الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

١
٢

٣
٤

٥
٦

كتاب الإجارة

٧
٨

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم

وبه نستعين (١)

كتاب الإجارة

(وهي العقد على تملّك المنفعة المعلومة بعوض معلوم) فالعقد بمنزلة الجنس يشمل سائر العقود ، وخرج بتعلّقه بالمنفعة البيع والصلح المتعلّق بالأعيان ، وبالعوض الوصيّة بالمنفعة ، وبالمعلوم إصداقها؛ إذ ليس في مقابلها عوض معلوم وإنّما هو البُضع.

ولكن ينتقض في طرده بالصلح على المنفعة بعوض معلوم ، فإنّه ليس إجارة بناءً على جعله أصلاً.

(وإيجابها آجرتك ، أو * أكريتك ، أو ملّكتك منفعتها سنة) قيّد التمليك بالمنفعة ، ليحترز عمّا لو عبّر بلفظ الإيجار والإكراء ، فإنّه لا يصحّ تعلّقه إلّابالعين ، فلو أوردهما على المنفعة فقال : آجرتك منفعة هذه الدار ـ مثلاً ـ لم يصحّ. بخلاف التمليك؛ لأنّه يفيد نقل ما تعلّق به ، فإن ورد على الأعيان أفاد ملكها و (٢) ليس ذلك مورد الإجارة؛ لأنّ العين تبقى على ملك المؤجر ، فيتعيّن فيها إضافته إلى المنفعة ليفيد نقلها إلى المستأجر حيث يعبَّر بالتمليك.

__________________

(١) في (ف) بعد البسملة : ربّ يسّر وأعِن.

(*) في (س) بدل (أو) : و. وهكذا في نسخة (ش) من الشرح.

(٢) في (ش) : إذ ليس.

٩

(ولو) عبّر بالبيع و (نوى بالبيع الإجارة ، فإن أورده على العين) فقال : بعتك هذه الدار شهراً ـ مثلاً ـ بكذا (بطل) لإفادته نقلَ العين وهو منافٍ للإجارة (وإن قال : بعتك سكناها) سنة (مثلاً ، ففي الصحّة وجهان) مأخذهما : أنّ البيع موضوع لنقل الأعيان والمنافع تابعة لها ، فلا يثمر الملك لو تجوّز به في نقل المنافع منفردة وإن نوى به الإجارة. وأ نّه يفيد نقل المنفعة أيضاً في الجملة ـ ولو بالتبع ـ فيقوم مقام الإجارة مع قصدها. والأصحّ المنع.

(وهي لازمة من الطرفين) لا تبطل إلّابالتقايل ، أو بأحد الأسباب المقتضية للفسخ ، وسيأتي بعضها (ولو تعقّبها البيع لم تبطل) لعدم المنافاة ، فإنّ الإجارة تتعلّق بالمنافع ، والبيع بالعين وإن تبعتها المنافع حيث يمكن (سواء كان المشتري هو المستأجر أو غيره) فإن كان هو المستأجر لم تبطل الإجارة على الأقوى ، بل يجتمع عليه الاُجرة والثمن. وإن كان غيره وهو عالم بها صبر إلى انقضاء المدّة ، ولم يمنع ذلك من تعجيل الثمن. وإن كان جاهلاً بها تخيّر بين فسخ البيع وإمضائه مجّاناً مسلوب المنفعة إلى انقضاء المدّة. ثمّ لو تجدّد فسخ الإجارة عادت المنفعة إلى البائع ، لا إلى المشتري.

(وعذر المستأجر لا يبطلها) وإن بلغ حدّاً يتعذّر عليه الانتفاع بها (كما لو استأجر حانوتاً فسرق متاعه) ولا يقدر على إبداله؛ لأنّ العين تامّة صالحة للانتفاع بها فيستصحب اللزوم (أمّا لو عمّ العذر كالثلج المانع من قطع الطريق) الذي استأجر الدابّة لسلوكه ـ مثلاً ـ (فالأقرب جواز الفسخ لكلٍّ منهما) لتعذّر استيفاء المنفعة المقصودة حسّاً ، فلو لم يُجبر بالخيار لزم الضرر المنفيّ (١) ومثله

__________________

(١) بقوله صلى الله عليه وآله : لا ضرر ولا ضرار. اُنظر الوسائل ١٧ : ٣١٩ ، الباب ٥ من أبواب الشفعة ، الحديث الأوّل ، و ٣٤١ ، الباب ١٢ من أبواب إحياء الموات ، الحديث ٣.

