الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨

نفس النبيّ الأقدس بنصّ من الكتاب (١).

ومنها : حديث نبعة العين ، أخرجه الحافظ ابن السمّان في الموافقة ، وعنه محبّ الدين الطبري في رياضه (٢) (٢ / ٢٢٨): أنّ عمر أقطع عليّا ينبع ، ثمّ اشترى أرضاً إلى جنب قطعته فحفر فيها عيناً ، فبينما هم يعملون فيها إذ انفجر عليهم مثل عنق الجزور من الماء ، فأُتي عليٌّ فبُشِّر بذلك ، فقال : بشِّروا الوارث ثمّ تصدّق بها (٣).

وقال ابن أبي الحديد في شرحه (٤) (٢ / ٢٦٠):

جاء في الأثر : أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام جاءه مخبرٌ فأخبره أنّ مالاً له قد انفجرت فيه عينٌ خرّارةٌ يبشِّره بذلك. فقال : بشِّر الوارث ، بشِّر الوارث ـ يكرّرها ـ ثمّ وقف ذلك المال على الفقراء ، وكتب به كتاباً في تلك السا عة.

وإلى صدقات أمير المؤمنين في ينبع أشار الحموي في معجم البلدان (٥) (٨ / ٢٥٦) ، والسمهودي في وفاء الوفاء (٦) (٢ / ٣٩٣) وغيرهما.

ومنها : قوله عليه‌السلام : «يا دنيا غرّي غيري» أخرجه جمعٌ من الحفّاظ كما مرّفي (٢ / ٣١٩).

ومنها : حديث طحن الرحا بلا مدير. أخرجه الحفّاظ بلفظ أبي ذرّ الغفاري ، قال : أرسله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينادي عليّا ، فرأى رحىً تطحن في بيته وليس معها

__________________

(١) في قوله تعالى : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ). آل عمران : ٦١. (المؤلف)

(٢) الرياض النضرة : ٣ / ١٨٣.

(٣) وبهذا اللفظ يوجد في : الإمام عليّ ، تأليف الشيخ محمد رضا المصري : ص ١٧. (المؤلف)

(٤) شرح نهج البلاغة : ٧ / ٢٩٠ خطبة ١١٩.

(٥) معجم البلدان : ٥ / ٤٥٠.

(٦) وفاء الوفا : ٤ / ١٣٣٤.

٢٠١

أحد ، فأخبر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك فقال : «يا أبا ذر ، أما علمت أنّ لله ملائكةً سيّاحين في الأرض قد وُكّلوا بمعاونة آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (١).

ومنها : حديث زواج الزهراء الصدّيقة ، ذكرناه في (٢ / ٣١٥ ـ ٣١٩ و ٣ / ٢٠).

ومنها : أنّ ودّ آل محمدأجر رسالته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد مرَّ تفصيله في (٢ / ٣٠٦ ـ ٣١١).

ـ ٣ ـ

من قصيدة في مدح أمير المؤمنين عليه‌السلام :

أرضِ الإلهَ وأسخطِ الشيطانا

تُعطَ الرضا في الحشرِ والرضوانا

وامحض ولاءَك للذين ولاؤهمْ

فرضٌ على من يقرأ القرآنا

آلُ النبيّ محمدٍ خيرُ الورى

وأجلّهم عند الإله مكانا

قومٌ قوامُ الدينِ والدنيا بهمْ

إذ أصبحوا لهما معاً أركانا

قومٌ إذا أصفى هواهم مؤمنٌ

يُعطى غداً ممّا يخافُ أمانا

قومٌ يطيعُ اللهَ طائعُ أمرِهمْ

وإذا عصاهُ فقد عصى الرحمانا

وهمُ الصراطُ المستقيمُ وحبُّهمْ

يومَ المعادِ يثقِّلُ الميزانا

واللهُ صيّرَهمْ لمحنةِ خلقِهِ

بين الضلالةِ والهدى فرقانا

حفظوا الشريعةَ قائمين بحفظِها

ينفون عنها الزورَ والبهتانا

وأتى القرانُ بفرضِ طاعتهمْ على

كلِّ البريّةِ فاسمعِ القرآنا

وتوالتِ الأخبارُ أنّ محمداً

بولائهم وبحفظهم أوصانا

من سبّحت في كفّه بيضُ الحصى

ليكونَ ذاك لصدقِهِ تبيانا

__________________

(١) سيرة الملاّ ، الرياض النضرة : ٢ / ٢٢٣ [٣ / ١٧٧] ، الصواعق المحرقة : ص ١٠٥ [ص ١٧٦] ، إسعاف الراغبين : ص ١٥٨ ، أعجب ما رأيت : ١ / ٨ ، الإمام عليّ للشيخ محمد رضا : ص ١٨. (المؤلف)

٢٠٢

من أنزلَ اللهُ الكتابَ عليه في

كلِّ العلومِ ليغتدي برهانا

من بلّغ الدنيا بنصبِ وصيِّهِ

يومَ الغديرِ ليكملَ الإيمانا

من ذا له يومَ الغديرِ فضيلةٌ

إذ لا تطيقُ لفضلِهِ جحدانا

من آكلُ الطيرِ الذي لم يستطعْ

خلقٌ له جَحْداً ولا كتمانا

من آكلُ القطفِ الجنيّ على حرىً (١)

وإليه أهدى ربّه رمّانا

من فيه أنزل هل أتى ربُّ العُلى

وجزاه حورَ العين والولدانا

من نصَّ أحمدُ في مزاياه التي

لم يُعطِها ربُّ العلى إنسانا

من لا يواليه سوى ابنُ نجيبةٍ

حفظت أباه وراعت الرحمانا

القصيدة (٢٧) بيتاً

ـ ٤ ـ

يمدح أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ يوم الغدير :

يا عيدَ يومِ الغديرِ

عُد بالهنا والسرورِ

ففيك أضحى عليٌ

أميرَ كلِّ أميرِ

غداةَ جبريلُ وافى

من السميعِ البصيرِ

وقال يا أحمدُ انزل

بجنبِ هذا الغديرِ

بلّغ وإلاّ فما كن

ـت قائماً بالأمورِ

فأنزلَ الجمعَ كُلاّ

ثمّ اعتلى فوق كورِ

وقال قد جاءَ أمرٌ

من اللطيفِ الخبيرِ

بأن أقيمَ عليّا

خليفةً في مسيري

فبايعوه فما في ال

ـورى له من نظيرِ

إمامُ كلِّ إمامٍ

مولىً لكلِّ كبيرِ

__________________

(١) الحَرَى : الجدارة والاستحقاق.

