب ٤٢ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، وفيه حديث واحد.

(٣) قاله ابن إدريس في السرائر ٢ : ٥٨٠.

(*) في (ق) : يحرم نكاح الشغار.

(٤) اُنظر الوسائل ١٤ : ٢٢٩ ـ ٢٣٠ ، الباب ٢٧ من أبواب عقد النكاح ، الحديث ٢ و ٣ و ٤.

٢٣٣

ولو خلا المهر من أحد الجانبين بطل خاصّة ، ولو شرط كلّ منهما تزويج (١) الاُخرى بمهر معلوم صحّ العقدان وبطل المسمّى؛ لأنّه شرط معه تزويج وهو غير لازم ، والنكاح لا يقبل الخيار ، فيثبت مهر المثل. وكذا لو زوّجه بمهر وشرط أن يزوّجه ولم يذكر مهراً.

__________________

(١) في (ع) و (ف) : تزوّج.

٢٣٤

(الفصل الرابع)

(في نكاح المتعة)

وهو النكاح المنقطع (ولا خلاف) بين الإماميّة (في شرعيّته) مستمرّاً إلى الآن ، أو (١) لا خلاف بين المسلمين قاطبةً في أصل شرعيّته ، وإن اختلفوا بعد ذلك في نسخه (والقرآن) الكريم (مصرِّح به) في قوله تعالى : (فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) (٢) اتّفق جمهور المفسّرين على أنّ المراد به نكاح المتعة ، وأجمع أهل البيت عليهم السلام على ذلك ، وروي عن جماعة من الصحابة ـ منهم اُبيّ بن كعب وابن عبّاس وابن مسعود ـ (أنّهم قرأوا فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى)(٣).

(ودعوى نسخه) أي نسخ جوازه من الجمهور (٤) (لم تثبت) لتناقض رواياتهم بنسخه ، فإنّهم رووا عن عليّ عليه السلام أنّ رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله نهى عن متعة النساء

__________________

(١) في (ف) ونسخة بدل (ش) : إذ.

(٢) النساء : ٢٤.

(٣) اُنظر تفسير الطبري ٥ : ٩ ، والتبيان ٣ : ١٦٦ ، ومجمع البيان ٢ : ٣٢.

(٤) اُنظر المغني والشرح الكبير ٧ : ٥٧١ ـ ٥٧٣ ، و ٥٣٦ ـ ٥٣٨ ، والمجموع ١٧ : ٣٥٦ ـ ٣٦٠ ، ونيل الأوطار ٦ : ١٣٦ ـ ١٣٧ ، وشرح النووي ٩ : ١٧٩ ـ ١٨٩.

٢٣٥

يوم خيبر (١) ورووا عن ربيع بن سبرة عن أبيه أنّه قال : (شكونا العُزبة في حجّة الوداع فقال : استمتعوا من هذه النساء ، فتزوّجت امرأة ثمّ غدوت على رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله وهو قائم بين الركن والباب وهو يقول : إنّي كنت قد أذنت لكم في الاستمتاع ، ألا وإنّ اللّٰه قد حرّمها إلى يوم القيامة) (٢).

ومن المعلوم ضرورةً من مذهب عليّ وأولاده عليهم الصلاة والسلام حلّها وإنكار تحريمها بالغاية ، فالرواية عن عليّ عليه السلام بخلافه باطلة. ثمّ اللازم من الروايتين أن تكون قد نسخت مرّتين؛ لأنّ إباحتها في حجّة الوداع أولاً ناسخة لتحريمها يوم خيبر ، ولا قائل به ، ومع ذلك فيتوجّه إلى خبر سبرة الطعن في سنده واختلاف ألفاظه ومعارضته لغيره. ورووا عن جماعة من الصحابة منهم جابر بن عبد اللّٰه وعبد اللّٰه بن عبّاس وابن مسعود وسلمة بن الأكوع وعمران بن حصين وأنس بن مالك : أنّها لم تُنسخ (٣) وفي صحيح مسلم بإسناده إلى عطاء قال : «قدم جابر بن عبد اللّٰه معتمراً فجئناه في منزله ، فسأله القوم عن أشياء ثمّ ذكروا المتعة ، فقال : نعم استمتعنا على عهد رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر» (٤) وهو صريح في بقاء شرعيّتها بعد موت النبيّ صلى الله عليه وآله من غير نسخ.

(وتحريم بعض الصحابة) وهو عمر (إيّاه تشريع) من عنده (مردود) عليه؛ لأنّه إن كان بطريق الاجتهاد فهو باطل في مقابلة النصّ

__________________

(١) السنن الكبرى ٧ : ٢٠١ ـ ٢٠٢ ، وكنز العمّال ١٦ : ٥٢٢ ، الحديث ٤٥٧٢٨.

