الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٩

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٣

النسائي : ضعيف.

تهذيب التهذيب (١) (٣ / ٢٥٦).

٤ ـ أخرج أحمد (٢) ؛ من طريق سنان بن هارون ، عن كليب بن وائل ، عن ابن عمر ، قال : ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتنة ، فقال : يُقتل فيها هذا المقنّع يومئذٍ مظلوماً. فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان.

تاريخ ابن كثير (٣) (٧ / ٢٠٨).

سنان بن هارون : كوفي ، قال النسائي : ضعيف. وقال الساجي : ضعيف منكر الأحاديث. وقال ابن حبّان (٤) : منكر الحديث جداً يروي المناكير عن المشاهير (٥) ، وكليب بن وائل ضعّفه أبو زرعة كما في تهذيب التهذيب (٦) (٨ / ٤٤٧).

٥ ـ أخرج أحمد في المسند (٧) (٢ / ٣٤٥) من طريق موسى بن عقبة ، قال : حدّثني جدّي أبو أُمّي أبو حبيبة أنّه دخل الدار وعثمان محصور فيها ، وأنّه سمع أبا هريرة يستأذن عثمان في الكلام ، فأذن له ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنّي سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : إنّكم تلقون بعدي فتنة واختلافاً ـ أو قال : اختلافاً وفتنة ـ ، فقال له قائل من الناس : فمن لنا يا رسول الله؟ قال : عليكم بالأمين وأصحابه ، وهو يشير إلى عثمان بذلك. وذكره ابن كثير في تاريخه (٨) (٧ / ٢٠٩) فقال :

__________________

(١) تهذيب التهذيب : ٣ / ٢٢١.

(٢) مسند أحمد : ٢ / ٢٦١ ح ٥٩١٧.

(٣) البداية والنهاية : ٧ / ٢٣٤ حوادث سنة ٣٥ ه‍.

(٤) كتاب المجروحين ١ / ٣٥٤.

(٥) تهذيب التهذيب : ٤ / ٢٤٣ [٤ / ٢١٣]. (المؤلف)

(٦) تهذيب التهذيب : ٨ / ٤٠١.

(٧) مسند أحمد : ٣ / ١٨ ح ٨٣٣٦.

(٨) البداية والنهاية : ٧ / ٢٣٤ حوادث سنة ٣٥ ه‍.

٣٦١

تفرّد به أحمد وإسناده جيّد حسن ، ولم يخرجوه من هذا الوجه.

نحن لا نعرف جودة هذا الإسناد وحسنه وفيه جدّ أُم موسى وهو نكرة لا يُعرف ولا يوجد له قطّ ذكر في المعاجم. وهل من المعقول عزو هذه الرواية إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو جدّ عليم بأنّ أصحاب عثمان هم مروان ومن يشاكله في العيث والفساد حشوة بني أُميّة ، حثالة أُمّته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ أفمن الجائز أن يوصي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُمّته باتّباع أُولئك الخابلين خلاف وجوه صحابته وعدولهم المتجمهرين على عثمان؟ حاشا نبيّ العظمة عن هذه الأفائك.

٦ ـ أخرج الترمذي (١) : عن طريق سعيد الجريري (٢) ، عن عبد الله بن شقيق ، عن عبد الله بن حوالة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف أنت وفتنة تكون في أقطار الأرض؟ قلت : ما خار الله لي ورسوله. قال : اتّبع هذا الرجل فإنّه يومئذ ومن اتّبعه على الحقّ قال : فاتّبعته ، فأخذت بمنكبه ففتلته ، فقلت : هذا يا رسول الله؟ فقال : نعم. فإذا هو عثمان بن عفّان.

وأخرجه أحمد في المسند (٣) (٤ / ١٠٩) ، من طريق سعيد الجريري ، بالإسناد المذكور ولفظه : كيف تفعل في فتنة تخرج في أطراف الأرض كأنّها صياصي بقر (٤)؟ قلت : لا أدري ما خار الله لي ورسوله ، قال : وكيف تفعل في أخرى تخرج بعدها كأنّ الأولى فيها انتفاحة أرنب؟ قلت : لا أدري ما خار الله لي ورسوله ، قال : اتّبعوا هذا. قال : ورجل مقفّىً حينئذٍ ، قال : فانطلقت فسعيت وأخذت بمنكبيه فأقبلت بوجهه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت : هذا؟ قال : نعم. قال : وإذا هو عثمان بن عفّان رضى الله عنه.

قال الأميني : ستوافيك ترجمة سعيد الجريري في حديث (٢٥) من مناقب عثمان

__________________

(١) سنن الترمذي : ٥ / ٥٨٦ ح ٣٧٠٤.

(٢) زاد ابن كثير [٧ / ٢٣٥ حوادث سنة ٣٥ ه‍] هاهنا في الإسناد : عبد الله بن سفيان. (المؤلف)

(٣) مسند أحمد : ٥ / ٨٢ ح ١٦٥٥٦.

(٤) صياصي البقر : قرونها.

٣٦٢

وأنّ روايته لا تصحّ لاختلاله ثلاث سنين. وأمّا عبد الله بن شقيق المنتهي إليه أسانيد الرواية فهو من تابعي أهل البصرة ، قال ابن سعد في الطبقات (١) : كان عثمانيّا وكان ثقة. وقال يحيى بن سعيد : كان سليمان التيمي سيّئ الرأي في عبد الله. وقال أحمد بن حنبل : ثقة وكان يحمل على عليّ. وقال ابن معين : ثقة من خيار المسلمين ، وقال ابن خراش : كان ثقة وكان عثمانيّا يبغض عليّا (٢).

ألا تعجب من توثيق الحفّاظ هذا الرجل المتحامل على عليّ أمير المؤمنين ومبغضه وعدّه من خيار المسلمين وبين أيدينا قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصحيح الثابت : «لا يحبّ عليّا منافق ولا يبغضه مؤمن» ، و «لا يحبّه إلاّ مؤمن ولا يبغضه إلاّ منافق» ، وقول عليّ أمير المؤمنين الوارد في الصحيح : «والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبيّ الأُميّ إليّ أنّه لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق» ، وقوله : «لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني ، ولو صببت الدنيا بجمّاتها على المنافق على أن يحبّني ما أحبّني». الحديث. وثبت عن غير واحد من الصحابة قولهم : ما كنّا نعرف المنافقين إلاّ ببغض عليّ بن أبي طالب (٣).

