الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي
المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨
من يرهنَّ قال مَن هذا الذي |
|
سدَّ الملا بالنعم المطافلِ |
وفوقهنّ كلُّ مرهوبِ الشذا |
|
يروي السنانَ من دمِ الشواكلِ (١) |
أبيضُ كالسيفِ ولكن لم يعُجْ |
|
صقالُهُ على يمينِ صاقلِ |
حيث ترى الموتَ الزؤامَ بالقنا |
|
مستحِبَ الأذيالِ والذلاذلِ (٢) |
والنقعُ يغشى العينَ عن لحاظها |
|
والركضُ يرمي الأرضَ بالزلازلِ |
وبزّت الأسلاب أو تمخّضتْ |
|
بلا تمامٍ بطنُ كلِّ حاملِ |
ولم يَجُزْ هَمُّ الفتى عن نفسِهِ |
|
وذُهِلَ الحيُّ عن العقائلِ |
إن لم أنلْ في بابلٍ مآربي |
|
فلي إذا ما شئتُ غيرُ بابلِ |
وإن أَبِتْ في وطنٍ مقلقلاً |
|
أبدلتُه بأظهرِ الرواحلِ |
وإن تضق بي بلدةٌ واحدةٌ |
|
فلم تضِقْ في غيرِها مجاولي |
وإن نبا عنّي خليلٌ وجفا |
|
نفضتُ من ودّي له أناملي |
خيرٌ من الخصب مع الذلّ به |
|
معرّسٌ على المكانِ الماحلِ |
وقال في الافتخار في الجزء الرابع من ديوانه (٣):
ما ذا جنتْهُ ليلةُ التعريفِ |
|
شغفتْ فؤاداً ليس بالمشغوفِ |
ولو انّني أدري بما حُمِّلتُهُ |
|
عند الوقوفِ حذرتُ يومَ وقوفي |
ما زال حتى حلَّ حَبَّ قلوبِنا |
|
بجمالِه سِربُ الظباء الهيفِ |
وأرتْكَ مُكْتَتَمَ المحاسنِ بعد ما |
|
ألقى تقى الإحرامِ كلّ نصيفِ |
وقنعتُ منها بالسلامِ لو انّه |
|
أروى صدى أو بلَّ لهفَ لهيفِ |
والحبُّ يُرضِي بالطفيفِ معاشراً |
|
لم يرتضوا من قبلِهِ بطفيفِ |
ويخفّ مَن كان البطيء عن الهوى |
|
فكأنّه ما كان غيرَ خفيفِ |
__________________
(١) شواكل ـ جمع شاكلة ـ : الخاصرة. (المؤلف)
(٢) الزؤام : العاجل ، وقيل : سريع مجهّز. الذلاذل جمع ذُلذل ، وذُلذل : أسفل الثوب. (المؤلف)
(٣) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ١٣٧.
يا حبَّها رفقاً بقلبٍ طالما |
|
عرّفتَه ما ليس بالمعروفِ |
قد كان يرضى أن يكون محكّماً |
|
في لُبِّه لو كنتَ غيرَ عنيفِ |
أطرحتِ يا ظمياءُ ثقلَكِ كلَّه |
|
يومَ الوداعِ على فقارِ ضعيفِ |
يقتاده للحبِّ كلُّ مُحبّبٍ |
|
ويروعه بالبينِ كلُّ أليفِ |
وكأنّني لمّا رجعتُ عن النوى |
|
أبكي رجعتُ بناظرٍ مطروفِ |
وبزفرةٍ شهدَ العذولُ بأنّها |
|
من حاملٍ ثقلَ الهوى ملهوفِ |
ومتى جحدتُهمُ الغرامَ تصنّعاً |
|
ظهروا عليهِ بدمعيَ المذروفِ |
وعلى مِنىً غُرَرٌ رمين نفوسَنا |
|
قبل الجِمار من الهوى بحتوفِ |
يسحبن أذيالَ الشفوفِ غوانياً |
|
بالحُسن عن حَسَنٍ بكلِّ شُفوفِ |
وعدلن عن لبسِ الشنوفِ وإنّما |
|
هنّ الشنوفُ محاسناً لشنوفِ (١) |
وتعجّبتْ للشيب وهي جنايةٌ |
|
لدلال غانيةٍ وصدّ صدوفِ |
وأناطتِ الحسناءُ بي تبعاتِهِ |
|
فكأنّما تفويفه تفويفي (٢) |
هو منزلٌ بُدِّلتُهُ من غيرِهِ |
|
وهو الغنى في المنزل المألوفِ |
لا تُنكرِيه فهو أبعدُ لُبْسةً |
|
عن قذف قاذفةٍ وقَرفِ قَروفِ (٣) |
وبعيدة الأقطارِ طامسة الصوى |
|
من طولِ تطوافِ الرياحِ الهوفِ |
لا صوتَ فيها للأنيسِ وإنّما |
|
لعصائبِ الجِنّان جرسُ عزيفِ |
وكأنّما حُزُقُ النعام بدوّها |
|
ذودٌ شردن لزاجرٍ هنّيفِ (٤) |
قَطَعَتْ ركابي وهي غيرُ طلائحٍ |
|
مع طولِ إيضاعي وفرطِ وجيفي |
أبغي الذي كلُّ الورى عن بغيِهِ |
|
من بين مصدودٍ ومن مصدوفِ |
__________________
(١) الشنوف : كالأقراط إلاّ أنّها تعلّق في أعلى الأذن.
(٢) التفويف في الثوب : الخطوط البيضاء فيه.
(٣) اللبسة : الشبهة. القرْف : ذكر الشخص بسوء.
(٤) الحُزُق ـ جمع الحزيقة ـ : الجماعة. الدوّ : المفازة. الهنّيف : المعنف في السير ، مأخوذة من التهنيف وهو الإسراع.
