الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٩

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٣

تعتذر إلى الله من ترك جهاد قتلة أمير المؤمنين عثمان رضى الله عنه؟ أمن قلّة عدد؟ أو أنّك لا تُطاع في العشيرة؟ قال : يا أُم المؤمنين ما كبرت السنّ ولا طال العهد ، وإنّ عهدي بك عام أوّل تقولين فيه وتنالين منه. قالت : ويحك يا أحنف إنّهم ماصوه موص الإناء ثمّ قتلوه. قال : يا أُم المؤمنين إني آخذ بأمرك وأنت راضية ، وأدعه وأنت ساخطة.

١١ ـ أخرج ابن عساكر (١) من طريق أبي [إدريس الخولاني أن أبا] مسلم [الخولاني] ، قال لأهل الشام وهم ينالون من عائشة في شأن عثمان : يا أهل الشام أضرب لكم مثلكم ومثل أُمّكم هذه : مثلها ومثلكم كمثل العين في الرأس تؤذي صاحبها ولا يستطيع أن يعاقبها إلاّ بالذي هو خير لها.

١٢ ـ قال ابن أبي الحديد (٢) : قال كلّ من صنّف في السير والأخبار : إنّ عائشة كانت من أشدّ الناس على عثمان حتى أنّها أخرجت ثوباً من ثياب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنصبته في منزلها وكانت تقول للداخلين إليها : هذا ثوب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبل وعثمان قد أبلى سنّته.

قالوا : أوّل من سمّى عثمان نعثلاً عائشة ، وكانت تقول : اقتلوا نعثلاً ، قتل الله نعثلاً.

١٣ ـ روى المدائني في كتاب الجمل ، قال : لمّا قُتل عثمان كانت عائشة بمكة وبلغ قتله إليها وهي بشراف فلم تشكّ في أنّ طلحة هو صاحب الأمر وقالت : بُعداً لنعثل وسحقاً ، إيه ذا الإصبع! إيه أبا شبل! إيه يا ابن عمّ! لكأنّي أنظر إلى إصبعه وهو يُبايَع له ، حثوا الإبل ودعدعوها (٣).

قال : وقد كان طلحة حين قُتل عثمان أخذ مفاتيح بيت المال وأخذ نجائب

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق : ٢٧ / ٢٢١ رقم ٣٢١٣.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢١٥ خطبة ٧٩.

(٣) دعدع بالإبل : زجرها.

١٢١

كانت لعثمان في داره ثمّ فسد أمره فدفعها إلى عليّ بن أبي طالب (١).

١٤ ـ قال أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي في كتابه : إنّ عائشة لمّا بلغها قتل عثمان وهي بمكة أقبلت مسرعة وهي تقول : إيهِ ذا الإصبع لله أبوك ، أما إنّهم وجدوا طلحة لها كفواً ، فلمّا انتهت إلى شراف (٢) استقبلها عبيد بن أبي سلمة الليثي ، فقالت له : ما عندك؟ قال : قُتل عثمان. قالت : ثمّ ما ذا؟ قال : ثمّ حارت بهم الأُمور إلى خير محار ، بايعوا عليّا. فقالت : لوددت أنّ السماء انطبقت على الأرض إن تمّ هذا ، ويحك انظر ما ذا تقول. قال : هو ما قلت لك يا أُمّ المؤمنين ، فولولت. فقال لها : ما شأنك يا أُمّ المؤمنين؟ والله ما أعرف بين لابتيها أحداً أولى بها منه ولا أحقّ ، ولا أرى له نظيراً في جميع حالاته ، فلما ذا تكرهين ولايته؟ قال : فما ردّت عليه جواباً.

وقد روي من طرق مختلفة : أنّ عائشة لمّا بلغها قتل عثمان وهي بمكة قالت : أبعده الله ، ذلك بما قدّمت يداه وما الله بظلاّم للعبيد (٣).

١٥ ـ قال : وقد روى قيس بن أبي حازم : أنّه حجّ في العام الذي قُتل فيه عثمان وكان مع عائشة لمّا بلغها قتله فتحمّل إلى المدينة ، قال : فسمعها تقول في بعض الطريق إيهِ ذا الإصبع. وإذا ذكرت عثمان قالت : أبعده الله. حتى أتاها خبر بيعة عليّ ، فقالت : لوددت أنّ هذه وقعت على هذه. ثمّ أمرت بردّ ركائبها إلى مكة فرددت معها ، ورأيتها في سيرها إلى مكة تخاطب نفسهاكأنّها تخاطب أحداً : قتلوا ابن عفّان مظلوماً. فقلت لها : يا أُمّ المؤمنين ألم أسمعك آنفاً تقولين أبعده الله؟ وقد رأيتك قبل أشدّ الناس عليه وأقبحهم فيه قولاً ، فقالت : لقد كان ذلك ولكنّي نظرت في أمره فرأيتهم استتابوه حتى إذا تركوه كالفضّة البيضاء أتوه صائماً محرماً في شهر حرام

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢١٥ خطبة ٧٩.

(٢) راجع صفحة : ٢٣٦ من الجزء الثامن ، و ٨٠ من هذا الجزء. (المؤلف)

(٣) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢١٥ خطبة ٧٩.

١٢٢

فقتلوه (١).

١٦ ـ قال : وروي من طرق أخرى : أنّها قالت لمّا بلغها قتله : أبعده الله قتله ذنبه ، وأقاده الله بعمله ، يا معشر قريش لا يسومنّكم قتل عثمان كما سام أحمر ثمود قومه ، إنّ أحقّ الناس بهذا الأمر ذو الإصبع. فلمّا جاءت الأخبار ببيعة عليّ عليه‌السلام قالت : تعسوا لا يردّون الأمر في تيم أبداً.

كتب طلحة والزبير إلى عائشة وهي بمكة كتباً أن خذّلي الناس عن بيعة عليّ ، وأظهري الطلب بدم عثمان. وحملا الكتب مع ابن أختها عبد الله بن الزبير ، فلمّا قرأت الكتب كاشفت وأظهرت الطلب بدم عثمان ، وكانت أُمّ سلمة بمكة في ذلك العام ، فلمّا رأت صنع عائشة قابلتها بنقيض ذلك وأظهرت موالاة عليّ عليه‌السلام ونصرته على مقتضى العداوة المركوزة في طباع الضرّتين (٢).