وجاء في الصحيح مرفوعاً : «لو أنّ رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلّى وصام ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد دخل النار» (٤).

وفي حديث : «لو أنّ عبداً عبد الله سبعة آلاف سنة ثم أتى الله عزّ وجلّ ببغض عليّ جاحداً لحقّه ناكثاً لولايته لأتعس الله خيره وجدع أنفه».

وفي حديث : «لو أنّ عبداً عبد الله عزّ وجلّ مثل ما قام نوح في قومه وكان له مثل أُحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله ومدّ في عمره حتى حجّ ألف عام على قدميه ثم قُتل

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ٧ / ١٢٦.

(٢) تهذيب التهذيب : ٥ / ٢٥٤ [٥ / ٢٢٣ وانظر أيضاً تهذيب الكمال : ٥ / ٨٩ رقم ٣٣٣٣]. (المؤلف)

(٣) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث : ص ١٨٢ ـ ١٨٧. (المؤلف)

(٤) راجع ما مرّ في الجزء الثاني : ص ٣٠١. (المؤلف)

٣٦٣

بين الصفا والمروة مظلوماً ثمّ لم يُوالِك يا عليّ لم يشمّ رائحة الجنّة ولم يدخلها».

وفي حديث : «لو أنّ عبداً من عباد الله عزّ وجلّ عبد الله ألف عام بين الركن والمقام ثمّ لقي الله عزّ وجلّ مبغضاً لعليّ وعترتي أكبّه الله على منخره يوم القيامة في نار جهنّم».

وفي حديث : «يا عليّ لو أنّ أُمّتي صاموا حتى يكونوا كالحنايا وصلّوا حتى يكونوا كالأوتار ثم أبغضوك لأكبّهم الله في النار» (٥).

وفي الصحيح على شرط الشيخين مرفوعاً : «من أحبّ عليّا فقد أحبّني ومن أبغض عليّا فقد أبغضني» (٦).

وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم (٧) (٣ / ١٣٥) مرفوعاً : «يا عليّ طوبى لمن أحبّك وصدق فيك ، وويل لمن أبغضك وكذب فيك».

وفي حديث مرفوعاً : أرسل رسول الله الأنصار ، فأتوه ، فقال لهم : «يا معشر الأنصار ألا أدلّكم على ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعده أبداً؟» قالوا : بلى يا رسول الله. قال : «هذا عليّ فأحبّوه بحبّي ، وأكرموه بكرامتي ، فإنّ جبريل أمرني بالذي قلت لكم عن الله عزّ وجلّ» (٨).

وفي حديث مرفوعاً : «إنّ عليّا راية الهدى ، وإمام أوليائي ، ونور من أطاعني ، وهو الكلمة التي ألزمتها المتّقين ، من أحبّه أحبّني ، ومن أبغضه أبغضني» (٩).

__________________

(٥) مرّت هذه الأحاديث بمصادرها في الجزء الثاني : ص ٣٠١ ، ٣٠٢. (المؤلف)

(٦) المستدرك للحاكم : ٣ / ١٣٠ [٣ / ١٤١ ح ٤٦٤٨]. (المؤلف)

(٧) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٤٥ ح ٤٦٥٧.

(٨) حلية الأولياء لأبي نعيم : ١ / ٦٣. (المؤلف)

(٩) حلية الأولياء : ١ / ٦٧. (المؤلف)

٣٦٤

وفي مرفوع : «ألا من أبغض هذا ـ يعني عليّا ـ فقد أبغض الله ورسوله ، ومن أحبّ هذا فقد أحبّ الله ورسوله».

وفي حديث مرفوعاً : «هذا جبريل يخبرني أنّ السعيد حقّ السعيد من أحبّ عليّا في حياته وبعد موته ، وأنّ الشقيّ كلّ الشقيّ من أبغض عليّا في حياته وبعد موته».

إلى أحاديث مرّت في الجزء الثالث (ص ٢٦).

وقبل هذه كلّها قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) (١). وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا) (٢). وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) (٣). راجع الجزء الثاني فيما ورد في هذه الآيات الكريمة.

ولا تنسَ دعاء النبيّ الأعظم يوم الغدير في ذلك المحتشد الرحيب بقوله : «اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، اللهمّ من أحبّه من الناس فكن له حبيباً ، ومن أبغضه فكن له مبغضاً».

وفي لفظ : «اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وابغض من أبغضه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله».

وفي لفظ : «اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، وأعن من أعانه ، وأحبّ من أحبّه».

وفي لفظ : «اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وأحبّ من أحبّه ، وابغض

__________________

(١) الشورى : ٢٣.

(٢) مريم : ٩٦.

(٣) البيّنة : ٧.

٣٦٥

من أبغضه ، وانصر من نصره ، وأعزّ من أعزّه ، وأعن من أعانه».

وهناك ألفاظ أخرى مرّت في الجزء الأوّل من كتابنا هذا.

فعبدالله بن شقيق أخذاً بمجامع تلكم النصوص شهادة الله ورسوله ، منافق شقيّ عدوّ لله ولرسوله يبغضه المولى سبحانه ، لا خير فيه ولا في حديثه ، لا يُقبل قوله ولا يُصدّق في روايته ، أتعس الله خيره وجدع أنفه ، وأكبّه على منخره يوم القيامة في نار جهنّم. دع الحفّاظ يقولون : ثقة من خيار المسلمين.

٧ ـ أخرج أحمد في المسند (٤) (٥ / ٣٣ ، ٣٥) من طريق عبد الله بن شقيق البصري ، قال : حدّثني هرم بن الحارث وأسامة بن خزيم ، عن مرّة البهزي ، قال : بينما نحن مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في طريق من طرق المدينة ، فقال : كيف تصنعون في فتنة تثور في أقطار الأرض كأنّها صياصي بقر؟ قالوا : نصنع ما ذا يا رسول الله؟ قال : عليكم هذا وأصحابه ـ أو : اتبعوا هذا وأصحابه ـ قال : فأسرعت حتى عييت فأدركت الرجل فقلت : هذا يا رسول الله؟ قال : هذا. فإذا هو عثمان بن عفّان. فقال : هذا وأصحابه.

