الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

خولف في غيره ، ومن ثمّ ادّعى بعضهم (١) الإجماع على جواز تقديم القبول هنا ، مع احتمال عدم الصحّة كغيره؛ لأنّ القبول إنّما يكون للإيجاب ، فمتى وجد قبله لم يكن قبولاً. وحيث يتقدّم يعتبر كونه بغير لفظ (قبلت) كتزوّجت ونكحت ، وهو حينئذٍ في معنى الإيجاب.

(و) كذا (لا) يشترط (القبول بلفظه) أي بلفظ الإيجاب ، بأن يقول : «زوّجتك» فيقول : «قبلت التزويج» أو «أنكحتك» فيقول : «قبلت النكاح» (فلو قال : «زوّجتك» فقال : «قبلت النكاح» صحّ) لصراحة اللفظ واشتراك الجميع في الدلالة على المعنى.

(ولا يجوز) العقد إيجاباً وقبولاً (بغير العربيّة مع القدرة) عليها؛ لأنّ ذلك هو المعهود من صاحب الشرع كغيره من العقود اللازمة ، بل أولى.

وقيل : إنّ ذلك مستحبّ لا واجب (٢) لأنّ غير العربيّة من اللغات من قبيل المترادف ، فيصحّ أن يقام مقامه ، ولأنّ الغرض إيصال المعاني المقصودة إلى فهم المتعاقدين ، فيتأدّى بأيّ لفظ اتّفق. وهما ممنوعان.

واعتبر ثالث كونه بالعربيّة الصحيحة (٣) فلا ينعقد بالملحون والمحرّف مع القدرة على الصحيح ، نظراً إلى الواقع من صاحب الشرع. ولا ريب أنّه أولى.

ويسقط مع العجز عنه. والمراد به ما يشمل المشقّة الكثيرة في التعلّم ، أو فوات بعض الأغراض المقصودة. ولو عجز أحدهما اختصّ بالرخصة ونطق القادر

__________________

(١) هو الشيخ كما صرّح به في المسالك ٧ : ٩٤ ، ونسبه المحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ٧٣ إلى الشيخ في المبسوط ، وانظر المبسوط ٤ : ١٩٤ ، وفيه : بلا خلاف.

(٢) قاله ابن حمزة في الوسيلة : ٢٩١.

(٣) جامع المقاصد ١٢ : ٧٥.

١٦١

بالعربيّة بشرط أن يفهم كلّ منهما كلام الآخر ولو بمترجمين عدلين. وفي الاكتفاء بالواحد وجه ، ولا يجب على العاجز التوكيل وإن قدر عليه؛ للأصل.

(والأخرس) يعقد إيجاباً وقبولاً (بالإشارة) المفهمة للمراد.

(ويعتبر في العاقد الكمال ، فالسكران باطل عقده ولو أجاز بعده) وخصّه بالذكر تنبيهاً على ردّ ما رُوي من «أنّ السكرى لو زوّجت نفسها ثمّ أفاقت فرضيت ، أو دخل بها فأفاقت وأقرّته كان ماضياً» (١) والرواية صحيحة ، إلّاأ نّها مخالفة للاُصول الشرعيّة فأطرحها الأصحاب ، إلّاالشيخ في النهاية (٢).

(ويجوز تولّي المرأة العقد عنها وعن غيرها إيجاباً وقبولاً) بغير خلاف عندنا ، وإنّما نبّه على خلاف بعض العامّة (٣) المانع منه.

(ولا يشترط الشاهدان) في النكاح الدائم مطلقاً (ولا الوليّ في نكاح الرشيدة وإن كانا أفضل) على الأشهر. خلافاً لابن أبي عقيل حيث اشترطهما فيه (٤) استناداً إلى رواية ضعيفة (٥) تصلح سنداً للاستحباب ، لا للشرطيّة.

(ويشترط تعيين الزوجة والزوج) بالإشارة أو بالاسم أو الوصف الرافعين للاشتراك (فلو كان له بنات وزوّجه واحدة ولم يُسمِّها ، فإن أبهم ولم يعيّن شيئاً في نفسه بطل) العقد؛ لامتناع استحقاق الاستمتاع بغير معيّن

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٢١ ، الباب ١٤ من أبواب عقد النكاح ، وفيه حديث واحد.

(٢) النهاية : ٤٦٨.

(٣) اُنظر المغني والشرح الكبير ٧ : ٣٣٧ و ٤٠٨ ، ومغني المحتاج ٣ : ١٤٧.

(٤) حكاه عنه العلّامة في المختلف ٧ : ١٠١ ، وعنه في الشهادة الشيخ في الخلاف ٤ : ٢٦١ ، المسألة ١٣.

(٥) الوسائل ١٤ : ٤٥٩ ، الباب ١١ من أبواب المتعة ، الحديث ١١. ولعلّ ضعفها لوجود مجاهيل في طريقها ، مثل فضل بن كثير والمهلب الدلّال. اُنظر جامع الرواة ٢ : ٧ و ٢٨٣.

١٦٢

(وإن عيّن) في نفسه من غير أن يُسمّيها لفظاً (فاختلفا في المعقود عليها حلف الأب إن كان الزوج رآهنّ ، وإلّا بطل العقد). ومستند الحكم رواية أبي عبيدة عن الباقر عليه السلام (١) وفيها على تقدير قبول قول الأب : أنّ عليه فيما بينه وبين اللّٰه تعالى أن يدفع إلى الزوج الجارية التي نوى أن يزوّجها إيّاه عند عقدة النكاح.

ويشكل بأ نّه إذا لم يسمِّ للزوج واحدة منهنّ فالعقد باطل ، سواء رآهنّ أم لا؛ لما تقدّم وأنّ رؤية الزوجة غير شرط في صحّة النكاح ، فلا مدخل لها في الصحّة والبطلان.

