الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٩

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٣

النزول للواحدي (ص ٢١٢) ، مستدرك الحاكم (٢ / ٣٥٧) ، الاستيعاب (٢ / ٤٣٥) ، تفسير القرطبي (١٠ / ١٨٠) ، تفسير الزمخشري (٢ / ١٧٦) ، تفسير البيضاوي (١ / ٦٨٣) ، تفسير الرازي (٥ / ٣٦٥) ، تفسير ابن جزي (٢ / ١٦٢) ، تفسير النيسابوري هامش الطبري (١٤ / ١٢٢) ، بهجة المحافل (١ / ٩٤) ، تفسير ابن كثير (٢ / ٥٨٧) ، الدرّ المنثور (٤ / ١٣٢) ، تفسير الخازن (٣ / ١٤٣) ، الإصابة (٢ / ٥١٢) ، تفسير الشوكاني (٣ / ١٩١) ، تفسير الآلوسي (١٤ / ٢٣٧).

آية رابعة : ذكر الواحدي من طريق السدّي أنّ قوله تعالى : (أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) (١) ؛ نزل في عمّار والوليد بن المغيرة.

راجع (٢) : أسباب النزول للواحدي (ص ٢٥٥) ، تفسير القرطبي (١٣ / ٣٠٣) ، تفسير الزمخشري (٢ / ٢٨٦) ، تفسير الخازن (٣ / ٤٣) ، تفسير الشربيني (٣ / ١٠٥).

آية خامسة : أخرج أبو عمر من طريق ابن عبّاس في قوله تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) (٣) ؛ أنّه عمّار بن ياسر.

وأخرج نزولها في عمّار : ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ.

راجع (٤) : الاستيعاب (٢ / ٤٣٥) ، تفسير ابن جزّي (٢ / ٢٠) ، تفسير ابن كثير (٢ / ١٧٢) ، تفسير البيضاوي (١ / ٤٠٠) ، تفسير السيوطي (٣ / ٤٣) ، تفسير الشربيني

__________________

(١) القصص : ٦١.

(٢) أسباب النزول : ص ٢٢٩ ، الجامع لأحكام القرآن : ١٣ / ٢٠٠ ، الكشّاف : ٣ / ٤٢٥ ، تفسير الخازن : ٣ / ٤٠٩ السراج المنير : ٣ / ١١٢.

(٣) الأنعام : ١٢٢.

(٤) الاستيعاب : القسم الثالث / ١١٣٧ رقم ١٨٦٣ ، تفسير البيضاوي : ١ / ٣١٩ ، الدرّ المنثور : ٣ / ٣٥٢ ، تفسير الخازن : ٢ / ٥٠ ، فتح القدير : ٢ / ١٦٠.

٤١

(١ / ٤٢٩) ، تفسير الخازن (٢ / ٣٢) ، تفسير الشوكاني (٢ / ١٥٢).

الثناء الجميل على عمّار :

أمّا الأحاديث الواردة في الثناء عليه فحدّث عنها ولا حرج ، وإليك نزراً منها :

١ ـ عن ابن عبّاس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث : «إنّ عمّاراً مُلئ إيماناً من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه».

راجع (١) : حلية الأولياء (١ / ١٣٩) ، تفسير الزمخشري (٢ / ١٧٦) ، تفسير البيضاوي (١ / ٦٨٣) ، بهجة المحافل (١ / ٩٤) ، تفسير الرازي (٥ / ٣٦٥) ، تفسير الخازن (٣ / ١٤٣) ، كنز العمّال (٦ / ١٨٤ و ٧ / ٧٥) ، تفسير الآلوسي (١٤ / ٢٣٧).

٢ ـ أخرج ابن عساكر (٢) من طريق عليّ : «عمّار خلط الله الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه ، وخلط الإيمان بلحمه ودمه ، يزول مع الحقّ حيث زال ، وليس ينبغي للنار أن تأكل منه شيئاً». كنز العمّال (٣) (٦ / ١٨٣).

٣ ـ أخرج البزّار من طريق عائشة ، قالت : ما أحد من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ لو شئت لقلت فيه ما خلا عمّاراً ، فإنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «مُلئ إيماناً إلى مُشاشه (٤)». وفي لفظ أبي عمر : «مُلئ عمّار إيماناً إلى أخمص قدميه». وفي لفظ له : «إنّ عمّار بن ياسر حُشِي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أُذنيه إيماناً».

__________________

(١) الكشّاف : ٢ / ٦٣٦ ، تفسير البيضاوي : ١ / ٥٥٨ ، التفسير الكبير : ٢٠ / ١٢١ ، تفسير الخازن : ٣ / ١٣٦ ، كنز العمّال : ١١ / ٧٢٤ ح ٣٣٥٤١.

(٢) مختصر تاريخ دمشق : ١٨ / ٢١٣.

(٣) كنز العمّال : ١١ / ٧٢٠ ح ٣٣٥٢٠.

(٤) المُشاش : رءوس العظام كالمرفقين والكفّين والركبتين.

٤٢

ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (٩ / ٢٩٥) وقال : رجاله رجال الصحيح ، وأخرجه ابن ماجة (١) من طريق عليّ كما في طرح التثريب (١ / ٨٧) ، وأخرجه ابن ديزيل والنسائي (٢) من طريق عمرو بن شرحبيل عن رجل مرفوعاً كما في تيسير الوصول (٣) (٣ / ٢٧٩) ، والبداية والنهاية (٤) (٧ / ٣١١) ولفظه : «لقد مُلئ عمّار إيماناً من قدمه إلى مُشاشه». ورواه عبد الرزاق والطبراني وابن جرير (٥) وابن عساكر (٦) كما في كنز العمّال (٧) (٦ / ١٨٤). وأخرجه أبو عمر بالألفاظ الثلاثة في الاستيعاب (٨) (٢ / ٤٣٥).

٤ ـ أخرج ابن ماجة وأبو نعيم من طريق هاني بن هاني ، قال : كنّا عند عليّ فدخل عليه عمّار فقال : «مرحباً بالطيّب المطيّب ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : عمّار مُلئ إيماناً إلى مُشاشه».

سنن ابن ماجة (٩) (١ / ٦٥) ، حلية الأولياء (١ / ١٣٩) ، الإصابة (٢ / ٥١٢).

٥ ـ أخرج ابن سعد في الطبقات (١٠) (٣ / ١٨٧) ـ طبع ليدن ـ مرفوعاً : «إنّ عمّاراً مع الحقّ والحقّ معه ، يدور عمّار مع الحقّ أينما دار ، وقاتل عمّار في النار».

__________________

(١) سنن ابن ماجة : ١ / ٥٢ ح ١٤٧.

