الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٩

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٣

١١٩ ـ قرظة بن كعب بن ثعلبة بن عمرو الأنصاري الخزرجي.

١٢٠ ـ كرامة بن ثابت الأنصاري.

١٢١ ـ كعب بن عمر أبو زعنة.

١٢٢ ـ كميل بن زياد النخعي ، يقال : أدرك من الحياة النبويّة ثماني عشرة سنة وكان شريفاً مطاعاً ثقة. الإصابة (٣ / ٣١٨).

١٢٣ ـ مالك بن الحارث بن عبد يغوث النخعي الأشتر.

١٢٤ ـ مالك بن عامر بن هاني بن خفاف الأشعري.

١٢٥ ـ محمد بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، من شهداء صفّين.

١٢٦ ـ محمد بن جعفر بن أبي طالب الهاشمي ، يقال : قُتل بصفّين.

١٢٧ ـ مخنف بن سليم بن الحرث بن عوف بن ثعلبة الأزدي الغامدي ، كان على راية الأزد بصفّين.

١٢٨ ـ معقل بن قيس الرياحي التميمي اليربوعي.

١٢٩ ـ المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطّلب الهاشمي.

١٣٠ ـ منقذ بن مالك الأسلمي أخو عروة بن مالك ، ممّن استشهد بصفّين كما مرّ في شعر مولانا أمير المؤمنين (ص ٣٦٤).

١٣١ ـ المهاجر بن خالد بن الوليد المخزومي ، استشهد بصفّين.

١٣٢ ـ نضلة بن عبيد الأسلمي أبو برزة.

١٣٣ ـ النعمان بن عجلان بن النعمان الأنصاري الزرقي.

١٣٤ ـ هاشم بن عتبة بن أبي وقّاص المرقال ، كان صاحب الراية واستشهد بصفّين.

١٣٥ ـ هبيرة بن النعمان بن قيس بن مالك بن معاوية الجعفي ، كان من أُمراء عليّ عليه‌السلام.

١٣٦ ـ وداعة بن أبي زيد الأنصاري.

١٣٧ ـ يزيد بن الحويرث الأنصاري.

١٣٨ ـ يزيد بن طعمة بن جارية بن لوذان الأنصاري الخطمي.

٥٠١

١٣٩ ـ يعلى بن أُميّة بن أبي عبيدة بن همام بن الحرث التميمي الحنظلي ، يقال : إنّه قُتل بصفّين.

١٤٠ ـ يعلى بن عمير بن يعمر بن حارثة بن العبيد النهدي.

١٤١ ـ أبو شمر بن أبرهة بن شرحبيل بن أبرهة بن الصباح الحميري ثمّ الأبرهي ، قتل مع عليّ عليه‌السلام بصفّين.

١٤٢ ـ أبو ليلى الأنصاري والد عبد الرحمن.

١٤٣ ـ أبو جحيفة السوائي.

١٤٤ ـ أبو عثمان الأنصاري.

١٤٥ ـ أبو الورد بن قيس بن فهر الأنصاري.

والإمام أمير المؤمنين قد أتمّ الحجّة يوم الجمل على طلحة بما أسلفناه في الجزء الأوّل (ص ١٨٦ ، ١٨٧) ، وعلى الزبير بما مرّ في (٣ / ١٩١) ، وما قاتلهما إلاّ بعد إقامة الحجّة عليهما ، ودحض أعذارهما المفتعلة ، فما وجدهما مخبتين إلى الحقّ مصيخين إلى ما اعترفا به من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكان موقفهما موقف المستهزئ اللاعب بالدين الحنيف. جاء رجل إلى طلحة والزبير وهما في المسجد بالبصرة فقال : نشدتكما بالله في مسيركما أعهد إليكما فيه رسول الله شيئاً؟ فقام طلحة ولم يجبه ، فناشد الزبير فقال : لا ، ولكن بلغنا أنّ عندكم دراهم فجئنا نشارككم فيها (١).

ولمّا بايع أهل البصرة الزبير وطلحة ، قال الزبير : ألا ألف فارس أسير بهم إلى عليّ فإمّا بيّته وإمّا صبّحته لعلّي أقتله قبل أن يصل إلينا ، فلم يجبه أحد. فقال : إنّ هذه لهي الفتنة التي كنّا نحدّث عنها. فقال له مولاه : أتسمّيها فتنةً وتقاتل فيها؟ قال : ويحك إنّا نُبصر ولا نَبصُر ، ما كان أمر قطّ إلاّ علمت موضع قدمي فيه غير هذا الأمر

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٥ / ١٨٣ [٤ / ٤٧٥ حوادث سنة ٣٦ ه‍]. (المؤلف)

٥٠٢

فإنّي لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر (١)!

وقد تحقّق يوم ذاك ما كان يحذر منه عمر بن الخطّاب (٢) وصدّق الخبر الخبر ، قال عبد الله بن عمر : جاء الزبير إلى عمر فقال لعمر : ائذن لي أن أخرج فأقاتل في سبيل الله. قال : حسبك قد قاتلت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فانطلق الزبير وهو يتذمّر ، فقال عمر : من يعذرني من أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ لو لا أنّي أمسك بفم هذا الشغب لأهلك أُمّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

اللهمّ ما كان ذنب حكيم بن جبلة وسبعين أبرياء آخرين من عبد القيس قتلهم طلحة والزبير قبل وقوع الواقعة بعد ما نادى مناديهما بالبصرة : ألا من كان فيهم من قبائلكم أحد ممّن غزا المدينة فليأت بهم ، فجيء بهم كما يُجاء بالكلاب فقتلوا. قال : حكيم بن جبلة : لقد أصبحتم وإنّ دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم من إخواننا ، أما تخافون الله عزّ وجلّ؟ بما تستحلّون سفك الدماء؟ قال ابن الزبير : بدم عثمان بن عفّان رضي‌الله‌عنه ، قال : فالذين قتلتموهم قتلوا عثمان؟ أما تخافون مقت الله؟ فقال له عبد الله ابن الزبير : لا نرزقكم من هذا الطعام ولا نخلّي سبيل عثمان بن حنيف حتى يخلع عليّا ، فقُتل حكيم بن جبلة وسبعون رجلاً من عبد القيس (٤).

