الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]

الروضة البهيّة في شرح اللمعة الدمشقيّة - ج ٣

المؤلف:

زين الدين بن علي العاملي [ الشهيد الثاني ]


الموضوع : الفقه
الناشر: مجمع الفكر الاسلامي
المطبعة: شريعت
الطبعة: ٢
ISBN: 964-5662-47-8
ISBN الدورة:
964-5662-44-3

الصفحات: ٥٩٠

وفي تعدّي الحكم إلى الجدّ مع جدّ الأب وهكذا صاعداً وجه ، نظراً إلى العلّة. والأقوى العدم؛ لخروجه عن موضع النصّ ، واستوائهما في إطلاق الجدّ حقيقة والأب كذلك ، أو مجازاً (وإن سبق) عقد (أحدهما صحّ عقده) لما ذكر من الخبر وغيره ، ولأ نّهما مشتركان في الولاية ، فإذا سبق أحدهما وقع صحيحاً فامتنع الآخر.

(ولو زوّجها الأخوان برجلين فالعقد للسابق) منهما (إن كانا) أي الأخوان (وكيلين) لما ذكر في عقد الأبوين (١) (وإلّا) يكونا وكيلين (فلتتخيّر) المرأة (ما شاءت) منهما ، كما لو عقد غيرهما فضولاً.

(ويستحبّ) لها (إجازة عقد) الأخ (الأكبر) مع تساوي مختارهما في الكمال أو رجحان مختار الأكبر. ولو انعكس فالأولى ترجيح الأكمل (فإن اقترنا) في العقد قبولاً (بطلا) لاستحالة الترجيح والجمع (إن كان كلّ منهما وكيلاً) والقول بتقديم عقد الأكبر (٢) هنا ضعيف؛ لضعف مستنده (٣) (وإلّا) يكونا وكيلين (صحّ عقد الوكيل منهما) لبطلان عقد الفضولي بمعارضة العقد الصحيح (ولو كانا فضوليّين) والحال أنّ عقديهما اقترنا (تخيّرت) في إجازة ما شاءت منهما وإبطال الآخر أو إبطالهما.

__________________

(١) وهو ما تقدّم آنفاً من قوله : (لأنّهما مشتركان في الولاية ...) والاشتراك هنا في الوكالة.

(٢) وهو قول الشيخ وأتباعه ، النهاية : ٤٦٦ ، والمهذّب ٢ : ١٩٥ ، والوسيلة : ٣٠٠.

(٣) الوسائل ١٤ : ٢١١ ، الباب ٧ من أبواب عقد النكاح ، الحديث ٤. ووجه ضعفه : أنّ وليداً المذكور فيها مجهول الحال وفي الرجال : الوليد بن صبيح ثقة وكونه إيّاه غير معلوم. راجع المسالك ٧ : ١٩٢.

١٨١

(العاشرة) :

(لا ولاية للاُمّ) على الولد مطلقاً (فلو زوّجته أو زوّجتها اعتبر رضاهما) بعد الكمال كالفضولي (فلو ادّعت الوكالة عن الابن) الكامل (وأنكر) بطل العقد و (غرمت) للزوجة (نصف المهر) لتفويتها عليها البُضع وغرورِها بدعوى الوكالة ، مع أنّ الفرقة قبل الدخول.

وقيل : يلزمها جميع المهر (١) لما ذُكر ، وإنّما ينتصف بالطلاق ولم يقع ، ولرواية محمّد بن مسلم عن الباقر عليه السلام (٢) ويُشكل بأنّ البضع إنّما يضمن بالاستيفاء على بعض الوجوه (٣) لا مطلقاً ، والعقد لم يثبت فلم يثبت موجَبُه.

والأقوى أنّه لا شيء على الوكيل مطلقاً إلّامع الضمان ، فيلزمه ما ضمن. ويمكن حمل الرواية ـ لو سُلّم سندها ـ عليه. وعلى هذا يتعدّى الحكم إلى غير الاُمّ. وبالَغَ القائل بلزوم المهر فحكم به على الاُمّ وإن لم تدّعِ الوكالة ، استناداً إلى ظاهر الرواية وهو بعيد. وقريب منه (٤) حملُها على دعواها الوكالة ، فإنّ مجرّد ذلك لا يصلح لثبوت المهر في ذمّة الوكيل.

__________________

(١) قاله الشيخ في النهاية : ٤٦٨ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ١٩٦ ، والكيدري في الإصباح : ٤٠٧.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢١١ ، الباب ٧ من أبواب عقد النكاح ، الحديث ٣.

(٣) وهو العقد عليها أو وطء الشبهة (هامش ر).

(٤) في البُعد.

١٨٢

(الفصل الثالث)

(في المحرّمات) بالنسب والرضاع

وغيرهما من الأسباب (وتوابعها)

(يحرم) على الذكر (بالنسب) تسعة أصناف من الإناث : (الاُمّ وإن علت) وهي كلّ امرأة ولّدته أو انته نسبه إليها من العلو بالولادة لأبٍ كانت أم لاُمٍّ. (والبنت وبنتها) وإن نزلت (وبنت الابن فنازلاً) وضابطهما : من ينتهي إليه نسبه بالتولّد ولو بوسائط.

(والاُخت وبنتها فنازلاً) وهي كلّ امرأة ولّدها أبواه أو أحدهما ، أو انته نسبها إليهما أو إلى أحدهما بالتولّد (وبنت الأخ) وإن نزلت (كذلك) لأبٍ كانت أم لاُمٍّ أم لهما.

(والعمّة) وهي كلّ اُنثى هي اُخت ذكر ولّده بواسطة أو غيرها من جهة الأب أو الاُمّ أو منهما (والخالة فصاعداً) فيهما ، وهي كلّ اُنثى هي اُخت اُنثى ولّدته بواسطة أو بغير واسطة. وقد يكون من جهة الأب كاُخت اُمّ الأب. والمراد بالصاعد فيهما : عمّة الأب والاُمّ وخالتهما ، وعمّة الجدّ والجدّة وخالتهما ، وهكذا ... لا عمّة العمّة وخالة الخالة ، فإنّهما قد لا تكونان محرّمتين.