١٠

ما لو عرض مانع شرعي كخوف الطريق؛ لتحريم السفر حينئذٍ ، أو استئجار امرأة لكنس المسجد فحاضت والزمان معيّن ينقضي مدّة العذر. ويحتمل انفساخ العقد في ذلك كلّه ، تنزيلاً للتعذّر منزلة تلف العين.

(ولا تبطل) الإجارة (بالموت) كما يقتضيه لزوم العقد ، سواء في ذلك موت المؤجر والمستأجر (إلّاأن تكون العين موقوفة) على المؤجر وعلى مَن بعده من البطون فيؤجرها مدّة ويتّفق موته قبل انقضائها فتبطل؛ لانتقال الحقّ إلى غيره ، وليس له التصرّف فيها إلّازمن استحقاقه ، ولهذا لا يملك نقلها ولا إتلافها.

نعم لو كان ناظراً وآجرها لمصلحة البطون لم تبطل بموته ، لكن الصحّة حينئذٍ ليست من حيث إنّه موقوف عليه ، بل من حيث إنّه ناظر.

ومثله الموصى له بمنفعتها مدّة حياته فيؤجرها كذلك (١) ولو شرط على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه بطلت بموته أيضاً.

(وكلّ ما يصحّ الانتفاع به مع بقاء عينه تصحّ إعارته وإجارته) وينعكس في الإجارة كلّيّاً (٢) دون الإعارة؛ لجواز إعارة

__________________

(١) أي مدّة يتّق موته قبل انقضائها.

(٢) الغرض من هذا العكس : ضبط مورد الإجارة على وجه يلزم من تحقّقه صحّتها ومن عدمه عدمها؛ لأنّ ذلك هو المقصود بالذات هنا وذلك لا يتمّ إلّابالعكس المذكور؛ لأنّ المقدّمة التي ذكرها المصنّف من أنّه كلّما يصحّ الانتفاع به مع بقاء عينه يصحّ إجارته ، إنّما يستلزم حصوله حصولها ولا يلزم من رفعه رفعها ، ضرورة أنّ وضع المقدّم يستلزم وضع التالي ولا يلزم من رفعه رفعه. كما أنّ التالي بالعكس يلزم من رفعه رفع المقدّم ولا يلزم من ثبوته ثبوته. وأمّا إذا عكسنا المقدّم ، فقلنا : كلّما صحّ إجارته صحّ الانتفاع مع بقاء عينه ، فإنّه يستلزم أنّ كلّما لا يصحّ الانتفاع به مع بقاء عينه لا يصحّ إجارته. فيفيد حينئذٍ انحصار

١١

المِنْحة (١) مع أنّ المقصود منها وهو اللبن لا تبقى عينه ، ولا تصحّ إجارتها لذلك (منفرداً كان) ما يؤجر (أو مشاعاً) إذ لا مانع من المشاع باعتبار عدم القسمة؛ لإمكان استيفاء المنفعة بموافقة الشريك ولا فرق بين أن يؤجره من شريكه و (٢) غيره عندنا.

(ولا يضمن المستأجر العين إلّابالتعدّي) فيها (أو التفريط) لأنّها مقبوضة بإذن المالك لحقّ القابض. ولا فرق في ذلك بين مدّة الإجارة وبعدها قبل طلب المالك وبعده إذا لم يؤخّر مع طلبها اختياراً (ولو شرط) في عقد الإجارة (ضمانها) بدونهما (فسد العقد) لفساد الشرط من حيث مخالفته للمشروع ومقتضى الإجارة.

(ويجوز اشتراط الخيار لهما ولأحدهما) مدّة مضبوطة؛ لعموم «المؤمنون عند شروطهم» (٣) ولا فرق بين المعيّنة والمطلقة عندنا (٤).

