الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

في أصحّ القولين (١) لعموم أدلّة الإرث. وقيل : لا تورث (٢) استناداً إلى رواية (٣) ضعيفة السند (٤) وعلى المختار فهي (كالمال) فتُقسَّم (بين الورثة) على نسبة سهامهم ، لا على رؤوسهم. فللزوجة معَ الولد الثُمن ، فلو عفى أحد الورّاث عن نصيبه لم تسقط؛ لأنّ الحقّ للجميع ، فلا يسقط حقّ واحد بترك غيره (فلو عفوا إلّاواحداً أخذ الجميع ، أو تُرك) حذراً من تبعّض الصفقة على المشتري. ولا يقدح هنا تكثّر المستحقّ وإن كانوا شركاء؛ لأنّ أصل الشريك متّحد ، والاعتبار بالوحدة عند البيع ، لا الأخذ.

(ويجب تسليم الثمن أوّلاً) جبراً لقهر المشتري (ثمّ الأخذ) أي تسلّم المبيع ، لا الأخذ بالشفعة القولي ، فإنّه متقدّم على تسليم الثمن مراعاة للفوريّة (إلّاأن يرضى الشفيع بكونه) أي الثمن (في ذمّته) فله أن يتسلّم المبيع أوّلاً؛ لأنّ الحقّ في ذلك للمشتري ، فإذا أسقطه برضاه بتأخير الثمن في ذمّة الشفيع فله ذلك.

والمراد بالشفيع هنا المشتري؛ لما ذكرناه إمّا تجوّزاً؛ لكونه سبباً في إثبات الشفيع ، أو وقع سهواً.

__________________

(١) ذهب إليه المفيد في المقنعة : ٦١٩ ، والسيّد في الانتصار : ٤٥١ ، المسألة ٢٥٧ ، والشيخ في الخلاف ٣ : ٢٧ ، المسألة ٣٦ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٢٧٨ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٤ : ٩٥ ، وغيرهم.

(٢) قاله الشيخ في النهاية : ٤٢٥ ـ ٤٢٦ ، وفي موضع آخر من الخلاف ٣ : ٤٣٦ ، المسألة ١٢ ، والقاضي في المهذّب ١ : ٤٥٩ ، والطوسي في الوسيلة : ٢٥٩.

(٣) اُنظر الوسائل ١٧ : ٣٢٥ ، الباب ١٢ من أبواب الشفعة ، وفيه حديث واحد.

(٤) والضعف بطلحة بن زيد الواقع في سندها ، فإنّه بتري. راجع المسالك ١٢ : ٣٤١.

٦١

(ولا يصحّ الأخذ إلّابعد العلم بقدره وجنسه) ووصفه؛ لأنّه معاوضة تفتقر إلى العلم بالعوضين (فلو أخذ قبله لغى ولو قال : أخذته بمهما كان) للغرر ، ولا تبطل بذلك شفعته. ويُغتفر بعد اجتماعه بالمشتري السؤال عن كمّيّة الثمن والشقص بعد السلام والكلام المعتاد.

(ولو انتقل الشقص بهبة أو صلح أو صداق فلا شفعة) لما تقدّم في تعريفها من اختصاصها بالبيع ، وما ذكر ليس بيعاً حتّى الصلح بناءً على أصالته.

(ولو اشتراه بثمن كثير ثمّ عوّضه عنه بيسير أو أبرأه من الأكثر) ولو حيلةً على تركها (أخذ الشفيع بالجميع) إن شاء؛ لأنّه الثمن والباقي معاوضة جديدة أو إسقاط لما ثبت ، ومقتضى ذلك : أنّ الثمن الذي وقع عليه العقد لازم للمشتري وجائز للبائع أخذه وإن كان بينهما مواطاة على ذلك؛ إذ لا يستحقّ المشتري أن يأخذ من الشفيع إلّاما ثبت في ذمّته ، ولا يثبت في ذمّته إلّا ما يستحقّ البائع المطالبة به.

وقال في التحرير : لو خالف أحدهما ما تواطآ عليه فطالب صاحبه بما أظهر له لزمه في ظاهر الحكم ويحرم عليه في الباطن؛ لأنّ صاحبه إنّما رضي بالعقد للتواطؤ (١).

