الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨

ولهذه القصيدة أشباه ونظائر في معناها سابقة ولاحقة ، منها :

١ ـ مدح الخالديّان أبو عثمان سعيد بن هاشم وأخوه أبو بكر محمد ـ من شعراء اليتيمة ـ الشريف الزبيدي أبا الحسن محمد بن عمر الحسيني ، فأبطأ عليهما بالجائزة ، وأراد السفر فدخلا عليه وأنشداه :

قل للشريفِ المستجارِ بهِ

إذا عدم المطرْ

وابن الأئمّة من قريشٍ

والميامينِ الغررْ

أقسمتُ بالريحانِ و

النّغم المضاعف والوترْ

لئن الشريفُ مضى ولم

يُنعِمْ لعبديه النظرْ

لنشاركنَّ بني أُميّة

في الضلال المشتهرْ

ونقول لم يغصب أبو

بكرٍ ولم يظلمْ عمرْ

ونرى معاويةً إما

ماً مَن يخالفه كفرْ

ونقول إنّ يزيد ما

قتَل الحسين ولا أمرْ

ونعدُّ طلحةَ والزبي

ـر من الميامينِ الغُرَرْ

ويكون في عنقِ الشري

ـف دخولُ عبديه سقرْ (١)

فضحك الشريف لهما ، وأنجز جائزتهما.

٢ ـ حبس الشريف الحسن بن زيد الشهيد وزيره لتقصيره ، فكتب إلى الشريف بقوله :

أشكو إلى اللهِ ما لقيتُ

أحببتُ قوماً بهم بُلِيتُ

لأَشتُمُ الصالحين جهراً

ولا تشيّعتُ ما بقيتُ

أمسح خفّي ببطنِ كفّي

ولو على جيفةٍ وطيتُ

__________________

(١) أعيان الشيعة : ٦ / ٣٠٢.

٤٤١

٣ ـ كتب أبو الحسن الجزّار المصري ـ الآتي ترجمته ـ إلى الشريف شهاب الدين ناظر الأهراء (١) ليلة عاشوراء ، عندما أخّر عنه إنجاز موعده ، بقوله :

قل لشهاب الدين ذي الفضل الندي

والسيّدِ ابن السيّدِ ابن السيّدِ

أقسمُ بالفردِ العليِّ الصمدِ

إن لم يبادرْ لنَجازِ موعدي

لأحضرنَّ للهناء في غدِ

مكحّلَ العينينِ مخضوبَ اليدِ

والإثم في عنقِ الشريفِ الأمجدِ

لأنّني جُنِنتُ في التردّدِ

حتى نصبتُ وكسرتُ عددي

في شهر حزني وجزمتُ لدَدي

٤ ـ كتب القاضي جمال الدين عليّ بن محمد العنسي إلى شريف عصره ، قوله :

بالبيت أُقسمُ أو بأه

ـل البيت سادات البشرْ

وبصولة المولى الذي

تاهتْ به عليا مضرْ

إن طال غصب مطهّرٍ

عمد الدراري واستمرْ

لُاقلّدنَّ أبا حني

ـفةَ صاحبَ الرأيِ الأغرْ

ولأسمعنَّ له وإنْ

حلَّ النبيذَ المعتصرْ

حبّا لقومٍ أَنزلوا

بمطهّرٍ أقوى ضررْ

أعني بهم أبناءَ خا

قانَ الميامينَ الغررْ

ولأتركنَّ الترك تر

فلُ من مديحي في حبرْ

ولأنظمنَّ شوارداً

فيهم تحارُ لها الفِكرْ

وأسوقها زُمَراً إلى

زُمَرٍ وتتلوها زُمَرْ

ولأبكينَّ على الوزي

ـر بكلِّ معنىً مبتكرْ

أعني به حسناً وإن

فعلَ القبيحَ فمغتفرْ

وأقول إنّ سنانهم

سيفٌ نضتْهُ يدُ القدَرْ

__________________

(١) الأهراء : متاع البيت.

٤٤٢

ما جار قطُّ ولا أرا

قَ دماً وبالتقوى أمرْ

وإذا جرى ذكر الخمو

ر ومن حساها واعتصرْ

نزّهتُهم عنها سوا (١)

لامَ المفنِّدُ أو عذرْ

أستغفرُ اللهَ العظي

ـم سوى النبيذِ إذا حضرْ

فالرأي رأيُهمُ السدي

ـد وقد رووا فيهِ خبرْ

ولأمقتنَّ (٢) على بكي

ـرٍ في العشايا والبُكرْ

أقضي بتربته الفرو

ضَ ومن زيارتِهِ الوطرْ

ولأملأنَّ على العوا

مِ مسائلاً فيها غَرَرْ

نقضي بتطويلِ الشوا

ربِ عند تقصير الشعرْ

ولأرخينَّ من العما

ئم ما تكوّر واعتصرْ

ولأرفعنَّ إلى الصلا

ة يدي وأرويها أثرْ (٣)

وأقولُ في يومٍ تحا

رُ له البصائرُ والبصرْ

والصحفُ تنشر طيّها

والنارُ ترمي بالشررْ

هذا الشريفُ أضلّني

بعد الهداية والنظرْ (٤)

٥ ـ كتب في هذا المعنى أبو الفتح سبط ابن التعاويذي إلى نقيب الكوفة الشريف محمد بن مختار العلوي ، يعاتبه على عدم الوفاء بما كان وعده به قصيدة تأتي في ترجمة أبي الفتح أوّلها :

يا سميَّ النبيّ يا ابن عليٍ

قامعَ الشركِ والبتولِ الطهورِ

__________________

(١) أي : سواء.