فعلى الرجلين وأُمّهما دم ستّة آلاف أو يزيدون قتلى تلك الحرب الدامية ، (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) (٥) ، و (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) (٦). ولنعم ما قال فتى بني سعد يوم ذاك :

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٥ / ١٨٣ [٤ / ٤٧٥ ـ ٤٧٦ حوادث سنة ٣٦ ه‍]. (المؤلف)

(٢) إشارة إلى قول عبد الله بن عمر في صدر الرواية : قد كان يخاف منه الذي كان. أي خروجه.

(٣) تاريخ بغداد : ٧ / ٤٥٣ [رقم ٤٠٢٤]. (المؤلف)

(٤) تاريخ الطبري : ٥ / ١٨٠ ، ١٨٢ ، ١٨٣ [٤ / ٤٧٠ ، ٤٧٤ ، ٤٧٥ حوادث سنة ٣٦ ه‍]. (المؤلف)

(٥) النساء : ٩٣.

(٦) المائدة : ٣٢.

٥٠٣

صُنتم حلائلكم وقُدتم أُمّكمْ

هذا لعمرُكَ قلّةُ الإنصافِ

أُمِرَتْ بجرِّ ذيولِها في بيتِها

فهوت تشقُّ البيدَ بالإيجافِ

غرضاً يقاتل دونها أبناؤها

بالنبل والخطِّي والأسيافِ

هُتكت بطلحة والزبير ستورُها

هذا المخبِّر عنهمُ والكافي (١)

ولم يكن حول الجمل إلاّ حُثالة من ذنابي الناس أهل الشرَه والترَه ـ من ضبّة والأزد ـ الذين كانوا يلتقطون بعر الجمل ويفتّونها ويشمّونها ويقولون : بعر جمل أُمّنا ريحه ريح المسك. يأتي حديثه في مستقبل الأجزاء إن شاء الله. كما لم يكن في جيش معاوية إلاّ ساقة الناس ورعاعهم الذين وصفهم مولانا أمير المؤمنين بقوله يوم ذاك : «انفروا إلى بقيّة الأحزاب ، انفروا بنا إلى ما قال الله ورسوله إنّا نقول : صدق الله ورسوله. ويقولون : كذب الله ورسوله» (٢).

وقال سيّدنا قيس بن سعد في كلام له : هل ترى مع معاوية إلاّ طليقاً أعرابيّا أو يمانيّا مستدرجاً (٣)؟

وفي كلام لسيّدنا عمّار بن ياسر : إنّ مراكزنا على مراكز رايات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر ويوم أُحد ويوم حنين ، وإنّ هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب (٤)

وفي مقال لسيّدنا مالك الأشتر : أكثر ما معكم رايات قد كانت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومع معاوية رايات قد كانت مع المشركين على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٥ / ١٧٦ [٤ / ٤٦٥ حوادث سنة ٣٦ ه‍]. (المؤلف)

(٢) أخرجه البزّار بإسنادين كما في مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي : ٧ / ٢٣٩. (المؤلف)

(٣) استدرجه : خدعه وأدناه. (المؤلف)

(٤) كتاب صفين لابن مزاحم : ص ٣٦٣ [ص ٣٢١] ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ٥٠٦ [٥ / ٢٥٧ خطبة ٦٥]. (المؤلف)

٥٠٤

يشكّ في قتال هؤلاء إلاّ ميّت القلب (١).

ولم تكن الغايات في حرب معاوية تخفى على أيّ أحد حتى على النساء في خدورهنّ ، فهي كما قالت أُمّ الخير بنت الحريش : إنّها إحَنٌ بدريّة ، وأحقاد جاهليّة ، وضغائن أُحديّة ، وثب بها معاوية حين الغفلة ليدرك ثارات بني عبد شمس ، قاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون (٢).

وكيف يكون هذا الطلب مشروعاً والذين وتروا عثمان هم الصحابة العدول كلّهم حتى أنّ طلحة كان أشدّ الناس عليه ، وحسب مروان أنّه أخذ منه ثاره برمية منه جرّعته المنيّة. وقد تثّبط معاوية عن نصرته حتى قتلوه؟

وإن كانت النهضة بثارات عثمان غير مشروعة يمقتها الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما هو المتسالم عليه عند وجوه السلف ـ فكيف يُدرأ بها العذاب عمّن قام بها؟

ولو صدقت الأحلام لوجب أن يكون أصحاب الجمل مكلوئين عن كلّ سوء ، لكن عوضاً عن ذلك وافاهم العذاب من شتّى النواحي وقُتّلوا تقتيلا ، وقطع الله أيدي الذين أخذوا بزمام الجمل حتى وردوا الهلكة صاغرين.

وأمّا معاوية فسل عنه ليلة الهرير ويومه ، فقد قُتل فيهما سبعون ألف قتيل (٤٥) ألفاً من أهل الشام و (٢٥) ألفاً من أهل العراق (٣). وهل استمرّ على الطلب بالثار لمّا تمهّد له عرش الملك؟ أو أنّه اقتنع بالحصول على سلطة غاشمة وملك عضوض؟

__________________

(١) كتاب صفين لابن مزاحم : ص ٢٦٨ [ص ٢٣٨] ، شرح ابن أبي الحديد : ١ / ٤٨٤ [٥ / ١٩١ الأصل ٦٥]. (المؤلف)

(٢) بلاغات النساء : ص ٣٦ [ص ٥٧] ، العقد الفريد : ١ / ١٣٢ [١ / ٢٢٤] نهاية الأرب : ٧ / ٢٤١ ، صبح الأعشى : ١ / ٢٤٨ [١ / ٢٩٧]. (المؤلف)

(٣) كتاب صفّين لابن مزاحم : ص ٥٤٣ [ص ٤٧٥] تاريخ ابن كثير : ٧ / ٢٧٤ ، ٣١٢ [٧ / ٣٠٤ حواث سنة ٣٦ ه‍ و ٣٤٦ حوادث سنة ٣٧ ه‍] ، فتح الباري : ١٣ / ٧٣ [١٣ / ٨٤]. (المؤلف)

٥٠٥

نعم ؛ حصر هو تعقيبه بالأبرياء شيعة أمير المؤمنين عليه‌السلام فقتلهم أينما ثقفهم تحت كلّ حجر وشجر ، وأمّا ثار عثمان فلم ينبس عنه بعد ببنت شفة فضلاً عن أن يثأر له ولم يُرم بالحجارة ، فدونك تاريخ معاوية ، فاقرأ واحكم.