والعزّ في كَلفِ الرجالِ ولم يُنَلْ |
|
عزٌّ بلا نَصبٍ ولا تكليفِ |
والجدبُ مغنىً للأعزّةِ دارِهٌ |
|
والذلُّ بيتٌ في مكانِ الريفِ |
ولقد تعرّقتِ النوائبُ صَعدتي |
|
وأجاد صَرفُ الدهر من تثقيفي |
وحللت من ذلِّ الأنامِ بنجوةٍ |
|
لا لومتي فيها ولا تعنيفي |
فبدارِ أنديةِ الفخارِ إقامتي |
|
وعلى الفضائلِ مربعي ومصيفي |
وسرى سُرى النجمِ المحلِّقِ في العلى |
|
نظمي وما ألّفتُ من تصنيفي |
ورأيتُ من غدرِ الزمانِ بأهلِهِ |
|
من بعد أن أمنوه كلَّ طريفِ |
وعجبت من حَيْدِ القويِّ عن الغنى |
|
طولَ الزمانِ وخطوةِ المضعوفِ |
وعَمَى الرجالِ عن الصوابِ كأنّهمْ |
|
يعمون عمّا ليس بالمكشوفِ |
وفديتُ عِرضي من لئامِ عشيرتي |
|
بنزاهتي عن سيِّيءٍ وعُزوفي (١) |
فبقدر ما أحميهمُ ما ساءهمْ |
|
أُعطيهمُ من تالدي وطريفي |
كم رُوِّعَ الأعداءُ قبل لقائهم |
|
ببروقِ إيعادي ورعدِ صريفي |
وكأنّهم شَرَدٌ سوامُهمُ وقد |
|
سمعوا على جوِّ السماء حفيفي |
قومي الذين تملّكوا رِبَقَ الورى |
|
بطعانِ أرماحٍ وضربِ سيوفِ |
ومواقفٍ في كلِّ يومِ عظيمةٍ |
|
ما كان فيها غيرُهم بوَقوفِ |
ومشاهدٍ ملأتْ شعوبَ عداهمُ |
|
بقذىً لأجفانٍ ورغم أُنوفِ |
هم خوّلوا النِّعمَ الجسامَ وأمطروا |
|
في المملقينَ غمائمَ المعروفِ |
وكأنّهم يوم الوغى خللَ القَنا |
|
حيّاتُ رمل أو أُسودُ غريفِ (٢) |
كم راكبٍ منهم لغاربِ سَدفَةٍ |
|
طرباً لجود أو مهينِ سديفِ (٣) |
ومُتيَّمٍ بالمكرماتِ وطالما |
|
ألِفَ الندى من كان غيرَ ألوفِ |
__________________
(١) العزوف : ترك الشيء والانصراف عنه. (المؤلف)
(٢) الغريف : الجماعة من الشجر الملتفّ.
(٣) السدفة : ظلمة أوّل الليل وآخره. السديف : شحم السنام.
وحللتُ أنديةَ الملوكِ مجيبةً |
|
صوتي ومصغيةً إلى توقيفي |
وحميتُهمْ بالحزمِ كلَّ عَضيهةٍ |
|
وكفيتُهمْ بالعزم كلَّ مخوفِ |
وتراهمُ يتدارسون فضائلي |
|
ويصنِّفون من الفخارِ صُنوفي |
ويردِّدون على الرواةِ مآثري |
|
ويعدِّدون من العلاء ألوفي |
ويسيّرون إلى ديارِ عدوِّهم |
|
من جند رأيي العالِمين زحوفي |
وإذا همُ نَكِروا غريباً فاجئاً |
|
فَزِعوا بنُكرِهمُ إلى تعريفي |
دفعوا بيَ الخطبَ العظيمَ عليهمُ |
|
واستعصموا حذرَ العدى بكنوفي |
وصحبتُ منهم كلَّ ذي جبريّةٍ |
|
سامٍ على قُلَل البريّةِ موفِ |
ترنو إليك وقد وقفتَ إزاءَهُ |
|
بين الوفودِ بناظِرَي غطريفِ |
فالآنَ قل للحاسدين تنازحوا |
|
عن شمسِ أُفقٍ غير ذات كسوفِ |
ودعوا لسيل الواديين طريقَه |
|
فالسيلُ جرّافٌ لكلِّ جروفِ |
وتزوّدوا يأسَ القلوبِ عن الندى |
|
فمنيفةٌ دارٌ لكلِّ مُنيفِ |
وارضَوا بأن تمشوا ولا كرمٌ لكمْ |
|
في دارِ مجدِ الأكرمين ضيوفي |
وقال في الجزء الخامس من ديوانه (١) يرثي جدّه الطاهر الإمام السبط الشهيد عليهالسلام ومن قُتل معه :
يا دارُ دارَ الصوَّمِ القوّمِ |
|
كيف خلا أُفقُكِ من أنجُمِ |
عهدي بها يرتعُ سكّانُها |
|
في ظلِّ عيشٍ بينها أنعمِ |
لم يصبحوا فيها ولم يغبُقوا |
|
إلاّ بكأسَيْ خمرةِ الأنعَمِ (٢) |
بكيتُها من أدمعٍ لو أبت |
|
بكيتُها واقعةً من دمِ |
وعُجْتُ فيها راثياً أهلَها |
|
سَواهِمَ الأوصالِ والملطمِ |
__________________
(١) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ٤٨٢.
(٢) الاصطباح : هو الشرب صبحاً. الاغتباق : الشرب ليلاً. الأنعم : موضع.
نحلنَ حتى حالهنَّ السرى |
|
بعضَ بقايا شَطَنٍ مُبرَمِ (١) |
لم يدع الإسآد هاماتِها |
|
إلاّ سقيطاتٍ على المَنسمِ (٢) |
يا صاحبي يوم أزالَ الجوى |
|
لحمي بخدّيَّ عن الأعظُمِ |
واريتُ ما أنت به عالمٌ |
|
ودائيَ المعضلَ لم تعلمِ |
ولستُ فيما أنا صبٌّ به |
|
مَن قَرَنَ الساليَ بالمغرمِ |
وجدي بغيرِ الظعنِ سيّارةً |
|
من مَخرِمٍ ناءٍ إلى مَخرِمِ (٣) |
ولا بلفّاءَ هضيمِ الحشا |
|
ولا بذاتِ الجيدِ والمِعصَمِ |
فاسمع زفيري عند ذكري الأُلى |
|
بالطفِّ بين الذئبِ والقشعَمِ (٤) |
طرحى فإمّا مقعَصٌ بالقنا |
|
أو سائلُ النفس على مِخذمِ (٥) |
نثراً كدرٍّ بددٍ مهملٍ |
|
أغفله السلكُ فلم ينظمِ |
كأنّما الغبراءُ مرميّةٌ |
|
من قِبَلِ الخضراءِ بالأنجمِ |
دُعوا فجاؤوا كرماً منهمُ |
|
كم غرَّ قوماً قسَمُ المقسِمِ |
حتى رأوها أُخريات الدجى |
|
طوالعاً من رَهَجٍ أقتمِ |
كأنّهم بالصمّ مطرورةٌ |
|
لمنجد الأرضِ على مُتهمِ |
وفوقها كلُّ مغيظِ الحشا |
|
مكتحلِ الطرفِ بلون الدمِ |
كأنّه من حنقٍ أجدلٌ |
|
أرشده الحرصُ إلى مَطْعَمِ |
فاستقلبوا الطعنَ إلى فتيةٍ |
|
خُوّاضِ بحرِ الحذَرِ المفعَمِ |
من كلِّ نهّاضٍ بثقلِ الأذى |
|
موكّلِ الكاهلِ بالمعظَمِ |
__________________
(١) الشطن : الحبل.