(أو ترك) الشفيع الأخذ؛ لما يلزمه من الغُرم.

(ولو اختلف الشفيع والمشتري في) مقدار (الثمن حلف المشتري) على المشهور؛ لأنّه أعرف بالعقد ، ولأ نّه المالك فلا يزال مُلكه إلّابما يدّعيه.

ويشكل بمنع كون حكم المالك كذلك مطلقاً ، وقد تقدّم قبول قول المنكر في

__________________

(١) التحرير ٤ : ٥٩٢.

٦٢

كثير (١) خصوصاً مع تلف العين ، وعموم «اليمين على من أنكر» وارد هنا ، ومن ثَمّ ذهب ابن الجنيد إلى تقديم قول الشفيع؛ لأنّه منكر (٢).

والاعتذار للأوّل بأنّ المشتري لا دعوى له على الشفيع؛ إذ لا يدّعي شيئاً في ذمّته ولا تحت يده ، وإنّما الشفيع يدّعي استحقاق ملكه بالشفعة بالقدر الذي يدّعيه ، والمشتري ينكره ولا يلزم من قوله : «اشتريته بالأكثر» أن يكون مدّعياً عليه وإن كان خلاف الأصل؛ لأنّه لا يدّعي استحقاقه إيّاه عليه ولا يطلب تغريمه إيّاه ، إنّما يتمّ (٣) قبل الأخذ بالشفعة. أمّا بعده فالمشتري يدّعي الثمن في ذمّة الشفيع ويأتي فيه جميع ما سبق.

لا يقال : إنّه لا يأخذ حتّى يستقرّ أمر الثمن؛ لما تقدّم من اشتراط العلم بقدره ، فما داما متنازعين لا يأخذ ويتّجه الاعتذار.

لأنّا نقول : المعتبر في أخذه علمه بالقدر بحسب ما عنده ، لا على وجه يرفع الاختلاف ، فإذا زعم العلم بقدره جاز له الأخذ ووقع النزاع فيه بعد تملّكه للشقص ، فيكون المشتري هو المدّعي. ويمكن أيضاً أن يتملّك الشقص برضاء المشتري قبل دفع الثمن ثمّ يقع التنازع بعدُ (٤) فيصير المشتري مدّعياً.

وتظهر الفائدة لو أقاما بيّنة فالحكم لبيّنة الشفيع على المشهور ، وبيّنة

__________________

(١) منها : قبول قوله مع اليمين في إنكار أصل الوكالة (الصفحة (٤٥) ، ومنها في عقد الإجارة (الصفحة (٣٠) ، ومنها الاختلاف في مدّة المساقاة (الجزء الثاني : (٥١٤) ، وكذا في المزارعة (الجزء الثاني : (٥٠١) وغيرها.

(٢) نقله عنه العلّامة في المختلف ٥ : ٣٤٧.

(٣) خبر لقوله : والاعتذار للأوّل.

(٤) في غير (ع) : بعده.

٦٣

المشتري على الثاني.

(ولو ادّعى أنّ شريكه اشترى بعده) وأ نّه يستحقّ عليه الشفعة فأنكر الشريك التأخّر (حلف الشريك) لأنّه منكر والأصل عدم الاستحقاق (ويكفيه الحلف على نفي الشفعة) وإن أجاب بنفي التأخّر؛ لأنّ الغرض هو الاستحقاق ويكفي اليمين لنفيه ، وربما كان صادقاً في نفي الاستحقاق وإن كان الشراء متأخّراً لسبب من الأسباب المسقطة للشفعة ، فلا يكلّف الحلف على نفيه. ويحتمل لزوم حلفه على نفي التأخّر على تقدير الجواب به؛ لأنّه ما أجاب به إلّا ويمكنه الحلف عليه ، وقد تقدّم مثله في القضاء (١).

(ولو تداعيا السبق تحالفا) لأنّ كلّ واحد منهما مدّعٍ ومدّعى عليه ، فإذا تحالفا استقرّ ملكهما؛ لاندفاع دعوى كلٍّ منهما بيمين الآخر (ولا شفعة) لانتفاء السبق.

__________________

(١) راجع الجزء الثاني : ٩٦.