٢٠٣

بابٌ إلى كلّ رشدٍ

نورٌ علا كلّ نورِ

وحجّةُ اللهِ بعدي

على الجَحودِ الكفورِ

وبعده الغرّ منه

فَهُمْ كعدّ الشهورِ

أسماؤهم في المثاني

كثيرةٌ للذكورِ

في صُحفِ موسى وعيسى

مكتوبةٌ والزبورِ

ما زال في اللوح سطراً

يلوح بين السطورِ

تزور أملاك ربّي

منهُ لخيرِ مزورِ

وأشهد الله فيما

أبدى وكلّ الحضورِ

فقام من حلَّ خُمّا

من بين جمّ غفيرِ

وبايعوه بأيدٍ

مخالفاتِ الضميرِ

واللهُ يعلم ماذا

أخفوا بذاتِ الصدورِ

 ـ ٥ ـ

وله يمدحه ـ صلوات الله عليه ـ :

ما لعليّ سوى أخيهِ

محمدٍ في الورى نظيرُ (١)

فَداهُ إذ أقبلت قريشٌ

إليه في الفرش تستطيرُ

وكان في الطائفِ انتجاه

فقال أصحابُه الحضورُ

أطلتَ نجواك من عليٍ

فقال ما ليس فيه زورُ

ما أنا ناجيتُهُ ولكن

ناجاه ذو العزّةِ الخبيرُ

وقال في خمّ إنّ عليّا

خليفةٌ بعده أميرُ

وكان قد سدّ بابَ كلٍ

سواه فاستغرت الصدورُ

__________________

(١) أشار به إلى ما أخرجه الحافظ محبّ الدين الطبري في رياضه : ٢ / ١٦٤ [٣ / ١٠٨] عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم : «ما من نبيّ إلاّ وله نظير من أمّته ، وعليّ نظيري». ورواه غيره من الحفّاظ. (المؤلف)

٢٠٤

وأكثروا القول في عليٍ

بذا ودبّت له الشرورُ

فقال ما تبتغون منه

وهو سميعٌ لهم بصيرُ

ما أنا أوصدتُها ولكن

أوصدها الآمرُ القديرُ

يا قوم إنّي امتثلتُ أمراً

أوحاه لي الراحمُ الغفورُ

فكان هذا له دليلاً

بأنّه وحده الظهيرُ

 ـ ٦ ـ

وله من قصيدة كبيرة في مدحه ـ صلوات الله عليه ـ :

وقال لأحمد بلّغ قريشاً

أكن لك عاصماً ان تستكينا

فإن لم تُبلغِ الأنباءَ عنّي

فما أنت المبلّغَ والأمينا

فأنزل بالحجيجِ غديرَ خمّ

وجاء به ونادى المسلمينا

فأبرزَ كفَّه للناس حتى

تبيَّنها جميعُ الحاضرينا

فأكرمْ بالذي رُفِعتْ يداه

وأكرم بالذي رفعَ اليمينا

فقال لهم وكلُّ القومِ مُصغٍ

لمنطقِهِ وكلٌّ يسمعونا

ألا هذا أخي ووصيُّ حقّ

وموفي العهد والقاضي الديونا

ألا من كنت مولاه فهذا

له مولىً فكونوا شاهدينا

تولّى اللهُ من والى عليّا

وعادى مبغضيه الشانئينا

وجاء عن ابن عبد الله (١) أنّا

به كنّا نميزُ المؤمنينا

فنعرفهم بحبّهمُ عليّا

وأنّ ذوي النفاقِ لَيُعرَفونا

ببغضهمُ الوصيَّ ألا فبُعداً

لهم ماذا عليهم ينقمونا

__________________

(١) ابن عبد الله : هو جابر الأنصاري. أخرج الحفّاظ حديثه هذا كما مرّ في الجزء الثالث : ص ١٨٢. (المؤلف)

٢٠٥

وممّا قالت الأنصارُ كانت

مقالةَ عارفين مجرّبينا

ببغضهمُ عليّ الهادي عرَفنا

وحقّقنا نفاقَ منافقينا

 ـ ٧ ـ

من قصيدة له يمدحه ـ صلوات الله عليه ـ :

يومُ الغدير لأشرفُ الأيّامِ

وأجلُّها قدراً على الإسلامِ

يومٌ أقامَ اللهُ فيه إمامَنا

أعني الوصيَّ إمامَ كلِّ إمامِ

قال النبيُّ بدوحِ خمّ رافعاً

كفَّ الوصيِّ يقولُ للأقوامِ

من كنتُ مولاه فذا مولىً له

بالوحي من ذي العزّة العلاّمِ

هذا وزيري في الحياة عليكمُ

فإذا قضيتُ فذا يقوم مقامي

ياربّ والِ من أقرَّ له الولا

وانزل بمن عاداه سوءَ حِمام

فتهافتت أيدي الرجالِ لبيعةٍ

فيها كمال الدين والإنعامِ

 ـ ٨ ـ

من قصيدة له يمدحه عليه‌السلام :

