الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

وبالجملة ، فحكمه حكم الوصيّة.

هذا كلّه إذا كان التدبير متبرّعاً به وعلّق على وفاة المولى ليكون كالوصيّة ، فلو كان واجباً بنذر وشبهه حال الصحّة أو معلّقاً على وفاة غيره فمات في حياة المولى فهو من الأصل. ولو مات بعد المولى فهو من الثلث أيضاً.

هذا إذا كان النذر مثلاً «للّٰه‌عليَّ عتق عبدي بعد وفاتي» ونحوه. أمّا لو قال : «للّٰه‌عليّ أن اُدبّر عبدي» ففي إلحاقه به في خروجه من الأصل نظر؛ لأنّ الواجب بمقتضى الصيغة هو إيقاع التدبير عليه ، فإذا فعله وَفى بنذره وصار التدبير كغيره؛ لدخوله في مطلق التدبير.

ومثله ما لو نذر أن يوصي بشيء ثمّ أوصى به. أمّا لو نذر جعله صدقة بعد وفاته أو في وجه سائغ فكنذر العتق.

ونقل المصنّف عن ظاهر كلام الأصحاب تساوي القسمين في الخروج من الأصل؛ لأنّ الغرض التزام الحرّيّة بعد الوفاة ، لا مجرّد الصيغة ، ونَقَل عن ابن نما رحمه الله الفرق بما حكيناه (١) وهو متّجه.

وعلى التقديرين لا يخرج بالنذر عن الملك ، فيجوز له استخدامه ووطؤه إن كانت جارية. نعم ، لا يجوز نقله عن ملكه. فلو فعل صحّ ولزمته الكفّارة مع العلم ، ولو نقله عن ملكه ناسياً فالظاهر الصحّة ولا كفّارة؛ لعدم الحنث. وفي الجاهل وجهان ، وإلحاقه بالناسي قويّ. ولو وقع النذر في مرض الموت فهو من الثلث مطلقاً.

(ويصحّ الرجوع في التدبير) المتبرّع به ما دام حيّاً كما يجوز الرجوع في

__________________

(١) الدروس ٢ : ٢٣٢.

٥٠١

الوصيّة. وفي جواز الرجوع في الواجب بنذر وشبهه ما تقدّم من عدم الجواز إن كانت صيغته (للّٰه‌عليّ عتقه بعد وفاتي) ومجيء الوجهين لو كان متعلّق النذر هو التدبير ، من خروجه عن عهدة النذر بإيقاع الصيغة كما حقّقناه ، ومن أنّه تدبير واجب وقد أطلقوا لزومه.

والرجوع يصحّ (قولاً ، مثل رجعت في تدبيره) وأبطلته ونقضته ونحوه (وفعلاً كأن يهب) المدبّر وإن لم يُقبِض (أو يبيع ، أو يُوصي) به وإن لم يفسخه قبل ذلك ، أو يقصد به الرجوع على أصحّ القولين (١).

ولا فرق بين قبول الموصى له الوصيّة وردّها؛ لأنّ فسخه جاء من قِبل إيجاب المالك ، ولا يعود التدبير بعوده مطلقاً.

(وإنكاره ليس برجوع) وإن حلف المولى؛ لعدم الملازمة ، ولاختلاف اللوازم ، فإنّ الرجوع يستلزم الاعتراف به ، وإنكاره يستلزم عدمه ، واختلاف اللوازم يقتضي اختلاف الملزومات.

ويحتمل كونه رجوعاً؛ لاستلزامه رفعه مطلقاً ، وهو أبلغ من رفعه في بعض الأزمان. وفي الدروس قطع بكونه ليس برجوع إن جعلناه عتقاً ، وتوقّف فيما لو جعلناه وصيّة ، ونسب القول بكونه رجوعاً إلى الشيخ (٢) وقد تقدّم اختياره أنّ

__________________

(١) اختاره الشيخ في المبسوط ٦ : ١٧١ ، والخلاف ٦ : ٤١٢ ، المسألة ٦ من التدبير ، وابن إدريس في السرائر ٣ : ٣٠ ـ ٣١ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ١٢٠ ، والمختصر النافع : ٢٣٨ ، والعلّامة في التحرير ٤ : ٢١٧ ، الرقم ٥٦٨٣ ، والقواعد ٣ : ٢٢٧ ، والمختلف ٨ : ٧١ و ٨٣ وغيرهم. والقول الآخر للشيخ في النهاية : ٥٥٢ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٤٦.

(٢) الدروس ٢ : ٢٣٣ ، ولكن فيه : قوّى الشيخ أنّه ليس برجوع ، وهذا هو المطابق لما في المبسوط ٦ : ١٧٤.

٥٠٢

إنكار الطلاق رجعة (١).

والعلّامة حكم بأنّ إنكار سائر العقود الجائزة ليس برجوع إلّاالطلاق (٢).

والفرق بينه وبين غيره غير واضح.

(ويبطل التدبير بالإباق) من مولاه ، سواء في ذلك الذكر والاُنثى ، لا بالإباق من عند مخدومه المعلّق عتقه على موته ، وقد تقدّم ما يدلّ عليه (٣) (فلو ولد له حال الإباق) أولاد من أمة لسيّده ، أو غيره حيث يلحق به الولد ، أو حرّة عالمة بتحريم نكاحه (كانوا أرقّاء *» مثله (و) أولاده (قبله على التدبير) وإن بطل في حقّه ، استصحاباً للحكم السابق فيهم مع عدم المعارض.