(٢) الإسآد : السير ليلاً بلا استراحة. المنْسِم : خفّ البعير.
(٣) المخرِم : منقطع أنف الجبل.
(٤) القشعم : النسر.
(٥) مقعص من أقعص الرجل : قتله مكانه ، أجهز عليه. مخذم : آلة الخذم. والخذم : القطع بسرعة.(المؤلف)
ماضٍ لما أمَّ فلو جادَ في ال |
|
ـهيجاءِ بالحوباءِ لم يندَمِ |
وكالفٍ بالحربِ لو أنّه |
|
أُطعِمَ يَوم السلم لم يطعمِ |
مثلَّمِ السيفِ ومن دونه |
|
عرْضٌ صحيحُ الحدِّ لم يُثْلَمِ |
فلم يزالوا يُكرعون الظُّبا |
|
بين تراقي الفارسِ المُعْلَمِ |
فمُثخَنٌ يحمل شهّاقةً |
|
تحكي لراءٍ فغرة الأعلمِ (١) |
كأنّما الوَرسُ بها سائلٌ |
|
أو أُنبِتَتْ من قُضُبِ العَنَدمِ |
ومستزلٌّ بالقنا عن قَرا |
|
عبلِ الشوى أو عن مطا أدهمِ (٢) |
لو لم يكيدوهم بها كيدَةً |
|
لانقلبوا بالخِزي والمرغمِ |
فاقتُضِبتْ بالبيضِ أرواحُهمْ |
|
في ظلِّ ذاك العارضِ الأسحمِ |
مصيبةٌ سيقت إلى أحمدٍ |
|
ورهطِهِ في الملأ الأعظمِ |
رزءٌ ولا كالرزءِ من قبلِهِ |
|
ومؤلمٌ ناهيك من مؤلِمِ |
ورميةٌ أصمتْ ولكنّها |
|
مصميةٌ من ساعدٍ أجذَمِ |
قل لبني حربٍ ومن جمّعوا |
|
من حائرٍ عن رشده أو عَمِي |
وكلِّ عانٍ في إسارِ الهوى |
|
يُحسَب يقظانَ من النوَّمِ |
لا تحسبوها حلوةً إنّها |
|
أمرُّ في الحلق من العلقمِ |
صرّعهمْ أنّهمُ أقدموا |
|
كم فُدي الُمحجِمُ بالمُقدِمِ |
هل فيكمُ إلاَّ أخو سوءَةٍ |
|
مجرّحُ الجلدِ من اللوّمِ |
إن خاف فقراً لم يجُد بالندى |
|
أو هاب وشكَ الموتِ لم يُقدمِ |
يا آل ياسينَ ومَن حبُّهمْ |
|
منهجُ ذاك السَّنَنِ الأقومِ |
مهابطُ الأملاكِ أبياتُهمْ |
|
ومستقرُّ المُنزَلِ المحكَمِ |
__________________
(١) المثخن : الذي أثخنته الجراحات. الشهّاقة : الرمح. الفغرة : الفتحة. الأعلم : الذي شُقّت شفته العليا.
(٢) القرا : الظهر. العبل : الضخم. الشوى : الأعضاء. المطا : الظهر.
فأنتمُ حجّةُ ربِّ الورى |
|
على فصيحِ النطقِ أو أعجمِ |
وأين إلاّ فيكمُ قربةٌ |
|
إلى الإله الخالقِ المنعِمِ |
واللهِ لا أخليتُ من ذكرِكُمْ |
|
نظمي ونثري ومرامي فمي |
كلاّ ولا أغببتُ أعداءَكمْ |
|
من كلمي طوراً ومن أسهمي (١) |
ولا رُؤي يومَ مصابٍ لكم |
|
منكشفاً في مشهدٍ مبسمي |
فإن أغِبْ عن نصركمْ برهةً |
|
بمرهفاتٍ لم أغبْ بالفمِ |
صلّى عليكم ربّكم وارتوتْ |
|
قبورُكم من مسبلٍ مُثْجِمِ (٢) |
مقعقعٍ تُخجِلُ أصواتُه |
|
أصواتَ ليثِ الغابةِ المُرزمِ |
وكيف أستسقي لكم رحمةً |
|
وأنتمُ الرحمةُ للمجرمِ |
وقال يرثي الإمام السبط المفدّى وأصحابه ، توجد في الجزء الخامس من ديوانه (٣):
هل أنت راثٍ لصبِّ القلبِ معمودِ |
|
دَوِي الفؤادِ بغيرِ الخرّدِ الخودِ |
ما شفّه هجرُ أحبابٍ وإن هجَروا |
|
من غير جرمٍ ولا خُلفِ المواعيدِ |
وفي الجفونِ قذاةٌ غيرُ زائلةٍ |
|
وفي الضلوع غرامٌ غيرُ مفقودِ |
يا عاذلي ليس وجدٌ بتُّ أكتُمه |
|
بين الحشا وجدَ تعنيفٍ وتفنيدِ |
شربي دموعي على الخدّين سائلةً |
|
إن كان شربُكَ من ماءِ العناقيدِ |
ونمْ فإنّ جفوناً لي مُسهّدةً |
|
عُمْرَ الليالي ولكن أيَّ تسهيدِ |
وقد قضيت بذاك العذلِ مأربةً |
|
لو كان سمعيَ عنه غيرَ مسدودِ |
تلومني لم تُصِبْك اليومَ قاذفتي |
|
ولم يَعُدْكَ كما يعتادني عيدي |
__________________
(١) أغببت : من الإغباب وهو ترك الشيء فترة.
(٢) المطر المثجم : الكثير.
(٣) ديوان الشريف المرتضى : ١ / ٤٣٦.