__________________

مورد الإجارة فيما يصحّ الانتفاع به مع بقاء عينه ، وإنّما استلزم ذلك؛ لأنّ التالي هو المقدّم في مقدّمة المصنّف والمقدّم هو التالي فيها فيلزم من ارتفاع ما لا ينتفع به مع بقاء عينه ارتفاع ما يصحّ إجارته؛ لما أسلفناه من المقدّم وذلك هو المطلوب. ومن هنا لم يصحّ مقدّمة الإعارة كلّيّاً؛ إذ لا يلزم من ارتفاع ما يصحّ الانتفاع به مع بقاء عينه ارتفاع مورد الإعارة؛ لتخلّفه في المنحة. (منه قدس سره).

(١) وهي الشاة المستعارة للحلب ، كما تقدّم من الشارح في كتاب العارية ، راجع الجزء الثاني : ٤٨٨.

(٢) في (ش) : أو.

(٣) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.

(٤) نبّه بالتسوية على خلاف بعض العامّة حيث جوّز خيار الشرط في المطلقة ـ وهو ما كان موردها الذمّة ـ لا المعيّنة ، وهو تحكّم. (منه رحمه الله).

١٢

(نعم ليس للوكيل والوصيّ فعل ذلك) وهو اشتراط الخيار للمستأجر أو للأعمّ بحيث يفسخ إذا أراد (إلّامع الإذن ، أو ظهور الغبطة) في الفسخ فيفسخ حيث يشترطها لنفسه ، لا بدون الإذن في الوكيل ، ولا الغبطة في الوصيّ؛ لعدم اقتضاء إطلاق التوكيل فيها إضافةَ الخيار المقتضي للتسلّط على إبطالها ، وكذا الوصاية ، فإنّ فعل الوصيّ منوط بالمصلحة.

(ولا بدّ من كمال المتعاقدين ، وجواز تصرّفهما) فلا تصحّ إجارة الصبيّ وإن كان مميّزاً أو أذن له الوليّ ، ولا المجنون مطلقاً ، ولا المحجور بدون إذن الوليّ ، أو من في حكمه (ومن كون المنفعة) المقصودة من العين (والاُجرة معلومتين).

ويتحقّق العلم بالمنفعة بمشاهدة العين المستأجرة التي هي متعلّقة المنفعة ، أو وصفِها بما يرفع الجهالة ، وتعيينِ المنفعة إن كانت متعدّدة في العين ولم يرد الجميع. وفي الاُجرة بكيلها أو وزنها أو عدّها إن كانت ممّا يعتبر بها في البيع ، أو مشاهدتها إن لم تكن كذلك.

(والأقرب أنّه لا تكفي المشاهدة في الاُجرة عن اعتبارها) بأحد الاُمور الثلاثة إن كانت ممّا يعتبر بها؛ لأنّ الإجارة معاوضة لازمة مبنيّة على المغابنة فلا بدّ فيها من انتفاء الغرر عن العوضين. أمّا لو كانت الاُجرة ممّا يكفي في بيعها المشاهدة كالعقار كفت فيها هنا قطعاً ، وهو خارج بقرينة الاعتبار.

(وتُملك) الاُجرة (بالعقد) لاقتضاء صحّة المعاوضة انتقالَ كلٍّ من العوضين إلى الآخر ، لكن لا يجب تسليمها قبل العمل. وإنّما تظهر الفائدة في ثبوت أصل الملك ، فيتبعها النماء متّصلاً ومنفصلاً.

(ويجب تسليمها بتسليم العين) المؤجرة (وإن كانت على عملٍ فبعده) لا قبلَ ذلك ، حتّى لو كان المستأجر وصيّاً أو وكيلاً لم يجز له التسليم

١٣

قبلَه ، إلّامع الإذن صريحاً أو بشاهد الحال. ولو فرض توقّف الفعل على الاُجرة كالحجّ وامتنع المستأجر من التسليم تسلّط الأجير على الفسخ.

(ولو ظهر فيها) أي في الاُجرة (عيب فللأجير الفسخ أو الأرش مع التعيين) للاُجرة في متن العقد؛ لاقتضاء الإطلاق السليم وتعيينه مانع من البدل كالبيع ، فيُجبر العيب بالخيار (ومع عدمه) أي عدم التعيين (يُطالَب بالبدل) لعدم تعيين المعيب اُجرة ، فإن اُجيب إليه وإلّا جاز له الفسخ والرضا بالمعيب فيطالِب بالأرش؛ لتعيين المدفوع عوضاً بتعذّر غيره.