ترومُ فسادَ دليلِ النصوصِ

ونصراً لإجماعِ ما قد جمعْ

ألم تستمعْ قولَه صادقاً

غداةَ الغديرِ بماذا صدعْ

ألا إنّ هذا وليٌّ لكمْ

أطيعوا فويلٌ لمن لم يُطِعْ

وقال له أنت منّي أخي

كهارونَ من صنوِهِ فاقتنعْ

وقال له أنت بابٌ إلى

مدينة علمي لمن ينتجِعْ

وقال لكم هو أقضاكمُ

وكلٌّ لمن قد مضى متّبعْ

ويومَ براءةَ نصَّ الإلهُ

جلَّ عليه فلا تختدعْ

وسمّاه في الذكرِ نفسَ الرسولِ

يومَ التباهلِ لمّا خشعْ

ويومَ المواخاةِ نادى به

أخوك أنا اليوم بي فارتفعْ

٢٠٦

ويومَ أتى الطير لمّا دعا

النبيُّ الإلهَ وأبدى الضرعْ

أيا ربِّ إبعثْ أحبَّ الأنامِ

إليك لنأكلَ في مجتمعْ

فلم يستتمَّ النبيُّ الدعاءَ

إلاّ وقد جاء ثمّ ارتجعْ

ثلاثَ مرارٍ فلمّا انتهى

إلى الباب دافعهَ واقتلعْ

فقال النبيُّ له ادخل فقد

أطلتَ احتباسَك يا ذا الصلعْ

فخبّرهُ أنّه قد أتى

ثلاثاً ودافعه من دفعْ

فقطّبَ في وجه من ردّه

وأنكر ما بأخيه صنعْ

ووارثَهُ بَرَصاً فاحشاً

فظلّ وفي الوجهِ منه بقعْ

ففيمَ تخيّرتمُ غيرَ من

تخيّره ربُّكم واصطنعْ

وكيف تعارضُ هذي النصوص

بإجماع ذي الحقد أو ذي الطمعْ

ـ ٩ ـ

وله من قصيدة في المديح :

يا سائلي عن حيدرٍ أعييتني

أنا لستُ في هذا الجوابِ خليقا

اللهُ سمّاه عليّا باسمهِ

فسما علوّا في العلى وسموقا

واختاره دون الورى وأقامَهُ

عَلماً إلى سُبلِ الهدى وطريقا

أخذ الإلهُ على البريّةِ كلِّها

عهداً له يومَ الغديرِ وثيقا

وغداة واخى المصطفى أصحابَهُ

جعلَ الوصيَّ له أخاً وشقيقا

فرقَ الضلالَ عن الهدى فرقى إلى

أن جاوزَ الجوزاءَ والعيّوقا

ودعاه أملاكُ السماءِ بأمرِ من

أوحى إليهم حيدرَ الفاروقا

وأجاب أحمدَ سابقاً ومصدِّقاً

ما جاء فيه فُسمّي الصدّيقا

فإذا ادّعى هذي الأسامي غيرُه

فليأتِنا في شاهدٍ توثيقا

أشار إلى ما مرّ في (٢ / ٣١٢ ـ ٣١٤ و ٣ / ١٨٧) من أنّ عليّا هو صدّيق هذه

٢٠٧

الأمّة وفاروقها بنصّ صحيح ثابت من النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ـ ١٠ ـ

من قصيدة له يمدحه ـ صلوات الله عليه ـ :

ياراكباً أُجُداً (١) تخبُّ وتوضع (٢)

فى سرعةٍ والشوقُ منها أسرعُ

للهِ ما أخطاك من رجلٍ له

عند الغريّ لبانةٌ لا تمنعُ

يُجلى عليك من الهدايةِ مشرقٌ

ومن الإمامةِ والولايةِ مطلعُ

جدثٌ به نورُ الهدى مستودعٌ

في ضمنه العلَمُ البطينُ الأنزعُ

جدثٌ يدلّ عليهِ طيبُ نسيمِهِ

قبلَ الورودِ وضوءُ نورٍ يلمعُ

جدثٌ ربيعُ المؤمنين بربعِهِ

فقلوبُهمْ أبداً لهُ تتطلّعُ

جدثٌ به الرضوانُ والغفرانُ وال

إيمانُ والفضلُ الذي تتوقّعُ

جدثٌ تحجُّ إليه أملاكُ السما

إذ في جوانبِهِ المناسكُ أجمعُ

بعضٌ قيامٌ خاضعون لفضله

أبداً وبعضٌ ساجدون وركّعُ

فإذا وصلتَ إليهِ فالثمْ تربَهُ

في مدمعٍ يجري وقلبٍ يخشعُ

وقلِ السلامُ عليك يا مولىً يرى

عملي ويشهدُ ما أقولُ ويسمعُ

إنّي قصدتُكَ زائراً ومسلّماً

وموالياً يا من يضرُّ وينفعُ

لتكون لي يوم القيامة شافعاً

وهواك يقدمُني إليك ويشفعُ

عجباً لعُميٍ عن ولاك ونورُه

كالشمسِ طالعةً تضيءُ وتسطعُ

فكأنّهم لم يسمعوا ما قاله

فيك المهيمنُ في الكتابِ ولم يَعوا

أوليس من يهدي إلى الحقّ الذي

يُنجي أحقّ بالاتّباعِ فيتبعُ

أولم يك السورَ الذي أضحى له

بابٌ وفيه للمحاول مقمعُ

__________________

(١) ناقة أُجُد : قويّة. (المؤلف)

(٢) الخبب : ضرب من العدْو. والوضع : ضرب من العدْو فوق الخبب.

