الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

(كتاب العتق)

وهو لغةً : الخلوص (١) ومنه سُمّيت جياد الخيل عتاقاً ، والبيت الشريف عتيقاً. وشرعاً : خلوص المملوك الآدمي أو بعضه من الرقّ ، وبالنسبة إلى عتق المباشرة المقصود بالذات من الكتاب تخلّص المملوك الآدمي ، أو بعضه من الرقّ منجزاً بصيغة مخصوصة.

(وفيه أجر عظيم) قال النبيّ صلى الله عليه وآله : «من أعتق مؤمناً أعتق اللّٰه العزيز الجبّار بكلّ عضوٍ عضواً له من النار؛ فإن كان اُنثى أعتق اللّٰه العزيز الجبّار بكلّ عضوين منها عضواً من النار؛ لأنّ المرأة نصف الرجل» (٢) وقال صلى الله عليه وآله : «من أعتق رقبةً مؤمنةً كانت فداه من النار» (٣) ولما فيه من تخليص الآدمي من ضرر الرقّ وتملّكه منافعَه ، وتكمُّل أحكامه.

ويحصل العتق باختيار سببه ، وغيره.

__________________

(١) راجع مجمع البحرين ٥ : ٢١١.

(٢) الوسائل ١٦ : ٦ ، الباب ٣ من أبواب كتاب العتق ، الحديث الأوّل. وانظر المستدرك ١٥ : ٤٥١ ، الباب ٣ من كتاب العتق ، الحديث ٢.

(٣) المستدرك ١٥ : ٤٤٩ ، الباب الأوّل من كتاب العتق ، الحديث ١٣.

٤٦١

فالأوّل بالصيغة المنجَّزة ، والتدبير ، والكتابة ، والاستيلاد ، وشراء الذكر أحد العمودين أو المحارم من النساء ، والاُنثى أحد العمودين ، وإسلام المملوك في دار الحرب قبل مولاه مع خروجه منها قبلَه ، وتنكيل المولى به.

والثاني بالجذام ، والعمى ، والإقعاد ، وموت المورِّث ، وكون أحد الأبوين حرّاً إلّاأن يُشترطَ رقّه ، على الخلاف.

وهذه الأسباب منها تامّة في العتق كالإعتاق بالصيغة ، وشراء القريب ، والتنكيل ، والجذام والإقعاد. ومنها ناقصة تتوقّف على أمر آخر ، كالاستيلاد لتوقّفه على موت المولى واُمور اُخر ، والكتابة لتوقّفها على أداء المال ، والتدبيرِ لتوقّفه على موت المولى ونفوذه من ثلث ماله ، وموتِ المورّث لتوقّفه على دفع القيمة إلى مالكه ، وغيره ممّا يفصّل في محلّه إن شاء اللّٰه تعالى.

ويفتقر الأوّل إلى صيغة مخصوصة.

(وعبارته الصريحة التحرير ، مثل أنت مثلاً) أو هذا أو فلان (حرّ). ووقوعه بلفظ التحرير موضع وفاق ، وصراحته فيه واضحة ، قال اللّٰه تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) (١) (وفي قوله : أنت عتيق ، أو معتق خلاف) منشؤه الشكّ في كونه مرادفاً للتحرير فيدلّ عليه صريحاً ، أو كناية عنه فلا يقع به. و (الأقرب وقوعه) به؛ لغلبة استعماله فيه في اللغة والحديث والعرف ، وقد تقدّم بعضه واتّفق الأصحاب على صحّته في قول السيّد لأمته : أعتقتكِ وتزوّجتكِ ... إلى آخره.

(ولا عبرة بغير ذلك من الألفاظ) التي لم توضع له شرعاً (صريحاً كان) في إزالة الرقّ (مثل أزلت عنك الرقّ أو فككت رقبتك ، أو كناية) عنه

__________________

(١) النساء : ٩٢.

٤٦٢

تحتمل غير العتق (مثل أنت) بفتح التاء (سائبة) أو لا ملك لي عليك ، أو لا سلطان ، أو لا سبيل ، أو أنت مولاي. ويدخل في (غير ذلك) ما دلّ على الإعتاق بلفظ الماضي الذي يقع به غيره كأعتقتك ، بل الصريح محضاً كحرّرتك.

وظاهرهم عدم وقوعه بهما ، ولعلّه لبعد الماضي عن الإنشاء ، وقيامه مقامه في العقود على وجه النقل خلاف الأصل ، فيقتصر فيه على محلّه. مع احتمال الوقوع به هنا؛ لظهوره فيه.

(وكذا لا عبرة بالنداء مثل يا حرُّ) ويا عتيق ويا مُعتَق (وإن قصد التحرير بذلك) المذكور من اللفظ غير المنقول شرعاً ، ومنه الكناية والنداء (كلِّه) اقتصاراً في الحكم بالحرّيّة على موضع اليقين ، ولبعد النداء عن الإنشاء.

وربما احتمل الوقوع به من حيث إنّ حرف الإشارة إلى المملوك لم يعتبره الشارع بخصوصه ، وإنّما الاعتبار بالتحرير والإعتاق ، واستعمال «يا» بمعنى «أنت» أو «فلان» مع القصد جائز.

ويضعَّف بأنّ غاية ذلك أن يكون كناية لا صريحاً ، فلا يقع به ، ولا يخرج الملك المعلوم عن أصله. وحيث لا يكون اللفظ مؤثّراً شرعاً في الحكم لا ينفعه ضمّ القصد إليه. ونبّه بالغاية (١) على خلاف من اكتفى بغير الصريح إذا انضمّ إلى النيّة من العامّة (٢).

ويقوى الإشكال لو كان اسمها «حرّة» فقال : أنتِ حرّة وشكّ في قصده؛

__________________

(١) في قول الماتن قدس سره : (وإن قصد التحرير بذلك).