٤٦ ـ أخرج الخطيب في تاريخه (١٢ / ٣٦٤) ، من طريق أحمد بن محمد بن المغلس الحماني ، عن أبي سهل الفضل بن أبي طالب ، عن عبد الكريم بن روح البزّاز ، عن أبيه روح بن عنبسة بن سعيد بن أبي عياش الأُموي مولاهم البصري ، عن أبيه عنبسة (١) ، عن جدّته ـ لأبيه ـ أُمّ عياش وكانت أمة لرقيّة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : ما زوّجت عثمان أُم كلثوم إلاّ بوحي من السماء.

قال الأميني : لا تعجب من إخراج الخطيب هذا الحديث المرمّع وسكوته عن علله ، فإنّه أسير صبابته إلى هوى آل أُميّة ، وقد أعمته عن آراء رجال الجرح والتعديل في أحمد بن محمد ، وأنسته ما ذكره هو في ترجمة الرجل ، قال ابن عدي (٢) : ما رأيت في الكذّابين أقلّ حياء منه. وقال ابن قانع : ليس بثقة. وقال ابن أبي الفوارس : كان يضع الحديث. وقال ابن حبّان (٣) : راودني أصحابنا على أن أذهب إليه فأسمع منه ، فأخذت جزءاً لأنتخب فيه فرأيته حدّث عن يحيى .. إلخ. وعن هنّاد. إلخ. فعلمت أنّه يضع الحديث. وقال الدارقطني (٤) : كان يضع الحديث. وقال الحاكم : روى عن القعنبي ومسدّد وابن أبي أويس وبشر بن الوليد أحاديث وضعها ، وقد وضع أيضاً المتون مع كذبه في لقي هؤلاء. وقال الخطيب نفسه : حدّث عن أبي نعيم وغيره بأحاديث أكثرها باطلة هو وضعها. وحكى عن بشر بن الحارث ويحيى بن معين وعليّ بن معين وعليّ بن المديني أخباراً جمعها بعد أن وضعها في مناقب

__________________

(١) في النسخة : عن أبيه عن عنبسة ، والصحيح ما ذكرناه. (المؤلف)

(٢) الكامل في ضعفاء الرجال : ١ / ١٩٩ رقم ٤٤.

(٣) كتاب المجروحين : ١ / ١٥٣.

(٤) الضعفاء والمتروكون : ص ١٢٣ رقم ٥٩.

٥٠٦

أبي حنيفة. وقال الدارقطني أيضاً : مناقب أبي حنيفة موضوعة كلّها وضعها أحمد بن المغلّس الحماني قرأته غير مرّة. إلى كلمات آخرين (١).

وفي الإسناد : عبد الكريم بن روح أبو سعيد البصري ، قال أبو حاتم (٢) : مجهول. وقال عمرو بن رافع : دخلت عليه ولم أسمع منه ويقال : إنّه متروك الحديث. وقال ابن حبّان (٣) : يخطئ ويخالف. وضعّفه ابن أبي عاصم والدارقطني (٤). أضف إليه في الجهالة أباه وجدّه وجدّته. راجع ميزان الاعتدال (٥) للذهبي والخلاصة لابن الجزري.

وأخرجه ابن عدي (٦) من طريق عمير بن عمران الحنفي وعدّه من بواطيله وأقرّه الذهبي (٧) وابن حجر ، وقال ابن عدي : والضعف على روايته بيّن ، وقال العقيلي (٨) : في حديثه وهم وغلط.

لسان الميزان (٩) (٤ / ٣٨٠).

نعم ؛ أنا لا أشكّ في أنّ كلّ ما فعله النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لهج به إنّما هو عن وحي منزل من السماء فإنّه لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ، غير أنّ المصلحة في الإيحاء تختلف باختلاف الموارد ، فليس كلّ صلة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو برّ تدلّ على فضيلة في الموصول أو المبرور فإنّها قد تكون لإتمام الحجّة عليه ، كما أنّها في المقام لإيقاف الملأ

__________________

(١) راجع المصادر المذكورة في الجزء الخامس : ص ٢١٦. (المؤلف)

(٢) الجرح والتعديل : ٦ / ٦١ رقم ٣٢٥.

(٣) الثقات : ٨ / ٤٢٣.

(٤) تهذيب التهذيب : ٦ / ٣٧٢ [٦ / ٣٣٢]. (المؤلف)

(٥) ميزان الاعتدال : ٢ / ٦٤٤ رقم ٥١٦١.

(٦) الكامل في ضعفاء الرجال : ٥ / ٧٠ رقم ١٢٤٩.

(٧) ميزان الاعتدال : ٣ / ٢٩٦ رقم ٦٤٨٩.

(٨) الضعفاء الكبير : ٣ / ٣١٨ رقم ١٣٣٦.

(٩) لسان الميزان : ٤ / ٤٣٩ رقم ٦٣٤٥.