(٢) في أعيان الشيعة : ٨ / ٣٠٧ ولأمضينَّ.

(٣) في أعيان الشيعة : وأزويها أشر.

(٤) الأبيات الثلاثة الأخيرة من قصيدة ابن منير. (المؤلف)

٤٤٣

الشاعر

أبو الحسين مهذّب الدين أحمد بن منير بن أحمد بن مفلح الطرابلسي (١) الشامي نازل درب الخابوري على باب الجامع الكبير الشمالي ، عين الزمان الشهير بالرفا ، أحد أئمّة الأدب ، وفي الطبقة العليا من صاغة القريض ، وقد أكثر وأجاد ، وله في أئمة أهل البيت عليهم‌السلام عقود عسجديّة أبقت له الذكر الخالد والفخر الطريف والتالد ، وقد أتقن اللغة والعلوم الأدبيّة كلّها ، أنجبت به طرابلس فكان زهرة رياضها ، ورواء أرباضها ، ثمّ هبط دمشق فكان شاعرها المفلق ، وأديبها المِدره ، فنشر في عاصمة الأمويين فضائل العترة الطاهرة بجمان نظمه الرائق ، وطفق يتذمّر على من ناوأهم أو زواهم عن حقوقهم ، محقِّقاً فيه مذهبه الحقّ ، فبهظ ذلك المتحايدين عن أهل البيت عليهم‌السلام فوجّهوا إليه القذائف والطامّات ، وسلقوه بألسنة حداد ، فمن قائل : إنّه كان خبيث اللسان ، وآخر يعزو إليه التحامل على الصحابة ، ومن ناسبٍ إليه الرفض ، ومن مفتعلٍ عليه رؤيا هائلة ، لكن فضله الظاهر لم يدع لهم مُلتحداً عن إطرائه ، وإكبار موقفه في الأدب بالرغم من كلّ تلكم الهلجات ، وجمع شعره بين الرقّة والقوّة والجزالة ، وازدهى بالسلاسة والانسجام ، وقبل أيِّ مأثرة من مآثره ، إنّه كان أحد حفّاظ القرآن الكريم ، كما ذكره ابن عساكر ، وابن خلّكان ، وصاحب شذرات الذهب.

قال ابن عساكر في تاريخه (٢) (٢ / ٩٧) : حفظ القرآن ، وتعلّم اللغة والأدب ، وقال الشعر ، وقدم دمشق فسكنها ، وكان رافضيّا خبيثاً يعتقد مذهب الإماميّة ، وكان هجّاءً خبيث اللسان يكثر الفحش في شعره ، ويستعمل فيه الألفاظ العامّية ، فلمّا كثر

__________________

(١) طرابلس : بلدة على ساحل الشام مما يلي دمشق. (المؤلف)

(٢) تاريخ مدينة دمشق : ٦ / ٣٣ رقم ٢٧٤ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٣ / ٣٠٦.

٤٤٤

الهجو منه سجنه بوري بن طغتكين أمير دمشق في السجن مدّة ، وعزم على قطع لسانه ، فاستوهبه يوسف بن فيروز الحاجب فوهبه له ، وأمر بنفيه من دمشق ، فلمّا ولي ابنه إسماعيل بن بوري عاد إلى دمشق ، ثمّ تغيّر عليه إسماعيل لشيء بلغه عنه فطلبه وأراد صلبه ، فهرب واختفى في مسجد الوزير أيّاماً ، ثمّ خرج من دمشق ولحق بالبلاد الشماليّة ، يتنقل من حماة (١) إلى شيزر وإلى حلب ، ثمّ قدم دمشق آخر قدمة في صحبة الملك العادل لمّا حاصر دمشق الحصر الثاني ، فلمّا استقرَّ الصلح دخل البلد ورجع مع العسكر إلى حلب فمات بها ، ولقد رأيته غير مرّة ولم أسمع منه ، فأنشدني الأمير أبو الفضل اسما عيل ابن الأمير أبي العساكر سلطان بن منقذ قال : أنشدني ابن منير لنفسه (٢):

أخلى فصدَّ عن الحميمِ وما اختلى

ورأى الحِمامَ يغصُّهُ فتوسّلا

ما كان واديه بأوّلِ مرتعٍ

ودعت طلاوته طلاه فأجفلا

وإذا الكريمُ رأى الخمولَ نزيلَهُ

في منزلٍ فالحزمُ أن يترحّلا

كالبدرِ لمّا أن تضاءلَ نورُهُ

طلبَ الكمالَ فحازه متنقّلا

ساهمتَ عيسَكَ مُرَّ عَيشِكَ قاعداً

أفلا فليتَ بهنّ ناصيةَ الفلا

فارِق تَرقْ كالسيفِ سُلَّ فبان في

متنَيه ما أخفى القرابُ وأخملا

لا تحسبنَّ ذهابَ نفسك ميتةً

ما الموتُ إلاّ أن تعيشَ مذلَّلا (٣)

للقفرِ لا للفقرِ هبها إنّما

مغناك ما أغناك أن تتوسّلا

لا ترضَ عن دنياك ما أدناك من

دنسٍ وكن طيفاً جلا ثمّ انجلى

وصِلِ الهجيرَ بهجرِ قومٍ كلّما

أمطرتهم عسلاً جنوا لك حنظلا

__________________

(١) بلدة شهيرة بينها وبين شيزر نصف يوم ، وبينها وبين دمشق خمسة أيّام للقوافل ، وبينها وبين حلب أربعة أيّام [معجم البلدان : ٢ / ٣٠٠]. (المؤلف)

(٢) ديوان ابن منير : ص ١٠٢.

