الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨

عقائلاً تصانُ بابتذالها

وشارداتٍ وهي للساري عُقُلْ

تحملُ من فضلِهمُ ما نهضتْ

بحملِهِ أقوى المصاعيبِ الذُّلُلْ (١)

موسومةً في جبهاتِ الخيلِ أو

معلّقاتٍ فوقَ أعجازِ الإبلْ

تنثو العلاءَ سيّداً فسيّداً

عنهم وتنعى بطلاً بعدَ بطلْ (٢)

الطيّبونَ أُزُراً تحت الدجى

الكائنونَ وَزَراً يومَ الوجلْ (٣)

والمنعمون والثرى مُقطِّبٌ

من جدبِهِ والعامُ غضبانُ أزِلْ (٤)

خيرُ مُصلٍّ مَلَكاً وبشراً

وحافياً داسَ الثرى ومنتعِلْ

همْ وأبوهمْ شَرَفاً وأمُّهمْ

أكرمُ من تحوي السماءُ وتُظِلْ

لا طُلقاءٌ مُنْعَمٌ عليهمُ

ولا يحارونَ إذا الناصرُ قَلْ

يستشعرون (٥) : اللهُ أعلى في الورى

وغيرُهمْ شعارُهُ أُعلُ هبلْ (٦)

لم يتزخرفْ وثَنٌ لعابدٍ

منهم يُزيغُ قلبَه ولا يُضِلْ

ولا سرى عرقُ الإماءِ فيهمُ

خبائثٌ ليست مريئاتِ الأُكُلْ

يا راكباً تحمله عيديّةٌ (٧)

مهويّةُ الظهرِ بعضّاتِ الرحَلْ

ليس لها من الوَجا منتصرٌ

إذا شكا غاربُها حَيْفَ الإطِلْ (٨)

تشرب خِمساً وتجرُّ رعيَها

والماءُ عِدٌّ والنبات مكتهلْ (٩)

__________________

(١) المصاعيبُ الذلُل : الفحول المذلَّلة. (المؤلف)

(٢) تنثو من نثّ الخبر نثّا : أفشاه. (المؤلف)

(٣) أُزُر : جمع إزار. الوزر : الملجأ والكنف. (المؤلف)

(٤) الأزِل : الشديد الضيق ، يقال : أزْلٌ ، أزِلٌ. للمبالغة. (المؤلف)

(٥) أي شعارهم.

(٦) أشار إلى قول أبي سفيان يوم أُحد : أُعلُ هُبَل ، هُبَل ـ بالضمّ ـ : اسم صنم لهم معروف. (المؤلف)

(٧) عيديّة : نسبة إلى فحل تنسب إليه كرام النجائب ، أو نسبة إلى حيٍّ يقال له بنو العيد ، تُنسب إليه النوق العيديّة. (المؤلف)

(٨) الوجا : الحفا. الغارب : الكامل. الإطِل : الخاصرة. (المؤلف)

(٩) الخِمس : وِرد الإبل على الماء فى اليوم الخامس. تجر : تعيد ما في جوفها لتأكله ثانية. الرعي : الكلأ. العِدّ : الغزير الذي لا ينقطع. المكتهل من النبات : ما تمَّ طوله ونوره. (المؤلف)

٣٤١

إذا اقتضتْ راكبها تعريسةً

سوّفها الفجرُ ومنّاها الطَّفلْ (١)

عرِّج بروضات الغريِّ سائفاً

أزكى ثرىً وواطئاً أعلى محلْ (٢)

وأدِّ عنّي مُبْلِغاً تحيّتي

خيرَ الوصيّين أخا خيرِ الرُسُلْ

سمعاً أميرَ المؤمنين إنّها

كنايةٌ لم تكُ فيها منتحِلْ

ما لقريشٍ ماذَقَتْكَ عهدَها

ودامجتكَ ودّها على دَخَلْ (٣)

وطالبتك عن قديم غِلِّها

بعد أخيك بالتراثِ والذحَلْ

وكيف ضمّوا أمرَهمْ واجتمعوا

فاستوزروا الرأيَ وأنت منعزِلْ

وليس فيهم قادحٌ بريبةٍ

فيك ولا قاضٍ عليكَ بوهَلْ (٤)

ولا تُعدُّ بينهمْ منقبةٌ

إلاّ لكَ التفصيلُ منها والجُمَلْ

وما لقومٍ نافقوا محمداً

عمرَ الحياةِ وبَغَوا فيه الغِيَلْ

وتابعوهُ بقلوبٍ نزلَ ال

ـفرقانُ فيها ناطقاً بما نزلْ

مات فلم تنعَقْ على صاحبِهِ

ناعقةٌ منهم ولم يُرغِ جمَلْ

ولا شكا القائمُ في مكانِهِ

منهمْ ولا عنّفهمْ ولا عذَلْ

فهل تُرى مات النفاقُ معهُ

أم خَلصَتْ أديانُهمْ لمّا نُقِلْ

لا والذي أيّدَهُ بوحيِهِ

وشدّهُ منك بركنٍ لم يَزُلْ

ما ذاك إلاّ أنّ نيّاتِهمُ

في الكفر كانت تلتوي وتعتدِلْ

وإنّ وُدّا بينهمْ دلَّ على

صفائِهِ رضاهمُ بما فعلْ

وهبهمُ تخرُّصاً قد ادّعوا

أنّ النفاقَ كان فيهمْ وبَطَلْ

فما لهم عادوا وقد ولِيتَهم

فذكروا تلك الحزازاتِ الأُوَلْ

وبايعوك عن خداعٍ كلُّهمْ

باسطُ كفٍّ تحتها قلبٌ نَغِلْ

__________________

(١) التعريسة : نزول المسافر آخر الليل للاستراحة. الطَّفَل : قبيل غروب الشمس. (المؤلف)

(٢) سائفاً : شامّا.

(٣) ماذقتك : شابت ودّها ولم تخلص. دامجتك : جمعت لك ودّها. الدخل : الخداع. (المؤلف)

(٤) الوَهَل : الخوف والضعف. (المؤلف).

