الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨

وأحالوا على المقاديرِ في حر

بِك لو أنّ عذرَهمْ مقبولُ

واستقالوا من بعدِ ما أجلبوا في

ـها أالآن أيّها المستقيلُ

إنّ أمراً قنّعتَ من دونِه السي

ـفَ لمن حازَه لمرعىً وبيلُ

يا حساماً فلّتْ مضاربُه الها

مَ وقد فلّه الحسامُ الصقيلُ

يا جواداً أدمى الجوادَ من الطع

ـن وولّى ونحرُهُ مبلولُ

حجلُ الخيلِ من دماءِ الأعادي

يوم يبدو طعنٌ وتخفى حجولُ

يوم طاحتْ أيدي السوابق في الن

ـقعِ وفاض الونى وغاضَ الصهيلُ

أتُراني أُعيرُ وجهيَ صوناً

وعلى وجهِهِ تجولُ الخيولُ

أتُراني ألذُّ ماءً ولمّا

يروَ من مهجةِ الإمامِ الغليلُ

قبّلتهُ الرماحُ وانتضلتْ في

ـه‍ المنايا وعانقتْهُ النصولُ

والسبايا على النجائب تُستا

قُ وقد نالت الجيوبَ الذيولُ

من قلوبٍ يدمى بها ناظرُ الوج

ـد ومن أدمعٍ مراها الهُمولُ (١)

قد سلبنَ القناعَ عن كلِّ وجهٍ

فيه للصون من قناعٍ بديلُ

وتنقّبن بالأناملِ والدم

ـع على كلِّ ذي نقابٍ دليلُ

وتَشاكَيْنَ والشكاةُ بكاءٌ

وتنادينَ والنداءُ عويلُ

لا يغبّ الحادي العنيفُ ولا يف

ـتُرُ عن رنّةِ العديلِ العديلُ

يا غريبَ الديارِ صبري غريبٌ

وقتيلَ الأعداءِ نومي قتيلُ

بي نزاعٌ يطغى إليك وشوقٌ

وغرامٌ وزفرةٌ وعويلُ

ليت أنّي ضجيعُ قبرِكَ أو أ

نّ ثراه بمدمعي مطلولُ

لا أغَبَّ الطفوفَ في كلِّ يومٍ

من طِراقِ الأنواءِ غيثٌ هطولُ

مطرٌ ناعمٌ وريحُ شمالٍ

ونسيمٌ غضٌّ وظلٌّ ظليلُ

__________________

(١) مراها : استخرجها.

٣٠١

يا بني أحمدٍ إلى كم سناني

غائبٌ عن طعانه ممطولُ

وجيادي مربوطةٌ والمطايا

ومقامي يروعُ عنه الدخيلُ

كم إلى كم تعلو الطغاة وكم يح

ـكمُ في كلِّ فاضل مفضولُ

قد أذاعَ الغليلُ قلبي ولكن

غير بدعٍ إنِ استطبَّ العليلُ

ليت أنّي أبقى فأمترقَ النا

سَ وفي الكفِّ صارمٌ مسلولُ

وأجرَّ القنا لثارات يوم الط

ـفِ يستلحقُ الرعيلَ الرعيلُ

صبغَ القلبَ حبُّكمُ صبغةَ الشي

ـب وشيبي لو لا الردى لا يحولُ

أنا مولاكُمُ وإن كنت منكم

والدي حيدرٌ وأُمّي البتولُ

وإذا الناس أدركوا غايةَ الفخ

ـر شآهم من قالَ جدّي الرسولُ (١)

يفرح الناس بي لأنّيَ فضلٌ

والأنامُ الذي أراهُ فضولُ

فهمُ بين منشدٍ ما أقفّي

هِ سروراً وسامعٍ ما أقولُ

ليت شعري من لائمي في مقالٍ

ترتضيهِ خواطرٌ وعقولُ

أتركُ الشيءَ عاذري فيه كلُّ النا

سِ من أجلِ أن لحاني عَذُولُ

هو سؤلي إن أسعد اللهُ جَدّي

ومعالي الأمور للذِّمرِ (٢) سولُ (٣)

__________________

(١) شآهم : سبقهم.

(٢) الذِّمر : الشجاع الجمع أذمار ، والذمارة : الشجاعة. (المؤلف)

(٣) ديوان الشريف الرضي : ٢ / ١٨٧.

٣٠٢

ـ ٣٧ ـ

أبو محمد الصوري

المولود حدود (٣٣٩)

المتوفّى (٤١٩)

ولاؤك خيرُ ما تحتَ الضميرِ

وأنفسُ ما تمكّنَ في الصدورِ

وها أنا بتُّ أحسسُ منه ناراً

أَمَتُّ بحرِّها نارَ السعيرِ

أبا حسنٍ تبيّنَ غدرُ قومٍ

لعهدِ اللهِ من عهدِ الغديرِ

وقد قام النبيُّ بهم خطيباً

فدلَّ المؤمنين على الأميرِ

أشار إليهِ فيهِ بكلِّ معنىً

بَنَوْه على مخالفةِ المشيرِ

فكم من حاضرٍ فيهم بقلبٍ

يخالفُه على ذاك الحضورِ

طوى يومُ الغديرِ لهم حُقوداً

أنالَ بنشرِها يومَ الغديرِ

فيا لك منه يوماً جرَّ قوماً

إلى يومٍ عبوسٍ قمطريرِ

لأمرٍ سوّلتْهُ لهم نفوسٌ

وغرّتهمْ به دارُ الغرورِ

ولست من الكثيرِ فيطمئنّوا

بأنَّ اللهَ يعفو عن كثيرِ (١)

وله في أهل البيت عليهم‌السلام :

عيونٌ منعنَ الرقادَ العيونا

جعلنَ لكلِّ فؤادٍ فُتونا

__________________

(١) ديوان الصوري : ١ / ١٨٦ رقم ١٠٧.

