الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٩

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٣

وأنّهما لم يَريا حرجاً في إراقة دمه ، وقد استباحا عندئذ ما يحرم ارتكابه في المسلمين إلاّ أن يكون مهدور الدم بسبب من الأسباب الموجبة لذلك ، فلم يتركاه حتى أوديا به ، وكان لطلحة هنالك مواقف مشهودة ، فمنع عنه الماء الذي هو شرع سواء بين المسلمين ، وأنّه لم يردّ على عثمان لمّا سلّم عليه ومن الواجب شرعاً ردّ السلام على كلّ مسلم ، وقد منع عن دفنه ثلاثاً في مقابر المسلمين ، وقد أوجبت الشريعة الإسلاميّة المبادرة إلى دفن المسلم ، وقد أمر برمي الجنازة ورمي من يتولّى تجهيزها بالحجارة والمسلم حرمته ميتاً كحرمته حيّا ، فلم يرض طلحة بالأخير إلاّ دفنه في مقبرة اليهود حشّ كوكب. وهل لهذه الأعمال وجه بعد حفظ كرامة صحبتهما؟ والقول بعدالة الصحابة كلّهم؟ وقبول ما ورد في الرجلين أنّهما من العشرة المبشّرة؟ إلاّ أن يُقال : إنّهما كانا يريان القتيل خارجاً عن حوزة المسلمين ؛ وإلاّ لردعتهما الصحبة والعدالة والبشارة عن ارتكاب تلكم الأعمال في أيّ من ساقة المسلمين فضلاً عن خليفتهم.

ونحن في هذا المقام نقف موقف المحايد ، ولسنا هاهنا إلاّ في صدد بيان آراء الصحابة الأوّلين في عثمان ، وما أفضناه من رأيهما كان معروفاً عنهما في وقتهما ، ولم يزل كذلك في الأجيال المتأخّرة عنهما حتى العصر الحاضر ، إن كانت الآراء تُؤخذ من المصادر الوثيقة ، وكانت حرّة غير مشوبة بحكم العاطفة ، نزهة عن الميول والشهوات.

وأمّا ما أظهراه من التوبة بعد أن نكثا البيعة الصحيحة المشروعة فقد قدّمنا وجهها في (ص ١٠١) في طلحة ويشاركه في ذلك الزبير أيضاً. فقد قفّيا الحوبة بالحوبة لا بالتوبة حسبا ـ إن كانا يصدقان ـ أنّها تمحو السيّئة ، بل الحوبة الأخيرة أعظم عند الله ، فقد أراقا بها من الصفّين في واقعة الجمل دماءً تعدّ بالآلاف بريئة من دم عثمان.

وهتكا حرمة رسول الله بإخراج حشيّة من حشاياه من خدرها ، وقد

١٦١

نهى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نساءه عن ذلك ، وأوقفاها في محتشد العساكر وجبهة القتال الدامي ، وقصدا قتل إمام الوقت المفترض طاعته الواجب حفظه ، (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) (١) (وَاللهُ مِنْ وَرائِهِمْ مُحِيطٌ) (٢).

ـ ٧ ـ

حديث عبد الله بن مسعود

الصحابيّ البدريّ العظيم

مرّ في هذا الجزء (ص ٣ ـ ٦) شطر من أحاديثه المعربة عن رأيه السديد في عثمان وعمّا كان حاملاً بين جنبيه من الموجدة عليه ، وأنّه كان من الناقمين عليه يعيبه ويقدح فيه ، أفسد عليه العراق بذكر محدثاته ، وأخذه عثمان بذلك أخذاً شديداً وحبسه وهجره ومنعه عطاءه سنين وأمر به وأُخرج من مسجد رسول الله إخراجاً عنيفاً ، وضرب به الأرض فدقّ ضلعه وضربه أربعين سوطاً.

وكان ابن مسعود على اعتقاده السيّئ في الرجل مغاضباً له حتى لفظ نفسه الأخير وأوصى أن لا يصلّي عليه ، وفي الفتنة الكبرى (٣) (ص ١٧١) : روي أنّ ابن مسعود كان يستحلّ دم عثمان أيّام كان في الكوفة ، وهو كان يخطب الناس ، فيقول : إنّ شرّ الأُمور محدثاتها ، وكلّ محدث بدعة ، وكلّ بدعة ضلالة ، وكلّ ضلالة في النار (٤). يعرّض في ذلك بعثمان وعامله الوليد. انتهى.

هذا رأي ذلك الصحابيّ العظيم في الرجل ، فبأيّ تمحّل يتأتّى للباحث تقديس

__________________

(١) آل عمران : ١٦٧.

(٢) البروج : ٢٠.

(٣) المجموعة الكاملة لمؤلفات طه حسين : مج ٤ / ٣٦٦.

(٤) راجع : ص ٣ من هذا الجزء : (المؤلف)

١٦٢

عثمان بعد ما يستحلّ دمه أو يشدّد النكير عليه ويراه صاحب محدثات وبدع مثل ابن مسعود أشبه الناس هدياً ودلاّ وسمتاً بمحمد نبيّ العظمة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

ـ ٨ ـ

حديث عمّار بن ياسر

البدريّ العظيم الممدوح بالكتاب والسنّة

١ ـ من خطبة لعمّار خطبها يوم صفّين قال :

انهضوا معي عباد الله إلى قوم يزعمون أنّهم يطلبون بدم ظالم ، إنّما قتله الصالحون المنكرون للعدوان ، الآمرون بالإحسان ، فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم ولو درس هذا الدين : لم قتلتموه؟ فقلنا : لإحداثه ، فقالوا : إنّه لم يُحدِث شيئاً ، وذلك لأنّه مكّنهم من الدنيا ، فهم يأكلونها ويرعونها ، ولا يبالون لو انهدمت الجبال ، والله ما أظنّهم يطلبون بدم ، ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحلَوْها واستمرءوها ، وعلموا أنّ صاحب الحقّ لو وليهم لحال بينهم وبين ما يأكلون ويرعون منها. إنّ القوم لم يكن لهم سابقة في الإسلام يستحقّون بها الطاعة والولاية ، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا : قتل إمامنا مظلوماً ليكونوا بذلك جبابرة وملوكاً ، تلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ، ولولاها ما تابعهم من الناس رجل. إلخ.