فالظلمُ عذلُ خليِّ القلبِ ذا شجنٍ |
|
وهجنةٌ لومُ موفورٍ لمجهودِ |
كم ليلةٍ بتُّ فيها غيرَ مرتفقٍ |
|
والهمُّ ما بين محلولٍ ومعقودِ |
ما إن أحِنُّ إليها وهي ماضيةٌ |
|
ولا أقولُ لها مستدعياً عودي |
جاءت فكانت كعُوّارٍ على بصرٍ |
|
وزايلت كزيالِ المائد المودي (١) |
فإن يودّ أُناسٌ صبحَ ليلِهمُ |
|
فإنّ صبحيَ صبحٌ غيرُ مودودِ |
عشيّةٌ هجمت منها مصائبُها |
|
على قلوبٍ عن البلوى محاييدِ |
يا يومَ عاشورَ كم طأطأتَ من بصرٍ |
|
بعد السموِّ وكم أذللتَ من جيدِ |
يا يومَ عاشورَ كم أطردتَ لي أملاً |
|
قد كان قبلَك عندي غيَر مطرودِ |
أنت المرنِّقُ عيشي بعد صفوتِهِ |
|
ومولج البيضِ من شيبي على السودِ (٢) |
جُزْ بالطفوف فكم فيهنّ من جبلٍ |
|
خرَّ القضاء به بين الجلاميدِ |
وكم جريحٍ بلا آسٍ تمزّقُهُ |
|
إمّا النسورُ وإمّا أضبُعُ البيدِ |
وكم سليبِ رماحٍ غيرِ مستترٍ |
|
وكم صريعِ حِمامٍ غيرِ ملحودِ |
كأنّ أوجهَهمْ بيضاً ملألأةً |
|
كواكبٌ في عِراصِ القَفرةِ السودِ |
لم يطعموا الموتَ إلاّ بعد أن حطَموا |
|
بالضربِ والطعنِ أعناقَ الصناديدِ |
ولم يدع فيهمُ خوفُ الجزاء غداً |
|
دماً لتربٍ ولا لحماً إلى سِيدِ (٣) |
من كلِّ أبلجَ كالدينارِ تشهدُهُ |
|
وسطَ النديِّ بفضلٍ غيرِ مجحودِ |
يغشى الهياجَ بكفٍّ غيرِ منقبضٍ |
|
عن الضرابِ وقلبٍ غيرِ مزؤودِ (٤) |
لم يعرفوا غيرَ بثِّ العرفِ بينهمُ |
|
عفواً ولا طبعوا إلاّ على الجودِ |
يا آل أحمدَ كم تُلوى حقوقُكمُ |
|
ليَّ الغرائبِ عن نبتِ القراديدِ (٥) |
__________________
(١) المائد : المتحرك. المودي : المهلك.
(٢) المرنِّق : المكدِّر.
(٣) السيِّد : الذئب والأسد.
(٤) المزؤود : المذعور.
(٥) القراديد ـ جمع قردد ـ : ما ارتفع وغلظ من الأرض.
وكم أراكم بأجوازِ الفلا جُزُراً |
|
مبدّدين ولكن أيَّ تبديدِ |
لو كان ينصفُكمْ من ليس ينصفُكمْ |
|
ألقى إليكم مطيعاً بالمقاليدِ |
حُسدتمُ الفضلَ لم يُحرِزْهُ غيرُكمُ |
|
والناسُ ما بين محرومٍ ومحسودِ |
جاءوا إليكم وقد أَعطَوا عهودَهمُ |
|
في فيلقٍ كزُهاء الليلِ ممدودِ |
مُستمرحينَ بأيديهمْ وأرجلِهمْ |
|
كما يشاءون ركضَ الضمّرِ القودِ |
تهوي بهم كلُّ جرداءٍ مطهّمةٍ |
|
هويّ سَجْلٍ من الأوذام مجدودِ (١) |
مستشعرين لأطرافِ الرماحِ ومن |
|
حدِّ الظبا أدرُعاً من نسجِ داودِ |
كأنّ أصواتَ ضربِ الهامِ بينهمُ |
|
أصواتُ دوحٍ بأيدي الريحِ مبدودِ |
حمائمُ الأيكِ تبكيهمْ على فننٍ |
|
مرنّحٍ بنسيمِ الريحِ أُملودِ (٢) |
نوحِي فذاك هديرٌ منكِ محتسبٌ |
|
على حسينٍ فتعديدٌ كتغريدِ |
أُحبّكمْ والذي طافَ الحجيجُ به |
|
بمبتنى بإزاءِ العرشِ مقصودِ |
وزمزمٍ كلّما قسنا مواردَها |
|
أوفى وأربى على كلِّ المواريدِ |
والموقِفَيْنِ وما ضحّوا على عجلٍ |
|
عند الجمارِ من الكوم المقاحيدِ (٣) |
وكلّ نسكٍ تلقّاه القبولُ فما |
|
أمسى وأصبحَ إلاّ غيرَ مردودِ |
وأرتضي أنّني قد متُّ قبلَكمُ |
|
في موقفٍ بالردينيّاتِ مشهودِ |
جمّ القتيل فهاماتُ الرجالِ به |
|
في القاعِ ما بين متروكٍ ومحصودِ |
فقلْ لآلِ زيادٍ أيُّ معضلةٍ |
|
ركبتموها بتخبيبٍ وتخويدِ (٤) |
كيف استلبتمْ من الشجعانِ أمرَهمُ |
|
والحربُ تغلي بأوغادٍ عراديدِ (٥) |
__________________
(١) السجْل : الدلو العظيمة. الأوذام : جمع الوذمة ، وهي السير بين آذان الدلو والخشبة المعترضة عليها. المجدود : المقطوع.
(٢) الأُملود : الناعم الليّن.
(٣) الكوم ـ جمع الكوماء والأكوم ـ : الإبل الضخمة السنام. المقاحيد ـ جمع المقحاد ـ : النياق العظيمة السنام.
(٤) التخبيب والتخويد : الإسراع في السير.
(٥) العراديد ـ جمع العرديد ـ : المنحرف عن القتال أو الطريق.
فرّقتمُ الشملَ ممّن لفَّ شملَكمُ |
|
وأنتمُ بين تطريدٍ وتشريدِ |
ومن أعزّكمُ بعد الخمولِ ومن |
|
أدناكمُ من أمانٍ بعد تبعيدِ |
لولاهمُ كنتمُ لحماً لمُزدرِدٍ |
|
أو خلسةً لقصير الباع معضودِ (١) |
أو كالسقاءِ يبيساً غيرَ ذي بللٍ |
|
أو كالخباء سقيطاً غير معمودِ |
أعطاكمُ الدهرُ ما لا بدَّ يرفعُهُ |
|
فسالبُ العودِ فيها مورقُ العودِ |
فلا شربتم بصفوٍ لا ولا علِقَتْ |
|
لكم بنانٌ بأزمانٍ أراغيدِ |
ولا ظفِرتمْ وقد جُنّتْ بكم نُوَبٌ |
|
مقلقلاتٌ بتمهيدٍ وتوطيدِ |
وحوّلَ الدهرُ ريّاناً إلى ظماً |
|
منكم وبدّل محدوداً بمجدودِ (٢) |
قد قلتُ للقومِ حطّوا من عمائمِهمْ |
|
تحقّقاً بمصاب السادة الصيدِ |
نوحوا عليهِ فهذا يومُ مصرعِهِ |
|
وعدِّدوا إنّها أيّامُ تعديدِ |
فلي دموعٌ تُباري القطرَ واكفةٌ |
|
جادت وإن لم أقل يا أدمعي جودي |
وقال يذكر مصرع جدِّه الإمام السبط عليهالسلام ، يوجد في الجزء الأوّل من ديوانه (٣):
أأُسقي نميرَ الماءِ ثمّ يلذُّ لي |
|
ودورُكمُ آلَ الرسول خلاءُ |
وأنتم كما شاء الشتاتُ ولستمُ |
|
كما شئتمُ في عيشةٍ وأشاءُ |
تُذادون عن ماءِ الفراتِ وكارعٌ |
|
به إبلٌ للغادرين وشاءُ |
تنشّر منكمْ في القواء معاشرٌ |
|
كأنّهمُ للمبصرين مُلاءُ (٤) |
ألا إنّ يوم الطفِّ أدمى محاجراً |
|
وأودى قلوباً ما لهنّ دواءُ |
وإنّ مصيباتِ الزمانِ كثيرةٌ |
|
ورُبّ مصابٍ ليس منه عزاءُ |
__________________
(١) المعضود : قصير العضد ؛ كنايةً عن الضعف.
