الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٩

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٩

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٣

وفرّ خالد بن عقبة بن أبي معيط أخو الوليد يوم الدار ، وإليه أشار عبد الرحمن ابن سيحان (١) بقوله :

يلومونني أن جُلتُ في الدار حاسراً

وقد فرّ منها خالدٌ وهو دارعُ (٢)

فإن كان نادى دعوةً فسمعتها

فشلّت يدي واستكَّ منِّي المسامعُ

فقال خالد :

لعمري لقد أبصرتهم فتركتهم

بعينك إذ ممشاك في الدار واسعُ (٣)

وقال أبو عمر : قتل المغيرة بن الأخنس يوم الدار مع عثمان ; وله يوم الدار أخبار كثيرة ، ومنها : أنّه قال لعثمان حين أحرقوا بابه : والله لا قال الناس عنّا إنّا خذلناك ، وخرج بسيفه وهو يقول :

لمّا تهدّمت الأبوابُ واحترقتْ

يمّمتُ منهنَّ باباً غيرَ محترقِ

حقّا أقولُ لعبدِ اللهِ آمره

إن لم تقاتل لدى عثمانَ فانطلقِ

واللهِ لا أتركُه ما دام بي رمقٌ

حتى يُزايَلَ بين الرأس والعنقِ

هو الإمامُ فلست اليومَ خاذلَهُ

إنّ الفرارَ عليّ اليوم كالسرقِ

وحمل على الناس فضربه رجل على ساقه فقطعها ، ثمّ قتله. فقال رجل من بني زهرة لطلحة بن عبيد الله : قُتل المغيرة بن الأخنس ، فقال : قُتل سيّد حلفاء قريش.

__________________

(١) كذا في الأنساب ، وفي الاستيعاب ، والإصابة : أزهر بن سحبان. (المؤلف)

(٢) الأنساب للبلاذري : يلومونني في الدار أن غبت عنهم وقد فرّ عنهم خالد وهو دارع (المؤلف)

(٣) الأنساب : ٥ / ١١٧ [٦ / ٢٤٦] ، الاستيعاب : ١ / ١٥٥ [القسم الثاني / ٤٣٢ رقم ٦٠٩] ، الإصابة : ١ / ١٠٣ [رقم ٤٤٢] ، ٤١٠ [رقم ٢١٨٣]. (المؤلف)

٢٨١

راجع الاستيعاب (١) ترجمة المغيرة.

وقال ابن كثير في تاريخه (٢) (٧ / ١٨٨) : ومن أعيان من قتل من أصحاب عثمان زياد بن نعيم الفهري ، والمغيرة بن الأخنس بن شريق ، ونيار بن عبد الله الأسلمي ، في أُناس وقت المعركة.

قال الأميني : لقد حدتني إلى سرد هذه الأحاديث الدلالة بها منضمّة إلى ما سبقها من الأخبار على أنّه لم يكن مع عثمان من يدافع عنه غير الأمويِّين ومواليهم وحثالة ممّن كان ينسج على نولهم تجاه هياج المهاجرين والأنصار فقتل من أولئك من قتل ، وضمّ إليه كندوج أمّ حبيبة آخرين ، وتفرّق شذّاذ منهم هاربين في أزقّة المدينة ، فلم يبق إلاّ الرجل نفسه وأهله حتى انتهت إليه نوبة القتل من دون أيّ مُدافع عنه ، فتحفّظ على هذا ؛ فإنّه سوف ينفعك فيما يأتي من البحث عن سلسلة الموضوعات.

لفت نظر :

عدّ نيار بن عبد الله من أصحاب عثمان كما فعله ابن كثير غلط فاحش دعاه إليه حبّه إكثار عدد المدافعين عن الخليفة ، المقتولين دونه ، وقد عرفت أنّه كان شيخاً كبيراً حضر ذلك الموقف للنصيحة والموعظة الحسنة لعثمان فقتله مولى مروان بسهم ، فشبّ به القتال ، وطولب عثمان بقاتله ليقتصّ منه وامتنع عن دفعه فهاج بذلك غضب الأنصار عليه.

حديث مقتل عثمان

(إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ)

أخرج الطبري في تاريخه وغيره ؛ من طريق يوسف بن عبد الله بن سلام ، قال :

__________________

(١) الاستيعاب : القسم الرابع / ١٤٤٤ رقم ٢٤٧٩.

(٢) البداية والنهاية : ٧ / ٢١٠ حوادث سنة ٣٥ ه

٢٨٢

أشرف عثمان على الناس وهو محصور وقد أحاطوا بالدار من كلّ ناحية ، فقال : أنشدكم بالله جلّ وعزّ هل تعلمون أنّكم دعوتم الله عند مصاب أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضى الله عنه أن يخير لكم ، وأن يجمعكم على خيركم؟ فما ظنّكم بالله؟ أتقولونه (١) : لم يستجب لكم ، وهنتم على الله سبحانه؟ وأنتم يومئذ أهل حقّه من خلقه ، وجميع أموركم لم تتفرّق ، أم تقولون : هان على الله دينه فلم يُبال من ولاه؟ والدين يومئذ يُعبد به الله ولم يتفرّق أهله ، فتوكلوا أو تخذلوا وتعاقبوا ، أم تقولون : لم يكن أخذ عن مشورة؟ وإنّما كابرتم مكابرة ، فوكل الله الأُمّة إذا عصته ، لم تشاوروا في الإمام ، ولم تجتهدوا في موضع كراهته ، أم تقولون : لم يدر الله ما عاقبة أمري؟ فكنت في بعض أمري مُحسناً ولأهل الدين رضى فما أحدثت بعد في أمري ما يسخط الله وتسخطون ممّا لم يعلم الله سبحانه يوم اختارني وسربلني سربال كرامته ، وأنشدكم بالله هل تعلمون لي من سابقة خير وسلف خير قدّمه الله لي ، وأشهدنيه من حقّه وجهاد عدوّه ، حقّ على كلّ من جاء من بعدي أن يعرفوا لي فضلها؟ فمهلاً لا تقتلوني فإنّه لا يحلّ إلاّ قتل ثلاثة : رجل زنى بعد إحصانه ، أو كفر بعد إسلامه ، أو قتل نفساً بغير نفس فيُقتل بها ، فإنّكم إن قتلتموني وضعتم السيف على رقابكم ثمّ لم يرفعه الله عزّ وجلّ عنكم إلى يوم القيامة ، ولا تقتلوني فإنّكم إن قتلتموني لم تصلّوا من بعدي جميعاً أبداً ، ولم تقتسموا بعدي فيئاً جميعاً أبداً ، ولن يرفع الله عنكم الاختلاف أبداً.

