الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨

بعض العهود خمسمائة صاحب محبرة يكتبون الحديث ، ومطلع القصيدة :

ليلي بتنِّيسَ ليلُ الخائفِ العاني

تفنى الليالي وليلي ليس بالفاني

وينمُّ عن توغّله في المجون قوله من قصيدة :

كفّي ملامَكِ ياذاتَ الملاماتِ

فما أريد بديلاً بالرقاعاتِ

كأ نّني وجنودُ الصقعِ تتبعني

وقد تلوتُ مزاميرَ الرطاناتِ

قِسّيسُ ديرٍ تلا مزمارَهُ سحراً

على القسوسِ بترجيعٍ ورنّاتِ

وقد مجنتُ وعلّمتُ المجونَ فما

أُدعى بشيء سوى ربِّ المجاناتِ

وذاك أنّي رأيت العقل مُطَّرَحاً

فجئتُ أهلَ زماني بالحماقاتِ

وقوله من قصيدة :

ففيَّ ما شئتَ من حمقٍ ومن هوسٍ

قليلُهُ لكثير الحمقِ إكسيرُ

كم رامَ إدراكَهُ قومٌ فأعجزَهمْ

وكيف يُدرَكُ ما فيهِ قناطيرُ

لأشكرنَّ حماقاتي لأنّ بها

لواءَ حمقيَ في الآفاقِ منشورُ

ولستُ أبغي بها خِلاّ ولا بدلاً

هيهاتَ غيري بتركِ الحمقِ معذورُ

لا عيبَ فيَّ سوى أنِّي إذا طربوا

وقد حضرتُ يُرى في الرأس تفجيرُ

وقوله من قصيدة :

فاسمعنْ منِّي ودعني

من كثيرٍ وقليلِ

وصغيرٍ وكبيرٍ

ودقيقٍ وجليلِ

قد ربحنا بالحما

قاتِ على أهل العقولِ

فرعى اللهُ ويُبقي

كلَّ ذي عقل قليلِ

ما له في الحمقِ والخف

فَةِ مثلي من عديلِ

فمتى أُذكَرُ قالوا

شيخُنا طبلُ الطبولِ

١٦١

شيخُنا شيخٌ ولكن

ليس بالشيخ النبيلِ

وأكثر شعره جيّد على أسلوب صريع الدلاء والقصّار البصري كما قاله ابن خلّكان (١) ، ويُستشهد بشعره في الأدب كما في باب المشاكلة (٢) من التلخيص وسائر كتب البيان ، وقد استشهد عليها بقوله :

قالوا اقترح شيئاً نجدْ لك طبخَهُ

قلت اطبخوا لي جبّةً وقميصا

قال السيّد العبّاسي في معاهد التنصيص (٣) (١ / ٢٢٥) : هو قول أبي الرقعمق ، يروى أنّه قال : كان لي إخوان أربعة وكنت أنادمهم أيّام الأستاذ كافور الأخشيدي ، فجاءني رسولهم في يوم بارد وليست لي كسوة تحصنني من البرد ، فقال : إخوانك يقرأون عليك السلام ويقولون لك : قد اصطبحنا اليوم وذبحنا شاةً سمينة فاشتهِ علينا ما نطبخ لك منها ، قال : فكتبت إليهم :

إخوانُنا قصدوا الصبوحَ بسحرةٍ

فأتى رسولُهمُ إليّ خصوصا

قالوا اقترح شيئاً نجدْ لك طبخَهُ

قلت اطبخوا لي جبّةً وقميصا

قال : فذهب الرسول بالرقعة ، فما شعرت حتى عاد ومعه أربع خلع وأربع صُرَر في كلّ صُرّة عشرة دنانير ، فلبست إحدى الخلع وسرت إليهم.

ترجمه الثعالبي في يتيمة الدهر (٤) (١ / ٢٦٩ ـ ٢٩٦) وذكر من شعره أربعمائة وأربعة وتسعين بيتاً ، وقال : نادرة الزمان ، وجملة الإحسان ، وممّن تصرّف بالشعر الجزل في أن واع الجدّ والهزل ، وأحرز قصد الفضل ، وهو أحد المُدّاح المجيدين

__________________

(١) وفيات الأعيان : ١ / ١٣٢ رقم ٥٤.

(٢) هي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته ، كقول أبي الرقعمق : اطبخوا ، وإرادة خيطوا. (المؤلف)

(٣) معاهد التنصيص : ٢ / ٢٥٢ رقم ١١٩.

(٤) يتيمة الدهر : ١ / ٣٧٩ ـ ٤٠٨.

١٦٢

والفضلاء المحسنين ، وهو بالشام كابن الحجّاج بالعراق. ولعلّ كونه كابن الحجّاج ـ السابق ذكره ـ ينمُّ عن تشيّعه ؛ فإنّ ذلك أظهر أوصاف ابن الحجّاج وأجلّ ما يُؤثر عنه ، فقد عرفه من عرفه بولائه الصلب لأهل بيت الوحي عليهم‌السلام والتجهّم أمام أضدادهم والوقيعة فيهم ، فقاعدة التشبيه تستدعي أن يكون شاعرنا المترجَم مثله أو قريباً منه ، على أنّ صاحب نسمة السحر (١) عدّه ممّن تشيّع وشعر ، وعقد له ترجمةً ضافية الذيول.