٣٠٣

فكُنّ المُنى لجميعِ الورى

وكنّ لمن رامَهنّ المَنونا

وقلبٌ تُقلّبُهُ الحادثاتُ

على ما تشاء شمالاً يمينا

يصونُ هواهُ عن العالمينَ

ومدمعُهُ يستذلُّ المصونا

فما لي وكتمانِ داءِ الهوى

وقد كان ما خفتُهُ أن يكونا

وكان ابتداءُ الهوى بي مُجُوناً

فلمّا تمكّن أمسى جنونا

وكنت أظنُّ الهوى هيّناً

فلاقيتُ منه عذاباً مُهيناً

فلو كنتَ شاهدَ يومِ الوداعِ

رأيتَ جفوناً تناجي جفونا

فهل تركَ البينُ من أرتجيه

من الأوّلينَ أو الآخرينا

سوى حبِّ آلِ نبيِّ الهدى

فحبُّهمُ أملُ الآملينا

همُ عُدّتي لوفاتي همُ

نجاتي همُ الفوزُ للفائزينا

همُ موردُ الحوضِ للواردينَ

وهم عروةُ اللهِ للواثقينا

همُ عونُ من طلبَ الصالحاتِ

فكنْ بمحبّتهمْ مُستعينا

همُ حجّةُ اللهِ في أرضهِ

وإن جحدَ الحجّةَ الجاحدونا

همُ الناطقونَ هم الصادقونَ

وأنتم بتكذيبهم كاذبونا

همُ الوارثونَ علومَ النبيِ

فما بالُكمْ لهمُ وارثونا

حقدتم عليهم حُقوداً مضتْ

وأنتمْ بأسيافِهم مسلمونا

جحدْتُمْ موالاةَ مولاكمُ

ويومَ الغديرِ بها مؤمنونا

وأنتم بما قاله المصطفى

وما نصَّ من فضلِهِ عارفونا

وقلتم رضِينا بما قلتَهُ

وقالتْ نفوسُكمُ ما رضينا

فأيّكمُ كان أولى بها

وأثبتَ أمراً من الطيّبينا

وأيّكمُ كان بعد النبيِ

وصيّاً ومن كان فيكم أمينا

وأيّكمُ نامَ في فرشِهِ

وأنتمْ لمهجتِهِ طالبونا

ومن شارك الطهرَ في طائرٍ

وأنتمْ بذاك له شاهدونا

٣٠٤

لحا اللهُ قوماً رأوا رشدَكمْ

مبيناً فضلّوا ضلالاً مبينا (١)

وله في أهل البيت عليهم‌السلام :

ما طوّلَ الليلَ القَصِيرا

ونهى الكواكبَ أن تغورا

إلاّ وفي يده عزي

ـماتٌ يحلُّ بها الأُمورا

ذو مقلةٍ لا تستقلّ

ضنىً وإن أضنت كثيرا

ليستْ تفتِّر عن دمي

وترى بها أبداً فُتُورا

وترى بها ضعفاً يُري

ـك‍ المستجارَ المستجيرا

فيما يُنازعني عَذو

لاً أو يُسامحني عَذيرا

أترى بوادرَ فتنتي

فيما ترى إلاّ بُدورا

لو شاء لاختصر الغرا

مَ بها من اختصرَ الخصورا

ولقد لبست ثيابَ نف

ـسكَ مالكاً أو مستعيرا

وتمثّلَ الشيطانُ لي

ليغرّني رشأً غريرا

فخلعتُها ولبستُ ثو

بَ الفتكِ سحّاباً جَرورا

ما شئت فاقلعْ عنه واس

ـتغفر تجد ربّا غفورا

ما لم يكنْ من معشرٍ

غدروا وقد شهدوا الغديرا

وتآمروا ما بينهم

أن ينصبوا فيها أميرا

من كلِّ صدرٍ موغَرٍ

ملأت ضغائِنُهُ الصدورا

مترشّحٍ للملكِ قد

نصبتْ سريرتُه السريرا

وتوارثوها ليس تخ

ـرج عنهمُ شبراً قصيرا

هذا إلى أن قام قا

ئمُ آلِ أحمدَ مُستثيرا

__________________

(١) ديوان الصوري : ٢ / ٦٧ رقم ٤٨٣.

٣٠٥

وتسلّمَ الإسلامَ أق

ـتمَ مظلماً فكساهُ نورا (١)

وله في أهل البيت عليهم‌السلام :