(٢) اُنظر المغني مع الشرح الكبير ١٢ : ٢٣٤ ـ ٢٣٥.

٤٦٣

لمطابقة اللفظ للمتّفق على التحرير به ، واحتمالِ الإخبار بالاسم.

والأقوى عدم الوقوع. نعم ، لو صرّح بقصد الإنشاء صحّ ، كما أنّه لو صرّح بقصد الإخبار قُبِل ولم يُعتق.

(وفي اعتبار التعيين) للمعتَق (نظر) منشؤه : النظر إلى عموم الأدلّة الدالّة على وقوعه بالصيغة الخاصّة ، وأصالة عدم التعيين ، وعدم مانعيّة الإبهام في العتق شرعاً ، من حيث وقع لمريضٍ أعتق عبيداً يزيدون عن ثلث ماله ولم يُجز الورثة ، والالتفات إلى أنّ العتق أمر معيَّن فلا بدّ له من محلّ معيَّن.

وقد تقدّم مثله في الطلاق (١) والمصنّف رجّح في شرح الإرشاد الوقوع (٢) وهنا توقّف. وله وجه إن لم يترجّح اعتباره ، فإن لم يعتبر التعيين فقال : «أحد عبيدي حرّ» صحّ ، وعيّن من شاء.

وفي وجوب الإنفاق عليهم قبلَه ، والمنع من استخدام أحدهم وبيعه ، وجهان : من ثبوت النفقة قبل العتق ولم يتحقّق بالنسبة (٣) إلى كلّ واحد فيستصحب ، واشتباه الحرّ منهم بالرقّ مع انحصارهم فيحرم استخدامهم وبيعهم. ومن استلزام ذلك الإنفاق على الحرّ بسبب الملك والمنع من استعمال المملوك. والأقوى الأوّل.

واحتمل المصنّف استخراج المعتَق بالقرعة ، وقطع بها لو مات قبل التعيين (٤) ويشكل كلّ منهما بأنّ القرعة لاستخراج ما هو معيّن في نفسه غير متعيّن ظاهراً ،

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٣٥٤ ـ ٣٥٥.

(٢) اُنظر غاية المراد ٣ : ٢٢٩ و ٣٢٤.

(٣) في (ع) : النسبة.

(٤) اُنظر الدروس ٢ : ١٩٨.

٤٦٤

لا لتحصيل التعيين.

فالأقوى الرجوع إليه فيه أو إلى وارثه بعدَه.

ولو عدل المعيّن عن من عيّنه لم يُقبل ولم ينعتق الثاني؛ إذ لم يبقَ للعتق محلّ. بخلاف ما لو أعتق معيّناً واشتبه ثمّ عدل فإنّهما ينعتقان.

(ويشترط بلوغ المولى) المعتِق (واختياره ورشده وقصده) إلى العتق (والتقرّب به إلى اللّٰه تعالى) لأنّه عبادة ولقولهم عليهم السلام : «لا عتق إلّا ما اُريد به وجه اللّٰه تعالى» (١) (وكونُه غيرَ محجور عليه بفَلَس ، أو مرض فيما زاد على الثُلث) فلا يقع من الصبيّ وإن بلغ عشراً ، ولا من المجنون المطبق ، ولا غيره في غير وقت كماله ، ولا المكره ، ولا السفيه ، ولا الناسي والغافل والسكران ، ولا من غير المتقرّب به إلى اللّٰه تعالى ، سواء قصد الرياء أم لم يقصد شيئاً ، ولا من المفلَّس بعد الحجر عليه أمّا قبلَه فيجوز وإن استوعب دينُه مالَه ، ولا من المريض إذا استغرق دينُه تركتَه أو زاد المعتَق عن ثلث ماله بعد الدين إن كان ، إلّامع إجازة الغرماء والورثة.

وفي الاكتفاء بإجازة الغرماء في الصورة الاُولى وجهان : من أنّ المنع من العتق لحقّهم ، ومن اختصاص الوارث بعين التركة. والأقوى (٢) التوقّف على إجازة الجميع.

(والأقرب صحّة مباشرة الكافر) للعتق؛ لإطلاق الأدلّة (٣) أو عمومها ، ولأنّ العتق إزالة ملك ، وملك الكافر أضعف من ملك المسلم فهو أولى بقبول

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ٦ ، الباب ٤ من أبواب كتاب العتق ، الحديث الأوّل.

(٢) في (ر) : والأولى.

(٣) اُنظر الوسائل ١٦ : ٢ ، الباب الأوّل من كتاب العتق ، وغيره من الأبواب.

٤٦٥

الزوال. واشتراطه بنيّة القربة لا ينافيه؛ لأنّ ظاهر الخبر السالف أنّ المراد منها إرادة وجه اللّٰه تعالى ، سواء حصل الثواب أم لم يحصل. وهذا القدر ممكن ممّن يقرّ باللّٰه تعالى. نعم ، لو كان الكفر بجحد الإلهيّة مطلقاً توجّه إليه المنع. وكونه عبادة مطلقاً ممنوع ، بل هو عبادة خاصّة يغلب فيها فكّ الملك ، فلا يمتنع من الكافر مطلقاً.

وقيل : لا يقع من الكافر مطلقاً (١) نظراً إلى أنّه عبادة تتوقّف على القربة ، وأنّ المعتبر من القربة ترتّب أثرها من الثواب ، لا مطلق طلبها كما ينبّه عليه حكمهم ببطلان صلاته وصومه لتعذّر القربة منه ، فإنّ القدر المتعذّر هو هذا المعنى ، لا ما ادّعوه أوّلاً ، ولأنّ العتق شرعاً ملزوم للولاء ولا يثبت ولاء الكافر على المسلم؛ لأنّه سبيل منفيّ عنه ، وانتفاء اللازم يستلزم انتفاء الملزوم.

