الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨

من يرهنَّ قال مَن هذا الذي

سدَّ الملا بالنعم المطافلِ

وفوقهنّ كلُّ مرهوبِ الشذا

يروي السنانَ من دمِ الشواكلِ (١)

أبيضُ كالسيفِ ولكن لم يعُجْ

صقالُهُ على يمينِ صاقلِ

حيث ترى الموتَ الزؤامَ بالقنا

مستحِبَ الأذيالِ والذلاذلِ (٢)

والنقعُ يغشى العينَ عن لحاظها

والركضُ يرمي الأرضَ بالزلازلِ

وبزّت الأسلاب أو تمخّضتْ

بلا تمامٍ بطنُ كلِّ حاملِ

ولم يَجُزْ هَمُّ الفتى عن نفسِهِ

وذُهِلَ الحيُّ عن العقائلِ

إن لم أنلْ في بابلٍ مآربي

فلي إذا ما شئتُ غيرُ بابلِ

وإن أَبِتْ في وطنٍ مقلقلاً

أبدلتُه بأظهرِ الرواحلِ

وإن تضق بي بلدةٌ واحدةٌ

فلم تضِقْ في غيرِها مجاولي

وإن نبا عنّي خليلٌ وجفا

نفضتُ من ودّي له أناملي

خيرٌ من الخصب مع الذلّ به

معرّسٌ على المكانِ الماحلِ

وقال في الافتخار في الجزء الرابع من ديوانه (٣):

ما ذا جنتْهُ ليلةُ التعريفِ

شغفتْ فؤاداً ليس بالمشغوفِ

ولو انّني أدري بما حُمِّلتُهُ

عند الوقوفِ حذرتُ يومَ وقوفي

ما زال حتى حلَّ حَبَّ قلوبِنا

بجمالِه سِربُ الظباء الهيفِ

وأرتْكَ مُكْتَتَمَ المحاسنِ بعد ما

ألقى تقى الإحرامِ كلّ نصيفِ

وقنعتُ منها بالسلامِ لو انّه

أروى صدى أو بلَّ لهفَ لهيفِ

والحبُّ يُرضِي بالطفيفِ معاشراً

لم يرتضوا من قبلِهِ بطفيفِ

ويخفّ مَن كان البطيء عن الهوى

فكأنّه ما كان غيرَ خفيفِ

__________________

(١) شواكل ـ جمع شاكلة ـ : الخاصرة. (المؤلف)

(٢) الزؤام : العاجل ، وقيل : سريع مجهّز. الذلاذل جمع ذُلذل ، وذُلذل : أسفل الثوب. (المؤلف)

(٣) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ١٣٧.

٣٨١

يا حبَّها رفقاً بقلبٍ طالما

عرّفتَه ما ليس بالمعروفِ

قد كان يرضى أن يكون محكّماً

في لُبِّه لو كنتَ غيرَ عنيفِ

أطرحتِ يا ظمياءُ ثقلَكِ كلَّه

يومَ الوداعِ على فقارِ ضعيفِ

يقتاده للحبِّ كلُّ مُحبّبٍ

ويروعه بالبينِ كلُّ أليفِ

وكأنّني لمّا رجعتُ عن النوى

أبكي رجعتُ بناظرٍ مطروفِ

وبزفرةٍ شهدَ العذولُ بأنّها

من حاملٍ ثقلَ الهوى ملهوفِ

ومتى جحدتُهمُ الغرامَ تصنّعاً

ظهروا عليهِ بدمعيَ المذروفِ

وعلى مِنىً غُرَرٌ رمين نفوسَنا

قبل الجِمار من الهوى بحتوفِ

يسحبن أذيالَ الشفوفِ غوانياً

بالحُسن عن حَسَنٍ بكلِّ شُفوفِ

وعدلن عن لبسِ الشنوفِ وإنّما

هنّ الشنوفُ محاسناً لشنوفِ (١)

وتعجّبتْ للشيب وهي جنايةٌ

لدلال غانيةٍ وصدّ صدوفِ

وأناطتِ الحسناءُ بي تبعاتِهِ

فكأنّما تفويفه تفويفي (٢)

هو منزلٌ بُدِّلتُهُ من غيرِهِ

وهو الغنى في المنزل المألوفِ

لا تُنكرِيه فهو أبعدُ لُبْسةً

عن قذف قاذفةٍ وقَرفِ قَروفِ (٣)

وبعيدة الأقطارِ طامسة الصوى

من طولِ تطوافِ الرياحِ الهوفِ

لا صوتَ فيها للأنيسِ وإنّما

لعصائبِ الجِنّان جرسُ عزيفِ

وكأنّما حُزُقُ النعام بدوّها

ذودٌ شردن لزاجرٍ هنّيفِ (٤)

قَطَعَتْ ركابي وهي غيرُ طلائحٍ

مع طولِ إيضاعي وفرطِ وجيفي

أبغي الذي كلُّ الورى عن بغيِهِ

من بين مصدودٍ ومن مصدوفِ

__________________

(١) الشنوف : كالأقراط إلاّ أنّها تعلّق في أعلى الأذن.

(٢) التفويف في الثوب : الخطوط البيضاء فيه.

(٣) اللبسة : الشبهة. القرْف : ذكر الشخص بسوء.

(٤) الحُزُق ـ جمع الحزيقة ـ : الجماعة. الدوّ : المفازة. الهنّيف : المعنف في السير ، مأخوذة من التهنيف وهو الإسراع.