نكرتْ معرفتي لمّا حكَمْ

حاكمُ الحبِّ عليها لي بدمْ

فبدتْ من ناظريها نظرةٌ

أدخلَتْها في دمي تحتَ التهمْ

وتمكّنتُ فأضنيتُ ضنىً

كان بي منها وأسقمتُ سقمْ

وصبتْ بعد اجتنابٍ صبوةً

بدّلتْ من قولِها لا بنعمْ

وفقدتُ الوجدَ فيها والأسى

فتألّمتُ لفقدانِ الألمْ

ما لعيني وفؤادي كلّما

كتمتْ باحَ وإن باحتْ كتمْ

طالَ بي خُلْفُهما فاتّفقتْ

لي همومٌ في الرزايا وهممْ

ورزايا المصطفى في أهلِهِ

فاتحاتٌ للرزايا وخُتُمْ

يا بني الزهراءِ ما ذا اكتَسَبتْ

فيكمُ الأيّامُ من عتْبٍ وذمْ

يا طوافاً طافَ طوفانٌ به

وحطيماً بقنا الخطِّ حُطِمْ

أيُّ عهدٍ يُرتجى الحفظُ له

بعد عهد الله فيكم والذممْ

لا تسلّيتُ وأنوارٌ لكمْ

غَشِيَتْها من بني حربٍ ظُلَمْ

ركبوا بحرَ ضلالٍ سلموا

فيه والإسلامُ فيهم ما سلمْ

ثمّ صارتْ سنّةً جاريةً

كلُّ من أمكنهُ الظلمُ ظلمْ

وعجيبٌ إنّ حقّا بكمُ

قامَ في الناسِ وفيكمْ لم يَقُمْ

والولا فهو لمن كان على

قولِ عبدِ المُحسنِ الصوري قسمْ

وأبيكمْ والذي وصّى به

لأبيكمْ جدُّكمْ في يومِ خُمْ

لقد احتجَّ على أُمّتِهِ

بالذي نالكمُ باقي الأُممْ (٢)

__________________

(١) ديوان الصوري : ١ / ٢١٩ رقم ١٤٦.

(٢) ديوان الصوري : ١ / ٤١٥ رقم ٣٧٤.

٣٠٦

الشاعر

أبو محمد عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب (١) بن غلبون الصوري ، من حسنات القرن الرابع ونوابغ رجالاته ، وقد مُدَّ له البقاء إلى أوليات القرن الخامس ، جمع شعره بين جزالة اللفظ وفخامة المعنى ، كما أنّه لا تعدوه رقّة الغزل وشدّة الجدل ، فهو عند الحِجاج يُدلي بحجّته القويمة ، وعند الوصف لا يأتي إلاّ بصورة كريمة ، وديوان شعره المحتوي على خمسة آلاف بيت تقريباً ، الحافل بالرقائق والحقائق يتكفّل البرهنة على هذه الدعاوى ، وهو نصٌّ في تشيّعه كما عدّه ابن شهرآشوب (٢) من شعراء أهل البيت المجاهرين ، وما ذكرناه من شعره يمثّل روحه المذهبيّة ، ونزعته الطائفيّة الحميدة ، وتعصّبه لآل البيت النبويّ ، واعترافه بحقّهم الثابت ، ونبذه ما وراء ذلك نبذاً لا مرتجع إليه ، وفي ديوانه ـ غير ما ذكرناه ـ شواهد وتلويحات لطيفة ، نحو قوله في صبيٍّ اسمه عمر :

نادمني من وجهُهُ روضةٌ

مشرقةٌ يمرحُ فيهِ النظرْ

فانظر معي تنظرْ إلى معجزٍ

سيفُ عليٍّ بين جفني عمرْ

وقد ترجمه ابن أبي شبانة في تكملة أمل الآمل ، وهو لا يترجم إلاّ المتمسِّك بحُجزةِ (٣) أهلِ البيتِ الطاهر ، وتر جمه الثعالبي في يتيمة الدهر (٤) (١ / ٢٥٧) وذكر من شعره (٢٢٥) بيتاً ، وأثنى عليه وانتخب من ديوانه أبياتاً في تتميم يتيمته (٥) (١ / ٣٥) ،

__________________

(١) في تتميم يتيمة الدهر : ١ / ٣٥ [٥ / ٤٦] : طالب ، وهو تصحيف. (المؤلف)

(٢) معالم العلماء : ص ١٥١ ، وعدّه في المقتصدين.

(٣) الحُجزة : معقد الإزار ، استعاره قدس‌سره للدلالة على الالتجاء والاعتصام والتمسك بأهل البيت عليهم‌السلام :.

(٤) يتيمة الدهر : ١ / ٣٦٣.

(٥) تتمّة يتيمة الدهر : ٥ / ٤٦.

٣٠٧

وعقد ابن خلّكان (١) له ترجمةً ضافيةً ، أطراه ووصف شعره في (١ / ٣٣٤) ، وقال : توفّي يوم الأحد تاسع شوال سنة تسع عشرة وأربعمائة وعمره ثمانون أو أكثر ، وذكره ابن كثير في تاريخه (٢) (١٢ / ٢٥). ومن شعره في أهل البيت عليهم‌السلام :