عرفت عبد الله بن شقيق ، وأنّه منافق لا يُؤخذ بحديثه ولا يُعوّل عليه إن صدّقنا النبي الأقدس فيما جاء به.

٨ ـ أخرج أحمد في المسند (٥) (٦ / ٧٥) ؛ من طريق فرج بن فضالة ، بإسناده عن عائشة ، قالت : كنت عند النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا عائشة لو كان عندنا من يحدّثنا ، قالت : قلت : يا رسول الله ألا أبعث إلى أبي بكر؟ فسكت ، ثم قال : لو كان عندنا من يحدّثنا ، فقلت : ألا أبعث إلى عمر ، فسكت ، قالت : ثمّ دعا وصيفاً بين يديه فسارّه فذهب ،

__________________

(٤) مسند أحمد : ٦ / ١٠ ح ١٩٨٤٠ و ١٣ ح ١٩٨٥٩.

(٥) مسند أحمد : ٧ / ١١١ ح ٢٣٩٤٥.

٣٦٦

قالت : فإذا عثمان يستأذن ، فأذن له ، فدخل فناجاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طويلاً ثمّ قال : يا عثمان إنّ الله عزّ وجلّ مقمّصك قميصاً فإن أرادك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه لهم ولا كرامة. يقولها له مرّتين أو ثلاثاً. وأخرجه الحاكم في المستدرك (١) (٣ / ١٠٠) من طريق فرج بن فضالة وقال : هذا حديث صحيح عالي الإسناد ولم يخرجاه. وعقّبه الذهبي في تلخيصه فقال : أنّى له الصحّة ومداره على فرج بن فضالة؟

أقول : فرج بن فضالة متّفق على ضعفه وعدم الاحتجاج به ، وستوافيك ترجمته في الحديث ال (١٧) من مناقب عثمان في هذا الجزء إن شاء الله.

وأخرج أحمد في مسنده (٢) (٦ / ٥٢) من طريق قيس بن أبي حازم ، عن أبي سهلة مولى عثمان ، عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ادعوا لي بعض أصحابي ، قلت : أبو بكر؟ قال : لا ، قلت : عمر ، قال : لا ، قلت : ابن عمّك علي؟ قال : لا ، قلت : عثمان ، قال : نعم ، فلمّا جاء قال : تنحّي ، جعل يسارّه ولون عثمان يتغيّر ، فلمّا كان يوم الدار وحُصر فيها قلنا : يا أمير المؤمنين ألا تقاتل؟ قال : لا إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عهد إليّ عهداً وإنّي صابر نفسي عليه.

وأخرجه (٣) أبو نعيم في الحلية (١ / ٥٨) ، والحاكم في المستدرك (٣ / ٩٩) ، وأبو عمر في الاستيعاب (٢ / ٤٧٧) ، وذكره ابن كثير في تاريخه (٦ / ٢٠٥) نقلاً عن أحمد والأسانيد كلّها تنتهي إلى قيس بن أبي حازم ، قالوا : كان يحمل على عليّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال ابن حجر : والمشهور عنه أنّه كان يقدّم عثمان ولذلك تجنّب كثير من قدماء الكوفيّين الرواية عنه ، وكبر قيس حتى جاوز المائة بسنين كثيرة حتى خرف وذهب عقله.

__________________

(١) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٠٦ ح ٤٥٤٤ ، وكذا في تلخيصه.

(٢) مسند أحمد : ٧ / ٧٨ ح ٢٣٧٣٢.

(٣) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١٠٦ ح ٤٥٤٣ ، الاستيعاب : القسم الثالث / ١٠٤٣ رقم ١٧٧٨ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٠٢ حوادث سنة ٣٥ ه‍.

٣٦٧

تهذيب التهذيب (١) (٨ / ٣٨٨).

لنا أن نصافق الكوفيّين على تجنّب الرواية عن قيس المتحامل على مولانا أمير المؤمنين إن اتّبعنا الرسول الأمين في النصوص المذكورة قُبيل هذا (ص ٢٦٧ ـ ٢٦٩) ولا يسوغ لأيّ باحث أن يعوّل على رواية منافق شقيّ خرف وذهب عقله ، وقد مرّ عن ابن أبي الحديد في صفحة (ص ٧٣) من هذا الجزء قوله : وقد طعن مشايخنا المتكلّمون في قيس وقالوا : إنّه فاسق ولا تُقبل روايته.

٩ ـ أخرج ابن عدي (٢) ؛ عن أبي يعلى ، عن المقدمي محمد بن أبي بكر ، عن أبي معشر يوسف بن يزيد البراء البصري ، عن إبراهيم بن عمر بن أبان بن عثمان ، عن أبيه ، عن عثمان : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسرّ إليه أنّه يُقتل ظلماً (٣).

زيّفه ابن عدي كما في لسان الميزان ، وعدّه من أحاديث عمر بن أبان التي كلّها غير محفوظة ، وأبان بن عثمان لم يسمع من أبيه كما قاله أحمد بن حنبل فكيف بعمر بن أبان ، وسنوقفك على ترجمة أبي معشر وإبراهيم بن عمر في المنقبة الثالثة من مناقب عثمان وأنّهما لا يعوّل عليهما ولا يصحّ حديثهما.

١٠ ـ ذكر الذهبي في الميزان (٤) (١ / ٣٠٠) من طريق أنس مرفوعاً : يا عثمان إنّك ستلي الخلافة من بعدي وسيريدك المنافقون على خلعها فلا تخلعها ، وصُم ذلك اليوم تفطر عندي.

قال الذهبي : في سنده خالد بن أبي الرحال الأنصاري عنده عجائب ، قال ابن حبّان (٥) :

__________________

(١) تهذيب التهذيب : ٨ / ٣٤٦.