٦٤

كتاب السبق والرماية

٦٥
٦٦

(كتاب السبق والرماية)

وهو عقد شُرّع لفائدة التمرّن على مباشرة النِضال والاستعداد لممارسة القتال. والأصل فيه قوله صلى الله عليه وآله : «لا سبق إلّافي نصل أو خفّ ، أو حافر» (١) وقوله صلى الله عليه وآله : «إنّ الملائكة لتنفر عند الرهان وتلعن صاحبه ما خلا الحافر والخفّ والريش والنصل» (٢).

و (إنّما ينعقد السبق) بسكون الباء (من الكاملين) بالبلوغ والعقل (الخاليين من الحَجر) لأنّه يقتضي تصرّفاً في المال (على الخيل والبغال والحمير) وهي داخلة في «الحافر» المثبت في الخبر (والإبل والفيلة) وهما داخلان في الخفّ (وعلى السيف والسهم والحراب (٣)) وهي داخلة في «النصل» ويدخل السهم في «الريش» على الرواية الثانية إذا اشتمل عليه ، تسميةً للشيء باسم جزئه. واُطلق السبق على ما يعمّ الرمي ، تبعاً للنصّ وتغليباً للاسم.

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٣٤٩ ، الباب ٣ من أبواب السبق والرماية ، الحديث ٤ مع تقديم وتأخير.

(٢) الفقيه ٣ : ٤٩ ، الحديث ٣٣٠٣ ، ونقله في الوسائل ١٣ : ٣٤٧ ، الباب الأوّل من أبواب السبق والرماية ، الحديث ٦ مع حذف الإسناد إلى الرسول صلى الله عليه وآله.

(٣) بكسر الحاء ، جمع حربة : آلة للحرب من الحديد.

٦٧

(لا بالمصارعة والسُفُن والطيور ، والعَدْو) ورفع الأحجار ورميها ، ونحو ذلك؛ لدلالة الحديث السابق على نفي مشروعيّة ما خرج عن الثلاثة.

هذا إذا تضمّن السبق بذلك العوض. أمّا لو تجرّد عنه ففي تحريمه نظر ، من دلالة النصّ على عدم مشروعيّته إن رُوي السبق بسكون الباء ليفيد نفي المصدر ، وإن رُوي بفتحها ـ كما قيل (١) إنّه الصحيح رواية ـ كان المنفي مشروعيّة العوض عليها ، فيبقى الفعل على أصل الإباحة؛ إذ لم يرد شرعاً ما يدلّ على تحريم هذه الأشياء ، خصوصاً مع تعلّق غرضٍ صحيحٍ بها. ولو قيل بعدم ثبوت رواية الفتح فاحتمال الأمرين يُسقط دلالته على المنع.

(ولا بدّ فيها * من إيجاب وقبول على الأقرب) لعموم قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) «والمؤمنون عند شروطهم» (٣) وكلّ من جعله لازماً حكم بافتقاره إلى إيجاب وقبول.

وقيل : هو جُعالة (٤) لوجود بعض خواصّها فيه وهي : أنّ بذل العوض فيه على ما لا يوثق بحصوله وعدم تعيين العامل ، فإنّ قوله : «من سبق فله كذا» غير متعيّن عند العقد ، ولأصالة عدم اللزوم وعدم اشتراط القبول ، والأمر بالوفاء بالعقد مشروط بتحقّقه وهو موضع النزاع؛ سلّمنا لكنّ الوفاء به هو العمل بمقتضاه لزوماً وجوازاً ، وإلّا لوجب الوفاء بالعقود الجائزة.

__________________

(١) قاله الخطّابي على ما حكاه عنه ابن الأثير في النهاية ٢ : ٣٣٨ (سبق).

(*) في (س) : (فيهما).

(٢) المائدة : ١.

(٣) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.

(٤) قاله الشيخ في المبسوط ٦ : ٣٠٠ ، والخلاف ٦ : ١٠٥ ، المسألة ٩ ، وابن سعيد في الجامع للشرائع : ٣٣٥ ، والعلّامة في القواعد ٢ : ٣٧٥ ، والمختلف ٦ : ٢٥٥.

٦٨

وفيه نظر؛ لأنّ وجود بعض الخواصّ لا يقتضي الاتّحاد في الحكم مطلقاً ، وأصالة عدم اللزوم ارتفعت بما دلّ عليه والأصل في الوفاء العمل بمقتضاه دائماً وخروج العقد الجائز تخصيص للعامّ فيبقى حجّة في الباقي. نعم بقي الشكّ في كونه عقداً.