قالوا له : أمّا ما ذكرت من استخارة الله عزّ وجلّ الناس بعد عمر رضى الله عنه فيمن يولّون عليهم ثمّ ولّوك بعد استخارة الله ، فإنّ كلّ ما صنع الله الخيرة ، ولكنّ الله سبحانه جعل أمرك بليّة ابتلى بها عباده.

وأمّا ما ذكرت من قدمك وسبقك مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّك قد كنت ذا قدم وسلف وكنت أهلاً للولاية ولكن بدّلت بعد ذلك وأحدثت ما قد علمت.

__________________

(١) كذا في المصدر ، ولعله : أتقولون.

٢٨٣

وأمّا ما ذكرت ممّا يصيبنا إن نحن قتلناك من البلاء فإنّه لا ينبغي ترك إقامة الحقّ عليك مخافة الفتنة عاماً قابلاً.

وأمّا قولك : إنّه لا يحلّ إلاّ قتل ثلاثة فإنّا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سمّيت : قتل من سعى في الأرض فساداً ، وقتل من بغى ثمّ قاتل على بغيه ، وقتل من حال دون شيء من الحقّ ومنعه ثمّ قاتل دونه وكابر عليه ، وقد بغيت ، ومنعت الحقّ وحُلت دونه وكابرت عليه ، تأبى أن تقيد من نفسك من ظلمت عمداً ، وتمسّكت بالإمارة علينا ، وقد جرت في حكمك وقسمك ، فإن زعمت أنّك لم تُكابرنا عليه وأنّ الذين قاموا دونك ومنعوك منّا إنّما يقاتلون بغير أمرك فإنّما يقاتلون لتمسّكك بالإمارة ، فلو أنّك خلعت نفسك لانصرفوا عن القتال دونك.

قال البلاذري وغيره : لمّا بلغ أهل مصر ومن معهم ممّن حاصر عثمان ما كتب به إلى ابن عامر ومعاوية فزادهم ذلك شدّة عليه وجدّا في حصاره وحرصاً على معاجلته بالقتل.

وكان طلحة قد استولى على أمر الناس في الحصار ، وأمرهم بمنع من يدخل عليه والخروج من عنده ، وأن يُدخل إليه الماء ، وأتت أمّ حبيبة بنت أبي سفيان بأداوة وقد اشتدّ عليه الحصار فمنعوها من الدخول ، فقالت : إنّه كان المتولّي لوصايانا وأمر أيتامنا وأنا أُريد مناظرته في ذلك ، فأذنوا لها فأعطته الأداوة.

وقال جبير بن مطعم : حصر عثمان حتى كان لا يشرب إلاّ من فقير (١) في داره فدخلت على عليّ فقلت : أرضيت بهذا أن يُحصر ابن عمّتك حتى والله ما يشرب إلاّ من فقير في داره؟ فقال : سبحان الله أو قد بلغوا به هذه الحال؟ قلت : نعم ، فعمد إلى روايا ماء فأدخلها إليه فسقاه.

__________________

(١) الفقير : البئر القليلة الماء.

٢٨٤

ولمّا وقعت الواقعة ، وقام القتال ، وقتل في المعركة زياد بن نعيم الفهري في ناس من أصحاب عثمان ، فلم يزل الناس يقتتلون حتى فتح عمرو بن حزم الأنصاري باب داره وهو إلى جنب دار عثمان بن عفّان ثمّ نادى الناس فأقبلوا عليهم من داره فقاتلوهم في جوف الدار حتى انهزموا وخلّي لهم عن باب الدار فخرجوا هراباً في طرق المدينة. وبقي عثمان في أُناس من أهل بيته وأصحابه فقتلوا معه وقتل عثمان رضى الله عنه.

أخرج ابن سعد والطبري من طريق عبد الرحمن بن محمد قال : إنّ محمد بن أبي بكر تسوّر على عثمان من دار عمرو بن حزم ومعه كنانة بن بشر بن عتاب ، وسودان ابن حمران ، وعمرو بن الحمق ، فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ في المصحف سورة البقرة ، فتقدّمهم محمد بن أبي بكر فأخذ بلحية عثمان فقال : قد أخزاك الله يا نعثل ، فقال عثمان : لست بنعثل ، ولكن عبد الله وأمير المؤمنين. فقال محمد : ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان. فقال عثمان : يا ابن أخي دع عنك لحيتي ، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه ، فقال محمد : ما أُريد بك أشدّ من قبضي على لحيتك. فقال عثمان : أستنصر الله عليك وأستعين به ، ثمّ طعن جبينه بمشقص (١) في يده.

وفي لفظ البلاذري : تناول عثمان المصحف ووضعه في حجره وقال : عباد الله لكم ما فيه ، والعتبى ممّا تكرهون ، اللهمّ اشهد ، فقال محمد بن أبي بكر : الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين! ثمّ رفع جماعة قداح كانت في يده فوجأ بها في خُششائه (٢) حتى وقعت في أوداجه فحزّت ولم تقطع ، فقال : عباد الله لا تقتلوني فتندموا وتختلفوا.

وفي لفظ ابن كثير : جاء محمد بن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلاً فأخذ بلحيته فعال بها حتى سمعت وقع أضراسه ، فقال : ما أغنى عنك معاوية ، وما أغنى عنك ابن

__________________

(١) المشقص : نصل السهم إذا كان طويلاً غير عريض. (المؤلف)

(٢) الخششاء : العظم الدقيق العاري من الشعر الناتئ خلف الأذن. (المؤلف)

٢٨٥

عامر ، وما أغنت عنك كتبك.