٣٤٢

ضرورة ذاك كما عاهد مَن

عاهد منهم أحمداً ثمّ نكلْ

وصاحبُ الشورى لما ذاك ترى

عنك وقد ضايقه الموت عدلْ

والأُمويُّ ما لهُ أخّرَكُمْ

وخصَّ قوماً بالعطاءِ والنفَلْ

وردّها عجماءَ كِسرويّةً

يضاعُ فيها الدينُ حِفظاً للدولْ

كذاك حتى أنكروا مكانَهُ

وهمْ عليك قدّموهُ فقَبِلْ

ثمّ قسمتَ بالسواءِ بينهمْ

فعظُمَ الخطبُ عليهم وثَقُلْ

فشُحذتْ تلك الظبا وحُفِرتْ

تلك الزبى وأُضرمت تلك الشُّعَلْ

مواقفٌ في الغدرِ يكفي سُبّةً

منها وعاراً لهمُ يومُ الجملْ

يا ليتَ شعري عن أكفٍّ أرهفتْ

لك المواضي وانتَحَتْكَ بالذُّبُلْ (١)

واحتطبتْ تبغيكَ بالشرِّ على

أيِّ اعتذارٍ في المعادِ تتّكلْ

أَنَسيت صفقتَها أمسِ على

يديك ألاّ غِيَرٌ ولا بدلْ

وعن حصانٍ أُبرزتْ يُكشَفُ باس

ـتخراجِها سترُ النبيِّ المنسدلْ

تطلبُ أمراً لم يكن ينصرُهُ

بمثلِها في الحربِ إلاّ من خذَلْ

يا لَلرجالِ ولِتَيمٍ تدّعي

ثارَ بني أُميّةٍ وتنتحلْ

وللقتيل يُلزمون دمَهُ

وفيهمُ القاتلُ غيرَ من قتَلْ

حتى إذا دارتْ رحى بغيهمُ

عليهمُ وسبقَ السيفُ العذَلْ

وأنجز النكثُ العذابَ فيهمُ

بعد اعتزالٍ منهمُ بما مُطِلْ

عاذوا بعفوِ ماجدٍ معوّدٍ

للصبرِ حمّالٍ لهمْ على العللْ

خ أطّتْ بهم أرحامهمُ فلم تطعْ

ثائرة الغيظِ ولم تشفِ الغلَلْ

فنجّت البُقيا عليهمْ من نجا

وأكلَ الحديدُ منهم من أكلْ

واحتجَّ قومٌ بعد ذاكَ لهمُ

بفاضحاتِ ربِّها يومَ الجدَلْ

فقلَّ منهم من لوى ندامةً

عنانَه عن المِصاع (٢) فاعتزلْ

__________________

(١) المواضي : السيوف الماضية. الذُّبُل : الرماح الدقيقة الطويلة. (المؤلف)

(٢) المِصاع : التجمّح [والمجالدة]. (المؤلف)

٣٤٣

وانتزعَ العاملَ (١) من قناتِهِ

فرُدَّ بالكرهِ فشدَّ فحملْ

والحال تُنبي أنّ ذاك لم يكنْ

عن توبةٍ وإنّما كان فشلْ

ومنهمُ من تابَ بعد موتِهِ

وليس بعدَ الموتِ للمرءِ عملْ

خ وإن تكن ذاتُ الغبيطِ أقلعتْ

برغم مَن أسند ذاك ونقلْ

فما لها تمنعُ من دفنِ ابنِهِ

لو لا هناتُ جرحِها لم يندملْ (٢)

وما الخبيثانِ ابنُ هند وابنُهُ

وإن طغى خطبُهما بعدُ وجلْ

بمُبدِعَينِ في الذي جاءا به

وإنّما تقفّيا تلك السبلْ

إن يحسدوكَ فلفرطِ عجزهمْ

في المشكلاتِ ولما فيك كملْ

الصنوُ أنت والوصيُّ دونهمْ

ووارثُ العلمِ وصاحبُ الرسُلْ

وآكلُ الطائرِ والطاردُ للصِ

ـلّ ومن كلّمهُ قبلك صلْ (٣)

وخاصفُ النعلِ وذو الخاتمِ وال

ـمُنهلُ في يومِ القليبِ والمُعِلْ

وفاصلُ القضيّةِ العسراءِ في

يومِ الجنينِ وهو حُكمٌ ما فصلْ

ورجعةُ الشمسِ عليكَ نبأٌ

تشعّبُ الألباب فيه وتضِلْ

فما ألومُ حاسداً عنك انزوى

غيظاً ولا ذا قدَمٍ فيك تزلْ

يا صاحبَ الحوضِ غداً لا حُلِّئتْ

نفسٌ تواليك عن العذب النَّهِلْ (٤)

ولا تُسلَّطْ قبضةُ النارِ على

عُنقٍ إليك بالوداد ينفتلْ

عاديتُ فيك الناسَ لم أحفلْ بهمْ

حتى رموني عن يدٍ إلاّ الأقلْ

تفرّغوا يعترقون غيبةً

لحمي وفي مدحِكَ عنهم لي شُغُلْ (٥)

عدلتُ أن ترضى بأن يسخطَ من

تُقِلُّهُ الأرضُ عليَّ فاعتدلْ

__________________

(١) العامل : صدر الرمح وهو ما يلي السنان. (المؤلف)

(٢) هذا البيت غير موجود في الديوان.

(٣) الصلُّ : الثعبان. (المؤلف)

(٤) حلِّئت : مُنِعتْ من الورد. (المؤلف)

(٥) يعترقون : ينزعون ما على العظم من لحم ، وهي هنا بمعنى يأكلون.

٣٤٤

ولو يُشَقُّ البحرُ ثمّ يلتقي

فِلْقاه فوقي في هواكَ لم أُبَلْ (١)

علاقةٌ بي لكم سابقةٌ

لمجدِ سلمانَ إليكمْ تتّصلْ

ضاربةٌ في حبِّكم عروقُها

ضرب فحولِ الشَّوْلِ في النوقِ البُزُلْ (٢)

تضمّني من طَرَفي في حبلِكمْ

مودّةٌ شاخت ودينٌ مقتبلْ

فضَلتُ آبائي الملوكَ بكمُ

فضيلةَ الإسلامِ أسلافَ المِللْ

لذاكُمُ أُرسلُها نوافذاً

لأُمّ من لا يتّقيهنَّ الهَبَل (٣)

يمرقن زُرقاً من يدي حدائداً

تُنحى أعاديكم بها وتُنْتَبَلْ (٤)

صوائباً إمّا رميتُ عنكمُ

وربّما أخطأ رامٍ من ثُعَلْ (٥)

وله يرثي شيخ الأمّة ابن المعلّم محمد بن محمد بن النعمان المفيد المتوفّى (٤١٣) (٦):

ما بعدَ يومِكَ سلوةٌ لمعلَّلِ

منّي ولا ظفرتْ بسمعِ معذَّلِ

سوّى المصابُ بكَ القلوبَ على الجوى

فيدُ الجليدِ على حشا المتململِ (٧)

وتشابهَ الباكون فيك فلم يَبِنْ

دمعُ المحقِّ لنا من المتعمِّلِ

كنّا نُعيَّرُ بالحلومِ إذا هفتْ

جزعاً ونهزأ بالعيونِ الهُمَّلِ

فاليومَ صارَ العذرُ للفاني أسىً

واللومُ للمتماسكِ المتجمِّلِ

رحل الحِمامُ بها غنيمةَ فائزٍ

ما ثار قطُّ بمثلِها عن منزلِ

__________________

(١) الفِلْق : نصف الشيء إذا شُقَّ. (المؤلف)

(٢) الشَّوْل جمع شائلة : وهي الناقة ترفع ذنبها. البُزُل جمع بازل : المسنّ من الإبل. (المؤلف)

(٣) الهَبَل : الثكل. (المؤلف)

(٤) تنتبَل : تُرمى بالنبل. (المؤلف)

(٥) ثُعَل : اسم قبيلة مشهورة بالرمي. في هذه القصيدة أبيات حرّفتها يد الطبع المصريّة عن ديوانه رمزنا إليها ب (خ). (المؤلف)

(٦) ديوان مهيار : ٣ / ١٠٣.