ويحرم على المرأة ما يحرم على الرجل بالقياس.

وضابط المحرّمات الجامع لها : أنّه يحرم على الإنسان كلّ قريب عدا أولاد العمومة والخؤولة.

١٨٣

(ويحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب) فاُمّك من الرضاعة هي كلّ امرأة أرضعتك أو رجع نسب من أرضعتك أو صاحب اللبن إليها ، أو أرضعت من يرجع نسبك إليه من ذكر أو اُنثى وإن علا ، كمرضعة أحد أبويك أو أجدادك أو جدّاتك. واُختُها خالتك من الرضاعة ، وأخوها خالك ، وأبوها جدّك. كما أنّ ابن مرضعتك أخ ، وبنتها اُخت ، إلى آخر أحكام النسب.

والبنت من الرضاع : كلّ اُنثى رضعت من لبنك أو لبن من وَلَدْتَه أو أرضعتها امرأة وَلَدْتَها ، وكذا بناتها من النسب والرضاع.

والعمّات والخالات : أخوات الفحل والمرضعة ، وأخوات من ولدهما من النسب والرضاع؛ وكذا كلّ امرأة أرضعتها واحدة من جدّاتك ، أو اُرضعت بلبن واحد من أجدادك من النسب والرضاع.

وبنات الأخ وبنات الاُخت : بنات أولاد المرضعة والفحل من الرضاع والنسب ، وكذا كلّ اُنثى أرضعتها اُختك وبنت أخيك (١) وبنات كلّ ذكر أرضعته اُمّك أو ارتضع بلبن أبيك.

وإنّما يحرِّم الرضاع (بشرط كونه عن نكاح) دواماً ومتعة ، وملك يمين ، وشبهةٍ على أصحّ القولين (٢) مع ثبوتها من الطرفين ، وإلّا ثبت الحكم في حقّ من ثبت له النسب. ولا فرق في اللبن الخالي عن النكاح بين كونه من صغيرة وكبيرة ، بكر وثيّب ، ذات بعل وخليّة.

__________________

(١) في (ر) : بنت اُختك.

(٢) اختار ذلك المحقّق في الشرائع ٢ : ٢٨٢. وأمّا القول بعدم نشر الحرمة من اللبن الحاصل من وطء الشبهة فلم نعثر على القائل به جزماً. نعم تردّد فيه ابن إدريس في السرائر ٢ : ٥٥٢ ، بل مال إلى العدم.

١٨٤

ويعتبر مع صحّة النكاح صدور اللبن عن ذات حمل أو ولد بالنكاح المذكور ، فلا عبرة بلبن الخالية منهما وإن كانت منكوحة نكاحاً صحيحاً ، حتّى لو طلّق الزوج وهي حامل منه أو مرضع فأرضعت ولداً نشر الحرمة ، كما لو كانت في حباله وإن تزوّجت بغيره.

والأقوى اعتبار حياة المرضعة ، فلو ماتت في أثناء الرضاع فاُكمل النصاب ميتةً لم ينشر وإن تناوله إطلاق العبارة وصدق عليه اسم «الرضاع» حملاً على المعهود المتعارف وهو إرضاع الحيّة ، ودلالة الأدلّة اللفظيّة على الإرضاع بالاختيار ، كقوله تعالى : (وَأُمَّهٰاتُكُمُ اَللاّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ) (١) واستصحاباً لبقاء الحلّ.

(وأن ينبت اللحم أو يشدّ العظم) والمرجع فيهما إلى قول أهل الخبرة. ويشترط العدد والعدالة ليثبت به حكم التحريم ، بخلاف خبرهم في مثل المرض المبيح للفطر والتيمّم ، فإنّ المرجع في ذلك إلى الظنّ وهو يحصل بالواحد.

والموجود في النصوص (٢) والفتاوى (٣) اعتبار الوصفين معاً ، وهنا اكتفى بأحدهما ، ولعلّه للتلازم عادةً. والأقوى اعتبار تحقّقهما معاً.

(أو يتمّ يوماً وليلة) بحيث ترضع كلّما تقاضاه أو احتاج إليه عادة وإن لم يتمّ العدد ولم يحصل الوصف السابق. ولا فرق بين اليوم الطويل وغيره؛ لانجباره بالليلة أبداً.

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) منها ما في الوسائل ١٤ : ٢٨٣ و ٢٨٦ ـ ٢٨٧ ، الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث ٢ و ١٤ و ١٩ ، و ٢٨٩ ، الباب ٣ من الأبواب ، الحديث ٢ ، وغيرهما من الأبواب.

(٣) كما في الشرائع ٢ : ٢٨٢ ، والقواعد ٣ : ٢٢.

١٨٥

وهل يكفي الملفّق منهما لو ابتدأ في أثناء أحدهما؟ نظر ، من الشكّ في صدق الشرط ، وتحقّق المعنى.

(أو خمس عشرة رضعة) تامّة متوالية؛ لرواية زياد بن سوقة قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال : «لا يُحرّم الرضاع أقلّ من يوم وليلة ، أو خمس عشرة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل [بينها] (١) برضعة امرأة غيرها» (٢) وفي معناها أخبار اُخر (٣).

(والأقرب النشر بالعشر) وعليه المعظم (٤) لعموم قوله تعالى : (وَأُمَّهٰاتُكُمُ اَللاّٰتِي أَرْضَعْنَكُمْ) (٥) ونظائره من العمومات (٦) المخصَّصة بما دون العشر قطعاً ، فيبقى الباقي ، ولصحيحة الفضيل بن يسار عن الباقر عليه السلام [قال] (٧) : «لا يحرم من الرضاع إلّاالمجبور (٨) قال : قلت : وما المجبور (٩)؟ قال : اُمّ تربّي ، أو ظئر

__________________

(١) في المخطوطات : بينهم.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٨٣ ، الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث الأوّل.