(٣) هذا البيت وبيت واحد بعده ذكرهما ابن خلّكان في تاريخه : ١ / ٥١ [١ / ١٥٦ رقم ٦٤](المؤلف)

٤٤٥

مِن غادرٍ خبُثَتْ مغارسُ ودِّهِ

فإذا محضتَ له الوفاءَ تأوّلا

أو حِلفِ دهرٍ كيف مالَ بوجهِهِ

أمسى كذلك مُدبراً أو مُقبلا

للهِ علمي بالزمانِ وأهلِهِ

ذنبُ الفضيلةِ عندهم أن تكملا

طُبعوا على لؤمِ الطباعِ فخيرُهمْ

إن قلتَ قال وإن سكتَّ تقوّلا

وفي غير هذه الرواية زيادة وهي :

أنا من إذا ما الدهر همَّ بخفضِهِ

سامته همّتُه السماكَ الأعزلا

واعٍ خطابَ الخطبِ وهو مجمجمٌ

راعٍ أَكَلَّ العيس مِن عدمِ الكلا

زعمٌ كمنبلجِ الصباحِ وراءَهُ

عزمٌ كحدِّ السيف صادفَ مقتلا

قال الأميني : والشاعر يصف في نظمه هذا مناوئيه من أهل زمانه ، الذين نبزوه بالسفاسف ورموه بالقذائف ، ممّن أوعزنا إليهم في الترجمة ، وكلّ هجوه من هذا القبيل ، ولذلك كان يثقل على مهملجة الضغائن والإحن.

وقال ابن عساكر (١) : وأنشد أيضاً له (٢):

عَدِمتُ دهراً ولدتُ فيه

كم أشربُ المُرَّ من بنيه

ما تعتريني الهموُم إلاّ

من صاحبٍ كنتُ أصطفيه

فهل صديقٌ يُباع حتى

بمهجتي كنت أشتريه

يكون في قلبه مثالٌ

يشبه ما صاغ لي بفيه

وكم صديقٍ رغبتُ عنه

قد عشتُ حتى رغبتُ فيه

وقال الأمير أبو الفضل : عمل والدي طستاً من فضّة ، فعمل ابن منير أبياتاً كتبت عليه ، من جملتها (٣):

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق : ٦ / ٣٤ رقم ٢٧٤.

(٢) ديوان ابن منير : ص ١٢٧.

(٣) ديوان ابن منير : ص ١٢٧.

٤٤٦

يا صنو مائدةٍ لأكرمِ مُطعِمِ

مأهولة الأرجاء بالأضيافِ

جمعت أياديه إليَّ أيادَي ال

أُلاّفِ بعدَ البذلِ للآلافِ

ومن العجائب راحتي من راحةٍ

معروفةِ المعروف بالإتلافِ

ومن محاسن شعره القصيدة التي أوّلها :

من ركّبَ البدرَ في صدرِ الردينيِ

وموّهَ السحرَ في حدّ اليمانيِ

وأنزلَ النيّرَ الأعلى إلى فلكٍ

مدارُه في القباءِ الخسروانيِ

طرْفٌ رنا أم قرابٌ سُلَّ صارمُهُ

وأغيدٌ ماس أم أعطاف خَطيِ

أذلّني بعد عزٍّ والهوى أبداً

يستعبدُ الليثَ للظبي الكُناسيِ

وذكر منها ابن خلّكان (١) أيضاً :

أما وذائبِ مسك من ذوائبِه

على أعالي القضيبِ الخيزرانيِ

وما يُجِنُّ عقيقيّ الشفاه من الري

ـق الرحيقيِّ والثغرِ الجمانيِ

لو قيل للبدر : من في الأرض تحسدُهُ

إذا تجلّى لقال ابنُ الفلانيِ

أربى عليَّ بشتّى من محاسنِهِ

تألّفت بين مسموعٍ ومرئيِ

إباءُ فارسَ في لين الشآم مع الظ

ـرف العراقيّ والنطق الحجازيِ

وما المدامةُ بالألبابِ أفتكُ من

فصاحةِ البدوِ في ألفاظِ تركيِ

ويوجد تمام القصيدة (٢٧) بيتاً في نهاية الأرب (٢) (٢ / ٢٣) ، وتاريخ حلب (٣) (٤ / ٢٣٤) ، وذكر ابن خلّكان له أيضاً :

أنكرت مقلتُهُ سفكَ دمي

وعلا وجنتَهُ فاعترفتْ

__________________

(١) وفيات الأعيان : ١ / ١٥٧ رقم ٦٤.

(٢) نهاية الأرب : ٢ / ٢٣٩.

(٣) تاريخ حلب : ٤ / ٢٢٣.

٤٤٧

لا تخالوا خالَه في خدِّه

قطرةً من دم جفني نقطتْ (١)

ذاك من نارِ فؤادي جذوةٌ

فيه ساخت وانطفت ثمّ طفتْ

وكان بين المترجم وابن القيسراني (٢) مهاجاة ، واتّفق أنّ أتابك عماد الدين زنكي صاحب الشام غنّاه مغنٍّ على قلعة جعبر وهو يحاصرها قول المترجم :

ويلي من المعرض الغضبان إذ نقل ال

ـواشي إليه حديثاً كلّه زورُ

سلّمتُ فازورَّ يزوي قوسَ حاجبِهِ

كأنّني كأسُ خمرٍ وهو مخمورُ

فاستحسنها زنكي وقال : لمن هذه؟ فقيل : لابن منير وهو بحلب فكتب إلى والي حلب يسيّره إليه سريعاً ، فسيّره ، فليلةَ وصل ابن منير قُتل أتابك زنكي ، فعاد ابن منير صحبة العسكر إلى حلب ، فلمّا دخل قال له ابن القيسراني : هذه بجميع ما كنت تبكتني به.