(٧) الجليد : القويّ الشديد. المتململ : المتقلّب على فراشه مرضاً أو جزعاً. (المؤلف)

٣٤٥

كانتْ يدَ الدينِ الحنيفِ وسيفَهُ

فلأبكِيَنَّ على الأشلِّ الأعزلِ (١)

مالي رقدتُ وطالبي مستيقظٌ

وغفلتُ والأقدارُ لمّا تغفُلِ

ولويتُ وجهي عن مصارعِ أُسرتي

حذرَ المنيّةِ والشفارُ تُحَدُّ لي

قد نمّتِ الدنيا إليَّ بسرِّها

ودُلِلتُ بالماضي على المستقبلِ

ورأيتُ كيف يطيرُ في لهواتها (٢)

لحمي وإن أنا بعدُ لمّا أُوكل

وعلمتُ مع طيبِ المحلِّ وخصبِهِ

بتحوّل الجيرانِ كيف تحوّلي

لم أركبِ الأملَ الغَرورَ مطيّةً

بَلهاءَ لم تبلغْ مدىً بمؤمِّلِ

ألوى ليمهلني إليَّ زمامُها

ووراءها أُلهوب سَوْقٍ مُعجِلِ (٣)

حُلمٌ تزخرفُهُ الحنادسُ في الكرى

ويقينُهُ عند الصباحِ المنجلي

أحصي السنين يسرُّ نفسي طولُها

وقصيرُ ما يُغنيك مثلُ الأطوَلِ

وإذا مضى يومٌ طرِبتُ إلى غدٍ

وببضعةٍ منّي مضى أو مَفصِلِ

أُخْشُنْ إذا لاقيتَ يومَكَ أو فَلِنْ

واشدد فإنّكَ ميِّتٌ أو فاحلُلِ

سيّان عند يدٍ لقبضِ نفوسِنا

ممدودةٍ فمُ ناهشٍ ومقبِّلِ

سوّى الردى بين الخَصاصةِ والغنى

فإذا الحريصُ هو الذي لم يَعقِلِ (٤)

والثائرُ العادي على أعدائِهِ

ينقادُ قَوْدَ العاجزِ المتزمِّلِ

لو فُلَّ غَرْبُ الموتِ عن متدرِّعٍ

بعَفافِهِ أو ناسكٍ مُتعزِّلِ (٥)

أو واحدِ الحسناتِ غيرَ مشبّةٍ

بأخٍ وفردِ الفضِل غيرَ ممثَّلِ

أو قائلٍ في الدينِ فَعّالٍ إذا

قال المفقّه فيه ما لم يفعَلِ

__________________

(١) الأشلّ : الذي شلّت يده. الأعزل : من لم يكن معه سلاح. (المؤلف)

(٢) لهوات : جمع لهاة اللحمة المشرفة على الحلق في أقصى سقف الفم. (المؤلف)

(٣) الأُلهوب : السوط. الأصل فيه : الجري الشديد الذي يثير اللهب ، واللهب : الغبار الساطع. (المؤلف)

(٤) الخصاصة : الفقر.

(٥) الغرب : الحدّ.

٣٤٦

وَقتِ ابن نعمانَ النزاهةُ أو نجا

سَلماً فكان من الخطوبِ بمعزلِ

ولجاءَهُ حبُّ السلامةِ مؤذناً

بسلامِهِ من كلِّ داءٍ معضلِ

أو دافعتْ صدرَ الردى عُصَبُ الهدى

عن بحرِها أو بدرِها المتهلّلِ

لحمتْهُ أيدٍ لا تني في نصرِهِ

صدقَ الجهادِ وأنفسٌ لا تأتلي (١)

وغدتْ تطاردُ عن قناةِ لسانِهِ

أبناءُ فهرٍ بالقُنيِّ الذُّبَّلِ (٢)

وتبادرتْ سبقاً إلى عليائِها

في نصرِ مولاها الكرامُ بنو علي

من كلِّ مفتولِ القناةِ بساعدٍ

شطْبٍ كصدرِ السمهريّةِ أفتلِ

غيرانَ يسبقُ عزمُهُ أخبارَهُ

حتى يغامرَ في الرعيلِ الأوّلِ

وافي الحِجا ويُخالُ أنّ برأسِهِ

في الحربِ عارضَ جِنّةٍ أو أخبلِ

ما قنّعتْ أُفقاً عجاجةُ غارةٍ

إلاّ تخرّقَ عنه ثوبُ القَسطلِ

تعدو به خَيفانةٌ لو أُشعِرَتْ

أنّ الصهيلَ يُجمُّها لم تصهَلِ (٣)

صبّارةٌ إن مسّها جَهدُ الطَّوَى

قنعتْ مكانَ عَليقها بالمِسحلِ (٤)

فسَرَوا فناداهم سَراةُ رجالِهمْ

لمُجَسَّدٍ من هامِهمْ ومُرجَّلِ (٥)

بُعَداءُ عن وهنِ التواكلِ في فتىً

لهمُ على أعدائهمْ مُتوكِّلِ

سمْحٍ ببذلِ النفسِ فيهم قائمٍ

للهِ في نصرِ الهدى متبتِّلِ

نزّاعِ أرشيةِ التنازعِ فيهمُ

حتى يسوقَ إليهمُ النصَّ الجلي (٦)

ويُبينُ عندَهمُ الإمامةَ نازعاً

فيها الحجاجَ من الكتابِ المنزَلِ

بطريقةٍ وضحتْ كأنْ لم تشتبهْ

وأمانةٍ عُرِفتْ كأنْ لم تُجهَلِ

__________________

(١) لا تني من ونى يني : لا تكلّ ولا تضعُف. (المؤلف)

(٢) القُنيّ : جمع قناة وهو الرمح. (المؤلف)

(٣) الخَيفانة : الفرسُ الخفيفة. يجمّها : يريحها. (المؤلف)

(٤) المِسحل : اللجام. (المؤلف)

(٥) المجسَّد : المدهون بالجِساد وهو الزعفران. المرجَّل : الشعر المُسَرَّح. (المؤلف)

(٦) أرشية ـ جمع رشاء ـ : الحبل.