٣٨٢

والعزّ في كَلفِ الرجالِ ولم يُنَلْ

عزٌّ بلا نَصبٍ ولا تكليفِ

والجدبُ مغنىً للأعزّةِ دارِهٌ

والذلُّ بيتٌ في مكانِ الريفِ

ولقد تعرّقتِ النوائبُ صَعدتي

وأجاد صَرفُ الدهر من تثقيفي

وحللت من ذلِّ الأنامِ بنجوةٍ

لا لومتي فيها ولا تعنيفي

فبدارِ أنديةِ الفخارِ إقامتي

وعلى الفضائلِ مربعي ومصيفي

وسرى سُرى النجمِ المحلِّقِ في العلى

نظمي وما ألّفتُ من تصنيفي

ورأيتُ من غدرِ الزمانِ بأهلِهِ

من بعد أن أمنوه كلَّ طريفِ

وعجبت من حَيْدِ القويِّ عن الغنى

طولَ الزمانِ وخطوةِ المضعوفِ

وعَمَى الرجالِ عن الصوابِ كأنّهمْ

يعمون عمّا ليس بالمكشوفِ

وفديتُ عِرضي من لئامِ عشيرتي

بنزاهتي عن سيِّيءٍ وعُزوفي (١)

فبقدر ما أحميهمُ ما ساءهمْ

أُعطيهمُ من تالدي وطريفي

كم رُوِّعَ الأعداءُ قبل لقائهم

ببروقِ إيعادي ورعدِ صريفي

وكأنّهم شَرَدٌ سوامُهمُ وقد

سمعوا على جوِّ السماء حفيفي

قومي الذين تملّكوا رِبَقَ الورى

بطعانِ أرماحٍ وضربِ سيوفِ

ومواقفٍ في كلِّ يومِ عظيمةٍ

ما كان فيها غيرُهم بوَقوفِ

ومشاهدٍ ملأتْ شعوبَ عداهمُ

بقذىً لأجفانٍ ورغم أُنوفِ

هم خوّلوا النِّعمَ الجسامَ وأمطروا

في المملقينَ غمائمَ المعروفِ

وكأنّهم يوم الوغى خللَ القَنا

حيّاتُ رمل أو أُسودُ غريفِ (٢)

كم راكبٍ منهم لغاربِ سَدفَةٍ

طرباً لجود أو مهينِ سديفِ (٣)

ومُتيَّمٍ بالمكرماتِ وطالما

ألِفَ الندى من كان غيرَ ألوفِ

__________________

(١) العزوف : ترك الشيء والانصراف عنه. (المؤلف)

(٢) الغريف : الجماعة من الشجر الملتفّ.

(٣) السدفة : ظلمة أوّل الليل وآخره. السديف : شحم السنام.

٣٨٣

وحللتُ أنديةَ الملوكِ مجيبةً

صوتي ومصغيةً إلى توقيفي

وحميتُهمْ بالحزمِ كلَّ عَضيهةٍ

وكفيتُهمْ بالعزم كلَّ مخوفِ

وتراهمُ يتدارسون فضائلي

ويصنِّفون من الفخارِ صُنوفي

ويردِّدون على الرواةِ مآثري

ويعدِّدون من العلاء ألوفي

ويسيّرون إلى ديارِ عدوِّهم

من جند رأيي العالِمين زحوفي

وإذا همُ نَكِروا غريباً فاجئاً

فَزِعوا بنُكرِهمُ إلى تعريفي

دفعوا بيَ الخطبَ العظيمَ عليهمُ

واستعصموا حذرَ العدى بكنوفي

وصحبتُ منهم كلَّ ذي جبريّةٍ

سامٍ على قُلَل البريّةِ موفِ

ترنو إليك وقد وقفتَ إزاءَهُ

بين الوفودِ بناظِرَي غطريفِ

فالآنَ قل للحاسدين تنازحوا

عن شمسِ أُفقٍ غير ذات كسوفِ

ودعوا لسيل الواديين طريقَه

فالسيلُ جرّافٌ لكلِّ جروفِ

وتزوّدوا يأسَ القلوبِ عن الندى

فمنيفةٌ دارٌ لكلِّ مُنيفِ

وارضَوا بأن تمشوا ولا كرمٌ لكمْ

في دارِ مجدِ الأكرمين ضيوفي

وقال في الجزء الخامس من ديوانه (١) يرثي جدّه الطاهر الإمام السبط الشهيد عليه‌السلام ومن قُتل معه :

يا دارُ دارَ الصوَّمِ القوّمِ

كيف خلا أُفقُكِ من أنجُمِ

عهدي بها يرتعُ سكّانُها

في ظلِّ عيشٍ بينها أنعمِ

لم يصبحوا فيها ولم يغبُقوا

إلاّ بكأسَيْ خمرةِ الأنعَمِ (٢)

بكيتُها من أدمعٍ لو أبت

بكيتُها واقعةً من دمِ

وعُجْتُ فيها راثياً أهلَها

سَواهِمَ الأوصالِ والملطمِ

__________________

(١) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ٤٨٢.

(٢) الاصطباح : هو الشرب صبحاً. الاغتباق : الشرب ليلاً. الأنعم : موضع.

٣٨٤

نحلنَ حتى حالهنَّ السرى

بعضَ بقايا شَطَنٍ مُبرَمِ (١)

لم يدع الإسآد هاماتِها

إلاّ سقيطاتٍ على المَنسمِ (٢)

يا صاحبي يوم أزالَ الجوى

لحمي بخدّيَّ عن الأعظُمِ

واريتُ ما أنت به عالمٌ

ودائيَ المعضلَ لم تعلمِ

ولستُ فيما أنا صبٌّ به

مَن قَرَنَ الساليَ بالمغرمِ

وجدي بغيرِ الظعنِ سيّارةً

من مَخرِمٍ ناءٍ إلى مَخرِمِ (٣)

ولا بلفّاءَ هضيمِ الحشا

ولا بذاتِ الجيدِ والمِعصَمِ

فاسمع زفيري عند ذكري الأُلى

بالطفِّ بين الذئبِ والقشعَمِ (٤)

طرحى فإمّا مقعَصٌ بالقنا

أو سائلُ النفس على مِخذمِ (٥)

نثراً كدرٍّ بددٍ مهملٍ

أغفله السلكُ فلم ينظمِ

كأنّما الغبراءُ مرميّةٌ

من قِبَلِ الخضراءِ بالأنجمِ

دُعوا فجاؤوا كرماً منهمُ

كم غرَّ قوماً قسَمُ المقسِمِ

حتى رأوها أُخريات الدجى

طوالعاً من رَهَجٍ أقتمِ

كأنّهم بالصمّ مطرورةٌ

لمنجد الأرضِ على مُتهمِ

وفوقها كلُّ مغيظِ الحشا

مكتحلِ الطرفِ بلون الدمِ

كأنّه من حنقٍ أجدلٌ

أرشده الحرصُ إلى مَطْعَمِ

فاستقلبوا الطعنَ إلى فتيةٍ

خُوّاضِ بحرِ الحذَرِ المفعَمِ

من كلِّ نهّاضٍ بثقلِ الأذى

موكّلِ الكاهلِ بالمعظَمِ

__________________

(١) الشطن : الحبل.