ونزّلها الفاضلان على أنّ الزوج إذا كان قد رآهنّ فقد رضي بما يعقد عليه الأب منهنّ ووكل الأمر إليه فكان كوكيله وقد نوى الأب واحدة معيّنة فصرف العقد إليها ، وإن لم يكن رآهن بطل؛ لعدم رضاء الزوج بما يسمّيه الأب (٢).

ويشكل بأنّ رؤيته لهنّ أعمّ من تفويض التعيين إلى الأب ، وعدمها أعمّ من عدمه ، والرواية مطلقة ، والرؤية غير شرط في الصحّة فتخصيصها بما ذكر والحكم به لا دليل عليه. فالعمل بإطلاق الرواية ـ كما صنع جماعة (٣) ـ أو ردّها مطلقاً نظراً إلى مخالفتها لاُصول المذهب ـ كما صنع ابن إدريس (٤) وهو الأولى ـ أولى. ولو فرض تفويضه إليه التعيين ينبغي الحكم بالصحّة وقبول قول الأب مطلقاً نظراً إلى أنّ الاختلاف في فعله وأنّ نظر الزوجة ليس بشرط في صحّة النكاح. وإن لم يفوّض إليه التعيين بطل مطلقاً.

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٢٢ ، الباب ١٥ من أبواب عقد النكاح ، وفيه حديث واحد.

(٢) الشرائع ٢ : ٢٧٤ ـ ٢٧٥ ، والمختلف ٧ : ١١٩ ، والقواعد ٣ : ١٠.

(٣) مثل الشيخ في النهاية : ٤٦٨ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ١٩٦ ، ويحيى بن سعيد الحلّي في الجامع للشرائع : ٤٣٦.

(٤) السرائر ٢ : ٥٧٣.

١٦٣

(ولا ولاية في النكاح لغير الأب والجدّ له) وإن علا (والمولى والحاكم والوصيّ) لأحد الأوّلين (فولاية القرابة) للأوّلين ثابتة (على الصغيرة أو المجنونة أو البالغة سفيهة ، وكذا الذكر) المتّصف بأحد الأوصاف الثلاثة (لا على) البكر البالغة (الرشيدة في الأصحّ) للآية (١) والأخبار (٢) والأصل.

وما ورد من الأخبار الدالّة على أنّها لا تتزوّج إلّابإذن الوليّ (٣) محمولة على كراهة الاستبداد جمعاً؛ إذ لو عمل بها لزم إطراح ما دلّ على انتفاء الولاية. ومنهم من جمع بينهما (٤) بالتشريك بينهما في الولاية (٥) ومنهم من جمع بحمل إحداهما على المتعة والاُخرى على الدوام (٦) وهو تحكّم.

(ولو عضلها) الوليّ ، وهو أن لا يزوّجها بالكفو مع وجوده ورغبتها

__________________

(١) البقرة : ٢٣٢ و ٢٣٤.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٠١ ، الباب ٣ من أبواب عقد النكاح ، الحديث الأوّل ، و ٢٠٣ نفس الباب ، الحديث ١٠ ، و ٢١٤ ـ ٢١٥ ، الباب ٩ من الأبواب ، الحديث ٤ و ٦ ، وغيرهما.

(٣) اُنظر الوسائل ١٤ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، الباب ٤ من أبواب عقد النكاح وغيره من الأبواب.

(٤) في (ع) و (ف) : بينها.

(٥) القائل بالتشريك المفيد [المقنعة : ٥١١] وأبو الصلاح [الكافي في الفقه : ٢٩٢] ، والذي فصّل فأجاز تفرّدها بالمتعة دون الدوام الشيخ في كتابي الأخبار [التهذيب ٧ : ٣٨١ ، ذيل الحديث ١٥٣٨ ، والاستبصار ٣ : ١٤٥ ، ذيل الحديث ٥٢٧] ، وعكس آخر ، ولا يعلم بعينه. (منه رحمه الله).

(٦) بحمل أخبار الولاية على الدائم وخلافها على المتعة ، حملها الشيخ في التهذيب ٧ : ٢٥٤ ، ذيل الخبر ١٠٩٤ ، و ٣٨٠ ، ذيل الخبر ١٥٣٨ ، والاستبصار ٣ : ١٤٥ ، الباب ٩٤ ، و ٢٣٦ ، ذيل الخبر ٨٥٠.

١٦٤

(فلا بحث في سقوط ولايته) وجواز استقلالها به. ولا فرق حينئذٍ بين كون النكاح بمهر المثل وغيره ، ولو منع من غير الكفو لم يكن عضلاً.

(وللمولى تزويج * رقيقه) ذكراً كان أم اُنثى رشيداً كان أم غير رشيد. ولا خيار له معه. وله إجباره عليه مطلقاً ، ولو تحرّر بعضه لم يملك إجباره حينئذٍ ، كما لا يصحّ نكاحه إلّابإذنه.

(والحاكم والوصيّ يزوّجان من بلغ فاسدَ العقل) أو سفيهاً (مع كون النكاح صلاحاً له وخلوِّه من الأب والجدّ) ولا ولاية لهما على الصغير مطلقاً في المشهور ، ولا على من بلغ رشيداً. ويزيد الحاكم الولاية على من بلغ ورشد ثمّ تجدّد له الجنون (١).