٢٠٨

والبابُ باطنُه المغيّبُ رحمةٌ

لكنّ ظاهرَهُ العذابُ الأفظعُ

تركوا سبيلَ الرشدِ بعد نبيَّهم

سفهاً وتاهوا في العمى وتسكّعوا

أنّى ينال مفاخرٌ فخر امرئٍ

ساد البريّةَ وهو طفلٌ يرضعُ

واللهِ ما قعدَ الوصيُّ لذلّةٍ

عنهم فإنّهمُ أذلُّ وأوضعُ

لكنْ أرادَ بأن يُقيمَ عليهمُ ال

ـحُجَجَ التي أسبابُها لا تُدفعُ

غدروا به يومَ الغديرِ ولم يفوا

ولعهدِهِ المسؤولِ منهم ضيّعوا

يا قاسمَ النيرانِ أقُسِمُ صادقاً

بهواكَ حلفةَ مؤمنٍ يتشيّعُ

أنت الصراطُ المستقيمُ على لظىً

وإليك منها يا عليُّ المفزعُ

والحوضُ حوضُك فيه ماءٌ باردٌ

في البعثِ تسقي من تشاءُ وتمنعُ

ولك المفاتحُ أنت تُسكِنُ ذا لظىً

يصلى وهذا في الجِنانِ يُمتّعُ

إنّي زرعتُ هواك في أرضِ الحشا

والمرءُ يحصدُ في غدٍ ما يزرعُ

 ـ ١١ ـ

من قصيدة له يمدح أمير المؤمنين عليه‌السلام :

عليٌّ عليُّ القدرِ عند مَليكِهِ

وإن أكثرتْ فيه الغواةُ ملامَها

وعروتُه الوثقى التي من تمسّكتْ

يداهُ بها لم يخشَ قطُّ انفصامَها

فكم ليلةٍ ليلاءَ للهِ قامها

وكم ضحوةٍ مسجورةِ الحرِّ صامَها

وكم غمرةٍ للموتِ في اللهِ خاضَها

وأركانِ دينٍ للنبيّ أقامَها

فواخاه من دونِ الأنامِ فيالَها

غنيمةَ فوزٍ ما أجلَّ اغتنامَها

وولاّه في يومِ الغديرِ على الورى

فأصبح مولاها وكان إمامَها

هو المختلي في بدر أرؤسَ صِيدِها

كما تختلي شهبُ البُزاةِ حَمامَها (١)

__________________

(١) إختلى الرؤوس : جمعها.

٢٠٩

وصاحبُ يومِ الفتحِ والرايةِ التي

برجعتها أخزى الإله دَلامَها (١)

فقال سأعطيها غداً رجلاً بها

مُلبّا يُوفّي حقّها وذمامَها

وقال له خُذ رايتي وامضِ راشداً

فما أنا أخشى من يديك انهزامَها

فمرَّ أميرُ المؤمنينَ مشمِّراً

برايتِهِ والنصرُ يسري أمامَها

وزجّ ببابِ الحصنِ عن أهلِ خيبرٍ

وسقى الأعادي حتفَها وحمامَها

وجدّل فيها مرحباً وهو كبشُها

وأوسعَ آنافَ اليهودِ ارتغامَها

وسل عنه في سلعٍ وعن عظمِ فعلِهِ

بعمروٍ ونارُ الحربِ تذكي اضطرامَها

وأفئدةُ الأبطالِ ترجفُ هيبةً

وقد أخفتَ الرعبُ الشديدُ كلامَها

فقام إليه من أقامَ بسيفِهِ

حلائلَهُ ثكلى تطيلُ التدامَها (٢)

وقال على تأويلِ ما اللهُ منزلٌ

تُقاتلُ بعدي يا عليُّ طِغامَها

فقاتلَ جيشَ الناكثين لعهدِهمْ

وأثكلَ يومَ القاسطين شآمَها

وأجرى بيوم المارقين دماءَهم

وأخلى من الأجسامِ بالسيفِ هامَها

 ـ ١٢ ـ

من قصيدة له يمدحه ـ صلوات الله عليه ـ :

ولاءُ المرتضى عُدَدي

ليومي في الورى وغَدي

أميرُ النحل مولى الخل

ـقِ في خُمٍّ على الأبدِ

غداةَ يبايعون المر

تضى أمراً بمدِّ يدِ

شبيهُ المصطفى بالفض

ـل لم ينقص ولم يزدِ

وجنبُ الله في الكتبِ

وعينُ الواحدِ الصمدِ

فلن تلدَ النسا شبهاً

له كَلاّ ولم تلدِ

__________________

(١) الدلام : السواد.

(٢) التدام النساء : ضربهن وجوههن وصدورهن في النياحة.

٢١٠

مجلّي الكربِ يومَ الحر

بِ في بدرٍ وفي أُحدِ

وخيبرَ والنضير كذا

وسل عن خندقِ البلدِ

إذ الهيجاءُ هاجَ لها

بقلبٍ غيرِ مرتعدِ

ترى الأبطالَ باطلةً

لخوفِ الفارسِ الأسدِ

فأنفسُهمْ مودّعةٌ

لهمْ بتنفّس الصعدِ

وقد خفتوا لهيبتِهِ

فلستَ تحسُّ من أحدِ

فلم تسمعْ لغيرِ البي

ـضِ فوق البيضِ والزردِ (١)

ولشاعرنا العبدي غديريّات أخرى ، يأتي بعضها ونصفح عن بعضها.

الشاعر

أبو الحسن عليّ بن حمّاد بن عبيد الله بن حمّاد العدويّ العبديّ (٢) البصريّ.

كان حمّاد والد المترجَم أحد شعراء أهل البيت عليهم‌السلام ، كما ذكره ولده شاعرنا في شعره بقوله من قصيدة :

وإنّ العبدَ عبدُكمُ عليّا

كذا حمّاد عبدُكمُ الأديبُ

رثاكمْ والدي بالشعرِ قبلي

وأوصاني به أن لا أغيبُ

والمترجَم له عَلَمٌ من أعلام الشيعة ، وفذٌّ من علمائها ، ومن صدور شعرائها ، ومن حفظةِ الحديثِ المعاصرين للشيخ الصدوق ونظرائه ، وقد أدركه النجاشي وقال في رجاله (٣) : قد رأيته. غير أنّه يروي عنه كتب أبي أحمد الجلودي البصري المتوفّى

__________________

(١) الزرْد والزرَد : حلق المغفر والدرع. (المؤلف)

(٢) نسبة إلى عبد القيس ، كما يأتي في شعر المترجم [ص ٢١٨]. (المؤلف)

(٣) رجال النجاشي : ص ٢٤٤ رقم ٦٤٠.