(ولا يبطل) التدبير (بارتداد السيّد) عن غير فطرة ، فيعتق لو مات على ردّته. أمّا لو كان عن فطرة ففي بطلانه نظر ، من انتقال ماله عنه في حياته ، ومن تنزيلها منزلة الموت فيعتق بها.

والأقوى الأوّل ، ولا يلزم من تنزيلها منزلة الموت في بعض الأحكام ثبوته مطلقاً ، وإطلاق العبارة يقتضي الثاني. وقد استشكل الحكم في الدروس (٤) لما ذكرناه.

(و) كذا (لا) يبطل (بارتداد العبد ، إلّاأن يلحق بدار الحرب) قبل الموت؛ لأنّه إباق ، ولو التحق بعده يتحرّر من الثلث. والفارق بين الارتداد

__________________

(١) تقدّم في الصفحة ٣٦٧.

(٢) القواعد ٣ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩ ، والتحرير ٤ : ٢١٨ ، الرقم ٥٦٨٣.

(٣) تقدّم في الصفحة ٤٩٤.

(*) في (ق) و (س) ونسخة (ف) من الشرح : رقّاً.

(٤) الدروس ٢ : ٢٣١.

٥٠٣

والإباق ـ مع أنّ طاعة اللّٰه أقوى ، فالخروج عنها أبلغ من الإباق ـ النصّ (١) وقد يُقرَّب بغناء اللّٰه تعالى عن طاعته له بخلاف المولى ، مع أنّ الإباق يجمع معصية اللّٰه تعالى والمولى بخلاف الارتداد. فقوّة الارتداد ممنوعة.

(وكسب المدبّر في الحياة) أي حياة المولى (للمولى؛ لأنّه رقّ) لم يخرج بالتدبير عنها (ولو استفاده بعد الوفاة فله جميع كسبه إن خرج من الثلث ، وإلّا فبنسبة ما عتق منه ، والباقي) من كسبه (للوارث).

هذا إذا كان تدبيره معلَّقاً على وفاة المولى ، فلو كان معلَّقاً على وفاة غيره وتأخّرت عن وفاة المولى فكسبه بعد وفاة مولاه ككسبه قبلها لبقائه على الرقّيّة. ولو ادّعى بعد الموت تأخّر الكسب وأنكره الوارث حلف المدبَّر؛ لأصالة عدم التقدّم.

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ٨٠ ـ ٨١ ، الباب ١٠ من أبواب كتاب التدبير ، الحديث ١ و ٢.

٥٠٤

(النظر الثاني في الكتابة)

واشتقاقها من «الكَتْب» وهو الجمع ، لانضمام بعض النجوم إلى بعض ، ومنه «كتبتُ الحروفَ» وهو مبنيّ على الغالب ، أو الأصل من وضعها بآجال متعدّدة ، وإلّا فهو ليس بمعتبر عندنا وإن اشترطنا الأجل.

(وهي مستحبّة مع الأمانة) وهي الديانة (والتكسّب) للأمر بها في الآية (١) مع الخير وأقلّ مراتبه الاستحباب وفُسّر (الخير) بهما (٢) لإطلاقه على الأوّل في مثل قوله تعالى : (وَمٰا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اَللّٰهُ) (٣) و (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) (٤) وعلى الثاني في مثل قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لِحُبِّ اَلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (٥) و (إِنْ تَرَكَ خَيْراً) (٦) فحمل عليهما ، بناءً على جواز حمل المشترك على كلا معنييه ، إمّا مطلقاً أو مع القرينة ، وهي موجودة؛ لصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام في قول اللّٰه عزّ وجلّ : (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) قال : «إن علمتم لهم دينا ومالا» (٧) ورواه الكليني بسند صحيح (٨).

__________________

(١) وهي الآية ٣٣ من سورة النور : (فَكٰاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً).

(٢) اُنظر التبيان ٧ : ٣٨٣ ، ومجمع البيان ٤ : ١٤٠ ، ذيل الآية.

(٣) البقرة : ١٩٧.

(٤) الزلزلة : ٧.

(٥) العاديات : ٨.

(٦) البقرة : ١٨٠.

(٧) الوسائل ١٦ : ٨٣ ، الباب الأوّل من أبواب المكاتبة ، الحديث الأوّل.

(٨) الكافي ٦ : ١٨٧ ، الحديث ١٠.

٥٠٥

وحينئذٍ يندفع ما قيل : إنّ استعمال المشترك في معنييه مرجوح ، أو مجاز لا يصار إليه (١).

نعم ، روى في التهذيب عن الحلبي صحيحاً عنه عليه السلام في الآية قال : إن علمتم لهم مالا (٢) بغير ذكر «الدين» والمثبت مقدّم.

(ومتأكّدة) الاستحباب (بالتماس العبد) مع جمعه للوصفين ، أمّا مع عدمهما أو أحدهما فلا في ظاهر كلام الأصحاب. وفي النافع : أنّها تتأكّد بسؤال المملوك ولو كان عاجزاً (٣) فجعل الاستحباب مع عدم سؤاله مشروطاً بالشرطين ، ومعه يكتفي بالأوّل خاصّة (ولو عدم الأمران) الصادق بعدم أحدهما وعدمهما معاً (فهي مباحة) على المشهور. وقيل : مكروهة (٤).