وفي لفظ ابن عساكر : قال محمد بن أبي بكر : على أيّ دين أنت يا نعثل؟ قال : على دين الاسلام ، ولست بنعثل ولكنّي أمير المؤمنين. قال : غيّرت كتاب الله. فقال : كتاب الله بيني وبينكم. فتقدّم إليه وأخذ بلحيته وقال : إنّا لا يُقبل منّا يوم القيامة أن نقول : ربّنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السبيل ، وشحطه بيده من البيت إلى باب الدار وهو يقول : يا ابن أخي ما كان أبوك ليأخذ بلحيتي.

قال ابن سعد والطبري : ورفع كنانة بن بشر مشاقص كانت في يده فوجأ بها في أصل أُذن عثمان فمضت حتى دخلت في حلقه ثمّ علاه بالسيف حتى قتله.

وفي رواية ابن أبي عون ضرب كنانة بن بشر التجيبي جبينه ومقدّم رأسه بعمود حديد فخرّ لجنبه ، قال الوليد بن عقبة أو غيره :

علاه بالعمود أخو تجيب

فأوهى الرأسَ منه والجبينا (١)

وضربه سودان بن حمران المرادي بعد ما خرّ لجنبه فقتله ، وأمّا عمرو بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات ، وقال : أمّا ثلاث منهنّ فإنّي طعنتهنّ لله ، وأما ستّ فإنّي طعنت إيّاهنّ لما كان في صدري عليه.

وأقبل عمير بن ضابئ عليه فكسر ضلعاً من أضلاعه ، وفي الإصابة : لمّا قتل عثمان وثب عمير بن ضابئ عليه فكسر ضلعين من أضلاعه. وقال المسعودي : وكان فيمن مال عليه عمير بن ضابئ البرجمي وخضخض بسيفه بطنه. وسيوافيك حديث

__________________

(١) من المستغرب جداً أنّ أبا عمر بن عبد البر ذكر هذا البيت في الاستيعاب في ترجمة مولانا أمير المؤمنين بعد ذكر قتله وقال : قال شاعرهم :

علاه بالعمود أخو تجوبٍ

فأوهى الرأس منه والجبينا

(المؤلف)

٢٨٦

آخر عنه لدة هذا.

وفي لفظ الطبري وابن عبد ربّة وابن كثير : ضربوه على رأسه ثلاث ضربات ، وطعنوه في صدره ثلاث طعنات ، ضربوه على مقدّم العين فوق الأنف ضربة أسرعت في العظم وقد أثخنوه وبه حياة وهم يريدون قطع رأسه ، فألقت نائلة وابنة شيبة بن ربيعة زوجتاه بنفسهما عليه. فقال ابن عديس : اتركوه. فتركوه ووطئتا وطئاً شديداً. وفي لفظ ابن كثير : في رواية : إنّ الغافقي بن حرب تقدّم إليه بعد محمد بن أبي بكر فضربه بحديدة في فيه.

وذكر البلاذري من طريق الحسن عن وثاب ، وكان مع عثمان يوم الدار وأصابته طعنتان كأنّهما كيّتان ، قال : بعثني عثمان فدعوت الأشتر له ، فقال : يا أشتر ما يريد الناس منّي؟ قال : يخيّرونك أن تخلع لهم أمرهم ، أو تقصّ من نفسك وإلاّ فهم قاتلوك. قال : أمّا الخلع فما كنت لأخلع سربالاً سربلنيه الله ، وأمّا القصاص فو الله لقد علمت أنّ صاحبيّ كانا يعاقبان ، وما يقوم بدني للقصاص ، وأمّا قتلي فو الله لئن قتلتموني لا تتحابّون بعدي أبداً ولا تقاتلون عدوّا جميعاً أبداً.

وقال وثاب : أصابتني جراحة فأنا أنزف مرّة وأقوم مرّة ، فقال لي عثمان : هل عندك وضوء؟ قلت : نعم. فتوضّأ ثمّ أخذ المصحف فتحرّم به من الفسقة ، فبينا هو كذلك إذ جاء رُويجل كأنّه ذئب فاطّلع ثمّ رجع ، فقلنا لقد ردّهم أمر ونهاهم ، فدخل محمد بن أبي بكر حتى جثا على ركبتيه ، وكان عثمان حسن اللحية ، فجعل يهزّها حتى سمع نقيض أضراسه ثمّ قال : ما أغنى عنك معاوية ، ما أغنى عنك ابن عامر؟ فقال : يا ابن أخي مهلاً فو الله ما كان أبوك ليجلس منّي هذا المجلس ، قال : فأشعره (١) وتعاونوا عليه فقتلوه.

__________________

(١) الإشعار : الإدماء بطعن أو رمي أو وجءٍ.

٢٨٧

وأخرج من طريق ابن سيرين ، قال : جاء ابن بديل إلى عثمان : ـ وكان بينهما شحناء ـ ومعه السيف وهو يقول : لأقتلنّه ، فقالت له جارية عثمان : لأنت أهون على الله من ذلك ، فدخل على عثمان فضربه ضربة لا أدري ما أخذت منه.

راجع (١) : طبقات ابن سعد طبع ليدن (٣ / ٥١) ، أنساب البلاذري (٥ / ٧٢ ، ٨٢ ، ٨٣ ، ٩٢ ، ٩٧ ، ٩٨) ، الإمامة والسياسة (١ / ٣٩) ، تاريخ الطبري (٥ / ١٢٥ ، ١٣١ ، ١٣٢) ، العقد الفريد (٢ / ٢٧٠) ، مروج الذهب (١ / ٤٤٢) ، الاستيعاب (٢ / ٤٧٧ ، ٤٧٨) ، تاريخ ابن عساكر (٤ / ٣٧٢) ، الكامل لابن الأثير (٣ / ٧٢ ، ٧٥) ، شرح ابن أبي الحديد (١ / ١٦٦ ، ١٦٨) ، تاريخ ابن خلدون (٢ / ٤٠١) ، تاريخ أبي الفداء (١ / ١٧٠) ، تاريخ ابن كثير (٧ / ١٨٤ ، ١٨٥ ، ١٨٧ ، ١٨٨) ، حياة الحيوان للدميري (١ / ٥٤) ، مجمع الزوائد (٧ / ٢٣٢) ، تاريخ الخميس (٢ / ٢٦٣) ، السيرة الحلبية (٢ / ٨٥) ، الإصابة (٢ / ٢١٥) ، إزالة الخفاء (٢ / ٢٣٩ ـ ٣٤٣).