(وقيل : له الفسخ) في المطلقة مطلقاً (١) (وهو قريب إن تعذّر الإبدال) كما ذكرناه ، لا مع بدله؛ لعدم انحصار حقّه في المعيب.

(ولو جعل اُجرتين على تقديرين ـ كنقل المتاع في يوم بعينه باُجرة وفي) يوم (آخر ب‍) اُجرة (اُخرى ، أو) جعل اُجرتين : إحداهما (في الخياطة الروميّة وهي التي بدرزين ، و) الاُخرى على الخياطة (الفارسيّة وهي التي بواحد ، فالأقرب الصحّة) لأنّ كلا الفعلين معلوم ، واُجرته معلومة والواقع لا يخلو منهما ، ولأصالة الجواز.

ويشكل بمنع معلوميّته؛ إذ ليس المستأجَر عليه المجموع ، ولا كلّ واحد وإلّا لوجبا ، فيكون واحداً غير معيّن ، وذلك غرر مبطل لها كالبيع بثمنين على تقديرين. ولو تُحمّل مثلُ هذا الغرر لزم مثله في البيع بثمنين؛ لاشتراكهما في العقد اللازم المشتمل على المعاوضة. نعم لو وقع ذلك جعالة توجّهت الصحّة؛ لاحتمالها من الجهالة ما لا تحتمله الإجارة.

__________________

(١) أي تعذّر الإبدال أم لا. قاله المحقّق في الشرائع ٢ : ١٨١ والعلّامة في الإرشاد ١ : ٤٢٤ والتحرير ٣ : ١٢٩.

١٤

(ولو شرط عدم الاُجرة على التقدير الآخر لم تصحّ في مسألة النقل) في اليومين ، وتثبت اُجرة المثل على المشهور.

ومستند الحكمين خبران : أحدهما صحيح (١) وليس بصريح في المطلوب ، والآخر ضعيف أو موثّق (٢) فالرجوع فيهما إلى الاُصول الشرعيّة أولى.

__________________

(١) الخبر الصحيح ما رواه محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام قال : سمعته يقول : كنت جالساً عند قاضٍ من قضاة المدينة فأتاه رجلان فقال أحدهما : إنّي تكاريت هذا يوافي بي السوق يوم كذا وكذا وإنّه لم يفعل. قال : فقال : ليس له كراء. قال : فدعوته وقلت : يا عبد اللّٰه ليس لك أن تذهب بحقّه ، وقلت للآخر : ليس لك أن تأخذ كلّ الذي عليه اصطلحتما فترادّا بينكما [الوسائل ١٣ : ٢٥٣ ، الباب ١٣ من أحكام الإجارة ، الحديث الأوّل].

وهذا الخبر كما ترى ليس فيه تعرّض لما عدا اليوم المعيّن باُجرة ولا بغيرها. وكذلك ليس في كلام الإمام عليه السلام أنّ اللازم في غيره اُجرة المثل أو غيرها ، ومع ذلك فما تضمّنه الخبر من الحكم لا يوافق القواعد الشرعيّة؛ لأنّ اللازم من تعيينه العمل في اليوم المعيّن والسكوت عن غيره أنّه لا يستحقّ في غيره اُجرة كما قاله القاضي ، إلّاأن نفرض اطّلاعه عليه السلام على ما يوجب بطلان الإجارة فحكم عليهما بالاصطلاح؛ لأنّ الثابت حينئذٍ اُجرة المثل وهي خارجة عن المعيّن ، كما أشار إليه في كلامه عليه السلام لهما. (منه رحمه الله).