نعم ؛ ويشبه ابن الحجّاج في تغلّب المجون على شعره ، ولا يبعد جدّا أن يكون هذا مرمى كلام الثعالبي. ومن شعره قصيدة في ممدوحٍ (٢) له علويٍّ ، منها قوله (٣):

وعجيبٌ والحسينُ له

راحةٌ بالجودِ تنسكبُ

إنّ شربي عنده رَنَقٌ

ولديهِ مربعي جدِبُ

وله الوِردُ المُعاذُ به

والجنابُ المُمرِعُ الخصبُ

وهو الغيثُ المُلِثُّ إذا

أعوزتنا دَرَّها السحبُ (٤)

وإلى الرسّيّ ملجؤنا

من صروف الدهر والهربُ

سيّدٌ شادتْ علاه له

في العلا آباؤه النجبُ

وله بيتٌ تُمَدُّ له

فوق مجرى الأنجمِ الطنبُ

حسبه بالمصطفى شرفاً

وعليٍّ حين ينتسبُ

رتبةٌ في العزِّ شامخةٌ

قصرتْ عن نَيلِها الرتبُ

__________________

(١) نسمة السحر : مج ٦ / ج ١ / ٣٠.

(٢) هو نقيب الأشراف بمصر ، أبو إسماعيل إبراهيم بن أحمد بن محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن ترجمان الدين أبي محمد القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن المثنّى الرسّيّ المتوفّى سنة ٣٦٥. راجع تاج العروس : ٤ / ١٦١. (المؤلف)

(٣) يتيمة الدهر : ١ / ٣٨٩.

(٤) ألَثَّ المطر : أي دام أيّاماً لا ينقطع.

١٦٣

ذاك فخرٌ ليس تنكرُهُ

لكمُ عجمٌ ولا عربُ

ولأنتمْ من بفضلهمُ

جاءتِ الأخبارُ والكتبُ

وإليكم كلُّ منقبةٍ

في الورى تُعزى وتُنتسبُ

وبكم في كلِّ معركةٍ

تفخرُ الهنديّةُ القضُبُ

وبكم في كلِّ عارفةٍ

تُرفعُ الأستارُ والحجبُ

وإذا سمرُ القنا اشتجرتْ

فبكمْ تُستكشَفُ الكُرَبُ

وله من قصيدة أوّلها :

باح وجداً بهواهُ

حين لم يُعطَ مُناهُ

مغرمٌ أغرى به السق

ـمُ فما يُرجى شفاهُ

كاد يُخفيهِ نحولُ ال

ـجسمِ حتى لا تراهُ

لو ضناً يُخفي عن ال

ـعين لأخفاه ضناهُ

ومنها قوله :

حبّذا الرسّيُّ مولىً

رضيَ الناسُ ولاهُ

جعلَ اللهُ أعادي

ـهِ من السوءِ فداهُ

فلقد أيقنَ بالثر

وةِ من حلَّ ذراهُ

من رقى حتى تناهى

في المعالي مرتقاهُ

فاق أن يبلغَ في ال

ـسؤددِ والمجدِ مداهُ

ملكٌ مذ كان بال

ـسطوةِ ممنوعٌ حماهُ

بحرُ جودٍ ليس يُدرى

أينَ منهُ منتهاهُ

لم يَضِعْ من كان إبرا

هيمُ في الناس رجاهُ

لا ولا يفرقَ من

صرفِ زمانٍ إن عراهُ

١٦٤

من به استكفى أذى ال

أيّام والدهرَ كفاهُ

كيف لا أمدحُ من لم

يخلُ خلقٌ من نداهُ

ومن غرر محاسنه قوله يمدح من قصيدة ، أوّلها :

قد سمعنا مقالَه واعتذاره

وأقلناه ذنبَهُ وعِثاره

والمعاني لمن عنيتُ ولكن

بك عرّضتُ فاسمعي يا جاره

من مراديه أنّه أبد الده

ـر تراه محلّلاً أزراره

عالمٌ أنّه عذابٌ من اللّ

ـه‍ مباحٌ لأعينِ النظّاره

هتكَ اللهُ سترَهُ فَلَكَم ههت

تّك من ذي تستّرٍ أستار

سحرتني ألحاظُه وكذا ك

ـلُّ مليحٍ ألحاظُه سحّاره

ما على مؤثر التباعدِ والإ

عراضِ لو آثرَ الرضا والزياره

وعلى أنّني وإن كان قد عذّ

بَ بالهجرِ مؤثرٌ إيثاره

لم أزل لا عَدمتُه من حبيبٍ

أشتهي قربه وآبي نفاره

يقول في مدحها :

لم يدَعْ للعزيزِ في سائرِ الأر

ض عدوّا إلاّ وأخمدَ ناره

فلهذا اجتباه دون سوا

هُ واصطفاه لنفسِهِ واختاره

لم تشيِّد له الوزارةُ مجداً

لا ولا قيل رفّعَتْ مقداره

بل كساها وقد تخرّمها الده

ـرُ جلالاً وبهجةً ونضاره

كلَّ يومٍ له على نُوَب الده

ـر وكرِّ الخطوبِ بالبذلِ غاره

ذو يدٍ شأنُها الفرارُ من البُخ

ـلِ وفي حومةِ الوغى كرّاره

هيَ فلّتْ عن العزيز عِداه

بالعطايا وكثّرتْ أنصاره

هكذا كلُّ فاضلٍ يدُه تُم

ـسي وتُضحي نفّاعةً ضرّاره

فاستجرْهُ فليس يأمنُ إلاّ

من تَفَيّا بظلّه واستجاره

١٦٥

فإذا ما رأيته مطرِقاً يُعْ

ـمِلُ فيما يريدُهُ أفكاره

لم يدَعْ بالذكاءِ والذهنِ شيئاً

في ضميرِ الغيوب إلاّ أناره

لا ولا موضعاً من الأرضِ إلاّ

كان بالرأي مدركاً أقطاره

زادهُ اللهُ بسطةً وكفاهُ

خوفَه من زمانِه وحذاره

وذكر النويري من شعره في نهاية الأرب (١) في الجزء الثالث (ص ١٩٠) قوله :