وفي الأوّل ما مرّ. وفي الثاني أنّ الكفر مانع من الإرث كالقتل ، كما هو مانع في النسب.

والحقّ أنّ اتّفاقهم على بطلان عبادته من الصلاة ونحوها واختلافهم في عتقه وصدقته ووقفه عند من يعتبر نيّة القربة فيه ، يدلّ على أنّ لهذا النوع من التصرّف المالي حكماً ناقصاً عن مطلق العبادة (٢) من حيث الماليّة ، وكونِ الغرض منها نفع الغير فجانب الماليّة فيها أغلب من جانب العبادة ، فمن ثمّ وقع الخلاف فيها دون غيرها من العبادة (((٣)» والقول بصحّة عتقه متّجه مع تحقّق قصده إلى القربة وإن لم يحصل لازمها.

__________________

(١) قاله ابن إدريس في السرائر ٣ : ٢٠ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ١٠٧ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ١٩٩ ، والتحرير ٤ : ١٨٩ ، الرقم ٥٦٢٤ ، والإرشاد ٢ : ٦٧.

(٢) و (٣) في (ر) : العبادات.

٤٦٦

(وكونِه» ـ بالجرّ ـ عطفاً على مباشرة الكافر ، أي والأقرب صحّة كون الكافر «محلّاً» للعتق بأن يكون العبد المعتَق كافراً ، لكن «بالنذر لا غير» بأن ينذر عتق مملوك بعينه وهو كافر. أمّا المنع من عتقه مطلقاً ، فلأ نّه خبيث وعتقه إنفاق له في سبيل اللّٰه وقد نهى اللّٰه تعالى عنه بقوله : (وَلاٰ تَيَمَّمُوا اَلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) (١) ولاشتراط القربة فيه كما مرّ ، ولا قربة في الكافر ، ولرواية سيف بن عميرة عن الصادق عليه السلام قال : «سألته أيجوز للمسلم أن يُعتِق مملوكاً مشركاً؟ قال : لا» (٢).

وأمّا جوازه بالنذر ، فللجمع بين ذلك وبين ما رُوي أنّ عليّاً عليه السلام أعتق عبداً نصرانيّاً فأسلم حين أعتقه (٣) بحمله على النذر ، والاُولى على عدمه.

وفيهما معاً نظر؛ لأنّ ظاهر الآية وقول المفسّرين : أنّ الخبيث هو الرديء من المال يُعطى الفقير (٤) وربما كانت الماليّة في الكافر خيراً من العبد المسلم ، والإنفاق؛ لماليّته ، لا لمعتقده الخبيث؛ ومع ذلك فالنهي مخصوص بالصدقة الواجبة؛ لعدم تحريم الصدقة المندوبة بما قلّ ورَدُؤَ حتّى بشقّ تمرة إجماعاً. والقربة يمكن تحقّقها في عتق المولى الكافر المقرّ باللّٰه تعالى الموافق له في الاعتقاد ، فإنّه يقصد به وجه اللّٰه تعالى كما مرّ وإن لم يحصل الثواب ، وفي المسلم إذا ظنّ القربة بالإحسان إليه وفكّ رقبته من الرقّ وترغيبه في الإسلام ، كما روي من فعل عليّ عليه السلام وخبر سيف مع ضعف سنده (٥) أخصّ من المدّعى ، ولا ضرورة

__________________

(١) البقرة : ٢٦٧.

(٢) الوسائل ١٦ : ٢٠ ، الباب ١٧ من أبواب كتاب العتق ، الحديث ٥ و ٢.

(٣) الوسائل ١٦ : ٢٠ ، الباب ١٧ من أبواب كتاب العتق ، الحديث ٥ و ٢.

(٤) اُنظر التبيان ٢ : ٣٤٤ ـ ٣٤٥ ، ومجمع البيان ١ : ٣٨١ ذيل الآية الشريفة.

(٥) وفي طريقه الحسن بن علي بن أبي حمزة ، وهو واقفيٌّ خبيثٌ. (منه رحمه الله).

٤٦٧

إلى الجمع حينئذٍ بما لا يدلّ عليه اللفظ أصلاً ، فالقول بالصحّة مطلقاً مع تحقّق القربة متّجه ، وهو مختار المصنّف في الشرح (١).

(ولا يقف العتق على إجازة) المالك لو وقع من غيره (بل يبطل عتق الفضولي) من رأسٍ إجماعاً ، ولقوله صلى الله عليه وآله : «لا عتق إلّافي ملك» (٢) ووقوعه من غيره بالسراية خروج عن المتنازع ، واستثناؤه إمّا منقطع ، أو نظراً إلى مطلق الانعتاق. ولو علّق غير المالك العتق بالملك لغا ، إلّاأن يجعله نذراً أو ما في معناه ، ك‍ «للّٰه‌عليّ إعتاقه إن ملكته» فيجب عند حصول الشرط ، ويفتقر إلى صيغة العتق وإن قال : «للّٰه‌عليَّ أنّه حرّ إن ملكته» على الأقوى.

وربما قيل بالاكتفاء هنا بالصيغة الاُولى (٣) اكتفاءً بالملك الضمنيّ ، كملك القريب آناً ثمّ يُعتَق.

(ولا يجوز تعليقه على شرط) كقوله : «أنت حرّ إن فعلت كذا» أو «إذا طلعت الشمس» (إلّافي التدبير فإنّه) يجوز أن (يعلّق بالموت) كما سيأتي (لا بغيره) وإلّا في النذر حيث لا يفتقر إلى صيغة إن قلنا به.