٣٤٧

يصبو لها قلبُ العدوِّ وسمعُهُ

حتى يُنيبَ فكيف حالُك بالولي

يا مرسَلاً إن كنت مبلغَ ميّتٍ

تحت الصفائحِ قولَ حيٍّ مرسِلِ (١)

فَلِجِ الثرى الراوي فقل لمحمدٍ

عن ذي فؤادٍ بالفجيعةِ مشعَلِ

من للخصومِ اللدِّ بعدَكَ غصّةٌ

في الصدرِ لا تهوي ولا هي تعتلي

من للجدالِ إذا الشفاهُ تقلّصتْ

وإذا اللسانُ بريقِهِ لم يُبلَلِ

مَن بعدَ فقِدكَ ربُّ كلِّ غريبةٍ

بكرٍ بكَ افتُرعتْ وقولةِ فيصلِ

ولغامضٍ خافٍ رفعتَ قِوامَهُ

وفتحتَ منهُ في الجوابِ المقفَلِ

مَن للطروس يصوغُ في صفحاتِها

حَلْياً يقعقعُ كلّما خَرِسَ الحلي

يَبقينَ للذكرِ المخلّدِ رحمةً

لك من فمِ الراوي وعينِ المجتلي

أين الفؤادُ الندب غيرَ مُضعَّفٍ

أين اللسانُ الصعبُ غيرَ مفلَّلِ (٢)

تفري بهِ وتحزُّ كلَّ ضريبةٍ

ما كلُّ حزّةِ مفصِلٍ للمُنْصُلِ (٣)

كم قد ضممتَ لدينِ آلِ محمدٍ

مِن شاردٍ وهديتَ قلبَ مضلَّلِ

وعقلتَ من ودٍّ عليهمْ ناشطٍ

لو لم تَرُضْهُ ملاطفاً لم يُعقَلِ

لا تطّبيك ملالةٌ عن قولةٍ

تروي عن المفضولِ حقَّ الأفضلِ (٤)

فليجزينَّكَ عنهمُ ما لم يزل

يبلو القلوبَ ليجتبي وليبتلي

ولتنظُرَنَّ إلى عليٍّ رافعاً

ضَبْعَيْكَ يومَ البعثِ ينظرُ من علِ (٥)

يا ثاوياً وسّدتُ منهُ في الثرى

عَلَماً يطولُ به البقاءُ وإن بَلي

جَدثاً لدى الزوراءِ بين قصورِها

أجللتُه عن بطنِ قاعٍ مُمحلِ (٦)

__________________

(١) الصفائح ـ جمع الصفيحة ـ : الحجر العريض. (المؤلف)

(٢) الندْب : الخفيف في الحاجة إذا ندب إليها خفّ لقضائها. المفلّل : المثلّم. (المؤلف)

(٣) المُنْصُل : السيف والسنان. (المؤلف)

(٤) لا تطّبيك : لا تزدهيك [ازدهى : افتعل من زها يزهو]. (المؤلف)

(٥) من علِ : من فوق. (المؤلف)

(٦) المُمْحل : المقفر. (المؤلف)

٣٤٨

ما كنتُ ـ قبلُ أراكَ تُقبرُ ـ خائفاً

من أن تُوارى هضبةٌ بالجندلِ (١)

من ثلَّ عرشَكَ واستقادَك خاطماً

فانقدتَ يا قطّاعَ تلك الأحبُلِ (٢)

من فلَّ غرْبَ حسامِ فيكَ فردّهُ

زُبُراً تساقطُ من يمينِ الصيقلِ (٣)

قد كنتَ من قُمُص الدجى في جُنّةٍ

لا تُنتحى ومن الحِجا في معقِلِ

متمنِّعاً بالفضل لا ترنو إلى

مَغناكَ مقلةُ راصدٍ مُتأمِّلِ

فمنَ ايِّ خرْمٍ أو ثنيّةِ غِرّةٍ

طلعتْ عليكَ يدُ الردى المتوغِّلِ

ما خلتُ قبلَكَ أنّ خدعةَ قانصٍ

تلِجُ العرينَ وراءَ ليثٍ مُشبلِ

أو أنّ كفَّ الدهرِ يقوى بطشُها

حتى تُظَفِّر في ذؤابة يذبُلِ (٤)

كانوا يَروْنَ الفضلَ للمتقد

دم السبّاقِ والنقصانَ في المتقبِّلِ

قولُ الهوى وشريعةٌ منسوخةٌ

وقضيّةٌ من عادةٍ لم تعدلِ

حتى نجمتَ فأجمعوا وتبيّنوا

أنّ الأخيرَ مقصِّرٌ بالأوّلِ

بكرَ النعيُّ فسكَّ فيكَ مسامعي

وأعادَ صبحي جنحَ ليلٍ أليَلِ

ونزت بنيّاتُ الفؤادِ لصوتِهِ

نزوَ الفصائلِ في زفيرِ المِرجلِ (٥)

ما كنت أحسبُ والزمانُ مقاتلي

يرمي ويخطئ أنّ يومَك مقتلي

يومٌ أطلَّ بغُلّةٍ لا يشتفي

منها الهدى وبغُمّةٍ لا تنجلي

فكأنّه يومُ الوصيِّ مدافعاً

عن حتفِهِ بعد النبيِّ المرسَلِ

ما إن رأتْ عيناي أكثرَ باكياً

منهُ وأوجعَ رنّةً من مُعولِ

حُشِدوا على جنباتِ نعشك وُقَّعاً

حشْدَ العطاشِ على شفيرِ المنهلِ

وتنازفوا الدمعَ الغريبَ كأنّما ال

إسلامُ قبلَك أُمُّه لم تثكلِ

__________________

(١) الهضبة : الجبل المنبسط أو الطويل الممتنع المنفرد. الجندل : الصخرة. (المؤلف)

(٢) الخاطم : واضع الخطام بالأنف. (المؤلف)

(٣) [غرْب الحسام : حدّه] زبر ـ جمع زبرة ـ : القطعة من الحديد. (المؤلف)

(٤) الذؤابة : الناصية. يَذْبل ـ بالفتح ثمّ السكون ـ : جبل بنجد ، في طريقها. (المؤلف)

(٥) الفصائل ـ جمع فصيلة ـ : القطعة من لحم الأفخاذ. المرجل : القدر. (المؤلف)

٣٤٩

يمشون خلفَكَ والثرى بك روضةٌ

كحَلَ العيونَ بها ترابُ الأرجلِ

إن كان حظّي من وصالِكَ قبلَها

حظَّ المغبِّ ونهزةَ المتقلّلِ (١)

فلأُعطِينّكَ من ودادي ميّتاً

جهدَ المنيبِ ورجعةَ المتنصّلِ

لو أنفدتْ عيني عليكَ دموعَها

فَلَيَبْكِينَّكَ بالقوافي مِقولي

ومتى تلفّتَ للنصيحةِ موجعٌ

يبغي السلوّ ومالَ ميلَ العُذّلِ

فسلوّك الماءُ الذي لا أستقي

عطشانَ والنارُ التي لا أصطلي

رقّاصةُ القطراتِ تختمُ في الحصى

وسماً وتفحصُ في الثرى المتهيِّلِ

نسجتْ لها كفُّ الجَنوب مُلاءةً

رتقاءَ لا تُفصى بكفِّ الشمألِ (٢)

صبّابة الجنبات تَسمعُ حولَها

للرعد شقشقةَ القُروم البزّلِ (٣)

تُرضي ثراك بواكفٍ متدفِّقٍ

يروي صداك وقاطرٍ مُتسلسِلِ (٤)

حتى يرى زوّارُ قبرِك أنّهمْ

حطّوا رحالَهمُ بوادٍ مبقِلِ

ومتى وَنَتْ أو قصّرتْ أهدابُها

أمددتُها منّي بدمعٍ مُسبَلِ

__________________

(١) المُغِبّ : الذي يزور يوماً وينقطع يوماً.