كان شاعرنا المترجم عند أُمراء بني منقذ بقلعة شَيزَر ، وكانوا مقبلين عليه ، وكان بدمشق شاعرٌ يقال له : أبو الوحش ، وكانت فيه دعابة وبينه وبين أبي الحكم عبيد الله (٣) مُداعبات ، فسأل منه كتاباً إلى ابن منير بالوصيّة عليه ، فكتب أبو الحكم :

أبا الحسين اسمع مقالَ فتىً

عوجلَ فيما يقول فارتجلا

هذا أبو الوحش جاء ممتدحاً

للقومِ فاهنأ به إذا وصلا

__________________

(١) في وفيات الأعيان : نطَفَت.

(٢) شرف الدين أبو عبد الله محمد بن نصر الخالدي الحلبي الشاعر الفذّ المتوفّى بدمشق (٥٤٨ (المؤلف)

(٣) هو أبو الحكم عبيد الله بن المظفّر المغربي ، الشاعر المتضلّع في الأدب والطبّ والهندسة ، له أشياء مُستملَحة منها مقصورة هزليّة ضاهى بها مقصورة ابن دُريد ، وُلِد باليمن سنة (٤٨٦) وتوفّي بدمشق سنة (٥٤٩). توجد ترجمته في تاريخ ابن خلّكان : ١ / ٢٩٥ [٣ / ١٢٣ رقم ٣٥٩] ، ونفح الطيب : ١ / ٣٨٥ [٢ / ٣٣٧ رقم ٧٥] وغيرهما. (المؤلف)

٤٤٨

واتلُ عليهم بحسنِ شرحِكَ ما

أنقله من حديثِهِ جُمَلا

وخبِّرِ القومَ أنّه رجلٌ

ما أبصرَ الناسُ مثلَه رجلا

ومنها :

وهو على خفّةٍ به أبدا

معترفٌ أنّه من الثُّقَلا

يمتُّ بالثلبِ والرقاعةِ والس

ـخفِ وأمّا بغيرِ ذاك فلا

إن أنت فاتحته لتخبر ما

يصدر عنه فتحتَ منه خلا

فنبِّه إن حلَّ خطّة الخسف وال

ـهون ورحِّب به إذا رحلا

واسقه السمّ إن ظفرتَ به

وامزج له من لسانِكَ العسلا (١)

وذكر النويري له في نهاية الأرب (٢) (ج ٢):

لاح لنا عاطلاً فصيغ له

مناطقٌ من مراشقِ المُقَلِ

حياةُ روحي وفي لواحظِهِ

حتفيَ بين النشاطِ والكسلِ

ما خاله من فتيتِ عنبرِ صُد

غيه ولا قطرِ صبغةِ الكحلِ

لكن سويداءُ قلبِ عاشقِهِ

طفت على نارِ وردةِ الخجلِ

وله في النهاية (٣) أيضاً :

كأنّ خدّيه ديناران قد وُزنا

وحرّر الصيرفيُّ الوزنَ واحتاطا

فخفَّ إحداهما عن وزنِ صاحبِهِ

فحطَّ فوق الذي قد خفَّ قيراطا

وله في بدائع البدائه (١ / ٢٤) في صبيٍّ صبيح سرّاج يُسمّى يوسف ، قوله :

يا سميَّ المُتاحِ في ظلمةِ الج

ـبّ لمن ساقه القضاء إليها

__________________

(١) نفح الطيب : ١ / ٣٥٨ [٢ / ٣٣٨]. (المؤلف)

(٢) نهاية الأرب : ٢ / ٩٣.

(٣) نهاية الأرب : ٢ / ٩٤.

٤٤٩

والذي قطّعَ النساءُ له الأي

ـدي ومكّنَّ حبلَهُ من يديها

لك وجه مياسمُ الحسنِ فيه

سكّةٌ تُطبعُ البدورُ عليها

كتب ابن منير للقاضي أبي الفضل هبة الله المتوفّى (٥٦٢) يلتمس منه كتاب الوساطة بين المتنبّي وخصومه تأليف القاضي عليّ بن عبد العزيز الجرجاني ، وكان قد وعده به :

يا حائزاً غايَ كلِّ فضيلةٍ

تضلُّ في كنهِهِ الإحاطه

ومن ترقّى إلى محلٍ

أحكَم فوق السهى مناطه

إلى متى أُسْعَطُ التمنّي

ولا ترى المنّ بالوساطه

وُلد المترجم ابن منير سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة بطرابلس ، وتوفّي في جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ـ عند جلِّ المؤرِّخين ـ بحلب ، ودفن في جبل جوشن (١) بقرب المشهد الذي هناك ، قال ابن خلّكان (٢) : زرت قبره ورأيت عليه مكتوباً :

من زار قبري فليكن موقناً

أنّ الذي ألقاهُ يلقاهُ

فيرحمُ اللهُ امرءاً زارني

وقال لي يرحمُكَ اللهُ

ثمّ وجدت في ديوان أبي الحكم عبيد الله أنّ ابن منير توفّي بدمشق في سنة سبع وأربعين ، ورثاه بأبيات على أنّه مات بدمشق ، وهي هزليّة على عادته ، ومنها :

__________________

(١) جوشن جبل في غربي حلب ، ومنه كان يحمل النحاس الأحمر وهو معدنه ، ويقال : إنّه بَطُل منذ عبر سبي الحسين بن عليّ رضي‌الله‌عنه ونساؤه ، وكانت زوجة الحسين حاملاً فأسقطت هناك ، فطلبت من الصنّاع في ذلك الجبل خبزاً وماء فشتموها ومنعوها ، فدعت عليهم ، فمن الآن من عمل فيه لا يربح ، وفي قبليّ الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط ، ويسمّى مشهد الدكّة ، والسقط يسمى محسن بن الحسين رضي الله عنه. معجم البلدان : ٣ / ١٧٣ [٢ / ١٨٦]. (المؤلف)

(٢) وفيات الأعيان : ١ / ١٥٩ رقم ٦٤.