٥٠٧

الدينيّ على أنّ العداء المحتدم في صدور العبشميّين على بني هاشم لا يزيحه أيّ عطف وصلة ، فإنّه لا برّ أوصل من المصاهرة ولا سيّما ببضعة النبوّة ، لكن هل قدّر ذلك زوج أمّ كلثوم؟ أو أنّه اقترف ليلة وفاتها (١) ولم يكترث للانقطاع عن شرف النبوّة ، حتى أهانه رسول العظمة بملإ من الأشهاد ، وحرّم عليه الدخول في قبرها وهو في الظاهر أولى الناس بها بعد أبيها؟

ولعلّ كل صهر أو مواصلة وقع بين بني هاشم والأمويّين كان من هذا الباب ، حاول الهاشميّون وفي مقدّمهم مشرّفهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تخفيض نائرة الإحن وتصفية القلوب من الضغائن ، لكن هل حصّلوا على الغاية المتوخّاة؟ أو انكفأوا على حدّ قول القائل :

لقد نفختُ في جُذىً مشبوبةٍ

وقد ضربتُ في حديد باردِ

ولولا هذه المصاهرة وأمثالها لطالت الألسنة على الهاشميين لسبق المهاجرة والقطيعة بين الفريقين ، وحملوا كلّ ما وقع بينهما على تلكم السوابق ، لكن الفئة الصالحة رُوّاد الإصلاح درأوا عن أنفسهم هاتيك الشُبه بضرائب هذه المواصلات ، وعرّفوا الناس أنّ العقارب لُسّب من ذاتها ، فلا يُجدي معها أيّ لين وزلفة.

ولعلّك هاهنا تجد الميزة بين الصهرين مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وصاحب سيّدتنا أُم كلثوم ، وتعلم سيرة الإمام مع الصدّيقة الطاهرة حتى قضت نحبها وهي عنه راضية ، كما أنّه فارقها وهو عنها راضٍ ، وغادر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الدنيا وهو راضٍ عنهما.

وانظر إلى آخر يوميهما ؛ هذا يقترف ليلة وفاة أُمّ كلثوم ما لا يرضي الله ورسوله ولا يهمّه فراقها ولا يشغله الهمّ بالمصيبة وانقطاع صهره من النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المقارفة ، وذلك يندب الصدّيقة الطاهرة ويطيل بكاءه عليها وهو يقول : «السلام عليك

__________________

(١) مرّ حديثه في الجزء الثامن : ص ٢٣١ ـ ٢٣٤. (المؤلف)

٥٠٨

يا رسول الله عنّي وعن ابنتك النازلة في جوارك والسريعة اللحاق بك ، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري ، ورقّ عنها تجلّدي ، إلاّ أنّ لي في التأسّي بعظيم فرقتك وفادح مصيبتك موضع تعزّ ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك ، وفاضت بين نحري وصدري نفسك ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فقد استُرجِعتِ الوديعة ، وأُخذتِ الرهينة ، أمّا حزني فسرمد ، وأمّا ليلي فمسهّد ، إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم ، وستنبئك ابنتك بتضافر أُمّتك على هضمها ، فأَحفها السؤال ، واستخبرها الحال ، هذا ولم يطُلِ العهد ، ولم يخلق منك الذكر ، والسلام عليكما ، سلام مودّع لا قالٍ ولا سئمٍ ، فإن أنصرف فلا عن ملامة (٢) ، وإن أُقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصابرين». ثمّ تمثّل عند قبرها فقال :

لكلّ اجتماعٍ من خليلين فرقةٌ

وكلُّ الذي دون الممات قليلُ

وإنّ افتقادي واحداً بعد واحدٍ (٣)

دليلٌ على أن لا يدوم خليلُ (٤)

٤٧ ـ أخرج الأزدي عن عبد الواحد بن عثمان بن دينار الموصلي ، عن المعافى ابن عمران الثوري ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عبّاس رضى الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعثمان : أنت من أصهاري وأنصاري ، وعهد عهده إليّ ربّي أنّك معي في الجنّة.

قال الذهبي في الميزان (٥) في ترجمة عبد الواحد (٢ / ١٥٨) : خبر باطل ذكره الأزدي.

٤٨ ـ أخرج الطبراني ، قال : حدّثنا بكر بن سهل قال : حدّثنا محمد بن عبد الله

__________________

(٢) كذا في المصدر ، وفي نهج البلاغة ص ٣٢٠ خطبة ٢٠٢ : ملالة ، وهو الأنسب بالسياق.

(٣) وفي لفظ : وإن افتقادي فاطماً بعد أحمد. (المؤلف)

(٤) راجع أعلام النساء : ٣ / ١٢٢٢ [٤ / ١٣١]. (المؤلف)

(٥) ميزان الاعتدال : ٢ / ٦٧٥ رقم ٥٢٩٦.

٥٠٩

ابن سليمان الخراساني ، عن عبد الله بن يحيى الإسكندراني ، حدّثنا ابن المبارك ، عن معمّر ، عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه قال : لمّا طُعِن عمر وأمر بالشورى دخلت عليه حفصة ابنته فقالت : يا أبت إنّ الناس يقولون : إنّ هؤلاء القوم الذين جعلتهم في الشورى ليسوا برضى. فقال : أسندوني. فأسندوه فقال : عسى أن تقولوا في عثمان! سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : يموت عثمان يصلّي عليه ملائكة السماء. قلت : لعثمان خاصّة أو للناس عامّة؟ قال : بل لعثمان خاصّة. الحديث بطوله لكلّ واحد من الستّة أصحاب الشورى منقبة (١).

قال الذهبي في الميزان (٢) : حديث موضوع. وقال ابن حجر في اللسان : الوضع عليه ظاهر.

قال الأميني : بكر بن سهل الدمياطي ، ضعّفه النسائي ، كما ذكره الذهبي ، وفي لسان الميزان : ومن وضعه قوله : بكرت يوم الجمعة فقرأت إلى العصر ثماني ختمات. ثمّ قال : فاسمع إلى هذا وتعجّب. وقال مسلمة بن قاسم : تكلّم الناس فيه ووضعوه من أجل الحديث الذي حدّث به عن سعيد بن كثير (٣). وفي الإسناد محمد بن عبد الله مجهول لا يُعرف.