(٢) الكامل في ضعفاء الرجال : ٥ / ٥٧ رقم ١٢٣٢.

(٣) لسان الميزان : ٤ / ٢٨٢ [٤ / ٣٢٥ رقم ١٦٦٢]. (المؤلف)

(٤) ميزان الاعتدال : ١ / ٦٣٩ رقم ٢٤٥٩.

(٥) كتاب المجروحين ١ / ٢٨٤.

٣٦٨

لا يجوز الاحتجاج به. وفي لسان الميزان (١) (٦ / ٧٩٤) قال : أبو حاتم (٢) : ليس بالقويّ.

نظرة في أحاديث العهد

هذه سلسلة روايات أصفق على وضعها دجّالون تتراوح أسانيدها بين أُموي وشامي وبصري ، وبين عثماني متحامل على سيّد العترة ، وبين أُناس آخرين من ضعيف إلى كذّاب إلى متروك إلى ساقط. على أنّ متونها أكثر عللاً من أسانيدها فإنّ الخضوع لصحّتها يستدعي الوقيعة في الصحابة كلّهم ؛ لأنّ المنصوص عليه في غير واحد منها أنّ الذين أجلبوا على عثمان وأرادوا خلعه أُناس منافقون ، وفي بعضها : فإنّ عثمان يومئذٍ وأصحابه على الحقّ ، وعليكم بالأمين وأصحابه. وقد علمت أنّ المتجمهرين عليه هم الصحابة كلّهم المهاجرون منهم والأنصار ما خلا ثلاثة : زيد بن ثابت ، حسّان بن ثابت ، أسيد الساعدي. أو : هم وكعب بن مالك ، وأُناس من زعانفة الأمويّين ، وأين هذا من الاعتقاد بعدالتهم جمعاء كما عند القوم؟ ومن الخضوع لجلالة كثيرين منهم الذين علمت منهم نواياهم الصالحة ، وأعمالهم البارّة ، والنصوص النبويّة الصادرة فيهم ، وثناء الله تعالى عليهم في كتابه الكريم كما عند الأُمّة أجمع؟

ثمّ إنّ عثمان وإن كان يتظاهر بامتثال الأمر الموجود في هذه الروايات وغيرها بالصبر وعدم القتال ، غير أنّ عمله كان مبايناً لذلك لمكاتبته إلى الأوساط الإسلاميّة يستجلب منها الجيوش لمقاتلة أهل المدينة ، ويرى قتالهم قتال الأحزاب يوم بدر ، وينصّ على أنّ القوم قد كفروا ، فلو اتّصلت به كتائب الأمداد يومئذٍ لألقحها حرباً زبوناً وفتنةً عمياء ، وإنّما كان ينكص عن النضال لإعواز الناصر لإصفاق الصحابة عليه عدا أُولئك الثلاثة وما كانوا يغنون عنه شيئاً ، ولا سيّما حسان بن ثابت الذي لم يكن يجسر أن يأخذ سلب القتيل الذي قتلته امرأة (٣).

__________________

(١) لسان الميزان : ٧ / ٤٦٩ رقم ٥٤٥٤.

(٢) الجرح والتعديل : ٧ / ٢٤٢ رقم ١٣٢٧.

(٣) راجع الجزء الثاني من كتابنا هذا : ص ٦٤. (المؤلف)

٣٦٩

على أنّه لم يتقاعد عن المقاتلة أيضاً بمن كان معه من حثالة بني أُميّة فقد بذلوا كلّ ما حووه من بسالة وشجاعة ، غير أنّ القضاء الحاتم أخزاهم وحال بينهم وبين النجاح ، إلى أن لجأوا إلى أمّ حبيبة فجعلتهم في كندوج ثمّ خرجوا من المدينة هاربين.

ثمّ هب أنّ عائشة كانت نسيت ما روته حين ألّبت الجماهير على عثمان وأمرت بقتله وسمّته نعثلاً كافراً ، فهل بقيّة الرواة وهم : عبد الله بن عمر وأبو هريرة ومرّة البهزي وعبد الله بن حوالة وأبو سهلة وأنس أصفقوا معها على النسيان؟ أو أنّهم ما كانوا يروونها يومئذٍ ثمّ اقتضت الظروف أن يرووها؟ أو أنّها اختلقت بعدهم على ألسنتهم؟

ولو كان لهذه الكلمات المعزوّة إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ من قوله : عليكم بالأمين وأصحابه ، وقوله : اتّبعوا هذا وأصحابه ، وقوله : اتّبع هذا الرجل فإنّه يومئذٍ ومن اتّبعه على الحقّ ـ مقيلٌ من الصحّة لاستدعى أن يفيضها على الصحابة كلّهم ، لأنّ قضيّتها انّ تلك الفتنة الموعود بها من الفتن المضلّة ، وأنّ عثمان عندئذٍ في جانب الحقّ ، وما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالذي يشحّ على أُمّته بالإرشاد إلى ما فيه هدايتهم وصلاحهم الديني ، وهو مقيّض لذلك ومبعوث لأجله ، فلما ذا لم يروها غير هؤلاء؟ ولا عرفها غيرهم ولو بوساطتهم؟ وهل كان إلقاؤها عليهم مسارة لا يطّلع عليها أحد؟ ولما ذا ترك هؤلاء الاحتجاج بها يوم الدار؟ وفي القوم ـ وهم الأكثرون ـ من إن يسمع بها لا يتباطأ عن الخضوع للأمر النبويّ المطاع.

(أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) (١) ، (إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ) (٢).

__________________

(١) المؤمنون : ٦٨.

(٢) سورة ص : ٧.

٣٧٠

نظرة في مناقب عثمان

الواردة في الصحاح والمسانيد

إلى هنا سبرنا صحيفة من حياة عثمان ولا أدري أهي بيضاء أم غيرها؟ لكن الباحث الممعن فيها يوقفه التنقيب على نفسيّاته ومقداره ، والغاية من هذا الإسهاب أن نجعل نتيجة هذا الخوض والبحث مقياساً في أمره نردّ إليه كلّ ما يؤثر في حقّه فإن ساوى المقياس أثبتناه ، وإن طاله أو قصر عنه عرفنا أنّه من الغلوّ في الفضائل.