٤٥٠

أَتَوا به فوق أعوادٍ تسيّرُهُ

وغسّلوه بشطّي نهرِ قلّوطِ

وأسخنوا الماءَ في قِدرٍ مرصّعةٍ

واشعلوا تحته عيدانَ بلّوطِ

وعلى هذا التقدير فيحتاج إلى الجمع بين هذين الكلامين ، فعساه أن يكون قد مات في دمشق ثمّ نقل إلى حلب فدفن بها. انتهى.

وأمّا أبو المترجم ـ المنير ـ فكان شاعراً كجدِّه ـ المفلح ـ كما في نسمة السحر (١) ، وكان منشداً لشعر العوني ، ينشد قصائده في أسواق طرابلس كما ذكر ابن عساكر في تاريخ الشام (٢) (٢ / ٩٧) ، وبما أنّ العوني من شعراء أهل البيت عليهم‌السلام ولم يؤثر عنه شيء في غيرهم ، وكان منشده الشيعيّ هذا يهتف بها في أسواق طرابلس وفيها أخلاطٌ من الأُمم والأقوام كانوا يستثقلون نشر تلكم المآثر بملإ من الأشهاد ، وبالرغم من غيظهم الثائر في صدورهم ؛ لذلك ما كان يسعهم مجابهته والمكاشفة معه على منعه لمكان من يجنح إلى العترة الطاهرة هنالك ، فعملوا بالميسور من الوقيعة فيه من أنّه كان يغنّي بها في الأسواق ، كما وقع في لفظ ابن عساكر وقال : كان منشداً ينشد أشعار العوني في أسواق طرابلس ويغنّي. وأسقط ابن خلكان ذكر العوني وإنشاد المنير لشعره ، فاكتفى بأنّه كان يغنّي في الأسواق ـ زيادة منه في الوقيعة ـ وعلماً بأنّه لو جاء بذكر العوني وشعره لعرف المنقِّبون بعده مغزى كلامه كما عرفناه ، وعلم أنّ ذلك الشعر لا يُغنّى به بل تُقرّط به الآذان لإحياء روح الإيمان وإرحاض معرّة الباطل.

توجد ترجمة ابن منير في كثير من المعاجم وكتب السير ، منها (٣):

__________________

(١) نسمة السحر : مج ٦ / ج ١ / ٤٠.

(٢) تاريخ مدينة دمشق : ٦ / ٣٢ رقم ٢٧٤ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٣ / ٣٠٦.

(٣) وفيات الأعيان ١ / ١٥٦ رقم ٦٤ ، الأنساب : ١ / ١٨٣ ، تاريخ مدينة دمشق : ٦ / ٣٢ رقم ٢٧٤ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٣ / ٣٠٦ ، البداية والنهاية : ١٢ / ٢٨٨ حوادث سنة ٥٤٨ ه‍ ، مجالس المؤمنين ٢ / ٥٣٧ ، أمل الآمل : ١ / ٣٥ رقم ٢٨ ، شذرات الذهب : ٦ / ٢٤١ حوادث سنة ٥٤٨ ه‍ ،

٤٥١

تاريخ ابن خلّكان (١ / ٥١) ، الخريدة للعماد الكاتب ، الأنساب للسمعاني (١) ، المنتظم لابن الجوزي تاريخ ابن عساكر (٢ / ٩٧) ، مرآة الجنان (٣ / ٢٨٧) ، تاريخ ابن كثير (١٢ / ٢٣١) ، مجالس المؤمنين (ص ٤٥٦) ، أمل الآمل لصاحب الوسائل ، شذرات الذهب (٤ / ١٤٦) ، نسمة السحر في الجزء الأوّل ، روضات الجنّات (ص ٧٢) ، أعلام الزركلي (١ / ٨١) ، تاريخ آداب اللغة (٣ / ٢٠) ، دائرة المعارف للبستاني (١ / ٧٠٩) ، تاريخ حلب (٤ / ٢٣١).

__________________

نسمة السحر : مج ٦ / ج ١ / ٤٠ ، روضات الجنّات : ١ / ٢٦١ رقم ٨٢ ، الأعلام : ١ / ٢٦٠ ، مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة ـ تاريخ آداب اللغة ـ : مج ١٤ / ٢٤٨ ، تاريخ حلب : ٤ / ٢٢٠.

(١) قال : أدركته حيّا بالشام وكان قد نزل شيراز في آخر عمره. قال الأميني : شيراز تصحيف شيزر ، وهي تشتمل على كورة بالشام قرب المعرّة. وقال : توفّي في حدود سنة (٥٤٠) وهو كما ترى. (المؤلف)

٤٥٢

ـ ٤٦ ـ

القاضي ابن قادوس

المتوفّى (٥٥١)

يا سيّد الخلفاء طرّا

بدوهم والحضرِ

إنْ عظّموا ساقي الحجي

ـج فأنتَ ساقي الكوثرِ

أنت الإمامُ المرتضى

وشفيعُنا في المحشرِ (١)

ووليُّ خيرةِ أحمدٍ

وأبو شبيرَ وشبّرِ

والحائُزُ القصباتِ في

يومِ الغديرِ الأزهرِ

والمطفىءُ الغوغا بب

ـدرٍ والنضيرِ وخيبرِ (٢)

الشاعر

القاضي جلال الدين أبو الفتح محمود ابن القاضي إسماعيل بن حميد الشهير بابن قادوس الدمياطي المصري ، أحد عباقرة الأدب ، وقدٌّ من صيارفة البيان ، مقدّم في حلبة القريض كاتب الإنشاء بالديار المصريّة للعلويّين ، وتصدّر بالقضاء ، جمع بين فضيلتي العلم والأدب ، فعُدَّ من أئمّة البيان الرائع الذين جعلوا من رسائلهم الخلافية

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب [٢ / ٨٣]. (المؤلف)

(٢) أعيان الشيعة : ١٠ / ١٠٢.