لو نيلَ بالمجدِ في العلياءِ منزلةٌ

لنال بالمجدِ أعناقَ السماواتِ

يرمي الخطوبَ برأيٍ يُستضاء به

إذا دجا الرأيُ من أهلِ البصيراتِ

فليس تلقاهُ إلاّ عند عارفِهِ

أو واقفاً في صدور السمهريّاتِ (٢)

ترجمه ابن خلّكان في تاريخه (٣) (١ / ٤٢) وقال بعد الثناء عليه ونقل كلام الثعالبي المذكور وذكر أبياتٍ من شعره : وذكره الأمير المختار المسبِّحي في تاريخ مصر ، وقال : توفّي سنة تسع وتسعين وثلاثمائة ، وزاد غيره في يوم الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان ، وقيل : في شهر ربيع الآخر ، وأظنّه توفّي بمصر.

وترجمه (٤) اليافعي وأرّخ وفاته كما ذُكر في مرآة الجنان (٢ / ٤٥٢) ، وابن العماد الحنبلي في الشذرات (٣ / ١٥٥) ، والسيّد العبّاسي في معاهد التنصيص (١ / ٢٢٦) ، والزركلي في الأعلام (١ / ٧٤) ، وصاحب تاريخ آداب اللغة (٢ / ٢٦٤)

__________________

(١) نهاية الأرب : ٣ / ١٩٤.

(٢) هذه أبيات من قصيدة ذكرها الثعالبي في اليتيمة : ١ / ٢٧٤ [١ / ٣٨٥]. (المؤلف)

(٣) وفيات الأعيان : ١ / ١٣١ رقم ٥٤.

(٤) شذرات الذهب : ٤ / ٥١٩ حوادث سنة ٣٥٩ ه‍ ، معاهد التنصيص : ٢ / ٢٥٣ رقم ١١٩ ، الأعلام : ١ / ٢١٠ ، مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة ـ تاريخ آداب اللغة العربية ـ : مج ١٤ / ١٠٢.

١٦٦

ـ ٣٠ ـ

أبو العلاء السرَوي

عليٌّ إماميَ بعدَ الرسولِ

سيشفعُ في عَرصةِ الحقِّ لي

ولا أدّعي لعليٍّ سوى

فضائلَ في العقلِ لم يشكلِ

ولا أدّعي أنّه مرسَلٌ

ولكن إمامٌ بنصٍّ جلي

وقول الرسول له إذ أتى

له شبهُ الفاضل المفضلِ

ألا إنّ من كنتُ مولىً له

فمولاه من غيرِ شكٍّ علي (١)

الشاعر

أبو العلاء محمد بن إبراهيم السروي ، هو شاعر طبرستان الأوحد ، وعلم الفضيلة المفرد ، وله مساجلات ومكاتبات مع أبي الفضل بن العميد المتوفّى سنة (٣٦٠) ، وله كتب وشعر رائع ومُلَح كثيرة ، ذكرت في اليتيمة (٢) منها جملةٌ صالحةٌ (٤ / ٤٨) ، وفي محاسن أصبهان (ص ٥٢ و ٥٦) ، وفي نهاية الأرب في فنون الأدب (٣) ،

__________________

(١) ذكرها ابن شهرآشوب في المناقب : ١ / ٥٣١ طبع إيران [٣ / ٣٩] ، ويعبّر عن المترجم في المناقب بأبي العلاء بلا قيد زائد كما يظهر عنه عند نقله بعض أبيات قصيدته الفائية في : ٢ / ١٣٩ [٣ / ٤٤٧]. (المؤلف)

(٢) يتيمة الدهر : ٤ / ٥٦.

(٣) نهاية الأرب : ٢ / ٣٨.

١٦٧

ومن شعره في وصف طبرستان ما ذكره الحموي في معجم البلدان (١) (٦ / ١٨) وهو :

إذا الريحُ فيها جرّتِ الريحَ أعجلتْ

فواختَها في الغصنِ أن تترنّما

فكم طيّرتْ في الجوّ ورداً مُدنّراً

يقلِّبه فيه وورداً مُدرهَما (٢)

وأشجارُ تفّاحٍ كأن ثمارَها

عوارضُ أبكارٍ يُضاحكنَ مُغرَما

فإن عقدَتها الشمسُ فيها حسبتَها

خدوداً على القضبانِ فذّا وتوأما

ترى خطباءَ الطيرِ فوق غصونِها

تبثُّ على العشّاق وجداً مُعتّما

وله في مدح أهل البيت عليهم‌السلام قوله ـ ذكره ابن شهرآشوب في المناقب (٣) (٢ / ٧٣) طبع إيران :