(٢) السنن الكبرى ٧ : ٢٠٣ ، وكنز العمّال ١٦ : ٥٢٥ ، الحديث ٤٥٧٣٩ ، ونيل الأوطار ٦ : ١٣٤ ، الرقم ٦.

(٣) اُنظر المحلّى ٩ : ١٢٩ ، ونيل الأوطار ٦ : ١٣٥ ، وشرح النووي ٩ : ١٧٩.

(٤) صحيح مسلم ٤ : ١٣١.

٢٣٦

إجماعاً ، وإن كان بطريق الرواية فكيف خفي ذلك على الصحابة أجمع في بقيّة زمن النبيّ وجميع خلافة أبي بكر وبعض خلافة المحرِّم؟

ثمّ يدلّ على أنّ تحريمه من عنده لا بطريق الرواية قوله في الرواية المشهورة عنه بين الفريقين : «متعتان كانتا في عهد رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله حلالاً أنا أنهى عنهما واُعاقِب عليهما» (١) ولو كان النبيّ صلى الله عليه وآله قد نهى عنهما في وقت من الأوقات لكان إسناده إليه صلى الله عليه وآله أولى وأدخل في الزجر. وروى شعبة عن الحكم بن عتيبة ـ وهو من أكابرهم ـ قال : سألته عن هذه الآية (فَمَا اِسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ) (٢) أمنسوخة هي؟ قال : لا ، ثمّ قال الحكم : قال عليّ بن أبي طالب عليه السلام : «لولا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلّاشقيّ» (٣) وفي صحيح الترمذي «أنّ رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء فقال : هي حلال ، فقال : إنّ أباك قد نهى عنها ، فقال ابن عمر : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها (٤) رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله أتترك السنّة وتتبع قول أبي!» (٥).

وأمّا الأخبار بشرعيّتها (٦) من طريق أهل البيت عليهم السلام فبالغة ـ أو كادت أن تبلغ ـ حدَّ التواتر؛ لكثرتها ، حتّى أنّه مع كثرة اختلاف أخبارنا ـ الذي أكثره بسبب التقيّة ـ وكثرة مخالفينا فيه لم يوجد خبر واحد منها يدلّ على منعه ، وذلك عجيب!

__________________

(١) السنن الكبرى ٧ : ٢٠٦ ، وكنز العمّال ١٦ : ٥١٩ ، الرقم ٤٥٧١٥.

(٢) النساء : ٢٤.

(٣) تفسير الطبري ٥ : ٩.

(٤) في (ش) : وسنّها ، وفي (ر) : وقد سنّها.

(٥) سنن الترمذي ٣ : ١٨٥ ، الرقم ٨٢٤ ، ولكنّه في متعة الحجّ ، ولم نعثر على غيره فيه.

(٦) في (ع) و (ف) : شرعيّته.

٢٣٧

(وإيجابه كالدائم) بأحد الألفاظ الثلاثة ولا إشكال هنا في (متّعتُكَ) (وقبوله كذلك. ويزيد) هنا ذكر (الأجل) المضبوط المحروس عن الزيادة والنقصان (وذكر المهر) المضبوط كذلك بالكيل أو الوزن أو العدد مع المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة ، ولو أخلّ به بطل العقد ، بخلاف الدائم.

(وحكمه كالدائم في جميع ما سلف) من الأحكام شرطاً وولايةً ، وتحريماً بنوعيه (١) (إلّاما استُثني) من أنّ المتعة لا تنحصر في عدد (٢) وأ نّها تصحّ بالكتابيّة ابتداءً.

(ولا تقدير في المهر قلّة ولا كثرة) ، بل ما تراضيا عليه ممّا يُتموَّل ولو بكفٍّ من بُرٍّ ، وقدّره الصدوق بدرهم (٣) (وكذا) لا تقدير في (الأجل) قلّة وكثرة. وشذّ قول بعض الأصحاب بتقديره قلّة بما بين طلوع الشمس والزوال (٤) (ولو وهبها المدّة قبل الدخول فعليه نصف المسمّى) كما لو طلّق في الدوام قبلَه. وفي إلحاق هبة بعض المدّة قبلَه بالجميع نظر ، والأصل يقتضي عدم السقوط. ولو كانت الهبة بعد الدخول للجميع أو البعض لم يسقط منه شيء قطعاً؛ لاستقراره بالدخول. والظاهر أنّ هذه الهبة إسقاط بمنزلة الإبراء فلا يفتقر إلى القبول.