وفي لفظ نصر بن مزاحم في كتاب صفّين : امضوا معي عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه ، الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله ، إنّما قتله الصالحون المنكرون للعدوان ... إلى آخره ، وله لفظ آخر يأتي بعيد هذا.

وفي لفظ الطبري في تاريخه : أيّها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء الذين يبغون دم

١٦٣

ابن عفّان ، ويزعمون أنّه قتل مظلوماً.

راجع (١) : كتاب صفّين لابن مزاحم طبع مصر (ص ٣٦١ ، ٣٦٩) ، تاريخ الطبري (٧ / ٢١) ، الكامل لابن الأثير (٣ / ١٢٣) ، شرح ابن أبي الحديد (١ / ٥٠٤) ، تاريخ ابن كثير (٧ / ٢٦٦) ، جمهرة الخطب (١ / ٨١).

٢ ـ خطب معاوية يوم وفد إليه وفد (٢) بعثه إليه أمير المؤمنين عليه‌السلام فقال :

أمّا بعد ؛ فإنّكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة ، فأمّا الجماعة التي دعوتم إليها فمعنا هي ، وأمّا الطاعة لصاحبكم فإنّا لا نراها ، إنّ صاحبكم قتل خليفتنا ، وفرّق جماعتنا ، وآوى ثأرنا وقتلتنا ، وصاحبكم يزعم أنّه لم يقتله ، فنحن لا نردّ ذلك عليه ، أرأيتم قتلة صاحبنا؟ ألستم تعلمون أنّهم أصحاب صاحبكم؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به ، ثمّ نحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة.

فقال له شبث بن ربعي : أيسرّك يا معاوية أنّك أُمكنت من عمّار تقتله؟ وفي لفظ ابن كثير : لو تمكّنت من عمّار أكنت قاتله بعثمان؟ فقال معاوية : وما يمنعني من ذلك؟ والله لو أُمكنت (٣) من ابن سميّة ما قتلته بعثمان رضى الله عنه ، ولكن كنت قاتله بناتل مولى عثمان.

فقال شبث : وإله الأرض وإله السماء ما عدلت معتدلاً ، لا والذي لا إله إلاّ هو ، لا تصل إلى عمّار حتى تندر الهام عن كواهل الأقوام ، وتضيق الأرض الفضاء عليك برحبها. إلخ.

__________________

(١) وقعة صفين : ص ٣١٩ و ٣٢٦ ، تاريخ الأُمم والملوك : ٥ / ٣٩ حوادث سنة ١٣٧ ه‍ ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٣٨٠ حوادث سنة ٣٧ ه‍ ، شرح نهج البلاغة : ٥ / ٢٥٢ خطبة ٦٥ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٩٦ حوادث سنة ٣٧ ه‍ ، جمهرة خطب العرب : ١ / ٣٥٧ خطبة ٢٤٥.

(٢) كان فيه : عديّ بن حاتم ، يزيد بن قيس ، شبث بن ربعي ، زياد بن حفصة. (المؤلف)

(٣) في لفظ ابن مزاحم : لو أمكنني صاحبكم من ابن سميّة. (المؤلف)

١٦٤

كتاب صفّين لابن مزاحم (ص ٢٢٣) ، تاريخ الطبري (٦ / ٣) ، الكامل لابن الأثير (٣ / ١٢٤) ، شرح ابن أبي الحديد (١ / ٣٤٤) ، تاريخ ابن كثير (٧ / ٢٥٧) ، جمهرة الخطب (١ / ١٥٨) (١).

٣ ـ أرسل أمير المؤمنين ابنه الحسن وعمّار بن ياسر إلى الكوفة ، فلمّا قدماها كان أوّل من أتاهما مسروق بن الأجدع فسلّم عليهما ، وأقبل على عمّار فقال : يا أبا اليقظان علام قتلتم عثمان رضى الله عنه؟ قال : على شتم أعراضنا ، وضرب أبشارنا (٢). فقال : والله ما عاقبتم بمثل ما عوقبتم به ، ولئن صبرتم لكان خيراً للصابرين.

فخرج أبو موسى ، فلقي الحسن فضمّه إليه ، وأقبل على عمّار فقال : يا أبا اليقظان أعدوت (٣) فيمن عدا على أمير المؤمنين ، فأحللت نفسك مع الفجّار؟ قال : لم أفعل ولم يسؤني ، فقطع عليهما الحسن ، فأقبل على أبي موسى فقال : «يا أبا موسى لم تُثبّط الناس عنّا؟ فو الله ما أردنا إلاّ الإصلاح ، وما مثل أمير المؤمنين يخاف على شيء» ، فقال : صدقت بأبي أنت وأُمّي ، ولكن المستشار مؤتمن ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «إنّها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم ، والقائم خير من الماشي ، والماشي خير من الراكب» ، وقد جعلنا الله عزّ وجلّ إخواناً وحرّم علينا أموالنا ودماءنا وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً) (٤) وقال عزّ وجلّ :

__________________

(١) وقعة صفّين : ص ١٩٨ ، تاريخ الأُمم والملوك : ٥ / ٦ حوادث سنة ٣٧ ه‍ ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٣٦٨ حوادث سنة ٣٧ ه‍ ، شرح نهج البلاغة : ٤ / ٢١ خطبة ٥٤ ، البدآية والنهاية : ٧ / ٢٨٧ حوادث سنة ٣٧ ه‍ ، جمهرة خطب العرب : ١ / ٣٣٣ خطبة ٢٢٤.

(٢) أبشار جمع البشرة : أعلى جلدة الوجه والجسد من الإنسان. (المؤلف)

(٣) شرح ابن أبي الحديد : غدوت فيمن غدا. (المؤلف)

(٤) النساء : ٢٩.

١٦٥

(وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ) (١) الآية. فغضب عمّار وساءه ، وقام وقال : يا أيّها الناس إنّما قال رسول الله له خاصّة : «أنت فيها قاعداً خير منك قائماً». وقام رجل من بني تميم فقال لعمّار : أُسكت أيّها العبد أنت أمس مع الغوغاء واليوم تسافه أميرنا. وثار زيد بن صوحان. الحديث (٢).

تاريخ الطبري (٥ / ١٨٧) ، شرح ابن أبي الحديد (٣ / ٢٨٥) ، الكامل لابن الأثير (٣ / ٩٧) (٣).