(٢) الإسآد : السير ليلاً بلا استراحة. المنْسِم : خفّ البعير.

(٣) المخرِم : منقطع أنف الجبل.

(٤) القشعم : النسر.

(٥) مقعص من أقعص الرجل : قتله مكانه ، أجهز عليه. مخذم : آلة الخذم. والخذم : القطع بسرعة.(المؤلف)

٣٨٥

ماضٍ لما أمَّ فلو جادَ في ال

ـهيجاءِ بالحوباءِ لم يندَمِ

وكالفٍ بالحربِ لو أنّه

أُطعِمَ يَوم السلم لم يطعمِ

مثلَّمِ السيفِ ومن دونه

عرْضٌ صحيحُ الحدِّ لم يُثْلَمِ

فلم يزالوا يُكرعون الظُّبا

بين تراقي الفارسِ المُعْلَمِ

فمُثخَنٌ يحمل شهّاقةً

تحكي لراءٍ فغرة الأعلمِ (١)

كأنّما الوَرسُ بها سائلٌ

أو أُنبِتَتْ من قُضُبِ العَنَدمِ

ومستزلٌّ بالقنا عن قَرا

عبلِ الشوى أو عن مطا أدهمِ (٢)

لو لم يكيدوهم بها كيدَةً

لانقلبوا بالخِزي والمرغمِ

فاقتُضِبتْ بالبيضِ أرواحُهمْ

في ظلِّ ذاك العارضِ الأسحمِ

مصيبةٌ سيقت إلى أحمدٍ

ورهطِهِ في الملأ الأعظمِ

رزءٌ ولا كالرزءِ من قبلِهِ

ومؤلمٌ ناهيك من مؤلِمِ

ورميةٌ أصمتْ ولكنّها

مصميةٌ من ساعدٍ أجذَمِ

قل لبني حربٍ ومن جمّعوا

من حائرٍ عن رشده أو عَمِي

وكلِّ عانٍ في إسارِ الهوى

يُحسَب يقظانَ من النوَّمِ

لا تحسبوها حلوةً إنّها

أمرُّ في الحلق من العلقمِ

صرّعهمْ أنّهمُ أقدموا

كم فُدي الُمحجِمُ بالمُقدِمِ

هل فيكمُ إلاَّ أخو سوءَةٍ

مجرّحُ الجلدِ من اللوّمِ

إن خاف فقراً لم يجُد بالندى

أو هاب وشكَ الموتِ لم يُقدمِ

يا آل ياسينَ ومَن حبُّهمْ

منهجُ ذاك السَّنَنِ الأقومِ

مهابطُ الأملاكِ أبياتُهمْ

ومستقرُّ المُنزَلِ المحكَمِ

__________________

(١) المثخن : الذي أثخنته الجراحات. الشهّاقة : الرمح. الفغرة : الفتحة. الأعلم : الذي شُقّت شفته العليا.

(٢) القرا : الظهر. العبل : الضخم. الشوى : الأعضاء. المطا : الظهر.

٣٨٦

فأنتمُ حجّةُ ربِّ الورى

على فصيحِ النطقِ أو أعجمِ

وأين إلاّ فيكمُ قربةٌ

إلى الإله الخالقِ المنعِمِ

واللهِ لا أخليتُ من ذكرِكُمْ

نظمي ونثري ومرامي فمي

كلاّ ولا أغببتُ أعداءَكمْ

من كلمي طوراً ومن أسهمي (١)

ولا رُؤي يومَ مصابٍ لكم

منكشفاً في مشهدٍ مبسمي

فإن أغِبْ عن نصركمْ برهةً

بمرهفاتٍ لم أغبْ بالفمِ

صلّى عليكم ربّكم وارتوتْ

قبورُكم من مسبلٍ مُثْجِمِ (٢)

مقعقعٍ تُخجِلُ أصواتُه

أصواتَ ليثِ الغابةِ المُرزمِ

وكيف أستسقي لكم رحمةً

وأنتمُ الرحمةُ للمجرمِ

وقال يرثي الإمام السبط المفدّى وأصحابه ، توجد في الجزء الخامس من ديوانه (٣):

هل أنت راثٍ لصبِّ القلبِ معمودِ

دَوِي الفؤادِ بغيرِ الخرّدِ الخودِ

ما شفّه هجرُ أحبابٍ وإن هجَروا

من غير جرمٍ ولا خُلفِ المواعيدِ

وفي الجفونِ قذاةٌ غيرُ زائلةٍ

وفي الضلوع غرامٌ غيرُ مفقودِ

يا عاذلي ليس وجدٌ بتُّ أكتُمه

بين الحشا وجدَ تعنيفٍ وتفنيدِ

شربي دموعي على الخدّين سائلةً

إن كان شربُكَ من ماءِ العناقيدِ

ونمْ فإنّ جفوناً لي مُسهّدةً

عُمْرَ الليالي ولكن أيَّ تسهيدِ

وقد قضيت بذاك العذلِ مأربةً

لو كان سمعيَ عنه غيرَ مسدودِ

تلومني لم تُصِبْك اليومَ قاذفتي

ولم يَعُدْكَ كما يعتادني عيدي

__________________

(١) أغببت : من الإغباب وهو ترك الشيء فترة.

(٢) المطر المثجم : الكثير.

(٣) ديوان الشريف المرتضى : ١ / ٤٣٦.