وفي ثبوت ولاية الوصيّ على الصغيرين مع المصلحة مطلقاً ، أو مع تصريحه له في الوصيّة بالنكاح أقوال اختار المصنّف هنا انتفاءها مطلقاً. وفي شرح الإرشاد اختار الجواز مع التنصيص ، أو مطلقاً (٢) وقبلَه العلّامة في المختلف (٣) وهو حسن؛ لأنّ تصرّفات الوصيّ منوطة بالغبطة وقد تتحقّق في نكاح الصغير ، ولعموم (فَمَنْ بَدَّلَهُ ...) (٤) ولرواية أبي بصير عن الصادق عليه السلام قال : «الذي بيده عقدة النكاح هو الأب والأخ والرجل يُوصى إليه» (٥) وذكر (الأخ) غيرُ

__________________

(*) في (ق) : والمولى يزوّج.

(١) في (ع) و (ش) : جنون.

(٢) غاية المراد ٣ : ٤٩ ـ ٥٠.

(٣) كذا حمله العلّامة في المختلف [٧ : ١٢٧] وهو أولى من إطراح الرواية. (منه رحمه الله).

(٤) البقرة : ١٨١.

(٥) الوسائل ١٤ : ٢١٣ ، الباب ٨ من أبواب عقد النكاح ، الحديث ٤.

١٦٥

مناف؛ لإمكان حمله على كونه وصيّاً أيضاً؛ ولأنّ الحاجة قد تدعو إلى ذلك؛ لتعذّر تحصيل الكفو حيث يراد ، خصوصاً مع التصريح بالولاية فيه.

(وهنا مسائل)

[الاُولى] (١) :

(يصحّ اشتراط الخيار في الصداق) لأنّ ذكره في العقد غير شرط في صحّته ، فيجوز إخلاؤه عنه واشتراط عدمه ، فاشتراط الخيار فيه غير منافٍ لمقتضى العقد ، فيندرج في عموم «المؤمنون عند شروطهم» (٢) فإن فسخه ذو الخيار ثبت مهر المثل مع الدخول ، ولو اتّفقا على غيره قبلَه صحّ. (ولا يجوز) اشتراطه (في العقد) لأنّه ملحق بضروب العبادات ، لا المعاوضات (فيبطل) العقد باشتراط الخيار فيه؛ لأنّ التراضي إنّما وقع بالشرط الفاسد ولم يحصل.

وقيل : يبطل الشرط خاصّة (٣) لأنّ الواقع شيئان فإذا بطل أحدهما بقي الآخر.

ويضعَّف بأنّ الواقع شيء واحد وهو العقد على وجه الاشتراط فلا يتبعّض. ويمكن إرادة القول الثاني من العبارة.

(ويصحّ توكيل كلّ من الزوجين في النكاح) لأنّه ممّا يقبل النيابة ولا يختصّ غرض الشارع بإيقاعه من مباشر معيّن (فليقل الوليّ) وليّ المرأة لوكيل الزوج : (زوّجت من موكّلك فلان ، ولا يقل : منك) بخلاف البيع

__________________

(١) لم يرد في المخطوطات.

(٢) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.

(٣) قاله ابن إدريس في السرائر ٢ : ٥٧٥.

١٦٦

ونحوه من العقود.

والفرق أنّ الزوجين في النكاح ركنان بمثابة الثمن والمثمن في البيع ، ولا بدّ من تسميتهما في البيع ، فكذا الزوجان في النكاح ، ولأنّ البيع يرد على المال وهو يقبل النقل من شخص إلى آخر ، فلا يمتنع أن يخاطب به الوكيل وإن لم يذكر الموكّل ، والنكاح يرد على البُضع وهو لا يقبل النقل أصلاً ، فلا يُخاطَب به الوكيل إلّا مع ذكر المنقول إليه ابتداءً ، ومن ثَمّ لو قبل النكاح وكالةً عن غيره فأنكر الموكّل الوكالة بطل ولم يقع للوكيل ، بخلاف البيع فإنّه يقع مع الإنكار للوكيل ، ولأنّ الغرض في الأموال متعلّق بحصول الأعواض الماليّة ولا نظر غالباً إلى خصوص الأشخاص ، بخلاف النكاح ، فإنّه متعلّق بالأشخاص فيعتبر التصريح بالزوج ، ولأنّ البيع يتعلّق بالمخاطب دون من له العقد ، والنكاح بالعكس ، ومن ثَمّ لو قال : «زوّجتها من زيد» فقبل له وكيله صحّ ، ولو حلف أن لا ينكح فقبل له وكيله حنث ، ولو حلف أن لا يشتري فاشترى له وكيله لم يحنث. وفي بعض هذه الوجوه نظر.

(وليقل) الوكيل : (قبلت لفلان) كما ذكر في الإيجاب ، ولو اقتصر على «قبلت» ناوياً موكِّله فالأقوى الصحّة؛ لأنّ القبول عبارة عن الرضا بالإيجاب السابق ، فإذا وقع بعد إيجاب النكاح للموكّل صريحاً كان القبول الواقع بعده رضاً به فيكون للموكّل.

ووجه عدم الاكتفاء به : أنّ النكاح نسبة فلا يتحقّق إلّابتخصيصه بمعيّن كالإيجاب. وضعفه يعلم ممّا سبق ، فإنّه لمّا كان رضاً بالإيجاب السابق اقتضى التخصيص بمن وقع له.

(ولا يزوّجها الوكيل من نفسه إلّاإذا أذنت) فيه (عموماً) ك‍ «زوّجني ممّن شئت» ، أو «ولو من نفسك» (أو خصوصاً) فيصحّ حينئذٍ على الأقوى.

١٦٧

أمّا الأوّل : فلأنّ المفهوم من إطلاق الإذن تزويجها من غيره؛ لأنّ المتبادر أنّ الوكيل غير الزوجين.

وأمّا الثاني : فلأنّ العامّ ناصّ على جزئيّاته ، بخلاف المطلق. وفيه نظر.