٤٩ ـ أخرج الخطيب البغدادي في تاريخه (١١ / ١٦٩) ، من طريق عيسى بن محمد بن منصور الإسكافي ، عن شعيب بن حرب المدائني ، عن محمد الهمداني ، قال حدّثنا شيخ في هذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ عن النعمان بن بشير ، قال : كنّا عند عليّ بن أبي طالب فذكروا عثمان ، فقال عليّ : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى

__________________

(١) لسان الميزان : ٥ / ٢٢٦ [٥ / ٢٥٦ رقم ٧٥٨٣]. (المؤلف)

(٢) ميزان الاعتدال : ٣ / ٦٠٥ رقم ٧٧٩٢.

(٣) ميزان الاعتدال : ٣ / ٨٤ [١ / ٣٤٥ رقم ١٢٨٤] ، لسان الميزان : ٢ / ٥٢ و ٥ / ٢٢٦ [٢ / ٦٣ رقم ١٧١٨ و ٥ / ٢٥٦ رقم ٧٥٨٣]. (المؤلف)

٥١٠

أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (١) هم عثمان وأصحاب عثمان ، وأنا من أصحاب عثمان.

قال الأميني : لنا أن نسائل الخطيب عن عيسى بن محمد بن منصور الإسكافي من هو؟ وما محلّه من الإعراب؟ وهو الذي ترجمه هو ولا يعرف منه إلاّ اسمه ، ونسائله عن محمد الهمداني وعن شيخه الذي لم يسمّه هو ولا غيره كأنّه لم يكن ولم يولد ، وعن النعمان بن بشير ، من هو؟ وما خطره؟ وما قيمة روايته؟ وهو الخارج على إمامه يوم صفّين ومحاربه في صفّ الطغام الطغاة ، وهو الذي عرّفه قيس بن سعد الأنصاري يوم ذاك بقوله له : وأنت والله الغاشّ الضالّ المضلّ ، وهو القائل لقيس : لو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليّا لكانت واحدة بواحدة ، ولكنّكم خذلتم حقّا ونصرتم باطلاً.

وهلاّ عليّ هذا هو الذي سأله عثمان أيّام حوصر أن يخرج إلى ينبع حتى لا يغتمّ به ولا يغتمّ به عليّ؟ وهلاّ هو ذلك القائل : «والله الذي لا إله إلاّ هو ما قتلته ، ولا مالأت على قتله ولا ساءني»؟

والقائل : «ما أحببت قتله ولا كرهته ، ولا أمرت به ولا نهيت عنه ، ولا سرّني ولا ساءني»؟ والقائل لأصحابه يوم صفّين : «انفروا إلى من يقاتل على دم حمّال الخطايا ، فوالذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة لا ينقص أوزارهم شيئاً»؟

وهلاّ هو الكاتب إلى أهل مصر بقوله : «إلى القوم الذين غضبوا لله حين عُصي في أرضه ، وذهب بحقّه ، فضرب الجور سرادقه على البرّ والفاجر».

وهلاّ هو ذلك الذي لم يشهد لعثمان أنّه قُتل مظلوماً؟ كما مرّ حديثه (٢).

__________________

(١) الأنبياء : ١٠١.

(٢) تجد هذه الأحاديث في هذا الجزء : ٦٩ ـ ٧٧. (المؤلف)

٥١١

وهلاّ هو ذلك الخطيب القائل في خطبته الشقشقية : «إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه ..» إلى آخر ما مرّ في (٧ / ٨١).

وما شأن أصحاب عثمان وفيهم مثل عليّ ـ أخذاً بهذه الرواية ـ لا يوجد له منهم ناصر؟ ولا يُسمع من أحدهم في أمره ركز؟ ولا ينبس أي منهم في الدفاع عنه ببنت شفة؟ والرجل قُتل بين ظهرانيهم جهراً ، وأُلقيت جثّته في المزبلة ثلاثة أيّام تجري عليه العواصف ، ثمّ دُفن بأثوابه في مقابر اليهود ، ينادى عليه بذلّ الاستخفاف ، وقد أخذت الحجارة مجهّزيه ، وطمّوا جثمانه خائفين مترقّبين ، (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) (١) ، (وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) (٢).

٥٠ ـ إنّ عثمان بن عفّان رأى درع عليّ رضى الله عنه يُباع بأربعمائة درهم ليلة عرسه على فاطمة رضى الله عنها فقال عثمان : هذا درع عليّ فارس الإسلام لا يُباع أبداً ، فدفع لغلام عليّ أربعمائة درهم وأقسم أن لا يخبره بذلك وردّ الدرع معه ، فلمّا أصبح عثمان وجد في داره أربعمائة كيس في كلّ كيس أربعمائة درهم مكتوب على كلّ درهم : هذا ضرب الرحمن لعثمان بن عفّان. فأخبر جبريل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، فقال : هنيئاً لك يا عثمان.

قال الأميني : ذكر الحلبي في سيرته (٣) (٢ / ٢٢٨) ، عن فتاوي جلال الدين السيوطي أنّه سُئل عن صحّة هذه الرواية ، فأجاب بأنّها لم تصحّ. فقال : أي ، وهي تصدّق بأنّ ذلك لم يرد فهو من الكذب الموضوع. انتهى. ومرّ في الجزء الخامس في سلسلة الموضوعات ص (٣٢٢). قول ابن درويش الحوت : إنّه كذب شنيع.

__________________

(١) الأنعام : ١٤٤.

(٢) التوبة : ٤٢.

(٣) السيرة الحلبية : ٢ / ٢٠٦ ، الحاوي للفتاوي : ٢ / ١٨٤.