٢١١

سنة (٣٣٢) بواسطة الشيخ أبي عبد الله الحسين بن عبيد الله الغضائري المتوفّى سنة (٤١١) ، فهو من مشايخ هذا الشيخ المعظّم الواقعين في سلسلة الإجازات ، والمعدودين من مشايخ الرواة ، وأساتذة حملة الحديث ، وحسبه ذلك دلالةً على ثق ته وجلالته ، وتضلّعه في العلم والحديث.

وأمّا الشعر فلا يشكّ أحدٌ أنّه من ناشري ألويته ، وعاقدي بنوده ، ومنظّمي صفوفه ، وقائدي كتائبه ، وسائقي مقانبه (١) ، وجامعي شوارده ، وقد اطّرد ذكره في المعاجم (٢) ، كما تداول شعره في الكتب والمجاميع ، وهو من المكثرين في أهل البيتعليهم‌السلام مدحاً ورثاءً ، ولقد أكثر وأطاب ، وجاهر بمديحهم وأذاع ، حتى عدّه ابن شهرآشوب في المجاهرين من شعرائهم ، وجمع شعره فيهم ـ صلوات الله عليهم ـ مدحاً ورثاءً العلاّمة السماوي في ديوان يربو على (٢٢٠٠) بيت ، وجُلّ شعره يشفّ عن تقدّمه الظاهر في الأدب ، وأشواطه البعيدة في فنون الشعر ، وخطواته الواسعة في صياغة القريض ، كما أنّه ينمُّ عن علمه المتدفِّق ، وتضلّعه في الحديث ، وبذل كلّه في بثّ فضائل آل الله ، وجمعِ شوارد الحقائق الراهنة في المذهب الحقّ ، ونشر ما ورد منها في الكتاب والسنّة ، وإقام ة الدعوة إلى سنن الهدى. فشعره بعيد عن الصور الخياليّة بل هو لسان حِجاج وبرهنة ، ونظم بيّنات ودلائل ، وبيانٌ قيّم لمذهبه العلوي.

قال نجم الدين العمري في المجدي (٣) ـ في ذكر ولد زيد بن عليّ ـ : أنشدني أبو عليّ بن دانيال ـ وكان من ذي رحمي رحمه‌الله ـ من قصيدة أنشدها إيّاه الشيخ أبو

__________________

(١) المقانب : جمع مقنب ، وهي جماعة الخيل والفرسان.

(٢) كرجال النجاشي : ص ١٧١ (ص ٢٤٤ رقم ٦٤٠] ، المجدي في أنساب الطالبيين [ص ١٥٨] ، معالم العلماء [ص ١٤٧) ، إيضاح الاشتباه للعلاّمة الحلّي [ص ٢١٨] ، مجالس المؤمنين : ص ٤٦٤ (٢ / ٥٥٨) ، رياض العلماء [٤ / ٧٠] ، رياض الجنّة في الروضة الخامسة ، تنقيح المقا ل : ٢ / ٢٨٦ «المؤلف»

(٣) المجدي : ص ١٥٨ ، وفيه ورد البيت الأوّل هكذا : قال : ابن حمّاد؟ فقلت له أجل فَدَنا وقال جهلتُ قدرَك فاعذرِ

٢١٢

الحسن عليّ بن حمّاد بن عبيد العبدي الشاعر البصري ؛ لنفسه :

قال ابن حمّاد وقال له فتىً

قد جاءَ يسألُه جهلتُكَ فاعذرِ

قد كنت أصبو أن أراك فأقتدي

بصحيحِ رأيِك في الطريقِ الأنورِ

وأريد أسأل مستفيداً قلتُ سلْ

واسمع جواباً قاهراً لم يقهرِ

قال الإمامةُ كيف صحّت عندكمْ

من دون زيدٍ والأنامِ لجعفرِ

قلتُ النصوصُ على الأئمّةِ جاءَنا

حتماً من اللهِ العليِّ الأكبرِ

إنّ الأئمّة تسعةٌ وثلاثةٌ

نقلاً عن الهادي البشير المنذرِ

لا زائدٌ فيهم وليس بناقصٍ

منهم كما قد قيل عدّ الأشهرِ

مثل النبوّة صُيّرت في معشرٍ

فكذا الإمامةُ صُيِّرت في معشرِ

قال نجم الدين : هذا كلام حسن ، وحجّة قويّة ، لأنّ حاجة الناس إلى الإمام ـ أعني الخليفة ـ كحاجتهم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لإنّه القائم بإعلاء سنّته السنيّة في كلّ زمان.

رجع إلى كلام أبي الحسن بن حمّاد رحمه‌الله :

قال الإمامة لا تتمّ لقائمٍ

ما لم يجرّ بسيفه ويُشهّرِ

فلذاك زيدٌ حازها بقيامِهِ

من دون جعفرَ فادّكر وتدبَّرِ

قال نجم الدين : هكذا أنشدني بفتح الراء من جعفر ، وهو رأي الكوفيّين ، أعني منعه من الصرف :

قلت الوصيُّ على قياسِكَ لم ينلْ

حظَّ الخلافةِ بل غدت في حبترِ

إذ كان لم يدعُ الأنامَ بسيفِهِ

قطعاً فيا لك فريةً من مفتري

وكذلك الحسنُ الشهيدُ بتركِهِ

بطلتْ إمامتُه بقولِكَ فانظرِ

والعابدُ السجّادُ لم يُرَ داعياً

ومشهّراً للسيف إذ لم يُنصَرِ

أفكانَ جعفرُ يستثير عداتَهُ

ويُذيع دعوته ولمّا يُؤمرِ

٢١٣

قال نجم الدين : يريد أنّ المأمور كان زيداً لا جعفراً :

ودليلُ ذلك قولُ جعفر عندما

عُزّي بزيدٍ قال كالمستعبرِ

لو كان عمّي ظافراً لَوَفى بما

قد كان عاهدَ غيرَ أن لم يظفرِ

أشار ابن حمّاد بهذين البيتين إلى ما مرّ عن الحافظ المرزباني والكشّي في (٢ / ٢٢١) و (٣ / ٧٠).