(٣) منها ما في الوسائل ١٤ : ٢٨٦ ، الباب ٢ من الأبواب ، الحديث ١٤.

(٤) مثل المفيد في المقنعة : ٥٠٢ ، والحلبي في الكافي : ٢٨٥ ، والديلمي في المراسم : ١٥١ ، والقاضي في المهذّب ٢ : ١٩٠ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٠١ ، واختاره العلّامة ونسبه إلى العماني أيضاً في المختلف ٧ : ٥ و ٧.

(٥) النساء : ٢٣.

(٦) مثل : (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب). اُنظر الوسائل ١٤ : ٢٨٠ ، الباب الأوّل من أبواب ما يحرم بالرضاع.

(٧) لم يرد في المخطوطات.

(٨) و ((٩) في (ش) : المخبور ـ بالخاء ـ طبقاً لما في الوسائل ، وفي التهذيب بالجيم مثل ما أثبتناه.

١٨٦

تُستأجر ، أو أمة تُشترى ، ثمّ ترضع عشر رضعات يروى الصبيّ وينام «(١) ولأنّ العشر تنبت اللحم؛ لصحيحة عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السلام إلى أن قال : «قلت : وما الذي ينبت اللحم والدم؟ فقال : كان يقال : عشر رضعات» (٢) والأخبار المصرّحة بالخمس عشرة ضعيفة السند أو قريبة منه (٣).

وفيه نظر؛ لمنع صحّة الخبر الدالّ على العشر فإنّ في طريقه «محمّد بن سنان» وهو ضعيف على أصحّ القولين وأشهرهما (٤) وأمّا صحيحة عبيد فنسب العشر إلى غيره مشعراً بعدم اختياره ، وفي آخره ما يدلّ على ذلك ، فإنّ السائل لمّا فهم منه عدم إرادته قال له : فهل تحرِّم عشر رضعات؟ فقال : «دع ذا» وقال : «ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع» فلو كان حكم العشر حقّاً لما نسبه عليه السلام إلى غيره ، بل كان يحكم به من غير نسبة. وإعراضه عليه السلام ثانياً عن الجواب إلى غيره مشعر بالتقيّة وعدم التحريم بالعشر ، فسقط الاحتجاج من الجانبين.

وبقي صحيحة عبد اللّٰه بن رئاب عن الصادق عليه السلام قال : «قلت : ما يحرم من

__________________

(١) قد حصل الخلط بين حديثين : أحدهما عن الباقر عليه السلام ، والآخر عن الصادق عليه السلام على نقل التهذيب ، راجع الوسائل ١٤ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ ، الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث ٧ و ١١.

(٢) الوسائل ١٤ : ٢٨٧ ، الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث ١٨.

(٣) أشار بالضعيف إلى الأوّل [رواية زياد بن سوقة] وبالقريب منه إلى غيره؛ فإنّ فيه خبرين آخرين من الموثّق. (منه رحمه الله). وقال الشارح في وجه ضعف الاُولى : إنّ في طريقها عمّار بن موسى وحاله في الفطحيّة معلوم. المسالك ٧ : ٢٢١.

(٤) ذهب إليه النجاشي في رجاله : ٣٢٨ ، الرقم ٨٨٨ ، والشيخ في الفهرست : ٤٠٦ ، الرقم ٦٢٠ ، وعدّه العلّامة في رجاله : ٢٥١ ، الرقم ١٧ من الضعفاء. لكنّ المفيد عدّه من الثقات ورجّح العلّامة العمل بروايته ، راجع الإرشاد ٢ : ٢٤٨ ، والمختلف ٧ : ٨.

١٨٧

الرضاع؟ قال : ما أنبت اللحم وشدّ العظم. قلت : فتحرِّم عشر رضعات؟ قال : لا؛ لأ نّها لا تنبت اللحم ولا تشدّ العظم عشر رضعات» (١) فانتفت العشر بهذا الخبر ، فلم يبقَ إلّاالقول بالخمس عشرة وإن لم يُذكر؛ إذ لا واسطة بينهما. وبهذا يُخصّ عموم الأدلّة أيضاً ، ويضعّف قول ابن الجنيد بالاكتفاء بما وقع عليه اسم الرضعة نظراً إلى العموم حيث أطرح الأخبار من الجانبين (٢) وما أوردناه من الخبر الصحيح (٣) حجّة عليه. وتبقى الأخبار المثبتة للخمس عشرة والنافية للعشرة (٤) من غيره (٥) شاهدة وعاضدة له (٦) وهي كثيرة. (وأن يكون المرتضع في الحولين) فلا عبرة برضاعه بعدهما وإن كان جائزاً كالشهر والشهرين معهما. والحولان معتبران في المرتضع دون ولد المرضعة ، فلو كَمل حولاً ولدها ثمّ أرضعت بلبنه غيره نشر في أصحّ القولين (٧) ولا فرق بين أن يفطم المرتضع قبل الرضاع في الحولين وعدمه.

والمعتبر في الحولين الهلاليّة ، ولو انكسر الشهر الأوّل اُكمل بعد الأخير ثلاثين كغيره من الآجال.

(وأن لا يفصل) بين الرضعات في الأحوال الثلاثة (برضاع اُخرى(

__________________

(١) الوسائل ١٤ : ٢٨٣ ، الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث ٢.

(٢) نقله عنه في المختلف ٧ : ٦.

(٣) المرويّ عن ابن رئاب.

(٤) في سوى (ش) : للعشر.

(٥) الظاهر رجوع الضمير إلى (الخبر الصحيح).

(٦) الظاهر رجوع الضمير إلى (الخبر الصحيح).

(٧) اختاره ابن إدريس في السرائر ٢ : ٥١٩ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٢٨٣ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٢٣ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ٢٢٢. والقول باشتراط الحولين للحلبي في الكافي : ٢٨٥ ، وابن حمزة في الوسيلة : ٣٠١ ، وابن زهرة في الغنية : ٣٣٥.