٤ ـ قال الباقلاني في التمهيد (ص ٢٢٠) : روي أنّ عمّاراً كان يقول : عثمان كافر. وكان يقول بعد قتله : قتلنا عثمان يوم قتلناه كافراً. وهذا سرف عظيم من خرج إلى ما هو دونه استحقّ الأدب من الإمام. فلعلّ عثمان انتهره وأدّبه لكثرة قوله : قد خلعت عثمان وأنا بريء منه ، فأدّى الأدب إلى فتق أمعائه ، ولو أدّى الأدب إلى تلف النفس لم يكن بذلك مأثوماً ولا مستحقّا للخلع ، فإمّا أن يكون ضربه باطلاً ، وإمّا أن يكون صحيحاً فيكون ردعاً وتأديباً ونهياً عن الإغراق والسرف ، وذلك صواب من فعل عثمان وهفوة من عمّار.

قال الأميني : هذه التمحّلات تضادّ ما صحّ وثبت عن النبيّ الأقدس في عمّار ، ونحن لا يسعنا تكذيب النبيّ الصادق الأمين تحفّظاً على كرامة أيّ ابن أُنثى فضلاً عن أن يكون من أبناء الشجرة المنعوتة في القرآن.

٥ ـ روى أبو مخنف ، عن موسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أبيه ، قال :

__________________

(١) النساء : ٩٣.

(٢) في هذا الحديث أشياء موضوعة حذف بعضها ابن الأثير في الكامل وزاد فيه أيضاً ، وهو من مكاتبات السري وكلّها باطل فيها دجل. (المؤلف)

(٣) تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٤٨٢ حوادث سنة ٣٦ ه‍ ، شرح نهج البلاغة : ١٤ / ١٩ خطبة ١ ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٣٢٧ حوادث سنة ٣٦ ه‍.

١٦٦

أقبلنا مع الحسن وعمّار بن ياسر من ذي قار ، حتى نزلنا القادسيّة ، فنزل الحسن وعمّار ، ونزلنا معهما ، فاحتبى عمّار بحمائل سيفه ، ثمّ جعل يسأل الناس عن أهل الكوفة وعن حالهم ، ثمّ سمعته يقول : ما تركت في نفسي حزّة أهمّ إليّ من ألاّ نكون نبشنا عثمان من قبره ثمّ أحرقناه بالنار.

شرح ابن أبي الحديد (١) (٣ / ٢٩٢).

٦ ـ جاء في محاورة وقعت بين عمّار بن ياسر وعمرو بن العاص ، فيما أخرجه نصر في كتابه : قال له عمرو : فما ترى في قتل عثمان؟ قال : فتح لكم باب كلّ سوء. قال عمرو : فعليٌّ قتله ، قال عمّار : بل الله ربّ عليٍّ قتله وعليٌّ معه. قال عمرو : أكنت فيمن قتله؟ قال : كنت مع من قتله وأنا اليوم أُقاتل معهم. قال عمرو : فلِمَ قتلتموه؟ قال عمّار : أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه. فقال عمرو : ألا تسمعون؟ قد اعترف بقتل عثمان. قال عمّار : وقد قالها فرعون قبلك لقومه ألا تستمعون؟ الحديث.

كتاب صفّين لابن مزاحم (ص ٣٨٤) ، شرح ابن أبي الحديد (٢ / ٢٧٣) (٢)

٧ ـ إنّ عمّار بن ياسر نادى يوم صفّين (٣) : أين من يبغي رضوان ربّه ولا يئوب إلى مال ولا ولد؟ قال : فأتته عصابة من الناس ، فقال : أيّها الناس اقصدوا بنا نحو هؤلاء القوم الذين يبغون دم عثمان ويزعمون أنّه قتل مظلوماً ، والله إن كان إلاّ ظالماً لنفسه ، الحاكم بغير ما أنزل الله.

كتاب صفّين (٤) (ص ٣٦٩).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١٤ / ١١ خطبة ١.

(٢) وقعة صفّين : ص ٣٣٨ ، شرح نهج البلاغة : ٨ / ٢٢ خطبة ١٢٤.

(٣) في شرح ابن أبي الحديد : ٢ / ٢٦٩ [٨ / ١٠ خطبة ١٢٤] : ناداه في صفّين قبل مقتله بيوم أو يومين. (المؤلف)

(٤) وقعة صفّين : ص ٣٢٦.

١٦٧

وفي الفتنة الكبرى (١) (ص ١٧١) : فقد روي أنّ عمّار بن ياسر كان يكفّر عثمان ويستحلّ دمه ويسمّيه نعثلاً.

قال الأميني : هذا الصحابي البطل الذي عرفته في صفحة (٢٠ ـ ٢٨) من هذا الجزء ؛ عمّار بن ياسر المعنيّ في عدّة آيات كريمة من الذكر الحكيم ، ومصبّ الثناء البالغ المتكرّر المستفيض من صاحب الرسالة ، من ذلك : أنّه مُلئ إيماناً من قرنه إلى قدمه ، وأنّه مع الحقّ والحقّ معه يدور معه أينما دار ، وأنّه ما عُرض عليه أمران إلاّ أخذ بالأرشد منهما ، وأنّه من نفر تشتاق إليهم الجنّة ، وأنّه جلدة بين عينيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّه تقتله الفئة الباغية ، فمعتقد هذا الرجل العظيم ، وهو متلفّع بهاتيك الفضائل كلّها في الخليفة ما تراه يكرّره من أنّه كان ظالماً لنفسه ، حاكماً بغير ما أنزل الله ، مريداً تغيير دين الله تغييراً أباح لهم قتله ، وأنّه قتله الصالحون ، المنكرون للعدوان ، الآمرون بالإحسان ، إلى ما لهذه من عقائد تركته جازماً بما نطق به ، مصرّا على ما ارتكبه ، معترفاً بأنّه كان مع المجهزين عليه ، متأسّفاً على ما فاته من نبش قبره وإحراقه بالنار ، فلم يبرح كذلك حتى أخذ يقاتل الطالبين بثاره مع قاتليه وخاذليه ، مذعناً بأنّ الثائرين له مبطلون يجب قتالهم فلم يفتأ على هذا المعتقد حتى قتلته الفئة الباغية ، أصحاب معاوية ، وقاتله وسالبه وباغضه في النار نصّا من النبيّ المختار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ـ ٩ ـ

حديث المقداد بن الأسود الكندي

فارس يوم بدر

قال اليعقوبي في تاريخه (٢) (٢ / ١٤٠) في بيعة عثمان واستخلافه : مال قوم مع عليّ ابن أبي طالب ، وتحاملوا في القول على عثمان ، فروى بعضهم قال : دخلت مسجد

__________________

(١) المجموعة الكاملة لمؤلّفات طه حسين : مج ٤ / ٣٦٦.