(نعم ، لو نذر عتق عبده عند شرط) سائغ على ما فُصّل (انعقد) النذر وانعتق مع وجود الشرط إن كانت الصيغة : أنّه إن كان كذا من الشروط السائغة فعبدي حرّ. ووجب عتقه إن قال : «فللّه عليَّ أن أعتقه). والمطابق للعبارة ، الأوّل؛ لأنّه العتق المعلّق ، لا الثاني فإنّه الإعتاق.

__________________

(١) غاية المراد ٣ : ٣٢٨.

(٢) اُنظر الوسائل ١٦ : ٧ ، الباب ٥ من أبواب العتق ، الحديث ١ و ٢.

(٣) قاله ابن حمزة في الوسيلة : ٣٤٠ ، وهو ظاهر الشهيد كما في الجواهر ٣٤ : ١١٤ ، وانظر الدروس ٢ : ١٩٧.

٤٦٨

ومثله القول فيما إذا نذر أن يكون ماله صدقة ، أو لزيد ، أو أن يتصدّق به ، أو يعطيه لزيد ، فإنّه ينتقل عن ملكه بحصول الشرط في الأوّل ويصير ملكاً لزيد قهريّاً ، بخلاف الأخير فإنّه لا يزول ملكه به ، وإنّما يجب أن يتصدّق أو يعطي زيداً ، فإن لم يفعل بقي على ملكه وإن حنث. ويتفرّع على ذلك إبراؤه منه قبل القبض فيصحّ في الأوّل ، دون الثاني.

(ولو شرط عليه) في صيغة العتق (خدمة) مدّة مضبوطة متّصلة بالعتق أو منفصلة أو متفرّقة مع الضبط (صحّ) الشرط والعتق؛ لعموم «المؤمنون عند شروطهم» (١) ولأنّ منافعه المتجدّدة ورقبته ملك للمولى ، فإذا أعتقه بالشرط فقد فكّ رقبته وغيرَ المشترط من المنافع وأبقى المشترط على ملكه ، فيبقى استصحاباً للملك ووفاءً بالشرط.

وهل يشترط قبول العبد؟ الأقوى العدم ، وهو ظاهر إطلاق العبارة؛ لِما ذكرناه.

ووجه اشتراط قبوله : أنّ الإعتاق يقتضي التحرير والمنافع تابعة ، فلا يصحّ شرط شيء منها إلّابقبوله.

وهل تجب على المولى نفقته في المدّة المشترطة؟ قيل : نعم (٢) لقطعه بها عن التكسّب.

ويشكل بأ نّه لا يستلزم وجوب النفقة كالأجير والموصى بخدمته. والمناسب للأصل ثبوتها من بيت المال أو من الصدقات؛ لأنّ أسباب النفقة

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.

(٢) نسبه في التنقيح الرائع ٣ : ٤٣٨ إلى الإسكافي وقرّبه ، وفي المهذّب البارع ٤ : ٤٩ أيضاً نسبه إليه واستحسنه ، وراجع كلام الإسكافي في المختلف ٨ : ٢٧ ـ ٢٨.

٤٦٩

مضبوطة شرعاً وليس هذا منها ، وللأصل. وكما يصحّ اشتراط الخدمة يصحّ اشتراط شيء معيّن من المال؛ للعموم (١) لكن الأقوى هنا اشتراط قبوله؛ لأنّ المولى لا يملك إثبات مال في ذمّة العبد ، ولصحيحة حريز عن الصادق عليه السلام (٢).

وقيل : لا يشترط كالخدمة (٣) لاستحقاقه عليه رقّاً السعي في الكسب كما يستحقّ الخدمة ، فإذا شرط عليه مالاً فقد استثنى من منافعه بعضها. وضعفه ظاهر.

وحيث يشترط الخدمة لا يتوقّف انعتاقه على استيفائها ، فإن وفى بها في وقتها ، وإلّا استقرّت اُجرة مثلها في ذمّته؛ لأنّها مستحقّة عليه وقد فاتت فيرجع إلى اُجرتها ، ولا فرق بين المعتق ووارثه في ذلك.

(ولو شرط عوده في الرقّ إن خالف) شرطاً شَرَطه عليه في صيغة العتق (فالأقرب بطلان العتق) لتضمّن الشرط عود من تثبت حرّيّته رقّاً وهو غير جائز.

ولا يرد مثله في المكاتب المشروط؛ لأنّه لم يخرج عن الرقّيّة وإن تشبّث

__________________

(١) أي عموم المؤمنون عند شروطهم.

(٢) في الكافي والتهذيبين بدل حريز أبو جرير ، نعم في الفقيه والمختلف والإيضاح والدروس كما هنا. والسؤال فيها عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام كما في المسالك. اُنظر الكافي ٦ : ١٩١ ، ح ٥ ، والتهذيب ٨ : ٢٢٤ ، ح ٨٠٦ ، والاستبصار ٤ : ١١ ، ح ٣٣ ، والفقيه ٣ : ١٥٣ ، ح ٣٥٥٧ ، والمختلف ٨ : ٢٢ ، والإيضاح ٣ : ٤٧٨ ، والدروس ٢ : ٢٠٦ ، والمسالك ١٠ : ٣١٠ ـ ٣١١ ، وانظر الرواية في الوسائل ١٦ : ٢٩ ، الباب ٢٤ من كتاب العتق ، الحديث ٥.

(٣) لم نعثر على القائل صريحاً. ونسبه في المسالك ١٠ : ٢٩٣ إلى ظاهر الشرائع. اُنظر كلام المحقّق في الشرائع ٣ : ١٠٨.

٤٧٠

بالحرّيّة بوجه ضعيف ، بخلاف المعتَق بشرط. وقول سيّد المكاتَب : (فأنت ردّ في الرقّ) يريد به الرقّ المحض ، لا مطلق الرقّ.