٤٥٣

والديوانيّة نماذج من الفصاحة الباهرة ، تلمّذ عليه القاضي الفاضل (١) ، وكان يسمّيه ذا البلاغتين ـ الشعر والنثر ـ له ديوان شعر في مجلّدين ، توفِّي بمصر سنة خمسمائة وإحدى وخمسين (٢).

ذكر ابن خلّكان في تاريخه (٣) قوله في القاضي الرشيد (٤) ـ وكان أسود اللون ـ :

يا شبهَ لقمانَ بلا حكمةٍ

وخاسراً في العلم لا راسخاً

سلختَ أشعارَ الورى كلّها

فصرتَ تُدعى الأسودَ السالخا

حكى الحموي في معجم الأدباء (٤ / ٦٠) قال : اجتمع ليلة عند الصالح بنرُزّيك جماعة من الفضلاء ، فألقى عليهم مسألة في اللغة فلم يجب عنها بالصواب سوى القاضي الرشيد ، فقال : ما سُئلت قطّ في مسألة إلاّ وجدتُني أتوقّد فهماً ، فقال ابن قادوس وكان حاضراً :

إنْ قلتَ منْ نارٍ خُلق

ـتُ وفُقتُ كلَّ الناسِ فهما

قلنا صدقتَ فما الذي

أطفاك حتى صرتَ فحما

وذكر له ابن كثير في تاريخه (٥) فيمن يكرِّر التكبير ويوسوس في نيّة الصلاة :

وفاترُ النيّةِ عنِّينُها

مع كثرةِ الرعدة والهمزةِ

__________________

(١) أبو عليّ عبد الرحيم بن عليّ البيساقي ثمّ المصري ، أحد أئمّة البلاغة. ولد سنة (٥٢٩) وتوفّي (٥٩٦). (المؤلف)

(٢) تاريخ ابن كثير : ١٢ / ٢٣٥ [١٢ / ٢٩٣ حوادث سنة ٥٥١ ه‍] ، الحاكم بأمر الله ص ٢٣٤ ، الأعلام : ٣ / ١٠١١ [٧ / ١٦٦ وفيه أنّه توفّي سنة ٥٥٣ ه‍]. (المؤلف)

(٣) وفيات الأعيان : ١ / ١٦٣ رقم ٦٥.

(٤) أبو الحسن أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن الحسين بن الزبير المصري ، المقتول سنة (٥٦٣). (المؤلف)

(٥) البداية والنهاية : ١٢ / ٢٩٣ حوادث سنة ٥٥١ ه‍.

٤٥٤

يكبِّر التسعينَ في مرّةٍ

كأنّه صلّى على حمزةِ (١)

وذكر له المقريزي في الخطط (٢) (٢ / ٢٩٨) في ذكر قلعة الروضة المعروفة بالجزيرة

أرى سرحَ الجزيرةِ من بعيدٍ

كأحداقٍ تغازلُ في المغازلْ

كأن مجرّة الجوزا أحاطتْ

وأثبتتِ المنازلَ في المنازلْ

ومن شعره في المذهب كما في مناقب ابن شهرآشوب (٣) ، قوله :

هي بيعةُ الرضوانِ أبرمَها التقى

وأنارها النصُّ الجليُّ وألحما

ما اضطرَّ جدّك في أبيك وصيّةً

وهو ابن عمّ أن يكون له انتمى

وكذا الحسينُ وعن أخيه حازها

وله البنون بغيرِ خُلفٍ منهما

وله في الإمام زين العابدين عليه‌السلام :

أنت الإمامُ الآمرُ العدلُ الذي

خببَ البُراقَ لجدِّه جبريلُ

الفاضلُ الأطرافِ لم يُرَ فيهمُ

إلاّ إمامٌ طاهرٌ وبتولُ

أنتم خزائنُ غامضاتِ علومِهِ

وإليكمُ التحريمُ والتحليلُ

فعلى الملائكِ أن تؤدّي وحيَهُ

وعليكمُ التبيينُ والتأويلُ (٤)

ذكر سيّدنا الأمين في أعيان الشيعة (٥) (١٧ / ٣٣٢) ابن قادوس المصري ، وقال : ذكرنا في (٦ / ٩٣) أنّا لم نعرف اسمه ، وذكرنا في (١٣ / ٢٠٦) أنّ اسمه محمود

__________________

(١) إشارة إلى ما ورد في صلاة النبي صلّي الله عليه واله وسلم علي حمزة سيّد الشهداء يوم أحد من أنّه عليه‌السلام كبّر فيها سبعين أو اثنتين وتسعين تكبيرة. (المؤلف)

(٢) الخطط والآثار : ٢ / ١٨٣.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٥٤.

(٤) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ١٤٤.

(٥) أعيان الشيعة : ٣ / ٢٩٨ ، ٢ / ٢٧٠.