ضدّانِ جالا على خدّيك فاتّفقا

من بعدما افترقا في الدهر واختلفا

هذا بأعلامِ بيضٍ اغتدى فبَدا

وذا بأعلامِ سودٍ انطوى فعفا

أعجِبْ بما حكيا في كتبِ أمرِهما

عن الشعارينِ في الدنيا وما وصفا

هذا ملوكُ بني العبّاس قد شرعوا

لبسَ السواد وأبقوه لهم شرفا

وذي كهولُ بني السبطين رايتُهم

بيضاءُ تخفق إمّا حادثٌ أزفا

كم ظلَّ بين شبابٍ لا بقاءَ له

وبين شَيْبٍ عليهِ بالنهى عطفا

هل المشيبُ إلى جنبِ الشبابِ سوى

صبحٍ هنالك عن وجهِ الدجى كشفا

وهل يُؤدّي شبابٌ قد تعقّبه

شيبٌ سوى كدرٍ أعقبتَ منه صفا

لو لم يكنْ لبني الزهراءِ فاطمةٍ

من شاهدٍ غير هذا في الورى لكفى

فرايةٌ لبني العبّاس عابسةٌ

سوداءُ تشهد فيه التيهَ والسرفا

ورايةٌ لبني الزهراءِ زاهرةٌ

بيضاءُ يَعرفُ فيها الحقَّ من عرفا

__________________

(١) معجم البلدان : ٤ / ١٤.

(٢) المدنّر : أي الشبيه بالدينار ، كنّى بذلك عن حمرة الورد ، وورد مدرهم : أي يشبه الدرهم في بياضه.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١٥٠ ، ٣٤٥ ، ٤٤٧ و ٢ / ١٠٠.

١٦٨

شهادةٌ كشفت عن وجهِ أمرِهما

فبُح بها وانتصف إن كنتَ مُنتصِفا

حاز النبيُّ وسبطاه وزوجتُه

مكان ما أفنتِ الأقلامَ والصحفا

والفخر لو كان فيهم صورةً جسداً

عادت فضائلُهم في أذنِهِ شنفا

وقد تناكرتِ الأحلامُ وانقلبتْ

فيهم فأصبحَ نورُ الله مُنكسفا

ألا أضاءَ لهم عنها أبو حسنٍ

بعلمِهِ وكفاهم حرَّها وشفا

وهل نظيرٌ له في الزهدِ بينهمُ

ولو أصاخَ لدنيا أو بها كلفا

وهل أطاع النبيَّ المصطفى بشرٌ

من قبله وحذا آثارَهُ وقفا

وهل عرَفنا وهل قالوا سواه فتىً

بذي الفقارِ إلى أقرانِه زلَفا

يدعو النزال وعجلُ القومِ محتبسٌ

والسامريُّ بكفِّ الرعبِ قد نزفا

مفرِّجٌ عن رسولِ اللهِ كربتَهُ

يوم الطعانِ إذا قلبُ الجبانِ هفا

تَخالُهُ أسداً يحمي العرينَ إذا

يوم الهياجِ بأبطالِ الوغى رجفا

يُظِلُّهُ النصرُ والرعبُ اللذان هما

كانا له عادةً إن سار أو وقفا

شواهدٌ فرضتْ في الخلقِ طاعتَهُ

برغمِ كلِّ حسودٍ مالَ وانحرفا

ثمّ الأئمّةُ من أولادِه زُهُرٌ

مُتَوّجون بتيجانِ الهدى حُنُفا

من جالسٍ بكمال العلمِ مشتهرٍ

وقائمٍ بغرارِ السيف قد زحفا

مطهّرون كرامٌ كلُّهم عَلَمٌ

كمثل ما قيل كشّافون لا كُشُفا

وله في يتيمة الدهر (١) (٤ / ٤٨).

مررنا على الروض الذي قد تبسّمتْ

ذراه وأوداجُ الأبارقِ تُسفَكُ

فلم نَرَ شيئاً كان أحسن منظراً

من الروض يجري دمعُهُ وهو يضحكُ

وله في النرجس :

حيِّ الربيعَ فقد حيّا بباكورِ

من نرجسٍ ببهاءِ الحسنِ مذكورِ

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٤ / ٥٦ ، ٥٧.

١٦٩

كأنّما جفنُهُ بالغُنجِ منفتحاً

كأسٌ من التبرِ في منديلِ كافورِ

وله في النرجس ـ ذكرها صاحبا الظرائف واللطائف (١) (ص ١٥٩) وحلبة الكميت (ص ٢٠٣):

انظر إلى نرجسٍ تبدّتْ

صبحاً لعينيكَ منه طاقه

واكتب أسامي مُشَبِّهيهِ

بالعينِ في دفترِ الحماقه

وأيّ حُسنٍ يُرى لطرفٍ

مع يَرقانٍ يحلُّ ماقه (٢)

كرّاثةٌ رُكّبتْ عليها

صفرةُ بيضٍ على رُقاقه

وكتب إليه شاعرٌ غريبٌ يشكو إليه حجّابه أبياتاً منها :

جئتُ إلى الباب مراراً فما

إن زرتُ إلاّ قيلَ لي قد ركِبْ

وكان في الواجب يا سيّدي

أن لا تُرى عن مثلِنا تحتجِبْ

فأجابه على ظهر رقعته :

ليس احتجابي عنك من جفوةٍ

وغفلةٍ عن حرمةِ المغتربْ

لكنْ لدهرٍ نَكِدٍ خائنٍ

مقصِّرٍ بالحرِّ عمّا يجبْ

وكنت لا أحجبُ عن زائرٍ

فالآن من ظلِّيَ قد أحتجب

وذكر الثعالبي في ثمار القلوب (٣) (ص ٣٥٤) له قوله :

أما ترى قُضُبَ الأشجارِ قد لبِستْ

أنوارَها تنثني ما بين جُلاّسِ

منظومةً كسموطِ الدرِّ لابسةً

حسناً يُبيح دمَ العنقودِ للحاسي

وغرّدتْ خطباءُ الطيرِ ساجعةً

على منابرَ من وردٍ ومن آسِ

__________________

(١) الظرائف واللطائف : ص ١١٨ باب ١٠٨.