١٧ ـ قال أبو مخنف : جاءت عائشة إلى أُمّ سلمة تخادعها على الخروج للطلب بدم عثمان ، فقالت لها : يا بنت أبي أُميّة أنت أوّل مهاجرة من أزواج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنت كبيرة أُمّهات المؤمنين ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسم لنا من بيتك ، وكان جبريل أكثر ما يكون في منزلك. فقالت أُمّ سلمة : لأمرٍ ما قلتِ هذه المقالة! فقالت عائشة : إنّ عبد الله أخبرني أنّ القوم استتابوا عثمان فلمّا تاب قتلوه صائماً في شهر حرام ، وقد عزمت على الخروج إلى البصرة ومعي الزبير وطلحة فاخرجي معنا لعلّ الله أن يصلح هذا الأمر على أيدينا وبنا. فقالت : أنا أُمّ سلمة ، إنّك كنت بالأمس تحرّضين على عثمان وتقولين فيه أخبث القول ، وما كان اسمه عندك إلاّ نعثلاً ، وإنّك لتعرفين منزلة عليّ بن أبي طالب عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣). الحديث (٤).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢١٦ خطبه ٧٩.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢١٦ خطبه ٧٩.

(٣) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢١٧

(٤) فيه فوائد جمّة لا تفوت الباحث وعليه به. (المؤلف)

١٢٣

١٨ ـ روى ابن عبد ربّه (١) عن العتبي قال : قال رجل من بني ليث : لقيت الزبير قادماً فقلت : يا أبا عبد الله ما بالك؟ قال : مطلوب مغلوب يغلبني ابني ويطلبني ذنبي ، قال : فقدمت المدينة فلقيت سعد بن أبي وقّاص فقلت : أبا إسحاق من قتل عثمان؟ قال : قتله سيف سلّته عائشة ، وشحذه طلحة ، وسمّه عليّ. قلت : فما حال الزبير؟ قال : أشار بيده وصمت بلسانه.

وفي الإمامة والسياسة (٢) : كتب عمرو بن العاص إلى سعد بن أبي وقّاص يسأله عن قتل عثمان ومن قتله ومن تولّى كبره ، فكتب إليه سعد : إنّك سألتني من قتل عثمان ، وإنّي أُخبرك أنّه قُتل بسيف سلّته عائشة ، وصقله طلحة ، وسمّه ابن أبي طالب ، وسكت الزبير وأشار بيده ، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه ، ولكن عثمان غيّر وتغيّر وأحسن وأساء ، فإن كنّا أحسنّا فقد أحسنّا ، وإن كنّا أسأنا فنستغفر الله ، وأُخبرك أنّ الزبير مغلوب بغلبة أهله وبطلبه بذنبه ، وطلحة لو يجد أن يشقّ بطنه من حبّ الإمارة لشقّه.

١٩ ـ وقال ابن عبد ربّه : دخل المغيرة بن شعبة على عائشة ، فقالت : يا أبا عبد الله لو رأيتني يوم الجمل قد أنفذت النصل هودجي حتى وصل بعضها إلى جلدي ، قال لها المغيرة : وددت والله أنّ بعضها كان قتلك ، قالت : يرحمك الله ولم تقول هذا؟ قال : لعلّها تكون كفّارة في سعيك على عثمان ، قالت : أما والله لئن قلت ذلك لما علم الله أني أردت قتله ، ولكن علم الله أني أردت أن يُقاتَل فقوتلت ، وأردت أن يُرمى فرميت ، وأردت أن يُعصى فعُصيت ، ولو علم منّي أنّي أردت قتله لقتلت (٣).

٢٠ ـ وروى ابن عبد ربّه عن أبي سعيد الخدري قال : إنّ أُناساً كانوا عند

__________________

(١) العقد الفريد : ٤ / ١١١.

(٢) الإمامة والسياسة : ١ / ٤٨.

(٣) العقد الفريد : ٤ / ١١١.

١٢٤

فسطاط عائشة وأنا معهم بمكة فمرّ بنا عثمان فما بقي أحد من القوم إلاّ لعنه غيري ، فكان فيهم رجل من أهل الكوفة فكان عثمان على الكوفي أجرأ منه على غيره ، فقال : يا كوفي أتشتمني؟ فلمّا قدم المدينة كان يتهدّده ، قال : فقيل له : عليك بطلحة ، قال : فانطلق معه حتى دخل على عثمان فقال عثمان : والله لأجلدنّه مائة سوط. قال طلحة : والله لا تجلده مائة إلاّ أن يكون زانياً. قال : والله لأحرمنّه عطاءه. قال : الله يرزقه (١).

٢١ ـ قال ابن الأثير والفيروزآبادي وابن منظور والزبيدي : النعثل : الشيخ الأحمق ، ونعثل : يهوديّ كان بالمدينة. قيل شبّه به عثمان رضى الله عنه كما في التبصير ، ونعثل رجل من أهل مصر كان طويل اللحية ، قال أبو عبيد : كان يشبه عثمان ، وشاتمو عثمان يسمّونه نعثلاً ، وفي حديث عثمان أنّه كان يخطب ذات يوم فقام رجل فنال منه فوذأه ابن سلام فاتّذأ (٢) ، فقال له رجل : لا يمنعنّك مكان ابن سلام أن تسبّ نعثلاً فإنّه من شيعته ، وكان أعداء عثمان يسمّونه نعثلاً ، وفي حديث عائشة : اقتلوا نعثلاً قتل الله نعثلاً. تعني عثمان ، وكان هذا منها لمّا غاضبته وذهبت إلى مكة ، وفي حياة الحيوان : النعثل كجعفر : الذكر من الضباع وكان أعداء عثمان يسمّونه نعثلاً (٣).

٢٢ ـ روى البلاذري في الأنساب قال : خرجت عائشة رضي الله تعالى عنها باكية تقول : قتل عثمان ;. فقال لها عمّار بن ياسر : أنت بالأمس تحرّضين عليه ثمّ أنت اليوم تبكينه.

__________________

(١) العقد الفريد : ٤ / ١١٨.

(٢) وذأه فاتّذأ : عابه وزجره فانزجر.

(٣) النهاية : ٥ / ٨٠ ، القاموس المحيط : ص ١٣٧٤ ، لسان العرب : ١٤ / ١٩٨ ، تاج العروس : ٨ / ١٤١ ، حياة الحيوان : ٢ / ٣٦٥.