(وهي معاملة) بين المولى والمملوك (مستقلّة) بنفسها على الأشهر. وتختصّ بوقوعها بين المالك ومملوكه ، وأنّ العوض والمعوّض ملك السيّد ، وأنّ المكاتَب على درجة بين الاستقلال وعدمه ، وأ نّه يملك من بين العبيد ، ويثبت له أرش الجناية على سيّده ، وعليه الأرش للسيّد المجنيّ عليه. وتفارق البيعَ باعتبار الأجل في المشهور ، وسقوط خيار المجلس والحيوان ، وعدم قبولها لخيار الشرط.

(وليست بيعاً للعبد من نفسه) وإن أشبهته في اعتبار العوض المعلوم

__________________

(١) قاله الفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٤٦٩.

(٢) التهذيب ٨ : ٢٦٨ ، الحديث ٩٧٥ ، وانظر الوسائل ١٦ : ٨٣ ، الباب الأوّل من أبواب المكاتبة ، الحديث ٣ وذيله.

(٣) المختصر النافع : ٢٣٩.

(٤) قوّاه الشيخ في المبسوط ٦ : ٧٣.

٥٠٦

والأجل المضبوط على تقدير ذكره في البيع؛ لمخالفتها له في الأحكام ، ولبعد ملك الإنسان نفسَه ، فلو باعه نفسه بثمن مؤجّل لم يصحّ (ولا عتقاً بصفة) وهي شرط عوضٍ معلوم على المملوك في أجلٍ مضبوط. وهو وفاق ، خلافاً لبعض العامّة (١).

(ويشترط في المتعاقدين الكمال) بالبلوغ والعقل ، فلا يقع من الصبيّ وإن بلغ عشراً وجوّزنا عتقه ، ولا من المجنون المطبق ، ولا الدائر جنونه في غير وقت الإفاقة. وهذان مشتركان بين المولى والمكاتب.

وقد يُتخيّل عدم اشتراطهما في المكاتب؛ لأنّ المولى وليّه ، فيمكن قبوله عنه ، وكذا الأب والجدّ والحاكم مع الغبطة. وله وجه وإن استبعده المصنّف في الدروس (٢) غيرَ مبيِّن وجهَ البُعد.

(وجواز تصرّف المولى) فلا يقع من السفيه بدون إذن الوليّ ، ولا المفلَّس بدون إذن الغرماء ، ولا من المريض فيما زاد منه عن الثلث بدون إجازة الوارث وإن كان العوض بقدر قيمته؛ لأنّهما ملك المولى ، فليست معاوضة حقيقيّة ، بل في معنى التبرّع ترجع إلى معاملة المولى على ماله بماله.

ويستفاد من تخصيص الشرط بالمولى جوازُ كتابة المملوك السفيه؛ إذ لا مال له يمنع من التصرّف فيه. نعم يمنع من المعاملة الماليّة ومن قبض المال لو ملكه بعد تحقّق الكتابة.

(ولا بدّ) في الكتابة (من العقد المشتمل على الإيجاب ، مثل كاتبتك على أن تؤدّي إليَّ كذا في وقت كذا) إن اتّحد الأجل (أو أوقات كذا) إن تعدّد (فإذا أدّيتَ فأنت حرّ).

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) الدروس ٢ : ٢٤٢.

٥٠٧

وقيل : لا يفتقر إلى إضافة قوله : (فإذا أدّيت ...) بل يكفي قصده؛ لأنّ التحرير غاية الكتابة ، فهي دالّة عليه ، فلا يجب ذكره كما لا يجب ذكر غاية البيع وغيره ، خصوصاً لو جعلناها بيعاً للعبد من نفسه (١).

ويضعَّف بأنّ القصد إليه إذا كان معتبراً لزم اعتبار التلفّظ بما يدلّ عليه؛ لأنّ هذا هو الدليل الدالّ على اعتبار الإيجاب والقبول اللفظيّين في كلّ عقد ، ولا يكفي قصد مدلوله.

نعم ، لو قيل بعدم اعتبار قصده أيضاً كما في غيره من غايات العقود اتّجه ، لكن لا يظهر به قائل.

(والقبول مثل قبلت) ورضيت.

وتوقّف هذه المعاملة على الإيجاب والقبول يُلحقها بقسم العقود ، فذكرُها في باب الإيقاعات ـ التي يكفي فيها الصيغة من واحد ـ بالعرض تبعاً للعتق ، ولو فصلوها ووضعوها في باب العقود كان أجود.

(فإن قال) المولى في الإيجاب مضافاً إلى ذلك (فإن عجزتَ فأنت رَدّ) ـ بفتح الراء وتشديد الدال ـ مصدر بمعنى المفعول أي مردود (في الرقّ فهي مشروطة ، وإلّا) يقل ذلك ، بل اقتصر على الإيجاب السابق (فهي مطلقة) ومن القيد يظهر وجه التسمية.

ويشترك القسمان في جميع الشرائط وأكثر الأحكام ، ويفترقان في أنّ المكاتَب في المطلقة ينعتق منه بقدر ما يؤدّي من مال الكتابة ، والمشروط لا ينعتق منه شيء حتّى يؤدّي الجميع. والإجماع على لزوم المطلقة ، وفي المشروطة

__________________

(١) قاله الشيخ في المبسوط ٦ : ٧٤ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ١٢٥ ، والعلّامة في التحرير ٤ : ٢٢٤ ، الرقم ٥٦٩٨.

٥٠٨

خلاف ، وسيأتي.