وقيل : يصحّ الشرط ويرجع بالإخلال (١) للعموم ورواية إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه السلام أنّه سأله «عن الرجل يُعتق مملوكه ويزوّجه ابنته ويشترط عليه إن أغارها أن يردّه في الرقّ؟ قال : له شرطه» (٢) وطريق الرواية ضعيف (٣) ومتنها منافٍ للاُصول ، فالقول بالبطلان أقوى.

وذهب بعض الأصحاب (٤) إلى صحّة العتق وبطلان الشرط لبنائه على التغليب. ويضعَّف بعدم القصد إليه مجرّداً عن الشرط وهو شرط الصحّة كغيره من الشروط.

(ويستحبّ عتق) المملوك (المؤمن) ذكراً كان أم اُنثى (إذا أتى عليه) في ملك المولى المندوب إلى عتقه (سبع سنين) لقول الصادق عليه السلام : «من كان مؤمناً فقد عُتِق بعد سبع سنين ، أعتقه صاحبه أم لم يعتقه ، ولا تحلّ خدمة من كان مؤمناً بعد سبع سنين» (٥) وهو محمول على تأكّد استحباب عتقه؛ للإجماع على أنّه لا يُعتق بدون الإعتاق (بل يستحبّ) العتق (مطلقاً(

__________________

(١) قاله الشيخ في النهاية : ٥٤٢ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٣٥٩ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ١٠٨ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٢٠٢.

(٢) الوسائل ١٦ : ١٥ ، الباب ١٢ من كتاب العتق ، الحديث ٢.

(٣) فإنّ إسحاق بن عمّار فطحي ، المسالك ٨ : ١٠٦.

(٤) هو الشيخ فخر الدين في الشرح صريحاً [الإيضاح ٣ : ٤٧٩] وابن إدريس ظاهراً [السرائر ٣ : ١١] (منه رحمه الله).

(٥) الوسائل ١٦ : ٣٦ ، الباب ٣٣ من كتاب العتق ، الحديث الأوّل.

٤٧١

خصوصاً للمؤمن.

(ويُكره عتق العاجز عن الاكتساب * إلّاأن يُعينه) بالإنفاق ، قال الرضا عليه السلام : «من أعتق مملوكاً لا حيلة له فإنّ عليه أن يعوله حتّى يستغني عنه ، وكذلك كان عليّ عليه السلام يفعل إذا أعتق الصغار ومن لا حيلة له» (١).

(و) كذا يُكره (عتق المخالف) للحقّ في الاعتقاد؛ للنهي عنه في الأخبار ، المحمول على الكراهة جمعاً. قال الصادق عليه السلام : «ما أغنى اللّٰه عن عتق أحدكم ، تعتقون اليوم يكون علينا غداً ، لا يجوز لكم أن تعتقوا إلّاعارفاً» (٢). و (لا) يُكره عتق (المستضعف) الذي لا يعرف الحقّ ولا يعاند فيه ، ولا يوالي أحداً بعينه؛ لرواية الحلبي عن الصادق عليه السلام : «قال : قلت له : الرقبة تعتق من المستضعفين؟ قال : نعم» (٣).

(ومن خواصّ العتق السراية)

وهو انعتاق باقي المملوك إذا اُعتق بعضه بشرائط خاصّة (فمن أعتق شِقصاً) ـ بكسر الشين ـ أي جزءاً (من عبده) أو أمته ـ وإن قلّ الجزء ـ سرى العتق فيه أجمع و (عُتِق كلّه) وإن لم يملك سواه (إلّاأن يكون) المعتِق (مريضاً ولم يبرأ) من مرضه الذي أعتق فيه (ولم يخرج) المملوك (من

__________________

(*) في (ق) : اكتساب.

(١) الوسائل ١٦ : ١٧ ، الباب ١٤ من كتاب العتق ، الحديث الأوّل.

(٢) نفس المصدر : ٢٠ ، الباب ١٧ من كتاب العتق ، ذيل الحديث ٣.

(٣) المصدر السابق : ١٩ ، الباب ١٧ من كتاب العتق ، الحديث الأوّل.

٤٧٢

الثلث) أي ثلث مال المعتق ، فلا يُعتق حينئذٍ أجمع ، بل ما يسعه الثلث (إلّامع الإجازة) من الوارث فيُعتق أجمع إن أجازه ، وإلّا فبحسب ما أجازه.

هذا هو المشهور بين الأصحاب وربما كان إجماعاً ، ومستنده من الأخبار (١) ضعيف (٢) ومن ثَمَّ ذهب السيّد جمال الدين بن طاووس إلى عدم السراية بعتق البعض مطلقاً (٣) استضعافاً للدليل المخرج عن حكم الأصل ، ولموافقته لمذهب العامّة (٤) مع أنّه قد روى حمزة بن حمران عن أحدهما عليهما السلام قال : «سألته عن الرجل أعتق نصف جاريته ثمّ قذفها بالزنا؟ قال : فقال : أرى أنّ عليه خمسين جلدة ويستغفر ربّه» الحديث (٥) وفي معناه خبران آخران (٦) وحملها الشيخ على أنّه لا يملك نصفها الآخر مع إعساره (٧).

(ولو كان له فيه) أي في المملوك الذي اُعتق بعضه (شريك قُوّم عليه نصيبه) وعُتق أجمع (مع يساره) أي يسار المعتق بأن يملك حال العتق

__________________

(١) اُنظر الوسائل ١٦ : ٦٣ ، الباب ٦٤ من كتاب العتق ، الحديث ١ و ٢.

(٢) فإنّ غياث بن إبراهيم وطلحة بن زيد الواقعان في طريق الروايتين بتريّان. راجع المسالك ٩ : ٤٧١ و ١٢ : ٣٤١.