(٢) وجه الترديد بين كون الخبر ضعيفاً أو موثّقاً أنّ في طريقه منصور بن يونس برزج وكان واقفيّاً إلّاأنّ النجاشي مع ذلك وثّقه [رجال النجاشي : ٤١٣] وغيره ردّ روايته ، والعلّامة رحمه الله قال : الوجه عندي التوقّف فيما يرويه [رجال العلّامة : ٢٥٨] فعلى قول النجاشي هو من الموثّق وعلى قول غيره هو من الضعيف خصوصاً على ما ذكره الكشّي من أنّ سبب وقوفه أموال كانت في يده للكاظم عليه السلام فجحد النصّ للرضا عليه السلام لذلك [اختيار معرفة الرجال ٢ : ٧٦٨] ، هذا من حيث السند وأمّا من حيث الدلالة : فهي صريحة في حكم المسألتين معاً وهما ما لو جعل للقسم الآخر اُجرة وما لو شرط إسقاطهما فيه رأساً ولفظ الرواية عن الحلبي قال : كنت قاعداً إلى قاضٍ وعنده أبو جعفر عليه السلام فأتاه رجلان فقال

١٥

وللمصنّف رحمه الله في الحكم الثاني بحث نبّه عليه بقوله : (وفي ذلك نظر؛ لأنّ قضيّة كلّ إجارة المنع من نقيضها) فيمكن أن يجعل مورد الإجارة هنا القسم الذي فُرض فيه اُجرة ، والتعرّض للقسم الآخر الخالي عنها تعرّضاً في العقد لحكم يقتضيه (١) فإنّ قضيّة الإجارة بالاُجرة المخصوصة في الزمن المعيّن حيث يُطلق عدم استحقاق شيء لو لم ينقل أو نقل في غيره (فيكون) على تقدير اشتراط عدم الاُجرة لو نقله في غير المعيّن (قد شرط قضيّةَ العقد ، فلم تبطل) الإجارة (في مسألة النقل أو في غيرها) ممّا شاركها في هذا المعنى ، وهو اشتراط عدم الاُجرة على تقدير مخالفة مقتضى الإجارة الخاصّة (غاية ما في الباب أنّه إذا أخلّ بالمشروط) وهو نقله في اليوم المعيّن (يكون البطلان منسوباً إلى الأجير) حيث فوّت الزمان المعيّن ، ولم يفعل فيه ما شرط عليه ، فلا يستحقّ شيئاً؛ لأنّه لم يفعل ما استؤجر عليه. (ولا يكون) البطلان (حاصلاً من جهة العقد) فلا وجه للحكم ببطلان الإجارة على هذا التقدير وإثبات اُجرة المثل ، بل اللازم عدم ثبوت شيء وإن نقل المتاع إلى المكان المعيَّن في غير الزمان؛ لأنّه فعل ما لم يؤمَر به ولا استؤجر عليه.

__________________

أحدهما : إنّي تكاريت إبل هذا الرجل ليحمل لي متاعاً إلى بعض المعادن فاشترطت عليه أن يدخلني المعدن يوم كذا وكذا؛ لأنّها سوق وأتخوّف أن يفوتني فإن احتبست عن ذلك حططت من الكراء لكلّ يوم احتبست كذا وكذا ، وإنّه حبسني عن ذلك الوقت كذا وكذا يوماً. فقال القاضي : هذا شرط فاسد وفه كراه. فلمّا قام الرجل أقبل إليّ أبو جعفر عليه السلام فقال : شرطه هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه [الوسائل ١٣ : ٢٥٣ ، الباب ١٣ من أبواب أحكام الإجارة ، الحديث ٢ مع تفاوت يسير] (منه رحمه الله).

(١) في (ف) ونسخة بدل (ر) : نقيضه.

١٦

وهذا النظر ممّا لم يتعرّض له أحد من الأصحاب ، ولا ذكره المصنّف في غير هذا الكتاب. وهو نظر موجَّه ، إلّاأ نّه لا يتمّ إلّاإذا فرض كون مورد الإجارة هو الفعل في الزمن المعيّن ، وما خرج عنه خارج عنها ، وظاهر الرواية وكلام الأصحاب أنّ مورد الإجارة كلا القسمين ، ومن ثَمّ حكموا بصحّتها مع إثبات الاُجرة على التقديرين ، نظراً إلى حصول المقتضي وهو الإجارة المعيّنة المشتملة على الاُجرة المعيّنة وإن تعدّدت واختلفت؛ لانحصارها وتعيّنها (١) كما تقدّم ، وبطلانها على التقدير الآخر. ولو فُرض كون مورد الإجارة هو القسم الأوّل خاصّة ـ وهو النقل في الزمن المعيَّن ـ لكان الحكم بالبطلان على تقدير فرض اُجرة مع نقله في غيره أولى؛ لأنّه خلاف قضيّة الإجارة وخلاف ما تعلّقت به ، فكان أولى بثبوت اُجرة المثل.