تجهيز الخليفة ودفنه

أخرج الطبري ؛ من طريق أبي بشير العابدي ، قال : نُبذ عثمان رضى الله عنه ثلاثة أيّام لا يُدفن ، ثمّ إنّ حكيم بن حزام القرشي ثمّ أحد بني أسد بن عبد العزّى ، وجُبير ابن مطعم كلّما عليّا في دفنه وطلبا إليه أن يأذن لأهله في ذلك ، ففعل وأذن لهم عليّ ،

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ٣ / ٧٣ ، أنساب الأشراف : ٦ / ١٨٩ و ٢٠٢ و ٢١٣ و ٢٢٠ ، الإمامة والسياسة : ١ / ٤٤ ، تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٣٨٢ و ٣٨٣ و ٣٩٥ حوادث سنة ٣٥ ه‍ ، العقد الفريد : ٤ / ١١٣ ، مروج الذهب : ٢ / ٣٦٢ ، الاستيعاب : القسم الثالث / ١٠٣٧ رقم ١٧٧٨ ، تاريخ مدينة دمشق : ٣٩ / ٤٠٣ رقم ٤٦١٩ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١٦ / ٢٢٢ ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٢٩٣ حوادث سنة ٣٥ ه‍ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ١٥٥ خطبة ٣٠ ، تاريخ ابن خلدون : ٢ / ٣٠٠ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢٠٦ و ٢٠٧ و ٢٠٩ و ٢١٠ ، ٢١١ حوادث سنة ٣٥ ه‍ ، حياة الحيوان : ١ / ٧٨ ، السيرة الحلبية : ٢ / ٧٦.

٢٨٨

فلمّا سُمع بذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة ، وخرج به ناس يسير من أهله وهم يريدون به حائطاً بالمدينة يُقال له : حُشّ كوكب (١) كانت اليهود تدفن فيه موتاهم ، فلمّا خرج به على الناس رجموا سريره وهمّوا بطرحه ، فبلغ ذلك عليّا ، فأرسل إليهم يعزم عليهم لَيكُفُنّ عنه ، ففعلوا ، فانطلق به حتى دفن رضى الله عنه في حشّ كوكب ، فلمّا ظهر معاوية بن أبي سفيان على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتى أفضى به إلى البقيع ، فأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتّصل ذلك بمقابر المسلمين.

ومن طريق أبي كرب ـ وكان عاملاً على بيت مال عثمان ـ قال : دفن عثمان رضى الله عنه بين المغرب والعتمة ، ولم يشهد جنازته إلاّ مروان بن الحكم وثلاثة من مواليه وابنته الخامسة فناحت ابنته ورفعت صوتها تندبه ، وأخذ الناس الحجارة وقالوا : نعثل نعثل ، وكادت ترجم ، فقالوا : الحائط الحائط ، فدفن في حائط خارجاً.

ومن طريق عبد الله بن ساعدة ، قال : لبث عثمان بعد ما قتل ليلتين لا يستطيعون دفنه ثمّ حمله أربعة : حكيم بن حزام ، وجبير بن مطعم ، ونيار بن مكرم ، وأبو جهم بن حذيفة ، فلمّا وضع ليصلّى عليه ، جاء نفر من الصحابة يمنعونهم الصلاة عليه ، فيهم : أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي ، وأبو حيّة المازني في عدّة ومنعوهم أن يُدفن بالبقيع ، فقال أبو جهم : ادفنوه فقد صلّى الله عليه وملائكته ، فقالوا : لا والله لا يُدفن في مقابر المسلمين أبداً ، فدفنوه في حشّ كوكب ، فلمّا ملكت بنو أُميّة أدخلوا ذلك الحشّ في البقيع ، فهو اليوم مقبرة بني أُميّة.

ومن طريق عبد الله بن موسى المخزومي ، قال : لمّا قُتل عثمان رضى الله عنه أرادوا حزّ رأسه ، فوقعت عليه نائلة وأمّ البنين فمنعنهم وصحن وضربن الوجوه وخرقن ثيابهنّ ، فقال ابن عديس : اتركوه ، فأُخرِج عثمان ولم يُغسّل إلى البقيع ، وأرادوا أن يصلّوا عليه

__________________

(١) قال أبو عمر في الاستيعاب [القسم الثالث / ١٠٤٨ رقم ١٧٧٨] ، وياقوت في المعجم [٢ / ٢٦٢] ، والمحبّ الطبري في الرياض [٣ / ٦٥] : كوكب : رجل من الأنصار ، والحشّ : البستان. (المؤلف)

٢٨٩

في موضع الجنائز فأبت الأنصار ، وأقبل عمير بن ضابئ وعثمان موضوع على باب ، فنزا عليه فكسر ضلعاً من أضلاعه وقال : سجنت ضابئاً حتى مات في السجن.

وأخرج ابن سعد والطبري من طريق مالك بن أبي عامر ، قال : كنت أحد حملة عثمان رضى الله عنه حين قتل ، حملناه على باب ، وإنّ رأسه لتقرع الباب لإسراعنا به ، وإنّ بنا من الخوف لأمراً عظيماً حتى واريناه في قبره في حشّ كوكب.

وأخرج البلاذري من رواية أبي مخنف : أنّ عثمان رضى الله عنه قتل يوم الجمعة ، فترك في داره قتيلاً ، فجاء جبير بن مطعم ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، ومسور بن مخرمة الزهري ، وأبو الجهم بن حذيفة العدوي ليصلّوا عليه ويجنّوه (١) ، فجاء رجال من الأنصار فقالوا : لا ندعكم تصلّون عليه ، فقال أبو الجهم : إلاَّ تَدَعونا نصلّي عليه فقد صلّت عليه الملائكة ، فقال الحجّاج بن غزيّة : إن كنت كاذباً فأدخلك الله مدخله ، قال : نعم حشرني الله معه ، قال ابن غزيّة : إنّ الله حاشرك معه ومع الشيطان ، والله إنّ ترك إلحاقك به لخطأ وعجز. فسكت أبو الجهم ، ثمّ إنّ القوم أغفلوا أمر عثمان وشغلوا عنه ، فعاد هؤلاء النفر فصلّوا عليه ودفنوه ، وأَمَّهم جبير بن مطعم وحملت أم البنين بنت عُيينة بن حصن امرأة عثمان لهم السراج ، وحمل على باب صغير من جريد قد خرجت عنه رجلاه ، وأخرج حديث منع الصلاة عليه أبو عمر في الاستيعاب من طريق هشام بن عروة عن أبيه.