(والأقرب اشتراط الأجل) في الكتابة مطلقاً بناءً على أنّ العبد لا يملك شيئاً فعجزه حالة العقد عن العوض حاصل ، ووقت الحصول متوقّع مجهول ، فلا بدّ من تأجيله بوقت يمكن فيه حصوله عادةً.

وفيه نظر؛ لإمكان التملّك عاجلاً ولو بالاقتراض كشراء من لا يملك شيئاً من الأحرار ، خصوصاً لو فرض حضور شخص يوعده بدفع المال عنه بوجهٍ في المجلس.

ويندفع ذلك كلّه بأنّ العجز حالة العقد حاصل وهو المانع.

نعم ، لو كان بعضه حرّاً وبيده مال فكاتبه على قدره فما دون حالّاً فالمتّجه الصحّة؛ لأنّه كالسعاية. ولو كان واقفاً على معدن مباح يمكنه تحصيل العوض منه في الحال ، فعلى التعليل بجهالة وقت الحصول يصحّ ، وبالعجز حالةَ العقد يمتنع.

وقيل : لا يشترط الأجل مطلقاً (١) للأصل ، وإطلاقِ الأمر بها ، خصوصاً على القول بكونها بيعاً ، ويمنع اعتبار القدرة على العوض حالة العقد ، بل غايته إمكانها بعده ، وهو حاصل هنا.

وحيث يعتبر أو يراد يشترط ضبطه كأجل النسيئة بما لا يحتمل الزيادة والنقصان. ولا يشترط زيادته عن أجل (٢) عندنا؛ لحصول الغرض ، ولو قصر الأجل بحيث يتعذّر حصول المال فيه عادة بطل إن عُلّل بالجهالة ، وصحّ إن عُلّل بالعجز.

__________________

(١) قاله الشيخ في الخلاف ٦ : ٣٨٣ ، المسألة ٥ من كتاب المكاتب ، وابن إدريس في السرائر ٣ : ٣٠ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٤٠٩.

(٢) في (ر) زيادة : واحد.

٥٠٩

وفي اشتراط اتّصاله بالعقد قولان (١) أجودهما العدم؛ للأصل.

(وحدّ العجز) المسوّغ للفسخ في المشروطة بمخالفة شرطه ، فإن شرط عليه التعجيز عند تأخير نجم عن محلّه ، أو إلى نجم آخر أو إلى مدّة مضبوطة اتّبع شرطه ، وإن أطلق فحدّه (أن يؤخّر نجماً عن محلّه) والمراد بالحدّ هنا : العلامة أو السبب الدالّ على العجز ، لا الحدّ المصطلح ، وبالنجم : المال المؤدّى في المدّة المخصوصة ، ويطلق على نفس المدّة ، وبتأخيره عن محلّه : عدم أدائه في أوّل وقت حلوله ، وتحديده بذلك هو الوارد في الأخبار الصحيحة (٢).

وفي المسألة أقوال اُخر (٣) مستندة إلى أخبار ضعيفة (٤) أو اعتبار غير تامّ. وأمّا المطلقة فإذا نفذ بعض النجوم ولم يؤدّ قسطه فُكّ من سهم الرقاب ، فإن تعذّرَ استرقّ إن لم يكن أدّى شيئاً ، وإلّا فبحسب ما عجز عنه ، فحدّ العجز المذكور

__________________

(١) القول باشتراط الاتّصال للشيخ في المبسوط ٦ : ٧٤ ـ ٧٥. والقول بالعدم للعلّامة في القواعد ٣ : ٢٣٤ ، وولده في الإيضاح ٣ : ٥٧٨.

(٢) مثل صحيحتي معاوية في الوسائل ١٦ : ٨٨ ـ ٨٩ ، الباب ٥ من أبواب المكاتبة ، الحديث ١ و ٢ ، و ٨٧ ، والباب ٤ من أبواب المكاتبة ، الحديث ١٣.

(٣) منها تأخير نجم إلى نجم ، اختاره الشيخ في النهاية : ٥٤٩ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ٣٧٦ ، والكيدري في الإصباح : ٤٧٧ ، وغيرهم. والقول الآخر تأخيره إلى ثلاثة أنجم ، وهو للصدوق في المقنع : ٤٦٦. وقول بالتفصيل ، منسوب إلى الإسكافي ، واستحسنه الشهيد في غاية المراد ٣ : ٣٧٢ ، وانظر كلام الإسكافي في المختلف ٨ : ٩٣ أيضاً.

(٤) احتجّ الشيخ برواية إسحاق بن عمّار وهو فطحي ، وانظر الوسائل ١٦ : ٨٧ ، الباب ٤ من أبواب المكاتبة ، الحديث ١٣ ، واحتجّ الصدوق بما رواه القاسم وجابر ، وانظر الوسائل ١٦ : ٨٦ ـ ٨٨ ، نفس الباب ، الحديث ٩ و ١٤. وقاسم أيضاً ضعيف ورواية جابر ضعيفة لضعف عمرو بن شمر الواقع فيها. راجع المسالك ٨ : ١٠٦ و ١٥ : ١٣٦ و ١٣ : ٤٥٧.

٥١٠

يصلح له بوجهه.

(ويُستحبّ) للمولى (الصبر عليه) عند العجز؛ للأمر بإنظاره سنة وسنتين وثلاثاً (١) المحمول على الاستحباب جمعاً.