وجعلُ القسمين متعلّقها على تقدير ذكر الاُجرة ، والأوّلَ خاصّةً على تقدير عدمه في الثاني مع كونه خلاف الظاهر موجب لاختلاف الفرض بغير دليل.

ويمكن الفرق بكون تعيين الاُجرة على التقديرين قرينة جعلهما موردَ الإجارة حيث أتى بلازمها ، وهو الاُجرة فيهما ، وإسقاطها في التقدير الآخر قرينة عدم جعله مورداً من حيث نفي اللازم الدالّ على نفي الملزوم ، وحينئذٍ فتنزيله على شرط قضيّة العقد أولى من جعله أجنبيّاً مفسداً للعقد بتخلّله بين الإيجاب والقبول.

(ولا بدّ) في صحّة الإجارة على وجه اللزوم (من كون المنفعة مملوكة له) أي للمؤجر (أو لمولّاه *) وهو من يدخل تحت ولايته ببنوّة ، أو وصاية

__________________

(١) في (ف) وظاهر (ش) : تعيينها.

(*) في (ق) و (س) ونسخة (ش) من الشرح : لوليّه.

١٧

أو حكم (سواء كانت مملوكة) له (بالأصالة) كما لو استأجر العين فملك منفعتها بالأصالة لا بالتبعيّة للعين ثمّ آجرها ، أو اُوصي له بها (أو بالتبعيّة) لملكه للعين.

(وللمستأجر * أن يؤجر) العين التي استأجرها (إلّامع شرط) المؤجر الأوّل عليه (استيفاء المنفعة بنفسه) فلا يصحّ له حينئذٍ أن يؤجر ، إلّاأن يشترط المستأجر الأوّل على الثاني استيفاء المنفعة له بنفسه ، فيصحّ أن يؤجر أيضاً؛ لعدم منافاتها لشرط المؤجر الأوّل ، فإنّ استيفاءه المنفعة بنفسه أعمّ من استيفائها لنفسه.

وعلى تقدير جواز إيجاره لغيره هل يتوقّف تسليم العين على إذن مالكها؟ قيل : نعم (١) إذ لا يلزم من استحقاقه استيفاء المنفعة والإذن له في التسلّم جوازُ تسليمها لغيره ، فيضمن لو سلّمها بغير إذن.

وقيل : يجوز تسليمها من غير ضمان (٢) لأنّ القبض من ضرورات الإجارة للعين وقد حكم بجوازها ، والإذن في الشيء إذن في لوازمه.

وهذا هو الذي رجّحه المصنّف في بعض حواشيه (٣) وفيه قوّة. ويؤيّده صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه عليهما السلام في عدم ضمان الدابّة المستأجرة بالتسليم

__________________

(*) في (ق) و (س) : فللمستأجر.

(١) قاله ابن إدريس في السرائر ٢ : ٤٦٧ ، والعلّامة في القواعد ٢ : ٢٨٧ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ٧ : ١٢٥.

(٢) قاله العلّامة في المختلف ٦ : ١٥١ ـ ١٥٢ ، كما نسبه السيّد العاملي إليه في مفتاح الكرامة ٧ : ٨٥ ، والشهيد في غاية المراد ٢ : ٣١٧.

(٣) الظاهر أنّها الحاشية على القواعد ولا توجد لدينا.

١٨

إلى الغير (١) وغيرها أولى.

(ولو آجر الفضولي فالأقرب الوقوف على الإجازة) كما يقف غيرها من العقود. وخصّها بالخلاف؛ لعدم النصّ فيها بخصوصه. بخلاف البيع ، فإنّ قصّة عروة البارقي مع النبيّ صلى الله عليه وآله في شراء الشاة تدلّ على جواز بيع الفضولي وشرائه. فقد يقال باختصاص الجواز بمورد النصّ (٢) والأشهر توقّفه على الإجازة مطلقاً.