٣٨٧

فالظلمُ عذلُ خليِّ القلبِ ذا شجنٍ

وهجنةٌ لومُ موفورٍ لمجهودِ

كم ليلةٍ بتُّ فيها غيرَ مرتفقٍ

والهمُّ ما بين محلولٍ ومعقودِ

ما إن أحِنُّ إليها وهي ماضيةٌ

ولا أقولُ لها مستدعياً عودي

جاءت فكانت كعُوّارٍ على بصرٍ

وزايلت كزيالِ المائد المودي (١)

فإن يودّ أُناسٌ صبحَ ليلِهمُ

فإنّ صبحيَ صبحٌ غيرُ مودودِ

عشيّةٌ هجمت منها مصائبُها

على قلوبٍ عن البلوى محاييدِ

يا يومَ عاشورَ كم طأطأتَ من بصرٍ

بعد السموِّ وكم أذللتَ من جيدِ

يا يومَ عاشورَ كم أطردتَ لي أملاً

قد كان قبلَك عندي غيَر مطرودِ

أنت المرنِّقُ عيشي بعد صفوتِهِ

ومولج البيضِ من شيبي على السودِ (٢)

جُزْ بالطفوف فكم فيهنّ من جبلٍ

خرَّ القضاء به بين الجلاميدِ

وكم جريحٍ بلا آسٍ تمزّقُهُ

إمّا النسورُ وإمّا أضبُعُ البيدِ

وكم سليبِ رماحٍ غيرِ مستترٍ

وكم صريعِ حِمامٍ غيرِ ملحودِ

كأنّ أوجهَهمْ بيضاً ملألأةً

كواكبٌ في عِراصِ القَفرةِ السودِ

لم يطعموا الموتَ إلاّ بعد أن حطَموا

بالضربِ والطعنِ أعناقَ الصناديدِ

ولم يدع فيهمُ خوفُ الجزاء غداً

دماً لتربٍ ولا لحماً إلى سِيدِ (٣)

من كلِّ أبلجَ كالدينارِ تشهدُهُ

وسطَ النديِّ بفضلٍ غيرِ مجحودِ

يغشى الهياجَ بكفٍّ غيرِ منقبضٍ

عن الضرابِ وقلبٍ غيرِ مزؤودِ (٤)

لم يعرفوا غيرَ بثِّ العرفِ بينهمُ

عفواً ولا طبعوا إلاّ على الجودِ

يا آل أحمدَ كم تُلوى حقوقُكمُ

ليَّ الغرائبِ عن نبتِ القراديدِ (٥)

__________________

(١) المائد : المتحرك. المودي : المهلك.

(٢) المرنِّق : المكدِّر.

(٣) السيِّد : الذئب والأسد.

(٤) المزؤود : المذعور.

(٥) القراديد ـ جمع قردد ـ : ما ارتفع وغلظ من الأرض.

٣٨٨

وكم أراكم بأجوازِ الفلا جُزُراً

مبدّدين ولكن أيَّ تبديدِ

لو كان ينصفُكمْ من ليس ينصفُكمْ

ألقى إليكم مطيعاً بالمقاليدِ

حُسدتمُ الفضلَ لم يُحرِزْهُ غيرُكمُ

والناسُ ما بين محرومٍ ومحسودِ

جاءوا إليكم وقد أَعطَوا عهودَهمُ

في فيلقٍ كزُهاء الليلِ ممدودِ

مُستمرحينَ بأيديهمْ وأرجلِهمْ

كما يشاءون ركضَ الضمّرِ القودِ

تهوي بهم كلُّ جرداءٍ مطهّمةٍ

هويّ سَجْلٍ من الأوذام مجدودِ (١)

مستشعرين لأطرافِ الرماحِ ومن

حدِّ الظبا أدرُعاً من نسجِ داودِ

كأنّ أصواتَ ضربِ الهامِ بينهمُ

أصواتُ دوحٍ بأيدي الريحِ مبدودِ

حمائمُ الأيكِ تبكيهمْ على فننٍ

مرنّحٍ بنسيمِ الريحِ أُملودِ (٢)

نوحِي فذاك هديرٌ منكِ محتسبٌ

على حسينٍ فتعديدٌ كتغريدِ

أُحبّكمْ والذي طافَ الحجيجُ به

بمبتنى بإزاءِ العرشِ مقصودِ

وزمزمٍ كلّما قسنا مواردَها

أوفى وأربى على كلِّ المواريدِ

والموقِفَيْنِ وما ضحّوا على عجلٍ

عند الجمارِ من الكوم المقاحيدِ (٣)

وكلّ نسكٍ تلقّاه القبولُ فما

أمسى وأصبحَ إلاّ غيرَ مردودِ

وأرتضي أنّني قد متُّ قبلَكمُ

في موقفٍ بالردينيّاتِ مشهودِ

جمّ القتيل فهاماتُ الرجالِ به

في القاعِ ما بين متروكٍ ومحصودِ

فقلْ لآلِ زيادٍ أيُّ معضلةٍ

ركبتموها بتخبيبٍ وتخويدِ (٤)

كيف استلبتمْ من الشجعانِ أمرَهمُ

والحربُ تغلي بأوغادٍ عراديدِ (٥)

__________________

(١) السجْل : الدلو العظيمة. الأوذام : جمع الوذمة ، وهي السير بين آذان الدلو والخشبة المعترضة عليها. المجدود : المقطوع.

(٢) الأُملود : الناعم الليّن.

(٣) الكوم ـ جمع الكوماء والأكوم ـ : الإبل الضخمة السنام. المقاحيد ـ جمع المقحاد ـ : النياق العظيمة السنام.

(٤) التخبيب والتخويد : الإسراع في السير.

(٥) العراديد ـ جمع العرديد ـ : المنحرف عن القتال أو الطريق.

٣٨٩

فرّقتمُ الشملَ ممّن لفَّ شملَكمُ

وأنتمُ بين تطريدٍ وتشريدِ

ومن أعزّكمُ بعد الخمولِ ومن

أدناكمُ من أمانٍ بعد تبعيدِ

لولاهمُ كنتمُ لحماً لمُزدرِدٍ

أو خلسةً لقصير الباع معضودِ (١)

أو كالسقاءِ يبيساً غيرَ ذي بللٍ

أو كالخباء سقيطاً غير معمودِ

أعطاكمُ الدهرُ ما لا بدَّ يرفعُهُ

فسالبُ العودِ فيها مورقُ العودِ

فلا شربتم بصفوٍ لا ولا علِقَتْ

لكم بنانٌ بأزمانٍ أراغيدِ

ولا ظفِرتمْ وقد جُنّتْ بكم نُوَبٌ

مقلقلاتٌ بتمهيدٍ وتوطيدِ

وحوّلَ الدهرُ ريّاناً إلى ظماً

منكم وبدّل محدوداً بمجدودِ (٢)