(والأقرب لزوم الكتابة من الطرفين) طرف السيّد والمكاتب (في المطلقة والمشروطة) بمعنى أنّه ليس لأحدهما فسخها إلّابالتقايل مع قدرة المكاتب على الأداء ، ووجوب السعي عليه في أداء المال؛ لعموم الأمر بالوفاء بالعقود ، والكتابة منها ، والجمع المحلّى مفيد للعموم ، وخروج نحو الوديعة والعارية بنصّ (٢) يُبقي (٣) الباقي على الأصل.

وذهب الشيخ (٤) وابن إدريس (٥) إلى جواز المشروطة من جهة العبد ، بمعنى أنّ له الامتناع من أداء ما عليه فيتخيّر السيّد بين الفسخ والبقاء ، ولزومها من طرف السيّد إلّاعلى الوجه المذكور.

وذهب ابن حمزة إلى جواز المشروطة مطلقاً (٦) والمطلقة من طرف السيّد خاصّة ، وهو غريب! ومن خواصّ العقود اللازمة أنّها لا تبطل بموت المتعاقدين ، وهو هنا كذلك بالنسبة إلى المولى ، أمّا موت المكاتب فإنّه يبطلها من حيث العجز عن الاكتساب.

__________________

(١) اُنظر الوسائل ١٦ : ٨٨ ، الباب ٤ من أبواب المكاتبة ، الحديث ٤.

(٢) لم نعثر عليه.

(٣) في (ر) : فيبقى.

(٤) المبسوط ٦ : ٩١.

(٥) السرائر ٣ : ٢٩.

(٦) الوسيلة : ٣٤٥.

٥١١

(ويصحّ فيها التقايل) كغيرها من عقود المعاوضات.

(ولا يُشترط الإسلام في السيّد ، ولا في العبد) بناءً على أنّها معاملة مستقلّة ، والأصل يقتضي جوازها كذلك. ولو جعلناها عتقاً بُني على ما سلف في عتق الكافر فاعلاً وقابلاً.

هذا إذا لم يكن المولى كافراً والعبد مسلماً ، وإلّا اُشكل جواز المكاتبة من حيث عدم استلزامها رفع سلطنته عنه خصوصاً المشروطة.

والأقوى عدم جوازها؛ لعدم الاكتفاء بها في رفع يد الكافر عن المسلم؛ لأ نّها لا ترفع أصل السبيل وهو بمنزلة الرقّ في كثير من الأحكام بل هو رقّ. ولو كان كفر المولى بالارتداد ، فإن كان عن فطرة فعدم صحّة كتابته واضح؛ لانتقال ماله عنه ، وإن كان عن ملّة ففي صحّتها مطلقاً أو مراعاةً بعوده إلى الإسلام أو البطلان ، أوجه أوجهها الجواز ما لم يكن العبد مسلماً ، بتقريب ما سلف.

وقيل : يشترط إسلام العبد مطلقاً (١) نظراً إلى أنّ الدين داخل في مفهوم «الخير» الذي هو شرطها ، ولأنّ المكاتب يؤتى من الزكاة ويتعذّر هنا.

ويُضعّف بأنّ «الخير» شرط في الأمر بها ، لا في أصل شرعيّتها ، والإيتاء من الزكاة مشروط باستحقاقه لها وهو منفيّ مع الكفر كما ينتفي مع عدم حاجته إليها.

(ويجوز لوليّ اليتيم أن يكاتب رقيقه مع الغبطة) لليتيم في المكاتبة ، كما يصحّ بيعه وعتقه معها ، ولصحيحة معاوية بن وهب عن الصادق عليه السلام في مكاتبة جارية الأيتام (٢).

__________________

(١) قاله السيّد في الانتصار : ٣٨١ ، المسألة ٢٢٤ ، والشيخ في المبسوط ٦ : ١٣٠ ، وابن إدريس في السرائر ٣ : ٢٩ ، والمحقّق في الشرائع ٣ : ١٢٦.

(٢) الوسائل ١٦ : ٨٥ ، الباب ٤ من أبواب المكاتبة ، الحديث الأوّل.

٥١٢

وقيل بالمنع؛ لأنّ الكتابة شبيهة بالتبرّع من حيث إنّها معاملة على ماله بماله (١) والخبر حجّة عليه.

(ويجوز تنجيمها) نجوماً متعدّدة بأن يؤدّي في كلّ نجم قدراً من مالها (بشرط العلم بالقدر) في كلّ أجل (والأجل) حذراً من الغرر ، سواء تساوت النجوم أجلاً ومالاً أم اختلفت؛ للأصل. وهذا هو الأصل فيها ، وليس موضع الاشتباه حتّى يُختَصّ بالذكر ، وإنّما موضعه النجم الواحد ، ولا يجوز حمل مطلقه عليه؛ للعلم به من اشتراط الأجل.

(ولا تصحّ) الكتابة (مع جهالة العوض) بل يعتبر ضبطه كالنسيئة ، وإن كان عَرَضاً فكالسلم ، ويمتنع فيما يمتنع فيه (ولا على عين) لأنّها إن كانت للسيّد فلا معاوضة ، وإن كانت لغيره فهي كجَعل ثمن المبيع من مال غير المشتري. ولو أذن الغير في الكتابة على عين يملكها فهي في قوّة بيع العبد بها ، فإن جعلناها بيعاً صحّ ، وإلّا فوجهان : من الأصل ، وكونِه خلاف المعهود شرعاً كما عُلم من اشتراط الأجل.