٤٥٥

ابن إسماعيل بن قادوس الدمياطي المصري ، اعتماداً على ما وجدناه في الطليعة للعلاّمة السماوي من نسبة الشعر الذي في المناقب إليه ، ثمّ وجدنا في كتاب شذرات الذهب (١) في حوادث سنة (٦٣٩) ما صورته : وفيها توفّي النفيس ابن قادوس القاضي أبو الكرم أسعد بن عبد الغني العدوي. فرجّحنا أن يكون هو الذي نسب إليه ابن شهرآشوب الشعر الصريح في تشيّعه ، وترجمناه في مستدركات هذا الجزء (ص ٤٦٨) ، وسبب الترجيح وصفه بالقاضي في المناقب ، والذي كان قاضياً بنصِّ المناقب والشذرات هو أسعد لا محمود ، ومحمود إنّما كان كاتباً للعلويّين بنصِّ الطليعة ، لكن يبعده أنّ صاحب المناقب مات سنة (٥٨٨) وأسعد مات سنة (٦٣٩) ـ بعده بإحدى وخمسين سنة ـ غير أنّه يمكن نقله عنه لأنّ أسعد عاش (٩٦) سنة.

قال الأميني : ما ذكره شيخنا صاحب الطليعة هو الصواب. وقد خفي على سيّدنا الأمين أمور :

الأوّل : كون أبي الفتح ابن قادوس المترجم قاضياً وقد ذكره معاصره القاضي الرشيد المقتول (٥٦٣) في كتابه جنان الجنان ورياضة الأذهان ، ونقله عنه صاحب تاريخ حلب (٢) (٤ / ١٣٣) ، ووصفه بذلك المقريزي في الخطط (٣) (٢ / ٣٠٦) ، والدكتور عبد اللطيف حمزة في كتابه : الحركة الفكريّة في مصر (ص ٢٧١).

والثاني : أنّ المعروف بابن قادوس هو محمود شاعرنا لا أسعد ، فإنّه يُعرف بالقاضي النفيس لا بابن قادوس.

الثالث : أنّ القاضي النفيس لم يُذكر قطُّ بالأدب والشعر في أيّ معجم ، والذي يُذكر شعره في المعاجم ويُعرف بديوانه المجلّدين أبو الفتح ابن قادوس مترجمنا. والله من ورائهم محيط.

__________________

(١) شذرات الذهب : ٧ / ٣٥١.

(٢) إعلام النبلاء : ٤ / ١٢٨.

(٣) الخطط والآثار : ١ / ٤٤١.

٤٥٦

ـ ٤٧ ـ

الملك الصالح

ولد (٤٩٥)

استشهد (٥٥٦)

ـ ١ ـ

سقى الحمى ومحلاّ كنت أعهدهُ

حيا بحورٍ بصوبِ المزنِ أجودُهُ

فإن دنا الغيثُ واستسقت مرابعُه

ريّا فدمعيَ بالتسكاب ينجدُهُ

ويقول فيها :

يا راكبَ الغيِّ دع عنك الضلال فه

ـذا الرشدُ بالكوفةِ الغرّاءِ مشهدُهُ

من رُدّتِ الشمسُ من بعدِ المغيبِ له

فأدركَ الفضلَ والأملاك تشهدُهُ

ويومَ خمِّ وقد قال النبيُّ له

بين الحضورِ وشالت عضدَهُ يدُهُ

من كنت مولىً له هذا يكون له

مولىً أتاني به أمرٌ يؤكّدُهُ

من كان يخذله فاللهُ يخذلُه

أو كان يعضدُهُ فاللهُ يعضدُهُ

والباب لمّا دحاهُ وهو في سغبٍ

من الصيامِ وما يخفى تعبّدُهُ

وقلقل الحصنَ فارتاعَ اليهودُ له

وكان أكثرُهمْ عمداً يفنِّدُهُ

نادى بأعلى السما جبريلُ ممتدحاً

هذا الوصيُّ وهذا الطهرُ أحمدُهُ

وفي الفراتِ حديثٌ إذ طغى فأتى

كلٌّ إليه لخوف الهُلْكِ يقصدُهُ

٤٥٧

فقال للماء غِضْ طوعاً فبانَ لهمْ

حصباؤه حين وافاهُ يهدِّدُهُ (١)

 ـ ٢ ـ

وله من قصيدة يوجد منها (٥٧) بيتاً يمدح بها أمير المؤمنين عليه‌السلام :

وفي مواقف لا يُحصى لها عددٌ

ما كان فيها برعديدٍ ولا نكلِ

كم كربةٍ لأخيه المصطفى فُرجت

به وكان رهين الحادثِ الجللِ

كم بين من كان قد سنَّ الهروبَ ومن

في الحربِ إن زالتِ الأجبالُ لم يزُلِ

في هل أتى بيّنَ الرحمنُ رتبتَهُ

في جودِهِ فتمسّكْ يا أخي بهلِ

عليُّ قال اسألوني كي أُبينَ لكم

علمي وغيرُ عليٍّ ذاكَ لم يَقُلِ

بل قال لستُ بخيرٍ إذ وليتكمُ

فقوِّموني فإنّي غيرُ معتدلِ

إن كان قد أنكرَ الحسّادُ رتبتَهُ

فقد أقرَّ له بالحقِّ كلُّ ولي

وفي الغديرِ له الفضلُ الشهيرُ بما

نصَّ النبيُّ له في مجمعٍ حَفِلِ

 ـ ٣ ـ

قال من قصيدة ذات (٤٤) بيتاً ، أوّلها :