وأمّا الثالث : فلانتفاء المانع مع النصّ (١).

ومنعُ بعض الأصحاب (٢) استناداً إلى رواية عمّار (٣) الدالّة على المنع وأ نّه يصير موجباً قابلاً ، مردود بضعف الرواية وجواز تولّي الطرفين اكتفاءً بالمغايرة الاعتباريّة.

وله تزويجها مع الإطلاق من والده وولده وإن كان مولّى عليه.

(الثانية) :

(لو ادّعى زوجيّة امرأة فصدّقته حكم بالعقد ظاهراً) لانحصار الحقّ فيهما ، وعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز (وتوارثا) بالزوجيّة؛ لأنّ ذلك من لوازم ثبوتها ، ولا فرق بين كونهما غريبين أو بلديّين (ولو اعترف أحدهما) خاصّة (قُضي عليه به دون صاحبه) سواء حلف المنكر أم لا ، فيمنع من التزويج إن كان امرأة ومن اُختها واُمّها وبنت أخويها (٤) بدون إذنها. ويثبت عليه ما أقرّ به من المهر ، وليس لها مطالبته به. ويجب عليه التوصّل إلى تخليص ذمّته إن كان صادقاً. ولا نفقة عليه؛ لعدم التمكين.

__________________

(١) يعني نصّ المرأة.

(٢) لم نعثر على المانع ، كما اعترف به في التنقيح الرائع ٣ : ٣٣.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢١٧ ، الباب ١٠ من أبواب عقد النكاح ، الحديث ٤. والظاهر أنّ ضعفها بعمّار الساباطي؛ إذ حاله في الفطحيّة معلوم. المسالك ٧ : ٢٢١.

(٤) أي بنت أخيها واُختها من باب التغليب. وفي (ع) : إخوتها.

١٦٨

ولو أقام المدّعي بيّنة أو حلف اليمين المردودة مع نكول الآخر تثبت الزوجيّة ظاهراً ، وعليهما فيما بينهما وبين اللّٰه تعالى العمل بمقتضى الواقع. ولو انتفت البيّنة ثبت على المنكر اليمين.

وهل له التزويج الممتنع على تقدير الاعتراف قبلَ الحلف؟ نظر : من تعلّق حقّ الزوجيّة في الجملة ، وكون تزويجها يمنع من نفوذ إقرارها به على تقدير رجوعها؛ لأنّه إقرار في حقّ الزوج الثاني ، ومن عدم ثبوته ، وهو الأقوى. فيتوجّه اليمين متى طلبه المدّعي ، كما يصحّ تصرّف المنكر في كلّ ما يدّعيه عليه غيره قبل ثبوته ، استصحاباً للحكم السابق المحكوم به ظاهراً ، ولاستلزام المنع منه الحرج في بعض الموارد كما إذا غاب المدّعي ، أو أخّر الإحلاف.

ثمّ إن استمرّت الزوجة على الإنكار فواضح ، وإن رجعت إلى الاعتراف بعد تزويجها بغيره لم يسمع بالنسبة إلى حقوق الزوجيّة الثابتة عليها ، وفي سماعه بالنسبة إلى حقوقها قوّة؛ إذ لا مانع منه ، فيدخل في عموم «جواز إقرار العقلاء على أنفسهم» (١) وعلى هذا فإن ادّعت أنّها كانت عالمةً بالعقد حال دخول الثاني بها فلا مهر لها عليه ظاهراً؛ لأنّها بزعمها بغيّ ، وإن ادّعت الذُكر بعده فلها مهر المثل؛ للشبهة ، ويرثها الزوج ولا ترثه هي.

وفي إرث الأوّل ممّا يبقى من تركتها بعد نصيب الثاني نظر : من نفوذ الإقرار على نفسها وهو غير منافٍ ، ومن عدم ثبوته (٢) ظاهراً ، مع أنّه إقرار في حقّ الوارث.

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ١١١ ، الباب ٣ من كتاب الإقرار ، الحديث ٢.

(٢) في نسخة بدل (ر) : ثبوتها.

١٦٩

(الثالثة) :

(لو ادّعى زوجيّة امرأة وادَّعت اُختها عليه الزوجيّة حلف) على نفي زوجيّة المدّعية؛ لأنّه منكر ، ودعواه زوجيّة الاُخت متعلّق بها وهو أمر آخر. ويشكل تقديم قوله مع دخوله بالمدّعية؛ للنصّ على أنّ الدخول بها مرجِّح لها (١) فيما سيأتي. ويمكن أن يقال : هنا تعارض الأصل والظاهر فيرجّح الأصل ، وخلافه خرج بالنصّ ، وهو منفيّ هنا.

هذا إذا لم تُقِم بيّنة (فإن أقامت بيّنة فالعقد لها ، وإن أقام بيّنة) ولم تُقِم هي (فالعقد) على الاُخت (له).

ويشكل أيضاً مع معارضة دخوله بالمدّعية؛ لما سيأتي من أنّه مرجَّح على البيّنة ، ومع ذلك فهو مكذِّب بفعله لبيّنته. إلّاأن يقال ـ كما سبق ـ : إنّ ذلك على خلاف الأصل ويمنع كونه تكذيباً ، بل هو أعمّ منه ، فيقتصر في ترجيح الظاهر على الأصل على مورد النصّ (والأقرب توجّه اليمين على الآخر) وهو ذو البيّنة (في الموضعين) وهما : إقامته البيّنة فيحلف معها ، وإقامتها فتحلف معها.

ولا يخفى منافرة لفظ «الآخر» لذلك. وفي بعض النسخ «الآخذ» بالذال المعجمة (٢) والمراد به آخذ الحقّ المدّعى به ، وهو من حكم له ببيّنة ، وهو قريب من «الآخر» في الغرابة.