(٢) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٦٣.

١٦٨

رسول الله ، فرأيت رجلاً جاثياً على ركبتيه يتلهّف تلهّف من كأنّ الدنيا كانت له فَسُلِبها ، وهو يقول : وا عجباً لقريش ، ودفعهم هذا الأمر على (١) أهل بيت نبيّهم ، وفيهم أوّل المؤمنين ، وابن عمّ رسول الله ، أعلم الناس وأفقههم في دين الله ، وأعظمهم عناءً في الإسلام ، وأبصرهم بالطريق ، وأهداهم للصراط المستقيم ، والله لقد زووها عن الهادي المهتدي الطاهر النقيّ ، وما أرادوا إصلاحاً للأمّة ، ولا صواباً في المذهب ، ولكنّهم آثروا الدنيا على الآخرة ، فبعداً وسحقاً للقوم الظالمين.

فدنوت منه فقلت : من أنت يرحمك الله ، ومن هذا الرجل؟ فقال : أنا المقداد بن عمرو ، وهذا الرجل عليّ بن أبي طالب ، قال : فقلت : ألا تقوم بهذا الأمر فأعينك عليه؟ فقال : يا ابن أخي إنّ هذا الأمر لا يجزي فيه الرجل ولا الرجلان ، ثمّ خرجت ، فلقيت أبا ذر ، فذكرت له ذلك ، فقال : صدق أخي المقداد ، ثمّ أتيت عبد الله بن مسعود ، فذكرت ذلك له ، فقال : لقد أخبرنا فلم نألُ.

وذكر ابن عبد ربّه في العقد (٢) (٢ / ٢٦٠) في حديث بيعة عثمان : فقال عمّار بن ياسر ـ لعبد الرحمن ـ : إن أردت أن لا يختلف المسلمون فبايع عليّا ، فقال المقداد بن الأسود : صدق عمّار إن بايعت عليّا ، قلنا : سمعنا وأطعنا. قال ابن أبي سرح : إن أردت أن لا تختلف قريش فبايع عثمان ، إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا. فشتم عمّار بن أبي سرح وقال : متى كنت تنصح للمسلمين؟ فتكلّم بنو هاشم وبنو أُميّة ، فقال عمّار : أيّها الناس إنّ الله أكرمنا بنبيّنا وأعزّنا بدينه ، فأنّى تُصرفون هذا الأمر عن بيت نبيّكم؟ فقال له رجل من بني مخزوم : لقد عدوت طورك يا ابن سميّة ، وما أنت وتأمير قريش لأنفسها؟ فقال سعد بن أبي وقّاص : أفرغ قبل أن يفتتن الناس ، فلا تجعلنّ أيّها الرهط على أنفسكم سبيلا ، ودعا عليّا فقال : عليك عهد الله وميثاقه لتعملنّ بكتاب

__________________

(١) كذا في المصدر.

(٢) العقد الفريد : ٤ / ١٠٠.

١٦٩

الله وسنّة نبيّه وسيرة الخليفتين من بعده ، قال : «أعمل بمبلغ علمي وطاقتي». ثمّ دعا عثمان ، فقال : عليك عهد الله وميثاقه لتعملنّ بكتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة الخليفتين من بعده. فقال : نعم ، فبايعه. فقال عليّ «حبوته محاباة ليس ذا بأوّل يوم تظاهرتم فيه علينا ، أما والله ما ولّيت عثمان إلاّ ليردّ الأمر إليك ، والله كلّ يوم هو في شأن». فقال عبد الرحمن : يا عليّ لا تجعل على نفسك سبيلاً ، فإنّي قد نظرت وشاورت الناس ، فإذا هم لا يعدلون بعثمان أحداً ، فخرج عليّ وهو يقول : «سيبلغ الكتاب أجله» ، قال المقداد : أما والله لقد تركته من الذين يقضون بالحقّ وبه يعدلون ، فقال : يا مقداد والله لقد اجتهدت للمسليمن. قال : لئن كنت أردت بذلك الله فأثابك الله ثواب المحسنين. ثمّ قال المقداد : ما رأيت مثل ما أوتي أهل هذا البيت بعد نبيّهم ، ولا أقضى منهم بالعدل ، ولا أعرف بالحقّ ، أما والله لو أجد أعواناً. قال له عبد الرحمن : يا مقداد اتّق الله فإنّي أخشى عليك الفتنة.

وأخرج (١) الطبري نحوه في تاريخه (٥ / ٣٧) ، وذكره ابن الأثير في الكامل (٣ / ٢٩ ، ٣٠) ، وابن أبي الحديد في شرح النهج (١ / ٦٥).

وفي لفظ المسعودي في المروج (٢) (١ / ٤٤٠) : فقام عمّار في المسجد فقال : يا معشر قريش أمّا إذا صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيّكم هاهنا مرّة وهاهنا مرّة فما أنا بآمن أن ينزعه الله [منكم] فيضعه في غيركم كما نزعتموه من أهله ووضعتموه في غير أهله. وقام المقداد فقال : ما رأيت مثل ما أوذي به أهل هذا البيت بعد نبيّهم. فقال له عبد الرحمن بن عوف : وما أنت وذاك يا مقداد بن عمرو؟ فقال : إنّي والله لأُحبّهم بحبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنّ الحقّ معهم وفيهم ، يا عبد الرحمن أعجب من

__________________

(١) تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٢٣٢ حوادث سنة ٢٣ ه‍ ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٢٢٣ حوادث سنة ٢٣ ، شرح نهج البلاغة : ١ / ١٩٣ خطبة ٣.

(٢) مروج الذهب : ٢ / ٣٦٠. وما بين المعقوفين منه.

١٧٠

قريش ـ وإنّما تطوّلهم على الناس بفضل أهل هذا البيت ـ قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعده من أيديهم ، أما وايم الله يا عبد الرحمن لو أجد على قريش أنصاراً لقاتلتهم كقتالي إيّاهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم بدر. وجرى بينهم من الكلام خطب طويل قد أتينا على ذكره في كتابنا أخبار الزمان في أخبار الشورى والدار.