(وتعيين العوض) وهو المال الذي يبذل للسابق منهما قدراً وجنساً ووصفاً.

وظاهر العبارة ككثير : أنّه شرط في صحّة العقد ، وفي التذكرة أنّه ليس بشرط ، وإنّما يعتبر تعيينه لو شرط (١) وهو حسن.

(ويجوز كونه منهما) معاً ومن أحدهما ، وفائدته حينئذٍ أنّ الباذل إن كان هو السابق أحرز ماله ، وإن كان غيره أحرزه (ومن بيت المال) لأنّه معدّ للمصالح وهذا منها؛ لما فيه من البعث على التمرّن على العمل المترتّب عليه إقامة نظام الجهاد (ومن أجنبيّ) سواء كان الإمام أم غيره. وعلى كلّ تقدير فيجوز كونه عيناً وديناً ، حالّاً ومؤجّلاً.

(ولا يشترط المحلّل) وهو الذي يدخل بين المتراهنين (٢) بالشرط في عقده فيسابق معهما من غير عوض يبذله ليعتبر السابق منهما. ثمّ إن سَبَق أخذ العوض وإن سُبق لم يغرم ، وهو بينهما كالأمين ، وإنّما لم يشترط؛ للأصل وتناولِ ما دلّ على الجواز للعقد الخالي منه. وعند (٣) بعض العامّة (٤) وبعض أصحابنا (٥)

__________________

(١) التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٣٥٥.

(٢) في (ر) : المتراضيين.

(٣) في (ف) : وعن.

(٤) قاله الشافعي في الاُمّ ٤ : ٢٣٠ ، وانظر المغني والشرح الكبير ١١ : ١٣٥.

(٥) وهو الإسكافي كما نقله عنه العلّامة في المختلف ٦ : ٢٥٦.

٦٩

هو شرط ، وبه سُمّي محلّلاً؛ لتحريم العقد بدونه عندهم. وحيث شرط لزم ، فيُجري دابّته بينهما أو إلى أحد الجانبين مع الإطلاق ، وإلى (١) ما شرط مع التعيين؛ لأنّهما بإخراج السَبَق متنافران ، فيدخل بينهما ، لقطع تنافرهما.

(ويشترط في السبق تقديرُ المسافة) التي يستبقان فيها (ابتداءً وغايةً) لئلّا يؤدّي إلى التنازع ، ولاختلاف الأغراض في ذلك اختلافاً ظاهراً؛ لأنّ من الخيل ما يكون سريعاً في أوّل عَدْوه دون آخره ، فصاحبه يطلب قصر المسافة ، ومنها ما هو بالعكس ، فينعكس الحكم.

(و) تقديرُ (الخطر) وهو العوض إن شرطاه ، أو مطلقاً.

(وتعيين ما يُسابق عليه) بالمشاهدة ولا يكفي الإطلاق ، ولا التعيين بالوصف؛ لاختلاف الأغراض بذلك كثيراً (واحتمال السبق في المعيَّنين) بمعنى احتمال كون كلّ واحد يسبق صاحبَه (فلو عُلم قصور أحدهما بطل) لانتفاء الفائدة حينئذٍ؛ لأنّ الغرض منه استعلام السابق. ولا يقدح رجحان سبق أحدهما إذا أمكن سبق الآخر؛ لحصول الغرض معه.

(وأن يجعل السبق) بفتح الباء وهو العوض (لأحدهما) وهو السابق منهما ، لا مطلقاً (أو للمحلّل إن سبق ، لا لأجنبيّ) ولا للمسبوق منهما ومن المحلّل ، ولا جعل القسط الأوفر للمتأخّر أو للمُصلّي والأقلّ للسابق؛ لمنافاة ذلك كلّه للغرض الأقصى من شرعيّته وهو الحثّ على السبق والتمرّن عليه.

(ولا يشترط التساوي في الموقف) للأصل ، وحصولِ الغرض مع تعيين المبدأ والغاية.

وقيل : يشترط؛ لانتفاء معرفة جودة عَدْو الفرس وفروسيّة الفارس مع عدم

__________________

(١) في (ع) و (ش) : أو إلى.