تَوَقَّ إذا ما حرمةُ العدلِ جلّتِ

ملامي لتقضي صبوتي ما تمنّتِ

أغرّكَ أن لم تستفزَّكَ لوعةٌ

بقلبي ولا استبكاك بَيْنٌ بمقلتي

لك الخيرُ هذا حين شئتَ تلومُني

لجاجاً فأَلاّ لُمْتَ أيّامَ شِرّتي

غداةَ أجيبُ العيسَ إذ هي حنّتِ

وأحدو إذا وِرْقُ الحمائمِ غنّتِ

وأنتهبُ الأيّامَ حتى كأنّني

أدافع من بعد الحُلولِ منيّتي

وأستصغر البلوى لمن عرَفَ الهوى

وأستكثرُ الشكوى وإن هي قَلّتِ

أطيل وقوفي في الطلولِ كأنّني

أحاولُ منها أن تَرُدَّ تحيّتي

لياليَ ألقى كلَّ مهضومةِ الحشا

إذا عدلتْ في ما جناهُ تجنّتِ

أصدُّ فيدعوني إلى الوصلِ طرفُها

وإن أنا سارعتُ الإجابةَ صدّتِ

وإن قلتُ سُقمي وكّلَتْ سقمَ طرفِها

بإبطالِ قولي أو بإدحاضِ حجّتي

وإن سمعتْ وأنار قلبي شناعةً

عليها أجابتني بوانارِ وجنتي

وأصرفُ همّي عن هواها بهمّتي

عزوفاً فتثنيني إذا ما تثنّتِ

وأَنشدُ بين البينِ والهجرِ مهجتي

ولم أدرِ في أيِّ السبيلين ضلّتِ

وما أحسبُ الأيّامَ أيّامَ هجرِها

تطاولُني إلاّ لتقصرَ مدّتي

دعوا الأمَةَ اللاّتي استحلّت دمي تكنْ

مع الأمّةِ اللاّتي بغتْ فاستحلّتِ

فما يُقتدى إلاّ بها في اغتصابِها

ولا أقتدي إلاّ بصبرِ أئمّتي

أليس بنو الزهراءِ أدهى رزيّةً

عليكمْ إذا فكّرتمُ في رزيّتي

حُماتي إذا لانت قناتي وعدّتي

إذا لم تكنْ لي عدّةٌ عند شدّتي

__________________

(١) وفيات الأعيان : ٣ / ٢٣٢ رقم ٤٠٦.

(٢) البداية والنهاية : ١٢ / ٣٢ حوادث سنة ٤١٩ ه‍.

٣٠٨

أقامتْ لحربِ اللهِ حزب أُميّةٍ

إذا هي ضلّتْ عن سبيلٍ أضلّتِ

قلوبٌ على الدينِ العتيقِ تألّفتْ

لهمْ ومن الحقدِ القديمِ استملّتِ

بما ذا تُرى تحتجُّ يا آلَ أحمدٍ

على أحمدٍ فيكمْ إذا ما استعدّتِ

وأشهر ما يروونه عنه قولُهُ

تركتُ كتابَ اللهِ فيكم وعترتي

ولكنّ دنياهم سعتْ فسعوا لها

فتلك التي فلّت ضميراً عن التي (١)

وله في أهل البيت سلام الله عليهم :

أصبحوا يفرقونَ من إفراقي

فاستغاثوا في نكستي بالفراقِ

ما صبرتم لقد بَخِلتمْ على المد

نفِ حقّا حتى بطول السياقِ

راحةٌ ما اعتمدتموها بقتلي

رُبَّ خيرٍ أتى بغير اتّفاقِ

سوفَ أمضي وتلحقون ولا عل

ـمَ لكم ما يكونُ بعد اللحاقِ

حيث لا يجمعُ القضيّةَ من يج

ـمعُ بين الخصمينِ ماضٍ وباقِ

ما لهمْ لا خلقتُ فيهم فما أغ

ـفلَ قومي عن الدمِ المُهراقِ

رُبّ ظهرٍ قلبته مثل ما يُق

ـلَبُ ظهرُ المجنِّ للإرشاقِ

بعد ما قادني فلم أدرِ حتى

صرتُ ما بين ملتقى الأحداقِ

وأراني أسيرَ عينيكَ منهنّ

فما ذا تراهُ في إطلاقي

مسّةٌ من هواكَ بي لا من الجنِ

فهل من مُعَزِّمٍ أو راقِ

غير أن يُبرِدَ احتراقي بوصلٍ

أو بوعدٍ أو أن يبلَّ اشتياقي

أو يعيدَ الكرى كما كان لا يو

حشُني من خيالِكَ الطرّاقِ

ما لنومي كأنّه كان في

أوّل دمعي جرى من الآماقِ

غير مُسترجَعٍ فيُرجى وهل تر

جعُ للعينِ أدمعٌ في سباقِ

بأبي شادنٌ توثّقتُ بالأَيْ

ـمانِ منه من قبلِ شدِّ وثاقي

__________________

(١) ديوان الصوري : ١ / ٧٣ رقم ٢٢.