قد قلتُ للقومِ حطّوا من عمائمِهمْ

تحقّقاً بمصاب السادة الصيدِ

نوحوا عليهِ فهذا يومُ مصرعِهِ

وعدِّدوا إنّها أيّامُ تعديدِ

فلي دموعٌ تُباري القطرَ واكفةٌ

جادت وإن لم أقل يا أدمعي جودي

وقال يذكر مصرع جدِّه الإمام السبط عليه‌السلام ، يوجد في الجزء الأوّل من ديوانه (٣):

أأُسقي نميرَ الماءِ ثمّ يلذُّ لي

ودورُكمُ آلَ الرسول خلاءُ

وأنتم كما شاء الشتاتُ ولستمُ

كما شئتمُ في عيشةٍ وأشاءُ

تُذادون عن ماءِ الفراتِ وكارعٌ

به إبلٌ للغادرين وشاءُ

تنشّر منكمْ في القواء معاشرٌ

كأنّهمُ للمبصرين مُلاءُ (٤)

ألا إنّ يوم الطفِّ أدمى محاجراً

وأودى قلوباً ما لهنّ دواءُ

وإنّ مصيباتِ الزمانِ كثيرةٌ

ورُبّ مصابٍ ليس منه عزاءُ

__________________

(١) المعضود : قصير العضد ؛ كنايةً عن الضعف.

(٢) المحدود : المحروم. المجدود : الغنيّ.

(٣) ديوان الشريف المرتضى : ١ / ١٥٩.

(٤) القواء : القفر الخالي من الأرض.

٣٩٠

أرى طخيةً فينا فأين صباحُها

وداءً على داءٍ فأين شفاءُ

وبين تراقينا قلوبٌ صديّةٌ

يُراد لها لو أُعطِيَتْه جلاءُ

فيا لائماً في دمعتي ومفنِّداً

على لوعتي واللومُ منه عناءُ

فما لك منّي اليوم إلاّ تلهّفي

وما لك إلاّ زفرةٌ وبكاءُ

وهل ليَ سلوانٌ وآلُ محمدٍ

شريدهمُ ما حان منه ثواءُ

تُصَدُّ عن الروحات أيدي مطيِّهم

ويزوى عطاءٌ دونهم وحباءُ

كأنّهمُ نسلٌ لغير محمدٍ

ومن شعبِهِ أو حزبِهِ بُعداءُ

فيا أنجماً يهدي إلى اللهِ نورُها

وإن حالَ عنها للغبيّ غباءُ

فإن يكُ قومٌ وصلةً لجهنمٍ

فأنتم إلى خلدِ الجِنانِ رشاءُ

دعوا قلبيَ المحزونَ فيكمْ يهيجُهُ

صباحٌ على أُخراكمُ ومساءُ

فليس دموعي من جفوني وإنّما

تقاطرنَ عن قلبي فهنّ دماءُ

إذا لم تكونوا فالحياة منيّةٌ

ولا خير فيها والبقاءُ فناءُ

وأمّا شقيتمْ بالزمانِ فإنّما

نعيمي إذا لم تلبسوه شقاءُ

لحى اللهُ قوماً لم يجازوا جميلَكمْ

لأنّكمُ أحسنتمُ وأساءوا

ولا انتاشهم عند المكاره منهضٌ

ولا مسّهمْ يومَ البلاءِ جزاءُ

سقى اللهُ أجداثاً طُوِينَ عليكمُ

ولا زالَ منهلاّ بهنّ رواءُ

يسير إليهنّ الغمامُ وخلفَهُ

زماجرُ من قعقاعِهِ وحداءُ

كأنّ بواديه العشارُ تروّحتْ

لهنّ حنينٌ دائمٌ ورُغاءُ

ومن كان يسقى في الجنان كرامةً

فلا مسّه من ذي السحائب ماءُ

وقال يرثيه ـ صلوات الله عليه ـ يوم عاشوراء ، توجد في الجزء السادس من ديوانه (١):

يا يومُ أيُّ شجىً بمثلِكَ ذاقَهُ

عُصَبُ الرسولِ وصفوةُ الرحمنِ

__________________

(١) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ٥٦٠.

٣٩١

جرّعتَهمْ غُصَصَ الردى حتى ارتوَوا

ولذعتَهمْ بلواذعِ النيرانِ

وطرحتهمْ بدداً بأجوازِ الفلا

للذئبِ آونةً وللعقبانِ

عافوا القرارَ وليس غيرُ قرارِهمْ

أو بردِهمْ موتاً بحدِّ طعانِ

مُنعوا الفراتَ وصُرِّعوا من حوله

من تائقٍ للورد أو ظمآنِ

أوَما رأيتَ قِراعَهم ودفاعَهم

قِدْماً وقد أُعْرُوا من الأعوانِ

متزاحمين على الردى في موقفٍ

حُشِيَ الظبا وأسنّةَ المرّانِ

ما إن به إلاّ الشجاعُ وطائرٌ

عنه حذارَ الموتِ كلُّ جبانِ

يومٌ أذلَّ جماجماً من هاشمٍ

وسرى إلى عدنانَ بل قحطانِ

أرعى جميمَ الحقِّ في أوطانهمْ

رعيَ الهشيمِ سوائمُ العدوانِ

وأنار ناراً لا تبوخ وربّما

قد كان للنيرانِ لونُ دخانِ

وهو الذي لم يُبقِ في دينٍ لنا

بالغدرِ قائمةً من البنيانِ

يا صاحبيّ على المصيبة فيهمُ

ومشاركيّ اليوم في أحزاني

قوما خُذا نارَ الصلا من أضلعي

إن شئتما والنار من أجفاني

وتعلّما أنّ الذي كتّمتُهُ

حذرَ العدى يأبى عن الكتمانِ

فلو انّني شاهدتهم بين العدى

والكفرُ مُعْلَوْلٍ على الإيمان

لخضبتُ سيفي من نجيعِ عدوِّهم

ومحوتُ من دمهمْ حُجول حصاني

وشفيت بالطعنِ المبرِّح بالقنا

داءَ الحقود ووعكةَ الأضغانِ

ولَبعتُهم نفسي على ضننٍ بها

يومَ الطفوفِ بأرخص الأثمانِ

وقال يرثي جدّه الإمام السبط المفدّى يوم عاشوراء سنة (٤١٣) ، توجد في الجزء الثالث من ديوانه (١):

لك الليلُ بعد الذاهبين طويلا

ووفدُ همومٍ لم يردن رحيلا

__________________

(١) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ٣١١.