(ويُستحبّ أن لا يتجاوز) مال الكتابة (قيمةَ العبد) يوم المكاتبة (ويجب) على مولاه (الإيتاء) للمكاتَب (من الزكاة إن وجبت) الزكاة (على المولى) للأمر به في قوله تعالى : (وَآتُوهُمْ مِنْ مٰالِ اَللّٰهِ اَلَّذِي آتٰاكُمْ) (٢) وليكن من سهم الرقاب إن أوجبنا البسط (وإلّا) تجب عليه الزكاة (استحبّ) له الإيتاء وهو إعطاؤه شيئاً (ولا حدّ له) أي للمؤتى قلّةً ، بل يكفي ما يطلق عليه اسم المال.

__________________

(١) قاله الشيخ في المبسوط ٦ : ٩٥.

(٢) النور : ٣٣.

٥١٣

ويكفي الحطّ من النجوم عنه؛ لأنّه في معناه ، ويجب على العبد القبول إن آتاه من عين مال الكتابة أو من جنسه ، لا من غيره ، ولو اُعتق قبل الإيتاء ففي وجوب القضاء وكونه ديناً على المولى وجهٌ رجّحه المصنّف في الدروس وجعله كالدين (١) ولو دفع إليه من الزكاة وكان مشروطاً فعجّزه ففي وجوب إخراج الزكاة لغيره أو ردّها إلى دافعها لو كان غيره قول (٢) ويحتمل ذلك لو كان من الغير تبرّعاً وعدمه فيهما؛ لملكه له وقت الدفع وبراءة ذمّة الدافع ، وعوده إلى المولى إحداث لا إبطال ما سلف ، ومن ثَمَّ بقيت المعاملة السابقة بحالها وإن لم يرضَ بها المولى.

(ولو مات) المكاتَب (المشروط قبل كمال الأداء) لمال الكتابة (بطلت) وملك المولى ما وصل إليه من المال وما تركه المكاتب. (ولو مات المطلق ولم يؤدّ شيئاً فكذلك ، وإن أدّى تحرّر منه بقدر المؤدّى) أي بنسبته من الجميع ، وبطل منه بنسبة المتخلّف (وكان ميراثه بين السيّد ووارثه بالنسبة) فإن كان الوارث حرّاً فلا شيء عليه (ويؤدّي الوارث التابع له في الكتابة) كولده من أمته (باقي مال الكتابة) لأنّه قد تحرّر منه بنسبة أبيه وبقي الباقي لازماً له (وللمولى إجباره على الأداء) للباقي (كما له إجبار المورّث) لأنّه دين فكان له إجباره على أدائه.

وقيل : لا (٣) لعدم وقوع المعاملة معه ، وفي صحيحة ابن سنان وجميل ابن درّاج عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام : «يقضي مال الكتابة من الأصل ، ويرث وارثه

__________________

(١) الدروس ٢ : ٢٤٨.

(٢) لم نعثر على قائله ، وجعله الشارح في المسالك ١٠ : ٤٧٨ وجهاً في المسألة.

(٣) لم نعثر عليه.

٥١٤

ما بقي) (١) واختاره بعض الأصحاب (٢) والمشهور الأوّل.

(وتصحّ الوصيّة للمكاتب المطلق بحساب ما تحرّر منه) لرواية محمّد ابن قيس عن الباقر عليه السلام «في مكاتب كان تحته امرأة حرّة فأوصت له عند موتها بوصيّة ، فقضى أنّه يرث بحساب ما اُعتق منه» (٣).

ولو لم يتحرّر منه شيء أو كان مشروطاً ، لم تصحّ الوصيّة له مطلقاً على المشهور. واستقرب المصنّف في الدروس جواز الوصيّة للمكاتب مطلقاً (٤) لأنّ قبولها نوع اكتساب وهو أهل له. وفيه قوّة (٥).

هذا إذا كان الموصي غير المولى ، أمّا هو فتصحّ وصيّته مطلقاً ، ويُعتق منه بقدر الوصيّة ، فإن كانت بقدر النجوم عُتق أجمع ، وإن زادت فالزائد له. ولا فرق بين كون قيمته بقدر مال الكتابة ، أو أقلّ؛ لأنّ الواجب الآن هو المال ، مع احتمال اعتبار القيمة لو نقصت من الوصيّة فيعتق من الوصيّة ، وله الزائد وإن لم تفِ بمال الكتابة؛ لأنّ ذلك حكم القنّ ، والمكاتَب لا يقصر عنه.

(وكلّ ما يشترط في عقد الكتابة ممّا لا يخالف المشروع لازم) لأنّ الشرط في العقد يصير كالجزء منه ، فالأمر بالوفاء به يتناوله ، ولقوله صلى الله عليه وآله :

__________________

(١) الوسائل ١٦ : ١٠٠ ، الباب ١٨ من أبواب المكاتبة ، الحديث ٣ وذيله ، وانظر التهذيب ٨ : ٢٧٢ ، الحديث ٩٩١ و ٩٩٢ أيضاً.

(٢) اختاره الإسكافي كما في المختلف ٨ : ٩٧ ـ ٩٨.

(٣) الوسائل ١٦ : ١٠١ ، الباب ٢٠ من أبواب المكاتبة ، الحديث ٢.

(٤) الدروس ٢ : ٢٥١.