٣٠٩

فهو إلاّ يكنْ لحربٍ فحربٌ

علّمتهُ خيانةَ الميثاقِ

نفرٌ من أُميّةٍ نَفَر الإس

ـلامُ من بينهم نفورَ إباقِ

أنفقوا في النفاقِ ما غصبوه

فاستقام النفاقُ بالإنفاقِ

وهي دارُ الغرورِ قصّر باللو

م فيها تطاولُ العشّاقِ

وأراها لا تستقيمُ لذي الزه

ـد إذا المالُ مالَ بالأعناقِ

فلهذا أبناءُ أحمدَ أبنا

ءُ عليٍّ طرائدُ الآفاقِ

فقراءُ الحجازِ بعد الغنى الأك

ـبر أسرى الشآم قتلى العراقِ

جانبتهمْ جوانبُ الأرض حتى

خلتَ أنّ السماءَ ذاتُ انطباقِ

إن أقصّر يا آل أحمد أو أُغ

ـرق كان التقصيرُ كالإغراقِ

لستُ في وصفِكم بهذا وهذا

لاحقاً غيرَ أن تروا إلحاقي

إنّ أهلَ السماءِ فيكم وأهل ال

أرضِ ما دامتا لأَهلُ افتراقِ

عرفَتْ فضلَكم ملائكةُ اللّ

ـه‍ فدانتْ وقومُكمْ في شقاقِ

يستحقّون حقَّكمْ زعموا ذ

لك سحقاً لهم من استحقاقِ

وأرى بعضَهم يبايعُ بعضاً

بانتظام من ظلمكم واتّساقِ

واستثاروا السيوفَ فيكم فقُمْنا

نستثيرُ الأقلامَ في الأوراقِ

أيُّ غبنٍ لو لا القيامةُ والمرْ

جوُّ فيها من قدرةِ الخلاّقِ

فكأنّي بهم يودّون لو أنّ ال

ـخوالي من الليالي البواقي

ليتوبوا إذا يُذادون عن أك

ـرمِ حوضٍ عليهِ أكرمُ ساقِ

وإذا ما التقوا تقاسمت النا

ر عليّا بالعدلِ يومَ التلاقِ

قيل هذا بما كفرتمْ فذوقوا

ما كسبتمْ يا بؤس ذاك المذاقِ (١)

وقال في يوم عاشوراء يمدح الإمام الحاكم بأمر الله :

__________________

(١) ديوان الصوري : ١ / ٣٠٧ رقم ٢٥٥.

٣١٠

خلا طرفُهُ بالسقم دوني يلازمُه

إلى أن رمى سهماً فصرتُ أساهمُهْ

فأصبحَ بي ما لستُ أدري أمثلُهُ

بجفنيه أم لا يعدلُ السقمَ قاسمُهْ

لئن كان أخفى الصدرُ صدّا من الجوى

ففي العينِ عنواناتُهُ وتراجمُهْ

ولم يخفِهِ أنّ الهوى خفَّ حملُهُ

ولكن لأنّ اللومَ ليس يلائمُهْ

ويا رُبَّ ليلٍ قصّرَ الذكرُ طولَهُ

فما طَلَعتْ حتى تجلّت غمائمُهْ

وما نمتُ فيه غيرَ أنْ لو سألتني

من الشغلِ عنه قلتُ ما قالَ نائمُهْ

ولكنّه ألقى على الصبحِ لونَهُ

فوالاهُ يومٌ شاحبُ الوجهِ ساحِمُهْ

كما جاءَ يومٌ في المحرّمِ واحدٌ

خبا نورُه لمّا استُحِلّتْ محارمُهْ

طغتْ عبدُ شمسٍ فاستقلَّ محلّقاً

إلى الشمسِ من طغيانِها مُتراكمُهْ

فمن مبلغٌ عنّي أُميّةَ أنّني

هتفتُ بما قد كنتُ عنها أكاتمُهْ

مضت أعصرٌ معوجّةٌ باعوجاجِكم

فلا تنكروا أن قوّمَ الدهرَ قائمُهْ

وجدّد عهدَ المصطفى بعضُ أهلِهِ

وحكّم في الدينِ الحنيفيِّ حاكمُهْ

فيا أيّها الباكون مصرعَ جدِّهِ

دعوا جدَّهُ تبكي عليه صوارمُهْ

ألا أيّها الثكلى التي من دموعِها

إذا هي حَنّت من قتيلٍ جماجمُهْ

لقد خسرَ الدارينِ من صدَّ وجهَهُ

فلا أنت مُبقيه ولا اللهُ راحمُهْ

حريصاً على نارِ الجحيمِ كأنّه

يخافُ على أبوابِها من يُزاحمُهْ

إلى من تراه فوّضَ الأمرَ غيرَكمْ

إذا أنتمُ أركانُه ودعائمُهْ

فيا لكَ منها دولةً علويّةً

تبدّتْ بسعدٍ حاكمُ الدهر خاتمُهْ (١)

وله قوله :

بالذي ألهمَ تعذي

ـبي ثناياك العِذابا

والذي ألبس خدّي

ـكَ من الوردِ نقابا

__________________

(١) ديوان الصوري : ٢ / ٣٧ رقم ٤٣٨.

٣١١

والذي أودعَ في في

ـك‍ من الشَّهدِ شرابا

والذي صيّر حظّي

منك هجراً واجتنابا

ما الذي قالته عينا

كَ لقلبي فأجابا

والذي قالته للدم

ـعِ فواراها انصبابا

يا غزالاً صاد باللح

ـظِ فؤاداً فأصابا

عَمْرَكَ اللهُ بصبٍ

لا يُرى إلاّ مصابا

هذه الأبيات توجد في ديوان المترجَم (١) ، فنسبتها إلى الصنوبري كما في كشكول البهائي (٢) (١ / ٢٣) في غير محلّه ، وأخذ البهائي (٣) منها قوله :

يا بدرَ دجىً فراقُه القلبَ أذابْ

مذ ودّعني فغابَ صبري إذ غابْ

بالله عليكَ أيَّ شيء قالت

عيناك لقلبي المعنّى فأجابْ

وللمترجم الصوري :

(سفرنَ بدوراً وانتقبنَ أهلّةً

ومِسْن غصوناً والتفتن جآذرا) (٤)

وأَبدينَ أطرافَ الشعورِ تستّراً

فأغدرتِ الدنيا علينا غدائرا

وربّتَما أطلعنَ والليلُ مقبلٌ

وجوهَ شموسٍ تُوقِفُ الليلَ حائِرا

فهنّ إذا ما شئنَ أمسينَ أو إذا

تعرّضَ أن يصبحنَ كنَّ قوادرا (٥)

وقال يرثي شيخ الأمّة ابن المعلّم أباعبد الله محمد بن محمد بن النعمان المفيد المتوفّى (٤١٣):

__________________

(١) ديوان الصوري : ٢ / ١٢٣ رقم ٥٨٨.