(٢) رتقاء لا تفصى : مُحكمة لا تُشقّ.

(٣) القروم ـ جمع قرم ـ : الفحل من الإبل. البزّل ـ جمع بازل ـ : الفحل المسنّ. (المؤلف)

(٤) الواكف : المنهمر.

٣٥٠

ـ ٣٩ ـ

سيّدنا الشريف المرتضى

المولود (٣٥٥)

المتوفّى (٤٣٦)

لو لم يُعاجله النوى لتحيّرا

وقَصارُه وقد انتأوا أن يُقصِرا

أفكلّما راع الخليطُ تصوّبتْ

عبراتُ عينٍ لم تقلّ فتكثرا

قد أوقدتْ حرّى (١) الفراقِ صبابةً

لم تستعرْ ومَرَيْنَ دمعاً ما جرى (٢)

شَغَفٌ يكتِّمُهُ الحياءُ ولوعةٌ

خَفِيَتْ وحُقَّ لمثلِها أن يظهرا

أين الركائب لم يكن ما عُلنه

صبراً ولكن كان ذاك تصبّرا

لبّيْنَ داعيةَ النوى فأَرينَنا

بين القبابِ البيضِ موتاً أحمرا

وبعُدْنَ بالبَيْنِ المشتِّتِ ساعةً

فكأنّهنّ بعُدنَ عنّا أشهرا

عاجوا على ثَمَدِ البطاحِ وحبُّهمْ

أجرى العيونَ غداةَ بانوا أبحُرا (٣)

وتنكّبوا وَعْرَ الطريقِ وخلّفوا

ما في الجوانحِ من هواهمْ أوعرا

أمّا السلوُّ فإنّه لا يهتدي

قصدَ القلوبِ وقد حُشِينَ تذكّرا

قد رمتُ ذاكَ فلم أجدْهُ وحقُّ مَن

فقدَ السبيلَ إلى الهدى أن يُعذَرا

__________________

(١) في الديوان ١ / ٤٧٩ : حُرَقُ.

(٢) مَرَيْن : اعتصرن ، من مرى الناقة إذا مسح ضرعها لتدرَّ اللبن.

(٣) الثمَد : الماء القليل الذي لا مادّ له.

٣٥١

أهلاً بطَيْفِ خيالِ مانعةٍ لنا

يقظى ومُفضلةٍ علينا في الكرى

ما كان أنعَمَنا بها من زورةٍ

لو باعدتْ وقتَ الورودِ المصدرا

جزعت لِوَخْطاتِ المشيبِ وإنّما

بلغَ الشبابُ مدى الكمالِ فنوّرا

والشيب إن أنكرتَ فيهِ مورِدٌ

لا بدّ يوردُه الفتى إن عُمِّرا

يَبْيَضُّ بعد سواده الشّعرُ الذي

إن لمْ يزرْهُ الشيبُ واراه الثرى

زمنَ الشبيبةِ لاعدَتْكَ تحيّةٌ

وسقاك منهمرُ الحيا ما استغزرا

فلطالما أضحى ردائي ساحباً

في ظلِّك الوافي وعوديَ أخضرا

أيّامَ يرمقُني الغزالُ إذا رنا

شَغَفاً ويطرقُني الخيالُ إذا سرى

ومرنّحٍ في الكورِ تحسبُ أنّه اص

ـطبحَ العُقار وإنّما اغتبق السُّرى (١)

بطلٌ صَفاهُ للخداعِ مزلّةٌ

فإذا مشى فيه الزماع تغشمرا (٢)

إمّا سألتَ به فلا تسألْ به

ناياً يناغي في البطالة مِزمَرا

واسأل به الجُردَ العِتاقَ مُغِيرةً

يخبطن هاماً أو يطأنَ سَنَوَّرا (٣)

يحملن كلَّ مدجّجٍ يقري الظبا

عَلَقاً وأنفاسَ السوافي عِثيرا (٤)

قَومي الذين وقد دجتْ سبلُ الهدى

تركوا طريقَ الدينِ فينا مُقمرا

غلبوا على الشرفِ التليدِ وجاوزوا

ذاك التليدَ تطرّفاً وتخيّرا

كم فيهمُ من قسوَرٍ متخمّطٍ

يُردي إذا شاء الهزبرَ القسوَرا

متنمِّرٍ والحربُ إن هتفتْ به

أدّتهُ بسّامَ المحيّا مُسفرا

وملوَّمٍ في بذلِهِ ولطالما

أضحى جديراً في العلى أن يُشكرا

ومرفَّعٍ فوقَ الرجالِ تخالُهُ

يومَ الخطابةِ قد تسنّم مِنبرا

__________________

(١) المرنّح : المتمايل. الكور : الهودج. اصطبح : شرب الخمر صباحاً. العقار : الخمر. اغتبق : شربها مساءً.

(٢) صفاه : صخره. الزماع : المضاء في الأمر. تغشمر : تنمّر.

(٣) السنَوَّر : السلاح من الحديد ، أو هو الدرع.

(٤) العَلَق : الدم. السوافي : الرياح. العِثيَر : التراب والعجاج.

٣٥٢

جمعوا الجميلَ إلى الجمالِ وإنّما

ضمّوا إلى المرأى المُمدَّحِ مَخْبرا

سائلْ بهم بدراً وأُحداً والتي

ردّتْ جبينَ بني الضلالِ مُعفّرا

للهِ درُّ فوارسٍ في خيبرٍ

حملوا عن الإسلامِ يوماً مُنكرا

عصفوا بسلطانِ اليهودِ وأولجوا

تلك الجوانحَ لوعةً وتحسّرا

واستلحموا أبطالَهم واستخرجوا ال

أزلامَ من أيديهمُ والميسِرا

وبمرحبٍ ألوى فتىً ذو جمرةٍ

لا تُصطلى وبسالةٍ لا تُقترى (١)

إن حزَّ حزَّ مطبّقاً أو قالَ قا

ل مصدَّقاً أو رام رام مطهّرا

فثناه مصفرَّ البَنانِ كأنّما

لطخَ الحِمامُ عليه صِبغاً أصفرا

شهقَ العُقابُ بشلوِهِ ولقد هَفَتْ

زمناً به شُمُّ الذوائبِ والذرى

أمّا الرسولُ فقد أبانَ ولاءَهُ

لو كانَ ينفعُ جائراً أن يُنذَرا

أمضى مقالاً لم يَقُلْهُ معرِّضاً

وأشادَ ذكراً لم يُشِدْهُ معذّرا (٢)