ومرّ في هذا الجزء (ص ١٧) : أنّ المقداد أحد الجمع الذين كتبوا كتاباً عدّدوا فيه أحداث عثمان وخوّفوه ربّه وأعلموه أنّهم مواثبوه إن لم يقلع. راجع حديث البلاذري (١) المذكور.

قال الأميني : لعلّك تعرف المقداد ومبلغه من العظمة ، ومبوّأه من الدين ، ومثواه من الفضيلة. قال أبو عمر : كان من الفضلاء النجباء الكبار الخيار. هاجر الهجرتين وشهد بدراً والمشاهد كلّها ، أوّل من حارب فارساً في الإسلام. كان فارساً يوم بدر ، ولم يثبت أنّه كان فيها على فرس غيره ، وهو عند القوم أحد السبعة الذين أظهروا الإسلام ، وأحد النجباء الأربعة عشر وزراء رسول الله ورفقائه (٢) سمّاه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوّاباً ، كما في حديث أخرجه أبو عمر في الاستيعاب.

وأنّى يسع للباحث أن يستكنه ما لهذا الصحابيّ العظيم من الفضائل ، أو يدرك شأوه وبين يديه قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الثناء عليه : «إنّ الله أمرني بحبّ أربعة ، وأخبرني أنّه يحبّهم : عليّ ، والمقداد ، وأبو ذر ، وسلمان» (٣).

__________________

(١) أنساب الأشراف : ٦ / ١٦٢.

(٢) مستدرك الحاكم : ٣ / ٣٤٨ ، ٣٤٩ [٣ / ٣٩١ ح ٥٤٨٤ و ٣٩٢ ح ٥٤٨٧] ، الاستيعاب : ١ / ٢٨٩ [القسم الرابع / ١٤٨١ رقم ٢٥٦١] ، أُسد الغابة : ٤ / ٤١٠ [٥ / ٢٥١ رقم ٥٠٦٩] ، الإصابة : ٣ / ٤٥٥ [رقم ٨١٨٣]. (المؤلف)

(٣) أخرجه الترمذي في جامعه [٥ / ٥٩٤ ح ٣٧١٨] ، وأبو عمر في الاستيعاب : ١ / ٢٩٠ [القسم الرابع / ١٤٨٢ رقم ٢٥٦١] ، وذكره ابن الأثير في أُسد الغابة : ٤ / ٤١٠ [٥ / ٢٥٢ رقم ٥٠٦٩] ، وابن حجر في الإصابة : ٣ / ٤٥٥ [رقم ٨١٨٣]. (المؤلف)

١٧١

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الجنّة تشتاق إلى أربعة : عليّ ، وعمّار ، وسلمان ، والمقداد» ، أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (١ / ١٤٢).

فهذا الرجل الدينيّ الذي يحبّه الله ويأمر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحبّه كان ناقماً على الخليفة واجداً على خلافته من أوّل يومه ، متلهّفاً على استخلافه تلهّف من كأنّ الدنيا كانت له فَسُلبها ، وكان يُثبّط الناس ويُخذّلهم عنه ، ويرى إمرته إمراً من الأمر (١) وإدّا ، يعتقدها ظلماً على أهل بيت العصمة ، ويستنجد أعواناً يقاتل بهم مستخلفيه كقتاله إيّاهم يوم بدر ، هذا رأيه في عثمان من يوم الشورى قبل بوائقه ، فكيف بعد ما شاهد منه من هنات وهنات؟

ـ ١٠ ـ

حديث حجر بن عدي الكوفي

سلام الله عليه وعلى أصحابه

إنّ معاوية بن أبي سفيان لمّا ولّى المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة (٤١) دعاه فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد ؛ فإنّ لذي الحلم قبل اليوم ما تُقرَع العصا ، وقد قال المتلمّس (٢) :

لذي الحلم قبل اليوم ما تُقرع العصا

وما عُلّم الإنسان إلاّ ليعلما

وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعليم ، وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة فأنا تاركها اعتماداً على بصرك بما يرضيني ، ويسعد سلطاني ، ويصلح به رعيّتي ، ولست تاركاً إيصاءك بخصلة : لا تتحمّ (٣) عن شتم عليٍّ وذمّه ، والترحّم على عثمان

__________________

(١) يقال : أمر إمر أي عجب منكر.

(٢) هو جرير بن عبد المسيح من بني ضبيعة ، توجد ترجمته في الشعر والشعراء لابن قتيبة : ص ٥٢ [ص ٩٩] ، وفي المؤتلف والمختلف : ص ٧١ ، ٢٠٢ ، ٢٠٧. (المؤلف)

(٣) كذا في المصدر ، والصحيح ظاهراً : لا تتحامَ ، من التحامي وهو التهيّب والتورع.

١٧٢

والاستغفار له والعيب على أصحاب عليٍّ والإقصاء لهم وترك الإسماع منهم ، وبإطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه والإدناء لهم والاستماع منهم. فقال المغيرة : قد جرّبت وجُرّبت وعملت قبلك لغيرك فلم يُذمم بي دفع ولا رفع ولا وضع ، فستبلو فتحمد أو تذمّ. ثمّ قال : بل نحمد إن شاء الله.

فأقام المغيرة بالكوفة عاملاً لمعاوية سبع سنين وأشهراً لا يدع ذمّ عليّ والوقوع فيه ، والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم ، والدعاء لعثمان بالرحمة والاستغفار له والتزكية لأصحابه ، فكان حُجر بن عدي إذا سمع ذلك قال : بل إيّاكم فذمّم الله ولعن. ثمّ قام فقال : إنّ الله عزّ وجلّ يقول : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ) (١) ، وأنا أشهد أنّ من تذمّون وتعيّرون لأحقّ بالفضل ، وأنّ من تزكّون وتُطهرون أولى بالذمّ. فيقول له المغيرة : يا حجر لقد رُمي بسهمك إذ كنت أنا الوالي عليك ، يا حجر ويحك اتّق السلطان ، اتّق غضبه وسطوته ، فإنّ غضبة السلطان أحياناً ممّا يهلك أمثالك كثيراً ، ثمّ يكفّ عنه ويصفح ، فلم يزل حتى كان في آخر إمارته ، قام المغيرة فقال في عليّ وعثمان كما كان يقول وكانت مقالته : اللهمّ ارحم عثمان بن عفّان وتجاوز عنه واجزه بأحسن عمله فإنّه عمل بكتابك واتّبع سنّة نبيّك صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجمع كلمتنا وحقن دماءنا وقُتل مظلوماً ، اللهمّ فارحم أنصاره وأولياءه ومحبّيه والطالبين بدمه ، ويدعو على قتلته. فقام حجر بن عدي فنعر نعرة بالمغيرة سمعها كلّ من كان في المسجد وخارجاً منه وقال : إنّك لا تدري بمن تولّع من هرمك أيّها الإنسان ، مُر لنا بأرزاقنا وأُعطياتنا فإنّك قد حبستها عنّا وليس ذلك لك ، ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلك ، وقد أصبحت بذمّ أمير المؤمنين وتقريظ المجرمين. قال : فقام معه أكثر من ثلثي الناس يقولون : صدق والله حجر وبرّ ، مُر لنا بأرزاقنا وأعطياتنا ، فإنّا لا ننتفع بقولك هذا ، ولا يجدي علينا شيئاً ، وأكثروا في مثل هذا القول ونحوه.