(٢) كشكول البهائي : ١ / ١٣٣ ، وفيه نسبة هذه الأبيات إلى الصوري لا الصنوبري.

(٣) كشكول البهائي : ١ / ١٥٢.

(٤) البيت لعليّ بن إسحاق الزاهي المتوفّى (٣٢٥ ه‍) ، وما بعده من الأبيات قاله المترجم إجازةً له.

(٥) ديوان الصوري : ١ / ١٥٤ رقم ٨١.

٣١٢

تبارك من عمَّ الأنامَ بفضلِهِ

وبالموتِ بين الخلقِ ساوى بعدلِه

مضى مستقلاّ بالعلومِ محمدٌ

وهيهاتَ يأتِينا الزمانُ بمثلِه (١)

جاء في بدائع البدائِه (٢) بإسناده عن بكّار بن عليّ الرياحي أنّه قال :

لمّا وصل عبد المحسن الصوري إلى دمشق جاءني المجدي الشاعر فعرّفني به ، وقال : هل لك أن نمضي إليه ونسلّم عليه؟ فأجبت ، وقمت معه حتى أتينا إلى منزله ، وكان ينزل دائماً إذا قدم في سوق القمح ، وكان بين يديه دكّان قطّان وفيها رجلٌ أعمى ، فوقفت به عجوز كبيرة فكلّمها بشيءٍ وهي منصتة له ، فقال المجدي في الحال :

مُنصتةٌ تسمع ما يقولُ

فقال عبد المحسن في الحال :

كالخلد (٣) لمّا قابلته الغولُ

فقال له المجدي : أحسنت والله يا أبا محمد أتيت بتشبيهين في نصف بيت أعيذك بالله. انتهى.

ومن لطيف قول الصوري ما قاله وقد استعير منه كتاب وحبس عليه ، كما يوجد في ديوانه (٤):

ما ذا جناه كتابي فاستحقَّ به

سجناً طويلاً وتغييباً عن الناسِ

فاطلقه نسألْهُ عمّا كان حلَّ به

في طول سجنِكَ من ضرٍّ ومن باسِ

__________________

(١) ديوان الصوري : ١ / ٤١٤ رقم ٣٧٣.

(٢) وذكره ابن عساكر في تاريخه : ٣ / ٢٨١ [١٠ / ٣٦٧ رقم ٩٤٢]. (المؤلف)

(٣) في تاريخ ابن عساكر : كالحلد. وهو كما ترى [وفي الطبعة الجديدة : كالخلد]. (المؤلف)

(٤) ديوان الصوري : ١ / ٢٤٩ رقم ١٧٨.

٣١٣

كتب الشاعر المفلق أحمد بن سلمان الفجري إلى عبد المحسن الصوري :

أعبدَ المحسنِ الصوريَّ لِم قدْ

جثمتَ جثومَ منهاضٍ كسيرِ

فإن قلتَ العبالةُ أقعدتني

على مضضٍ وعاقت عن مسيري (١)

فهذا البحر يحملُ هُضْبَ رضوى

ويستثني بركنٍ من ثبيرِ

وإن حاولتَ سيرَ البرِّ يوماً

فلستَ بمثقلٍ ظهرَ البعيرِ

إذا استحلى أخوكَ قلاك يوماً

فمثلُ أخيكَ موجودُ النظيرِ

تحرّكْ علَّ أن تلقى كريماً

تزولُ بقُربِهِ إِحَنُ الصدورِ

فما كلُّ البريّةِ من تراهُ

ولا كلُّ البلادِ بلادُ صورِ

فأجابه عبد المحسن :

جزاك اللهُ عن ذا النصحِ خيراً

ولكن جاءَ في الزمنِ الأخيرِ

وقد حدّتْ ليَ السبعون حدّا

نهى عمّا أمرتَ من المسيرِ

ومذ صارتْ نفوسُ الناسِ حولي

قصاراً عُذتُ بالأمل القصيرِ (٢)

وقال في صبيِّ اسمه مقاتل ـ وله فيه شعرٌ كثيرٌ ـ :

تعلّمتْ وجنتُه رُقيةً

لعقربِ الصدغ فما تلسعُ

صُمَّتْ عن العاذل في حبِّه

أُذني فما لي مِسمَعٌ يسمعُ

ودَّعْتُهُ والدّمعُ في مقلتي

في عَبرتي مستعجلٌ مُسرعُ

فظنَّ إذ أبصرتَها أنّها

سائرُ أعضائي بها تدمعُ

وقال هذا قبلَ يوم النّوى

فما ترى بعد النّوى تصنعُ

في غيرِ وقتِ الدمعِ ضيّعتَهُ

قلتُ فقَلبي عندَكم أضيعُ (٣)

__________________

(١) العبالة : الضخامة. (المؤلف)

(٢) راجع ديوانه [١ / ٢٠٢ رقم ١٢٤] ، وذكرها الثعالبي في يتيمة الدهر : ١ / ٢٦٩ [١ / ٣٧٩]. (المؤلف)

(٣) ديوان الصوري : ١ / ٢٧٨ رقم ٢١٦ ، ٢١٧.