(٢) السنن الكبرى : ٥ / ٧٤ ح ٨٢٧٣.

(٣) تيسير الوصول : ٣ / ٣٢٣.

(٤) البداية والنهاية : ٧ / ٣٤٥ حوادث سنة ٣٧ ه‍.

(٥) تهذيب الآثار : ص ١٥٧ ح ٣٣٤٥٠ مسند عليّ بن أبي طالب.

(٦) مختصر تاريخ دمشق : ١٨ / ٢١٣.

(٧) كنز العمّال : ١١ / ٧٢٤ ح ٣٣٥٤٠.

(٨) الاستيعاب : القسم الثالث / ١١٣٧ رقم ١٨٦٣.

(٩) سنن ابن ماجة : ١ / ٥٢ ح ١٤٧.

(١٠) الطبقات الكبرى : ٣ / ٢٦٢.

٤٣

وأخرج الطبراني (١) والبيهقي (٢) والحاكم (٣) من طريق ابن مسعود مرفوعاً : «إذا اختلف الناس كان ابن سميّة مع الحقّ».

ذكره ابن كثير في تاريخه (٤) (٧ / ٢٧٠) ، والسيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه (٥) (٦ / ١٨٤) ، وفي لفظ إبراهيم بن الحسين بن ديزيل ـ في سيرة عليّ ـ : جاء رجل إلى ابن مسعود فقال : أرأيت إذا نزلت فتنة كيف أصنع؟ قال : عليك بكتاب الله. قال : أرأيت إن جاء قوم كلّهم يدعون إلى كتاب الله؟ فقال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إذا اختلف الناس كان ابن سميّة مع الحقّ».

وأخرج أبو عمر في الاستيعاب (٦) (٢ / ٤٣٦) من طريق حذيفة : «عليكم بابن سميّة ، فإنّه لن يُفارق الحقّ حتى يموت» ، أو قال : «فإنّه يدور مع الحقّ حيث دار».

٦ ـ أخرج ابن ماجة (٧) من طريق عطاء بن يسار عن عائشة ، مرفوعاً : «عمّار ما عُرض عليه أمران إلاّ اختار الأرشد منهما».

وفي لفظ أحمد من طريق ابن مسعود مرفوعاً : «ابن سميّة ما عُرض عليه أمران قطّ إلاّ أخذ بالأرشد منهما». وفي لفظ آخر له من طريق عائشة : «لا يخيّر بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما». وفي لفظ الترمذي : «ما خُيّر عمّار بين أمرين إلاّ اختار أرشدهما».

__________________

(١) المعجم الكبير : ١٠ / ٩٥ ح ١٠٠٧١.

(٢) دلائل النبوّة : ٦ / ٤٢٢.

(٣) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٤٤٢ ح ٥٦٧٦.

(٤) البداية والنهاية : ٧ / ٣٠٠ حوادث سنة ٣٧ ه‍.

(٥) كنز العمّال : ١١ / ٧٢١ ح ٣٣٥٢٥.

(٦) الاستيعاب : القسم الثالث / ١١٣٩ رقم ١٨٦٣.

(٧) سنن ابن ماجة : ١ / ٥٢ ح ١٤٨.

٤٤

راجع (١) : مسند أحمد (١ / ٣٨٩ و ٦ / ١١٣) ، سنن ابن ماجة (١ / ٦٦) ، مصابيح البغوي (٢ / ٢٨٨) ، تفسير القرطبي (١٠ / ١٨١) ، تيسير الوصول (٣ / ٢٧٩) ، شرح ابن أبي الحديد (٢ / ٢٧٤) ، كنز العمّال (٦ / ١٨٤) ، الإصابة (٢ / ٥١٢).

٧ ـ أخرج الترمذي (٢) من طريق عليّ ، قال : استأذن عمّار على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «إئذنوا له ، مرحباً بالطيّب المطيّب» ، فقال : حسن صحيح.

وأخرجه (٣) : الطبراني (٤) ، وابن أبي شيبة ، وأحمد في المسند (١ / ١٠٠ ، ١٢٦ ، ١٣٨) ، والبخاري في تاريخه (٤ / ٢٢٩) من القسم الثاني ، وابن جرير وصحّحه ، والحاكم والشاشي ، وسعيد بن منصور ، وأبو نعيم في حلية الأولياء (١ / ١٤٠) ، والبغوي في المصابيح (٢ / ٢٨٨) ، وأبو عمر في الاستيعاب (٢ / ٤٣٥) ، وابن ماجة في السنن (١ / ٦٥) ، وابن كثير في البداية (٧ / ٣١١) ، وابن الديبع في التيسير (٣ / ٢٧٨) ،

__________________

(١) مسند أحمد : ١ / ٦٤٣ ح ٣٦٨٥ و ٧ / ١٦٣ ح ٢٤٢٩٩ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٥٢ ح ١٤٨ ، مصابيح السنّة : ٤ / ٢٢٠ ح ٤٨٩٥ ، الجامع لأحكام القرآن : ١٠ / ١١٩ ، تيسير الوصول : ٣ / ٣٢٣ ح ٣ ، شرح نهج البلاغة : ٨ / ٢٦ خطبة ١٢٤ ، كنز العمّال : ١١ / ٧٢١ ح ٣٣٥٢٨ ، سنن الترمذي : ٥ / ٦٢٧ ح ٣٧٩٩.

(٢) سنن الترمذي : ٥ / ٦٢٦ ح ٣٧٩٨.

(٣) المصنّف : ١٢ / ١١٨ ح ١٢٢٩٣ ، مسند أحمد : ١ / ١٦٠ ح ٧٨١ و ٢٠٢ ح ١٠٣٦ و ٢٢٢ ح ١١٦٤ ، تهذيب الآثار : ص ١٥٥ ح ١٤ ـ ١٧ مسند علي بن أبي طالب ، المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٤٣٧ ح ٥٦٦٢ ، مصابيح السنّة : ٤ / ٢٢٠ ح ٤٨٩٤ ، الاستيعاب : القسم الثالث / ١١٣٨ رقم ١٨٦٣ ، سنن ابن ماجة : ١ / ٥٢ ح ١٤٦ ، البداية والنهاية : ٧ / ٣٤٥ حوادث سنة ٣٧ ه‍ ، تيسير الوصول : ٣ / ٣٢٣ ح ١ ، جامع الأحاديث : ٢١ / ٥٣ ح ١٨٣١٤.