١٢٥

راجع (١) طبقات ابن سعد (٥ / ٢٥) طبع ليدن ، أنساب البلاذري (٥ / ٧٠ ، ٧٥ ، ٩١) ، الإمامة والسياسة (١ / ٤٣ ، ٤٦ ، ٥٧) ، تاريخ الطبري (٥ / ١٤٠ ، ١٦٦ ، ١٧٢ ، ١٧٦) ، العقد الفريد (٢ / ٢٦٧ ، ٢٧٢) ، تاريخ ابن عساكر (٧ / ٣١٩) ، الاستيعاب ترجمة الأحنف صخر بن قيس ، تاريخ أبي الفداء (١ / ١٧٢) ، شرح ابن أبي الحديد (٢ / ٧٧ ، ٥٠٦) ، تذكرة السبط (ص ٣٨ ، ٤٠) ، نهاية ابن الأثير (٤ / ١٦٦) ، أُسد الغابة (٣ / ١٥) ، الكامل لابن الأثير (٣ / ٨٧) ، القاموس (٤ / ٥٩) ، حياة الحيوان (٢ / ٣٥٩) ، السيرة الحلبيّة (٣ / ٣١٤) ، لسان العرب (١٤ / ١٩٣) ، تاج العروس (٨ / ١٤١).

قال الأميني : هذه الروايات تُعطينا درساً ضافياً بنظريّة عائشة في عثمان ، وأنّها لم تكن ترى له جدارة تسنّم ذلك العرش ، وبالغت في ذلك حتى ودّت إزالته عن مستوى الوجود. فأحبّت له أن يُلقى في البحر وبرجله رحى تجرّه إلى أعماقه ، أو أنّه يُجعل في غرارة من غرائرها وتشدّ عليه الحبال فيقذف في عباب اليمّ فيرسب فيه من غير خروج ، أو أن يودي به حراب المتجمهرين عليه فتكسح عن الملأ معرّة أُحدوثاته.

ولذلك كانت تثير الناس عليه بإخراج شعر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثوبه ونعله ، ولم تبرح تؤلّب الملأ الديني عليه وتحثهم على مقته وتخذّلهم عن نصرته في حضرها

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ٥ / ٣٦ ، أنساب الأشراف : ٦ / ١٨٧ و ١٩٣ و ٢١٢ ، الإمامة والسياسة : ١ / ٤٧ و ٥١ و ٦١ ، تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٤٠٧ و ٤٤٩ و ٤٥٨ و ٤٦٥ حوادث سنة ٣٦ ه‍ ، العقد الفريد : ٤ / ١١١ و ١١٨ ، تاريخ مدينة دمشق : ٢٧ / ٢٢١ رقم ٣٢١٣ ، الاستيعاب : القسم الثاني / ٧١٦ رقم ١٢٠٩ ، شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢١٥ خطبة ٧٩ و ١٠ / ٥ ـ ٩ خطبة ١٧٥ ، تذكرة الخواص : ص ٦١ و ٦٤ و ٦٩ ، النهاية : ٥ / ٨٠ ، أُسد الغابة : ٣ / ١٤ رقم ٢٤٩١ ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٣١٣ حوادث سنة ٣٦ ه‍ ، القاموس المحيط : ص ١٣٧٤ ، حياة الحيوان : ٢ / ٣٦٥ ، السيرة الحلبية : ٣ / ٢٨٦ ، لسان العرب : ١٤ / ١٩٨.

١٢٦

وسفرها ، وإنّها لم تعدل عن تلكم النظريّة حتى بعد ما أُجهز على عثمان إلاّ لمّا علمت من انفلات الأمر عن طلحة الذي كانت عائشة تتهالك دون تأميره وتضمر تقديمه منذ كانت تُرهج النقع على عثمان ، وتهيج الأُمّة على قتله ، فكانت تروم أن تُعيد الإمرة تيميّة مرّة أُخرى ، ولعلّها حجّت لبثّ هاتيك الدعاية في طريقها وعند مجتمع الحجيج بمكة ، فكان يُسمع منها قولها في طلحة : إيه ذا الإصبع! إيه أبا شبل! إيه يا ابن عمّ! لكأنّي أنظر إلى إصبعه وهو يبايَع له ، وقولها : إيه ذا الإصبع! لله أبوك ، أما إنّهم وجدوا طلحة لها كفواً.

وقولها في عثمان : اقتلوا نعثلاً قتله الله فقد كفر ، وقولها لابن عبّاس : إيّاك أن تردّ الناس عن هذا الطاغية ، وقولها بمكة : بُعداً لنعثل وسحقاً ، وقولها لمّا بلغها قتله : أبعده الله ، ذلك بما قدّمت يداه وما الله بظلاّم للعبيد.

لكنّها لمّا علمت أنّ خلافة الله الكبرى عادت علويّة واستقرّت في مقرّها الجدير بها ـ ولم يكن لها مع أمير المؤمنين عليه‌السلام هوى ـ قلبت عليها ظهر المجنّ ، فطفقت تقول : لوددت أنّ السماء انطبقت على الأرض إن تمّ هذا ، وأظهرت الأسف على قتل عثمان ورجعت إلى مكة بعد ما خرجت منها ، ونهضت ثائرة تطلب بدم عثمان لعلّها تجلب الإمرة إلى طلحة من هذا الطريق ، وإلاّ فما هي من أولياء ذلك الدم ، وقد وضع عنها قود العساكر ومباشرة الحروب ، لأنّها امرأة خلقها الله لخدرها ، وقد نهيت كبقيّة نساء النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاصّة عن التبرّج ، وقد أنذرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحذّرها عن خصوص واقعة الجمل ، غير أنّها أعرضت عن ذلك كلّه لما ترجّح في نظرها من لزوم تأييد أمر طلحة ، وتصاممت عن نبح كلاب الحوأب ، وقد ذكره لها الصادق الأمين عند الإنذار والتحذير ، ولم تزل يقودها الأمل حتى قتل طلحة فألمّت بها الخيبة ، وغلب أمر الله وهي كارهة.

١٢٧

ـ ٣ ـ

حديث عبد الرحمن بن عوف

أحد العشرة المبشّرة ، شيخ الشورى ، بدريّ

١ ـ أخرج البلاذري عن سعد ، قال : لمّا توفّي أبو ذر بالربذة تذاكر عليّ وعبد الرحمن بن عوف فعل عثمان ، فقال عليّ : «هذا عملك». فقال عبد الرحمن : إذا شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي ، إنّه قد خالف ما أعطاني.