(٢) المحدود : المحروم. المجدود : الغنيّ.
(٣) ديوان الشريف المرتضى : ١ / ١٥٩.
(٤) القواء : القفر الخالي من الأرض.
أرى طخيةً فينا فأين صباحُها |
|
وداءً على داءٍ فأين شفاءُ |
وبين تراقينا قلوبٌ صديّةٌ |
|
يُراد لها لو أُعطِيَتْه جلاءُ |
فيا لائماً في دمعتي ومفنِّداً |
|
على لوعتي واللومُ منه عناءُ |
فما لك منّي اليوم إلاّ تلهّفي |
|
وما لك إلاّ زفرةٌ وبكاءُ |
وهل ليَ سلوانٌ وآلُ محمدٍ |
|
شريدهمُ ما حان منه ثواءُ |
تُصَدُّ عن الروحات أيدي مطيِّهم |
|
ويزوى عطاءٌ دونهم وحباءُ |
كأنّهمُ نسلٌ لغير محمدٍ |
|
ومن شعبِهِ أو حزبِهِ بُعداءُ |
فيا أنجماً يهدي إلى اللهِ نورُها |
|
وإن حالَ عنها للغبيّ غباءُ |
فإن يكُ قومٌ وصلةً لجهنمٍ |
|
فأنتم إلى خلدِ الجِنانِ رشاءُ |
دعوا قلبيَ المحزونَ فيكمْ يهيجُهُ |
|
صباحٌ على أُخراكمُ ومساءُ |
فليس دموعي من جفوني وإنّما |
|
تقاطرنَ عن قلبي فهنّ دماءُ |
إذا لم تكونوا فالحياة منيّةٌ |
|
ولا خير فيها والبقاءُ فناءُ |
وأمّا شقيتمْ بالزمانِ فإنّما |
|
نعيمي إذا لم تلبسوه شقاءُ |
لحى اللهُ قوماً لم يجازوا جميلَكمْ |
|
لأنّكمُ أحسنتمُ وأساءوا |
ولا انتاشهم عند المكاره منهضٌ |
|
ولا مسّهمْ يومَ البلاءِ جزاءُ |
سقى اللهُ أجداثاً طُوِينَ عليكمُ |
|
ولا زالَ منهلاّ بهنّ رواءُ |
يسير إليهنّ الغمامُ وخلفَهُ |
|
زماجرُ من قعقاعِهِ وحداءُ |
كأنّ بواديه العشارُ تروّحتْ |
|
لهنّ حنينٌ دائمٌ ورُغاءُ |
ومن كان يسقى في الجنان كرامةً |
|
فلا مسّه من ذي السحائب ماءُ |
وقال يرثيه ـ صلوات الله عليه ـ يوم عاشوراء ، توجد في الجزء السادس من ديوانه (١):
يا يومُ أيُّ شجىً بمثلِكَ ذاقَهُ |
|
عُصَبُ الرسولِ وصفوةُ الرحمنِ |
__________________
(١) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ٥٦٠.
جرّعتَهمْ غُصَصَ الردى حتى ارتوَوا |
|
ولذعتَهمْ بلواذعِ النيرانِ |
وطرحتهمْ بدداً بأجوازِ الفلا |
|
للذئبِ آونةً وللعقبانِ |
عافوا القرارَ وليس غيرُ قرارِهمْ |
|
أو بردِهمْ موتاً بحدِّ طعانِ |
مُنعوا الفراتَ وصُرِّعوا من حوله |
|
من تائقٍ للورد أو ظمآنِ |
أوَما رأيتَ قِراعَهم ودفاعَهم |
|
قِدْماً وقد أُعْرُوا من الأعوانِ |
متزاحمين على الردى في موقفٍ |
|
حُشِيَ الظبا وأسنّةَ المرّانِ |
ما إن به إلاّ الشجاعُ وطائرٌ |
|
عنه حذارَ الموتِ كلُّ جبانِ |
يومٌ أذلَّ جماجماً من هاشمٍ |
|
وسرى إلى عدنانَ بل قحطانِ |
أرعى جميمَ الحقِّ في أوطانهمْ |
|
رعيَ الهشيمِ سوائمُ العدوانِ |
وأنار ناراً لا تبوخ وربّما |
|
قد كان للنيرانِ لونُ دخانِ |
وهو الذي لم يُبقِ في دينٍ لنا |
|
بالغدرِ قائمةً من البنيانِ |
يا صاحبيّ على المصيبة فيهمُ |
|
ومشاركيّ اليوم في أحزاني |
قوما خُذا نارَ الصلا من أضلعي |
|
إن شئتما والنار من أجفاني |
وتعلّما أنّ الذي كتّمتُهُ |
|
حذرَ العدى يأبى عن الكتمانِ |
فلو انّني شاهدتهم بين العدى |
|
والكفرُ مُعْلَوْلٍ على الإيمان |
لخضبتُ سيفي من نجيعِ عدوِّهم |
|
ومحوتُ من دمهمْ حُجول حصاني |
وشفيت بالطعنِ المبرِّح بالقنا |
|
داءَ الحقود ووعكةَ الأضغانِ |
ولَبعتُهم نفسي على ضننٍ بها |
|
يومَ الطفوفِ بأرخص الأثمانِ |
وقال يرثي جدّه الإمام السبط المفدّى يوم عاشوراء سنة (٤١٣) ، توجد في الجزء الثالث من ديوانه (١):
لك الليلُ بعد الذاهبين طويلا |
|
ووفدُ همومٍ لم يردن رحيلا |
__________________
(١) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ٣١١.