(٤) الحديث أخرجه أبو داود الطيالسي في المسند : ص ١٨ ح ١١٧ ، والذي رمز له المتقي الهندي في كنز العمّال : ١٣ / ٥٢٦ ح ٣٧٣٦٢ بالحرف (ط) وحسبه المؤلف ١ رمزاً للطبراني ، كما حسب (طس) رمزاً للطيالسي والحال أنه رمز للطبراني في الأوسط ، وقد أشرنا إلى ذلك في هامش : ٨ / ٢١٨.

٤٥

والعراقي في طرح التثريب (١ / ٨٧) ، والسيوطي في الجامع الكبير (٧ / ٧١).

٨ ـ عن أنس بن مالك مرفوعاً : «إنّ الجنّة تشتاق إلى أربعة : عليّ بن أبي طالب ، وعمّار بن ياسر ؛ وسلمان الفارسي ، والمقداد».

وفي لفظ الترمذي والحاكم وابن عساكر : «اشتاقت الجنّة إلى ثلاثة : عليّ وعمّار وسلمان».

وفي لفظ لابن عساكر : «اشتاقت الجنّة إلى ثلاثة : إلى عليّ وعمّار وبلال».

أخرجه (١) أبو نعيم في الحلية (١ / ١٤٢) ، والحاكم في المستدرك (٣ / ١٣٧) ، وصحّحه هو والذهبي ، والترمذي والطبراني كما في تفسير القرطبي (١٠ / ١٨١) ، وتاريخ ابن كثير (٧ / ٣١١) ، ومجمع الزوائد للهيثمي (٩ / ٣٠٧) ، وأخرجه ابن عساكر في تاريخه (٣ / ٣٠٦ و ٦ / ١٩٨ ، ١٩٩) ، وأبو عمر في الاستيعاب (٢ / ٤٣٥).

٩ ـ أخرج البزّار من طريق عليّ مرفوعاً : «دم عمّار ولحمه حرام على النار أن تطعمه». وفي لفظ ابن عساكر (٢) : «دم عمّار ولحمه حرام على النار أن تأكله أو تمسّه».

مجمع الزوائد (٩ / ٢٩٥) ، كنز العمّال (٣) (٦ / ١٨٤ و ٧ / ٧٥).

١٠ ـ أخرج ابن هشام مرفوعاً : «مالهم ولعمّار؟ يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٤٨ ح ٤٦٦٦ ، وكذا في تلخيصه ، سنن الترمذي : ٥ / ٦٢٦ ح ٣٧٩٧ ، المعجم الكبير : ٦ / ٢١٥ ح ٦٠٤٥ ، الجامع لأحكام القرآن : ١٠ / ١١٩ ، البداية والنهاية : ٧ / ٣٥٤ حوادث سنة ٣٧ ه‍. تاريخ مدينة دمشق : ١٠ / ٤٥١ رقم ٩٧٤ ، ٢١ / ٤١٠ ـ ٤١١ رقم ٢٥٩٩ وفي مختصر تاريخ دمشق : ٥ / ٢٥٩ ، ١٠ / ٤٠ ، ١٨ / ٢١٢ ، الاستيعاب : القسم الثالث / ١١٣٨ رقم ١٨٦٣.

(٢) وفي مختصر تاريخ دمشق : ١٨ / ٢١٥.

(٣) كنز العمّال : ١١ / ٧٢١ ح ٣٣٥٢١ و ١٣ / ٥٣٩ ح ٣٧٤١٢.

٤٦

إلى النار ، إنّ عمّاراً جلدة ما بين عيني وأنفي ، فإذا بلغ ذلك من الرجل فلم يُستبق فاجتنبوه».

سيرة ابن هشام (٢ / ١١٥) ، العقد الفريد (٢ / ٢٨٩) ، شرح ابن أبي الحديد (٣ / ٢٧٤) ولفظه : «ما لقريش ولعمّار يدعوهم إلى الجنّة ويدعونه إلى النار ، قاتله وسالبه في النار» (٤). وبهذا اللفظ ذكره ابن كثير في تاريخه (٥) (٧ / ٢٦٨).

١١ ـ أخرج (٦) الطبراني وابن عساكر من طريق عائشة مرفوعاً : «كم من ذي طمرين لا ثوب له لو أقسم على الله لأبرّه ، منهم : عمّار بن ياسر». مجمع الزوائد (٩ / ٢٩٤) ، كنز العمّال (٧) (٦ / ١٨٤).

١٢ ـ أخرج أحمد (٨) من طريق خالد بن الوليد مرفوعاً : «من عادى عمّاراً عاداه الله ، ومن أبغض عمّاراً أبغضه الله». صحّحه الحاكم والذهبي بطريقين (٩) ، وصحّحه الهيثمي (١٠).

وفي لفظ : «من يسبّ عمّاراً يسبّه الله ، ومن يبغض عمّاراً يبغضه الله ، ومن يسفّه عمّاراً يسفّهه الله». صحّحه الحاكم والذهبي (١١).

وفي لفظ : «من يسبّ عماراً ، يسبّه الله ومن يُعادِ عمّاراً يُعادِه الله». صحّحه

__________________

(٤) السيرة النبويّة : ٢ / ١٤٣ ، العقد الفريد : ٤ / ١٤٣ ، شرح نهج البلاغة : ٨ / ٢٥ خطبة ١٢٤.

(٥) البداية والنهاية : ٧ / ٢٩٨ حوادث سنة ٣٧ ه‍.

(٦) المعجم الأوسط : ٦ / ٣٢١ ح ٥٦٨٢ ، مختصر تاريخ دمشق : ١٨ / ٢١٦.

(٧) كنز العمّال : ١١ / ٧٢١ ح ٣٣٥٢٣.

(٨) مسند أحمد : ٥ / ٥٠ ح ١٦٣٧٣.

(٩) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٤٤١ ح ٥٦٧٤ ، وكذا في تليخصه.

(١٠) مجمع الزوائد : ٩ / ٢٩٣.

(١١) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٤٣٩ ح ٥٦٦٧ ، وكذا في تلخيصه.

٤٧

الحاكم والذهبي (١).

وفي لفظ لأحمد (٢) : «من يعادِ عمّاراً يعادِه الله عزّ وجلّ ، ومن يبغضه يبغضه الله عزّ وجلّ ، ومن يسبّه يسبّه الله عزّ وجلّ».

وفي لفظ الحاكم (٣) : «من يحقّر عمّاراً يحقّره الله ، ومن يسبّ عمّاراً يسبّه الله ، ومن يبغض عمّاراً يبغضه الله».

وفي لفظ ابن النجار : «من سبّ عمّاراً سبّه الله ، ومن حقّر عمّاراً حقّره الله ، ومن سفّه عمّاراً سفّهه الله».