ولادته ووفاته :

لم نقف على تاريخ ولادة ابن حمّاد ووفاته ، غير أنّ النجاشي الذي أدركه ورآه ولم يروِ عنه وُلد في صفر سنة (٣٧٢) ، وشيخه الذي يروي عنه وهو الجلودي البصري توفّي (١٧) ذي الحجّة سنة (٣٣٢) فيستدعي التاريخان أنّ المترجَم وُلد في أوا ئل القرن الرابع وتوفّي في أواخره.

وقفنا لابن حمّاد على قصيدةٍ في مجموعة عتيقة مخطوطة في العصور المتقادمة ، وقد ذكر ابن شهرآشوب بعض أبياتها ونسبه إلى العبدي ـ سفيان بن مصعب ـ المترجَم له في (٢ / ٢٩٤) ، وتبعه البياضي في الصراط المستقيم وغيره ، والقصيدة للمترجَم له وهي :

أسائلتي عمّا ألاقي من الأسى

سلي الليلَ عنّي هل أُجَنُّ إذا جَنّا

ليخبركِ أنّي في فنونٍ من الجوى

إذا ما انقضى فنّ يوكّل بي فنّا

وإن قلتِ إنّ الليلَ ليس بناطقٍ

قفي وانظري واستخبري الجسدَ المضنى

وإن كنتِ في شكٍّ فديتُكِ فاسألي

دموعي التي سالتْ وأقرحتِ الجفنا

أحبّتنا لو تعلمون بحالنا

لَما كانتِ اللّذاتُ تشغلُكمْ عنّا

تشاغلتمُ عنّا بصحبةِ غيرِنا

وأظهرتمُ الهجرانَ ما هكذا كنّا

وآليتمُ أن لا تخونوا عهودَنا

فقد وحياةِ الحبِّ خُنتمْ وما خُنّا

٢١٤

غدرتمْ ولم نغدُر وخُنتم ولم نخُنْ

وحُلتمْ عن العهدِ القديمِ وما حُلنا

وقلتم ولم توفوا بصدقِ حديثِكمْ

ونحن على صدقِ الحديثِ الذي قلنا

أيَهْنا لكمْ طيبُ الكرى وجفونُنا

على الجمرِ لا تهنا ولا بعدكمْ نُمنا

أنخنا بمغناكم لتحيا نفوسُنا

فما زادنا إلاّ جوىً ذلك المغنى

سنرحلُ عنكم إن كرهتمْ مقامَنا

ونصبرُ عنكم مثل ما صبرُكم عنّا

ونأخذُ من نهوى بديلاً سواكمُ

ونجعلُ قطعَ الوصلِ منكم ولا منّا

تعالوا إلى الإنصاف فيما ادّعيتمُ

ولا تفرطوا بل صحّحوا اللفظ والمعنى

أليتكمُ ناصفتمونا فريضةً

بأنّ لكم نصفاً وأنّ لنا ثُمنا

إذا طلعت شمسُ النهارِ ذكرتكمْ

وإن غربتْ جدّدتُ ذكركمُ حُزنا

وإنّي لأرثي للغريب وإنّني

غريب الهوى والقلب والدار والمغنى

لقد كان عيشي بالأحبّةِ صافياً

وما كنتُ أدري أنّ صحبتَنا تفنى

زمانٌ نعِمنا فيه حتى إذا مضى

بكينا على أيّامه بدمٍ أقنى

فوالله ما زال اشتياقي إليكمُ

ولا برح التسهيدُ لي بعدكم جفنا

ولا ذقتُ طعمَ الماءِ عذباً ولا صفتْ

مواردُه حتى نعودَ كما كنّا

ولا بارحتْني لوعةُ الفكرِ والجوى

ولا زلتُ طولَ الدهرِ مقترعاً سنّا

وما رحلوا حتى استحلّوا نفوسَنا

كأنّهمُ كانوا أحقَّ بها منّا

ترى منجدي في أرضِ بغدادَ واهناً

لزهدِكمُ فينا وبُعدكمُ عنّا

أيزعم أن أسلو ويُشغَلَ خاطري

بغيركمُ مُستبدلاً بئس ما ظنّا

أيا ساكني نجدٍ سلامي عليكمُ

ظننّا بكم ظنّا فاخلفتمُ الظنّا

أُمثِّلُ مولاي الحسينَ وصحبَهُ

كأنجمِ ليلٍ بينها البدرُ أو أسنى

فلمّا رأته أختُهُ وبناتُهُ

وشمرٌ عليه بالمهنّد قد أحنى

تعلّقنَ بالشمرِ اللعينِ وقلنَ دَعْ

حسيناً فلا تقتلْهُ يا شمرُ واذبحنا

فحزّ وريديه وركّبَ رأسَهُ

على الرمحِ مثلَ الشمسِ فارقت الدجنا

٢١٥

فنادت بطولِ الويلِ زينبُ أختُهُ

وقد صبغتْ من نحرِهِ الجيبَ والردنا

ألا يا رسولَ الله يا جدَّنا اقتضتْ

أميّةُ منّا بعدكَ الحقدَ والضغنا

سُبينا كما تُسبى الإماءُ بذلّةٍ

وطيفَ بنا عرضَ البلادِ وشُتِّتنا

ستفنى حياتي بالبكاءِ عليهمُ

وحزني لهم باقٍ مدى الدهر لا يفنى

ألا لعنَ اللهُ الذي سنَّ ظلمَهمْ

وأخزى الذي أملى له وبه استنّا

سأمدحُكمْ يا آلَ أحمدَ جاهداً

وأمنحُ من عاداكم السبَّ واللعنا

ومن منكمُ بالمدح أولى لأنّكمْ

لَأكرمُ من لبّى ومن نحرَ البُدنا

بجدّكمُ أسرى البُراقُ فكان من

إله البرايا قابَ قوسينِ أو أدنى

وشخصُ أبيكم في السماءِ تزورُهُ

ملائكُ لا تنفكّ صبحاً ولا وهنا

أبوكمْ هو الصدّيقُ آمن واتّقى

وأعطى وما أكدى وصدّق بالحسنى

وسمّاه في القرآن ذو العرش جنبَهُ

وعروتَهُ والعينَ والوجهَ والأذنا

وشدّ به أزرَ النبيِّ محمدٍ

وكان له في كلّ نائبةٍ ركنا (١)