وما سردنا إلى هنا من دعارة في الخلق ، وعرامة في الطباع ، وعرارة في الشكيمة ، وشرّة في الغرائز ، وفظاظة في الأعمال ، وتعسّف في الحكم ، واتّباع للشهوات ، وميل عن الحقّ ، ودناءة في النفس ، وسقطة في الرأي ، وسرف في القول ، إلى الكثير المتوفر من أمثال هذه ممّا لا تحمد فعليّته ولا عقباه ، لا يدع الباحث أن يخضع لشيء ممّا قيل أو تقوّل فيه من الفضل قويت أسانيده أو وهنت.

كما أنّ آراء الصحابة الأوّلين التي زففناها إلى مناظرك في هذا الجزء من صفحة (٦٩ ـ ١٦٨) لا تدع مجالاً للبحث عن صحّة تلكم المفتعلات فضلاً عن إثباتها ، وأنّك تجد في مرسليها أو مسنديها لفائف من زبانية الميول والأهواء من بصري أو شامي أنهوا أسانيدهم في الغالب إلى موالي عثمان أو إلى رجال بيته الساقط ، وذلك ممّا يُعطي أنّها من صنائع معاوية للخليفة المقتول الذي اتّخذ أمره سلّماً إلى ما كان يبتغيه من المرتقى ، وكان معاوية يهب القناطير المقنطرة لوضع الأحاديث في فضائل أبناء بيته الشجرة المنعوتة في القرآن ، من بني أُميّة عامّة ، ومن آل أبي العاص خاصّة ، أضف إلى ذلك ما يكتنف أغلب تلك المتون من الموهنات التي لا يقاومها أيّ تمحّل في تصحيحها.

٣٧١

وإليك نبذة من تلكم الموضوعات :

١ ـ أخرج مسلم وأحمد من طريق عُقيل الأمويّ ، عن الليث العثماني (١) ، عن يحيى بن سعيد الأمويّ ، عن سعيد بن العاص ابن عمّ عثمان ، عن عائشة وعثمان قالا : إنّ أبا بكر استأذن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو مضطجع على فراشه ، لابس مِرْط (٢) عائشة ، فأذن لأبي بكر وهو كذلك ، فقضى إليه حاجته ثمّ انصرف ، ثمّ استأذن عمر ، فأذن له وهو على تلك الحال فقضى إليه حاجته ثمّ انصرف ، قال عثمان : ثمّ استأذنت عليه فجلس وقال لعائشة : اجمعي عليك ثيابك. فقضيت إليه (٣) حاجتي ثمّ انصرفت ، فقالت عائشة : يا رسول الله؟ ما لي لم أرك فزعت لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان؟ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ عثمان رجل حيي (٤) وإنّي خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إليّ في حاجته (٥).

٢ ـ أخرج مسلم وغيره من طريق عائشة قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مضطجعاً في بيتي كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه ، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال فتحدّث. ثمّ استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدّث. ثمّ استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسوّى ثيابه ، فلمّا خرج قالت عائشة : دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تُباله ، ثمّ دخل عمر فلم تهتش له ولم تُباله ، ثمّ دخل عثمان فجلست

__________________

(١) ورد سند الحديث في صحيح مسلم ، ومسند أحمد هكذا : عن الليث ، عن عُقيل ، عن ابن شهاب ، عن يحيى بن سعيد بن العاص ....

(٢) المرط : كساء من صوف أو كتّان.

(٣) وفي أحد ألفاظ أحمد : فقضى إليّ حاجتي.

(٤) حيي كغني : ذو حياء. وفي شرح مسلم : أي كثير الحياء. (المؤلف)

(٥) صحيح مسلم : ٧ / ١١٧ [٥ / ١٨ ح ٢٧ كتاب فضائل الصحابة] ، مسند أحمد : ١ / ٧١ و ٦ / ١٥٥ ، ١٦٧ [١ / ١١٤ ح ٥١٦ و ٧ / ٢٢٢ ح ٢٤٦٩٠ و ٢٣٩ ح ٢٤٨١١]. (المؤلف)

٣٧٢

وسوّيت ثيابك. فقال : ألا أستحيي من رجل تستحي منه الملائكة (١).

وأخرج البخاري (٢) في مناقب عثمان حديثاً ، وقال في ذيله : زاد عاصم : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان قاعداً في مكان فيه ماء ، قد كشف (٣) عن ركبتيه أو ركبته ـ فلمّا دخل عثمان غطّاها. قال ابن حجر في فتح الباري (٤) (٧ / ٤٣) : قال ابن التين : أنكر الداودي هذه الرواية وقال : هذه الرواية ليست من هذا الحديث بل دخل لرواتها حديث في حديث ، وإنّما ذلك الحديث : إنّ أبا بكر أتى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في بيته قد انكشف فخذه فجلس أبو بكر ثمّ دخل عمر ثمّ دخل عثمان فغطّاها. الحديث.

قال الأميني : الحياء هو انقباض النفس عمّا لا يلائم خطّة الشرف من الناحية الدينيّة أو الإنسانيّة ، وأصله فطريّ للإنسان ، وكماله اكتسابيّ يتأتّى بالإيمان ، فهو يتدرّج في الرقيّ بتدرّج الإيمان والمعرفة ، فتنتهي إلى ملكة راسخة تأبى لصاحبهما التورّط في المخازي كلّها ، فيكون بها الإنسان محدوداً في أفعاله وتروكه وشهواته وميوله ، وتنبسط تلكم الحدود على الأعضاء والجوارح وعلى النفس والعقل فلا يسع أيّا منها الخروج عن حدّه ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الاستحياء من الله حقّ الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى ، والبطن وما حوى ، وتذكر الموت والبلى» (٥). فكلّ عمل خارج عن حدود الدين والإنسانيّة منافٍ للحياء ، وهو الرادع الوحيد عن الفحشاء

__________________

(١) مسند أحمد : ٦ / ٦٢ [٧ / ٩٢ ح ٢٣٨٠٩] ، صحيح مسلم : ٧ / ١١٦ [٥ / ١٨ ح ٢٦ كتاب فضائل الصحابة] ، مصابيح السنّة : ٢ / ٢٧٣ [٤ / ١٦٤ ح ٤٧٤٨] ، الرياض النضرة : ٢ / ٨٨ [٣ / ١٢] ، تاريخ ابن كثير : ٧ / ٢٠٢ [٧ / ٢٢٧ حوادث سنة ٣٥ ه‍]. (المؤلف)

(٢) صحيح البخاري : ٣ / ١٣٥١ ح ٣٤٩٢.