(٥) إنّما عدل عن الرواية؛ لأنّ محمّد بن قيس الذي يروي عن الباقر عليه السلام مشترك بين الضعيف والثقة وتطرح الرواية لذلك ويتوجّه الجواز من حيث إنّها اكتساب كما ذكر. (منه رحمه الله).

٥١٥

(المؤمنون عند شروطهم) (١) ولو خالف المشروع ـ كشرط أن يطأ المكاتَبة أو أمةَ المكاتَب مطلقاً ، أو يترك التكسّب ، أو ردّ المطلق في الرقّ حيث شاء ، ونحوه ـ بطل الشرط ، ويتبعه بطلان العقد على الأقوى.

(وليس له) أي للمكاتَب بنوعيه (التصرّف في ماله ببيعٍ) ينافي الاكتساب كالبيع نسيئة بغير رهن ولا ضمين ، أو محاباةً أو بغبن ، لا مطلق البيع فإنّ له التصرّف بالبيع والشراء وغيرهما من أنواع التكسّب التي لا خطر فيها ولا تبرّع (ولا هبةٍ) لا تستلزم عوضاً زائداً عن الموهوب ، وإلّا فلا منع؛ للغبطة ، وفي صحّة العوض المساوي وجه؛ إذ لا ضرر حينئذٍ كالبيع بثمن المثل والشراء به (ولا عتقٍ) لأنّه تبرّع محض ، ومنه شراء من ينعتق عليه ، وله قبول هبته مع عدم الضرر بأن يكون مكتسباً قدر مؤونته فصاعداً (ولا إقراضٍ) مع عدم الغبطة ، فلو كان في طريق خطر يكون الإقراض فيه أغبط من بقاء المال ، أو خاف تلفه قبل دفعه ، أو بيعه ونحو ذلك ، فالمتّجه الصحّة ، ولكنّهم أطلقوا المنع فيما ذكر (٢) (إلّابإذن المولى) فلو أذن في ذلك كلّه جاز؛ لأنّ الحقّ لهما ، وحيث يُعتق بإذنه فالولاء له إن عتق ، وإلّا فللمولى.

ولو اشترى من ينعتق عليه لم يُعتَق في الحال فإن عُتِق تبعه ، وإلّا استرقّهما المولى. ولو مات العتيق في زمن الكتابة وقف ميراثه توقّعاً لعتق المكاتَب.

وحيث لا يأذن المولى فيما لا غبطة فيه ولم يبطله حتّى عتق المكاتب نفذ؛

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ٣٠ ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.

(٢) انظر المبسوط ٦ : ١٢٣ ، والسرائر ٣ : ٢٧ ، والشرائع ٣ : ١٣١ ـ ١٣٢ ، والقواعد ٣ : ٢٤٧ ، والتحرير ٤ : ٢٣٦ ، الرقم ٥٧٢٦.

٥١٦

لزوال المانع كالفضولي. وقيل : لا؛ لوقوعه على غير الوجه المشروع (١) وهو ممنوع.

(ولا يتصرّف المولى في ماله أيضاً) بما ينافي الاكتساب (إلّابما يتعلّق بالاستيفاء) مطلقة كانت أم مشروطة.

(ويحرم عليه وطء) الأمة (المكاتبة عقداً وملكاً) بإذنها وغيره ، فلو وطئها فعليه المهر وإن طاوعته؛ لأنّها لم تستقلّ بملكه ليسقط ببغيها. وفي تكرّر المهر بتكرّر الوطء أوجه ، ثالثها تكرّره مع تخلّل الأداء بين الوطأين ، وإلّا فلا ، وتصير اُمّ ولد لو ولدت منه. فإن مات وعليها شيء من مال الكتابة عتق باقيها من نصيب ولدها فإن عجز النصيب بقي الباقي مكاتباً.

(وله تزويجها) من غيره (بإذنها) والفرق بينه وبين المولى أنّ الملك له غير تامّ؛ لتشبّثها بالحرّيّة ، والعقد كذلك؛ لعدم استقلالها والبُضع لا يتبعّض ، أمّا الأجنبيّ فلمّا كان الحقّ منحصراً فيهما وعقد له بإذنها فقد أباحه بوجهٍ واحد.

(ويجوز بيع مال الكتابة) بعد حلوله ونقله بسائر وجوه النقل ، فيجب على المكاتَب تسليمه إلى من صار إليه. خلافاً للمبسوط (٢) استناداً إلى النهي عن بيع ما لم يُقبض (٣) وإطلاقه ممنوع (٤) لتقييده بانتقاله إلى البائع بالبيع (فإذا أدّاه)

__________________

(١) قاله العلّامة في التحرير ٤ : ٢٣٧.

(٢) المبسوط ٦ : ١٢٦.

(٣) اُنظر الوسائل ١٢ : ٣٩١ ، الباب ١٦ من أبواب أحكام العقود ، الحديث ٢١ وغيره في الباب.

(٤) حاصل المنع يرجع إلى أنّ النهي مشروطٌ بشرطين : أحدهما انتقاله إليه بالبيع. والثاني نقله بالبيع ، وهنا الشرط الأوّل مفقودٌ فلا يحرم كما لا يحرم نقل ما اشتراه بغير البيع من عقود المعاوضات. (منه رحمه الله).

٥١٧

المكاتب (إلى المشتري عتق) لأنّ قبضه كقبض المولى.