ودمعٌ إذا حبّستَهُ عن سبيلِهِ |
|
يعود هتوناً في الجفون هطولا |
فيا ليتَ أسرابَ الدموعِ التي جرت |
|
أَسَوْنَ كليماً أو شَفَيْنَ غليلا |
أُخالُ صحيحاً كلَّ يومٍ وليلةٍ |
|
ويأبى الجوى ألاّ أكونَ عليلا |
كأنّي وما أحببت أهوى ممنّعاً |
|
وأرجو ضنيناً بالوصال بخيلا |
فقل للذي يبكي نُؤيّا ودمنةً |
|
ويندب رسماً بالعراء محيلا |
عداني دمٌ لي طُلَّ بالطفِّ أن أُرى |
|
شجيّا أُبكّي أربُعاً وطلولا |
مصابٌ إذا قابلت بالصبرِ غربَهُ |
|
وجدت كثيري في العزاءِ قليلا |
ورزءٌ حملتُ الثقلَ منه كأنّني |
|
مدى الدهر لم أحمل سواه ثقيلا |
وجدتم عداةَ الدينِ بعد محمدٍ |
|
إلى كلمِهِ في الأقربين سبيلا |
كأنّكمُ لم تنزعوا بمكانِهِ |
|
خشوعاً مبيناً في الورى وخمولا |
وأيّكمُ ما عزّ فينا بدينِهِ |
|
وقد عاش دهراً قبل ذاك ذليلا |
فقل لبني حربٍ وآلِ أُميّةٍ |
|
إذا كنتَ ترضى أن تكون قؤولا |
سللتمْ على آل النبيّ سيوفَهُ |
|
مُلئِنَ ثلوماً في الطلى وفلو لا |
وقدتم إلى من قادكم من ضلالِكمْ |
|
فأخرجَكمْ من وادييه خيولا |
ولم تغدروا إلاّ بمن كان جدُّهُ |
|
إليكم لتحظَوا بالنجاةِ رسولا |
وترضون ضدَ الحزمِ إن كان ملككُمْ |
|
ضئيلاً وديناً دنتمُ لهزيلا |
نساءُ رسولِ اللهِ عُقْرَ ديارِكمْ |
|
يرجِّعنَ منكم لوعةً وعويلا |
لهنّ ببوغاءِ الطفوفِ أعزّةٌ |
|
سُقوا الموتَ صِرفاً صبيةً وكهولا |
كأنّهمُ نوّار روضٍ هوتْ به |
|
رياحٌ جَنوباً تارةً وقَبولا |
وأنجمُ ليلٍ ما علونَ طوالعاً |
|
لأعينِنا حتى هبطنَ أُفولا |
فأيّ بدورٍ ما مُحين بكاسفٍ |
|
وأيّ غصونٍ ما لقينَ ذبولا |
أمن بعد أن أعطيتموه عهودَكمْ |
|
خِفافاً إلى تلك العهودِ عُجولا |
رجعتمْ عن القصدِ المبينِ تناكصا |
|
وحُلتمْ عن الحقِّ المنيرِ حؤولا |
وقعقعتمُ أبوابَهُ تختلونَه |
|
ومن لم يُرِدْ ختلاً أصابَ خُتولا |
فما زلتمُ حتى أجابَ نداءَكمْ |
|
وأيُّ كريمٍ لا يُجيبُ سَؤولا |
فلمّا دنا ألفاكمُ في كتائبٍ |
|
تطاولنَ أقطارَ السباسبِ طولا |
متى تكُ منها حجزةٌ أو كحجزةٍ |
|
سمعت رغاءً مُصعقاً وصهيلاً |
فلم يَرَ إلاّ ناكثاً أو منكّباً |
|
وإلاّ قطوعاً للذمام حلولا |
وإلاّ قعوداً عن لمامٍ بنصره |
|
وإلاّ جبوهاً بالردى وخذولا |
وضغنَ شفافٍ هبَّ بعد رقادِهِ |
|
وأفئدةً ملأى يفضن ذحولا |
وبيضاً رقيقاتِ الشفارِ صقيلةً |
|
وسمراً طويلاتِ المتونِ عسولا |
فلا أنتمُ أفرجتمُ عن طريقِهِ |
|
إليكمْ ولا لمّا أراد قفولا |
عزيزٌ على الثاوي بطيبةَ أعظمٌ |
|
نُبِذْنَ على أرضِ الطفوفِ شكولا |
وكلُّ كريمٍ لا يلمُّ بريبةٍ |
|
فإن سيمَ قولَ الفحشِ قال جميلا |
يُذادون عن ماءِ الفراتِ وقد سُقوا ال |
|
شهادةَ من ماءِ الفراتِ بديلا |
رموا بالردى من حيث لا يحذرونه |
|
وغروا وكم غر الغفول غفولا |
أيا يومَ عاشوراء كمْ بفجيعةٍ |
|
على الغرِّ آل الله كنتَ نَزولا |
دخلتَ على أبياتِهمْ بمصابِهمْ |
|
ألا بئسما ذاك الدخولُ دخولا |
نزعتَ شهيدَ اللهِ منّا وإنّما |
|
نزعتَ يميناً أو قطعتَ تليلا |
قتيلاً وجدنا بعده دينَ أحمدٍ |
|
فقيداً وعزَّ المسلمين قتيلا |
فلا تبخسوا بالجورِ من كان ربُّهُ |
|
برجع الذي ناؤعتموه كفيلا |
أُحبّكمُ آلَ النبيِّ ولا أرى |
|
وكم عذلوني عن هواي عديلا |
وقلتُ لمن يلحى على شغفي بكمْ |
|
وكم غيرِ ذي نصحٍ يكون عذولا |
رويدكمُ لا تنحلوني ضلالكم |
|
فلن تُرحلوا منّي الغداةَ ذَلولا |
عليكم سلامُ اللهِ عيشاً وميتةً |
|
وسفراً تطيعون النوى وحلولا |
فما زاغ قلبي عن هواكم وأخمصي |
|
فلا زلَّ عمّا ترتضون زليلا |
وقال في الموعظة والاعتبار ، توجد في الجزء السادس من ديوانه (١):
لا تقربنَّ عَضيهةً |
|
إنّ العضائهَ مخزياتُ |
واجعل صلاحَكَ سرمداً |
|
فالصالحاتُ الباقياتُ |
في هذه الدنيا ومن |
|
فيها لنا أبداً عِظاتُ |
إمّا صروفٌ مقبلا |
|
تٌ أو صروفٌ مدبراتُ |
وحوادث الأيّام في |
|
ـنا آخذاتٌ معطياتُ |
والذلُّ موتٌ للفتى |
|
والعزُّ في الدنيا الحياةُ |
والذخرُ في الدارين إمّا |
|
طاعةٌ أو مأثراتُ |
يا ضيعةً للمرء تدعوه |
|
إلى الهلك الدعاةُ |
تغترُّه حتى يزور |
|
شعابَهنّ الطيِّباتُ |
عِبَرٌ تمرُّ وما لها |
|
منّا عيونٌ مبصراتُ |
أين الأُلى كانوا بأي |
|
ـدينا حصولاً ثمّ ماتوا |
من كلِّ من كانت له |
|
ثمراتُ دجلةَ والفراتُ |
ما قيل نالوا فوق ما |
|
يهوون حتى قيل فاتوا |
لم يغنِ عنهمْ حين همّ |
|
بهم حِمامُهُمُ الحماةُ |
كلاّ ولا بيضٌ وسم |
|
ـرٌ عارياتٌ مشرعاتُ |
نطقوا زماناً ثمّ لي |
|
ـس لنطقهم إلاّ الصماتُ |
وكأنَّهم بقبورِهم |
|
سبتوا وما بهمُ سُباتُ |
من بعد أن ركبوا قَرا |
|
سُرُرٍ وجُردٍ هُمْ رفاتُ |
سلموا على صلح الأسنّة |
|
والظبا لما استماتوا |
ونجوا من الغمّاء لمّا |
|
قيل ليس لهم نجاةُ |
__________________
(١) ديوان الشريف المرتضى : ١ / ٢٧١.