(٣) في المصدر : قد انكشف.

(٤) فتح الباري : ٧ / ٥٥.

(٥) أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح [٤ / ٥٥٠ ح ٢٤٥٨] والمنذري في الترغيب والترهيب : ٣ / ١٦٦ [٣ / ٤٠٠ ح ١٣]. (المؤلف)

٣٧٣

والمنكر ، وعن كلّ ما يلوّث ذيل الإنسانيّة والعفّة والإيمان من صغيرة أو كبيرة ، ومن لم يستح فله أن يفعل ما يشاء ، وجاء في النبويّ على المحدّث به وآله السلام : «إذا لم تستح فاصنع ـ فافعل ـ ما شئت» (١).

وعلى هذا فكلّ من الفحش والبذاء والكذب والخيانة والغدر والمكر ونقض العهد والتخلّع والمجون وما يجري مجراها أضداد للحياء ، وقد وقع التقابل بينها وبينه في لسان المشرّع الأعظم منها قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحياء من الإيمان والإيمان في الجنّة ، والبذاء من الجفاء والجفاء في النار» (٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحياء والعيّ من الإيمان وهما يقرّبان من الجنّة ويباعدان من النار ، والفحش والبذاء من الشيطان وهما يقرّبان من النار ويباعدان من الجنّة».

أخرجه الطبراني (٣) كما في الترغيب والترهيب (٣ / ١٦٥).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا عائشة لو كان الحياء رجلاً كان رجلاً صالحاً ، ولو كان الفحش رجلاً كان رجل سوء».

رواه (٤) الطبراني وأبو الشيخ كما في الترغيب والترهيب (٣ / ١٦٦).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما كان الفحش في شيء إلاّ شانه ، وما كان الحياء في شيء إلاّ زانه».

__________________

(١) أخرجه البخاري في كتاب الأدب من صحيحه [٥ / ٢٢٦٨ ح ٥٧٦٩]. (المؤلف)

(٢) قال المنذري في الترغيب والترهيب : ٣ / ١٦٥ [٣ / ٣٩٨ ح ٥] : أخرجه أحمد [في مسنده : ٣ / ٢٩٤ ح ١٠١٣٤] ورجاله رجال الصحيح ، والترمذي [في سننه : ٥ / ١٢ ح ٢٦١٥] ، وابن حبّان في صحيحه [٢ / ٣٧٣ ح ٦٠٨] ، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح. (المؤلف)

(٣) المعجم الكبير : ١٨ / ١٧٨ ح ٤٠٩ ، الترغيب والترهيب : ٣ / ٣٩٨ ح ٦.

(٤) المعجم الصغير : ١ / ٢٤٠ ، الترغيب والترهيب : ٣ / ٣٩٩ ح ٨.

٣٧٤

أخرجه (١) ابن ماجة في سننه (٢ / ٥٤٦) ، والترمذي في الصحيح.

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله عزّ وجلّ إذا أراد أن يهلك عبداً نزع منه الحياء ، فإذا نزع منه الحياء لم تلقه إلاّ مقيتاً ممقّتاً ، فإذا لم تلقه إلاّ مقيتاً ممقّتاً نُزِعت منه الأمانة ، فإذا نُزِعت منه الأمانة لم تلقه إلاّ خائنا مخوّناً ، فإذا لم تلقه إلاّ خائناً مخوّناً نزعت منه الرحمة ، فإذا نزعت منه الرحمة لم تلقه إلاّ رجيماً مُلَعّناً ، فإذا لم تلقه إلاّ رجيماً مُلَعّناً نزعت منه ربقة الإسلام».

أخرجه (٢) ابن ماجة كما في الترغيب والترهيب (٢ / ١٦٧).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحياء لا يأتي إلاّ بخير» (٣). وقال المناوي في شرحه في فيض القدير (٣ / ٤٢٧) : لأنّ من استحيا من الناس أن يروه يأتي بقبيح دعاه ذلك إلى أن يكون حياؤه من ربّه أشدّ فلا يضيع فريضة ، ولا يرتكب خطيئة ، قال ابن عربي : الحياء أن لا يفعل الإنسان ما يخجله إذا عرف منه أنّه فعله ، والمؤمن يعلم بأنّ الله يرى كلّ ما يفعله ، فيلزمه الحياء منه لعلمه بذلك ، وبأنّه لا بدّ أن يقرّره يوم القيامة على ما عمله فيخجل فيؤدّيه إلى ترك ما يخجل منه ، وذلك هو الحياء فمن ثمّ لا يأتي إلاّ بخير.

وقال : حقيقة الحياء خلق يبعث على ترك القبيح ، ويمنع من التقصير في حقّ الغير ، وقال بعض الحكماء : من كسا (٤) الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه.

__________________

(١) سنن ابن ماجة : ٢ / ١٤٠٠ ح ٤١٨٥ ، سنن الترمذي : ٤ / ٣٠٧ ح ١٩٧٤.

(٢) سنن ابن ماجة : ٢ / ١٣٤٧ ح ٤٠٥٤ ، الترغيب والترهيب : ٢ / ٤٠٠ ح ١٤.

(٣) أخرجه البخاري [في صحيحه : ٥ / ٢٢٦٧ ح ٥٧٦٦] ، ومسلم [في صحيحه : ١ / ٩٣ ح ٦٠ كتاب الإيمان] ، وابن ماجة ، والمنذري [في الترغيب الترهيب : ٣ / ٣٩٧ ح ٢]. (المؤلف)

(٤) لعل الصحيح : من كساه الحياء ثوبه. (المؤلف) [وصحيح أيضاً ما ذكر في المتن ، فيكون الضمير العائد على الاسم الموصول محذوفاً ـ أي الهاء ـ فهو من قبيل : (فمنهم من هدى اللهُ)].