١٨٨

وإن لم يكن رضعة كاملة.

ولا عبرة بتخلّل غير الرضاع من المأكول والمشروب وشرب اللبن من غير الثدي ونحوه ، وإنّما يقطع اتّصالَ الرضعات إرضاعُ غيرها من الثدي. وصرّح العلّامة في القواعد بالاكتفاء في الفصل (١) بأقلّ من رضعة كاملة (٢) من غير تردّد ، وفي التذكرة بأنّ الفصل لا يتحقّق إلّابرضعة تامّة وأنّ الناقصة بحكم المأكول وغيره (٣) والرواية مطلقة في اعتبار كونها من امرأة واحدة ، قال الباقر عليه السلام : «لا يحرِّم الرضاع أقلّ من رضاع يوم وليلة ، أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد» (٤) ولعلّ دلالتها على الاكتفاء بفصل مسمّى الرضاع أكثر.

(وأن يكون اللبن لفحل واحد ، فلو أرضعت المرأة جماعة) ذكوراً وإناثاً (بلبن فحلين) فصاعداً بحيث لم يجتمع ذكر واُنثى منهم على رضاع لبن فحل واحد ، بأن أرضعت جماعة ذكوراً بلبن واحدٍ ثمّ جماعة إناثاً بلبن فحل آخر ، أو أرضعت صبيّاً بلبن فحل ثمّ اُنثى بلبن فحل آخر ثمّ ذكراً بلبن ثالث ثمّ اُنثى بلبن رابع ، وهكذا ... (لم يحرم بعضهم على بعض) ولو اتّحد فحل اثنين منهم تحقّق التحريم فيهما دون الباقين ، كما لو أرضعت ذكراً واُنثى بلبن فحل ثمّ ذكراً آخر واُنثى بلبن فحل آخر ، وهكذا ... فإنّه يحرم كلّ اُنثى رضعت مع ذكرها من لبن فحل واحد عليه ، ولا يحرم على الذكر الآخر. والعبارة لا تفي بذلك ، ولكنّ المراد منها حاصل.

ولا فرق مع اتّحاد الفحل بين أن تتّحد المرضعة ـ كما ذُكر ـ أو تتعدّد بحيث

__________________

(١) في (ع) : بالفصل.

(٢) القواعد ٣ : ٢٣.

(٣) التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٦٢٠.

(٤) الوسائل ١٤ : ٢٨٣ ، الباب ٢ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث الأوّل.

١٨٩

يرتضع أحدهما من إحداهما كمالَ النصاب والآخر من الاُخرى كذلك وإن تعدّدن فبلغن مئة كالمنكوحات بالمتعة أو بملك اليمين.

وعلى اعتبار اتّحاد الفحل معظم الأصحاب (١) وجملة من الأخبار ، وقد تقدّم بعضها.

(وقال) أبو عليّ (الطبرسي صاحب التفسير رحمة اللّٰه عليه) فيه : لا يشترط اتّحاد الفحل بل يكفي اتّحاد المرضعة؛ لأنّه (يكون بينهم) مع اتّحادها (اُخوّة الاُمّ) وإن تعدّد الفحل (وهي تحرّم التناكح) بالنسب ، والرضاع يحرم منه ما يحرم بالنسب (٢) وهو متّجه لولا ورود النصوص عن أهل البيت عليهم السلام بخلافه (٣) وهي مخصّصة لما دلّ بعمومه على اتّحاد الرضاع والنسب في حكم التحريم.

(ويستحبّ) في الاسترضاع (اختيار) المرضعة (العاقلة المسلمة العفيفة الوضيئة) الحسنة (للرضاع) لأنّ الرضاع مؤثّر في الطباع والأخلاق والصُوَر ، قال النبيّ صلى الله عليه وآله : «أنا أفصح العرب ، بيدَ أنّي من قريش ونشأت في بني سعد وارتضعت من بني زهرة» (٤) وكانت هذه القبائل أفصح العرب ، فافتخر صلى الله عليه وآله

__________________

(١) مثل المحقّق في الشرائع ٢ : ٢٨٤ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٢٣ ، والإرشاد ٢ : ٢٠ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٥٠ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ٢٢٣ ـ ٢٢٤ ، ونسبه في التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٦٢١ إلى علمائنا أجمع.

(٢) مجمع البيان ٢ : ٢٨.

(٣) راجع الوسائل ١٤ : ٢٩٣ ، الباب ٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع.

(٤) تلخيص الحبير ٤ : ٦ ، الرقم ١٦٥٨ ، وفيه : أنّ هذا اللفظ مقلوب؛ فإنّه نشأ في بني زهرة وارتضع في بني سعد. وفي غريب الحديث ١ : ١٤٠. والاختصاص : ١٨٧ ، وفردوس الأخبار ١ : ٧٤ ، الرقم ١٠٠ ما يقرب من ذلك.

١٩٠

بالرضاع كما افتخر بالنسب. وقال أمير المؤمنين عليه السلام : «اُنظروا من يُرضع أولادكم ، فإنّ اللبن يشبّ عليه» (١) وقال الباقر عليه السلام : «عليكم بالوضاء من الظؤرة فإنّ اللبن يُعدي» (٢) وقال عليه السلام لمحمّد بن مروان : «استرضع لولدك بلبن الحِسان ، وإيّاك والقِباح ، فإنّ اللبن قد يُعدي» (٣).

(ويجوز استرضاع الذمّيّة عند الضرورة) من غير كراهة ، ويكره بدونها. ويظهر من العبارة ـ كعبارة كثير ـ التحريم من دونها. والأخبار (٤) دالّة على الأوّل.