في موقفٍ فيه الصوا |
|
رم والذوابل والكماةُ |
وأتاهمُ من حيث لم |
|
يخشوا لِحَيْنِهُمُ المماتُ |
وطوتهمُ طيَّ البرو |
|
د لهم قبورٌ مظلماتُ |
فهمُ بها مثل الهشي |
|
ـم تعيثُ فيها العاصفاتُ |
شُعثٌ وسائدُهم بها |
|
من غير تكرمةٍ علاةُ |
قل للذين لهم إلى |
|
الدنيا دواع مسمعاتُ |
وكأنّهم لم يسمعوا |
|
ما ذا تقول الناعياتُ |
أو ما تقول لهم إذا اج |
|
ـتازوا الديارُ الخالياتُ |
فالضاحكاتُ وقد نعِم |
|
ـنَ بهنّ هنّ الباكياتُ |
حتى متى وإلى متى |
|
تأوي عيونكم السناتُ |
كم ذا تفرِّجُ عنكمُ |
|
أبدَ الزمانِ الموعظاتُ |
كم ذا وُعظتم لو تكو |
|
نُ لكم قلوبٌ مصغياتُ |
لكمُ عقولٌ معرضا |
|
تٌ أو عيونٌ عاشياتُ |
عُجْ بالديارِ فنادِها |
|
أينَ الجبالُ الراسياتُ |
أين العصاةُ على المكا |
|
رمِ للعواذلِ والأُباةُ |
تجري المنايا من روا |
|
جبهمْ جميعاً والصلاتُ (١) |
وإذا لَقَوا يوم الوغى |
|
أقرانَهمْ كانت هناةُ |
والدهرُ طوعَ يمينِهمْ |
|
وهمُ على الدنيا الولاةُ |
أعطاهمُ متبرِّعاً |
|
ثمّ استردَّ فقال هاتوا |
كانت جميعاً ثمّ مزّق |
|
شملَ بينِهمُ الشتاتُ |
فأكفُّهمْ من بعد أن |
|
سُلِبوا المواهبَ مقفراتُ |
وسيوفُهمْ ورماحُهمْ |
|
منبوذةٌ والضامراتُ |
أمِنوا الصباحَ وما لهم |
|
علمٌ بما يجني البياتُ |
__________________
(١) الرواجب : مفاصل أصول الأصابع.
ورماهمُ فأصابهمْ |
|
داءٌ تعزُّ له الرُّقاةُ |
وسهامُ أقواسِ المنو |
|
ن الصائباتُ المصمِياتُ |
مات الندى من بيننا |
|
بمماتِهمْ والمكرماتُ |
وقال يرثي الشيخ الأكبر ـ شيخنا المفيد ـ محمد بن محمد بن نعمان المتوفّى في رمضان (٤١٣) ، توجد في الجزء الثالث من ديوانه (١):
من على هذه الديار أقاما |
|
أو ضفا ملبسٌ عليه وداما |
عُج بنا نندبِ الذين تولّوا |
|
باقتيادِ المنونِ عاماً فعاما |
فارقونا كهلاً وشيخاً وهِمّا |
|
ووليداً وناشئاً وغلاما |
وشحيحاً جَعْدَ اليدينِ بخيلاً |
|
وجواداً مخوّلاً مِطعاما |
سكنوا كلَّ ذروةٍ من أشمٍ |
|
يحسر الطرفَ ثمّ حَلّوا الرغاما |
يا لحى اللهُ مهملاً حسِبَ الده |
|
ـرَ نئومَ الجفون عنه فناما |
وكأنّي لمّا رأيتُ بني الده |
|
ـرِ غفولاً رأيتُ منهم نياما |
أيّها الموتُ كم حططتَ عليّا |
|
ساميَ الطرف أو جببتَ سناما |
وإذا ما حدرت خَلفاً وظنّوا |
|
نجوةً من يديك كنت أماما |
أنت ألحقتَ بالذكيِّ غبيّا |
|
في اصطلامٍ وبالدنيِّ هُماما |
أنتَ أفنيتَ قبل أن تأخذ الأب |
|
ـناء منّا الآباء والأعماما |
ولقد زارني فأرّق عيني |
|
حادثٌ أقعد الحجا وأقاما |
حدتُ عنه فزادني حيدي عن |
|
ـه لصوقاً بدائِهِ والتزاما |
وكأنّي لما حملت به الثق |
|
ـل تحمّلت يذبلاً وشماما |
فخذ اليوم من دموعي وقد كنَ |
|
جموداً على المصاب سجاما |
إنّ شيخَ الإسلامِ والدينِ والعل |
|
ـم تولّى فأزعجَ الإسلاما |
والذي كان غرّةً في دُجى الأيّا |
|
م أودى فأوحشَ الأيّاما |
__________________
(١) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ٤٣٨.