وأفرده بالعلمِ والبأسِ والندى

فمن قدرِهِ يسمو ومن فعِله يُكنى

هو البحرُ يعلو العنبرُ المحضُ فوقَه

كما الدرُّ والمرجانُ من قعرِهِ يُجنى

إذا عُدّ أقرانُ الكريهةِ لم نجدْ

لحيدرةٍ في القومِ كفواً ولا قِرنا

يخوض المنايا في الحروبِ شجاعةً

وقد مُلئت منه ليوثُ الشرى جبنا

يرى الموتَ من يلقاه في حومة الوغى

يناديه من هنّا ويدعوه من هنّا

إذا استعرت نار الوغى وتغشمرت (٢)

فوارسَها واستخلفوا الضربَ والطعنا

وأهدت إلى الأحداق كحلاً معصفراً

وألقت على الأشداقِ أرديةً دُكْنا

وخلتَ بها زرْقَ الأسنّةِ أنجماً

ومن فوقها ليلاً من النقعِ قد جَنّا

فحين رأت وجهَ الوصيّ تمزّقتْ

كثلّةِ ظأنٍ أبصرت أسداً شنّا

__________________

(١) في بعض النسخ : حصنا. (المؤلف)

(٢) تغشمره : أخذه بالعنف والشدة.

٢١٦

فتىً كفُّهُ اليسرى حِمامٌ بحربِهِ

كذاك حياةُ السلم في كفّه اليمنى

فكم بطلٍ أردى وكم مرهبٍ أودى

وكم مُعدمٍ أغنى وكم سائلٍ أقنى (١)

يجود على العافين عفواً بماله

ولا يُتبعُ المعروفَ من مَنّه مَنّا

ولو فُضّ بين الناسِ معشارُ جودِهِ

لما عرفوا في الناسِ بخلاً ولا ضَنّا

وكلُّ جوادٍ جادَ بالمال إنّما

قصاراه أن يستنّ في الجود ما سنّا

وكلُّ مديحٍ قلتُ أو قال قائلٌ

فإنّ أميرَ المؤمنين به يُعنى

سيخسرُ من لم يعتصمْ بولائِهِ

ويَقرعُ يومَ البعثِ من ندمٍ سنّا

لذلك قد واليتُه مخلصَ الولا

وكنتُ على الأحوالِ عبداً له قِنّا

عليكم سلامُ اللهِ يا آلَ أحمدٍ

متى سجعتْ قُمْريّةٌ وعلَتْ غصنا

مودتّكمْ أجرُ النبيّ محمدٍ

علينا فآمنّا بذاك وصدّقنا

وعهدُكمُ المأخوذُ في الذرِّ لم نقل

لآخذِهِ كلاّ ولا كيف أو أنّى

قبلنا وأوفينا به ثمّ خانكمْ

أُناسٌ وما خُنّا وحالوا وما حُلنا

طهرتم فطُهِّرنا بفاضل طهرِكمْ

وطبتمْ فمن آثارِ طيبِكم طبنا

فما شئتمُ شئنا ومهما كرهتمُ

كرِهنا وما قلتمْ رضِينا وصدّقنا

فنحن مواليكم تحنُّ قلوبُنا

إليكم إذا إلفٌ إلى إلفه حنّا

نزوركمُ سعياً وقلَّ لحقّكمْ

لوَ انّا على أحداقنا لكمُ زُرنا

ولو بُضِّعت أجسادُنا في هواكمُ

إذن لم نحلْ عنه بحالٍ ولا زلنا

وآباؤنا منهم ورثنا ولاءكمْ

ونحن إذا متنا نورِّثه الأبنا

وأنتم لنا نِعم التجارةُ لم نكن

لنحذرَ خسراناً عليها ولا غَبنا

وما ليَ لا أثني عليكم وربُّكمْ

عليكم بحسنِ الذكرِ في كتْبه أثنى

وإنّ أباكم يقسم الخلقَ في غدٍ

فيُسكِنُ ذا ناراً ويُسكِن ذا عَدنا

وأنتم لنا غوثٌ وأمنٌ ورحمةٌ

فما منكمُ بُدٌّ ولا عنكمُ مغنى

__________________

(١) أقنى : اكتسب.

٢١٧

ونعلمُ أن لو لم ندِنْ بولائِكمْ

لما قُبلت أعمالُنا أبداً منّا

وأنّ إليكم في المعادِ إيابَنا

إذا نحن من أجداثِنا سُرّعاً قمنا

وأنّ عليكم بعد ذاك حسابَنا

إذا ما وفدنا يوم ذاك وحوسبنا

وأنّ موازينَ الخلائقِ حبُّكم (١)