٣٩٢

ودمعٌ إذا حبّستَهُ عن سبيلِهِ

يعود هتوناً في الجفون هطولا

فيا ليتَ أسرابَ الدموعِ التي جرت

أَسَوْنَ كليماً أو شَفَيْنَ غليلا

أُخالُ صحيحاً كلَّ يومٍ وليلةٍ

ويأبى الجوى ألاّ أكونَ عليلا

كأنّي وما أحببت أهوى ممنّعاً

وأرجو ضنيناً بالوصال بخيلا

فقل للذي يبكي نُؤيّا ودمنةً

ويندب رسماً بالعراء محيلا

عداني دمٌ لي طُلَّ بالطفِّ أن أُرى

شجيّا أُبكّي أربُعاً وطلولا

مصابٌ إذا قابلت بالصبرِ غربَهُ

وجدت كثيري في العزاءِ قليلا

ورزءٌ حملتُ الثقلَ منه كأنّني

مدى الدهر لم أحمل سواه ثقيلا

وجدتم عداةَ الدينِ بعد محمدٍ

إلى كلمِهِ في الأقربين سبيلا

كأنّكمُ لم تنزعوا بمكانِهِ

خشوعاً مبيناً في الورى وخمولا

وأيّكمُ ما عزّ فينا بدينِهِ

وقد عاش دهراً قبل ذاك ذليلا

فقل لبني حربٍ وآلِ أُميّةٍ

إذا كنتَ ترضى أن تكون قؤولا

سللتمْ على آل النبيّ سيوفَهُ

مُلئِنَ ثلوماً في الطلى وفلو لا

وقدتم إلى من قادكم من ضلالِكمْ

فأخرجَكمْ من وادييه خيولا

ولم تغدروا إلاّ بمن كان جدُّهُ

إليكم لتحظَوا بالنجاةِ رسولا

وترضون ضدَ الحزمِ إن كان ملككُمْ

ضئيلاً وديناً دنتمُ لهزيلا

نساءُ رسولِ اللهِ عُقْرَ ديارِكمْ

يرجِّعنَ منكم لوعةً وعويلا

لهنّ ببوغاءِ الطفوفِ أعزّةٌ

سُقوا الموتَ صِرفاً صبيةً وكهولا

كأنّهمُ نوّار روضٍ هوتْ به

رياحٌ جَنوباً تارةً وقَبولا

وأنجمُ ليلٍ ما علونَ طوالعاً

لأعينِنا حتى هبطنَ أُفولا

فأيّ بدورٍ ما مُحين بكاسفٍ

وأيّ غصونٍ ما لقينَ ذبولا

أمن بعد أن أعطيتموه عهودَكمْ

خِفافاً إلى تلك العهودِ عُجولا

رجعتمْ عن القصدِ المبينِ تناكصا

وحُلتمْ عن الحقِّ المنيرِ حؤولا

٣٩٣

وقعقعتمُ أبوابَهُ تختلونَه

ومن لم يُرِدْ ختلاً أصابَ خُتولا

فما زلتمُ حتى أجابَ نداءَكمْ

وأيُّ كريمٍ لا يُجيبُ سَؤولا

فلمّا دنا ألفاكمُ في كتائبٍ

تطاولنَ أقطارَ السباسبِ طولا

متى تكُ منها حجزةٌ أو كحجزةٍ

سمعت رغاءً مُصعقاً وصهيلاً

فلم يَرَ إلاّ ناكثاً أو منكّباً

وإلاّ قطوعاً للذمام حلولا

وإلاّ قعوداً عن لمامٍ بنصره

وإلاّ جبوهاً بالردى وخذولا

وضغنَ شفافٍ هبَّ بعد رقادِهِ

وأفئدةً ملأى يفضن ذحولا

وبيضاً رقيقاتِ الشفارِ صقيلةً

وسمراً طويلاتِ المتونِ عسولا

فلا أنتمُ أفرجتمُ عن طريقِهِ

إليكمْ ولا لمّا أراد قفولا

عزيزٌ على الثاوي بطيبةَ أعظمٌ

نُبِذْنَ على أرضِ الطفوفِ شكولا

وكلُّ كريمٍ لا يلمُّ بريبةٍ

فإن سيمَ قولَ الفحشِ قال جميلا

يُذادون عن ماءِ الفراتِ وقد سُقوا ال

شهادةَ من ماءِ الفراتِ بديلا

رموا بالردى من حيث لا يحذرونه

وغروا وكم غر الغفول غفولا

أيا يومَ عاشوراء كمْ بفجيعةٍ

على الغرِّ آل الله كنتَ نَزولا

دخلتَ على أبياتِهمْ بمصابِهمْ

ألا بئسما ذاك الدخولُ دخولا

نزعتَ شهيدَ اللهِ منّا وإنّما

نزعتَ يميناً أو قطعتَ تليلا

قتيلاً وجدنا بعده دينَ أحمدٍ

فقيداً وعزَّ المسلمين قتيلا

فلا تبخسوا بالجورِ من كان ربُّهُ

برجع الذي ناؤعتموه كفيلا

أُحبّكمُ آلَ النبيِّ ولا أرى

وكم عذلوني عن هواي عديلا

وقلتُ لمن يلحى على شغفي بكمْ

وكم غيرِ ذي نصحٍ يكون عذولا

رويدكمُ لا تنحلوني ضلالكم

فلن تُرحلوا منّي الغداةَ ذَلولا

عليكم سلامُ اللهِ عيشاً وميتةً

وسفراً تطيعون النوى وحلولا

فما زاغ قلبي عن هواكم وأخمصي

فلا زلَّ عمّا ترتضون زليلا

٣٩٤

وقال في الموعظة والاعتبار ، توجد في الجزء السادس من ديوانه (١):