٢ ـ قال أبو الفداء : لمّا أحدث عثمان رضى الله عنه ما أحدث من توليته الأمصار للأحداث من أقاربه ؛ روي أنّه قيل لعبد الرحمن بن عوف : هذا كلّه فعلك. فقال : ما كنت أظنّ هذا به ، لكن لله عليّ أن لا أكلّمه أبداً ، ومات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان ، ودخل عليه عثمان عائداً في مرضه فتحوّل إلى الحائط ولم يُكلّمه.

٣ ـ روى البلاذري من طريق عثمان بن الشريد ، قال : ذُكر عثمان عند عبد الرحمن بن عوف في مرضه الذي مات فيه ، فقال عبد الرحمن : عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه. فبلغ ذلك عثمان ، فبعث إلى بئر كان يُسقى منها نعم عبد الرحمن بن عوف فمنعه إيّاها ، فقال عبد الرحمن : اللهمّ اجعل ماءها غوراً ، فما وجدت فيها قطرة.

٤ ـ عن عبد الله بن ثعلبة ، قال : إنّ عبد الرحمن بن عوف كان حلف ألاّ يكلّم عثمان أبداً.

٥ ـ عن سعد ، قال : إنّ عبد الرحمن أوصى أن لا يصلّي عليه عثمان ، فصلّى عليه الزبير أو سعد بن أبي وقّاص ، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين.

٦ ـ قال ابن عبد ربّه : لمّا أحدث عثمان ما أحدث من تأمير الأحداث من أهل بيته على الجلّة من أصحاب محمد ، قيل لعبد الرحمن : هذا عملك. قال : ما ظننت هذا. ثمّ مضى ودخل عليه وعاتبه وقال : إنّما قدّمتك على أن تسير فينا بسيرة أبي بكر

١٢٨

وعمر فخالفتهما ، وحابيت أهل بيتك وأوطأتهم رقاب المسلمين. فقال : إنّ عمر كان يقطع قرابته في الله ، وأنا أصل قرابتي في الله. قال عبد الرحمن : لله عليّ أن لا أُكلّمك أبداً. فلم يكلّمه أبداً حتى مات وهو مهاجر لعثمان ، ودخل عليه عثمان عائداً له في مرضه فتحوّل عنه إلى الحائط ولم يكلّمه.

راجع (١) : أنساب البلاذري (٥ / ٥٧) ، العقد الفريد (٢ / ٢٥٨ ، ٢٦١ ، ٢٧٢) ، تاريخ أبي الفداء (١ / ١٦٦).

٧ ـ أخرج الطبري من طريق المسور بن مخرمة ، قال : قدمت إبل من إبل الصدقة على عثمان ، فوهبها لبعض بني الحكم ، فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف ، فأرسل إلى المسور بن مخرمة وإلى عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث فأخذاها ، فقسّمها عبد الرحمن في الناس وعثمان في الدار.

تاريخ الطبري (٥ / ١١٣) ، الكامل لابن الأثير (٣ / ٧٠) ، شرح ابن أبي الحديد (١ / ١٦٥) (٢).

٨ ـ قال أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل : أُستجيبت دعوة عليّ عليه‌السلام في عثمان وعبد الرحمن ، فما ماتا إلاّ متهاجرين متعاديين. أرسل عبد الرحمن إلى عثمان يعاتبه. إلى أن قال : لمّا بنى عثمان قصره طمار الزوراء ، وصنع طعاماً كثيراً ، ودعا الناس إليه ، كان فيهم عبد الرحمن فلمّا نظر إلى البناء والطعام قال : يا ابن عفّان لقد صدّقنا عليك ما كنّا نكذّب فيك ، وإنّي أستعيذ بالله من بيعتك ، فغضب عثمان وقال : أخرجه عنّي يا غلام ، فأخرجوه وأمر الناس أن لا يجالسوه ، فلم يكن يأتيه أحد إلاّ

__________________

(١) أنساب الأشراف : ٦ / ١٧١ ، ١٧٢ ، العقد الفريد : ٤ / ١٠١ ، ١١٨.

(٢) تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٣٦٥ حوادث سنة ٣٥ ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٢٨٦ حوادث سنة ٣٥ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ١٤٩ خطبة ٣٠.

١٢٩

ابن عبّاس ، كان يأتيه فيتعلّم منه القرآن والفرائض ، ومرض عبد الرحمن فعاده عثمان وكلّمه فلم يكلّمه حتى مات.

شرح ابن أبي الحديد (١) (١ / ٦٥ ، ٦٦).

قول العسكري : أُستجيبت دعوة عليّ ؛ إشارة إلى ما ورد من قوله عليه‌السلام يوم الشورى لعبد الرحمن بن عوف : «والله ما فعلتها إلاّ لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه ، دقّ الله بينكما عِطْر مَنْشِم» (٢).

ومَنْشِم : امرأة عطّارة من حمير ، وكانت خزاعة وجرهم اذا أرادوا القتال تطيّبوا من طيبها ، وكانوا إذا فعلوا ذلك كثر القتلى فيما بينهم ، فكان يقال : أشأم من عطر مَنْشِم ، فصار مثلاً (٣).

وقول عبد الرحمن : لقد صدّقنا عليك ما كنّا نكذّب فيك. إيعاز إلى قول مولانا أمير المؤمنين يوم الشورى أيضاً : «أما إني أعلم أنّهم سيولّون عثمان ، وليحدثنّ البدع والأحداث ، ولئن بقي لأذكرنّك ، وإن قتل أو مات ليتداولنّها بنو أُميّة بينهم ، وإن كنت حيّا لتجدني حيث تكرهون» (٤).

قال الشيخ محمد عبده في شرح نهج البلاغة (٥) (١ / ٣٥) : لمّا حدث في عهد عثمان ما حدث من قيام الأحداث من أقاربه على ولاية الأمصار ، ووجد عليه كبار الصحابة ، روي أنّه قيل لعبد الرحمن : هذا عمل يديك. فقال : ما كنت أظنّ هذا به

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ١ / ١٩٦ خطبة ٣.

(٢) شرح ابن أبي الحديد : ١ / ٦٣ [١ / ١٨٨ خطبة ٣]. (المؤلف)

(٣) أنظر مجمع الأمثال : ٢ / ١٩١ رقم ٢٠٣٨.