(ويمنعها) زمن الرضاعة (من أكل الخنزير وشرب الخمر) على وجه الاستحقاق إن كانت أمته أو مستأجرته وشرط عليها ذلك ، وإلّا توصّل إليه بالرفق (ويكره تسليم الولد إليها لتحمله إلى منزلها) لأنّها ليست مأمونة عليه (والمجوسيّة أشدّ كراهة) أن تُسترضع؛ للنهي عنها في بعض الأخبار المحمول على الكراهة جمعاً ، قال عبد اللّٰه بن هلال : «سألت أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن مظائرة المجوس ، فقال : لا ، ولكن أهل الكتاب» (٥).

(ويكره أن تُسترضع مَن ولادتها) التي يصدر عنها اللبن (عن زنا) قال الباقر عليه السلام : «لبن اليهوديّة والنصرانيّة والمجوسيّة أحبّ إليّ من ولد الزنا» والمراد به ما ذكرناه؛ لأنّه قال بعد ذلك : «وكان لا يرى بأساً بولد الزنا إذا جعل مولى الجارية الذي فجر بالمرأة في حلّ» (٦).

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ١٨٨ ، الباب ٧٨ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث الأوّل ، وفيه : (فإنّ الولد).

(٢) الوسائل ١٥ : ١٨٩ ، الباب ٧٩ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٢ و ١.

(٣) الوسائل ١٥ : ١٨٩ ، الباب ٧٩ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٢ و ١.

(٤) اُنظر الوسائل ١٥ : ١٨٥ ، الباب ٧٦ من أبواب أحكام الأولاد.

(٥) الوسائل ١٥ : ١٨٦ ، الباب ٧٦ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٣.

(٦) المصدر السابق : ١٨٤ ، الباب ٧٥ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٢.

١٩١

وكذا يكره استرضاع ذات البدعة في دينها والتشويه في خَلقها والحمقاء ، قال النبيّ صلى الله عليه وآله : «لا تسترضعوا الحمقاء ، فإنّ الولد يُشبّ عليه» (١) وقال أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام : «لا تسترضعوا الحمقاء ، فإنّ اللبن يغلب الطباع» (٢).

(وإذا كملت الشرائط) المعتبرة في التحريم (صارت المرضعة اُمّاً) للرضيع (والفحل) صاحب اللبن (أباً ، وإخوتهما أعماماً وأخوالاً ، وأولادهما إخوة ، وآباؤهما أجداداً فلا ينكح أبو المرتضع * في أولاد صاحب اللبن ولادةً ورضاعاً) لأنّهم صاروا إخوة ولده ، وإخوة الولد محرّمون على الأب ، ولذلك عطف المصنّف التحريم بالفاء ، ليكون تفريعاً على ما ذكر. والأخبار الصحيحة مصرّحة بالتحريم هنا ، وأ نّهم بمنزلة وُلده (٣).

وقيل : لا يحرمن عليه مطلقاً؛ لأنّ اُخت الابن النسيب إذا لم تكن بنتاً إنّما حرمت لأنّها بنت الزوجة المدخول بها ، فتحريمها بسبب الدخول باُمّها وهو منتفٍ هنا؛ ولأنّ النصّ إنّما ورد بأ نّه «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» (٤) لا «ما يحرم من المصاهرة» واُخت الولد إذا لم تكن ولداً إنّما تحرم بالمصاهرة (٥)

__________________

(١) الوسائل ١٥ : ١٨٨ ، الباب ٧٨ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٣ ، وفيه : فإنّ اللبن يشبّ عليه.

(٢) الوسائل ١٥ : ١٨٨ ، الباب ٧٨ من أبواب أحكام الأولاد ، الحديث ٣.

(*) في (س) ونسخة (ع) من الشرح : (أبُ المرتضع).

(١) الوسائل ١٤ : ٢٥٣ ، الباب ٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث ١٠ و ٣٠٦ ـ ٣٠٧ ، الباب ١٦ من الأبواب ، الحديث ١ و ٢.

(٤) الوسائل ١٤ : ٢٨٠ ـ ٢٨٢ ، الباب الأوّل من أبواب ما يحرم بالرضاع.

(٥) قاله الشيخ في المبسوط ٥ : ٣٠٥ ، وانظر الصفحة ٢٩٢.

١٩٢

وهو حسن لولا معارضة النصوص الصحيحة ، فالقول بالتحريم أحسن.

(و) كذا (لا) ينكح أبو المرتضع (في أولاد المرضعة ولادة) لصحيحة عبد اللّٰه بن جعفر ، قال : «كتبت إلى أبي محمّد عليه السلام أنّ امرأة أرضعت ولداً لرجل هل يحلّ لذلك الرجل أن يتزوّج ابنة هذه [المرضعة] (١) أم لا؟ فوقّع : لا تحلّ له» (٢) ومثلها صحيحة أيّوب بن نوح وفيها «لأنّ وُلدها صارت بمنزلة وُلدك» (٣) ويترتّب على ذلك تحريم زوجة أبي المرتضع عليه لو أرضعته جدّته لاُمّه ، سواء كان بلبن جدّه أم غيره؛ لأنّ الزوجة حينئذٍ من جملة أولاد صاحب اللبن إن كان جدّاً ، ومن جملة أولاد المرضعة نسباً إن لم يكن ، فلا يجوز لأبي المرتضع نكاحها لاحقاً كما لا يجوز سابقاً ، بمعنى أنّه يمنعه سابقاً ويبطله لاحقاً.

وكذا لو أرضعت الولَدَ بعضُ نساء جدّه لاُمّه بلبنه وإن لم تكن جدّة للرضيع؛ لأنّ زوجة أب الرضيع حينئذٍ من جملة أولاد صاحب اللبن (و) كذا (لا) يجوز له نكاح أولادها (رضاعاً على قول الطبرسي) (٤) لأنّهم بمنزلة إخوة أولاده من الاُمّ وقد تقدّم ضعفه (٥) لما عرفت من أنّ التحريم مشروط باتّحاد الفحل وهو منفيّ هنا.