٣١٤

وقال في مقاتل أيضاً :

احفظ فؤادي فأنت تملكُهُ

واستر ضميري فأنت تهتكُهُ

هجرُكَ سهلٌ عليك أصعبُهُ

وهو شديدٌ عليَّ مسلكُهُ

بسيف عينيكَ يا مقاتِلُ كم

قتلتَ قبلي من كنتَ تملكُهُ

أمّا عزائي فلستُ آملُه

فيك وصبري ما لستُ أدركُهُ (١)

وقال فيه وهو مُعْذِر :

وقفَ الليلُ والنهارُ وقد كا

ن إذا ما أتى النهار يفرُّ

لا يرى رجعة فيكسبُ عاراً

لا ولا ثمَّ قوّةٌ فيفِرُّ

أينَ سلطانُ مقلتيك علينا

قل له ما يجوزُ في الحبِّ سحرُ

أنت فرّقتَ نارَ خدّيك حتى

كلُّ قلبٍ صبٍّ لها فيه جمرُ

فبما ذا تلقى عذارَيْكَ قل لي

سيّما إنْ تداركَ الشَّعرَ شَعرُ

وعزيزٌ عليَّ أنّك بالحر

بِ وبالسلم طولَ عمرِكَ غرُّ (٢)

وخلف المترجم على أدبه الجمّ وقريضه البديع ولده عبد المنعم ، ذكره الثعالبي (٣).

__________________

(١) ديوان الصوري : ١ / ٣٤٠ رقم ٢٩٤.

(٢) ديوان الصوري : ١ / ٢٠٣ رقم ١٢٥.

(٣) تتمّة يتيمة الدهر : ٥ / ٨٢.

٣١٥
٣١٦

ـ ٣٨ ـ

مهيار الديلمي

المتوفّى (٤٢٨)

ـ ١ ـ

هل بعدَ مُفترَقِ الأظعانِ مجتمعُ

أم هل زمانٌ بهم قد فاتَ يُرتجَعُ

تحمّلوا تَسَعُ البيداءُ ركبَهمُ

ويحملُ القلبُ فيهم فوقَ ما يَسعُ

مغرِّبين همُ والشمسَ قد ألفوا

ألَا تغيبَ مغيباً حيثما طلعوا

شاكين للبَيْنِ أجفاناً وأفئدةً

مفجّعين به أمثالَ ما فجعوا

تخطو بهم فاتراتٌ في أزمّتِها

أعناقُها تحت إكراهِ النوى خُضُعُ

تشتاق نعمانَ لا ترضى بروضتِهِ

داراً ولو طابَ مصطافٌ ومرتبَعُ

فداء وافين تمشي الوافياتُ بهمْ

دمعٌ دمٌ وحَشاً في إِثرِهم قِطَعُ

الليلُ بعدهُمُ كالفجرِ متّصلٌ

ما شاء والنومُ مثلُ الوصلِ منقطِعُ

ليت الذين أصاخوا يومَ صاحَ بهمْ

داعي النوى ثوِّروا صمّوا كما سمِعوا

أوليتَ ما أخذَ التوديعُ من جسدي

قضى عليَّ فللتعذيبِ ما يدعُ

وعاذلٍ لجَّ أعصيه ويأمرُني

فيه وأهربُ منه وهو يتّبعُ

يقول : نفسَك فاحفظها فإنّ لها

حقّا وإنّ علاقاتِ الهوى خدَعُ

روِّح حشاك بِبَردِ اليأس تسلُ به

ما قيل في الحبِّ إلاّ أنّه طمعُ

والدهرُ لونانِ والدنيا مقلّبةٌ

الآنَ يعلمُ قلبٌ كيف يرتدعُ

٣١٧

هذي قضايا رسولِ اللهِ مهملةٌ

غدراً وشملُ رسولِ اللهِ مُنصدعُ

والناسُ للعهدِ ما لاقوا وما قربوا

وللخيانِة ما غابوا وما شَسَعوا (١)

وآلُهُ وهمُ آلُ الإلهِ وهمْ

رُعاةُ ذا الدينِ ضِيموا بعده ورُعُوا

ميثاقُهُ فيهمُ ملقىً وأمّتُهُ

مع من بغاهم وعاداهم له شِيَعُ

تُضاعُ بيعتُهُ يومَ الغديرِ لهمْ

بعد الرضا وتُحاطُ الرومُ والبِيَعُ

مقسّمين بأيمانٍ همُ جذبوا

ببوعها وبأسيافٍ همُ طبعوا

ما بين ناشرِ حبلٍ أمسِ أبرمه

تُعَدُّ مسنونةً من بعدِهِ البِدَعُ

وبين مُقتنصٍ بالمكرِ يخدعُهُ

عن آجلٍ عاجلٌ حلوٌ فينخدعُ

وقائل لي عليٌّ كان وارثَهُ

بالنصِّ منه فهل أَعَطَوه أم منعوا

فقلت كانت هَناتٌ لستُ أذكرُها

يجزي بها اللهُ أقواماً بما صنعوا

أبلغْ رجالاً إذا سمّيتُهمْ عُرِفوا

لهم وجوهٌ من الشحناءِ تُمتقعُ

توافقوا وقناةُ الدين مائلةٌ

فحين قامتْ تلاحَوا فيه واقترعوا

أطاع أوّلُهم في الغدرِ ثانيَهمْ

وجاءَ ثالثُهم يقفو ويتّبعُ

قفوا على نظرٍ في الحقِّ نفرضُهُ

والعقلُ يفصلُ والمحجوجُ ينقطعُ

بأيّ حكمٍ بنوه يتبعونكمُ

وفخرُكمْ أنّكمْ صحبٌ له تَبَعُ

وكيف ضاقتْ على الأهلينَ تربتُهُ

وللأجانبِ من جنبيهِ مضطجَعُ

وفيم صيّرتمُ الإجماعَ حجّتَكمْ

والناسُ ما اتّفقوا طوعاً ولا اجتمعوا

أَمْرٌ عليٌّ بعيدٌ من مشورتِهِ

مستكرَهٌ فيه والعبّاس يَمتنعُ

وتدّعيه قريشٌ بالقرابة وال

أنصار لا رُفُعٌ فيه ولا وُضُعُ

فأيّ خُلفٍ كخُلْفٍ كان بينكمُ

لو لا تُلفَّقُ أخبارٌ وتصطَنَعُ

واسألهمُ يوم خُمٍّ بعد ما عقدوا

له الولايةَ لِمْ خانوا ولِمْ خلَعوا

__________________

(١) شسعوا : بعدوا.