لا تقربنَّ عَضيهةً

إنّ العضائهَ مخزياتُ

واجعل صلاحَكَ سرمداً

فالصالحاتُ الباقياتُ

في هذه الدنيا ومن

فيها لنا أبداً عِظاتُ

إمّا صروفٌ مقبلا

تٌ أو صروفٌ مدبراتُ

وحوادث الأيّام في

ـنا آخذاتٌ معطياتُ

والذلُّ موتٌ للفتى

والعزُّ في الدنيا الحياةُ

والذخرُ في الدارين إمّا

طاعةٌ أو مأثراتُ

يا ضيعةً للمرء تدعوه

إلى الهلك الدعاةُ

تغترُّه حتى يزور

شعابَهنّ الطيِّباتُ

عِبَرٌ تمرُّ وما لها

منّا عيونٌ مبصراتُ

أين الأُلى كانوا بأي

ـدينا حصولاً ثمّ ماتوا

من كلِّ من كانت له

ثمراتُ دجلةَ والفراتُ

ما قيل نالوا فوق ما

يهوون حتى قيل فاتوا

لم يغنِ عنهمْ حين همّ

بهم حِمامُهُمُ الحماةُ

كلاّ ولا بيضٌ وسم

ـرٌ عارياتٌ مشرعاتُ

نطقوا زماناً ثمّ لي

ـس لنطقهم إلاّ الصماتُ

وكأنَّهم بقبورِهم

سبتوا وما بهمُ سُباتُ

من بعد أن ركبوا قَرا

سُرُرٍ وجُردٍ هُمْ رفاتُ

سلموا على صلح الأسنّة

والظبا لما استماتوا

ونجوا من الغمّاء لمّا

قيل ليس لهم نجاةُ

__________________

(١) ديوان الشريف المرتضى : ١ / ٢٧١.

٣٩٥

في موقفٍ فيه الصوا

رم والذوابل والكماةُ

وأتاهمُ من حيث لم

يخشوا لِحَيْنِهُمُ المماتُ

وطوتهمُ طيَّ البرو

د لهم قبورٌ مظلماتُ

فهمُ بها مثل الهشي

 ـم تعيثُ فيها العاصفاتُ

شُعثٌ وسائدُهم بها

من غير تكرمةٍ علاةُ

قل للذين لهم إلى

الدنيا دواع مسمعاتُ

وكأنّهم لم يسمعوا

ما ذا تقول الناعياتُ

أو ما تقول لهم إذا اج

 ـتازوا الديارُ الخالياتُ

فالضاحكاتُ وقد نعِم

 ـنَ بهنّ هنّ الباكياتُ

حتى متى وإلى متى

تأوي عيونكم السناتُ

كم ذا تفرِّجُ عنكمُ

أبدَ الزمانِ الموعظاتُ

كم ذا وُعظتم لو تكو

نُ لكم قلوبٌ مصغياتُ

لكمُ عقولٌ معرضا

تٌ أو عيونٌ عاشياتُ

عُجْ بالديارِ فنادِها

أينَ الجبالُ الراسياتُ

أين العصاةُ على المكا

رمِ للعواذلِ والأُباةُ

تجري المنايا من روا

جبهمْ جميعاً والصلاتُ (١)

وإذا لَقَوا يوم الوغى

أقرانَهمْ كانت هناةُ

والدهرُ طوعَ يمينِهمْ

وهمُ على الدنيا الولاةُ

أعطاهمُ متبرِّعاً

ثمّ استردَّ فقال هاتوا

كانت جميعاً ثمّ مزّق

شملَ بينِهمُ الشتاتُ

فأكفُّهمْ من بعد أن

سُلِبوا المواهبَ مقفراتُ

وسيوفُهمْ ورماحُهمْ

منبوذةٌ والضامراتُ

أمِنوا الصباحَ وما لهم

علمٌ بما يجني البياتُ

__________________

(١) الرواجب : مفاصل أصول الأصابع.

٣٩٦

ورماهمُ فأصابهمْ

داءٌ تعزُّ له الرُّقاةُ

وسهامُ أقواسِ المنو

ن الصائباتُ المصمِياتُ

مات الندى من بيننا

بمماتِهمْ والمكرماتُ

وقال يرثي الشيخ الأكبر ـ شيخنا المفيد ـ محمد بن محمد بن نعمان المتوفّى في رمضان (٤١٣) ، توجد في الجزء الثالث من ديوانه (١):

من على هذه الديار أقاما

أو ضفا ملبسٌ عليه وداما

عُج بنا نندبِ الذين تولّوا

باقتيادِ المنونِ عاماً فعاما

فارقونا كهلاً وشيخاً وهِمّا

ووليداً وناشئاً وغلاما

وشحيحاً جَعْدَ اليدينِ بخيلاً

وجواداً مخوّلاً مِطعاما

سكنوا كلَّ ذروةٍ من أشمٍ

يحسر الطرفَ ثمّ حَلّوا الرغاما

يا لحى اللهُ مهملاً حسِبَ الده

ـرَ نئومَ الجفون عنه فناما

وكأنّي لمّا رأيتُ بني الده

ـرِ غفولاً رأيتُ منهم نياما

أيّها الموتُ كم حططتَ عليّا

ساميَ الطرف أو جببتَ سناما

وإذا ما حدرت خَلفاً وظنّوا

نجوةً من يديك كنت أماما

أنت ألحقتَ بالذكيِّ غبيّا

في اصطلامٍ وبالدنيِّ هُماما

أنتَ أفنيتَ قبل أن تأخذ الأب

ـناء منّا الآباء والأعماما

ولقد زارني فأرّق عيني

حادثٌ أقعد الحجا وأقاما

حدتُ عنه فزادني حيدي عن

ـه‍ لصوقاً بدائِهِ والتزاما

وكأنّي لما حملت به الثق

ـل تحمّلت يذبلاً وشماما

فخذ اليوم من دموعي وقد كنَ

جموداً على المصاب سجاما

إنّ شيخَ الإسلامِ والدينِ والعل

ـم تولّى فأزعجَ الإسلاما

والذي كان غرّةً في دُجى الأيّا

م أودى فأوحشَ الأيّاما

__________________

(١) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ٤٣٨.