(٣) قاله في كتابه ملاذ علماء الإماميّة كما في المسالك ١٠ : ٣٢٥ ولا يوجد الكتاب لدينا ، ونقله الشهيد عنه أيضاً في الدروس ٢ : ٢١٠.

(٤) اُنظر المغني والشرح الكبير ١٢ : ٢٤٠ و ٢٤٩.

(٥) الوسائل ١٦ : ٦٣ ـ ٦٤ ، الباب ٦٤ من كتاب العتق ، الحديث ٣.

(٦) وهما صحيحة عبد اللّٰه بن سنان ورواية مالك بن عطيّة عن أبي بصير في الوسائل ١٦ : ٦٤ ـ ٦٥ ، الباب ٦٤ من كتاب العتق ، الحديث ٧ ، و ٩٥ ، الباب ١٢ من أبواب المكاتبة ، الحديث الأوّل.

(٧) اُنظر التهذيب ٨ : ٢٢٩ ، ذيل الخبر ٨٢٦ ، والاستبصار ٤ : ٦ ، ذيل الخبر ٢٠.

٤٧٣

زيادة عمّا يُستثنى في الدين : من داره وخادمه ودابّته ، وثيابه اللائقة بحاله كمّيّة وكيفيّة ، وقوت يوم له ولعياله ما يسع قيمة نصيب الشريك ، فتدفع إليه ويُعتق.

ولو كان مديوناً يستغرق دينه ماله الذي يُصرف فيه ، ففي كونه موسراً أو معسراً قولان (١) أوجههما الأوّل؛ لبقاء الملك معه.

وهل تنعتق حصّة الشريك بعتق المالك حصّته ، أو بأداء قيمتها إليه ، أو بالعتق مراعى بالأداء؟ أقوال (٢) وفي الأخبار (٣) ما يدلّ على الأوّلين ، والأخير طريق الجمع.

وتظهر الفائدة فيما لو أعتق الشريك حصّته قبل الأداء ، فيصحّ على الثاني ، دون الأوّل. وفي اعتبار القيمة ، فعلى الأوّل يوم العتق ، وعلى الثاني يوم الأداء ، والظاهر أنّ الثالث كالأوّل. وفيما لو مات قبل الأداء ، فيموت حرّاً على الأوّل

__________________

(١) القول بالإعسار للعلّامة في القواعد ٣ : ٢٠٥. وأمّا القول باليسار فلم نعثر على القائل به صريحاً. ونسبه في المسالك ١٠ : ٣٣٧ إلى إطلاق عبارة الشرائع واختاره العلّامة في الإرشاد حسب بعض النسخ الذي اختاره الشهيد في غاية المراد ، والظاهر أنّه هو مختاره أيضاً. اُنظر غاية المراد ٣ : ٣٣٧ ـ ٣٣٩.

(٢) الأوّل لابن إدريس في السرائر ٣ : ١٥ ـ ١٦. والثاني للمفيد في المقنعة : ٥٥٠ ، والشيخ في الخلاف ٦ : ٣٥٩ ، المسألة ١ من كتاب العتق ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ١١٢ ، والعلّامة في التحرير ٤ : ١٩٧ ، الرقم ٥٦٤٣ ، وقوّاه الشهيد في الدروس ٢ : ٢١٢. والثالث للشيخ في المبسوط ٦ : ٥٢.

(٣) أمّا ما يدلّ على الأوّل فمثل رواية سليمان بن خالد وغيرها. راجع الوسائل ١٦ : ٢٣ ، الباب ١٨ من كتاب العتق ، الحديث ٩ و ١١ ، و ٦٣ ، الباب ٦٤ من كتاب العتق ، الحديث ١ و ٢ ، وغيرها من الروايات. وأمّا ما يدلّ على الثاني فمثل صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام ، الوسائل ١٦ : ٢١ ، الباب ١٨ من كتاب العتق ، الحديث ٣.

٤٧٤

ويرثه وارثه ، دون الثاني ، ويعتبر الأداء في ظهور حرّيّته على الثالث. وفيما لو وجب عليه حدّ قبله ، فكالحرّ على الأوّل ، والمبعَّض على الثاني ، وفي الحكم على الثالث نظر. وفيما لو أيسر المباشر بعد العتق وقبل الأداء ، فعلى الأوّل لا يجب عليه الفكّ ، وعلى الثاني يجب ، وفي الثالث نظر وإلحاقه بالأوّل مطلقاً حسن.

(وسعى العبد) في باقي قيمته بجميع سعيه ، لا بنصيب الحرّيّة خاصّة (مع إعساره) عنه أجمع ، فإذا أدّى عُتق كالمكاتب المطلق. ولو أيسر بالبعض سرى عليه بقدره على الأقوى ، وسعى العبد في الباقي.

ولا فرق في عتق الشريك بين وقوعه للإضرار بالشريك وعدمه مع تحقّق القربة المشترطة. خلافاً للشيخ حيث شرط في السراية مع اليسار قصد الإضرار وأبطل العتق بالإعسار معه ، وحكم بسعي العبد مطلقاً مع قصد القربة (١) استناداً إلى أخبار (٢) تأويلها بما يدفع المنافاة بينها وبين ما دلّ على المشهور طريق الجمع.

(ولو عجز العبد) عن السعي أو امتنع منه ولم يمكن إجباره أو مطلقاً في ظاهر كلامهم (فالمهايأة) بالهمز (في كسبه) بمعنى أنّهما يقتسمان الزمان بحسب ما يتّفقان عليه ، ويكون كسبه في كلّ وقت لمن ظهر له بالقسمة (وتتناول) المهايأة (المعتاد) من الكسب كالاحتطاب (والنادر) كالالتقاط.