فأسعدُهم من كان أثقلَهم وزنا

وموردُنا يومَ القيامةِ حوضُكمْ

فيظما الذي يُقصى ويروى الذي يُدنى

وأمرُ صراطِ اللهِ ثَمَّ إليكمُ

فطوبى لنا إذ نحنُ عن أمرِكم جُزنا

وما ذنبُنا عند النواصبِ ويلهمْ

سوى أنّنا قومٌ بما دِنتمُ دِنّا

فإن كان هذا ذنبَنا فتيقّنوا

بأنّا عليه لا انثنينا ولا نثنى

ولمّا رفضنا رافضيكم ورهطَكم

رُفضنا وعودينا وبالرفض نُبّزنا

وإنّا اعتقدنا العدلَ في الله مذهباً

ولله نزّهنا وإيّاه وحّدنا

وهم شبّهوا الله العليَّ بخلقه

فقالوا خُلقنا للمعاصي وأُجبرنا

فلو شاء لم نكفرْ ولو شاء أكفرنا

ولو شاء لم نُؤمن ولو شاء آمنّا

وقالوا رسولُ اللهِ ما اختار بعدَه

إماماً لنا لكن لأنفسِنا اخترنا

فقلنا إذن أنتم إمامُ إمامِكم

بفضلٍ من الرحمن تِهتمْ وما تِهنا

ولكنّنا اخترنا الذي اختار ربُّنا

لنا يومَ خُمّ لا ابتدعنا ولا جُرنا

سيجمعُنا يومَ القيامةِ ربُّنا

فتُجزَوْن ما قلتم ونُجزى بما قلنا

هدمتم بأيديكم قواعدَ دينِكمْ

ودينٌ على غيرِ القواعد لا يُبنى

ونحن على نورٍ من اللهِ واضحٍ

فيا ربِّ زدنا منك نوراً وثبِّتنا

وظنُّ ابنِ حمّادٍ جميلٌ بربِّه

وأحرى به أن لا يخيبَ له ظنّا

بنى المجدَ لي شَنُّ بن أقصى فحزْتُه

تُراثاً جزى الرحمنُ خيراً أبي شَنّا

وحسبي بعبد القيسِ في المجد والدي

ولي حسب عبد القيس مرتبةٌ تبنى

وخالي تميمٌ تمّ مجدي بفخره

فنلت بذا مجداً ونلتُ بذا أمنا

__________________

(١) وأنّ موازين القصاص ولاؤكم. كذا في بعض النسخ. (المؤلف)

٢١٨

ودونك لا ما للقلائدِ هذّبتْ

مديحاً فلم تترك لذي مطعنٍ طعنا

ولا ظلّ أو أضحى ولا راح واغتدى

تأمّل لا عينٌ تراه ولا لحنا

فصاحةُ شعري مذ بدتْ لذوي الحجى

تمثّلتِ الأشعارُ عندهمُ لكنا

وخيرُ فنونِ الشعرِ ما رقّ لفظُهُ

وجلّتْ معانيهِ فزادتْ بها حسنا

وللشعرِ علمٌ إن خلا منه حرفُهُ

فذاك هذاءٌ في الرؤوسِ بلا معنى

إذا ما أديبٌ أنشدَ الغثَّ خلتَهُ

من الكربِ والتنغيصِ قد أدخلَ السجنا

إذا ما رأوها أحسنَ الناسِ منطقاً

وأثبتَهم حدثاً وأطيبَهم لحنا

تلذُّ بها الأسماعُ حتى كأنّها

ألذُّ من ايّام الشبيبة أو أهنا

وفي كلِّ بيتٍ لذّةٌ مستجدّةٌ

إذا ما انتشاه قيل يا ليته ثنّى

تقبّلها ربّي ووفّى ثوابَها

وثقّلَ ميزاني بخيراتِها وزنا

وصلّى على الأطهارِ من آلِ أحمدٍ

إلهُ السما ما عسعسَ الليلُ أو جَنّا

وله يمدح أمير المؤمنين عليه‌السلام :

حدّثنا الشيخ الثقه

محمدٌ عن صدقه

روايةً متّسقه

عن أنسٍ عن النبي

رأيته على حِرا

مع عليٍّ ذي النهى

يقطف قطفاً في الهوى

شيئاً كمثلِ العنَبِ

فأكلا منه معا

حتى إذا ما شبعا

رأيته مرتفعا

فطال منه عجبي

كان طعامَ الجنّةِ

أنزله ذو العزّةِ

هديّةً للصفوةِ

من الهدايا النُّخَبِ

٢١٩

أشار بهذه الأبيات إلى ما أخرجه محمد بن جرير الطبري بإسناده عن أنس ، قال :

إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ركب يوماً إلى جبل كداء ، فقال : «يا أنس خذ البغلة وانطلق إلى موضوع كذا تجد عليّا جالساً يسبِّح بالحصى فاقرأه منّي السلام واحمله على البغلة وائت به إليّ».

فقال : فلمّا ذهبت وجدت عليّا كذلك ، فقلت : إنّ رسول الله يدعوك. فلمّا أتى رسول الله قال له : «اجلس فإنّ هذا موضعٌ جلس فيه سبعون نبيّا مرسلاً ، ما جلس فيه من الأنبياء أحدٌ إلاّ وأنا خيرٌ منه وقد جلس مع كلّ نبيّ أخٌ له ما جلس من الأخوة أحدٌ إلاّ وأنت خيرٌ منه». قال : فرأيت غمامة بيضاء وقد أظلّتهما فجعلا يأكلان منه عنقود عنب ، وقال : «كل يا أخي فهذه هديّةٌ من الله إليّ ثمّ إليك» ، ثمّ شربا ثمّ ارتفعت الغمامة ، ثمّ قال : «يا أنس والذي خلق ما يشاء ، لقد أكل من الغمامة ثلاثمائة وثلاثة عشر نبيّا وثلاثمائة وثلاثة عشر وصيّاً ، ما فيهم نبيٌّ أكرم على الله منّي ولا وصيٌّ أكرم على الله من عليٍّ».

ولابن حمّاد العبدي يمدح أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ قوله على رويِ نونيّة العوني المذكور :

ما لابن حمّادٍ سوى من حمدت

آثاره وأبهجت غرّانُه (١)

ذاك عليُّ المرتضى الطهرُ الذي

بفخرِهِ قد فخرتْ عدنانُه

صنوُ النبيِّ هديُه كهديِهِ

إذ كلُّ شيءٍ شكلُه عنوانُه

وصيُّهُ حقّا وقاضي دَينِهِ

إذ اقتضى ديونَه ديّانُه

__________________

(١) غرّان جمع الغرير : الخلق الحسن ومنه المثل : أدبر غريره وأقبل هريره ، أي أدبر حسنه وجاء سيّئه [مجمع الأمثال : ١ / ٤٧٥ رقم ١٤٢٢]. (المؤلف)

٢٢٠