٧٠

التساوي (١) لأنّ عدم السبق قد يكون مستنداً إليه ، فيخلّ بمقصوده. ومثله إرسال إحدى الدابّتين قبلَ الاُخرى.

(والسابق هو الذي يتقدّم) على الآخر (بالعنق) ظاهره اعتبار التقدّم بجميعه. وقيل : يكفي بعضه (٢) وهو حسن. ثمّ إن اتّفقا في طول العنق أو قصره وسبق الأقصرُ عنقاً ببعضه فواضح ، وإلّا اعتبر سبق الطويل بأكثر من قدر الزائد ، ولو سبق بأقلّ من قدر الزائد فالقصير هو السابق.

وفي عبارة كثير أنّ السبق يحصل بالعنق والكَتَد معاً (٣) وهو ـ بفتح الفوقانيّة أشهر من كسرها ـ مجمع الكتفين بين أصل العنق والظهر ، وعليه يسقط اعتبار بعضِ العنق. وقد يتّفق السبق بالكَتِد وحدَه ، كما لو قصر عنق السابق به أو رفع أحد الفرسين عنقَه بحيث لم يمكن اعتباره به ، وبالقوائم فالمتقدّم بيديه عند الغاية سابق؛ لأنّ السبق يحصل بهما والجري عليهما.

والأولى حينئذٍ تعيين السبق بأحد الأربعة ومع الإطلاق يتّجه الاكتفاء بأحدها؛ لدلالة العرف عليه.

ويطلق على السابق «المُجلّي».

(والمُصلّي هو الذي يحاذي رأسه صَلْوَي السابق وهما : العظمان الناتئان عن يمين الذَنَب وشماله) والتالي هو الثالث. والبارع الرابع. والمرتاح الخامس. والحظيّ السادس. والعاطف السابع. والمؤمِّل ـ مبنيّاً للفاعل ـ الثامن. واللطيم

__________________

(١) قاله العلّامة في التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٣٥٥.

(٢) قاله الإسكافي كما نقل عنه العلّامة في المختلف ٦ : ٢٥٧.

(٣) مثل الشيخ في الخلاف ٦ : ١٠٤ ، المسألة ٨ من السبق ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٢٣٥ ، والعلّامة في القواعد ٢ : ٣٧٢.

٧١

ـ بفتح أوّله وكسر ثانيه ـ التاسع. والسُكيت ـ بضمّ السين ففتح الكاف ـ العاشر. والفِسْكِل ـ بكسر الفاء فسكون السين فكسر الكاف ، أو بضمّهما كقُنْفُذ ـ الأخير.

وتظهر الفائدة فيما لو شرط للمجلّي مالاً ، وللمصلّي أقلّ منه ، وهكذا ... إلى العاشر.

(ويشترط في الرمي معرفة الرِشْق) بكسر الراء ، وهو عدد الرمي الذي يتّفقان عليه (كعشرين ، وعدد الإصابة) كعشرة منها (وصفتها من المارق) وهو الذي يخرج من الغرض نافذاً ويقع من ورائه (والخاسق) بالمعجمة والمهملة (١) وهو الذي يثقب الغرض ويقف فيه (والخازق) بالمعجمة والزاي ، وهو ما خدشه ولم يثقبه. وقيل : ثقبه ولم يثبت فيه (٢) (والخاصل) بالخاء المعجمة والصاد المهملة ، وهو يطلق على القارع وهو ما أصاب الغرض ولم يؤثّر فيه ، وعلى الخازق وعلى الخاسق ـ وقد عرفتهما ـ وعلى المصيب له كيف كان (وغيرها) من الأوصاف ، كالخاصر وهو ما أصاب أحد جانبيه. والخارم وهو الذي يخرم حاشيته. والحابي وهو الواقع دونه ثمّ يحبو إليه مأخوذ من حَبْو الصبيّ (٣) ويقال على ما وقع بين يدي الغرض ثمّ وثب إليه فأصابه وهو المزدلِف. والقارع وهو الذي يصيبه بلا خدش.

ومقتضى اشتراطه تعيينَ الصفة بطلانُ العقد بدونه ـ وهو أحد القولين (٤) ـ

__________________

(١) في (ر) : فالمهملة.