(٢) ماق العين وموقها : مؤخرها.

(٣) ثمار القلوب : ص ٤٤٧ رقم ٧٢١.

١٧٠

خطباء الطير في الشعر هي : الفواخت والقماري والرواشن والعنادل وما أشبهها.

قال الثعالبي : أظنُّ أوّل من اخترع هذه الاستعارة المليحة أبو العلاء السروي في قوله المذكور. وذكر له صاحب محاسن أصبهان (ص ٥٢) في الوصف قوله :

أَوَما ترى البستانَ كيف تجاوبتْ

أطيارُهُ وزها لنا ريحانُهُ

وتضاحكت أنوارُهُ وتسلسلتْ

أنهارُهُ وتعارضتْ أغصانُهُ

وكأنّما يفترُّ غبَّ القطرِ عن

حُلَلٍ نشرنَ رياضهُ وجنانهُ

وذكر له (ص ٥٦) قوله :

كأنّ حمامَ الروضِ نشوانُ كلّما

ترنّمَ في أغصانِه وترحّجا

فلاذ نسيمُ الجوِّ من طولِ سيرِهِ

حسيراً بأطرافِ الغصونِ مطلّجا

وللصاحب بن عبّاد أبيات كتبها إلى المترجَم له ، ذكرها المافرّوخي في محاسن أصبهان (ص ١٤) وهي :

أبا العلاءِ ألا أبشرْ بمقدمِنا

فقد وردنا على المهريّةِ القودِ

هذا وكان بعيداً أن أراجعَكمْ

على التعاقبِ بين البيضِ والسودِ

من بعد ما قرُبتْ بغدادُ تطلبُني

واستنجزْتنيَ بالأهوازِ موعودي

وراسلتني بأن بادِرْ لتملكَني

ويجريَ الماءُ ماءُ الجود في العودِ

فقلتُ لا بدّ من جَيٍّ (١) وساكِنِها

ولو رددت شبابي خير مردودِ

فإنّ فيها أودّائي ومعتمدي

وقربها خيرُ مطلوبٍ ومنشودِ

ألستُ أَشهدُ إخواني ورؤيتُهم

تفي بملكِ سليمانَ بنِ داودِ

كان المترجَم يتعصّب للعجم على العرب ، فكتب إليه ابن العميد رسالةً ينكر

__________________

(١) جَيّ : اسم مدينة ناحية أصبهان القديمة.

١٧١

فيها تعصّبه بقوله : اقبل وصيّة خليلك ، وامتثل شَوْرة نصيحك ، ولا تتمادَ في ميدان الجهل ينضّك ، ولا تتهافت في إلحاحٍ يغرّك ، واخش يا سيّدي أن يُقال : التحمت حرب البسوس من دم ضرع (١) ، واشتبكت حرب غطفان من أجل بعير قُرع ، وقُتل ألف فارسٍ برغيف الحولاء ، وصبَّ الله على العجم سوط عذاب بمزاح أبي العلاء (٢).

البيان :

حرب البسوس : البسوس بنت منقذ التميميّة ، زارت أختها أمّ جسّاس بن مرّة ، ومع البسوس جار لها من جرم يقال له سعد بن شمس ، ومعه ناقة له ، فرماها كليب وائل لمّا رآها في مرعىً قد حماه ، فأقبلت الناقة إلى صاحبها وهي ترغو وضرعها يش خب لبناً ودماً ، فلمّا رأى ما بها انطلق إلى البسوس فأخبرها بالقصّة ، فقالت :

وا ذلاّه وا غربتاه ، وأنشأت تقول أبياتاً تسمّيها العرب أبيات الفناء ، وهي :

لعمريَ لو أصبحتُ في دارِ مُنقذٍ

لما ضيم سعدٌ وهو جارٌ لأبياتي

ولكنّني أصبحتُ في دارِ غربةٍ

متى يعدُ فيها الذئبُ يعدُ على شاتي

فيا سعد لا تغرر بنفسك وارتحلْ

فإنّك في قومٍ عن الجارِ أمواتِ

ودونك أذوادي فخذها وآتني

بها حلّة لا يغدرون ببنياتي (٣)

فسمعها ابن اختها جسّاس فقال لها : أيّتها الحرّة اهدئي ، فوالله لأقتلنّ بلقحة (٤) جارك كليباً ، ثمّ ركب فخرج إلى كليب فطعنه طعنة أثقلته فمات منها ، ووقعت الحرب بين بكر وتغلب ، فدامت أربعين سنة ، وجرت خطوب وصار شؤم البسوس مثلاً ، ونُسِبت الحرب إليها وهي من أشهر حروب العرب.