لا تبكِ للجيرة السارين في الظعنِ

ولا تعرّجْ على الأطلالِ والدِّمَنِ

فليسَ بعد مشيبِ الرأسِ من غزلٍ

ولا حنينٍ إلى إلفٍ ولا سَكَنِ

وتُبْ إلى اللهِ واستشفعْ بخيرتِهِ

من خلقِهِ ذي الأيادي البيضِ والمِنَنِ

محمدٌ خاتمُ الرسلِ الذي سبقت

به بشارةُ قُسٍّ وابنِ ذي يزنِ

ويقول فيها :

فاجعله ذخرَكَ في الدارينِ معتصماً

له وبالمرتضى الهادي أبي الحسنِ

__________________

(١) القصيدة (٣٩) بيتاً يوجد شطر منها في مناقب ابن شهرآشوب [٣ / ٤٠] ، والصراط المستقيم للبياضي [١ / ٣١١] ، وذكرها برمّتها العلاّمة السيّد أحمد العطّار في كتابه : [الرائق من أشعار الخلائق]. (المؤلف)

٤٥٨

وصيِّه ومواسيِهِ وناصرِه على

أعاديهِ من قيسٍ ومن يمنِ

أوصى النبيُّ إليه لا إلى أحدٍ

سواه في خمِّ والأصحابُ في عَلَنِ

فقال هذا وصيّي والخليفةُ من

بعدي وذو العلم بالمفروضِ والسننِ

قالوا سمعنا فلمّا أن قضى غدروا

والطهرُ أحمدُ ما وارَوْهُ في الجَبَنِ

 ـ ٤ ـ

وله من قصيدة (٢٧) بيتاً :

أنا من شيعةِ الإمامِ عليِ

حربُ أعدائه وسلمُ الوليِ

أنا من شيعةِ الإمامِ الذي ما

مالَ في عمرِهِ لفعلٍ دنيِ

أنا عبدٌ لصاحب الحوض ساقي

من توالى فيه بكأسٍ رويِ

أنا عبدٌ لمن أبان لنا المش

ـكلَ فارتاضَ كلَّ صعبٍ أبيِ

والذي كبّرتْ ملائكةُ الله لهِ

عند صرعة العامريِ

الإمامُ الذي تخيّره الله

بلا مرية أخاً للنبيِ

قسماً ما وقاه بالنفس لمّا

بات في الفرش عنه غير عليِ

ولعمري إذ حلَّ في يوم خمٍ

لم يكن موصياً لغيرِ الوصيِ

 ـ ٥ ـ

وله من قصيدة ذات (٤١) بيتاً مطلعها :

ما كانَ أوّلَ تائهٍ بجمالِهِ

بدرٌ منالُ البدرِ دونَ منالهِ

متباينٌ فالعدلُ من أقوالِهِ

ليغرَّنا والجورُ من أفعالهِ

صرعَ الفؤادَ بسحرِ طرفٍ فاترٍ

حتى دنا فأصابه بنبالهِ

متعوِّدٌ للرمي حاجبُهُ غدا

من قسْيِهِ واللحظُ بعضُ نصالهِ

ما بلبلَ الأصداغَ فوق عِذارِهِ

إلاّ انطوى قلبي على بِلبالهِ

يبغي مغالطةَ العيونِ بها لكي

يخفي عقاربه مدبَّ صلالهِ

٤٥٩

ويظلُّ من ثقل الغلالةِ يشتكي

ما يشتكيه القلب من أغلالهِ

جعل السهادَ رقيبَ عيني في الدجى

كي لا ترى في النومِ طيفَ خيالهِ

وحفظتُ في يديَ اليمينِ ودادَهُ

جَهدي وضيّع مهجتي بشمالهِ

وأباحَ حسّادي مواردَ سمعِهِ

وحميتُ وردَ السمعِ عن عذّالهِ

أغراه تأنيسي له بنفاره

عنّي وإذلالي بفرط دلالهِ

ولربّما عاتبته فيقول لي

قولاً يكذِّبه بفتحِ فعالهِ

كمعاشرٍ أخذ النبيُّ عهودَهُمْ

واستحسنوا الغدرَ الصراحَ بآلهِ

خانوه في أموالِهِ وزروا على

أفعالِهِ وعصوه في أقوالهِ

هذا أميرُ المؤمنين ولم يكنْ

في عصرِهِ من حاز مثلَ خصالهِ

العلمُ عند مقالِه والجودُ حي

ـنَ نوالِهِ والبأسُ يومَ نزالهِ

وأخوه من دون الورى وأمينه

قِدماً على المخفيِّ من أحوالهِ

وصّاهُمُ بولايةٍ فكأنّما

وصّاهمُ بخلافِهِ وقتالهِ

واستنقصوا الدين الحنيفَ بكتمهمْ

يومَ الغديرِ وكان يومَ كمالهِ

أخذنا هذه القصائد من كتاب الرائق لسيّدنا العلاّمة السيّد أحمد العطّار ، وقد ذكر فيه شطراً مهمّا من شعر الملك الصالح في العترة الطاهرة ، ولعلّه جلّ ما فيهم.

الشاعر

أبو الغارات الملك الصالح فارس المسلمين نصير الدين طلائع بن رزّيك بن الصالح الأرمني (١) أصله من الشيعة الإماميّة في العراق ، كما في أعلام الزركلي (٢).

__________________

(١) بكسر الهمزة وكسر الميم نسبة إلى أرمينية على غير قياس ، وهي اسم لصقع عظيم واسع. (المؤلف) [قال ياقوت في معجم البلدان : ١ / ١٦٠ : إرمينية بكسر أوله وبفتح ... والنسبة إليها أرمِني على غير قياس ، بفتح الهمزة وكسر الميم].

(٢) الأعلام : ٣ / ٢٢٨.

٤٦٠