(٢) لم نعثر عليه في كتب الإماميّة ، نعم يوجد في كتب العامّة ، اُنظر المجموع ١٦ : ٨٠.

(٣) حبا الصبيّ : زحف على يديه وبطنه.

(٤) قاله الشيخ في المبسوط ٦ : ٢٩٦ ، والقاضي في المهذّب ١ : ٣٣٢ ـ ٣٣٣ ، والعلّامة في التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٣٦٢.

٧٢

لاختلاف النوع الموجِب للغرر.

وقيل : يحمل على أخير ما ذكره بمعناه الأخير (١) وهو الأقوى؛ لأنّه القدر المشترك بين الجميع ، فيحمل الإطلاق عليه ، ولأصالة البراءة من وجوب التعيين ، ولأنّ اسم الإصابة واقع على الجميع ، فيكفي اشتراطه ، ولا غرر حيث يُعلم من الإطلاق الدلالة على المشترك.

(وقدر المسافة) إمّا بالمشاهدة ، أو بالتقدير كمئة ذراع؛ لاختلاف الإصابة بالقرب والبُعد (و) قدر (الغرض) وهو ما يقصد إصابته من قرطاس أو جلد أو غيرهما؛ لاختلافه بالسعة والضيق. ويشترط العلم بوضعه من الهدف وهو ما يجعل فيه الغرض من تراب وغيره؛ لاختلافه في الرفعة والانحطاط الموجب لاختلاف الإصابة.

(والسَبَق) وهو العوض (وتماثل جنس الآلة) أي نوعها الخاصّ كالقوس العربي ، أو المنسوب إلى وضع خاصّ؛ لاختلاف الرمي باختلافها (لا شخصها) لعدم الفائدة بعد تعيين النوع ، ولأدائه إلى التضييق بعروض مانع من المعيَّن يحوج إلى إبداله ، بل قيل : إنّه لو عيّنه لم يتعيّن وجاز الإبدال وفسد الشرط (٢).

وشمل إطلاق «الآلة» القوسَ والسهمَ وغيرَهما. وقد ذكر جماعة أنّه لا يشترط تعيين السهم (٣) لعدم الاختلاف الفاحش الموجب لاختلاف الرمي ،

__________________

(١) قاله العلّامة في القواعد ٢ : ٣٧٨ ، وقوّاه ولده فخر المحقّقين في الإيضاح ١ : ٣٧١ ـ ٣٧٢.

(٢) قاله العلّامة في القواعد ٢ : ٣٧٩ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٨ : ٣٥٥.

(٣) قاله المحقّق في الشرائع ٢ : ٢٣٨ ، والعلّامة في القواعد ٢ : ٣٧٩ ، والتحرير ٣ : ١٧٥ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٨ : ٣٥٥.

٧٣

بخلاف القوس. وأ نّه لو لم يعيّن جنس الآلة انصرف إلى الأغلب عادة؛ لأنّه جارٍ مجرى التقييد لفظاً ، فإن اضطربت فسد العقد؛ للغرر.

(ولا يشترط) تعيين (المبادرة) وهي اشتراط استحقاق العوض لمن بدر إلى إصابة عددٍ معيَّن من مقدار رِشق معيَّن مع تساويهما في الرِشق ، كخمسة من عشرين (ولا المحاطّة) وهي اشتراط استحقاقه لمن خلص له من الإصابة عدد معلوم بعد مقابلة إصابات أحدهما بإصابات الآخر وطرح ما اشتركا فيه.

(ويحمل المطلق على المحاطّة) لأنّ اشتراط السَبَق إنّما يكون لإصابة معيّنة من أصل العدد المشترط في العقد ، وذلك يقتضي إكمال العدد كلّه لتكون الإصابة المعيّنة منه ، وبالمبادرة قد لا يفتقر إلى الإكمال ، فإنّهما إذا اشترطا رِشق عشرين وإصابة خمسة فرمى كلّ واحد عشرة فأصاب أحدهما خمسة ، والآخر أربعة ـ مثلاً ـ فقد نضله (١) صاحب الخمسة ، ولا يجب عليه الإكمال. بخلاف ما لو شرطا المحاطّة ، فإنّهما يتحاطّان أربعة بأربعة ويبقى لصاحب الخمسة واحد ، ويجب الإكمال؛ لاحتمال اختصاص كلّ واحد بإصابة خمسة فيما يبقى.