٣٩٧

كم جلوتَ الشكوكَ تعرضُ في نصِ

وصيٍّ وكم نصرتَ إماما

وخصومٍ لدٍّ ملأتَهمُ بال

ـحقِّ في حومةِ الخصامِ خصاما

عاينوا منكَ مصمياً ثغرة النح

ـر وما أرسلتْ يداك سهاما

وشجاعاً يفري المراءَ وما كلُ

شجاعٍ يفري الطلى والهاما

من إذا مالَ جانبٌ من بناءِ

الدين كانت له يداه دعاما

وإذا ازورَّ جائرٌ عن هداهُ

قادَهُ نحوه فكانَ زِماما

من لفضلٍ أخرجتَ منه خبيئاً

ومعانٍ فضضتَ عنها خِتاما

من لسوءٍ ميّزت عنه جميلاً

وحلالٍ خلّصتَ منه حراما

من يُنير العقولَ من بعد ما كنَ

هموداً وينتج الأفهاما

من يُعيرُ الصديقَ رأياً إذا ما

سلّه في الخطوبِ كان حساما

فامضِ صفراً من العيوب وكم با

ن رجالٌ أَثْرَوا عيوباً وذاما

إنّ خلداً أوضحتَ عاد بهيماً

وصباحاً أطلعتَ صارَ ظلاما

وزلالاً أوردتَ حالَ أُجاجاً

وشفاءً أورثت آلَ سِقاما

لن تراني وأنتَ من عدد الأموا

ت إلا تجمّلاً بسّاما

وإذا ما اختُرِمتَ منّي فما أر

هبُ في سائرِ الأنامِ اختراما

إن تكن مجرماً ولستَ فقدْ وا

ليتَ قوماً تحمّلوا الأجراما

لهمُ في المعاد جاهٌ إذا ما

بسطوه كفى وأغنى الأناما

لا تخفْ ساعة الجزاء وإن خا

فَ أُناسٌ فقد أخذتَ ذِماما

أودعَ اللهُ ما حللْتَ من البَيْ

ـداءِ فيه الإنعامَ والإكراما

ولوى عنهُ كلَّ ما عاقه التر

بُ ولا ذاق في الزمانِ أُواما

وقضى أن يكون قبرُكَ للرح

ـمة والأمنِ منزلاً ومقاما

وإذا ما سقى القبورَ فروّا

ها رهاماً سقاكَ منه سلاما

رَحِمَ اللهُ مَعشَرَ الماضين

والسلامُ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدى

٣٩٨

ـ ٤٠ ـ

أبو علي البصير

المتوفّى (٤٤٢)

سبحان من ليس في السماء ولا

في الأرض ندٌّ له وأشباهُ

أحاطَ بالعالمينَ مقتدراً

أشهدُ أن لا إله إلاّ هُو

وخاتمُ المرسلين سيّدنا

أحمدُ ربُّ السماء سمّاهُ

أشرقتِ الأرضُ يومَ بعثتهِ

وحصحصَ الحقُّ من محيّاهُ

إختار يومَ الغديرِ حيدرةً

أخاً له في الورى وآخاهُ

وباهلَ المشركينَ فيه وفي

زوجتِهِ يقتفيهما ابناهُ

هم خمسةٌ يُرحم الأنامُ بهمْ

ويستجابُ الدُّعا ويُرجاهُ (١)

الشاعر

أبو علي البصير ـ الضرير ـ الحسن بن المظفّر النيسابوريّ المحتد ، الخوارزميّ المولد ، ذكره ابن شهرآشوب (٢) من المتّقين من شعراء أهل البيت عليهم‌السلام وذكره أبو أحمد

__________________

(١) هذه الأبيات ذكرها العلاّمة السماويّ في الجزء الأوّل من كتابه الطليعة في شعراء الشيعة لأبي عليّ الضرير. وذكر الحموي منها [في معجم الأدباء : ٩ / ١٩٢] أربعة أبيات ونسبها إلى ولده عمر أبي حفص ، والله العالم. (المؤلف)

(٢) معالم العلماء : ص ١٥٢.

٣٩٩

محمود بن أرسلان في تاريخ خوارزم وبالغ في الثناء عليه وقال :

كان مؤدِّب أهل خوارزم في عصره ومخرِّجهم وشاعرهم ومقدّمهم والمشار إليه منهم ، له كتاب تهذيب ديوان الأدب ، وكتاب إصلاح المنطق ، وكتاب ذيل تتمّة اليتيمة ، وديوان شعره في مجلّدين ، وديوان رسائله ، وكتاب محاسن من اسمه الحسن ، وكتاب زيادات أخبار خوارزم. ومن شعره قوله :

أهلاً بعيشٍ كان جِدّ مواتِ (١)

أحيا من اللّذات كلَّ مَواتِ

أيّام سربُ الإنسِ غيرُ منفّرٍ

والشملُ غيرُ مروّعٍ بشتاتِ

عيشٌ تحسّر (٢) ظلّه عنّا فما

أبقى لنا شيئاً سوى الحسراتِ

ولقد سقاني الدهرُ ماءَ حياتِهِ

والآن يسقيني دمَ الحيّاتِ

لهفي لأحرارٍ مُنيت ببُعدهمْ

كانوا على غِيَر الزمانِ ثقاتي

قد زالتِ البركاتُ عنّي كلُّها

بزيالِ سيّدِنا أبي البركاتِ

ركنُ العلى والمجدِ والكرم الذي

قد فاتَ في الحلباتِ أيَّ فواتِ

فارقتُ طلعتَهُ المنيرةَ مكرَهاً

فبقيتْ كالمحصورِ في الظلماتِ

أُضحي وأُمسي صاعداً زفراتي

لفراقِهِ متحدِّراً عبراتي

وله قوله في المديح :

جبينُك الشمسُ في الأَضواءِ والقمرُ

يمينُكَ البحرُ في الإرواءِ والمطرُ

وظلّكَ الحرمُ المحفوظُ ساكنُهُ

وبابُكَ الركنُ للقصّادِ والحجَرُ

وسَيْبُك الرزقُ مضمونٌ لكلِّ فمٍ

وسيفُكَ الأجل الجاري به القدَرُ

أنت الهمامُ بل البدرُ التمامُ بل الس

ـيفُ الحسامُ بل الصارمُ الذكرُ

وأنت غيثُ الأنامِ المستغاثُ به

إذا أغارتْ على أبنائِها الغِيَرُ

__________________

(١) أي مطاوع وموافق ، من واتى مواتاة ووتاء [معجم الأدباء : ٩ / ١٩٢]. (المؤلف)

(٢) الحسر : الكشف. تحسّر : تكشّف. (المؤلف)

٤٠٠