٥١٢

ختام المناقب

قال الجرداني في مصباح الظلام (١) (٢ / ٢٩):

فائدة : من كتب هذه الأسماء وغسل بها وجهه فإنّه لا يعمى ، ومن كتبها وشربها على الريق لا ينسى ، ومن كتبها وشربها لا يعجز عن النساء ، وهم : عثمان بن عفّان ، معاذ بن جبل ، عبد الرحمن بن عوف ، زيد بن ثابت ، أُبيّ بن كعب ، طلحة بن عبد الرحمن ، تميم الداري رضى الله عنهم.

قال الأميني : فليمتحن من لا يخاف عن العمى والنسيان والعنن. أضف إلى هذه الأساطير أو المخازي ما مرّ في الجزء الخامس من المناقب الموضوعة لعثمان خاصّة (ص ٣١٣ ، ٣٢٤ ، ٣٢٩).

منتهى القول

إلى هنا نُنهي القول عن فضائل عثمان التي اختلقتها وثّابة الشره ومُهملجة المطامع والشهوات في العصور الأمويّة طمعاً في رضائخ أُولئك المقعين على أنقاض عرش الخلافة ، وأكثر هؤلاء شاميّون أو بصريّون جُبلوا بحبّ العبشميّين ومناوأة سروات المجد من العترة الطاهرة صلوات الله عليهم ، فليس وضع تلكم الروايات عنهم ببعيد ، ولعلّ هناك من ضرائب ما ذكرناه أشياء لكن سبيلها سبيل هذه الطامّات في الأسانيد والمتون ومنشأ الكلّ هو المغالاة في الفضائل من غير تفهّم ولا رويّة.

ولعلّ القوم في عذر ممّا هم عليه من عدم الأخذ بآراء الحفّاظ وأئمّة الفنّ الواردة في باب الجرح والتعديل ، وعدم إجرائها في رجال تلكم المسانيد سلسلة

__________________

(١) مصباح الظلام : ٢ / ٧١ ح ٣٦٢.

٥١٣

البلايا والطامّات التي اتّخذوها حجّة في الفضائل ، وعلّوا عليها الدعوة إلى أُناس والتخذيل عن آخرين ، ولا مندوحة لأُولئك من رواية مرمّعات الحديث ، والأخذ بالموضوع المختلق ، لأنّهم إن جنحوا في باب الفضائل إلى الصحيح الثابت في التاريخ والحديث فحسب ، واقتصروا على ما صحّ منها ، وصفحوا عن الباطل المزيّف ، وتركوا كلّ تلكم التلفيقات المخزية ، لتبقى تلكم الصحائف السوداء بيضاء خالية فارغة عن كلّ مأثرة وفضيلة ، وهذا عزيز عليهم جدّا لا يحبّذه الحبّ الدفين ، ولا تسوّغه العصبيّة ، (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) (١) ، (فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً) (٢) ، (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) (٣) (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) (٤) ، (انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٥).

__________________

(١) الأنفال : ٤٨.

(٢) الفرقان : ٤.

(٣) غافر : ٥.

(٤) المجادلة : ١٨.

(٥) المائدة : ٧٥.

٥١٤

المغالاة في فضائل الخلفاء الثلاثة

أبي بكر ، عمر ، عثمان

لقد أوقفناك على شيء من الغلوّ الفاحش في كلّ فرد من هؤلاء ، وعرّفناك أنّ كلّ ما لفّقه القوم ورمّقه من الفضائل إنّما هي من مرمّعات الحديث لا يساعدها المعروف من نفسيّاتهم وملكاتهم ، ولا يتّفق معها ما سجّل لهم التاريخ من أفعال وتروك ، وهلمّ الآن إلى لون آخر ممّا تمنّته يد الافتعال يشملهم كلّهم ، ولا نكترث من ذلك إلاّ لما جاء بصورة الرواية دون الأقوال والكلمات ، فإنّ رمي القول على عواهنه ممّا لا نهاية له ، وما حدت إليه الأهواء والشهوات لا تقف على حدّ ، فنمرّ بما جاء به أمثال أبناء حزم وتيميّة والجوزي والجوزيّة وكثير وحجر ومن لفّ لفّهم من السلف والخلف كراماً ، فأنّى يسع لنا التبسّط تجاه مزعمة نظراء التفتازاني وأمثاله ، قال في شرح المقاصد (١) (٢ / ٢٧٩) : احتجّ أصحابنا على عدم وجوب العصمة بالإجماع على إمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضى الله عنهم مع الإجماع على أنّهم لم تجب عصمتهم ، وإن كانوا معصومين ، بمعنى أنّهم منذ آمنوا كان لهم ملكة اجتناب المعاصي مع التمكّن منها.

وقال أبو الثناء شمس الدين محمود الأصبهاني المتكلّم الشهير في مطالع الأنظار (ص ٤٧٠) : ولا يشترط فيه العصمة خلافاً للإسماعيلية والاثني عشريّة لنا : إمامة أبي بكر والأُمّة اجتمعت على كونه غير واجب العصمة لا أقول إنّه غير معصوم. انتهى. وأقرّ عصمة عثمان الحافظ نور محمد الأفغاني في كتابه تاريخ مزار شريف (ص ٤).

__________________

(١) شرح المقاصد : ٥ / ٢٤٩.

٥١٥

ونحن وضعنا أمامك صحائف من كتب أعمال هؤلاء المعصومين التي قضوا (١) أكثرها على العادات الجاهليّة ، وأوقفناك على أنّ ما طابق منها عهد الإسلام ممّا لا يمكن أن يكون صاحبه عادلاً فضلاً عن أن يُعدّ معصوماً ، وهاهنا لا نحاول أكثر من لفت نظر القارئ إلى تلكم الصحائف من غير توسّع نكرّره ، ففيما سبق في الجزء السادس والسابع والثامن من الطامّات والجنايات والأحداث والشنائع والفظائع وممّا لا تقرّره طقوس الإسلام ويشذّ عن سنن الكتاب والسنّة غنى وكفاية.