__________________

(١) النساء : ١٣٥.

١٧٣

إلى أن هلك المغيرة سنة (٥١) ، فجمعت الكوفة والبصرة لزياد بن أبي سفيان فأقبل حتى دخل القصر بالكوفة ثمّ صعد المنبر فخطب ثمّ ذكر عثمان وأصحابه فقرّظهم وذكر قتلته ولعنهم ، فقام حجر ففعل مثل الذي كان يفعل بالمغيرة.

قال محمد بن سيرين : خطب زياد يوماً في الجمعة فأطال الخطبة وأخّر الصلاة فقال له حجر بن عدي : الصلاة. فمضى في خطبته ثمّ قال : الصلاة. فمضى في خطبته ، فلمّا خشي حجر فوت الصلاة ضرب بيده إلى كفّ من الحصى وثار إلى الصلاة وثار الناس معه ، فلمّا رأى ذلك زياد نزل فصلّى بالناس ، فلمّا فرغ من صلاته كتب إلى معاوية في أمره وكثّر عليه فكتب إليه معاوية : أن شدّه في الحديد ثمّ احمله إليّ ، فلمّا أن جاء كتاب معاوية أراد قوم حجر أن يمنعوه فقال : لا ، ولكن سمع وطاعة. فشُدّ في الحديد ثمّ حُمل إلى معاوية [ثمّ] ساروا به وبأصحابه وهم :

١ ـ الأرقم بن عبد الله الكندي من بني الأرقم.

٢ ـ شريك بن شدّاد الحضرمي.

٣ ـ صيفي بن فسيل الشيباني.

٤ ـ قبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي.

٥ ـ كريم بن عفيف الخثعمي من بني عامر ثمّ من قحافة.

٦ ـ عاصم بن عوف البجلي.

٧ ـ ورقاء بن سميّ البجلي.

٨ ـ كدام بن حيّان العنزي.

٩ ـ عبد الرحمن بن حسّان العنزي.

١٠ ـ محرز بن شهاب التميمي من بني منقر.

١١ ـ عبد الله بن حوية السعدي من بني تميم.

وأتبعهم زياد برجلين وهما : عتبة بن الأخنس السعدي ، وسعيد بن نمران

١٧٤

الهمداني ، فمضوا بهم حتى انتهوا إلى مرج عذراء ـ بينها وبين دمشق اثنا عشر ميلاً ـ فحبسوا بها فجاء رسول معاوية إليهم بتخلية ستّة وبقتل ثمانية ، فقال لهم رسول معاوية : إنّا قد أُمرنا أن نعرض عليكم البراءة من عليّ واللعن له فإن فعلتم تركناكم ، وإن أبيتم قتلناكم ، وإنّ أمير المؤمنين يزعم أنّ دماءكم قد حلّت له بشهادة أهل مصركم عليكم غير أنّه قد عفا عن ذلك ، فابرؤوا من هذا الرجل نخلّ سبيلكم ، قالوا : اللهمّ إنّا لسنا فاعلي ذلك. فأمر بقبورهم فحفرت وأُدنيت أكفانهم ، وقاموا الليل كلّه يصلّون. فلمّا أصبحوا قال أصحاب معاوية : يا هؤلاء لقد رأيناكم البارحة قد أطلتم الصلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا : هو أوّل من جار في الحكم وعمل بغير الحقّ. فقال أصحاب معاوية : أمير المؤمنين كان أعلم بكم. ثمّ قاموا إليهم فقالوا : تبرءون من هذا الرجل؟ قالوا : بل نتولاّه ونتبرّأ ممّن تبرّأ منه. فأخذ كلّ رجل منهم رجلاً ليقتله وأقبلوا يقتلونهم واحداً واحداً حتى قتلوا ستّة وهم :

١ ـ حجر. ٢ ـ شريك. ٣ ـ صيفي. ٤ ـ قبيصة. ٥ ـ محرز. ٦ ـ كدام.

أخذنا من القصّة ما يهمّنا ذكره. راجع (١) : الأغاني لأبي الفرج (١٦ / ٢ ـ ١١) ، تاريخ الطبري (٦ / ١٤١ ـ ١٦٠) ، تاريخ ابن عساكر (٢ / ٣٧٠ ـ ٣٨١) ، الكامل لابن الأثير (٣ / ٢٠٢ ـ ٢١٠) ، تاريخ ابن كثير (٨ / ٤٩ ـ ٥٥).

قال الأميني : هذه نظريّة الصحابيّ العظيم حجر وأصحابه العظماء الصلحاء الأخيار في عثمان ، فكانوا يرونه أوّل من جار في الحكم وعمل بغير الحقّ ، وكان حجر يراه من المجرمين فيما جابه به المغيرة بالكوفة ، وقد بلغ هو وزملاؤه الأبرار من ذلك

__________________

(١) الأغاني ١٧/١٣٧ – ١٥٩ تاريخ الامم والملوك ٥/٢٥٣ – ٢٨٥ حوادث سنة ٥١هـ تاريخ مدينة دمشق ٨/٢١ ـ ٢٧ وقم ٥٨٨ وفي مختصر تاريخ دمشق ٤/٢٣٨ الكامل في التاريخ ٢/٤٨٨ حوادث سنة ٥١ هـ البداية والنهاية ٨/٥٤ ـ ٥٩ حوادث سنة ٥١ هـ

١٧٥

حدّا استساغوا القتل دون ما يرونه ، وأبوا أن يتحوّلوا عن عقائدهم ، وبرز الذين كُتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ، فاستمرؤوا جُرع الموت في سبيلها زعافاً ممقراً.