(ولو أخلّت بشيء من المدّة) اختياراً قبل الدخول أو بعده (قاصّها) من المهر بنسبة ما أخلّت به من المدّة بأن يبسط المهر على جميع المدّة ويسقط منه

__________________

(١) عيناً وجمعاً.

(٢) في (ر) زيادة : ونصاب.

(٣) المقنع : ٣٣٩.

(٤) قاله ابن حمزة في الوسيلة : ٣١٠.

٢٣٨

بحسابه ، حتّى لو أخلّت بها أجمع سقط عنه المهر.

ولو كان المنع لعذر ـ كالحيض والمرض والخوف من ظالم ـ لم يسقط باعتباره شيء. ويحتمل ضعيفاً السقوط بالنسبة كالاختياري ، نظراً إلى أنّه في مقابلة الاستمتاع بقرينة المنع الاختياري. وهو مشترك بين الاختياري والاضطراري. وضعفه ظاهر. وفي رواية عمر بن حنظلة عن الصادق عليه السلام (١) ما يدلّ على الحكمين (٢).

وإطلاق المقاصّة على ذلك الوجه مجاز؛ لأنّ مجرّد إخلالها بالمدّة يوجب سقوط مقابلها من العوض الآخر ، ومثل هذا لا يُعدّ مقاصّة.

ولو ماتت في أثناء المدّة أو قبل الدخول فأولى بعدم سقوط شيءٍ كالدائم.

(ولو أخلّ بالأجل في) متن (العقد انقلب دائماً ، أو بطل على خلاف) في ذلك ، منشؤه : من صلاحيّة أصل العقد لكلّ منهما ، وإنّما يتمحّض للمتعة بذكر الأجل وللدوام بعدمه ، فإذا انتفى الأوّل ثبت الثاني؛ لأنّ الأصل في العقد الصحّة ، وموثّقة ابن بكير عن الصادق عليه السلام قال : «إن سُمّي الأجل فهو متعة ، وإن لم يُسمَّ الأجل فهو نكاح باقٍ» (٣) وعلى هذا عمل الشيخ (٤) والأكثر (٥) ومنهم المصنّف

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٤٨٢ ، الباب ٢٧ من أبواب المتعة ، الحديث ٤.

(٢) السقوط في الاختياري وعدمه في الاضطراري.

(٣) الوسائل ١٤ : ٤٦٩ ، الباب ٢٠ من أبواب المتعة ، الحديث الأوّل.

(٤) النهاية : ٤٨٩.

(٥) مثل الحلبي في الكافي : ٢٩٨ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٢٤١ ، والسيّد ابن زهرة في الغنية : ٣٥٥ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٣٠٦ ، والمختصر النافع : ١٨٢.

٢٣٩

في شرح الإرشاد (١) ومن أنّ المتعة شرطها الأجل إجماعاً والمشروط عدمٌ عند عدم شرطه ، ولصحيحة زرارة عنه عليه السلام : (لا تكون متعة إلّابأمرين : بأجل مسمّى ، وأجرٍ مسمّى) (٢) وأنّ الدوام لم يُقصد والعقود تابعة للقصود ، وصلاحيّة الإيجاب لهما لا يوجب حمل المشترك على أحد معنييه مع إرادة المعنى (٣) الآخر المباين له.

وهذا هو الأقوى ، والرواية ليس فيها تصريح بأ نّهما أرادا المتعة وأخلّا بالأجل ، بل مضمونها : أنّ النكاح مع الأجل متعة وبدونه دائم ، ولا نزاع فيه.

وأمّا القول بأنّ العقد إن وقع بلفظ التزويج أو النكاح انقلب دائماً ، أو بلفظ التمتّع بطل (٤) أو بأنّ ترك الأجل إن كان جهلاً منهما أو من أحدهما أو نسياناً كذلك بطل ، وإن كان عمداً انقلب دائماً (٥) فقد ظهر ضعفه ممّا ذكرناه ، فالقول بالبطلان مطلقاً مع قصد التمتّع الذي هو موضع النزاع أوجه.

(ولو تبيّن فساد العقد) إمّا بظهور زوجٍ أو عدّة ، أو كونها محرَّمة عليه جمعاً أو عيناً أو غير ذلك من المفسدات (فمهر المثل مع الدخول) وجهلها حالةَ الوطء؛ لأنّه وطء محترم ، فلا بدّ له من عوض وقد بطل المسمّى ، فيثبت مهر مثلها في المتعة المخصوصة.

__________________

(١) غاية المراد ٣ : ٨٥.

(٢) الوسائل ١٤ : ٤٦٥ ، الباب ١٧ من أبواب المتعة ، الحديث الأوّل.

(٣) في (ع) : معنى.

(٤) قاله ابن إدريس في السرائر ٢ : ٦٢٠.

(٥) لم نعثر عليه.

٢٤٠