وفي لفظ ابن عساكر (٤) : «من يبغض عمّاراً يبغضه الله ، ومن يلعن عمّاراً يلعنه الله».

وفي لفظ الطبراني (٥) : «من يُعادي عمّاراً يعاديه الله ، ومن يبغض عمّاراً يبغضه الله ، ومن يسبّ عمّاراً يسبّه الله ، ومن يسفّه عمّاراً يسفّهه الله ، ومن يحقّر عمّاراً يحقّره الله».

وفي لفظ الطبراني (٦) أيضاً : «من يحقّر عمّاراً يحقّره الله ، ومن يسب عمّاراً يسبّه الله ، ومن ينتقص عمّاراً ينتقصه الله ، ومن يعاد عمّاراً يعاده الله». قال الهيثمي (٧) : رجاله ثقات.

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٤٣٩ ح ٥٦٧٠ ، وكذا في تلخيصه.

(٢) مسند أحمد : ٥ / ٥٢ ح ١٦٣٨٠.

(٣) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٤٤٠ ح ٥٦٧٣.

(٤) مختصر تاريخ دمشق : ١٨ / ٢١٤.

(٥) المعجم الكبير : ٤ / ١١٢ ح ٣٨٣١.

(٦) المعجم الكبير : ٤ / ١١٣ ح ٣٢٣٢.

(٧) مجمع الزوائد : ٩ / ٢٩٤.

٤٨

أخرج هذا الحديث على اختلاف ألفاظه جمع كثير من الحفّاظ وأئمّة الفنّ ، راجع (١) : مسند أحمد (٤ / ٨٩) ، مستدرك الحاكم (٣ / ٣٩٠ ، ٣٩١) ، تاريخ الخطيب (١ / ١٥٢) ، الاستيعاب (٢ / ٤٣٥) ، أُسد الغابة (٤ / ٤٥) ، طرح التثريب (١ / ٨٨) ، تاريخ ابن كثير (٧ / ٣١١) ، الإصابة (٢ / ٥١٢) ، كنز العمّال (٦ / ١٨٥ و ٧ / ٧١ ـ ٧٥).

١٣ ـ عن حذيفة أنّه قيل له : إنّ عثمان قد قُتل فما تأمرنا؟ قال : الزموا عمّاراً. قيل : إنّ عمّاراً لا يفارق عليّا ، قال : إنّ الحسد هو أهلك للجسد ، وإنّما ينفّركم من عمّار قربه من عليّ ، فو الله لعليّ أفضل من عمّار أبعد ما بين التراب والسحاب ، وإنّ عمّاراً من الأخيار. أخرجه ابن عساكر كما في كنز العمّال (٢) (٧ / ٧٣).

١٤ ـ عن عبد الله بن جعفر قال : ما رأيت مثل عمّار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر كانا لا يحبّان أن يعصيا الله طرفة عين ، ولا يخالفان الحقّ قيد شعرة.

أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (٩ / ٢٩٢).

١٥ ـ ذكر الأبشيهي في المستطرف (٣) (١ / ١٦٦) في حديث : هبط جبرئيل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم أُحد ـ وكان يسأل عن أصحابه ـ إلى أن قال : من هذا الذي بين يديك يتّقي عنك؟ قال : «عمّار بن ياسر». قال : بشّره بالجنّة حرمت النار على عمّار.

هذا عمّار :

إذا درست هذه كلّها ، فهل تجد من الحقّ أن يُعمل معه تلكم الفظاظات مرّة بعد

__________________

(١) مسند أحمد : ٥ / ٥٠ ح ١٦٣٧٣ ، المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٤٤٠ ح ٥٦٧٠ و ٤٤١ ح ٥٦٧٣ ، الاستيعاب : القسم الثالث / ١١٣٨ رقم ١٨٦٣ ، أُسد الغابة : ٤ / ١٣٢ رقم ٣٧٩٨ ، البداية والنهاية : ٧ / ٣٤٥ حوادث سنة ٣٧ ه‍ ، كنز العمّال : ١١ / ٧٢٢ ح ٣٣٥٣٤ و ١٣ / ٥٣٢ ح ٣٧٣٨٧.

(٢) كنز العمّال : ١٣ / ٥٣٢ ح ٣٧٣٨٥.

(٣) المستطرف : ١ / ١٣٧.

٤٩

أخرى؟ وهل تجد مبرّراً لشيء منها؟ فإن زعمت أنّها تأديب من خليفة الوقت فإنّ التأديب لا يسوغ إلاّ على إساءة في الأدب ، وزور من القول ، ومناقضة للحقّ ، ومضادّة للشريعة ، ويجلّ عمّار عن كلّ ذلك ، فلم يصدر منه غير دعاء إلى الحقّ ، وأذان بالحقيقة ، وتضجّر لمظلوم ، وعمل بالوصيّة واجب ، ورسالة عن أناس مؤمنين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، فهل حظر الإسلام شيئاً من هذه فأراد الخليفة أن يعيد عمّاراً إلى نصاب الحقّ؟ أو أنّ الخليفة مُفوّض في النفوس كما يرى أنّه مفوض في الأموال ، فيراغم فيها عامّة المسلمين بإرضاء من يجب إرغامهم من أُناس لا خلاق لهم؟ وكذلك يفعل بالنفوس فعل المستبدّين ولوازم الدكتاتوريّة ومقتضيات الملك العضوض.

ولو كان الخليفة ناصباً نفسه للتأديب فهل أدّب أمثال عبيد الله بن عمر ، والحكم بن أبي العاص ، ومروان بن الحكم ، والوليد بن عقبة ، وسعيد بن العاص ، ونظراءهم من رجال العيث والفساد المستحقّين للتأديب حيناً بعد حين؟ وهو كان يرنو إلى أعمالهم من كثب ، لكنّه لم يصدر منه إلاّ إرضاؤهم وتوفير العطاء لهم والدفاع عنهم ، وتسليطهم على النفوس والأموال حتى أوردوه مورد الهلكة ، ولقد ادّخر تأديبه كلّه لصلحاء الأُمّة مثل عمّار وأبي ذر وابن مسعود ومن حذا حذوهم ، فإلى الله المشتكى.

وإنّك لو أمعنت النظرة في أعماله وأفعاله لتجدنّه لا يقيم وزناً لأيّ صالح من الأُمّة ، ولقد ترقى ذلك أو تسافل حتى إنّه جابه مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام غير مرّة بقوارص كلماته ، وممّا قال له ممّا مرّ في صفحة (١٨ ـ ١٩) قوله : أنت أحقّ بالنفي منه. وقوله : لئن بقيت لا أعدم طاغياً يتخذك سلّماً وعضداً وكهفاً وملجأً ، يريد بالطاغي أبا ذر وعمّار وأمثالهما ، ويجعل الإمام عليه‌السلام سلّماً وعضداً وكهفاً وملجأً لمن سمّاهم الطغاة.