ـ ١١ ـ

حديث عبد الرحمن بن حسّان العنزي الكوفي

لمّا قُتل حجر بن عدي سلام الله عليه وخمسة من أصحابه رضوان الله عليهم ، قال عبد الرحمن بن حسّان وكريم بن عفيف الخثعمي ـ وكانا من أصحاب حجر ـ : ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين ، فنحن نقول في هذا الرجل مثل مقالته. فبعثوا إلى معاوية فأخبروه ، فبعث : ائتوني بهما. فالتفتا إلى حجر ، فقال له العنزي : لا تبعد يا حجر ولا يبعد مثواك ، فنعم أخو الإسلام كنت. وقال الخثعمي نحو ذلك ، ثمّ مضى بهما فالتفت العنزي ، فقال متمثّلاً :

كفى بشفاة القبر بُعداً لهالك

وبالموت قطّاعاً لحبلِ القرائن

فلمّا دخل عليه الخثعمي قال له : الله الله يا معاوية إنّك منقول من هذه الدار الزائلة إلى الدار الآخرة الدائمة ، ومسؤول عمّ أردت بقتلنا وفيم سفكت دماءنا. فقال : ما تقول في عليّ؟ قال : أقول فيه قولك ، أتتبرّأ من دين عليّ الذي كان يدين الله به؟ وقام شمر بن عبد الله الخثعمي فاستوهبه ، فقال : هو لك ، غير أنّي حابسه شهراً ، فحبسه ، ثمّ أطلقه على أن لا يدخل الكوفة ما دام له سلطان ، فنزل الموصل فكان ينتظر موت معاوية ليعود إلى الكوفة ، فمات قبل معاوية بشهر.

وأقبل على عبد الرحمن بن حسّان ، فقال له : يا أخا ربيعة ما تقول في عليّ؟ قال : أشهد أنّه من الذاكرين الله كثيراً والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر

١٧٦

والعافين عن الناس. قال : فما تقول في عثمان؟ قال : هو أوّل من فتح أبواب الظلم ، وأرتج أبواب الحقّ. قال : قتلت نفسك. قال : بل إيّاك قتلت ، لا ربيعة بالوادي ـ يعني أنّه ليس ثمّ أحد من قومه فيتكلّم فيه ـ فبعث به معاوية إلى زياد ، وكتب إليه : إنّ هذا شرّ من بعثت به ، فعاقبه بالعقوبة التي هو أهلها ، واقتله شرّ قتلة. فلمّا قدم به على زياد بعث به إلى قُسّ الناطف (١) ، فدفنه حيّا.

الأغاني لأبي الفرج (١٦ / ١٠) ، تاريخ الطبري (٦ / ١٥٥) ، تاريخ ابن عساكر (٢ / ٣٧٩) ، الكامل لابن الأثير (٣ / ٢٠٩) (٢).

قال الأميني : أنظر إلى تصلّب الرجل الدينيّ في معتقده في حقّ الرجلين : عليّ أمير المؤمنين ، وعثمان ، وكيف بلغ من ذلك حدّا استباح فيه أن يراق دمه دون أن يعدل عمّا عقد عليه ضميره ، وأخبتت إليه نفسه ، وكان يرى من واجبه الإشادة بما ذكر وإن أُريق عليه دمه الطاهر ، وأُسيلت نفسه الزكيّة.

ـ ١٢ ـ

حديث هاشم المرقال

خرج يوم صفّين ـ من عسكر معاوية ـ فتىً شابّ وهو يقول :

أنا ابن أرباب الملوك غسّانْ

والدائنُ اليومَ بدينِ عثمانْ

أنبأنا أقوامنا بما كانْ

أنَّ علياً قَتَل ابن عفّانْ

__________________

(١) هو موضع قريب من الكوفة على شاطئ الفرات الشرقي. معجم البلدان : ٤ / ٣٤٩.

(٢) الأغاني : ١٧ / ١٥٦ ، تاريخ الأُمم والملوك : ٥ / ٢٧٦ حوادث سنة ٥١ ه‍ ، تاريخ مدينة دمشق : ٨ / ٢٦ ـ ٢٧ رقم ٥٨٨ ، وفي تهذيب تاريخ دمشق : ٢ / ٣٨٢ ـ ٣٨٣ ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٤٩٨ حوادث سنة ٥١ ه‍.

١٧٧

ثمّ شدّ فلا ينثني يضرب بسيفه ، ثمّ جعل يلعن عليّا ويشتمه ويسهب في ذمّه ، فقال له هاشم بن عتبة : إنّ هذا الكلام بعده الخصام ، وإن هذا القتال بعده الحساب. فاتّق الله فإنّك راجع إلى ربّك فسائلك عن هذا الموقف وما أردت به ، قال : فإنّي أقاتلكم لأنّ صاحبكم لا يصلّي كما ذُكر لي ، وأنّكم لا تصلّون ، وأُقاتلكم أنّ صاحبكم قتل خليفتنا وأنتم وازرتموه على قتله. فقال له هاشم : وما أنت وابن عفّان؟ إنّما قتله أصحاب محمد وقرّاء الناس حين أحدث أحداثاً وخالف حكم الكتاب ، وأصحاب محمد هم أصحاب الدين ، وأولى بالنظر في أُمور المسلمين ، وما أظنّ أنّ أمر هذه الأُمّة ولا أمر هذا الدين عناك طرفة عين قطّ. قال الفتى : أجل أجل والله لا أكذب فإنّ الكذب يضرّ ولا ينفع ، ويشين ولا يزين. فقال له هاشم : إنّ هذا الأمر لا علم لك به فخلّه وأهل العلم به ، قال : أظنّك والله قد نصحتني ، وقال له هاشم : وأمّا قولك : إنّ صاحبنا لا يصلّي ، فهو أوّل من صلّى مع رسول الله ، وأفقهه في دين الله ، وأولاه برسول الله ، وأمّا من ترى معه فكلّهم قارئ الكتاب ، لا ينامون الليل تهجّداً ، فلا يغررك عن دينك الأشقياء المغرورون. قال الفتى : يا عبد الله إنّي لأظنّك امرأً صالحاً ، وأظنّني مخطئاً آثماً ، أخبرني هل تجد لي من توبة؟ قال : نعم ، تب إلى الله يتب عليك ؛ فإنّه يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ، ويحبّ التوّابين ويحبّ المتطهّرين. الحديث (١).