وأمّا ما استنتجه التفتازاني من الإجماعين فمن أفحش أغلاطه :

أمّا أوّلاً : فلمنع الإجماع في كلّ من الثلاثة ؛ فإنّ خلافة أبي بكر إنّما تمّت بعد وصمات سودّت صحيفة تاريخه ، وأبقت على الأُمّة عاراً إلى منصرم الدنيا ، لا تُنسى قطّ بمرّ الجديدين وكرّ الملوين ، إنّما تمّت ببيعة رجل أو رجلين أو خمسة ، ومن هنا حسبوا أنّ الخلافة تنعقد برجل أو رجلين أو خمسة (٢) مع تقاعد جمع كثير عنها من عمد الصحابة وأعيانهم ، كما فصّلناه في الجزء السابع (ص ٩٣) ثمّ لم يجمعهم مع القوم إلاّ الترعيد والترعيب ومحاشد الرجال وبروق الصوارم وكان من حشدهم اللهام رجال من الجنّ رموا سعد بن عبادة أمير الخزرج.

وأمّا خلافة عمر فكانت بالنصّ من أبي بكر مع إنكار الصحابة عليه ونقدهم إيّاه بذلك ، وكم أُناسٍ كانوا يشاركون طلحة في قوله لأبي بكر : ما تقول لربّك وقد ولّيت علينا فظّا غليظاً (٣).

وأمّا عثمان فنصبته الشورى على هنات بين رجال الشورى ، وعقد له

__________________

(١) أي : ارتكبوا.

(٢) راجع ما مرّ في الجزء السابع : ص ١٤١ ـ ١٤٣. (المؤلف)

(٣) مرّت كلمته في : ٧ / ١٥٢. وراجع الرياض النضرة : ١ / ١٨١ / [١ / ٢٢٤] ، كنز العمّال : ٦ / ٣٢٤ [٥ / ٦٧٨ ح ١٤١٧٨ و ١٤١٧٩]. (المؤلف)

٥١٦

عبد الرحمن بن عوف ولم يشترطوا كما قال الإيجي (١) إجماع من في المدينة فضلاً عن إجماع الأُمّة. نعم ؛ عقد عبد الرحمن البيعة لصاحبه وسيفه مسلول على رأس الإمام عليّ بن أبي طالب قائلاً له : بايع وإلاّ ضربت عنقك. ولحقه أصحاب الشورى قائلين : بايع وإلاّ جاهدناك. أنساب البلاذري (٢) (٥ / ٢٢).

والتمحّل بحصول الإجماع بعد ذلك تدريجاً لا يُجديهم نفعاً ، فإنّ الخلافة قد ثبتت عندهم بالبيعة الأولى فجاء متمّمو الإجماع بعد ذلك على أساس موطّد.

وأمّا ثانياً : فإنّ من الممكن على فرض التنازل مع التفتازاني أن يكون إجماعهم على خلافة الثلاثة لكونهم معصومين كما ينصّ به هو ، وأمّا الإجماع المنقول عنهم بعدم وجوب العصمة فممّا لا طريق إلى تحصيله من آراء الصحابة ، فمتى سبر التفتازاني نظريّات السلف وهم معدودون بمئات الألوف فعلم من نفسيّاتهم أنّهم لا يرون وجوب العصمة في خلفائهم وهم رهائن أطباق الثرى؟ ومن ذا الذي كان يسعه أن يعلمها فينهيها إلى التفتازاني وهلمّ جرّا إلى دور الصحابة؟ ومتى كانوا يتعاطون المسائل الكلاميّة ويتفاوضون عليها فيحفي هذا خبر ذاك ثمّ ينقله إلى ثالث إلى أن يتسلسل النقل فيشيع؟ والسابر لصحائف دور الخلافة الأولى منذ يوم السقيفة إلى يوم الشورى لا يجد لأمر العصمة في منتديات القوم ذكراً ولا يسمع منه ركزاً ، وإنّما اتّخذوا أمر الخلافة كملوكيّة يتسنّى لهم بها الحصول على أمن البلاد وحفظ الثغور وقطع السارق والاقتصاص من القاتل وما إلى هذه من لداتها كما فصّلنا القول فيه تفصيلاً (٧ / ١٣٦) وعلى ذلك جرى العلماء والمتكلّمون ، فليس لهم في الشروط النفسانيّة من العلم والتقوى والقداسة أخذ ولا ردّ إلاّ كلمات سلبيّة حول اشتراطها ، ومتى كانت الخلافة عند السلف إمرة دينيّة حتى يبحثوا عن حدودها؟ ولم تكن إلاّ سياسة وقتيّة مدبّرة بليل.

__________________

(١) مرّت كلمته في الجزء السابع : ص ١٤١. (المؤلف)

(٢) أنساب الأشراف : ٦ / ١٢٨.

٥١٧

وأمّا ثالثاً : فإنّا لا نحتجّ بالإجماع إلاّ بعد ثبوت حجيّته ، فإذا ثبتت فإنّها لا تختصّ بمورد دون آخر فيجب أن يكون حجّة في الخلافتين معاً من أبي بكر وعثمان ، ذلك على نصبه ، وهذا على استباحة قتله ، والنقض بخروج ثلاثة أو أربعة من ساقة الأمويّين أو ممّن يمت بهم ويحمل بين جنبيه نزعتهم في الإجماع على عثمان مقابلٌ بخروج أُمّة صالحة عن الإجماع الأوّل من أعيان الصحابة وفي طليعتهم سيّد العترة وإمام الأُمّة أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام والإمامان الحسنان والصدّيقة الطاهرة أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، إلى غيرهم من بني هاشم والعمد والدعائم من المهاجرين والأنصار ، ووفاقهم الأخير مشفوعاً بالترهيب لا يُعدّ وفاقاً ولا يكون متمّماً للإجماع ، فإنّهم كانوا مستمرّين على آرائهم وإن ألجأتهم الظروف وحذار وقوع الفرقة إن شهروا سيفاً وباشروا نضالاً إلى المغاضاة عن حقّهم الواضح والمماشاة مع القوم كيفما حلّوا وربطوا ، فهذا مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول بعد منصرم أيّام الثلاثة في رحبة الكوفة :