وإنّما حكم باليمين مع البيّنة (لجواز صدق البيّنة) الشاهدة لها بالعقد (مع تقدّم عقده على من ادّعاها) والبيّنة لم تطّلع عليه ، فلا بدّ من تحليفها لينتفي الاحتمال. وليس حلفها على إثبات عقدها تأكيداً للبيّنة؛ لأنّ ذلك لا يدفع

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٢٥ ، الباب ٢٢ من أبواب عقد النكاح ، وفيه حديث واحد.

(٢) لم ترد (المعجمة) في (ع) و (ف).

١٧٠

الاحتمال ، وإنّما حَلْفُها على نفي عقد اُختها.

وهل تحلف على البتّ أو على نفي العلم به؟ مقتضى التعليل الأوّل؛ لأنّ بدونه لا يزول الاحتمال. ويشكل بجواز وقوعه مع عدم اطّلاعها ، فلا يمكنها القطع بعدمه ، وبأنّ اليمين هنا ترجع إلى نفي فعل الغير ، فيكفي فيه حلفها على نفي علمها بوقوع عقد اُختها سابقاً على عقدها ، عملاً بالقاعدة.

(و) وجه حلفه مع بيّنته على نفي عقده على المدّعية جواز (صدق بيّنته) بالعقد على الاُخت (مع تقدّم عقده على من ادّعته) والبيّنة لا تعلم بالحال ، فيحلف على نفيه لرفع الاحتمال. والحلف هنا على القطع؛ لأنّه حلف على نفي فعله.

واليمين في هذين الموضعين لم ينبّه عليها أحد من الأصحاب ، والنصّ خالٍ عنها ، فيحتمل عدم ثبوتها لذلك ، ولئلّا يلزم تأخير البيان عن وقت الخطاب أو الحاجة.

(ولو أقاما بيّنة) فإمّا أن تكونا مطلقتين أو مؤرّختين أو إحداهما مطلقة والاُخرى مؤرّخة ، وعلى تقدير كونهما مؤرّختين إمّا أن يتّفق التأريخان أو يتقدّم تأريخ بيّنته أو تأريخ بيّنتها ، وعلى التقادير الستّة إمّا أن يكون قد دخل بالمدّعية أو لا.

فالصور [اثنتا عشرة] (١) مضافة إلى ستّة سابقة. وفي جميع هذه الصور [الاثنتي عشرة] (٢) (فالحكم لبيّنته ، إلّاأن يكون معها) أي مع الاُخت المدّعية (مرجّح) لبيّنتها (من دخول) بها (أو تقدّم تأريخ) بيّنتها على تأريخ بيّنته حيث تكونان مؤرّختين ، فيقدّم قولها في سبع صور من [الاثنتي عشرة] (٣) وهي

__________________

(١) في النسخ : اثنا عشر. والقياس ما أثبتاه.

(٢) و (٣) في النسخ : الاثني عشر.

١٧١

الستّة المجامعة للدخول مطلقاً ، وواحدة من الستّة الخالية عنه ، وهي ما لو تقدّم تأريخها ، وقولُه في الخمسة الباقية.

وهل يفتقر من قدّمت بيّنته بغير سبق التأريخ إلى اليمين؟ وجهان : منشؤهما الحكم بتساقط البيّنتين حيث تكونان متّفقتين فيحتاج من قُدّم قوله إلى اليمين ، خصوصاً المرأة؛ لأنّها مدّعية محضة ، وخصوصاً إذا كان المرجّح لها الدخول ، فإنّه بمجرّده لا يدلّ على الزوجيّة ، بل الاحتمال باقٍ معه. ومن إطلاق النصّ (١) بتقديم بيّنته مع عدم الأمرين ، فلو توقّف على اليمين لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة.

والأقوى الأوّل ، وإطلاق النصّ غير منافٍ لثبوت اليمين بدليل آخر ، خصوصاً مع جريان الحكم على خلاف الأصل في موضعين : أحدهما تقديم بيّنته مع أنّه مدّعٍ ، والثاني ترجيحها بالدخول وهو غير مرجِّح.

ومورد النصّ الاُختان كما ذكر (٢) وفي تعدّيه (٣) إلى مثل الاُمّ والبنت وجهان : من عدم النصّ وكونه خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورده. ومن اشتراك المقتضي.

والأوّل أقوى ، فتقدَّم بيّنتها مع انفرادها أو إطلاقهما أو سبق تأريخها. ومع عدمها يحلف هو؛ لأنّه منكر.

(الرابعة) :

(لو اشترى العبد زوجته لسيّده فالنكاح باقٍ) فإنّ شراءها لسيّده

__________________

(١) المتقدّم تخريجه في الصفحة ١٧٠ ، الهامش رقم ١.

(٢) في (ش) : كما ذكروا.

(٣) في (ر) و (ش) : تعديته.

١٧٢

ليس مانعاً منه (وإن اشتراها) العبد (لنفسه بإذنه أو ملَّكه إيّاها) بعد شرائها له (فإن قلنا بعدم ملكه فكالأوّل) لبطلان الشراء والتمليك ، فبقيت كما كانت أوّلاً على ملك البائع أو السيّد (وإن حكمنا بملكه بطل العقد) كما لو اشترى الحرّ زوجته الأمة واستباح بضعها بالملك.

(أمّا المبعَّض فإنّه) بشرائه لنفسه أو تملّكه (يبطل العقد قطعاً) لأنّه بجزئه الحرّ قابل للتملّك (١) ومتى ملك ولو بعضها بطل العقد.