__________________

(١) النهاية : ٥٤٢.

(٢) مثل حسنة الحلبي في الوسائل ١٦ : ٢١ ، الباب ١٨ من كتاب العتق ، الحديث ٢ ، وغيره في الباب وغيره.

٤٧٥

وربما قيل : لا يتناول النادر (١) لأنّها معاوضة فلو تناولته تجهّلت (٢) والمذهب خلافه ، والأدلّة عامّة (٣) والنفقة والفطرة عليهما بالنسبة.

ولو ملك بجزئه الحرّ مالاً كالإرث والوصيّة لم يشاركه المولى فيه وإن اتّفق في نوبته.

ولو امتنعا أو أحدهما من المهايأة لم يجبر الممتنع ، وكان على المولى نصف اُجرة عمله الذي يأمره به ، وعلى المبعَّض نصف اُجرة ما يغصبه (٤) من المدّة ويفوّته اختياراً.

(ولو اختلفا في القيمة حلف الشريك؛ لأنّه يُنتزع من يده) فلا ينتزع إلّا بما يقوله؛ لأصالة عدم استحقاق ملكه إلّابعوض يختاره ، كما يحلف المشتري لو نازعه الشفيع فيها؛ للعلّة.

وقيل : يحلف المعتق؛ لأنّه غارم (٥) وربما بُني الخلاف على عتقه بالأداء أو الإعتاق ، فعلى الأوّل الأوّل ، وعلى الثاني الثاني ، وعليه المصنّف في الدروس (٦) لكن قدّم على الحلف عرضه على المقوّمين مع الإمكان.

__________________

(١) لم نعثر عليه في أصحابنا ، بل قال الشارح في المسالك ١٠ : ٣٢٨ : إنّ القول بتناولها للكسب مطلقاً وإن كان نادراً هو المذهب. نعم ، هو قول للعامّة ونسبه في المغني المطبوع مع الشرح الكبير ١٢ : ٢٥٣ إلى أصحاب الشافعيّة.

(٢) في (ش) و (ر) : لجهلت.

(٣) مثل ما في الوسائل ١٦ : ٢٣ ، الباب ١٨ من كتاب العتق ، الحديث ١١ و ١٢.

(٤) في (ف) : يعصيه ، وفي (ش) ونسخة بدل (ر) : يقتضيه.

(٥) قاله المحقّق في الشرائع ٣ : ١١٢ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٢٠٧ ، والإرشاد ٢ : ٧٠.

(٦) الدروس ٢ : ٢١٢.

٤٧٦

والأقوى تقديم قول المعتق؛ للأصل ، ولأ نّه متلف فلا يقصر عن الغاصب المتلف.

(وقد يحصل العتق بالعمى) أي عمى المملوك بحيث لا يبصر أصلاً؛ لقول الصادق عليه السلام في حسنة حمّاد : «إذا عمي المملوك فقد اُعتق» (١) وروى السكوني عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال : قال رسول اللّٰه صلى الله عليه وآله : «إذا عمي المملوك فلا رقّ عليه ، والعبد إذا جُذم فلا رقّ عليه» (٢) وفي معناهما أخبار كثيرة (٣).

(والجذامِ) وكأ نّه إجماع ومن ثمّ لم ينكره ابن إدريس (٤) وإلّا فالمستند (٥) ضعيف ، وألحق به ابن حمزة البرص (٦) ولم يثبت.

(والإقعاد) ذكره الأصحاب ولم نقف على مستنده ، وفي النافع نسبه إلى الأصحاب (٧) مشعراً بتمريضه إن لم تكن إشارة إلى أنّه إجماع وكونه المستند.

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ٢٧ ، الباب ٢٣ من كتاب العتق ، الحديث الأوّل. وفيه وفي الكافي : فقد عتق.

(٢) نفس المصدر ، الحديث ٢.

(٣) راجع نفس المصدر والباب.

(٤) السرائر ٣ : ٦.

(٥) وهو رواية السكوني في الوسائل ١٦ : ٢٧ ، الباب ٢٣ من أبواب العتق ، الحديث ٢. والظاهر أنّ ضعف الخبر بالسكوني. راجع المسالك ١ : ٩٩.

(٦) الوسيلة : ٣٤٠.

(٧) المختصر النافع : ٢٣٨.

٤٧٧

(وإسلام المملوك في دار الحرب سابقاً على مولاه) خارجاً منها قبله على أصحّ القولين (١) للخبر (٢) ولأنّ إسلام المملوك لا ينافي ملك الكافر له ، غايته أنّه يُجبر على بيعه. وإنّما يملك نفسه بالقهر لسيّده ، ولا يتحقّق ثَمَّ إلّابالخروج إلينا قبله. ولو أسلم بعده لم يُعتق وإن خرج إلينا قبلَه. ومتى ملك نفسه أمكن بعد ذلك أن يسترقّ مولاه إذا قهره ، فتنعكس المولويّة.

(ودفعِ قيمة) المملوك (الوارث) إلى سيّده ليُعتق ويرث. ويظهر من العبارة انعتاقه بمجرّد دفع القيمة ، حيث جعله سبب العتق ، وكذا يظهر منها الاكتفاء في عتقه بدفع القيمة من غير عقد وسيأتي في الميراث (٣) أنّه يُشترى ويُعتق. ويمكن أن يُريد كون دفع القيمة من جملة أسباب العتق وإن توقّف على أمر آخر ، كسببيّة التدبير والكتابة والاستيلاد.