__________________

(١) في المصدر ضرعٍ دَمِيَ.

(٢) ذكرها الثعالبي في ثمار القلوب : ص ٢٤٨ [ص ٣١٠ رقم ٤٦٨].

(٣) البنيات : الطرق الصغار ، تريد : عجّل السفر قبل أن يقطعوا الطريق عليَّ. (المؤلف)

(٤) اللقحة : الناقة الحامل. (المؤلف)

١٧٢

رغيف الحولاء : من أمثال العرب المشهورة : أشأم من رغيف الحولاء (١) ، كانت الحولاء خبّازة في بني سعد بن زيد مناة ، فمرّت وعلى رأسها كارة خبز ، فتناول رجلٌ من ر أسها رغيفاً ، فقالت : والله مالك عليَّ حقّ ولا استطعمتني ، فلِمَ أخذت رغيفي؟ أما إنّك ما أردت بهذا إلاّ فلاناً ـ تعني رجلاً كانت في جواره ـ فمرّت إليه شاكيةً ، فثار وثار معه قومه إلى الرجل الذي أخذ الرغيف وقومه ، فقُتل بينهم ألف نفس ؛ وصار رغيف الحولاء مثلاً في الشيء اليسير يجلب الخطب الكبير.

سوط عذاب : من استعارات الكتاب الكريم ، قال الله تعالى : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) (٢).

وذكر له النويري في نهاية الأرب (٣) (٢ / ٢٣).

حيّ شَيْباً أتى لغيرِ رحيلِ

وشباباً مضى لغير إيابِ

أيُّ شيءٍ يكون أحسنَ من عا

جِ مشيبٍ في آبنوسِ شبابِ

__________________

(١) مجمع الأمثال : ٢ / ١٩٣ رقم ٢٠٣٩.

(٢) الفجر : ١٣.

(٣) نهاية الأرب : ٢ / ٣٨.

١٧٣
١٧٤

ـ ٣١ ـ

أبو محمد العوني

إمامي له يومَ الغديرِ أقامَهُ

نبيُّ الهدى ما بين من أنكرَ الأمرا

وقامَ خطيباً فيهمُ إذ أقامَهُ

ومن بعد حمدِ اللهِ قالَ لهم جهرا

ألا إنّ هذا المرتضى بعلُ فاطمٍ

عليُّ الرضا صهري فأَكرمْ به صهرا

ووارثُ علمي والخليفةُ فيكمُ

إلى الله من أعدائِه كلّهم أبرا

سمعتم؟ أطعتم؟ هل وعيتم مقالتي؟

فقالوا جميعاً ليس نعدو له أمرا

سمعنا أطعنا أيّها المرتضى فكن

على ثقةٍ منّا وقد حاولوا غدرا (١)

ومنها قوله مشيراً إلى حديثٍ مرَّ في الجزء الثاني (ص ٣٢٠):

وفي خبرٍ صحّتْ روايتُهُ لهم

عن المصطفى لا شكَّ فيه فيستبرا

بأن قال لمّا أن عرجتُ إلى السما

رأيتُ بها الأملاكَ ناظرةً شزرا

إلى نحوِ شخصٍ حِيلَ بيني وبينه

لعُظمِ الذي عاينتُه منه لي خيرا

فقلت حبيبي جبرئيل من الذي

تلاحظه الأملاكُ قال لك البشرى

فقلت ومن ذا قال عليُّ الرضا

وما خصّه الرحمنُ من نِعَمٍ فخرا

تشوّقتِ الأملاكُ إذ ذاك شخصَهُ

فصوّره الباري على صورةٍ أُخرى

فمال إلى نحو ابن عمٍّ ووارثٍ

على جذلٍ منه بتحقيقِهِ خُبْرا (٢)

__________________

(١) مناقب ابن شهرآشوب : ١ / ٥٣٢ طبع إيران [٣ / ٤٠]. (المؤلف)

(٢) : ٢ / ٢٦٧ مناقب ابن شهرآشوب.

١٧٥

ومن شعره في الغدير كما في المناقب لابن شهرآشوب (١) (١ / ٥٣٧) ـ طبع إيران ـ قوله :

أليس قامَ رسولُ اللهِ يخطبُهمْ

يومَ الغديرِ وجمعُ الناسِ محتفلُ

وقال من كنتُ مولاه فذاك له

من بعدُ مولىً فواخاهُ وما فعلوا

لو سلّموها إلى الهادي أبي حسنٍ

كفى البرايا ولم تستوحشِ السبلُ

هذا يُطالبُه بالضعفِ محتقباً

وتلك يحدو بها في سعيِها جملُ

وله من قصيدة فى المناقب (٢) (١ / ٥٣٨) ـ طبع إيران ـ قوله :

فقالَ رسولُ الله هذا لأمّتي

هو اليوم مولىً ربّ ما قلتُ فاسمعِ

فقام جَحودٌ ذو شقاقٍ منافقٌ

ينادي رسولَ اللهِ من قلب موجعِ

أعَن ربِّنا هذا أم انت اخترعتَهُ

فقالَ معاذَ الله لستُ بمُبدعِ

فقال عدوُّ الله لا همّ إن يكن

كما قال حقّا بي عذاباً فأوقعِ

فعوجل من أفقِ السماءِ بكفرِهِ

بجندلةٍ فانكبَّ ثاوٍ بمصرعِ

وله من قصيدة كبيرة يمدح بها أمير المؤمنين عليه‌السلام ويسمّي الأئمّة المعصومين :

إنّ رسولَ اللهِ مصباحُ الهدى

وحجّةُ اللهِ على كلِّ البشرْ

جاء بفرقانٍ مبينٍ ناطقٍ

بالحقِّ من عند مليكٍ مقتدرْ

فكان من أوّلِ من صدّقَهُ

وصيُّهُ وهو بسنّ ما ثغرْ (٣)

ولم يكنْ أشركَ باللهِ ولا

دنّسَ يوماً بسجودٍ لحجَرْ

فذاكمُ أوّلُ من آمنَ بال

ـله ومن جاهدَ فيهِ ونصرْ

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٥٠.