(الخامسة) :

(لا يزوّج الوليّ ولا الوكيل بدون مهر المثل * ولا بالمجنون ولا بالخصيّ) ولا بغيره ممّن به أحد العيوب المجوّزة للفسخ. (و) كذا (لا يزوّج) الوليّ (الطفل بذات العيب فيتخيّر) كلّ منهما (بعد الكمال) (٢) لو زوّج بمن لا يقتضيه الإذن الشرعي. لكن في الأوّل إن وقع العقد بدون مهر المثل على خلاف المصلحة تخيّرت في المهر على أصحّ القولين (٣).

وفي تخيّرها في أصل العقد قولان : أحدهما التخيير (٤) لأنّ العقد الذي جرى عليه التراضي هو المشتمل على المسمّى ، فمتى لم يكن ماضياً كان لها

__________________

(١) في (ع) و (ر) : للتمليك.

(*) في (ق) : إلّابمهر المثل.

(٢) في (ع) ونسخة بدل (ش) : زيادة : كما.

(٣) ذهب إليه المحقّق في الشرائع ٢ : ٢٧٨ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ١٥ ، وولده في الإيضاح ٣ : ٢٧ ، وقالوا : (إنّ لها الاعتراض) ولم يفصلوا بين المهر والعقد ولا بين المصلحة وعدمها ، وقال العلّامة في الإرشاد ٢ : ١٦ : إنّ لها بدون المصلحة مهر المثل.

(٤) وهو قول المحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ١٤٩.

١٧٣

فسخه من أصله. والثاني عدمه (١) لعدم مدخليّة المهر في صحّة العقد وفساده.

وقيل : ليس لها مطلقاً (٢) لأنّ ما دون مهر المثل أولى من العفو ، وهو جائز للذي بيده عقدة النكاح ، وإذا لم يكن لها خيار في المهر ففي العقد أولى.

وعلى القول بتخيّرها في المهر يثبت لها مهر المثل. وفي توقّف ثبوته على الدخول أم يثبت بمجرّد العقد قولان (٣).

وفي تخيّر الزوج لو فسخت المسمّى وجهان : من التزامه بحكم العقد وهذا من جملة أحكامه. ومن دخوله على المهر القليل فلا يلزم منه الرضا بالزائد جبراً.

ولو كان العقد عليها بدون مهر المثل على وجه المصلحة ـ بأن كان هذا الزوج بهذا القدر أصلح وأكمل من غيره بأضعافه ، أو لاضطرارها إلى الزوج ولم يوجد إلّاهذا بهذا القدر ، أو غير ذلك ـ ففي تخيّرها قولان (٤) والمتّجه هنا عدم الخيار ، كما أنّ المتّجه هناك ثبوته.

وأمّا تزويجها بغير الكفو أو المعيب ، فلا شبهة في ثبوت خيارها في أصل العقد. وكذا القول في جانب الطفل ، ولو اشتمل على الأمرين ثبت الخيار فيهما. وعبارة الكتاب في إثبات أصل التخيير [فيهما] (٥)

مجملة تجري على جميع الأقوال.

__________________

(١) وهو للصيمري في غاية المرام ٣ : ٣١ ، وظاهر العلّامة في الإرشاد ٢ : ١٦.

(٢) أي لا في المهر ولا في العقد. وهو قول الشيخ في الخلاف ٤ : ٣٩٢ ، المسألة ٣٧ من كتاب الصداق ، والمبسوط ٤ : ٣١١.

(٣) لم نعثر على التفصيل.

(٤) القول بعدم التخيير للعلّامة في الإرشاد ٢ : ١٦. والقول بالتخيير هو ظاهر المحقّق في الشرائع ٢ : ٢٧٨ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ١٥ ، كما اُشير إليه في جامع المقاصد ١٢ : ١٤٧ ، والمسالك ٧ : ١٥٤.

(٥) لم يرد في المخطوطات.

١٧٤

(السادسة) :

(عقد النكاح لو وقع فضولاً) من أحد الجانبين أو منهما (يقف على الإجازة من المعقود عليه) إن كان كاملاً (أو وليّه) الذي له مباشرة العقد إن لم يكن (ولا يبطل) من أصله (على الأقرب) لما رُوي من أنّ جارية بكراً أتت النبيّ صلى الله عليه وآله فذكرت أنّ أباها زوّجها وهي كارهة فخيّرها النبيّ صلى الله عليه وآله (١) وروى محمّد بن مسلم أنّه سأل الباقر عليه السلام عن رجل زوّجته اُمّه وهو غائب قال : «النكاح جائز ، إن شاء الزوج قَبِل ، وإن شاء ترك» (٢) وحملُ القبول على تجديد العقد خلاف الظاهر. وروى أبو عبيدة الحذّاء في الصحيح أنّه سأل الباقر عليه السلام عن غلام وجارية زوّجهما وليّان لهما وهما غير مدركين ، فقال : «النكاح جائز ، وأ يّهما أدرك كان له الخيار» (٣) وحُمل الوليّ هنا على غير الأب والجدّ بقرينة التخيير (٤) وغيرها من الأخبار (٥) وهي دالّة على صحّة النكاح موقوفاً وإن لم نقل به في غيره من العقود. ويدلّ على جواز البيع أيضاً حديث عروة البارقي في شراء الشاة (٦) ولا قائل باختصاص الحكم بهما ، فإذا ثبت فيهما ثبت في سائر العقود.

__________________

(١) السنن الكبرى ٧ : ١١٧.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢١١ ، الباب ٧ من أبواب عقد النكاح ، الحديث ٣.

(٣) الوسائل ١٧ : ٥٢٧ ، الباب ١١ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث الأوّل.

(٤) حمله على ذلك في المختلف ٧ : ١٠٥.