وقال : إنّه لقيهم قوم من الأنصار فقاتلوهم حتى طرحوه ، ثمّ توطّأ عمير بن ضابئ بن الحارث بن أرطاة التميمي ثمّ البرجمي بطنه ، وجعل يقول : ما رأيت كافراً ألين بطناً منه ، وكان أشدّ الناس على عثمان ، فكان يقول يومئذ : أرني ضابئاً ، أحي لي ضابئاً ليرى ما عليه عثمان من الحال. وقال ابن قتيبة في الشعر والشعراء (٢) (ص ١٢٨):

__________________

(١) الإجنان : الدفن.

(٢) الشعر والشعراء : ص ٢١٩.

٢٩٠

جاء عمير بن ضابئ فرفسه برجله.

قال البلاذري : ودفن عثمان في حشّ كوكب وهو نخل لرجل قديم يقال له : كوكب ، ثمّ أقبل الناس حين دفن إلى عليّ فبايعوه. وأرادوا دفن عثمان بالبقيع فمنعهم من ذلك قوم فيهم أسلم بن بجرة الساعدي ، ويقال : جبلة بن عمرو الساعدي ، وقال ابن داب : صلّى عليه مسور بن مخرمة.

وقال المدائني عن الوقاصي عن الزهري : امتنعوا من دفن عثمان ، فوقفت أُمّ حبيبة بباب المسجد ، ثمّ قالت : لتخَلُّنّ بيننا وبين دفن هذا الرجل أو لأكشفنّ ستر رسول الله. فخلّوا بينهم وبين دفنه.

وأخرج من طريق أبي الزناد ، قال : خرجت نائلة امرأة عثمان ليلة دُفن ومعها سراج وقد شقّت جيبها وهي تصيح : وا عثماناه ، وا أمير المؤمنيناه ، فقال لها جبير بن مطعم : اطفئي السراج فقد ترين من بالباب ، فأطفأت السراج وانتهوا إلى البقيع ، فصلّى عليه جبير وخلفه حكيم بن حزام ، وأبو جهم ، ونيار بن مكرم ، ونائلة وأُم البنين امرأتاه ونزل في حفرته نيار وأبو جهم وجُبير ، وكان حكيم والامرأتان يدلّونه على الرجال حتى قبر وبني عليه وغمّوا (١) قبره وتفرّقوا. وفي لفظ أبي عمر : فلمّا دفنوه غيّبوا قبره ، وذكره السمهودي في وفاء الوفا (٢ / ٩٩) من طريق ابن شبّة (٢) عن الزهري.

وأخرج ابن الجوزي ، والمحبّ الطبري ، والهيثمي (٣) ، من طريق عبد الله بن فروخ ، قال : شهدت عثمان بن عفّان دفن في ثيابه بدمائه ولم يغسّل. وقال المحبّ : خرّجه البخاري والبغوي في معجمه. وذكر ابن الأثير في الكامل وابن أبي الحديد في

__________________

(١) غما البيت يغموه غمواً إذا غطّاه.

(٢) تاريخ المدينة : ٤ / ١٢٤٠.

(٣) مجمع الزوائد : ٧ / ٢٣٣.

٢٩١

الشرح ؛ أنّه لم يغسَّل وكفّن في ثيابه.

وأخرج أبو عمر في الاستيعاب من طريق مالك ، قال : لمّا قُتل عثمان رضى الله عنه أُلقي على المزبلة ثلاثة أيّام ، فلمّا كان من الليل أتاه اثنا عشر رجلاً (١) ، فيهم حويطب بن عبد العزّى ، وحكيم بن حزام ، وعبد الله بن الزبير [وجدّي] (٢) فاحتملوه ، فلمّا صاروا به إلى المقبره ليدفنوه ناداهم قوم من بني مازن : والله لئن دفنتموه هاهنا لنخبرنّ الناس غداً ، فاحتملوه وكان على باب ، وإنّ رأسه على الباب ليقول : طق طق ، حتى صاروا به إلى حشّ كوكب ، فاحتفروا له ، وكانت عائشة بنت عثمان معها مصباح في جرّة ، فلمّا أخرجوه ليدفنوه صاحت ، فقال لها ابن الزبير : والله لئن لم تسكتي لأضربنّ الذي فيه عيناك ، قال : فسكتت ، فدفن.

وذكره المحبّ الطبري في الرياض نقلاً عن القلعي ، وذكر عن الخجندي أنّه أقام في حشّ كوكب ثلاثاً مطروحاً لا يصلّى عليه.

وذكر الصفدي في تمام المتون (٣) (ص ٧٩) عن مالك أنّ عثمان أُلقي على المزبلة ثلاثة أيّام.

وقال اليعقوبي : أقام ثلاثاً لم يُدفن ، وحضر دفنه حكيم ، وجبير ، وحويطب ، وعمرو بن عثمان ابنه ، ودُفن ليلاً في موضع يُعرف بحشّ كوكب ، وصلّى عليه هؤلاء الأربعة وقيل : لم يصلّ عليه ، وقيل : أحد الأربعة قد صلّى عليه ، فدفن بغير صلاة.

وقال ابن قتيبة : ذكروا أنّ عبد الرحمن بن أزهر قال : لم أكن دخلت في شيء من أمر عثمان لا عليه ولا له ، فإنّي لجالس بفناء داري ليلاً بعد ما قتل عثمان بليلة إذ

__________________

(١) أحاديث الباب مطلقة على أنّ الذين تولّوا إجنانه كانوا أربعة. وقال المحبّ الطبري [٣ / ٦٥] : وقد قيل : إنّ الذين تولّوا تجهيزه كانوا خمسة أو ستّة ، أربعة رجال وامرأتان : نائلة وأمّ البنين. (المؤلف)

(٢) الزيادة من المصدر.