(٢) : ص ٥١ مناقب آل أبي طالب.

(٣) ثغر الصبي : نبت ثغره ، والثغر ، مقدّم الأسنان. (المؤلف)

١٧٦

أوّلُ من صلّى من القومِ ومن

طاف ومَن حجَّ بنسكٍ واعتمرْ

من شاركَ الطاهرَ في يومِ العبا

في نفسه من شكَّ في ذاك كفرْ

من جادَ بالنفسِ ومن ضنَّ بها

في ليلةٍ عند الفراشِ المشتهرْ

من صاحبُ الدار الذي انقضَّ بها

نجمٌ من الجوّ نهاراً فانكدرْ

من صاحبُ الرايةِ لمّا ردّها

بالأمس بالذلِّ قبيعٌ وزُفَرْ

من خُصّ بالتبليغِ في براءةٍ

فتلك للعاقل من إحدى العِبَرْ

من كان في المسجد طَلْقاً بابُهُ

حلاّ وأبوابُ أُناسٍ لم تُذرْ

من حاز في خمٍّ بأمرِ اللهِ ذا

كَ الفضلَ واستولى عليهم واقتدرْ

من فازَ بالدعوةِ يومَ الطائرِال

ـمشويِّ من خُصّ بذاك المفتخرْ

من ذا الذي أُسري به حتى رأى ال

ـقدرةَ في حندسِ ليلٍ معتكرْ

من خاصفُ النعلِ ومن خبّركمْ

عنه رسولُ اللهِ أنواعَ الخبرْ

سائل به يوم حُنينٍ عارفاً

من صدقَ الحربَ ومن ولّى الدبُرْ

كليمُ شمسِ اللهِ والراجعُها

من بعد ما انجابَ ضياها واستترْ

كليمُ أهلِ الكهفِ إذ كلّمهمْ

في ليلةِ المسحِ فسلْ عنها الخبرْ

وقصّة الثعبان إذ كلّمه

وهو على المنبرِ والقومُ زُمَرْ

والأسدُ العابسُ إذ كلّمَهُ

معترفاً بالفضلِ منه وأقرْ

بأنّه مستخلَفُ اللهِ على الأ

مّةِ والرحمنُ ما شاء قَدَرْ

عيبةُ علمِ اللهِ والبابُ الذي

يُؤتى رسولُ اللهِ منه المشتهرْ (١)

له من قصيدة :

أيا أُمّةَ السوءِ التي ما تيقّظتْ

لما قد خلتْ فيها من المثُلاتِ

وقد وترتْ آلَ النبيِّ ورهطَهُ

على قَدَر الأيّامِ أيَّ تراتِ

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٣٥ ، ٣ / ٣٣٥.

١٧٧

وقد غدرتْ بالمرتضى علمِ الهدى

إمامِ البرايا كاشفِ الكرباتِ

ببدرٍ وأُحدٍ والنضير وخيبرٍ

ويوم حُنينٍ ساعة الهبواتِ (١)

وصاحب خُمٍّ والفراش وفضله

ومن خُصَّ بالتبليغ عند براةِ (٢)

وله من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عليه‌السلام :

والله ألبسه المهابة والحجا

وربا به أن يعبُدَ الأصناما

مازال يغذوه بدينِ محمدٍ

كهلاً وطفلاً ناشئاً وغلاما

أم من سواه إذا أُتي بقضيّةٍ

طردَ الشكوكَ وأخرسَ الحكّاما

فإذا رأى رأياً يخالفُ رأيَهُ

قومٌ وإن كدّوا له الأفهاما

نزل الكتابُ برأيِهِ فكأنّما

عقد الإله برأيه الأحكاما

من ذا سواهُ إذا تشاجرتِ القنا

وأبى الكماةُ الكرَّ والإقداما

وتصلصلتْ حلَقُ الحديدِ وأظهرتْ

فرسانُها التصجاجَ والإحجاما (٣)

ورأيتَ من تحتِ العجاجِ لنقعِها

فوقَ المغافِرِ والوجوهِ قتاما

كشف الإلهُ بسيفهِ وبرأيِه

يُظمي الجوادَ ويرتوي الصمصاما

ووزيرُه جبريلُ يقحمُه الوغى

طوعاً وميكالُ الوغى إقحاما

أم من سواه يقولُ فيهِ أحمدٌ

يومَ الغدير وغيرَه أيّاما

هذا أخي مولاكمُ وإمامكمْ

وهو الخليفةُ إن لقيتَ حِماما

منّي كما هارونَ من موسى فلا

تألوا (٤) لحقِّ إمامكم إعظاما

إن كان هارونُ النبيُّ لقومِهِ

ما غابَ موسى سيّداً وإماما

__________________

(١) الهبوات : جمع هبوة ، وهي الغَبرة.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٣٧.