٣٧٥

إذن هلمّ معي لنسبر حياة الخليفة ـ عثمان ـ علّنا نجد فيها ما يصحّ للبرهنة على ثبوت هذه الملكة له إن لم يُكفِئنا الإياس منها بخفّي حنين ، فارجع البصر كرّتين فيما سردناه من أفعال الخليفة وتروكه ومحاوراته وأقواله ، ثمّ انظر هل تجد في شيء منها ما يدعم هذه الدعوى له فضلاً عن أن يكون أحيا الناس ، أو أشدّ الأُمّة حياءً ، أو تستحيي منه الملائكة؟

أيصلح شاهداً لذلك قوله لمولانا أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام : والله ما أنت عندي أفضل من مروان؟ هلاّ كان يعلم أنّ الله عدّ عليّا في كتابه نفس النبيّ الأقدس وقد طهّره بنصّ الذكر الحكيم ، ومروان طريد ابن طريد ، وزغ ابن وزغ ، لعين ابن لعين؟ راجع الجزء الثامن (ص ٢٦٠).

أو اتّهامه ذلك الإمام الطاهر سيّد العترة بكتاب كتبه هو في قتل محمد بن أبي بكر وأصحابه وتعذيبهم وتنكيلهم ، فينكر ما كتب ويقول له عليه‌السلام : أتّهمك وأتّهم كاتبي مروان؟!

أو قوله للإمام عليه‌السلام : لئن بقيت لا أعدم طاغياً يتّخذك سُلّماً وعضداً ويعدّك كهفاً وملجأ؟ أو قوله له عليه‌السلام لمّا كلّمه في أمر عمّار ونفيه إيّاه : أنت أحقّ بالنفي منه؟

أو قوله لأصحابه مروان ومن كان على شاكلته يستشيرهم في أمر أبي ذر : أشيروا عليّ في هذا الشيخ الكذّاب إمّا أن أضربه أو أحبسه أو أقتله؟ وملء مسامع الصحابة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما أظلّت الخضراء ، وما أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق من أبي ذر» ، إلى كلمات أخرى له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الثناء عليه. راجع الجزء الثامن (ص ٣١٢).

أو قوله لعمّار لمّا سمع منه ـ رحم الله أبا ذر من كلّ أنفسنا ـ : يا عاضّ أير أبيه أتراني ندمت على تسييره؟! وأمر فدُفِعَ في قفاه ، وعمّار كما عرفته في هذا الجزء

٣٧٦

(ص ٢٠ ـ ٢٨) جلدة ما بين عيني رسول الله وأنفه ، وهو الطيّب المطيّب ، ملئ إيماناً من قرنه إلى قدمه ، اختلط الإيمان بلحمه ودمه ، يدور مع الحقّ حيث دار ، وقد جاء الثناء عليه في الذكر الحكيم.

إذا كان حقّا ما يدّعيه عثمان لنفسه (١) من أنّه لم يمسّ فرجه قط بيمينه منذ بايع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تشريفاً ليد النبيّ الكريمة. فليت شعري لما ذا طفق يلوك بلسانه اسم أير ياسر أبي عمّار؟ وطالما لهج بأحاديث النبوّة به ، ورتّل كتاب الله ترتيلاً ، أما كان عليه أن يكفّ لسانه عن البذاءة كرامةً للكتاب والسنّة ، كما ادّعى كلاءة نفسه عن مسّ فرجه كرامة ليد النبوّة؟ إن لم يُداحمنا (٢) هنالك من يُنكر دعواه في اليد قياساً على ما شوهد منه في اللسان مرّة بعد أخرى.

أيصلح شاهداً لذلك قوله على صهوة المنبر بين ملأ المسلمين في ابن مسعود لمّا قدم المدينة : ألا إنّه قد قدمت عليكم دويبة سوء من يمشي على طعامه يقيء ويسلح؟ وابن مسعود أحد الذين أطراهم الكتاب العزيز ، وكان أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هدياً ودلاّ وسمتاً. راجع ما مرّ في هذا الجزء (ص ٣ ـ ١١).

أو قوله لعبد الرحمن بن عوف : إنّك منافق (٣)؟ وهو أحد العشرة المبشّرة فيما يحسبون.

أو قوله لصعصعة بن صوحان : البجباج النفّاج؟ وهو ذلك السيّد الخطيب الفصيح الديّن. كما مرّ في (ص ٤٣) من هذا الجزء.

أو شتمه المغيرة بن الوليد المخزومي لمّا دافع عن عمّار حينما ضربه عثمان حتى غُشي عليه؟

__________________

(١) يأتي حديثه بتمامه. (المؤلف)

(٢) الدحم : الدفع الشديد ، وداحمه : دافعه بشدة.

(٣) السيرة الحلبية : ٢ / ٨٧ [٢ / ٧٨] ، الصواعق : ص ٦٨ [ص ١١٤]. (المؤلف)

٣٧٧

أو قوله في كتابه إلى معاوية : إنّ أهل المدينة قد كفروا؟ أو قوله في كتاب آخر له : فهم كالأحزاب أيام الأحزاب أو من غزانا بأُحد؟ وهو يريد الأنصار الذين آووا ونصروا ، والمهاجرين الذين صدّقوا واتّبعوا ، وهم الذين يحسب أتباع الخليفة أنّ كلّهم عدول ، ولم يكن بينهم متخلّف عن النقمة عليه إلاّ ثلاثة أو أربعة حفظ التاريخ ترجمة حياتهم الموصومة.