٥٠

(كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) (١).

كأنّ الرجل لم يصاحب النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو لم يَعِ ما هتف به من فضائل مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام من أوّل يومه آناء الليل وأطراف النهار في حلّه ومرتحله ، في ظعنه وإقامته ، عند أفراد من أصحابه أو في محتشد منهم ، ولدى الحوادث والوقائع ، وعند كلّ مناسبة ، وفي حروبه ومغازيه.

وكأنّه لم يشهد بلاء مولانا الإمام عليه‌السلام في مآزق الإسلام الحرجة ، ولم يشهد كرّاته وقد فرّ أصحابه ، وتفانيه في سبيل الدعوة عند خذلان غيره ، واقتحامه المهالك لصالح الإسلام حيث ركنوا إلى دعة ، وتقهقر بهم الفرق ، وثبّطهم الخول (٢).

يزعم القوم أنّ الخليفة كان حافظاً للقرآن وأنّه كان يتلوه في ركعة في لياليه. ولو صحّ ما يقولون فهلاّ كان يمرّ بآية التطهير ومولانا الإمام عليه‌السلام أحد الخمسة الذين أُريدوا بها ، وبآية المباهلة وهو نفس النبيّ فيها. إلى آيات أُخرى نازلة فيه بالغة إلى ثلاثمائة آية كما يقوله حبر الأُمّة عبد الله بن العباس (٣) أو أنّه كان يمرّ بها على حين غفلة من مفادها؟ أو يمرّ بها وقد بلغ منه اللغوب من كثرة التلاوة فلا يلتفت إليها؟ أو أنّه كان يرتّلها ملتفتاً إلى مغازيها؟ ولكن ....

أنا لا أدري بما ذا يُعلّل قوارص الخليفة عليّا عليه‌السلام ابنا حجر وكثير وأمثالهما المعلّلون أقوال الخليفة وأفعاله في مثل أبي ذر وابن مسعود ومالك الأشتر ، بأنّ مصلحة بقائهم في الأوساط الإسلاميّة مع الحرية في المقال لا تكافئ المفسدة المترتّبة عليه من سقوط أُبّهة الخلافة؟ على أنّه ما كان عند القوم إلاّ الأمر بالمعروف والنهي

__________________

(١) الكهف : ٥.

(٢) لعله بمعنى التفرّق ، من : ذهب القوم أخولَ أخول ، إذا تفرّقوا شتّى.

(٣) راجع ما مرّ في الجزء الأوّل : ص ٣٣٤. (المؤلف)

٥١

عن المنكر فهل يجرّهم الحبّ المعمي والمصمّ إلى أن يقولوا بمثل ذلك في حقّ عظيم الدنيا والدين مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام؟ فهل كانت مفسدة هنالك مترتّبة على مقام الإمام في المدينة حتى يكون نفيه عنها أولى؟ وهل هو إلاّ الصلاح كلّه؟ وهل المصالح النوعيّة والفرديّة تُستقى من غيره؟ ولعمر الحقّ إنّ أُبّهة تسقط لمكان أمير المؤمنين عليه‌السلام وفضله ونزاهته وعلمه وإصلاحه لَحرِيّة بالسقوط ، وايم الله لو وسع أُولئك المدافعين عن تلكم العظائم لدنّسوا ساحة قدس الإمام بالفرية الشائنة ، واتّهموه بمثل ما اتّهموا به غيره من صُلحاء الأُمّة وأعلام الصحابة والخيرة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، ولكن ....

ولو كان الخليفة يعير لنصائح الإمام عليه‌السلام أُذناً واعية لصانه عن المهالك ، ولم تزل الأُبّهة مصونة له ، والعزّ والنجاح ذخراً له ولأهل الإسلام ، وكان خيراً له من ركوبه النهابير التي جرّعته الغصص وأودت به وجرّت الويلات على الأُمّة حتى اليوم ، ولكنّه ....

(لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) (١)

(إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) (٢)

ـ ٤٤ ـ

تسيير الخليفة صلحاء الكوفة إلى الشام

روى البلاذري عن عبّاس بن هشام عن أبيه عن أبي مخنف في إسناده قال : لمّا عزل عثمان رضى الله عنه الوليد بن عقبة عن الكوفة ولاّها سعيد بن العاص وأمره بمداراة أهلها ، فكان يجالس قرّاءها ووجوه أهلها ويسامرهم فيجتمع عنده منهم : مالك بن

__________________

(١) النحل : ٢٣.

(٢) الإنسان : ٢٧.

٥٢

الحارث الأشتر النخعي ، وزيد وصعصعة ابنا صوحان العبديّان ، وحرقوص بن زهير السعدي ، وجندب بن زهير الأزدي ، وشريح بن أوفى بن يزيد بن زاهر العبسي ، وكعب بن عبدة النهدي ، وكان يقال لعبدة بن سعد : ابن ذي الحبكة ـ وكان كعب ناسكاً وهو الذي قتله بُسر بن أرطاة بتثليث (١) ـ وعديّ بن حاتم الجواد الطائي ويكنّى أبا طريف ، وكدام بن حضري بن عامر ، ومالك بن حبيب بن خراش ، وقيس ابن عطارد بن حاجب ، وزياد بن خصفة بن ثقف ، ويزيد بن قيس الأرحبي ، وغيرهم ، فإنّهم لعنده وقد صلّوا العصر إذ تذاكروا السواد والجبل ففضّلوا السواد ، وقالوا : هو ينبت ما ينبت الجبل وله هذا النخل ، وكان حسّان بن محدوج الذهلي الذي ابتدأ الكلام في ذلك ، فقال عبد الرحمن بن خُنيس الأسدي صاحب شرطته : لوددت أنّه للأمير وأنّ لكم أفضل منه. فقال له الأشتر : تمنّ للأمير أفضل منه ولا تمنّ له أموالنا. فقال عبد الرحمن : ما يضرّك من تمنّي حتى تزوي ما بين عينيك فو الله لو شاء كان له. فقال الأشتر : والله لو رام ذلك ما قدر عليه. فغضب سعيد وقال : إنّما السواد بستان لقريش. فقال الاشتر : أتجعل مراكز رماحنا وما أفاء الله علينا بستاناً لك ولقومك؟ والله لو رامه أحد لقُرع قرعاً يتصأصأ (٢) منه. ووثب بابن خُنيس فأخذته الأيدي.