(وينكح إخوة المرتضع نسباً في إخوته رضاعاً) إذ لا اُخوّة بينهم وإنّما هم إخوة أخيهم وإخوة الأخ إذا لم يكونوا إخوة لا يحرمون على إخوته ، كالأخ من الأب إذا كان له اُخت من الاُمّ ، فإنّها لا تحرم على أخيه؛ لانتفاء القرابة بينهما.

__________________

(١) في المخطوطات بدل (المرضعة) : المرأة.

(٢) و (٣) الوسائل ١٤ : ٣٠٦ ـ ٣٠٧ ، الباب ١٦ من أبواب ما يحرم بالرضاع ، الحديث ١ و ٢.

(٣)

(٤) مجمع البيان ٢ : ٢٨ ـ ٢٩.

(٥) راجع الصفحة ١٩٠.

١٩٣

(وقيل) والقائل الشيخ (بالمنع) (١) لدلالة تعليل التحريم على أب المرتضع في المسألة السابقة ب‍ (أنّهن بمنزلة وُلده) عليه (٢) ، ولأنّ اُخت الأخ من النسب محرّمة ، فكذا من الرضاع.

ويُضعَّف بمنع وجود العلّة هنا؛ لأنّ كونهنّ بمنزلة أولاد أب المرتضع غير موجود هنا وإن وجد ما يجري مجراها ، وقد عرفت فساد الأخير.

(ولو لحق الرضاعُ العقدَ حرّم كالسابق) فلو أرضعت اُمّه أو من يحرم النكاح بإرضاعه كاُخته وزوجةِ أبيه وابنه وأخيه بلبنهم زوجتَه فسد النكاح. ولو أرضعت كبيرة الزوجتين صغيرتهما حُرِّمتا أبداً مع الدخول بالكبيرة ، وإلّا الكبيرة ، وينفسخ نكاح الجميع مطلقاً.

(ولا تقبل الشهادة به إلّامفصَّلة) فلا تكفي الشهادة بحصول الرضاع المحرِّم مطلقاً؛ للاختلاف في شرائطه كيفيّة وكمّيّة ، وجاز (٣) أن يكون مذهب الشاهد مخالفاً لمذهب الحاكم فيشهد بتحريم ما لا يُحرِّمه. ولو عُلم موافقة رأي الشاهد لرأي الحاكم في جميع الشرائط فالمتّجه الاكتفاء بالإطلاق ، إلّاأنّ الأصحاب أطلقوا القول بعدم صحّتها إلّامفصّلة (٤) فيشهد الشاهدان بأنّ فلاناً

__________________

(١) الخلاف ٤ : ٣٠٢ ، مسألة ٧٣ من النكاح ، والنهاية : ٤٦٢ ، والمبسوط ٥ : ٢٩٢.

(٢) هذا القول اختاره المصنّف في بعض تحقيقاته ، واحتجّ له بما ذكرناه من فحوى الرواية السابقة [صحيحة أيّوب بن نوح] فإنّها تدلّ على أنّهم صاروا أولاد أبيهم ، وذلك يمنع من كونهم إخوة الأخ بل أخوه ، وقد عرفت جوابه. (منه رحمه الله).

(٣) في سوى (ع) : فجاز.

(٤) مثل الشيخ في المبسوط ٥ : ٣١٢ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٢٨٦ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٢٨ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ٢٦٧.

١٩٤

ارتضع من فلانة من الثدي من لبن الولادة خمس عشرة رضعة تامّات في الحولين ، من غير أن يفصل بينها برضاع امرأةٍ اُخرى.

وبالجملة ، فلا بدّ من التعرّض لجميع الشرائط ، ولا يشترط التعرّض لوصول اللبن إلى الجوف على الأقوى.

ويشترط في صحّة شهادته به أن يعرف المرأة في تلك الحال ذات لبن ، وأن يشاهد الولد قد التقم الثدي ، وأن يكون مكشوفاً؛ لئلّا يلتقم غير الحلمة ، وأن يشاهد امتصاصه له وتحريك شفتيه والتجرّع ، وحركة الحلق على وجهٍ يحصل له القطع به. ولا يكفي حكاية القرائن وإن كانت هي السبب في علمه ، كأن يقول : رأيته قد التقم الثدي وحلقه يتحرّك ... ؛ لأنّ حكاية ذلك لا تعدّ شهادة وإن كان علمه مترتّباً عليها ، بل لا بدّ من التلفّظ بما يقتضيه عند الحاكم. ولو كانت الشهادة على الإقرار به قبلت مطلقة؛ لعموم «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز» وإن أمكن استناد المقرّ إلى ما لا يحصل به التحريم عند الحاكم ، بخلاف الشهادة على عينه.

(وتحرم بالمصاهرة) وهي علاقة تحدث بين الزوجين وأقرباءِ كلّ منهما بسبب النكاح توجب الحرمة. ويلحق بالنكاح : الوطء ، والنظر ، واللمس على وجهٍ مخصوص. وهذا هو المعروف من معناها لغةً وعرفاً ، فلا يحتاج إلى إضافة وطء الأمة ، والشبهة ، والزنا ونحوه إليها وإن أوجب حرمة على بعض الوجوه؛ إذ ذاك ليس من حيث المصاهرة ، بل من جهة ذلك الوطء ، وإن جرت العادة بإلحاقه بها في بابها (زوجةُ كلّ من الأب فصاعداً) كالجدّ وإن علا من الطرفين (والابن فنازلاً) وإن كان للبنت ـ واُطلق عليه الابن مجازاً ـ (على الآخر) وإن لم يدخل بها الزوج؛ لعموم (وَلاٰ تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ) (١) وقوله تعالى :

__________________

(١) النساء : ٢٢.

١٩٥

(وَحَلاٰئِلُ أَبْنٰائِكُمُ) (١) والنكاح حقيقة في العقد على الأقوى ، والحليلة حقيقة في المعقود عليها للابن قطعاً.

(واُمّ الموطوءة) حلالاً أو حراماً (واُمّ المعقود عليها) وإن لم يدخل بها (فصاعداً) وهي جدّتها من الطرفين وإن علت.