(وتنكيلِ المولى بعبده) (٤) في المشهور ، وبه روايتان : إحداهما

__________________

(١) اختاره الشيخ في النهاية : ٢٩٥ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٢٠٤ ، والتحرير ٤ : ١٩٥ ، الرقم ٥٦٣٥. وأمّا القول بالعدم فهو المنسوب في التنقيح الرائع ٣ : ٤٥٦ ، وغيره إلى ابن إدريس ، ولكنّ الموجود في السرائر ٢ : ١٠ ـ ١١ خلاف المنسوب إليه ، ونسبه في المهذّب البارع ٤ : ٦٥ إلى الأكثر.

(٢) الوسائل ١١ : ٨٩ ، الباب ٤٤ من أبواب جهاد العدوّ ، الحديث الأوّل. ولفظ الخبر هكذا : أيّما عبد خرج قبل مولاه فهو حرّ.

(٣) يأتي في الجزء الرابع في ثالث موانع الإرث (الرقّ) عند قوله : إذا لم يكن للميّت وارث سوى المملوك اُشتري من التركة واُعتق.

(٤) وسيأتي من المصنّف في كتاب الغصب [٥٧٤] من أنّ تنكيل الغاصب موجبٌ لعتق العبد ووجوب القيمة فالأولى للمصنّف إطلاق التنكيل لا إضافته إلى المولى. (منه رحمه الله).

٤٧٨

مرسلة (١) وفي بعض سند الاُخرى جهالة (٢) ومن ثَمَّ أنكره ابن إدريس (٣).

وأصل التنكيل : فعل الأمر الفظيع بالغير ، يقال : نكَّل به تنكيلاً إذا جعله نكالاً وعبرة لغيره ، مثل أن يقطع أنفه أو لسانه أو اُذنيه أو شفتيه. وليس في كلام الأصحاب هنا شيء محرَّر ، بل اقتصروا على مجرّد اللفظ فيرجع فيه إلى العرف ، فما يُعدّ تنكيلاً عرفاً يترتّب عليه حكمه والأمة في ذلك كالعبد. ومورد الرواية المملوك ، فلو عبّر به المصنّف كان أولى.

(و) قد يحصل العتق (بالملك) فيما إذا ملك الذكر أحد العمودين أو إحدى المحرّمات نسباً أو رضاعاً ، والمرأة أحد العمودين (وقد سبق) تحقيقه في كتاب البيع (٤).

(ويلحق بذلك مسائل) :

(لو قيل لمن أعتق بعض عبيده : أأعتقتهم؟) أي عبيدك بصيغة العموم من غير تخصيص بمن أعتقه (فقال : نعم ، لم يُعتَق سوى من أعتقه) لأنّ هذه الصيغة لا تكفي في العتق ، وإنّما حُكِم بعتق من أعتقه بالصيغة السابقة.

هذا بحسب نفس الأمر. أمّا في الظاهر ، فإنّ قوله : «نعم» عقيب الاستفهام

__________________

(١) وهي مرسلة جعفر بن محبوب ، راجع الوسائل ١٦ : ٢٦ ، الباب ٢٢ من كتاب العتق ، الحديث الأوّل.

(٢) في طريقها عبد الحميد وهو مشتركٌ بين الضعيف والثقة [المصدرالمتقدّم : الحديث ٢] وفي المختلف [٨ : ٢٦] والتحرير [٤ : ١٩٤] جعلها في الصحيح ، وهو أعلم. (منه رحمه الله).

(٣) اُنظر السرائر ٣ : ٨ ـ ٩.

(٤) سبق في الجزء الثاني : ٢٣٠ ـ ٢٣١.

٤٧٩

عن عتق عبيده الذي هو جمع مضاف مفيد للعموم عند المحقّقين ، يفيد الإقرار بعتق جميع عبيده ، من أوقع عليه منهم صيغة وغيره ، عملاً بظاهر إقرار المسلم ، فإنّ الإقرار وإن كان إخباراً عمّا سبق لا يصدق إلّامع مطابقته لأمر واقع في الخارج سابق عليه ، إلّاأ نّه لا يشترط العلم بوقوع السبب الخارجي ، بل يكفي إمكانه وهو هنا حاصل ، فيلزم الحكم عليه ظاهراً بعتق الجميع لكلّ من لم يعلم بفساد ذلك. ولكنّ الأصحاب أطلقوا القول بأ نّه لا يُعتق إلّامن أعتقه من غير فرق بين الظاهر ونفس الأمر تبعاً للرواية (١) وهي ضعيفة مقطوعة ، وفيها ما ذكر.

ويقوى الإشكال لوكان من أعتقه سابقاً لا يبلغ الجمع ، فإنّ إقراره ينافيه من حيث الجمع والعموم ، بل هو في الحقيقة جمع كثرة لا يُطلق حقيقة إلّاعلى ما فوق العشرة ، فكيف يُحمل على الواحد بحسب مدلول اللفظ لو لم يكن أعتق غيره في نفس الأمر.

نعم ، هذا يتمّ بحسب ما يعرفه المعتق ويدين به ، لا بحسب إقراره. لكنّ الأمر في جمع الكثرة سهل؛ لأنّ العرف لا يفرّق بينه وبين جمع القلّة وهو المحكَّم في هذا الباب.

واشترط بعضهم في المحكوم بعتقه ظاهراً الكثرة (٢) نظراً إلى مدلول لفظ الجمع ، فيلزم عتق ما يصدق عليه الجمع حقيقة ، ويكون في غير من أعتقه

__________________

(١) وهي رواية سماعة في الوسائل ١٦ : ٥٩ ـ ٦٠ ، الباب ٥٨ من كتاب العتق ، وفيه حديث واحد. ولعلّ ضعفه بسماعة. راجع المسالك ٢ : ٤٨٠ و ١٤ : ٢٠٧.

(٢) وهو العلّامة في القواعد ٣ : ٢٠٢ ـ ٢٠٣ ، وولده في الإيضاح ٣ : ٤٨٢.

٤٨٠