فكتب سعيد بن العاص بذلك إلى عثمان وقال : إنّي لا أملك من الكوفة مع الأشتر وأصحابه الذين يُدعون القرّاء وهم السفهاء شيئاً. فكتب إليه أن سيّرهم إلى الشام. وكتب إلى الأشتر : إنّي لأراك تضمر شيئاً لو أظهرته لحلّ دمك ، وما أظنّك منتهياً حتى يصيبك قارعة لا بُقيا بعدها ، فإذا أتاك كتابي هذا فسر إلى الشام لإفسادك من قبلك وإنّك لا تألوهم خبالا. فسيّر سعيد الأشتر ومن كان وثب مع

__________________

(١) تثليث : موضع بالحجاز قرب مكة : معجم البلدان : ٢ / ١٥.

(٢) تصأصأ من الرجل إذا فرِق منه وخاف.

٥٣

الأشتر وهم : زيد وصعصعة ابنا صوحان ، وعائذ بن حملة الطُهوي من بني تميم ، وكميل بن زياد النخعي ، وجُندب بن زهير الأزدي ، والحارث بن عبد الله الأعور الهمداني ، ويزيد بن المكفف النخعي ، وثابت بن قيس بن المنقع النخعي ، وأصعر (١) بن قيس بن الحارث الحارثي.

فخرج المسيّرون من قرّاء أهل الكوفة فاجتمعوا بدمشق ، نزلوا مع عمرو بن زرارة فبرّهم معاوية وأكرمهم ، ثمّ إنّه جرى بينه وبين الأشتر قول حتى تغالظا فحبسه معاوية ، فقام عمرو بن زرارة فقال : لئن حبسته لتجدنّ من يمنعه. فأمر بحبس عمرو فتكلّم سائر القوم فقالوا : أحسن جوارنا يا معاوية ، ثمّ سكتوا فقال معاوية : ما لكم لا تكلّمون؟ فقال زيد بن صوحان : وما نصنع بالكلام؟ لئن كنّا ظالمين فنحن نتوب إلى الله ، وإن كنّا مظلومين فإنّا نسأل الله العافية. فقال معاوية : يا أبا عائشة أنت رجل صدق. وأذن له في اللحاق بالكوفة ، وكتب إلى سعيد بن العاص : أمّا بعد : فإنّي قد أذنت لزيد بن صوحان في المسير إلى منزله بالكوفة لما رأيت من فضله وقصده وحسن هديه ، فأحسن جواره وكفّ الأذى عنه وأقبل إليه بوجهك وودّك ، فإنّه قد أعطاني موثقاً أن لا ترى منه مكروهاً. فشكر زيد معاوية وسأله عند وداعه إخراج من حبس ففعل.

وبلغ معاوية أنّ قوماً من أهل دمشق يجالسون الأشتر وأصحابه فكتب إلى عثمان : إنّك بعثت إليّ قوماً أفسدوا مصرهم وأنغلوه ، ولا آمن أن يفسدوا طاعة من قبلي ويعلّموهم ما لا يُحسنونه حتى تعود سلامتهم غائلة ، واستقامتهم اعوجاجا.

فكتب إلى معاوية يأمره أن يسيّرهم إلى حمص ، ففعل وكان واليها عبد الرحمن ابن خالد بن الوليد بن المغيرة ، ويقال : إنّ عثمان كتب في ردّهم إلى الكوفة فضجّ منهم

__________________

(١) كذا في أنساب الأشراف بالعين المهملة ، وفي الإصابة : بالمعجمة. (المؤلف)

٥٤

سعيد ثانية فكتب في تسييرهم إلى حمص فنزلوا الساحل. الأنساب (١) (٥ / ٣٩ ـ ٤٣).

صورة مفصّلة :

إنّ عثمان أحدث أحداثاً مشهورة نقمها الصحابة عليه من تأمير بني أُميّة ولا سيّما الفسّاق منهم وأرباب السفه وقلّة الدين ، وإخراج مال الفيء إليهم وما جرى في أمر عمّار وأبي ذر وعبد الله بن مسعود وغير ذلك من الأُمور التي جرت في أواخر خلافته ، ثمّ اتّفق أنّ الوليد بن عقبة لمّا كان عاملاً على الكوفة وشُهِد عليه بشرب الخمر صرفه وولّى سعيد بن العاص مكانه ، فقدم سعيد الكوفة واستخلص من أهلها قوماً يسمرون عنده ، فقال سعيد يوماً : إنّ السواد بستان لقريش وبني أُميّة ، فقال الأشتر النخعي : وتزعم أنّ السواد الذي أفاءه الله على المسلمين بأسيافنا بستان لك ولقومك؟ فقال صاحب شرطته : أتردّ على الأمير مقالته؟ وأغلظ له ، فقال الأشتر لمن حوله من النخع وغيرهم من أشراف الكوفة : ألا تسمعون؟ فوثبوا عليه بحضرة سعيد فوطؤه وطأً عنيفاً وجرّوا برجله ، فغلظ ذلك على سعيد وأبعد سمّاره ، فلم يأذن بعدُ لهم فجعلوا يشتمون سعيداً في مجالسهم ثمّ تعدّوا ذلك إلى شتم عثمان ، واجتمع إليهم ناس كثير حتى غلظ أمرهم ، فكتب سعيد إلى عثمان في أمرهم فكتب إليه أن يسيّرهم إلى الشام لئلا يفسدوا أهل الكوفة وكتب إلى معاوية وهو والي الشام : إنّ نفراً من أهل الكوفة قد همّوا بإثارة الفتنة وقد سيّرتهم إليك ، فانهَهم ، فإن آنست منهم رشداً فأحسن إليهم وارددهم إلى بلادهم. فلمّا قدموا على معاوية ، وكانوا : الأشتر ، ومالك بن كعب الأرحبي ، والأسود بن يزيد النخعي ، وعلقمة بن قيس النخعي ، وصعصعة بن صوحان العبدي وغيرهم ، جمعهم يوماً وقال لهم :

إنّكم قوم من العرب ذوو أسنان وألسنة وقد أدركتم بالإسلام شرفاً وغلبتم

__________________

(١) أنساب الأشراف : ٦ / ١٥١ ـ ١٥٦.

٥٥

الأمم وحويتم مواريثهم ؛ وقد بلغني أنّكم ذممتم قريشاً ، ونقمتم على الولاة فيها ، ولولا قريش لكنتم أذلّة ، إنّ أئمّتكم لكم جُنّة فلا تَفرّقوا عن جُنّتكم. إنّ أئمّتكم ليصبرون على الجور ويحتملون فيكم العتاب ، والله لَتنتهُنّ أو ليبتلينّكم الله بمن يسومكم الخسف ولا يحمدكم على الصبر ، ثمّ تكونون شركاءهم فيما جررتم على الرعيّة في حياتكم وبعد وفاتكم.