وثنى إليه رقابَهمْ وأقامه

عَلَماً على بابِ النجاةِ مُشَهَّرا

ولقد شفى يومُ الغديرِ معاشراً

ثَلِجَتْ نفوسُهُمُ وأودى معشرا

قلقت (٣) به أحقادُهمْ فمرجِّعٌ

نفساً ومانعُ أنّةٍ أن تجهرا

يا راكباً رقصتْ به مَهْرِيّةٌ

أَشِبَتْ بساحته الهمومُ فأصحرا (٤)

عُجْ بالغريِّ فإنّ فيهِ ثاوياً

جبلاً تطأطأ فاطمأنَّ به الثرى

وأقرئ السلامَ عليهِ من كَلِفٍ بهِ

كُشفتْ له حُجبُ الصباحِ فأبصرا

ولو استطعتُ جعلتُ دارَ إقامتي

تلك القبورَ الزُّهرَ حتى أُقبرا

__________________

(١) لا تقترى : لا تقدّر ولا تخمّن. (المؤلف)

(٢) في الديوان : مغرّرا.

(٣) في الأصل ، طبقاً للطبعة التي اعتمدها المؤلف قّدّس سره : قلعت ، ونحن نرجّح ما اختاره محقّق الديوان من أنّ الصحيح : قلقت.

(٤) المهريّة : من النوق الموصوفة بسرعة الجري. أشِبَت الهموم بساحته : أي اكتنفته وألمّت به. أصحر : خرج إلى الصحراء.

٣٥٣

أخذنا القصيدة من الجزء الأوّل من ديوان ناظمها (١) وهي مفتتح ديوانه ، والديوان مرتّبٌ على السنين في ستّة أجزاء توجد منه نسخة مقروءة على نفس السيّد الشريف علم الهدى. وذكر ابن شهرآشوب (٢) لسيّدنا الشريف المرتضى أبياتاً قالها في عيد الغدير. راجع الجزء الثالث من مناقبه (ص ٣٢).

الشاعر

السيّد المرتضى علم الهدى ذو المجدين ، أبو القاسم عليّ بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم ابن الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام.

لا عتب على اليراع إذا وقف عن تحديد عظمة الشريف المبجّل ، كما أنّه لا لوم على المِدْرهِ (٣) اللَّسِن إذا تلجلج في الإفاضة عن رفعة مقامه ؛ فإنّ نواحي فضله لا تنحصر بواحدة ، ولا إنّ مآثره معدودة يحاولها البليغ المفوّه ، ويتحرّى الإبانة عنها الكاتب المتشدِّق ، أو يلقي عنها الخطيب المفصح ، فإلى أيّ منصّةٍ من الفضيلة نحوت فله فيها الموقف الأسمى ، وإلى أيِّ صهوةٍ وقع خيالك فله هنالك مرتبع ممنّع ، فهو إمام الفقه ، ومؤسِّس أصوله ، وأستاذ الكلام ، ونابغة الشعر ، وراوية الحديث ، وبطل المناظرة ، والقدوة في اللغة ، وبه الأُسوة في علوم العربيّة كلّها ، وهو المرجع في تفسير كتاب الله العزيز ، وجماع القول أنّك لا تجد فضيلة إلاّ وهو ابن بجدتها.

أضف إلى ذلك كلّه نسبه الوضّاح ، وحسبه المتألّق ، وأواصره النبويّة الشذيّة ، ومآثره العلويّة الوضيئة إلى أياديه الواجبة في تشييد المذهب ، ومساعيه المشكورة عند الإماميّة جمعاء ، وهي التي خلّدت له الذكر الحميد والعظمة الخالدة ، ومن هذه

__________________

(١) ديوان الشريف المرتضى : ١ / ٤٧٩.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٥١.

(٣) المِدْره : الخطيب المفوّه.

٣٥٤

الفضائل ما خطّه مِزبرُه القويم من كتب ورسائل استفاد بها أعلام الدين في أجيالهم وأدوارهم ، وإليك أسماءها :

١ ـ الشافي في الإمامة

 ٢ ـ الملخّص في الأصول

 ٣ ـ الذخيرة في الأصول

٤ ـ جمل العلم والعمل

 ٥ ـ الغُرر والدرر

 ٦ ـ تكملة الغُرر

٧ ـ المقنع في الغَيْبة

 ٨ ـ الخلاف في الفقه

 ٩ ـ الناصريّة في الفقه

١٠ ـ الحلبيّة الأولى

 ١١ ـ الحلبيّة الأخيرة

 ١٢ ـ المسائل الجرجانيّة

١٣ ـ المسائل الطوسيّة

 ١٤ ـ المسائل الصباويّة

 ١٥ ـ المسائل التبّانيات (١)

١٦ ـ المسائل السلاّريّة

 ١٧ ـ مسائل في عدّة آيات

 ١٨ ـ المسائل الرازيّة

١٩ ـ المسائل الكلاميّة

 ٢٠ ـ المسائل الصيداويّة

 ٢١ ـ الديلميّة في الفقه

٢٢ ـ كتاب البرق

 ٢٣ ـ طيف الخيال

 ٢٤ ـ الشيب والشباب

٢٥ ـ المقمصة

 ٢٦ ـ المصباح في الفقه

 ٢٧ ـ نصر الرواية

٢٨ ـ الذريعة في أصول الفقه

 ٢٩ ـ شرح بائيّة الحميري

 ٣٠ ـ تنزيه الأنبياء

٣١ ـ إبطال القول بالعدد

 ٣٢ ـ المحكم والمتشابه

 ٣٣ ـ النجوم والمنجِّمون

٣٤ ـ متولِّي غسل الإمام

 ٣٥ ـ الأصول الاعتقاديّة

 ٣٦ ـ أحكام أهل الآخرة

٣٧ ـ معنى العصمة

 ٣٨ ـ الوجيزة في الغَيْبة

 ٣٩ ـ تقريب الأصول

٤٠ ـ طبيعة المسلمين

 ٤١ ـ رسالة في علم الله

 ٤٢ ـ رسالة في الإرادة

٤٣ ـ أيضاً رسالة في الإرادة

 ٤٥ ـ رسالة في التأكيد

 ٤٤ ـ رسالة في التوبة

٤٦ ـ رسالة في المتعة

 ٤٧ ـ دليل الخطاب

 ٤٨ ـ طرق الاستدلال

٤٩ ـ كتاب الوعيد

 ٥٠ ـ شرح قصيدة له

 ٥١ ـ الحدود والحقائق

٥٢ ـ مفردات في أصول الفقه

 ٥٣ ـ الموصليّة ، ثلاث مسائل

٥٤ ـ الموصليّة الثانية ، تسع مسائل

 ٥٥ ـ الموصليّة الثالثة (١٠٩) مسائل

__________________

(١) سألها الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الملك التبّان المتوفّى (٤١٩) ، وهي (٦٦) مسألة في عشرة فصول. (المؤلف)