أو قوله في كتابه إلى الأشتر وأصحابه : إنّي قد سيّرتكم إلى حمص ، فإنّكم لستم تألون الإسلام وأهله شرّا؟

أو قوله المائن على منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمر فلمّا تيقّنوا أنّه باطل ما بلغهم عنه رجعوا إلى بلادهم؟ يقول ذلك بعد ما عهد على نفسه أن يعمل بالكتاب والسنّة ، وكتب بهذا كتاباً وشهد عليه أُمّة من الصحابة بعد ما اعترف بهناته بين الملأ أو أظهر الندامة منها وتاب عنها ولذلك كلّه رجع المصريّون وغيرهم من الثائرين عليه إلى بلادهم ، وكان يحنث عهده وينقض توبته بتلبيس أبالسته مروان ونظرائه ، فهل يفعل مثل هذا من تردّى بأبراد الحياء؟

أو مقارفته ليلة وفاة أُمّ كلثوم كريمة النبيّ الأقدس؟ وكان ذلك ممقوتاً جدّا لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى إنّه ألمح إليه بقوله : «هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة؟» فمنعه بذلك عن دفن حليلته ، وألصق به هوان الأبد.

أو تربّعه على صهوة منبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا استخلف؟ وكان أبو بكر يجلس دون مقامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمرقاة ثمّ عمر دونه بمرقاة ، وكان من حقّ عثمان الذي كان أشدّ حياءً من صاحبيه أن لا يطأ ذلك المرتقى ، وأن يتّبع ـ ولا أقلّ ـ سيرة الشيخين في الحياء والأدب ، لكنّه ....

٣٧٨

أو مخالفته الكتاب والسنّة؟ كما كتب المهاجرون الأوّلون وبقيّة الشورى إلى من بمصر من الصحابة والتابعين : أن تعالوا إلينا وتداركوا خلافة رسول الله قبل أن يُسلبَها أهلُها فإنّ كتاب الله قد بُدّل ، وسنّة رسوله قد غُيّرت (١). وكتبوا إلى الصحابة في الثغور : إنّ دين محمد قد أفسده من خلفكم وترك ، فهلمّوا فأقيموا دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ورفعت عائشة نعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي تقول : تركت سنّة رسول الله صاحب هذا النعل. وتقول : ما أسرع ما تركتم سنّة نبيّكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعدُ. وتقول : عثمان قد أبلى سنّة رسول الله. وتقول : اقتلوا نعثلاً ، قتل الله نعثلاً إنّه قد كفر. إلى كلمات أخرى لها ولغيرها في مخالفة الرجل الكتاب والسنّة.

أو إعرابه عن تلكم الآراء الشاذّة عن الكتاب والسنّة في الصلاة والصّلات والصدقات والأخماس والزكوات والحجّ والنكاح والحدود والديات بلهجة شديدة بمثل قوله : هذا رأي رأيته؟ وقوله : لنأخذنّ حاجتنا من هذا الفيء وإن رغمت أُنوف أقوام ، هذا مال الله أُعطيه من شئت وأمنعه من شئت فأرغم الله أنف من رغم. فقال له عليّ : «إذن تُمنع من ذلك ويحال بينك وبينه». وقال عمّار : أُشهد الله أنّ أنفي أوّل راغم من ذلك. أو قال : أنا والله أوّل من رغم أنفه من ذلك.

راجع صفحة (١٥) من هذا الجزء.

أو حثّه الناس على الأخذ بتلكم الآراء المنتئية عن ناموس الإسلام المقدّس حتى قال له أمير المؤمنين ، لمّا قال له عثمان : لا تراني أنهى الناس عن شيء وتفعله أنت ، «ولم أكن لأدع سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقول أحد من الناس» أو قال له : «لم أكن لأدع قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقولك» وكاد أمير المؤمنين يُقتل من جرّاء تلك الأحدوثة؟ مرّ حديثه في (٦ / ٢١٩ و ٨ / ١٣٠).

وقد فتح بذلك باب الجرأة على الله والتقوّل عليه بمصراعيه ، فجاء بعده معاوية

__________________

(١) راجع ما مرّ : ص ١٦٢ من هذا الجزء. (المؤلف)

٣٧٩

ومروان وأبناء أبيه الآخرون يلعبون بدين الله لعبة الصبيان بالدوّامة (١).

أو إيواؤه عبيد الله بن عمر لمّا قتل نفوساً أبرياء ولم يقتصّ منه ونقم عليه بذلك جلّ الصحابة ـ لو لم نقل كلّهم ـ ممّن يأبه به وبرأيه؟

أو تعطيله الحدّ على الوليد بن عقبة لرحمه وقرابته منه وقد شرب الخمر وقاء في محراب المسجد الأعظم بالكوفة ، حتى وقع التحاور والتحارش بين المسلمين ، واحتدم الحوار والمكالمة وتضاربوا بالنعال؟ مرّ في الجزء الثامن (ص ١٢٠ ـ ١٢٥).

أو تسليطه بني أُميّة رجال العيث والفساد أبناء الشجرة الملعونة في القرآن على رقاب الناس ونواميس الإسلام المقدّسة وتوطيده لهم الملك العضوض ، وتأسيسه بهم حكومة أمويّة غاشمة في الحواضر الإسلاميّة؟ كما فصّلنا القول فيه في الجزء الثامن (ص ٢٨٨ ـ ٢٩٢).

أو ردّه إلى المدينة وإيواؤه عمّه وأبناءه وكان قد طردهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنزيهاً لتلك الأرض المقدّسة من أولئك الأدناس الأرجاس؟

أو تفويضه الصالح العام إلى مروان المهتوك ، وتطوّره في سياسة العباد بتقلّباته؟ كأنّ بيده مقاليد أُمور الأُمّة حتى قال له مولانا أمير المؤمنين : «أما رضيت من مروان ولا رضي منك إلاّ بتحويلك عن دينك وعقلك مثل جمل الظعينة يُقاد حيث يُسار به؟». وقال : «ما رضيت من مروان ولا رضي منك إلاّ بإفساد دينك وخديعتك عن عقلك ، وإنّي لأراه سيوردك ثمّ لا يُصدرك».

أو كتابه إلى وُلاته في قتل صلحاء الأمّة وحبسهم وتنكيلهم وتعذيبهم؟

أو تسييره عباد الله الصالحين من الصحابة الأوّلين والتابعين لهم بإحسان من

__________________

(١) لعبة من خشب يلفّ الصبيّ عليها خيطاً ثمّ ينفضه بسرعة فتدوم أي تدور على الأرض. وفي اللغة الدارجة : مرصع ، وشاخة. (المؤلف)

٣٨٠