(٣) تمام المتون : ص ١٩١.

٢٩٢

جاءني المنذر بن الزبير ، فقال : إنّ أخي يدعوك فقمت إليه ، فقال لي : إنّا أردنا أن ندفن عثمان فهل لك؟ قلت : والله ما دخلت في شيء من شأنه وما أريد ذلك ، فانصرفت عنه ثمّ اتّبعته ، فإذا هو في نفر فيهم جبير بن مطعم ، وأبو الجهم ، والمسور ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، وعبد الله بن الزبير ، فاحتملوه على باب وإنّ رأسه ليقول : طق طق ، فوضعوه في موضع الجنائز ، فقام إليهم رجال من الأنصار فقالوا لهم : لا والله لا تصلّون عليه ، فقال أبو الجهم : ألا تدعونا نصلّي عليه؟ فقد صلّى الله تعالى عليه وملائكته. فقال له رجل منهم : إن كنت كاذباً فأدخلك الله مدخله ، فقال له : حشرني الله معه ، فقال له : إنّ الله حاشرك مع الشياطين ، والله إن تركناكم به لعجز منّا. فقال القوم لأبي الجهم : اسكت عنهم وكفّ ، فسكت ، فاحتملوه ثمّ انطلقوا مسرعين كأنّي أسمع وقع رأسه على اللوح ، حتى وضعوه في أدنى البقيع فأتاهم جبلة ابن عمرو الساعدي من الأنصار فقال : لا والله لا تدفنوه في بقيع رسول الله ولا نترككم تصلّون عليه ، فقال أبو الجهم : انطلقوا بنا إن لم نصلِّ عليه فقد صلّى الله عليه ، فخرجوا ومعهم عائشة بنت عثمان معها مصباح في حُقّ ، حتى إذا أتوا به جسر (١) كوكب حفروا له حفرة ، ثمّ قاموا يصلّون عليه وأمّهم جبير بن مطعم ، ثمّ دلّوه في حفرته ، فلمّا رأته ابنته صاحت ، فقال ابن الزبير : والله لئن لم تسكتي لأضربنّ الذي فيه عيناك فدفنوه ، ولم يلحدوه بلبن ، وحثوا عليه التراب حثواً.

وقال ياقوت الحموي : لمّا قتل عثمان أُلقي في حشّ كوكب ثمّ دفن في جنبه.

وذكر ابن كثير بعض ما أسلفناه نقلاً عن البلاذري فقال : ثمّ أخرجوا بعبدي عثمان اللذين قتلا في الدار وهما : صُبيح ونُجيح فدفنا إلى جانبه بحشّ كوكب ،

__________________

(١) كذا في النسخة : والصحيح : حش. (المؤلف)

٢٩٣

وقيل : إنّ الخوارج لم يمكّنوا من دفنهما ، بل جرّوهما بأرجلهما حتى ألقوهما بالبلاط (١) فأكلتهما الكلاب ، وقد اعتنى معاوية في أيّام إمارته بقبر عثمان ، ورفع الجدار بينه وبين البقيع وأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حوله.

وذكر الحلبي في السيرة ، عن ابن الماجشون ، عن مالك : أنّ عثمان بعد قتله أُلقي على المزبلة ثلاثة أيّام ، وقيل ، أُغلق عليه بابه بعد قتله ثلاثة أيّام ، لا يستطيع أحد أن يدفنه .. إلى آخر ما مرّ من حديث مالك. ولمّا دفنوه عفوا قبره خوفاً عليه أن يُنبش ، وأمّا غلاماه اللذان قتلا معه فجرّوهما برجليهما وألقوهما على التلال ، فأكلتهما الكلاب.

وذكر ابن أبي الحديد وابن الأثير والدميري أنّه أقام ثلاثة أيّام لم يُدفن ولم يصلّ عليه ، وقيل لم يغسّل ولم يكفّن ، وقيل : صلّى عليه جبير بن مطعم ودُفن ليلاً.

وذكر السمهودي في وفاء الوفا عن عثمان بن محمد الأخنسي عن أُمّ حكيمة قالت : كنت مع الأربعة الذين دفنوا عثمان بن عفّان : جبير ، حكيم ، أبو جهم ، نيار الأسلمي وحملوه على باب اسمع قرع رأسه على الباب كأنّه دباة ويقول : دب دب. حتى جاءوا به حشّ كوكب فدفن به ثمّ هدم عليه الجدار وصُلّي عليه هناك.

راجع (٢) : طبقات ابن سعد طبع ليدن (٣ / ٥٥) ، أنساب البلاذري (٨٣ ـ ٨٦ ،

__________________

(١) البلاط من الأرض : وجهها ، أو منتهى الصلب منها. وفي لفظ الحلبي كما يأتي : التلال ، ولعله الصحيح. (المؤلف)

(٢) الطبقات الكبرى : ٣ / ٧٨ ، أنساب الأشراف : ٦ / ٢٠٣ و ٢٠٥ و ٢٢٢ ، الإمامة والسياسة : ١ / ٤٦ ، تاريخ الأُمم والملوك : ٤ / ٤١٢ ، ٤١٣ ، ٤١٤ حوادث سنة ٣٥ ه‍ ، تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٧٦ ، الاستيعاب : القسم الثالث / ١٠٤٧ ـ ١٠٤٩. رقم ١٧٧٨ ، صفة الصفوة : ١ / ٣٠٥ رقم ٤ ، الكامل في التاريخ : ٢ / ٢٩٥ حوادث سنة ٣٥ ه‍ ، الرياض النضرة : ٣ / ٦٥ ـ ٦٦ ، معجم البلدان : ٢ / ٢٦٢ ، شرح نهج البلاغة : ٢ / ١٥٨ خطبة ٣٠ ، البداية والنهاية : ٧ / ٢١٣ حوادث سنة ٣٥ ه‍ ، حياة الحيوان : ١ / ٧٨ ، وفاء الوفا : ٣ / ٩١٣ ، السيرة الحلبية : ٢ / ٧٦.