(٥) الوسائل ١٧ : ٥٢٨ ، الباب ١١ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث ٢.

(٦) السنن الكبرى ٦ : ١١٢ ، والمستدرك ١٣ : ٢٤٥ ، الباب ١٨ من أبواب عقد البيع وشروطه ، وفيه حديث واحد.

١٧٥

نعم ، قيل باختصاصه بالنكاح (١) وله وجه لو نوقش في حديث عروة.

وقيل ببطلان عقد الفضولي مطلقاً (٢) استناداً إلى أنّ العقد سبب الإباحة (٣) فلا يصحّ صدوره من غير معقود عنه أو وليّه؛ لئلّا يلزم من صحّته عدم سببيّته بنفسه ، وأنّ رضا المعقود عنه أو وليّه شرط والشرط متقدّم ، وما رُوي من بطلان النكاح بدون إذن الوليّ (٤) وأنّ العقود الشرعيّة تحتاج إلى الأدلّة وهي منفيّة.

والأوّل عين المتنازع فيه ، والثاني ممنوع ، والرواية عامّيّة ، والدليل موجود.

(السابعة) :

(لا يجوز نكاح الأمة إلّابإذن مالكها وإن كان) المالك (امرأة في الدائم والمتعة) لقبح التصرّف في مال الغير بغير إذنه ، ولقوله تعالى : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) (٥) (ورواية سيف) بن عميرة عن عليّ بن المغيرة قال : «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن الرجل يتمتّع بأمة المرأة من غير إذنها فقال : لا بأس» (٦) (منافية للأصل) وهو تحريم التصرّف في مال الغير بغير إذنه عقلاً وشرعاً ،

__________________

(١) وهو المنسوب إلى ابن إدريس ، انظر السرائر ٢ : ٢٧٤ ـ ٢٧٥ ، و ٥٦٤ ـ ٥٦٥.

(٢) نسبه في غاية المراد ٣ : ٣٧ إلى الشيخ حيث حكم ببطلان بيع الفضولي ونكاحه ، اُنظر المبسوط ٢ : ١٥٨ ، و ٤ : ١٦٣. وكما حكم فخر المحقّقين بالبطلان في الموضعين ، اُنظر الإيضاح ١ : ٤١٧ ، و ٣ : ٢٧ ـ ٢٨.

(٣) في (ف) و (ر) : للإباحة.

(٤) راجع الإيضاح ٣ : ٢٧ ـ ٢٨.

(٥) النساء : ٢٥.

(٦) الوسائل ١٤ : ٤٦٣ ، الباب ١٤ من أبواب المتعة ، الحديث ٢.

١٧٦

فلا يعمل بها وإن كانت صحيحة ، فلذلك أطرحها الأصحاب غير الشيخ في النهاية (١) جرياً على قاعدته (٢).

وإذا أذن المولى لعبده في التزويج فإن عيّن له مهراً تعيّن وليس له تخطّيه ، وإن أطلق انصرف إلى مهر المثل (ولو زاد العبد المأذون) في المعيّن في الأوّل و (على مهر المثل) في الثاني (صحّ) للإذن في أصل النكاح ، وهو يقتضي مهر المثل على المولى أو ما عيّنه (وكان الزائد في ذمّته يتبع به بعد عتقه ، ومهر المثل) أو المعيّن (على المولى) وكذا النفقة. وقيل : يجب ذلك في كسبه (٣).

والأقوى الأوّل؛ لأنّ الإذن في النكاح يقتضي الإذن في توابعه والمهر والنفقة من جملتها ، والعبد لا يملك شيئاً فلا يجب عليه شيء؛ لامتناع التكليف بما لا يطاق ، فيكون على المولى كسائر ديونه.

وأمّا الزوجة : فإن أطلقها تخيّر ما يليق به ، وإن عيّن تعيّنت ، فلو تخطّاها كان فضوليّاً يقف على إجازة المولى.

(ومن تحرّر بعضه ليس للمولى إجباره على النكاح) مراعاةً لجانب الحرّيّة (ولا للمبعَّض الاستقلال) مراعاةً لجانب الرقّيّة ، بل يتوقّف نكاحه على رضاه وإذن المولى جمعاً بين الحقّين.

(الثامنة) :

(لو زوّج الفضولي الصغيرين فبلغ أحدهما وأجاز) العقد لزم من جهته ، وبقي لزومه من جهة الآخر موقوفاً على بلوغه وإجازته ، فلو أجاز الأوّل (ثمّ

__________________

(١) النهاية : ٤٩٠.

(٢) وهو العمل على الخبر الصحيح وإن كان مخالفاً للقواعد ولم يعمل به الأصحاب.

(٣) قاله الشيخ في المبسوط ٤ : ١٦٧ ـ ١٦٨ ، و ٦ : ٢٠.

١٧٧

مات) قبل بلوغ الآخر عُزل للصغير قسطه من ميراثه على تقدير إجازته (و) إذا (بلغ الآخر) بعد ذلك وفسخ فلا مهر ولا ميراث؛ لبطلان العقد بالردّ (و) إن (أجاز حلف على عدم سببيّة الإرث في الإجازة) بمعنى أنّ الباعث على الإجازة ليس هو الإرث ، بل لو كان حيّاً لرضي بتزويجه (وورث) حين يحلف كذلك.

ومستند هذا التفصيل صحيحة أبي عبيدة الحذّاء عن الباقر عليه السلام (١) وموردها الصغيران كما ذكر (٢).