(وابنة الموطوءة) مطلقاً (فنازلاً) أي ابنة ابنها وابنتها وإن لم يطلق عليها «ابنة» حقيقةً (لا ابنة المعقود عليها) من غير دخول ، فلو فارقها قبل الدخول حلّ له تزويج ابنتها ، وهو موضع وفاق ، والآية الكريمة صريحة في اشتراط الدخول في التحريم. وأمّا تحريم الاُمّ وإن لم يدخل بالبنت فعليه المعظم ، بل كاد يكون إجماعاً ، وإطلاق قوله تعالى : (وَأُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ) (٢) يدلّ عليه. والوصف بعده بقوله تعالى : (مِنْ نِسٰائِكُمُ اَللاّٰتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) (٣) لا حجّة فيه ، إمّا لوجوب عوده إلى الجملة الأخيرة كالاستثناء ، أو لتعذّر حمله عليهما من جهة أنّ «مِن» تكون مع الاُولى بيانيّة ، ومع الثانية ابتدائيّة ، والمشترك لا يُستعمل في معنييه معاً. وبه مع ذلك نصوص (٤) إلّاأ نّها معارضة بمثلها (٥) ومن ثَمَّ ذهب ابن أبي عقيل إلى اشتراط الدخول بالبنت في تحريمها (٦) كالعكس. والمذهب هو الأوّل.

__________________

(١) النساء : ٢٣.

(٢) و (٣) النساء : ٢٣.

(٤) الوسائل ١٤ : ٣٥١ ـ ٣٥٢ ، الباب ١٨ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الحديث ٤ و ٥. و ٣٥٥ ، الباب ٢٠ من الأبواب ، الحديث ٢. و ٣٥٧ ، الحديث ٧.

(٥) المصدر السابق : ٣٥٤ ـ ٣٥٦ ، الباب ٢٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الحديث ١ و ٣ و ٥ و ٦.

(٦) كما نُقل عنه في المختلف ٧ : ٢٧ ، وغاية المرام ٣ : ٤٩ ، وغيرهما.

١٩٦

(أمّا الاُخت) للزوجة (فتحرم جمعاً) بينها وبينها ، فمتى فارق الاُولى بموت أو فسخ أو طلاق بائن أو انقضت عدّتها حلّت الاُخرى (لا عيناً والعمّة والخالة) وإن علتا (يجمع بينها * وبين ابنة أخيها أو اُختها) وإن نزلتا (برضاء العمّة والخالة ، لا بدونه) بإجماع أصحابنا ، وأخبارنا متظافرة به (١).

ثمّ إنّ تقدّم عقد العمّة والخالة توقّف العقد الثاني على إذنهما ، فإن بادر بدونه ففي بطلانه أو وقوفه على رضاهما فإن فسختاه بطل أو تخييرهما (٢) فيه وفي عقدهما ، أوجه أوسطها الأوسط. وإن تقدّم عقد بنت الأخ أو الاُخت وعلمت العمّة والخالة بالحال فرضاهما بعقدهما رضاً بالجمع ، وإلّا ففي تخييرهما (٣) في فسخ عقد أنفسهما أو فيه وفي عقد السابقة أو بطلان عقدهما ، أوجه أجودها (٤) الأوّل.

وهل يلحق الجمع بينهما بالوطء في ملك اليمين بذلك؟ وجهان. وكذا لو ملك إحداهما وعقد على الاُخرى. ويمكن شمول العبارة لاتّحاد الحكم في الجميع.

(وحكم) وطء (الشبهة والزنا السابق على العقد حكم الصحيح في المصاهرة) فتحرم الموطوءة بهما على أبيه وابنه ، وعليه اُمّها وبنتها ، إلى غير ذلك من أحكام المصاهرة.

ولو تأخّر الوطء فيهما عن العقد أو (٥) الملك لم تحرم المعقود عليها

__________________

(*) في (ق) : بينهما.

(١) اُنظر الوسائل ١٤ : ٣٧٥ ، الباب ٣٠ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة.

(٢) في (ف) : تخيّرهما.

(٣) في (ف) : تخيّرهما.

(٤) في (ر) : أوجهها.

(٥) في (ع) : والملك.

١٩٧

والمملوكة. هذا هو الأصحّ فيهما (١) وبه يجمع بين الأخبار الدالّة على المنع مطلقاً (٢) وعلى عدمه كذلك (٣).

(وتكره ملموسة الابن ومنظورته) على وجهٍ لا تحلّ لغير مالك الوطء بعقد أو ملك (على الأب. وبالعكس) وهو منظورة الأب وملموسته (تحرم) على ابنه.

أمّا الأوّل : فلأنّ فيه جمعاً بين الأخبار التي دلّ بعضها على التحريم كصحيحة محمّد بن بزيع (٤) وغيرها (٥) وبعضُها على الإباحة كموثّقة عليّ بن يقطين عن الكاظم عليه السلام بنفي البأس عن ذلك (٦) بحمل النهي على الكراهة.

وأمّا الثاني ـ وهو تحريم منظورة الأب وملموسته على الابن ـ فلصحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق عليه السلام قال : «إذا جرّد الرجل الجارية ووضع يده عليها فلا تحلّ لابنه» (٧) ومفهومها الحلّ لأبيه ، فإن عُمل بالمفهوم ، وإلّا فبدلالة الأصل وما سبق (٨) وفيه نظر؛ لأنّ صحيحة ابن بزيع دلّت على التحريم فيهما ، ورواية ابن يقطين دلّت على نفيه فيهما ، فإن وجب الجمع بينهما بالكراهة فالحكم في صحيحة محمّد بن مسلم كذلك ـ وهذا هو الذي اختاره المصنّف في شرح

__________________

(١) في صورتي تقدّم الوطء على العقد وتأخّره عنه.

(٢) الوسائل ١٤ : ٣٢٢ ـ ٣٢٣ ، الباب ٦ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الحديث ١ و ٢ و ٤.