٢٩٤

٩٩) ، الإمامة والسياسة (١ / ٤٠) ، تاريخ الطبري (٥ / ١٤٣ ، ١٤٤) ، تاريخ اليعقوبي (٢ / ١٥٣) ، الاستيعاب (٢ / ٤٧٨ ، ٤٧٩) صفة الصفوة (١ / ١١٧) ، الكامل لابن الأثير (٣ / ٧٦) ، الرياض النضرة (٢ / ١٣١ ، ١٣٢) ، معجم البلدان (٣ / ٢٨١) ، شرح ابن أبي الحديد (١ / ١٦٨) ، تاريخ ابن كثير (٧ / ١٩٠ ، ١٩١) ، حياة الحيوان للدميري (١ / ٥٤) ، وفاء الوفا للسمهودي (٢ / ٩٩) ، السيرة الحلبية (٢ / ٨٥) ، تاريخ الخميس (٢ / ٢٦٥).

وقال الشاعر المفلق أحمد شوقي بك في دول العرب (ص ٤٩).

من لقتيل بالسفا (١) مكفّنِ

مرّت به ثلاثة لم يُدفنِ

تعرضه نوادباً أراملُه

ويشفق النعش ويأبى حامله

قد حيل بين الأرض وابن آدما

ونوزعت دار البقاء قادما

قال الأميني : إنّ هاهنا صحيفة غامضة أقف تجاهها موقف السادر لا تطاوعني النفس على الركون إلى أيّ من شقَّي الاحتمال اللّذين يختلجان في الصدر ، وذلك أنّ ما ارتكب من الخليفة في التضييق عليه وقتله بتلكم الصور المشدّدة ، ثمّ ما نيل منه بعد القتل من المنع عن تجهيزه وتغسيله ودفنه والصلاة عليه والوقيعة فيه بالسباب المقذع وتحقيره برمي جنازته بالحجارة وكسر بعض أضلاعه ، يستدعي إمّا فسق الصحابة أجمع فإنّهم كانوا بين مباشر لهاتيك الأحوال ، وبين خاذل للمودى به ، وبين مؤلّب عليه ، إلى مثبّط عنه ، إلى راضٍ بما فعلوا ، إلى محبّذ لتلكم الأهوال ، وكان يرنّ في مسامعهم قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِ) (٢). وقوله تعالى : (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) (٣). وقوله

__________________

(١) السفا : الغبار. (المؤلف)

(٢) الأنعام : ١٥١.

(٣) المائدة : ٣٢.

٢٩٥

تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (١).

وما جاء في ذلك من السنّة أكثر ، وما يؤثر عن نبيّ العظمة صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من وجوب دفن موتى المؤمنين وتغسيلهم وتكفينهم والصلاة عليهم ، وأنّ حرمة المؤمن ميّتاً كحرمته حيّا ، فالقوم إن كانوا متعمّدين في مخالفة هذه النصوص فهم فسّاق إن لم نقل إنّهم مرّاق عن الدين بخروجهم على الإمام المفترض طاعته.

أو أنّ هذه الأحوال تستدعي انحراف الخليفة عن الطريقة المثلى ، وأنّ القوم اعتقدوا بخروجه عن مصاديق تلكم الأوامر والمناهي المؤكّدة التي تطابق عليها الكتاب والسنّة. وليس من السهل الهيّن البخوع إلى أيّ من طرفي الترديد. أمّا الصحابة فكلّهم عدول عند القوم يُركن إليهم ويُحتجّ بأقوالهم وأفعالهم ويوثق بإيمانهم ، وقد كهربتهم صحبة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخرج درن نفوسهم ، وكان في المعمعة منهم بقايا العشرة المبشّرة كطلحة والزبير ، ولطلحة خاصّة فُظاظات حول ذلك الجلاد ، إلى أُناس آخرين من ذوي المآثر نظراء عمّار بن ياسر ، ومالك الأشتر ، وعبد الله بن بُديل ، وكان بين ظهرانيهم إمام المسلمين أمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام وهو المرموق يومئذ للخلافة ، وقد انثنت إليه الخناصر ، والأُمّة أطوع له من الظلّ لذيه. أفتراه والحالة هذه سكت عن تلكم الفظائع وهو مطلّ عليها من كثب وهو أعلم الناس بنواميس الشريعة ، وأهداهم إلى طريقها المهيع ، وهو يعلم أنّ من المحظور ارتكابها؟ لاها الله.

أو أنّه عليه‌السلام أخذ الحياد في ذلك المأزق الحرج وهو مستبيح للحياد أو لما يعملون به؟ أنا لا أدري.

__________________

(١) النساء : ٩٣.

٢٩٦

وليس من المستطاع القول بأنّ معظم الصحابة ما كانوا عالمين بتلكم الوقائع ، أو أنّهم ما كانوا يحسبون أنّ الأمر يبلغ ذلك المبلغ ، أو أنّهم كانوا غير راضين بهاتيك الأحدوثة ، فإنّ الواقعة ما كانت مُباغتة ولا غيلة حتى يعزب عن أحد علمها ، فإنّ الحوار استدام أكثر من شهرين ، وطيلة هذه المدّة لم يكن للمتجمهرين طلبة من الخليفة إلاّ الإقلاع عن إحداثه ، أو التنازل عن عرش الخلافة ، وكانوا يهدّدونه بالقتل إن لم يخضع لإحدى الطلبتين ، وكانت نعرات القوم في ذلك تتموّج بها الفضاء ، وعقيرة عثمان في التوبة تارة وعدم التنازل أخرى وتخويفهم بمغبّات القتل ثالثة تتسرّب في فجوات الجوّ ، فلو كان معظم الصحابة منحازين عن ذلك الرأي لكان في وسعهم تفريق الجمع بالقهر أو الموعظة ، لكن بالرغم ممّا يزعم عليهم لم يُؤثَرْ عن أحد منهم ما يثبت ذلك أو يُقرّبه ، وما أسلفناه من الأحاديث الجمّة النامّة عن معتقدات الصحابة في الخليفة وفي التوثّب عليه تُفنّد هذه المزعمة الفارغة ، إن لم نقل إنّها تثبت ما يعلمه الكلّ من الإجماع على مقت الخليفة والتصافق على ما نقموا عليه والرضا بما نيل منه ، حتى إنّ أحداً لم يُرو عنه أنّه ساءه نداء قاتله حين طاف بالمدينة ثلاثاً قائلاً : أنا قاتل نعثل (١).