ولو زوّج أحدَ الصغيرين الوليُّ أو كان أحدهما بالغاً رشيداً وزوّج الآخرَ الفضوليُّ فمات الأوّل عزل للثاني نصيبه واُحلف بعد بلوغه كذلك ، وإن مات قبل ذلك بطل العقد. وهذا الحكم وإن لم يكن مورد النصّ ، إلّاأ نّه ثابت فيه بطريق أولى؛ للزوم العقد هنا من الطرف الآخر ، فهو أقرب إلى الثبوت ممّا هو جائز من الطرفين.

نعم لو كانا كبيرين وزوّجهما الفضولي ، ففي تعدّي الحكم إليهما نظر : من مساواته للمنصوص في كونه فضوليّاً من الجانبين ولا مدخل للصغر والكبر في ذلك ، ومن ثبوت الحكم في الصغيرين على خلاف الأصل من حيث توقّف الإرث على اليمين وظهور التهمة في الإجازة ، فيحكم فيما خرج عن المنصوص ببطلان العقد متى مات أحد المعقود عليهما بعد إجازته وقبل إجازة الآخر.

ويمكن إثبات الأولويّة في البالغين بوجه آخر ، وهو أنّ عقد الفضولي متى كان له مجيز في الحال فلا إشكال عند القائل بصحّته في صحّته. بخلاف ما إذا

__________________

(١) الوسائل ١٧ : ٥٢٧ ، الباب ١١ من أبواب ميراث الأزواج ، الحديث الأوّل.

(٢) ذكره في الصفحة ١٧٥.

١٧٨

لم يكن له مجيز كذلك ، فإنّ فيه خلافاً عند من يجوّز عقد الفضولي (١) فإذا ثبت الحكم في العقد الضعيف الذي لا مجيز له في الحال وهو عقد الصغيرين ، فتعدّيه إلى الأقوى أولى.

ولو عرض للمجيز الثاني مانع عن اليمين كالجنون والسفر الضروري عُزل نصيبه إلى أن يحلف ، ولو نكل عن اليمين فالأقوى أنّه لا يرث؛ لأنّ ثبوته بالنصّ والفتوى موقوف على الإجازة واليمين معاً ، فينتفي بدون أحدهما.

وهل يثبت عليه المهر لو كان هو الزوج بمجرّد الإجازة من دون اليمين؟ وجهان : من أنّه مترتّب على ثبوت النكاح ولم يثبت بدونها ، ومن أنّ إجازته كالإقرار في حقّ نفسه بالنسبة إلى ما يتعلّق به كالمهر ، وإنّما يتوقّف الإرث على اليمين لقيام التهمة وعود النفع إليه محضاً ، فيثبت ما يعود عليه دون ما لَه ، ولا بُعد في تبعّض الحكم وإن تنافى الأصلان ، وله نظائر كثيرة ، وقد تقدّم منه (٢) ما لو اختلفا في حصول النكاح ، فإنّ مدّعيه يُحكم عليه بلوازم الزوجيّة دون المنكر ولا يثبت النكاح ظاهراً. وإطلاق النصّ (٣) بتوقّف الإرث على حلفه لا ينافي ثبوت المهر عليه بدليل آخر. وهذا متّجه.

واعلم أنّ التهمة بطمعه في الميراث لا تأتي في جميع الموارد؛ إذ لو كان المتأخّر هو الزوج والمهر بقدر الميراث أو أزيد انتفت التهمة ، وينبغي هنا عدم اليمين إن لم يتعلّق غرض بإثبات أعيان التركة بحيث يترجّح على ما يثبت عليه

__________________

(١) القول بعدم اشتراط المجيز في الحال للشهيد في الدروس ٣ : ١٩٣ ، وللفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٢ : ٢٦. والقول بالاشتراط للعلّامة في القواعد ٢ : ٩٩.

(٢) تقدّم في المسألة الثانية.

(٣) يعني صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة في أوّل المسألة.

١٧٩

من الدين ، أو يخاف امتناعه من أدائه أو هربه ونحو ذلك ممّا يوجب التهمة. ومع ذلك فالموجود في الرواية (١) : موت الزوج وإجازة الزوجة وأ نّها تحلف باللّٰه «ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّاالرضا بالتزويج» فهي غير منافية لما ذكرناه (٢) ولكن فتوى الأصحاب مطلقة في إثبات اليمين.

(التاسعة) :

(لو زوّجها الأبوان) الأب والجدّ (برجلين واقترنا) في العقد بأن اتّحد زمان القبول (قُدّم عقد الجدّ) لا نعلم فيه خلافاً ، وتدلّ عليه من الأخبار رواية عبيد بن زرارة قال : «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام : الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل ويريد جدّها أن يزوّجها من رجل؟ فقال : الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّاً إن لم يكن الأب زوّجها قبله» (٣) وعلّل مع ذلك بأنّ ولاية الجدّ أقوى؛ لثبوت ولايته على الأب على تقدير نقصه بجنون ونحوه ، بخلاف العكس (٤).

وهذه العلّة لو تمّت لزم تعدّي الحكم إلى غير النكاح ولا يقولون به. والأجود قصره على محلّ الوفاق؛ لأنّه على خلاف الأصل حيث إنّهما مشتركان في الولاية ، ومثل هذه القوّة لا تصلح مرجّحاً.

__________________

(١) صحيحة أبي عبيدة.

(٢) من عدم اليمين على الزوج في صورة انتفاء التهمة.

(٣) هذه الرواية رواها عبيد في الموثّق [الوسائل ١٤ : ٢١٨ ، الباب ١١ من أبواب عقد النكاح ، الحديث ٢] ويشكل إثبات الحكم بمجرّده ، إلّاأ نّها من المشاهير ، إن لم يكن حكمها إجماعيّاً. (منه رحمه الله).

(٤) علّل به العلّامة في التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٥٩٤.

١٨٠