(٣) صلصل اللجام : صوّت. التصجاج ـ من الصجّ : صوت وقع الحديد على الحديد. أحجم عن الحرب : نكص هيبة. (المؤلف)

(٤) ألا ألواً وألى تألية وائتلاءً في الأمر : قصّر وأبطأ. (المؤلف)

١٧٨

فهو الخليفةُ والإمامُ وخيرُ من

أمضى القضاءَ وخفّفَ الأقلاما

حتى لقد قال ابن خطّابٍ له

لمّا تقوّضَ من هناك وقاما

أصبحتَ مولائي ومولى كلّ من

صلّى لربِّ العالمينَ وصاما

غصنٌ رسولُ اللهِ أثبتَ غرسَهُ

فعلا الغصونَ نضارةً ونظاما

حتى استوى عَلَماً كما قد شاءه

ربُّ السماء وسيّداً قمقاما

ما سامهُ في أن يكون مؤمَّراً

لفتىً ولا ولّى عليه أُساما

فهو الأميرُ حياتَهُ ومماتَهُ

أمراً من الله العليّ لزاما

صلّى عليه ذو الجلال كرامةً

وملائكٌ كانوا لديه كراما

وله من قصيدة :

يا آلَ أحمدَ لولاكمْ لما طلعتْ

شمسٌ ولا ضحكتْ أرضٌ من العشبِ

يا آلَ أحمدَ لازال الفؤادُ بكم

صبّا بوادرُهُ تبكي من الندبِ

يا آلَ أحمدَ أنتمْ خيرُ منْ وخَدتْ

به المطايا فأنتمْ منتهى الإربِ

أبوكمُ خيرُ من يُدعى لحادثةٍ

فيستجيبُ بكشفِ الخطبِ والكربِ

عِدلُ القُران وصيُّ المصطفى وأبو ال

ـسبطينِ أكرمْ به من والدٍ وأبِ

بعلُ المطهّرةِ الزهراءِ ذو الحسبِ ال

ـطهرِ الذي ضمّه شفعاً إلى النسبِ

من قال أحمدُ في يومِ الغديرِ له

من كنتُ مولىً له في العجمِ والعربِ

فإنّ هذا له مولىً ومنذرُهُ

يا حبّذا هو من مولىً ويا بأبي

من مثلُهُ وهو مولى الخلقِ أجمعِها

بأمر ربِّ الورى في نصِّ خيرِ نبي

يأتي غداً ولواءُ الحمدِ في يدِهِ

والناسُ قد سفروا عن أوجهٍ قطبِ

حتى إذا اصطكّتِ الأقدامُ زائلةً

عن الصراطِ فُويقَ النارِ مضطربِ

١٧٩

الشاعر

أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن أبي عون الغسّاني (١) العوني. لعلّ في شهرة العوني وشعره السائر وطُرَفه ال مدوّنة في الكتب ، غنىً عن تعريفه وذكر عبقريّته ، وتفوّقه في سرد القريض ، ونبوغه في نضد جواهر الكلام ، كما أنّ فيما دُوِّن من تاريخ حياته وما يُؤثر عنه من جمل الشعر ومفصّلاته ، كفاية للباحث عن إدلاء الحجّة على تشيّعه وتفانيه في ولاء سادته وأئمّة دينه ـ صلوات الله عليهم.

لقد سرى الركبان بشعر العوني فطارت نبذه إلى مختلف الديار ، ولهج بها الناس في أماكن قصيّة ، وكان ينشدها المنشدون في الأندية والمجتمعات التي يُتحرّى فيها تشنيف الأسماع بذكر أهل البيت عليهم‌السلام وفضائلهم ، ومنهم الشاعر منير والد الشاعر أحمد بن منير المترجم في شعراء القرن السادس ، كان ينشد شعر العوني في أسواق طرابلس فيقرِّط آذان الناس بتلكم الفضائل ، لكن ابن عساكر (٢) ـ أساء سمعاً وأساء جابه (٣) ـ غاظه ذلك الهتاف بذكر أهل البيت عليهم‌السلام ، فأراد أن يسمَ الرجل بما يشوِّه سمعته ، فقال : إنّه كا ن يغنّي في أسواق طرابلس بشعر العوني.

وجاء ابن خلّكان (٤) بعد لأيٍ من عمر الدهر حتى وقف على تلك الأنشودة ، فساءته أكثر ممّا ساءت ابن عساكر ، فزاد ضغثاً على إبّاله (٥) ، فطرح لفظة شعر العوني

__________________

(١) غسّان : ماء باليمن تنسب إليه قبائل ، وماء بالمُشَلَّل [اسم جبل] قريب من الجحفة. (المؤلف)

(٢) تاريخ مدينة دمشق : ٦ / ٣٢ رقم ٢٧٤ ، وفي مختصر تاريخ دمشق ٣ / ٣٠٦.

(٣) مثل يُضرَب لمن لم يحسن سمع مقالك فما أصاب في جوابه. المستقصى في أمثال العرب : ١ / ١٥٣ رقم ٠٣٦.

(٤) وفيات الأعيان : ١ / ١٥٦ رقم ٦٤.

(٥) أي بليّة على أخرى. مجمع الأمثال : ٢ / ٢٦٠ رقم ٢٢٠٢.

١٨٠