قال الأميني : هذا هاشم المرقال الصحابيّ المقدّس ، وبطل الدين العظيم ، وهذا رأيه في عثمان وهو يبوح به في موقف قتال حصل من جرّاء قتله ، مبرّراً فيه عمل المجهزين عليه ، ويرى أنّه خالف حكم الكتاب وأحدث أحداثاً أباحت لأصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قتله وأنّ من قتله هم أهل الدين والقرآن.

__________________

(١) كتاب صفّين لابن مزاحم طبعة مصر : ص ٤٠٢ [ص ٣٥٤] ، تاريخ الطبري : ٦ / ٢٣ [٥ / ٤٣ حوادث سنة ٣٧ ه‍] ، شرح ابن أبي الحديد : ٢ / ٢٧٨ [٨ / ٣٥ خطبة ١٢٤] ، الكامل لابن الأثير : ٣ / ١٣٥ [٢ / ٣٨٤ حوادث سنة ٣٧ ه‍]. (المؤلف)

١٧٨

ـ ١٣ ـ

حديث جهجاه بن سعيد الغفاري

ممّن بايع تحت الشجرة (١)

ورد من طريق أبي حبيبة أنّه قال : خطب عثمان الناس ، فقام إليه جهجاه الغفاري : فصاح : يا عثمان ألا إنّ هذه شارف (٢) قد جئنا بها ، عليها عباءة وجامعة ، فانزل فلندرّعك العباءة ، ولنطرحك في الجامعة ولنحملك على الشارف ، ثمّ نطرحك في جبل الدخان. فقال عثمان : قبّحك الله وقبّح ما جئت به. قال أبو حبيبة : ولم يكن ذلك منه إلاّ عن ملأً من الناس ، وقام إلى عثمان خيرته وشيعته من بني أُميّة فحملوه فأدخلوه الدار.

وجاء من طريق عبد الرحمن بن حاطب قال : أنا أنظر إلى عثمان يخطب على عصا النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي كان [يخطب] (٣) عليها وأبو بكر وعمر ، فقال له جهجاه : قم يا نعثل فانزل عن هذا المنبر. وأخذ العصا فكسرها على ركبته اليمنى ، فدخلت شظيّة منها فيها ، فبقي الجرح حتى أصابته الأكلة فرأيتها تدود ، فنزل عثمان وحملوه وأمر بالعصا فشدّوها فكانت مضبّبة ، فما خرج بعد ذلك اليوم إلاّ خرجة أو خرجتين حتى حُصر فقتل.

وفي لفظ البلاذري : خطب عثمان في بعض أيّامه فقال له جهجاه بن سعيد الغفاري : يا عثمان انزل ندرّعك عباءة ونحملك على شارف من الإبل إلى جبل الدخان كما سيّرت خيار الناس ، فقال له عثمان : قبّحك الله وقبّح ما جئت به ، وكان جهجاه متغيّظاً على عثمان ، فلمّا كان يوم الدار دخل عليه ومعه عصاً كان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتخصّر

__________________

(١) الاستيعاب : [القسم الأوّل / ٢٦٨ رقم ٣٥٢] ، أُسد الغابة : [١ / ٣٦٥ رقم ٨١٨] ، الإصابة : [١ / ٢٥٣ رقم ١٢٤٥]. (المؤلف)

(٢) الشارف من النوق : المسنّة الهرمة.

(٣) من تاريخ الطبري.

١٧٩

بها فكسرها على ركبته فوقعت فيها الأكلة.

راجع (١) : الأنساب للبلاذري (٥ / ٤٧) ، تاريخ الطبري (٥ / ١١٤) ، الاستيعاب في ترجمة جهجاه ، الكامل لابن الأثير (٣ / ٧٠) ، شرح ابن أبي الحديد (١ / ١٦٥) ، الرياض النضرة (٢ / ١٢٣) ، تاريخ ابن كثير (٧ / ١٧٥) ، الإصابة (١ / ٢٥٣) ، تاريخ الخميس (٢ / ٢٦٠).

قال الأميني : جهجاه من أهل بيعة الشجرة الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه بنصّ الذكر الحكيم وهو يستبيح خلع عثمان ونفيه وتشهيره ملفوفاً بعباءة مكبّلاً بالحديد إلى جبل الدخان ، ولا يتحرّج من هتكه وكسر مخصرته ، وإنّما قال ما قاله وفعل ما فعل بمحضر من المهاجرين والأنصار ، فلم يؤاخذه على ذلك أحد منهم ولا ردّ عليه رادّ ، فكأنّه كان يُخبر عن صميم أفئدتهم ، وأظهر ما أضمروه ، وجاء بما أحبّوه حتى قضى ما كان مقتضياً.

إنّ حدوث الجرح في ركبة جهجاه لولوج شيء من كسرات العصا فيها المتحوّل أُكلة إن صحّ فمن ولائد الاتفاق وليس بكرامة للقتيل ، كما أنّ وقوع عبد الله ابن أبي ربيعة المخزومي والي عثمان على اليمن من مركبه وموته وقد جاء لنصرة عثمان لم يكن نقمة ولا نكبة له. قال أبو عمر وغيره : جاء عبد الله المخزومي لينصره لمّا حُصر فسقط عن راحلته بقرب مكة فمات (٢).

وقال البلاذري في الأنساب (٣) (٥ / ٨٧) : أقبل عبد الله المخزومي وكان عامله

__________________

(١) أنساب الأشراف : ٦ / ١٦٠ ، تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٣٦٦ حوادث سنة ٣٥ ه‍ ، الاستيعاب : القسم الأوّل / ٢٦٩ رقم ٣٥٢ ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٢٨٧ حوادث سنة ٣٥ ه‍ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ١٤٩ خطبة ٣ ، الرياض النضرة : ٣ / ٥٥ ، البداية والنهاية : ٧ / ١٩٧ حوادث سنة ٣٥ ه‍.

(٢) الاستيعاب : ١ / ٣٥١ [القسم الثالث / ٨٩٧ رقم ١٥٢٨] ، أُسد الغابة : ٣ / ١٥٥ [٣ / ٢٣٣ رقم ٢٩٣٧] ، الإصابة : ٢ / ٣٠٥ [رقم ٤٦٧١]. (المؤلف)

(٣) أنساب الأشراف : ٦ / ٢٠٧.

١٨٠