(٣) المصدر السابق : ٣٢٤ ـ ٣٢٥ ، الحديث ٧ و ٩ ـ ١٢.

(٤) الوسائل ١٤ : ٣١٧ ، الباب ٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الحديث الأوّل.

(٥) مثل خبر ابن سنان عن الصادق عليه السلام ، وانظر نفس المصدر : الحديث ٦.

(٦) الوسائل ١٤ : ٥٨٥ ، الباب ٧٧ من أبواب نكاح العبيد والإماء ، الحديث ٣.

(٧) المصدر السابق : ٣١٨ ، الباب ٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الحديث ٤.

(٨) يعني موثّقة عليّ بن يقطين.

١٩٨

الإرشاد (١) وجماعة (٢) ـ أو يُعمل بالاُولى ترجيحاً للصحيح على الموثّق حيث يتعارضان أو مطلقاً ، وتكون صحيحة محمّد بن مسلم مؤيّدة لأحد الطرفين. وهو الأظهر ، فتحرم فيهما ، فالتفصيل غير متوجّه.

وقيّدنا النظر واللمس بكونهما لا يحلّان لغيره؛ للاحتراز عن نظر مثل الوجه والكفّين بغير شهوة ، فإنّه لا يُحرِّم اتّفاقاً. وأمّا اللمس فظاهر الأصحاب وصرّح به جماعة (٣) منهم تحريمه فيهما مطلقاً فيتعلّق به الحكم مطلقاً (٤).

نعم ، يشترط كونهما بشهوة ، كما ورد في الأخبار (٥) وصرّح به

__________________

(١) غاية المراد ٣ : ١٥٨ ـ ١٦١.

(٢) مثل ابن إدريس في السرائر ٢ : ٥٢٨ ، والمحقّق في الشرائع ٢ : ٢٨٩ ، والمختصر النافع : ١٧٧ ، والعلّامة في القواعد ٣ : ٣٠ ، والإرشاد ٢ : ٢١ ـ ٢٢ ، والصيمري في غاية المرام ٣ : ٥٤.

(٣) ممّن صرّح به العلّامة في التذكرة [(الحجريّة) ٢ : ٥٧٥] فإنّه قال فيها : لا يجوز مسّ وجه الأمة وإن جوّزنا النظر إليه وتصافحها من وراء الثياب ، ويظهر من القواعد [٣ : ٣٠] والتحرير [٣ : ٤٦٢] جواز لمس كفّها بغير شهوة والمنع أقوى. والفرق بين اللمس والنظر واضح ، وقد صرّح المجوّزون النظر إلى وجه الأجنبيّة وكفّيها لعدم جواز لمسها ، وادّعى فخر المحقّقين في الشرح عليه الإجماع [الإيضاح ٣ : ٩] ولأ نّه أقوى في التلذّذ والاستمتاع من النظر وأغرب المقداد في التنقيح [٣ : ٧٣] فخصّ موضع النزاع بنظر الفرج ولمسه خاصّة والنصوص والفتوى مصرّحة بالعموم وحينئذٍ فيتحرّر لهم في المسألة ثلاث عبارات يترتّب عليها ثلاثة أقوال : الأوّل : عموم النظر واللمس مع استثناء ما وقع منهما في الكفّين ونحوهما ، الثاني : كذلك مع استثناء النظر خاصّة ، الثالث : تخصيصها بالفرج. (منه رحمه الله).

(٤) من غير تقييد بكونه على وجه لا يحلّ لغير المالك. (هامش ر).

(٥) اُنظر الوسائل ١٤ : ٣١٧ ـ ٣١٨ ، الباب ٣ من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ، الحديث ١ و ٦.

١٩٩

الأصحاب (١) فلا عبرة بالنظر المتّفق ، ولمس الطبيب ، ونحوهما ، وإن كانت العبارة مطلقة. هذا حكم المنظورة والملموسة بالنسبة إليهما.

وهل يتعدّى التحريم إلى اُمّها وابنتها (٢) في حقّ الفاعل؟ قولان (٣) مأخذهما : أصالة الحلّ واشتراط تحريم البنت بالدخول بالاُمّ في الآية (٤). ولا قائل بالفرق ، وصحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام الدالّة على التحريم. ويمكن الجمع بحمل النهي على الكراهة. وهو أولى.

واعلم أنّ الحكم مختصّ بنظر المملوكة على ذلك الوجه. وما ذكرناه من الروايات دالّ عليها.

وأمّا الحرّة : فإن كانت زوجة حرمت على الأب والابن بمجرّد العقد ، وإن كانت أجنبيّة ففي تحريمها قولان (٥) ويظهر من العبارة الجزم به؛ لأنّه فرضها مطلقة ، والأدلّة لا تساعد عليه.

__________________

(١) مثل الشيخ في الخلاف ٤ : ٣٠٨ ، المسألة ٨١ من النكاح ، والمبسوط ٤ : ٢٠٩ ، والعلّامة في التذكرة (الحجريّة) ٢ : ٦٣٣ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٧٥ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ٢٨٩ ، وغيرهم.

(٢) في (ر) : اُمّهما وابنتهما.

(٣) القول بالتحريم للإسكافي كما نقل عنه في المختلف ٧ : ٤٧ ، وللشيخ في الخلاف ٤ : ٣٠٨ ، المسألة ١٨. والقول بالعدم للعلّامة في المختلف ٧ : ٤٧ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ٢٩١ ، ونسبه إلى أكثر المتأخّرين.

(٤) النساء : ٢٣.

(٥) القول بالعدم للفخر في الإيضاح ٣ : ٦٦ ، والفاضل المقداد في التنقيح الرائع ٣ : ٧٥ ، والمحقّق الثاني في جامع المقاصد ١٢ : ٢٩٣. وأمّا القول بالتحريم فلم نعثر على القائل به ، كما اعترف به الشارح في المسالك ٧ : ٣٠٩.

٢٠٠