وقيل : يحمل على المبادرة (٢) لأنّه المتبادر من إطلاق السبق لمن أصاب عدداً معيّناً ، وعدم وجوب الإكمال مشترك بينهما ، فإنّه قد لا يجب الإكمال في المحاطّة على بعض الوجوه ، كما إذا انتفت فائدته؛ للعلم باختصاص المصيب بالمشروط على كلّ تقدير ، بأن رمى أحدهما في المثال خمسة عشر فأصابها ورماها الآخر فأصاب خمسة ، فإذا تحاطّا خمسة بخمسة بقي للآخر عشرة ،

__________________

(١) في (ع) : فضله.

(٢) لم نعثر عليه في كتب الإماميّة ، نعم قاله بعض الشافعيّة ، اُنظر مغني المحتاج ٤ : ٣١٥ ، والمجموع ١٦ : ٨١.

٧٤

وغاية ما يتّفق مع الإكمال أن يخطئ صاحب العشرة الخمسة ويصيبها الآخر ، فيبقى له فضل خمسة ، وهي الشرط.

وما اختاره المصنّف أقوى؛ لأنّه المتبادر وما ادّعي منه في المبادرة غير متبادر ، ووجوب الإكمال فيها أغلب ، فتكثر الفائدة التي بسببها شرّعت المعاملة. ولو عيّنا إحداهما (١) كان أولى.

(فإذا تمّ النضال) وهو المراماة ، وتمامه بتحقّق الإصابة المشروطة لأحدهما ، سواء أتمّ العدد أجمع أم لا (ملك الناضل) وهو الذي غلب الآخر (العوض) سواء جعلناه لازماً كالإجارة ، أم جعالة. أمّا الأوّل : فلأنّ العوض في الإجارة وإن كان يُملك بالعقد ، إلّاأ نّه هنا لمّا كان للغالب وهو غير معلوم بل يمكن عدمه أصلاً (٢) توقّف الملك على ظهوره. وجاز كونه لازماً برأسه يخالف الإجارة في هذا المعنى. وأمّا على الجعالة : فلأنّ المال إنّما يملك فيها بتمام العمل ، وجواز الرهن عليه قبل ذلك وضمانه نظراً إلى وجود السبب المملّك ، وهو العقد. وهذا يتمّ في الرهن. أمّا في الضمان فيشكل بأنّ مجرّد السبب غير كافٍ ، كيف! ويمكن تخلّفه بعدم الإصابة فليس بتامّ. وهذا ممّا يرجّح كونه جعالة.

(وإذا فضل أحدُهما صاحبَه) بشيءٍ (فصالحه على ترك الفضل لم يصحّ) لأنّه مفوِّت للغرض من المناضلة أو مخالف لوضعها.

(ولو ظهر استحقاق العوض) المعيّن في العقد (وجب على الباذل مثله أو قيمته) لأنّهما أقرب إلى ما وقع التراضي عليه من العوض الفاسد ، كالصداق إذا ظهر فساده.

__________________

(١) المحاطّة أو المبادرة. في (ع) و (ر) : أحدهما.

(٢) في (ع) : أيضاً.

٧٥

ويشكل بأنّ استحقاق العوض المعيّن يقتضي فساد المعاملة كنظائره ، وذلك يوجب الرجوع إلى اُجرة المثل للعوض الآخر. نعم ، لو زادت اُجرة المثل عن مثل المعيّن أو قيمته اتّجه سقوط الزائد؛ لدخوله على عدمه. وهذا هو الأقوى. والمراد باُجرة المثل هنا ما يبذل لذلك العمل الواقع من المستحقّ له عادة. فإن لم تستقرّ العادة على شيءٍ رجع إلى الصلح.

وربما قيل بأ نّه اُجرة مثل الزمان الذي وقع العمل فيه ، نظراً إلى أنّ ذلك اُجرة مثل الحرّ لو غصب تلك المدّة (١) والأجود الأوّل.

__________________

(١) لم نعثر على القائل. نعم ، يظهر من التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٣٥٧ الميل إليه.