(٤) شرح ابن أبي الحديد : ١ / ٦٤ [١ / ١٩٢ خطبة ٣]. (المؤلف)

(٥) شرح نهج البلاغة : ص ٨٨.

١٣٠

ولكن لله عليّ أن لا أُكلّمه أبداً ، ثمّ مات عبد الرحمن وهو مهاجر لعثمان ، حتى قيل : إنّ عثمان دخل عليه في مرضه يعوده فتحوّل إلى الحائط لا يكلّمه ، والله أعلم والحكم لله يفعل ما يشاء.

وقال ابن قتيبة في المعارف (١) (ص ٢٣٩) : كان عثمان بن عفّان مهاجراً لعبد الرحمن بن عوف حتى ماتا.

قال الأميني : لا بدّ أن يُساءل هؤلاء عن أشياء ، فيقال لهم : إنّ سيرة الشيخين التي بويع عثمان عليها هل كانت تطابق سنّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تخالفها؟ وعلى الأوّل فشرطها مستدرك ، ولا شرط للخلافة إلاّ مطابقة كتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا نقمة على تاركها إلاّ بترك السنّة لا السيرة ، فذكرها إلى جانب السنّة الشريفة كضمّ اللاّحجّة إلى الحجّة ، أو كوضع الحجر إلى جنب الإنسان ، وعلى الثاني فإنّ من الواجب على كلّ مسلم مخالفتها بعد فرض إيمانه بالله وبكتابه ورسوله واليوم الآخر ، فكان من حقّ المقام أن ينكروا على عثمان مخالفة السنّة فحسب. ولهذا لم يقبل مولانا أمير المؤمنين لمّا ألقى إليه عبد الرحمن أمر البيعة على الشرط المذكور إلاّ مطابقة أمره للسنّة والاجتهاد فيها (٢).

وليت شعري إنّه لمّا شرط ابن عوف على عثمان ذلك هل كان يعلم بما قلناه من الموافقة أو المخالفة أو لا؟ وعلى فرض علمه يتوجّه عليه ما سطرناه على كلّ من الفرضين ، وعلى تقدير عدم علمه وهو أبعد شيء يفرض فكيف شرط عليه ما لا يعلم حقيقته ، وكيف يناط أمر الدين وزعامته الكبرى بحقيقة مجهولة؟ وما الفائدة في اشتراطه؟

__________________

(١) المعارف : ص ٥٥٠.

(٢) مسند أحمد : ١ / ٧٥ [١ / ١٢٠ ح ٥٥٨] ، تاريخ الطبري : ٥ / ٤٠ [٤ / ٢٣٨ حوادث سنة ٢٣] ، تمهيد الباقلاني : ص ٢٠٩ ، تاريخ ابن كثير : ٧ / ١٤٦ [٧ / ١٦٥ حوادث سنة ٢٤] (المؤلف)

١٣١

وللباقلاني في التمهيد (ص ٢١٠) في بيان هذا الشرط وجه نُجلّ عنه ساحة كلّ متعلّم فاهم فضلاً عن عالم مثله.

ثمّ نأتي إلى عثمان فنحاسبه على قبوله لأوّل وهلة ، هل كان يعلم شيئاً ممّا قدّمناه من النسبة بين السنّة والسيرة أو لا؟ فهلاّ شرط الأمر على تقدير الموافقة ، ورفضه على فرض المخالفة. وإن كان لا يعلم فكيف قبل شرطاً لا يدري ما هو؟

ثمّ هل كان يعلم يومئذٍ أنّه يطيق على ذلك أو لا؟ أو كان يعلم أنّه لا يطيقه؟ وعلى الأخير فكيف قبل ما لا يطيقه؟ وعلى الثاني كيف أقدم على الخطر فيما لا يعلم أنّه يتسنّى له أن ينوء به؟ وعلى الأوّل فلما ذا خالف ما اشترط عليه وقبله ووقعت البيعة عليه ، وحصل القبول والرضا من الأُمّة به؟ ثمّ جاء يعتذر لمّا أخذه ابن عوف بمخالفته إيّاها بأنّه لا يطيق ذلك ، فقال فيما أخرجه أحمد في مسنده (١) (١ / ٦٨) من طريق شقيق : وأمّا قوله : إني لم أترك سنّة عمر ، فإنّي لا أُطيقها ولا هو. وذكره ابن كثير في تاريخه (٢) (٧ / ٢٠٦).

وكيفما أُجيب عن هذه المسائل فعبرتنا الآن بنظريّة عبد الرحمن بن عوف الأخيرة في الخليفة ، وهي من أوضح الحقائق لمن استشفّ ما ذكرناه من قوله له : إنّي أستعيذ بالله من بيعتك. وقوله لمولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي. إلخ. مستحلاّ قتاله ، وقوله : عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه. وقد بالغ في الإنكار عليه ورأيه في سقوطه أنّه لم يره أهلاً للصلاة عليه وأوصى بذلك عند وفاته فصلّى عليه الزبير ، وهجره وحلف أن لا يكلّمه أبداً حتى أنّه حوّل وجهه إلى الحائط لمّا جاء عائداً ، وأنّه كان لا يرى لتصرّفاته نفوذاً ولذلك لمّا بلغه إعطاء عثمان إبل الصدقة لبعض بني الحكم أرسل إليها المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود

__________________

(١) مسند أحمد : ١ / ١٠٩ ح ٤٩٢.

(٢) البداية والنهاية : ٧ / ٢٣١ حوادث سنة ٣٥ ه‍.

١٣٢

فأخذها فقسّمها عبد الرحمن في الناس وعثمان في الدار ، ولهذه كلّها كان يراه عثمان منافقاً ويقذفه بالنفاق كما ذكره ابن حجر في الصواعق (١) (ص ٦٨) وأجاب عنه متسالماً عليه بأنّه كان متوحّشاً منه لأنّه كان يجيئه كثيراً. إقرأ واضحك. وذكره الحلبي في السيرة (٢) (٢ / ٨٧) فقال : أجاب عنه ابن حجر. ولم يذكر الجواب لعلمه بأنّه أُضحوكة.