ولو قيل بالفساد ، ففي عتقه بقبض المشتري مع إذنه له في القبض وجهان : من أنّه كالوكيل ، ومن أنّ قبضه لنفسه وهو غير مستحقّ ، ففارق الوكيل بذلك. والوجهان اختارهما العلّامة في التحرير (١).

(ولو اختلفا في قدر مال الكتابة ، أو في) قدر (النجوم) وهي الآجال إمّا في قدر كلّ أجل مع اتّفاقهما على عددها ، أو في عددها مع اتّفاقهما على مقدار كلّ أجل (قُدّم المنكر) وهو المكاتب في الأوّل والمولى في الثاني (مع يمينه) لأصالة البراءة من الزائد.

وقيل : يُقدّم قول السيّد مطلقاً (٢) لأصالة عدم العتق ، إلّابما يتّفقان عليه.

__________________

(١) التحرير ٤ : ٢٧٣ ـ ٢٧٤ ، الرقم ٥٧٩٦.

(٢) قاله المحقّق في الشرائع ٣ : ١٣٠ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٢٣٨.

٥١٨

(النظر الثالث في الاستيلاد)

للإماء بملك اليمين

ويترتّب عليه أحكام خاصّة ، كإبطال كلّ تصرّفٍ ناقلٍ للملك عنه إلى غيره غير مستلزم للعتق أو مستلزم للنقل كالرهن ، وعتقِها بموت المولى قبلَها مع خلوّ ذمّته من ثمن رقبتها أو وفاء التركة وحياةِ الولد ، وغير ذلك (وهو يحصل بعُلوق أمته منه في ملكه) بما يكون مبدأ نشوء آدميّ ولو مضغةً ، لا بعُلوق الزوجة الأمةِ ، ولا الموطوءة بشبهة وإن ولدته حرّاً أو ملكهما بعدُ على الأشهر. ولا يشترط الوطء ، بل يكفي مطلق العُلوق منه ، ولا حلّ الوطء إذا كان التحريم عارضاً كالصوم والإحرام (١) والحيض والرهن. أمّا الأصليّ بتزويج الأمة مع العلم بالتحريم فلا؛ لعدم لحوق النسب.

ويشترط مع ذلك الحكم بحرّيّة الولد ، فلا يحصل بوطء المكاتَب أمته قبل الحكم بعتقه ، فلو عجز استرقّ المولى الجميع ، نعم لو عُتق صارت اُمّ ولد. وليس له بيعها قبل عجزه وعتقه؛ لتشبّثها بالحرّيّة. ولا بوطء العبد أمته التي ملّكه إيّاها مولاه لو قلنا بملكه.

(وهي مملوكة) يجوز استخدامها ووطؤها بالملك وتزويجها بغير رضاها وإجارتها وعتقها.

(ولا تتحرّر بموت المولى) أي بمجرّد موته كما يتحرّر المدبَّر لو خرج من ثلث ماله أو أجازه الوارث (بل) تتحرّر (من نصيب ولدها) من ميراثه من أبيه (فإن عجز النصيب) عن قيمتها كما لو لم يخلّف سواها وخلّف وارثاً

__________________

(١) لم يرد (والإحرام) في (ع) و (ف) ، وشُطب عليه في (ش).

٥١٩

سواه (سعت) هي (في المتخلّف) من قيمتها عن نصيبه. ولا اعتبار بملك ولدها من غير الإرث؛ لأنّ عتقها عليه قهريّ ، فلا يسري عليه في المشهور. وقيل : يُقوَّم عليه الباقي بناءً على السراية بمطلق الملك (١).

(ولا يجوز بيعها ما دام ولدها حيّاً ، إلّافيما استثني) في كتاب البيع (٢) فإذا مات أو ولدته سقطاً زال حكم الاستيلاد رأساً. وفائدة الحكم به بوضع العلقة والمضغة وما فوقهما إبطال التصرّفات السابقة الواقعة حالة الحمل ، وإن جاز تجديدها حينئذٍ.

(وإذا جنت) اُمّ الولد خطأً تعلّقت الجناية برقبتها على المشهور ، و (فكّها) المولى (بأقلّ الأمرين من قيمتها وأرش الجناية) على الأقوى؛ لأنّ الأقلّ إن كان هو الأرش فظاهر ، وإن كان القيمة فهي بدل من العين فيقوم مقامها ، وإلّا لم تكن بدلاً. ولا سبيل إلى الزائد؛ لأنّ المولى لا يَعقِلُ مملوكاً. وهذا الحكم لا يختصّ باُمّ الولد ، بل بكلّ مملوك.

وقيل : بل يفكّها بأرش الجناية مطلقاً (٣) لتعلّقها برقبتها.

ولا يتعيّن عليه ذلك ، بل يفكّها (إن شاء ، وإلّا) يفكّها (سلّمها) إلى المجنيّ عليه ، أو وارثه ليتملّكها فيبطل حكم الاستيلاد. وله حينئذٍ بيعها والتصرّف فيها كيف شاء إن استغرقت الجناية قيمتها (أو يُسلّم ما قابل الجناية) إن لم تستغرق قيمتها.

__________________

(١) قاله الشيخ في النهاية : ٥٤٧.

(٢) راجع الجزء الثاني : ٢٠٢ ـ ٢٠٣.

(٣) قاله الشيخ في الخلاف ٥ : ٢٧١ ، المسألة ٨٨ من كتاب الديات ، وانظر الصفحة ١٤٩ ، المسألة ٥ من كتاب الجنايات أيضاً.

٥٢٠