كم جلوتَ الشكوكَ تعرضُ في نصِ |
|
وصيٍّ وكم نصرتَ إماما |
وخصومٍ لدٍّ ملأتَهمُ بال |
|
ـحقِّ في حومةِ الخصامِ خصاما |
عاينوا منكَ مصمياً ثغرة النح |
|
ـر وما أرسلتْ يداك سهاما |
وشجاعاً يفري المراءَ وما كلُ |
|
شجاعٍ يفري الطلى والهاما |
من إذا مالَ جانبٌ من بناءِ |
|
الدين كانت له يداه دعاما |
وإذا ازورَّ جائرٌ عن هداهُ |
|
قادَهُ نحوه فكانَ زِماما |
من لفضلٍ أخرجتَ منه خبيئاً |
|
ومعانٍ فضضتَ عنها خِتاما |
من لسوءٍ ميّزت عنه جميلاً |
|
وحلالٍ خلّصتَ منه حراما |
من يُنير العقولَ من بعد ما كنَ |
|
هموداً وينتج الأفهاما |
من يُعيرُ الصديقَ رأياً إذا ما |
|
سلّه في الخطوبِ كان حساما |
فامضِ صفراً من العيوب وكم با |
|
ن رجالٌ أَثْرَوا عيوباً وذاما |
إنّ خلداً أوضحتَ عاد بهيماً |
|
وصباحاً أطلعتَ صارَ ظلاما |
وزلالاً أوردتَ حالَ أُجاجاً |
|
وشفاءً أورثت آلَ سِقاما |
لن تراني وأنتَ من عدد الأموا |
|
ت إلا تجمّلاً بسّاما |
وإذا ما اختُرِمتَ منّي فما أر |
|
هبُ في سائرِ الأنامِ اختراما |
إن تكن مجرماً ولستَ فقدْ وا |
|
ليتَ قوماً تحمّلوا الأجراما |
لهمُ في المعاد جاهٌ إذا ما |
|
بسطوه كفى وأغنى الأناما |
لا تخفْ ساعة الجزاء وإن خا |
|
فَ أُناسٌ فقد أخذتَ ذِماما |
أودعَ اللهُ ما حللْتَ من البَيْ |
|
ـداءِ فيه الإنعامَ والإكراما |
ولوى عنهُ كلَّ ما عاقه التر |
|
بُ ولا ذاق في الزمانِ أُواما |
وقضى أن يكون قبرُكَ للرح |
|
ـمة والأمنِ منزلاً ومقاما |
وإذا ما سقى القبورَ فروّا |
|
ها رهاماً سقاكَ منه سلاما |
رَحِمَ اللهُ مَعشَرَ الماضين
والسلامُ على مَنِ اتَّبَعَ الهُدى
ـ ٤٠ ـ
أبو علي البصير
المتوفّى (٤٤٢)
سبحان من ليس في السماء ولا |
|
في الأرض ندٌّ له وأشباهُ |
أحاطَ بالعالمينَ مقتدراً |
|
أشهدُ أن لا إله إلاّ هُو |
وخاتمُ المرسلين سيّدنا |
|
أحمدُ ربُّ السماء سمّاهُ |
أشرقتِ الأرضُ يومَ بعثتهِ |
|
وحصحصَ الحقُّ من محيّاهُ |
إختار يومَ الغديرِ حيدرةً |
|
أخاً له في الورى وآخاهُ |
وباهلَ المشركينَ فيه وفي |
|
زوجتِهِ يقتفيهما ابناهُ |
هم خمسةٌ يُرحم الأنامُ بهمْ |
|
ويستجابُ الدُّعا ويُرجاهُ (١) |
الشاعر
أبو علي البصير ـ الضرير ـ الحسن بن المظفّر النيسابوريّ المحتد ، الخوارزميّ المولد ، ذكره ابن شهرآشوب (٢) من المتّقين من شعراء أهل البيت عليهمالسلام وذكره أبو أحمد
__________________
(١) هذه الأبيات ذكرها العلاّمة السماويّ في الجزء الأوّل من كتابه الطليعة في شعراء الشيعة لأبي عليّ الضرير. وذكر الحموي منها [في معجم الأدباء : ٩ / ١٩٢] أربعة أبيات ونسبها إلى ولده عمر أبي حفص ، والله العالم. (المؤلف)
(٢) معالم العلماء : ص ١٥٢.
محمود بن أرسلان في تاريخ خوارزم وبالغ في الثناء عليه وقال :
كان مؤدِّب أهل خوارزم في عصره ومخرِّجهم وشاعرهم ومقدّمهم والمشار إليه منهم ، له كتاب تهذيب ديوان الأدب ، وكتاب إصلاح المنطق ، وكتاب ذيل تتمّة اليتيمة ، وديوان شعره في مجلّدين ، وديوان رسائله ، وكتاب محاسن من اسمه الحسن ، وكتاب زيادات أخبار خوارزم. ومن شعره قوله :
أهلاً بعيشٍ كان جِدّ مواتِ (١) |
|
أحيا من اللّذات كلَّ مَواتِ |
أيّام سربُ الإنسِ غيرُ منفّرٍ |
|
والشملُ غيرُ مروّعٍ بشتاتِ |
عيشٌ تحسّر (٢) ظلّه عنّا فما |
|
أبقى لنا شيئاً سوى الحسراتِ |
ولقد سقاني الدهرُ ماءَ حياتِهِ |
|
والآن يسقيني دمَ الحيّاتِ |
لهفي لأحرارٍ مُنيت ببُعدهمْ |
|
كانوا على غِيَر الزمانِ ثقاتي |
قد زالتِ البركاتُ عنّي كلُّها |
|
بزيالِ سيّدِنا أبي البركاتِ |
ركنُ العلى والمجدِ والكرم الذي |
|
قد فاتَ في الحلباتِ أيَّ فواتِ |
فارقتُ طلعتَهُ المنيرةَ مكرَهاً |
|
فبقيتْ كالمحصورِ في الظلماتِ |
أُضحي وأُمسي صاعداً زفراتي |
|
لفراقِهِ متحدِّراً عبراتي |
وله قوله في المديح :
جبينُك الشمسُ في الأَضواءِ والقمرُ |
|
يمينُكَ البحرُ في الإرواءِ والمطرُ |
وظلّكَ الحرمُ المحفوظُ ساكنُهُ |
|
وبابُكَ الركنُ للقصّادِ والحجَرُ |
وسَيْبُك الرزقُ مضمونٌ لكلِّ فمٍ |
|
وسيفُكَ الأجل الجاري به القدَرُ |
أنت الهمامُ بل البدرُ التمامُ بل الس |
|
ـيفُ الحسامُ بل الصارمُ الذكرُ |
وأنت غيثُ الأنامِ المستغاثُ به |
|
إذا أغارتْ على أبنائِها الغِيَرُ |
__________________
(١) أي مطاوع وموافق ، من واتى مواتاة ووتاء [معجم الأدباء : ٩ / ١٩٢]. (المؤلف)
(٢) الحسر : الكشف. تحسّر : تكشّف. (المؤلف)