(ولا بدّ من كونها) أي المنفعة (معلومة إمّا بالزمان) فيما لا يمكن ضبطه إلّا به (كالسكنى) والإرضاع (وإمّا به أو بالمسافة) فيما يمكن ضبطه بهما (كالركوب) فإنّه يمكن ضبطه بالزمان كركوب شهر ، وبالمسافة كالركوب إلى البلد المعيّن (وإمّا به أو بالعمل) كاستئجار الآدمي لعمل (كالخياطة) فإنّه يمكن ضبطه بالزمان كخياطة شهر ، وبالعمل كخياطة هذا الثوب.

(ولو جمع بين المدّة والعمل) كخياطة هذا (٣) الثوب في هذا اليوم (فالأقرب البطلان إن قصد التطبيق) بين العمل والزمان بحيث يبتدئ بابتدائه وينتهي بانتهائه؛ لأنّ ذلك ممّا لا يتّفق غالباً ، بل يمكن انتهاء الزمان قبل انتهاء العمل وبالعكس ، فإن أمر بالإكمال في الأوّل لزم العمل في غير المدّة المشروطة وإلّا كان تاركاً للعمل الذي وقع عليه العقد ، وإن أمر في الثاني بالعمل إلى أن تنتهي المدّة لزم الزيادة على ما وقع عليه العقد ، وإن لم يعمل كان تاركاً للعمل في المدّة المشروطة.

ولو قصد مجرّد وقوع الفعل في ذلك الزمان صحّ مع إمكان وقوعه فيه. ثمّ

__________________

(١) الوسائل ١٣ : ٢٥٥ ، الباب ١٦ من أبواب الإجارة ، الحديث الأوّل.

(٢) مستدرك الوسائل ١٣ : ٢٤٥ ، الباب ١٨ من عقد البيع وشروطه ، والسنن الكبرى ٦ : ١١٢.

(٣) لم يرد (هذا) في (ع) و (ف).

١٩

إن وقع فيه مَلِك الاُجرة؛ لحصول الغرض. وإن خرجت المدّة قبله ، فإن كان قبلَ الشروع فيه بطلت ، وإن خرجت في أثنائه استحقّ المسمّى لما فعل. وفي بطلانها في الباقي ، أو تخيّر المستأجر بين الفسخ في الباقي أو الإجازة ، فيكمل خارجَه ويستحقّ المسمّى ، وجهان. وقيل : يستحقّ مع الفسخ اُجرةَ مثلِ ما عمل (١) لا المسمّى والأوسط أجود.

(ولا يعمل الأجير الخاصّ) وهو الذي يستأجره للعمل بنفسه مدّة معيّنة حقيقة أو حكماً ـ كما إذا استُؤجر لعملٍ معيّن أوّل زمانه اليوم المعيّن بحيث لا يتوانى فيه بعدَه ـ (لغير المستأجر) إلّابإذنه؛ لانحصار منفعته فيه بالنسبة إلى الوقت الذي جرت عادته بالعمل فيه كالنهار. أمّا غيره كالليل فيجوز العمل فيه لغيره إذا لم يؤدّ إلى ضعف في العمل المستأجَر عليه.

وفي جواز عمله لغيره في المعيّن عملاً لا ينافي حقَّه ـ كإيقاع عقد في حال اشتغاله بحقّه ـ وجهان ، من التصرّف في حقّ الغير ، وشهادة الحال. ومثله عملُ مملوكِ غيرِه كذلك.

وباعتبار هذا الانحصار سُمّي خاصّاً؛ إذ لا يمكنه أن يشرّك غيرَ من استأجره في العمل في الزمان المعهود.

فإن عمل لغيره في الوقت المختصّ ، فلا يخلو إمّا أن يكون بعقد إجارة ، أو جُعالة ، أو تبرّعاً.

ففي الأوّل : يتخيّر المستأجر بين فسخ عقد نفسه لفوات المنافع التي وقع عليها العقد أو بعضها ، وبين إبقائه ، فإن اختار الفسخ وكان ذلك قبلَ أن يعمل الأجير شيئاً فلا شيء عليه ، وإن كان بعدَه تبعّضت الإجارة ولزمه من المسمّى

__________________

(١) قاله العلّامة في التحرير ٣ : ٨٦.

٢٠