ونسائل القوم بصورة أخرى مع قطع النظر عن جميع ما قلناه : إنّ ما اشتُرط على عثمان وعقد عليه أمره هل كان واجب الوفاء؟ أو كان لعثمان منتدح عنه بتركه؟ وعلى الأوّل فما وجه مخالفة الخليفة له؟ ولما ذا لم يقبله مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو عيبة علم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والعارف بأحكامه وسننه وبصلاح الأُمّة منذ بدء أمرها إلى منصرمه ، وهل يخلع الخليفة في صورة المخالفة؟ فلما ذا كان عثمان لا يروقه التنازل عن أمره لمّا أرادت الصحابة خلعه للمخالفة؟ أو أنّه لا يُخلع؟ فلما ذا تجمهروا عليه فخلعوه وقتلوه؟ وهم أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العدول كلّهم في نظر القوم ، وإن كان لا يجب الوفاء به فلما ذا لم يبايعوا مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام لمّا جابههم بعدم الالتزام بما لا يجب الوفاء به؟ وما معنى اعتذار عبد الرحمن بن عوف في تقديمه عثمان على أمير المؤمنين عليه‌السلام بأنّه قبل متابعة سيرة الشيخين ولم يقبلها عليّ عليه‌السلام؟ ولما ذا ألزموا عثمان به؟ ولما ذا التزم به عثمان؟ ولما ذا تمّت البيعة عليه؟ ولما ذا تجمهروا عليه لمّا شاهدوا منه المخالفة؟

(وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَمَّا كانُوا يَفْتَرُونَ) (٣)

(فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (٤)

__________________

(١) الصواعق المحرقة : ص ١١٤.

(٢) السيرة الحلبية : ٢ / ٧٨.

(٣) العنكبوت : ١٣.

(٤) الروم : ٥٧.

١٣٣

ـ ٤ ـ

حديث طلحة بن عبيد الله

أحد العشرة المبشّرة ، وأحد الستّة أصحاب الشورى

١ ـ من كلام لمولانا أمير المؤمنين في طلحة : «والله ما استعجل متجرّداً للطلب بدم عثمان إلاّ خوفاً من أن يُطالب بدمه لأنّه مظنّته ، ولم يكن في القوم أحرض عليه منه ، فأراد أن يغالط بما أجلب فيه ليلبس الأمر ويقع الشك ، وو الله ما صنع في أمر عثمان واحدة من ثلاث : لئن كان ابن عفّان ظالماً ـ كما كان يزعم ـ لقد كان ينبغي له أن يوازر قاتليه أو ينابذ ناصريه. ولئن كان مظلوماً لقد كان ينبغي له أن يكون من المنهنهين عنه والمعذّرين فيه. ولئن كان في شكّ من الخصلتين لقد كان ينبغي له أن يعتزله ويركد جانباً ويدع الناس معه ، فما فعل واحدة من الثلاث ، وجاء بأمر لم يعرف بابه ، ولم تسلم معاذيره» (١).

قال ابن أبي الحديد في الشرح (٢) (٢ / ٥٠٦) : فإن قلت : يمكن أن يكون طلحة اعتقد إباحة دم عثمان أوّلاً ، ثمّ تبدّل ذلك الاعتقاد بعد قتله فاعتقد أنّ قتله حرام ، وأنّه يجب أن يقتصّ من قاتليه. قلت : لو اعترف بذلك لم يقسّم عليّ عليه‌السلام هذا التقسيم ؛ وإنّما قسّمه لبقائه على اعتقاد واحد ، وهذا التقسيم مع فرض بقائه على اعتقاد واحد صحيح لا مطعن فيه ، وكذا كان حال طلحة ؛ فإنّه لم يُنقل عنه أنّه قال : ندمت على ما فعلت بعثمان.

فإن قلت : كيف قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : فما فعل واحدة من الثلاث ، وقد فعل واحدة منها ، لأنّه وازر قاتليه حيث كان محصوراً. قلت : مراده عليه‌السلام : أنّه إن كان عثمان

__________________

(١) نهج البلاغة : ١ / ٣٢٣ [ص ٢٤٩ خطبة ١٧٤]. (المؤلف)

(٢) شرح نهج البلاغة : ١٠ / ٩ خطبة ١٧٥.

١٣٤

ظالماً وجب أن يوازر قاتليه بعد قتله ، يحامي عنهم ، ويمنعهم ممّن يروم دماءهم ، ومعلوم أنّه لم يفعل ذلك ، وإنّما وازرهم وعثمان حيّ ؛ وذلك غير داخل في التقسيم. انتهى.

٢ ـ أخرج الطبري من طريق حكيم بن جابر ، قال : قال عليّ لطلحة ـ وعثمان محصور ـ : «أنشدك الله إلاّ رددت الناس عن عثمان». قال : لا والله حتى تعطي بنو أُميّة الحقّ من أنفسها (١).

تاريخ الطبري (٥ / ١٣٩) ، شرح ابن أبي الحديد (١ / ١٦٨) فقال : فكان عليّ عليه‌السلام يقول : «لحا الله ابن الصعبة أعطاه عثمان ما أعطاه وفعل به ما فعل».

٣ ـ أخرج الطبري من طريق بشر بن سعيد ، قال : حدّثني عبد الله بن عبّاس ابن أبي ربيعة (٢) قال : دخلت على عثمان رضى الله عنه ، فتحدّثت عنده ساعة ، فقال : يا ابن عبّاس تعال ، فأخذ بيدي فأسمعني كلام من على باب عثمان ، فسمعنا كلاماً ؛ منهم من يقول : ما تنتظرون به؟ ومنهم من يقول : انظروا عسى أن يراجع ، فبينا أنا وهو واقفان إذ مرّ طلحة بن عبيد الله ، فوقف فقال : أين ابن عديس؟ فقيل : ها هو ذا. قال : فجاءه ابن عديس ، فناجاه بشيء ، ثم رجع ابن عديس فقال لاصحابه : لا تتركوا أحداً يدخل على هذا الرجل ولا يخرج من عنده. قال : فقال لي عثمان : هذا ما أمر به طلحة بن عبيد الله. ثمّ قال عثمان : اللهمّ اكفني طلحة بن عبيد الله ، فإنّه حمل عليّ هؤلاء وألّبهم ، والله إنّي لأرجو أن يكون منها صفراً وأن يُسفك دمه ، إنّه انتهك منّي ما لا يحلّ له ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يحلّ دم امرئ مسلم إلاّ في إحدى ثلاث : رجل كفر بعد إسلامه فيقتل ، أو رجل زنى بعد إحصانه فيرجم ، أو

__________________

(١) تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٤٠٥ حوادث سنة ٣٥ ه‍ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ١٦١ خطبة ٣٠ ، ١٠ / ٥ خطبة ١٧٥.