فقال له صعصعة بن صوحان : أمّا قريش فإنّها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهليّة ، وإنّ غيرها من العرب لأكثر منها وأمنع.

فقال معاوية : إنّك لخطيب القوم ولا أرى لك عقلاً ، وقد عرفتكم الآن وعلمت أنّ الذي أغراكم قلّة العقول ، أُعظّم عليكم أمر الإسلام فتذكّروني الجاهليّة ، أخزى الله قوماً عظّموا أمركم ، افقهوا عنّي ولا أظنّكم تفقهون : إنّ قريشاً لم تعزّ في جاهليّة ولا إسلام إلاّ بالله وحده ، لم تكن بأكثر العرب ولا أشدّها ولكنّهم كانوا أكرمهم أحساباً ، وأمحضهم أنساباً ، وأكملهم مروءة ، ولم يمتنعوا في الجاهليّة والناس تأكل بعضهم بعضا إلاّ بالله ، فبوّأهم حرماً آمناً يُتَخَطَّفُ الناس من حولهم ، هل تعرفون عرباً أو عجماً أو سوداً أو حمراً إلاّ وقد أصابهم الدهر في بلدهم وحرمهم؟ إلاّ ما كان من قريش ، فإنّه لم يُردهم أحد من الناس بكيد إلاّ جعل الله خدّه الأسفل ، حتى أراد الله تعالى أن يستنقذ من أكرمه باتّباع دينه من هوان الدنيا وسوء مردّ الآخرة ، فارتضى لذلك خير خلقه ، ثمّ ارتضى له أصحاباً ، وكان خيارهم قريشاً ، ثمّ بنى هذا الملك عليهم وجعل هذه الخلافة فيهم فلا يصحّ الأمر إلاّ بهم ، وقد كان الله يحوطهم في الجاهليّة وهم على كفرهم ، أفتراه لا يحوطهم وهم على دينه؟ أُفّ لك ولأصحابك ، أمّا أنت يا صعصعة فإنّ قريتك شرّ القرى ، أنتنها نبتاً ، وأعمقها وادياً ، وألأمها جيراناً ، وأعرفها بالشرّ ، لم يسكنها شريف قطّ ، ولا وضيع إلاّ شبّ بها ، نُزّاع الأُمم وعبيد فارس ، وأنت شرّ قومك ، أحين أبرزك الإسلام وخلطك بالناس أقبلت تبغي

٥٦

دين الله عوجا ، وتنزع إلى الغواية؟ إنّه لن يضرّ ذلك قريشاً ولا يضعهم ولا يمنعهم من تأدية ما عليهم ، إنّ الشيطان عنكم لغير غافل ، قد عرفكم بالشرّ فأغراكم بالناس ، وهو صارعكم وإنّكم لا تدركون بالشرّ أمراً إلاّ فتح عليكم شرّ منه وأخزى ، قد أذنت لكم فاذهبوا حيث شئتم ، لا ينفع الله بكم أحداً أبداً ولا يضرّه ، ولستم برجال منفعة ولا مضرّة ، فإن أردتم النجاة فالزموا جماعتكم ولا تبطرنّكم النعمة ، فإنّ البطر لا يجرّ خيراً ، اذهبوا حيث شئتم ، فسأكتب إلى أمير المؤمنين فيكم.

وكتب إلى عثمان : إنّه قدم عليّ قوم ليست لهم عقول ولا أديان ، أضجرهم العدل لا يريدون الله بشيء ، ولا يتكلّمون بحجّة ، إنّما همّهم الفتنة والله مبتليهم وفاضحهم ، وليسوا بالذين نخاف نكايتهم ، وليسوا الأكثر ممّن له شغب ونكير (١). ثمّ أخرجهم من الشام.

وروى الحسن المدائني : إنّه كان لهم مع معاوية بالشام مجالس طالت فيها المحاورات والمخاطبات بينهم ، وإنّ معاوية قال لهم في جملة ما قاله : إنّ قريشاً قد عرفت أنّ أبا سفيان أكرمها وابن أكرمها إلاّ ما جعل الله لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّه انتجبه وأكرمه ، ولو أنّ أبا سفيان ولد الناس كلّهم لكانوا حلماء.

فقال له صعصعة بن صوحان : كذبت ، قد ولدهم خير من أبي سفيان ، من خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه وأمر الملائكة فسجدوا له ، فكان فيهم البرّ والفاجر والكيّس والأحمق.

قال : ومن المجالس التي دارت بينهم أنّ معاوية قال لهم : أيّها القوم ردّوا خيراً واسكنوا (٢) وتفكّروا وانظروا فيما ينفعكم والمسلمين فاطلبوه وأطيعوني.

__________________

(١) في شرح النهج : وليسوا بأكثر ممّن له شغب ونكير. وفي تاريخ الطبري والكامل : فإنهم ليسوا لأكثر من شغب ونكير.

(٢) كذا في الطبعة المعتمدة لدى المؤلف من شرح النهج ، وفي الطبعة المعتمدة لدينا : أو اسكتوا.

٥٧

فقال له صعصعة : لست بأهل لذلك ولا كرامة لك أن تطاع في معصية الله.

فقال : إنّ أول كلام ابتدأت به أن أمرتكم بتقوى الله وطاعة رسوله وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا.

فقال صعصعة : بل أمرت بالفرقة وخلاف ما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فقال : إن كنت فعلت فإنّي الآن أتوب وآمركم بتقوى الله وطاعته ولزوم الجماعة وأن توقّروا أئمّتكم وتطيعوهم.

فقال صعصعة : إذا كنت تبت فإنّا نأمرك أن تعتزل أمرك ؛ فإنّ في المسلمين من هو أحقّ به منك ممّن كان أبوه أحسن أثراً في الإسلام من أبيك ، وهو أحسن قدماً في الإسلام منك.

فقال معاوية : إنّ لي في الإسلام لقدماً وإن كان غيري أحسن قدماً منّي لكنّه ليس في زماني أحد أقوى على ما أنا فيه منّي ، ولقد رأى ذلك عمر بن الخطّاب ، فلو كان غيري أقوى منّي لم يكن عند عمر هوادة لي ولغيري ، ولا حدث ما ينبغي له أن اعتزل عملي ، ولو رأى ذلك أمير المؤمنين لكتب إليّ فاعتزلت عمله ، ولو قضى الله أن يفعل ذلك لرجوت أن لا يعزم له على ذلك إلاّ وهو خير ، فمهلاً فإنّ في دون ما أنتم فيه ما يأمر فيه الشيطان وينهى ، ولعمري لو كانت الأمور تُقضى على رأيكم وأهوائكم ما استقامت الأُمور لأهل الإسلام يوماً وليلة ، فعاودوا الخير وقولوه.