٣١٨

قولٌ صحيحٌ ونيّاتٌ بها نَغَلٌ

لا ينفع السيفَ صَقلٌ تحته طَبَعُ (١)

إنكارُهمْ يا أميرَ المؤمنينَ لها

بعد اعترافِهمُ عارٌ به ادّرعوا

ونكثُهمْ بكَ مَيْلاً عن وصيّتهمْ

شرعٌ لَعمرُكَ ثانٍ بعده شرعوا

تركتَ أمراً ولو طالبتَهُ لدرتْ

معاطسٌ راغمته كيف تُجتدَعُ

صبرت تحفظُ أمرَ اللهِ ما اطّرحوا

ذبّا عن الدينِ فاستيقظتَ إذ هجعوا

ليشرقنَّ بحلوِ اليومِ مُرُّ غدٍ

إذا حصدتَ لهم في الحشرِ ما زرعوا

جاهدتُ فيك بقولي يومَ تختصمُ ال

أبطالُ إذ فات سيفي يومَ تمتصِعُ (٢)

إنّ اللسانَ لوصّالٌ إلى طُرُقٍ

في القلبِ لا تهتديها الذُبّلُ الشُّرُعُ

آباي في فارسٍ والدينُ دينكمُ

حقّا لقد طاب لي أُسٌّ ومرتبعُ

ما زلتُ مذ يفعتْ سنّي ألوذُ بكمْ

حتى محا حقُّكمْ شكّي وأنتجعُ

وقد مضتْ فُرُطاتٌ إن كفلتُ بها

فرّقتُ عن صُحفي البأسَ الذي جمعوا

سلمان فيها شفيعي وهو منك إذا ال

آباءُ عندَكَ في أبنائِهم شفعوا

فكن بها منقذاً من هول مُطّلعي

غداً وأنت من الأعرافِ مطّلِعُ

سوّلتُ نفسي غروراً إن ضمنتُ لها

أنّى بذخرٍ سوى حبِّيك أنتفعُ

ما يتبع الشعر

قال الأستاذ أحمد نسيم المصري في التعليق على قول مهيار :

تضاعُ بيعتُهُ يومَ الغديرِ لهمْ

بعد الرضا وتحاطُ الرومُ والبِيَعُ

الغدير : هو غدير خمّ بين مكّة والمدينة ، قيل : أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطب الناس عنده فقال : «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه» (٣).

__________________

(١) النغَل : الضغن وسوء النيّة ، الطبع : الصدأ. (المؤلف)

(٢) تمتصع : تقاتل بالسيف. (المؤلف)

(٣) ديوان مهيار : ٢ / ١٨٢. (المؤلف)

٣١٩

قال الأميني : ليت شعري هل خفي على الأستاذ تواتر ذلك الحديث المرويّ عن مائة صحابيّ أو أكثر؟ أم حبّذته نزعاته الطائفيّة أن يسدل عليه أغشية الزور والدجل؟ ويموِّهه على القارئ ، ويستر الحقيقة الراهنة بذيل أمانته؟ ويوعز إلى ضعفه بكلمته : قيل.

(قُلْ هُوَ نَبَأٌ عَظِيمٌ * أَنْتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ) (١) و (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) (٢).

ـ ٢ ـ

وله في ديوانه في (٣ / ١٥) يرثي بها أهل البيت عليهم‌السلام ، ويذكر البركة بولائهم فيما صار إليه :

في الظباءِ الغادينَ أمسِ غزالُ

قال عنهُ ما لا يقولُ الخيالُ

طارقٌ يزعمُ الفراقَ عِتاباً

ويرينا أنّ المَلالَ دلالُ

لم يزلْ يخدعُ البصيرةَ حتى

سَرّنا ما يقولُ وهو مُحالُ

لا عدمتُ الأحلامَ كم نوّلتني

من منيعٍ صعبٍ عليه النوالُ

لم تنغِّصْ وعداً بمطلٍ ولم يو

جبْ له منّةً عليَّ الوصالُ

فلليلي الطويلِ شكري ودِينُ ال

ـعشقِ أن تُكرَه الليالي الطوالُ

لمن الظعنُ غاصبتنا جَمالاً

حبّذا ما مشت به الأجمالُ

كانفاتٍ بيضاءَ دلَّ عليها

أنّها الشمس أنّها لا تُنالُ

جمحَ الشوقُ بالخليعِ فأهلاً

بحليمٍ له السلوُّ عِقالُ

كنتُ منه أيّامَ مرتعُ لذّا

تي خصيبٌ وماءُ عيشي زُلالُ

__________________

(١) سورة ص : ٦٧ ـ ٦٨.

(٢) البقرة : ١٤٦.

٣٢٠