(٢) في الطبعة المعتمدة : عبد الله بن عيّاش بن أبي ربيعة.

١٣٥

رجل قتل نفساً بغير نفس». ففيم أُقتل؟ قال : ثمّ رجع عثمان. قال ابن عبّاس : فأردت أن أخرج فمنعوني حتى مرّ بي محمد بن أبي بكر فقال : خلّوه ، فخلّوني.

تاريخ الطبري (٥ / ١٢٢) ، الكامل لابن الأثير (٣ / ٧٣) (٣).

٤ ـ أخرج الطبري من طريق الحسن البصري : أنّ طلحة بن عبيد الله باع أرضاً له من عثمان بسبعمائة ألف فحملها إليه ، فقال طلحة : إنّ رجلاً تتّسق هذه عنه (٤) وفي بيته لا يدري ما يطرقه من أمر الله عزّ وجلّ لغرير بالله سبحانه ، فبات ورسوله يختلف بها في سكك المدينة يقسّمها حتى أصبح ، فأصبح وما عنده منها درهم. قال الحسن : وجاء هاهنا يطلب الدينار والدرهم. أو قال : الصفراء والبيضاء.

تاريخ الطبري (٥ / ١٣٩) ، تاريخ ابن عساكر (٧ / ٨١) (٥).

٥ ـ حكى ابن أبي الحديد (٦) عن الطبري : أنّ عثمان كان له على طلحة خمسون الفاً ، فخرج عثمان يوماً إلى المسجد ، فقال له طلحة : قد تهيّأ مالك فاقبضه ، فقال : هو لك يا أبا محمد معونة لك على مروءتك. قال : فكان عثمان يقول وهو محصور : جزاء سِنِمّار (٧).

وقال ابن أبي الحديد : كان طلحة من أشدّ الناس تحريضاً عليه ، وكان الزبير

__________________

(٣) تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٣٧٨ حوادث سنة ٣٥ ه‍ ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٢٩١ حوادث سنة ٣٥ ه‍.

(٤) في شرح ابن أبي الحديد [١٠ / ٥ خطبة ١٧٥] : عنده. (المؤلف)

(٥) تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٤٠٥ حوادث سنة ٣٥ ه‍ ، تاريخ مدينة دمشق : ٢٥ / ١٠١ رقم ٢٩٨٣ ، وفي مختصر تاريخ دمشق ١١ / ٢٠١.

(٦) شرح نهج البلاغة : ١٠ / ٥ خطبة ١٧٥.

(٧) هذا الحديث أخرجه الطبري في تاريخه : ٥ / ١٣٩ [٤ / ٤٠٥ حوادث سنة ٣٥ ه‍] ، وليس فيه ما حكاه عنه ابن أبي الحديد : فكان عثمان يقول وهو محصور : جزاء سنمّار. (المؤلف)

١٣٦

دونه في ذلك. روي أنّ عثمان قال : ويلي على ابن الحضرميّة ـ يعني طلحة ـ أعطيته كذا وكذا بهاراً ذهباً ، وهو يروم دمي يحرّض على نفسي ، اللهمّ لا تمتّعه به ولقّه عواقب بغيه.

قال : وروى الناس الذين صنّفوا في واقعة الدار : أنّ طلحة كان يوم قُتل عثمان مقنّعاً بثوب قد استتر به عن أعين الناس يرمي الدار بالسهام ، ورووا أيضاً : أنّه لمّا امتنع على الذين حصروه الدخول من باب الدار ، حملهم طلحة إلى دار لبعض الأنصار ، فأصعدهم إلى سطحها وتسوّروا منها على عثمان داره فقتلوه.

شرح ابن أبي الحديد (١) (٢ / ٤٠٤).

٦ ـ روى المدائني في كتاب مقتل عثمان : أنّ طلحة منع من دفنه ثلاثة أيّام ، وأنّ عليّا لم يبايع الناس إلاّ بعد قتل عثمان بخمسة أيّام ، وأنّ حكيم بن حزام أحد بني أسد ابن عبد العزّى وجبير بن مطعم بن الحرث بن نوفل استنجدا بعليّ على دفنه فأقعد طلحة لهم في الطريق ناساً بالحجارة ، فخرج به نفر يسير من أهله وهم يريدون به حائطاً بالمدينة يُعرف بحشّ كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم ، فلمّا صار هناك رجم سريره وهمّوا بطرحه ، فأرسل عليّ إلى الناس يعزم عليهم ليكفّوا عنه ، فكفّوا فانطلقوا به حتى دفنوه في حشّ كوكب.

وأخرج المدائني في الكتاب ، قال : دُفن عثمان بين المغرب والعتمة ، ولم يشهد جنازته إلاّ مروان بن الحكم وابنة عثمان وثلاثة من مواليه ، فرفعت ابنته صوتها تندبه وقد جعل طلحة ناساً هناك أكمنهم كميناً ، فأخذتهم الحجارة وصاحوا : نعثل نعثل. فقالوا : الحائط الحائط. فدفن في حائط هناك (٢).

__________________

(١) شرح نهج البلاغة : ٩ / ٣٥ ـ ٣٦ خطبة ١٣٦.

(٢) أنظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ١٠ / ٦ ـ ٧ خطبة ١٧٥.

١٣٧

٧ ـ أخرج الواقدي قال : لمّا قُتل عثمان تكلّموا في دفنه ، فقال طلحة : يُدفن بدير سلع. يعني مقابر اليهود. ورواه الطبري في تاريخه (١) (٥ / ١٤٣) غير أنّ فيه مكان طلحة : رجل.