٣٥٥

٥٦ ـ المسائل الطرابلسيّة الأولى

 ٥٧ ـ الطرابلسيّة الأخيرة (١٣) مسألة (١)

٥٨ ـ مسائل ميافارقين (٦٥) مسألة

 ٥٩ ـ المسائل الرازيّة (١٤) مسألة

٦٠ ـ المسائل المحمديّات (٥) مسائل

 ٦١ ـ المسائل البادرات (٢٤) مسألة

٦٢ ـ المسائل المصريّة الأولى (٥) مسائل

 ٦٣ ـ المصريّات الثانية

٦٤ ـ المسائل الرمليّات (٧) مسائل

 ٦٥ ـ مسائل في فنون شتّى ، نحو مائة مسألة

٦٦ ـ المسائل الرسيّة الأولى (٢)

 ٦٧ ـ المسائل الرسيّة الثانية

٦٨ ـ الانتصار فيما انفردت به الإماميّة

 ٦٩ ـ تفضيل الأنبياء على الملائكة

٧٠ ـ النقض على ابن جنّي في الحكاية والمحكي

 ٧١ ـ ديوان شعره يزيد على عشرين ألف بيت

٧٢ ـ الصِّرفة في بيان إعجاز القرآن

 ٧٣ ـ الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة

٧٤ ـ نقض مقالة ابن عديّ فيما لا يتناهى

 ٧٥ ـ جواب الملاحدة في قِدَم العالم

٧٦ ـ تتمّة الأعراض من جمع أبي رشيد

 ٧٧ ـ نكاح أمير المؤمنين ابنته من عمر

٧٨ ـ إنقاذ البشر من القضاء والقدر

 ٧٩ ـ الردّ على أصحاب العدد في شهر رمضان

٨٠ ـ تفسير الحمد وقطعة من سورة البقرة

 ٨١ ـ الردّ على ابن عديّ في حدوث الأجسام

٨٢ ـ تفسير قوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) (٣)

٨٣ ـ كتاب الثمانين (٤)

٨٤ ـ الكلام على من تعلّق بقوله : (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) (٥)

٨٥ ـ تفسير قوله : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا) (٦)

__________________

(١) سألها الشيخ أبو الفضل إبراهيم بن الحسن الأباني. (المؤلف)

(٢)] هي] ٢٨ مسألة سألها العلاّمة أبو الحسين الحسين بن محمد بن الناصر الحسيني الرسّي. (المؤلف)

(٣) الأنعام : ١٥١.

(٤) قاله القاضي التنوخي كما في المستدرك [على وسائل الشيعة للعلاّمة النوري] : ٣ / ٥١٦. (المؤلف)

(٥) الإسراء : ٧٠.

(٦) المائدة : ٩٣.

٣٥٦

٨٦ ـ تتبّع أبيات للمتنبّي التي تكلّم عليها ابن جنّي.

كلمات الثناء عليه :

أبو القاسم المرتضى حاز من العلوم ما لم يُدانِه فيه أحد في زمانه ، وسمع من الحديث فأكثر ، وكان متكلّماً شاعراً أديباً ، عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا (١).

أبو القاسم نقيب النقباء ، الفقيه النظّار المصنِّف ، بقيّة العلماء وأوحد الفضلاء ، رأيته فصيح اللسان يتوقّد ذكاءً (٢).

المرتضى متوحِّد في علوم كثيرة ، مجمَع على فضله ، مقدَّم في العلوم ، مثل علم الكلام والفقه وأصول الفقه والأدب والنحو والشعر ومعاني الشعر واللغة وغير ذلك ، له من التصانيف ومسائل البلدان شيء كثير ، مشتمل على ذلك فهرسته المعروف (٣).

وقال الشيخ في رجاله : إنّه أكثر أهل زمانه أدباً وفضلاً ، متكلّم فقيه جامع العلوم كلّها ، مدَّ الله في عمره.

وقال الثعالبي في تتميم يتيمته (٤) (١ / ٥٣) : قد انتهت الرئاسة اليوم ببغداد إلى المرتضى في المجد والشرف والعلم والأدب والفضل والكرم ، وله شعر في نهاية الحسن.

وفي تاريخ ابن خلّكان (٥) : كان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر ، وله تصانيف على مذهب الشيعة ، ومقالة في أصول الدين ، وذكره ابن بسّام في الذخيرة وقال : كان هذا الشريف إمام أئمّة العراق بين الاختلاف والاتِّفاق ، إليه فزع علماؤها ،

__________________

(١) النجاشي في فهرسته : ص ١٩٢ [ص ٢٧٠ رقم ٧٠٨]. (المؤلف)

(٢) المجدي في الأنساب للعمري [ص ١٢٥]. (المؤلف)

(٣) فهرست الشيخ : ص ٩٩ [رقم ٤٢١] ، وخلاصة العلاّمة : ص ٤٦ [ص ٩٥ رقم ٢٢].(المؤلف)

(٤) تتمّة يتيمة الدهر : ٥ / ٦٩ رقم ٤٩.

(٥) وفيات الأعيان : ٣ / ٣١٣ رقم ٤٤٣.

٣٥٧

وعنه أخذ عظماؤها ، صاحب مدارسها ، وجمّاع شاردها وآنسها ، ممّن سارت أخباره ، وعرفت به أشعاره ، وحمدت في ذات الله مآثره وآثاره ، إلى تآليفه في الدين وتصانيفه في أحكام المسلمين ، ممّا يشهد أنّه فرع تلك الأصول ، ومن أهل ذلك البيت الجليل ، ومُلَح الشريف وفضائله كثيرة.

وحكى الخطيب التبريزي : أنّ أبا الحسن عليّ بن أحمد بن عليِّ بن سلك الفالي (١) الأديب كان له نسخة لكتاب الجمهرة لابن دريد في غاية الجودة ، فدعته الحاجة إلى بيعها ، فباعها فاشتراها الشريف المرتضى بستِّين ديناراً فتصفّحها فوجد فيها أبياتاً بخطِّ بائعها أبي الحسن المذكور ، والأبيات قوله :

أَنِستُ بها عشرينَ حولاً وبعتُها

فقد طالَ وجدي بعدَها وحنيني

وما كان ظنّي أنّني سأبيعُها

ولو خلَّدَتني في السجون ديوني

ولكن لضعفٍ وافتقارٍ وصبيةٍ

صغارٍ عليهمْ تستهلُّ شئوني

فقلت ولم أملك سوابِق عبرتي

مقالة مكويِّ الفؤادِ حزينِ

وقد تخرجُ الحاجاتُ يا أُمَّ مالكٍ

كرائمَ من ربٍّ بهنَّ ضنينِ

فأرجع النسخة إليه وترك له الدنانير رحمه‌الله تعالى.