وأمّا ثاني الاحتمالين فمن المستصعب أن يبلغ سوء الظن بالخليفة هذا المدى ، وإن كانت الصحابة جزموا بذلك ، والشاهد يرى ما لا يراه الغائب ، وقد أوقفناك على قول السيّدة عائشة : اقتلوا نعثلاً قتله الله فقد كفر.

وقولها لمروان : وددت والله أنّه في غرارة من غرائري هذه وأنّي طوّقت حمله حتى ألقيه في البحر. وقولها لابن عبّاس : إيّاك أن تردّ الناس عن هذا الطاغية.

وقول عبد الرحمن بن عوف للإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : إذا شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي ، إنّه قد خالف ما أعطاني. وقوله : عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه. وقوله له : لله عليّ أن لا أكلّمك أبداً.

__________________

(١) الاستيعاب : ٢ / ٤٧٨ [القسم الثالث / ١٠٤٦ رقم ١٧٧٨]. (المؤلف)

٢٩٧

وقول طلحة لمجمع بن جارية ـ لمّا قال له : أظنّكم والله قاتليه ـ : فإن قتل فلا ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل. وقد مرّ أنّ طلحة كان أشدّ الناس على عثمان في قتله يوم الدار ، وقتل دون دمه.

وقول الزبير : اقتلوه فقد بدّل دينكم. وقوله : إنّ عثمان لجيفة على الصراط غداً.

وقول عمّار يوم صفّين : امضوا معي عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله. وقوله : ما تركت في نفسي حزّة أهمّ إليّ من أن لا نكون نبشنا عثمان من قبره ثمّ أحرقناه بالنار. وقوله : أراد أن يغيّر ديننا فقتلناه. وقوله : والله إن كان إلاّ ظالماً لنفسه الحاكم بغير ما أنزل الله. وقوله : إنّما قتله الصالحون المنكرون للعدوان الآمرون بالإحسان.

وقول حجر بن عدي وأصحابه : وهو أوّل من جار في الحكم وعمل بغير الحقّ.

وقول عبد الرحمن العنزي : هو أوّل من فتح أبواب الظلم ، وأرْتَجَ أبواب الحقّ.

وقول هاشم المرقال : إنّما قتله أصحاب محمد وقرّاء الناس حين أحدث أحداثاً وخالف حكم الكتاب ، وأصحاب محمد هم أصحاب الدين ، وأولى بالنظر في أُمور المسلمين.

وقول عمرو بن العاص : أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأتها ، إن كنت لأحرّض عليه حتى إنّي لأحرّض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل. وقوله له : ركبت بهذه الأُمّة نهابير من الأُمور فركبوها معك ، وملت بهم فمالوا بك ، اعدل أو اعتزل. وقوله : أنا أبو عبد الله قتلته وأنا بوادي السباع.

وقول سعد بن أبي وقاص : إنّه قُتل بسيف سلّته عائشة ، وصقَله طلحة ، وسمّه

٢٩٨

ابن أبي طالب ، وسكت الزبير وأشار بيده ، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه. إلخ.

وقول جهجاه الغفاري : قم يا نعثل فانزل عن هذا المنبر ، ندرّعك عباءةً ، ولنطرحك في الجامعة ، ولنحملك على شارف من الإبل ثمّ نطرحك في جبل الدخان.

وقول مالك الأشتر : إلى الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنّة نبيّه ، النابذ لحكم القرآن وراء ظهره.

وقول عمرو بن زرارة : إنّ عثمان قد ترك الحقّ وهو يعرفه. إلخ.

وقول الحجاج بن غزيّة الأنصاري : والله لو لم يبق من عمره إلاّ بين الظهر والعصر لتقرّبنا إلى الله بدمه.

وقول قيس بن سعد الأنصاري : أوّل الناس كان فيه ـ قتل عثمان ـ قياماً عشيرتي ولهم أُسوة.

وقول جبلة بن عمرو الأنصاري : يا نعثل والله لأقتلنّك ولأحملنّك على قلوص جرباء ولأخرجنّك إلى حرّة النار. وقوله وقد سئل الكفّ عن عثمان : والله لا ألقى الله غداً فأقول : إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا السبيل.

وقول محمد بن أبي بكر له : على أيّ دين أنت يا نعثل؟ غيّرت كتاب الله. وقوله له : الآن وقد عصيت قبلُ وكنت من المفسدين.

وقول الصحابة مجيبين لقوله : لا تقتلوني فإنّه لا يحلّ إلاّ قتل ثلاثة : إنّا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميّت ، قتل من سعى في الأرض فساداً ، وقتل من بغى ثم قاتل على بغيه ، وقتل من حال دون شيء من الحقّ ومنعه ثمّ قاتل دونه وكابر عليه ، وقد بغيت ، ومنعت الحقّ ، وحلت دونه وكابرت عليه. إلخ.

وقول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث من أبيات مرّت (٨ / ٢٨٨):

٢٩٩

وشبَّهته كسرى وقد كان مثله

شبيهاً بكسرى هديه وضرائبه

إلى كلمات آخرين محكمات وأُخر متشابهات ، يشبه بعضها بعضاً.

إنّ في هذا المأزق الحرج لا بدّ لنا من ركوب إحدى الصعبتين ، والحكم هو الفطرة السليمة مهما دار الأمر بين تخطئة إنسان واحد محتفّ بالأحداث ، وبين تضليل آلاف مؤلّفة فيهم الأئمّة والعلماء والحكماء والصالحون وقد ورد في فضلهم ما ورد كما نرتئيه نحن ، أو أنّ كلهم عدول يُحتجّ بأقوالهم وأفعالهم كما يحسبه أهل السنّة ، وإن كان في البين اجتهاد كما يحسبونه في أمثال المقام فهو في الطرفين ، والتحكّم بإصابة إنسان واحد وخطأ تلك الأُمّة الكبيرة في اجتهادها ، تهوّر بحت ، وتمحّل لا يُصار إليه (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (١).

__________________

(١) المائدة : ٤٢.

٣٠٠