فقالوا : لست لذلك أهلاً. فقال : أما والله إنّ لله لسطوات ونقمات ، وإنّي لخائف عليكم أن تتبايعوا إلى مطاوعة الشيطان ومعصية الرحمن فيحلّكم ذلك دار الهوان في العاجل والآجل.

فوثبوا عليه فأخذوا برأسه ولحيته ، فقال : مه ، إنّ هذه ليست بأرض الكوفة ، والله لو رأى أهل الشام ما صنعتم بي وأنا إمامهم ما ملكت أن أنهاهم عنكم حتى

٥٨

يقتلوكم ، فلعمري إنّ صنيعكم ليشبه بعضه بعضا. ثمّ قام من عندهم فقال : والله لا أدخل عليكم مدخلاً ما بقيت ، وكتب إلى عثمان :

بسم الله الرحمن الرحيم. لعبد الله عثمان أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان ، أمّا بعد : يا أمير المؤمنين فإنّك بعثت إليّ أقواماً يتكلّمون بألسنة الشياطين وما يملون عليهم ويأتون الناس ـ زعموا ـ من قبل القرآن فيشبّهون على الناس ، وليس كلّ الناس يعلم ما يريدون ، وإنّما يريدون فرقة ، ويقرّبون فتنة ، قد أثقلهم الإسلام وأضجرهم ، وتمكّنت رُقى الشيطان من قلوبهم ، فقد أفسدوا كثيراً من الناس ممّن كانوا بين ظهرانيهم من أهل الكوفة ، ولست آمن إن أقاموا أهل الشام أن يغرّوهم بسحرهم وفجورهم فارددهم إلى مصرهم ، فلتكن دارهم في مصرهم الذي نجم فيه نفاقهم. والسلام.

فكتب إليه عثمان يأمره أن يردّهم إلى سعيد بن العاص بالكوفة ، فردّهم إليه فلم يكونوا إلاّ أطلق ألسنة منهم حين رجعوا ، وكتب سعيد إلى عثمان يضجّ منهم ، فكتب عثمان إلى سعيد : أن سيّرهم إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد وكان أميراً على حمص وهم : الأشتر ، وثابت بن قيس الهمداني (١) وكميل بن زياد النخعي ، وزيد بن صوحان وأخوه صعصعة ، وجندب بن زهير الغامدي ، وحبيب بن كعب الأزدي ، وعروة بن الجعد (٢) وعمرو بن الحمق الخزاعي.

وكتب عثمان إلى الأشتر وأصحابه : أمّا بعد : فإنّي قد سيّرتكم إلى حمص فإذا أتاكم كتابي هذا فاخرجوا إليها ، فإنّكم لستم تألون الإسلام وأهله شرّا. والسلام.

فلمّا قرأ الأشتر الكتاب قال : اللهمّ أسوأنا نظراً للرعيّة ، وأعملنا فيهم بالمعصية فعجّل له النقمة. فكتب بذلك سعيد إلى عثمان ، وسار الأشتر وأصحابه إلى حمص

__________________

(١) في تاريخ الطبري [٤ / ٣٢٦ حوادث سنة ٣٣ ه‍] : النخعي ، بدل : الهمداني. (المؤلف)

(٢) في أُسد الغابة : ٣ / ٤٠٣ [٤ / ٢٧ رقم ٣٦٤٠] : كان ممّن سيّره عثمان رضى الله عنه إلى الشام من أهل الكوفة. (المؤلف)

٥٩

فأنزلهم عبد الرحمن بن خالد الساحل وأجرى عليهم رزقاً.

وروى الواقدي : أنّ عبد الرحمن بن خالد جمعهم بعد أن أنزلهم أيّاماً وفرض لهم طعاماً قال لهم : يا بني الشيطان لا مرحباً بكم ولا أهلاً ، قد رجع الشيطان محسوراً وأنتم بعد في بساط ضلالكم وغيّكم ، جزى الله عبد الرحمن أن لم يؤذكم (١) ، يا معشر من لا أدري أعرب هم أم عجم ، أتراكم تقولون لي ما قلتم لمعاوية؟ أنا ابن خالد بن الوليد ، أنا ابن من عجمته العاجمات ، أنا ابن فاقئ عين الردّة ، والله يا ابن صوحان لأطيرنّ بك طيرة بعيدة المهوى ، إن بلغني أنّ أحداً ممّن معي دقّ أنفك فاقتنعت رأسك. قال : فأقاموا عنده شهراً كلّما ركب أمشاهم معه ويقول لصعصعة : يا بن الخطيئة! إنّ من لم يصلحه الخير أصلحه الشرّ ، ما لك لا تقول كما كنت تقول لسعيد ومعاوية؟ فيقولون : نتوب إلى الله ، أقلنا أقالك الله ، فما زال ذاك دأبه ودأبهم حتى قال : تاب الله عليكم. فكتب إلى عثمان يسترضيه عنهم ويسأله فيهم فردّهم إلى الكوفة (٢).

تاريخ الطبري (٥ / ٨٨ ـ ٩٠) ، الكامل لابن الأثير (٣ / ٥٧ ـ ٦٠) ، شرح ابن أبي الحديد (١ / ١٥٨ ـ ١٦٠) ورأى هذه الصورة أصحّ ما ذكر في القضيّة ، تاريخ ابن خلدون (٢ / ٣٨٧ ـ ٣٨٩) ، تاريخ أبي الفداء (١ / ١٦٨) في حوادث سنة (٣٣).

قال الأميني : كان في عظمة أكثر هؤلاء القوم وصلاحهم المتسالم عليه وتقواهم المعترف بها مرتدع عن أذاهم وإجفالهم عن مستوى عزّهم وموطن إقامتهم وتسييرهم من منفىً إلى منفى ، والإصاخة إلى سعاية ذلك الشابّ المستهتر ، والله سبحانه يقول : (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى

__________________

(١) كذا في شرح نهج البلاغة ، وفي الكامل في التاريخ وتاريخ ابن خلدون : خسّر الله عبد الرحمن إن لم يؤدّبكم.

(٢) تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٣١٧ حوادث سنة ٣٣ ه‍ ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٢٦٧ حوادث سنة ٣٣ ه‍ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ١٢٩ ـ ١٣٤ خطبة ٣٠ ، تاريخ ابن خلدون : ٢ / ٥٨٩ ـ ٥٩١.

٦٠