«أما والله لقد تقمّصها ابن أبي قحافة ، وإنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ، ينحدر عنّي السيل ولا يرقى إليّ الطير ، فسدلت دونها ثوباً ، وطويت عنها كشحاً ، وطفقت أرتئي بين أن أَصول بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربّه ، فرأيت أنّ الصبر على هاتا أحجى ، فصبرت وفي العين قذى ، وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهباً ، حتى مضى الأوّل لسبيله فأدلى بها إلى ابن الخطّاب بعده. ثمّ تمثّل بقول الأعشى :

شتّان ما يَوْمي على كورِها

ويومُ حيّانَ أخي جابر

فيا عجباً! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ، لشدّ ما تشطّرا ضرعيها ، فصيّرها في حوزة خشناء يغلُظ كلمها ، ويخشن مسّها ، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة ، إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس

٥١٨

لها تقحّم ، فَمُني الناس لعمر الله ـ بخبط وشماس ، وتلوّن واعتراض ، فصبرت على طول المدّة ، وشدّة المحنة ، حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أنّي أحدهم ، فيا لله وللشورى ، متى اعترض الريب فيّ مع الأوّل منهم حتى صرت أُقرن إلى هذه النظائر ، لكنّي أسففت إذا سفّوا وطرت إذا طاروا ، فصغا رجل منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره ، مع هنٍ وهنٍ ، إلى أن قام ثالث القوم نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه ، وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضمة الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث فتله ، وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته» (١).

تُعرب هذه الخطبة الشريفة عن رأيه عليه‌السلام في الخلافة ، وكلّ جملة منها تشهد على عدم العصمة المزعومة ، أو تمثّل أُولئك المعصومين للملإ بعُجرهم وبُجرهم ، أضف إليها

قوله عليه‌السلام من كتاب له إلى معاوية : «ذكرت إبطائي عن الخلفاء ، وحسدي إيّاهم ، والبغي عليهم ، فأمّا البغي فمعاذ الله أن يكون ، وأمّا الكراهة لهم فو الله ما أعتذر للناس من ذلك ، وذكرت بغيي على عثمان وقطعي رحمه فقد عمل عثمان بما قد علمت وعمل به الناس ما قد بلغك» (٢).

وقوله عليه‌السلام من خطبة له لمّا أراد المسير إلى البصرة : «إنّ الله لمّا قبض نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ استأثرت علينا قريش بالأمر ، ودفعتنا عن حقّ نحن أحقّ به من الناس كافّة ، فرأيت أنّ الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين وسفك دمائهم ، والناس حديثو عهد بالإسلام ، والدين يُمخض مخض الوطب يفسده أدنى وهن ، ويعكسه أقلّ خلق ، فولي الأمر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهاداً ، ثمّ انتقلوا إلى دار الجزاء ، والله وليّ تمحيص سيّئاتهم والعفو عن هفواتهم» (٣).

__________________

(١) راجع الجزء السابع : ص ٨١ ـ ٨٥. (المؤلف)

(٢) العقد الفريد : ٢ / ٢٨٦ [٤ / ١٣٨]. (المؤلف)

(٣) شرح ابن أبي الحديد : ١ / ١٠٢ [١ / ٣٠٨ الخطبة ٢٢]. (المؤلف)

٥١٩

وقوله عليه‌السلام : «إنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قُبض وما أرى أحداً أحقّ بهذا الأمر منّي ، فبايع الناس أبا بكر ، فبايعت كما بايعوا ، ثمّ إنّ أبا بكر هلك وما أرى أحداً أحقّ بهذا الأمر منّي ، فبايع الناس عمر بن الخطّاب ، فبايعت كما بايعوا ، ثمّ إنّ عمر هلك وما أرى أحداً أحقّ بهذا الأمر منّي ، فجعلني من ستّة أسهم ، فبايع الناس عثمان» (١).

وقوله عليه‌السلام يوم قال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له : اذهب فادع لي عليّا. فذهب إلى عليّ ، فقال : «ما حاجتك؟» فقال : يدعوك خليفة رسول الله. فقال عليّ : «لسريع ما كذبتم على رسول الله». فرجع فأبلغ الرسالة ، ثمّ قال أبو بكر : عُد إليه فقل له : أمير المؤمنين (٢) يدعوك لتبايع. فجاءه قنفذ فأدّى ما أُمر به ، فرفع عليّ صوته فقال : «سبحان الله لقد ادّعى ما ليس له». الحديث. الإمامة والسياسة (٣) (١ / ١٣).

إلى كلمات أخرى توقف الباحث على جليّة الحال.

فأين العصمة المزعومة؟ ثم أين الإجماع المدّعى عليه؟ وأنّى كان الإجماع على الخلافة؟ ومتى تحقّق؟ وإن تمّ الإجماع فيجب أن يحتجّ به في الخلافتين وصاحبيهما ، وإن أبطلناه ففيهما معاً.

ونحن لو اندفعنا إلى تفنيد أمثال هذه السفاسف المنبعثة عن الغلوّ في الفضائل لضاق بنا المجال عن السير في مواضيع الكتاب على أنّها غير مُبتنية على أُسس رصينة تستحقّ أخذاً بها أو ردّا عليها ، وإنّما ذكرنا هذه الأُسطورة فحسب لنعطيك شيئاً من نماذج تلكم الأقاويل المسطّرة بلا أيّ تعقّل وتدبّر ، فدونك شيئاً ممّا عزوه إلى الروايات من فضائل الثلاثة :

__________________

(١) تاريخ الطبري : ٥ / ١٧١ [٤ / ٤٥٨ حوادث سنة ٣٦ ه‍]. (المؤلف)

(٢) في المصدر : خليفة رسول الله.

(٣) الإمامة والسياسة : ١ / ١٩ ـ ٢٠.

٥٢٠