٧٦

كتاب الجعالة

٧٧
٧٨

(كتاب الجعالة)

(وهي) لغةً مال يجعل على فعل ، وشرعاً (صيغة ثمرتها تحصيل المنفعة بعوض مع عدم اشتراط العلم فيهما) في العمل والعوض ، ك‍ (من ردّ عبدي فله نصفه) مع الجهالة به وبمكانه ، وبهذا تتميّز عن الإجارة على تحصيل منفعة معيّنة؛ لأنّ التعيين شرط في الإجارة ، وكذا عوضها. أمّا عدم اشتراط العلم بالعمل هنا فموضع وفاق ، وأمّا العوض ففيه خلاف يأتي تحقيقه.

(ويجوز على كلّ عمل محلَّل مقصود) للعقلاء غير واجب على العامل ، فلا يصحّ على الأعمال المحرّمة كالزنا ، ولا على ما لا غاية له معتدّ بها عقلاً ، كنزف ماء البئر والذهاب ليلاً إلى بعض المواضع الخطيرة ، ونحوهما ممّا يقصده العابثون. نعم ، لو كان الغرض به التمرّن على الشجاعة وإضعاف الوهم ونحوه من الأغراض المقصودة للعقلاء صحّ ، وكذا لا يصحّ على الواجب عليه كالصلاة.

(ولا يفتقر إلى قبول) لفظيّ ، بل يكفي فعل مقتضى الاستدعاء به (ولا إلى مخاطبة شخص معيّن ، فلو قال : من ردّ عبدي أو خاط ثوبي) بصيغة العموم (فله كذا صحّ ، أو فله مال ، أو شيء) ونحوهما من العوض المجهول صحّ (إذ العلم بالعوض غير شرط في تحقّق الجعالة وإنّما هو) شرط (في تشخّصه وتعيّنه ، فإن أراد ذلك) التعيّن (فليذكر جنسه وقدره ، وإلّا) يذكره أو ذكره

٧٩

ولم يعيّنه (ثبت بالردّ اُجرة المثل).

ويشكل بأنّ ثبوت اُجرة المثل لا تقتضي صحّة العقد ، بل هي ظاهرة في فساده ، وإنّما أوجبها الأمرُ بعملٍ له اُجرة عادةً ، كما لو استدعاه ولم يعيّن عوضاً. إلّا أن يقال : إنّ مثل ذلك يُعدّ جعالة أيضاً ، فإنّها لا تنحصر في لفظ ، ويرشد إليه اتّفاقهم على الحكم من غير تعرّض للبطلان.

وفيه : أنّ الجعالة مستلزمة لجعل شيءٍ ، فإذا لم يذكره لا يتحقّق مفهومها وإن ترتّب عليها العوض.

وقيل : إن كانت الجهالة لا تمنع من التسليم لزم بالعمل العوضُ المعيّن لا اُجرة المثل ك‍ «من ردّ عبدي فله نصفه» (١) فردّه من لا يعرفه. ولا بأس به. وعلى هذا فيصحّ جعله صبرة مشاهدة مجهولة المقدار ، وحصّةً من نماء شجر على عمله ، وزرع كذلك ، ونحوها.

والفرق بينه وبين «الشيء» و«المال» مقوليّتهما على القليل والكثير المفضي إلى التنازع والتجاذب فلم يصحّ على هذا الوجه ، بخلاف ما لا يمنع من التسليم ، فإنّه أمر واحد لا يقبل الاختلاف ، ومسمّاه لتشخّصه لا يقبل التعدّد ، وقبوله للاختلاف قيمة بالزيادة والنقصان قد قدم عليه العامل كيف كان ويمكن التبرّع به ، فإذا قدم على العوض الخاصّ انتفى الغرر؛ لأنّه معيَّن في حدّ ذاته.

(ويشترط في الجاعل الكمال) بالبلوغ والعقل (وعدم الحجر) لأنّه باذل لمالٍ (٢) فيعتبر رفع الحجر عنه ، بخلاف العامل ، فإنّه يستحقّ الجعل وإن كان

__________________

(١) استحسنه العلّامة في القواعد ٢ : ٢١٦ ، والتحرير ٤ : ٤٤١ ، وقال ولده في الإيضاح ٢ : ١٦٣ : والأصحّ عندي الصحّة.

(٢) في سوى (ع) : المال.

٨٠