٨ ـ أخرج الطبري بالإسناد ، قال : حُصر عثمان وعليّ بخيبر ، فلمّا قدم أرسل إليه عثمان ، يدعوه فانطلق ، فقلت : لأنطلقنّ معه ولأسمعنّ مقالتهما ، فلمّا دخل عليه كلّمه عثمان ، فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد ؛ فإنّ لي عليك حقوقاً ، حقّ الإسلام وحقّ الإخاء ، وقد علمت أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين آخى بين الصحابة آخى بيني وبينك ، وبيّن حقّ القرابة والصهر ، وما جعلت لي في عنقك من العهد والميثاق ، فو الله لو لم يكن من هذا شيء ثمّ كنّا إنّما نحن في جاهلية لكان مبطّأً على بني عبد مناف أن يبتزّهم أخو بني تيم ملكهم. فتكلّم عليّ فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال :

«أمّا بعد : فكل ما ذكرت من حقّك عليّ على ما ذكرت ، أمّا قولك : لو كنّا في جاهليّة لكان مُبطّئاً على بني عبد مناف أن يبتزّهم أخو بني تيم ملكهم ، فصدقت وسيأتيك الخبر». ثم خرج فدخل المسجد فرأى أُسامة جالساً ، فدعاه فاعتمد على يده ، فخرج يمشي إلى طلحة وتبعته ، فدخلنا دار طلحة بن عبيد الله وهي رجّاس (٢) من الناس ، فقام إليه فقال : «يا طلحة ما هذا الأمر الذي وقعت فيه؟» فقال : يا أبا حسن بعد ما مسّ الحزام الطبيَين (٣). فانصرف عليّ ولم يحر إليه شيئاً حتى أتى بيت المال ، فقال : «افتحوا هذا الباب». فلم يقدر على المفاتيح فقال : «اكسروه» ، فكُسر باب بيت المال ، فقال : «أخرجوا المال». فجعل يُعطي الناس فبلغ الذين في دار

__________________

(١) تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٤١٣ حوادث سنة ٣٥ ه‍.

(٢) الرجّاس : صوت الشيء المختلط العظيم.

(٣) أي : اشتدّ الأمر وتفاقم. كتب عثمان إلى عليّ عليه‌السلام : قد بلغ السيل الزبى وجاوز الحزام الطُّبْيَين. تاج العروس : ١٠ / ٢٢٢. (المؤلف)

١٣٨

طلحة الذي صنع علي ، فجعلوا يتسلّلون إليه حتى تُرك طلحة وحده ، وبلغ الخبر عثمان فسرّ بذلك ، ثمّ أقبل طلحة يمشي عائداً إلى دار عثمان ، فقلت : والله لأنظرنّ ما يقول هذا فتتبّعته ، فاستأذن على عثمان ، فلمّا دخل عليه قال : يا أمير المؤمنين أستغفر الله وأتوب إليه ، أردت أمراً فحال الله بيني وبينه ، فقال عثمان : إنّك والله ما جئت تائباً ولكنّك جئت مغلوباً ، الله حسيبك يا طلحة.

تاريخ الطبري (٦ / ١٥٤) ، كامل ابن الأثير (٣ / ٧٠) ، شرح ابن أبي الحديد (١ / ١٦٥) ، تاريخ ابن خلدون (٢ / ٣٩٧) (١).

قال الأميني : هذا لفظ تاريخ الطبري المطبوع وقد لعبت به أيدي الهوى بالتحريف وزادت فيه حديث الإخاء بين عثمان وعليّ المتسالم على بطلانه بين فرق المسلمين ، كأنّ القوم آلوا على أنفسهم بأن لا يدعوا حديثاً إلاّ شوّهوه بالاختلاق ، وقد حكى ابن أبي الحديد هذا الحديث عن تاريخ الطبري في شرحه (٢) (٢ / ٥٠٦) ولا توجد فيه مسألة الإخاء وإليك لفظه :

روى الطبري في التاريخ : أنّ عثمان لمّا حصر كان عليّ عليه‌السلام بخيبر في أمواله ، فلمّا قدم أرسل إليه يدعوه ، فلمّا دخل عليه قال له : إنّ لي عليك حقوقاً : حقّ الإسلام ، وحقّ النسب ، وحقّ مالي عليك من العهد والميثاق ، وو الله إن لو لم يكن من هذا كلّه شيء وكنّا في جاهليّة ؛ لكان عاراً على بني عبد مناف أن يبتزّهم أخو تيم ملكهم ـ يعني طلحة ـ ، فقال له عليه‌السلام : سيأتيك الخبر ... إلى آخر الحديث باللفظ المذكور.

وقد أسلفنا في الجزء الثالث (ص ١١٢ ـ ١٢٤) حديث المواخاة بأوسع ما يُسطر

__________________

(١) تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٤٣٠ حوادث سنة ٣٥ ه‍ ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٢٨٦ حوادث سنة ٣٥ ه‍ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ١٤٨ خطبة ٣٠ ، تاريخ ابن خلدون : ٢ / ٥٩٨.

(٢) شرح نهج البلاغة : ١٠ / ٨ خطبة ١٧٥.

١٣٩

وفيه : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي واخى أمير المؤمنين عليه‌السلام لا غيره.

٩ ـ ذكر البلاذري في حديث : أنّ طلحة قال لعثمان : إنّك أحدثت أحداثاً لم يكن الناس يعهدونها ، فقال عثمان : ما أحدثت أحداثاً ولكنّكم أظنّاء تفسدون عليّ الناس وتؤلّبونهم.

الأنساب (١) (٥ / ٤٤).

١٠ ـ حكى البلاذري عن أبي مخنف وغيره : حرس القوم عثمان ومنعوا من أن يُدخل عليه ، وأشار عليه سعيد بن العاص بأن يُحرم ويُلبّي ويخرج فيأتي مكة فلا يقدم عليه. فبلغهم قوله ، فقالوا : والله لئن خرج لا فارقناه حتى يحكم الله بيننا وبينه ، واشتدّ عليه طلحة بن عبيد الله في الحصار ، ومنع من أن يدخل إليه الماء حتى غضب عليّ بن أبي طالب من ذلك ، فأدخلت عليه روايا الماء.

الأنساب (٢) (٥ / ٧١).

١١ ـ في رواية للبلاذري (٣) (ص ٩٠) : كان الزبير وطلحة قد استوليا على الأمر ، ومنع طلحة عثمان من أن يدخل عليه الماء العذب ، فأرسل عليّ إلى طلحة وهو في أرض له على ميل من المدينة : أن دع هذا الرجل فليشرب من مائه ومن بئره يعني بئر رومة ، ولا تقتلوه من العطش ، فأبى ، فقال عليّ : لو لا أنّي قد آليت يوم ذي خُشب أنّه إن لم يُطعني لا أردّ عنه أحداً لأدخلت عليه الماء.

وفي الإمامة والسياسة (٤) (١ / ٣٤) : أقام أهل الكوفة وأهل مصر بباب عثمان

__________________

(١) أنساب الأشراف : ٦ / ١٥٦.

(٢) أنساب الأشراف : ٦ / ١٨٨.

(٣) أنساب الأشراف : ٦ / ٢١١.

(٤) الإمامة والسياسة : ١ / ٤٠.

١٤٠