وقال السيّد ابن زهرة في غاية الاختصار (٢) : علم الهدى الفقيه النظّار ، سيّد الشيعة وإمامهم ، فقيه أهل البيت ، العالم المتكلّم البعيد ، الشاعر المجيد ، كان له برّ وصدقة وتفقّد في السرّ ، عرف ذلك بعد موته رحمه‌الله ؛ كان أسنَّ من أخيه ولم يُرَ أخوان مثلهما شرفاً وفضلاً ونُبلاً وجلالةً ورئاسةً وتحابباً وتوادداً. لمّا مات الرضي لم يصلِّ المرتضى عليه عجزاً عن مشاهدة جنازته وتهالكاً في الحزن. ترك المرتضى خمسين ألف دينار ، ومن الآنية والفرش والضياع ما يزيد على ذلك.

__________________

(١) نسبة إلى فالة ، وهي بلدة بخوزستان قريبة من إيذج [معجم البلدان : ٤ / ٢٣٢]. (المؤلف)

(٢) غاية الاختصار : ص ٧٦.

٣٥٨

وعن الشيخ عزِّ الدين أحمد بن مقبل أنّه قال : لو حلف إنسان أنّ السيّد المرتضى كان أعلم بالعربيّة من العرب لم يكن عندي آثماً ، وقد بلغني عن شيخٍ من شيوخ الأدب بمصر أنّه قال : والله إنّي استفدت من كتاب الغُرر والدُّرر مسائل لم أجدها في كتاب سيبويه وغيره من كتب النحو ، وكان نصير الدين الطوسي إذا جرى ذكره في درسه يقول : صلوات الله عليه ، ويلتفت إلى القضاة والمدرِّسين الحاضرين ويقول : كيف لا يُصلّى على السيّد المرتضى؟!

في عمدة الطالب (١) (ص ١٨١) : كان مرتبته في العلم عالية فقهاً وكلاماً وحديثاً ولغةً وأدباً وغير ذلك ، وكان متقدّماً في فقه الإماميّة وكلامهم ناصراً لأقوالهم.

وفي دمية القصر (٢) (ص ٧٥) : هو وأخوه من دوح السيادة ثمران ، وفي فلك الرئاسة قمران ، وأدب الرضيّ إذا قرن بعلم المرتضى كان كالفرند في متن الصارم المنتضى.

وفي لسان الميزان (٣) (٤ / ٢٢٣) : قال ابن أبي طيّ : هو أوّل من جعل داره دار العلم وقدّرها للمناظرة ، ويُقال : إنّه أُمّر ولم يبلغ العشرين ، وكان قد حصل على رئاسة الدنيا ، العلم مع العمل الكثير ، والمواظبة على تلاوة القرآن وقيام الليل وإفادة العلم ، وكان لا يؤثر على العلم شيئاً مع البلاغة وفصاحة اللهجة.

وحكى عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي أنّه قال : كان الشريف المرتضى ثابت الجأش ، ينطق بلسان المعرفة ، ويردِّد الكلمة المسدّدة فتمرق مروق السهم من الرمية ما أصاب ، وما أخطأ أشوى.

إذا شرعَ الناسُ الكلامَ رأيته

له جانبٌ منه وللناسِ جانبُ

__________________

(١) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : ص ٢٠٥.

(٢) دمية القصر : ١ / ٢٩٩.

(٣) لسان الميزان : ٤ / ٢٥٧ رقم ٥٧٩٧.

٣٥٩

وقال السيّد الشيرازي في الدرجات الرفيعة (١) : كان الشريف المرتضى أوحد أهل زمانه فضلاً وعلماً وفقهاً وكلاماً وحديثاً وشعراً وخطابةً وجاهاً وكرماً إلى غير ذلك.

وفي شذرات الذهب (٢) (٣ / ٢٥٦) : نقيب الطالبيّين ، وشيخ الشيعة ورئيسهم بالعراق ، كان إماماً في التشيّع والكلام والشعر والبلاغة ، كثير التصانيف ، ومتبحِّراً في فنون العلم.

ويجد القارئ لدة هذه الكلمات كثيرة في طيِّ الكتب والمعاجم منها (٣):

تاريخ بغداد (١١ / ٤٠٢)

 المنتظم (٨ / ١٢٠)

 معجم الأدباء (٥ / ١٧٣)

خلاصة العلاّمة (ص ٤٦)

 رجال ابن داود

 أنساب أبي نصر البخاري

ميزان الاعتدال (٢ / ٢٢٣)

 غاية الاختصار لابن زهرة

 كامل ابن الأثير (٩ / ١٨١)

تاريخ ابن كثير (١٢ / ٥٣)

 مرآة الجنان (٣ / ٥٥)

 لسان الميزان (٥ / ١٤١)

بغية الوعاة (ص ٣٣٥)

 إتحاف الورى بأخبار أُمّ القرى

 صحاح الأخبار (ص ٦١)

جامع الأقوال في الرجال

 مجالس المؤمنين (ص ٢٠٩)

 رجال ابن أبي جامع

__________________

(١) الدرجات الرفيعة : ص ٤٥٩.

(٢) شذرات الذهب : ٥ / ١٦٨ حوادث سنة ٤٣٦ ه‍.

(٣) المنتظم : ١٥ / ٢٩٤ رقم ٣٢٥٧ ، معجم الأدباء : ١٣ / ١٤٦ ، رجال العلاّمة : ص ٩٤ رقم ٢٢ ، رجال ابن داود : ص ١٣٦ رقم ١٠٣٦ ، ميزان الاعتدال : ٣ / ١٢٤ رقم ٥٨٢٧ ، غاية الاختصار : ص ٧٦ ، الكامل في التاريخ : ٦ / ١٢٦ حوادث سنة ٤٣٦ ه‍ ، البداية والنهاية : ١٢ / ٦٧ حوادث سنة ٤٣٦ ه‍ ، لسان الميزان : ٤ / ٢٥٦ رقم ٥٧٩٧ ، بغية الوعاة : ٢ / ١٦٢ رقم ١٦٩٩ ، إتحاف الورى : ٢ / ٤٢٦ ، مجالس المؤمنين : ١ / ٥٠٠ ، رياض العلماء : ٤ / ١٤ ، كشكول البهائي : ٢ / ٦٥ ، مجمع البحرين : ١ / ١٨٨ ، الدرجات الرفيعة : ص ٤٥٨ ، أمل الآمل : ٢ / ١٨٢ رقم ٥٤٩ ، منتهى المقال : ص ٢٨١ ، كشكول البحراني : ١ / ٣٢٤ ، مقابس الأنوار : ص ٦ ، نسمة السحر : مج ٨ / ج ٢ / ٣٥٦ ، الشيعة وفنون الإسلام : ص ٧٥ ، الأعلام : ٤ / ٢٧٨ ، تاريخ آداب اللغة : مج ١٤ / ١٣٨ ، الكنى والألقاب : ٢ / ٤٨٠.

٣٦٠