الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨

فرس كان تحته ، فقال مرتجلاً :

طرفٌ تحاولُ شأوَهُ ريحُ الصبا

سفهاً فتعجز أن تشقَّ غباره

بارى بشمسِ قميصِهِ شمسَ الضحى

صبغاً ورضَّ حجارَه بحجاره

٣٦ ـ أبو بكر محمد بن أحمد اليوسفي الزوزني ، له صاحبيّة أوّلها :

أطلع الله للمعاني سعوداً

وأعاد الزمان غضّا جديدا

ومنها :

بعث الدهرُ جندَهُ وبعثنا

نحوه دعوةَ الإله جنودا

يا عميدَ الزمانِ إنّ الليالي

كدنَ يتركن كلَّ قلبٍ عميدا

حادثاتٌ أَردنَ إحداثَ هدمٍ

لعلاهُ فأحدثتْ تشييدا

وله من أخرى قوله :

سلامٌ عليها إنّ عيني عندما

أشارت بلحظِ الطرفِ تخضبُ عَندما (١)

٣٧ ـ أبو بكر يوسف بن محمد بن أحمد الجلودي الرازي ، له قصيدةٌ صاحبيّةٌ منها قوله :

رياضٌ كأنّ الصاحبَ القرمَ جادَها

بأنوائِه أو صاغَها من طباعِه

يجلّي غياباتِ الخطوبِ برأيهِ

كما صدع الصبحُ الدجى بشعاعِه

ومنها :

سحابٌ كيمناهُ وليلٌ كبأسِه

وبرقٌ كماضيه وخرقٌ كباعِه

٣٨ ـ أبو طالب عبد السلام بن الحسين المأموني. قال فريد وجدي في دائرة

__________________

(١) العندم : شجر أحمر ، وقيل : صبغ أحمر.

٨١

المعارف (٦ / ٢٠) : مدح الصاحب بقصائد فأعجبه نظمه ، توفّي سنة (٣٨٣)

٣٩ ـ أبو منصور الجرجاني ، كتب إلى الصاحب قوله :

قل للوزير المرتجى

كافي الكفاة الملتجى

إنّي رُزقتُ ولداً

كالصبح إذ تبلّجا

لا زال في ظلّك ظ

ـلِّ المكرمات والحجا

فسمِّه وكنِّه

مشرَّفاً متوَّجا

فوقّع الصاحب تحتها بقوله :

هُنِّئتَهُ هنِّئتَهُ

شمسَ الضحى بدرَ الدجى

فسمِّهِ محسِّناً

وكنِّه أبا الرجا

٤٠ ـ الأوسي ، مدح الصاحب ببائيّة أنشدها بين يديه فلمّا بلغ إلى قوله :

لمّا ركبتُ إليك مُهري أُنعِلَتْ

بدرَ السماءِ وسُمِّرتْ بكواكب

قال له الصاحب : لِمَ أنّثتَ المهر؟ ولِم شبّهتَ النعل بالبدر ولا يشبهه؟ ولو شبّهته بالهلال لكان أحسن فإنّه على هيئته ، فقال الأوسي : أمّا تأنيث المهر فلأ نّي عنيت المهرة ، وأمّا تشبيهي النعل ببدر السماء فلأنّي أردت النعل المطبقة.

٤١ ـ إبراهيم بن عبد الرحمن المعرّي ، مدح الصاحب بقصيدة منها :

قد ظهر الحقُّ وبانَ الهدى

لمن له عينانِ أو قلبُ

مثلَ ظهورِ الشمس في حُجْبِها

إذ رُفِعتْ عن نورِها الحُجبُ

بالمَلك الأعظم مستبشرٌ

شرقُ بلادِ اللهِ والغربُ

٤٢ ـ محمد بن يعقوب أحد أئمّة النحو ، كتب إلى الصاحب كما في دمية القصر (١ / ٣٠١):

٨٢

قل للوزيرِ أدامَ اللهُ نعمتَهُ

مستخدماً لمجاري الدهر والقدرِ

أردت عبداً وقد أُعطِيتَهُ ولداً

فسمِّهِ باسم من بالعربِ مفتخرِ (١)

وإن وصلتَ له تشريفَ كنيتِهِ

جمعتَ بالطولِ بين الروضِ والمطرِ

لا زال ظلُّك ممدوداً ومنتشراً

فإنّه خيرُ ممدودٍ ومنتشرِ

هنّيتَهُ ابناً يشيع الأُنس في البشَرِ

هُنِّيتَ مَقدِمَ هذا الصارمِ الذكَرِ

٤٣ ـ محمد بن عليّ بن عمر أحد أعيان الريّ ، قرأ على الصاحب ومدحه برائيّة.

والأدباء يعبِّرون عن المترجَم وأبي إسحاق الصابي بالصادين ، كما وقع في قول الشيخ أحمد البربير المتوفّى سنة (١٢٢٦) في كتابه الشرح الجلي (ص ٢٨٣) يمدح كاتباً مليحاً :

لله كاتباً الذي أنا رقُّهُ

وهو الذي لا زالَ قرّةَ عيني

في ميمِ مبسمهِ ولامِ عذارِهِ

ما بات ينسخُ بهجةَ الصادينِ

شعره في المذهب :

وللصاحب مراجعات ومراسلات مع مادحيه تجدها في الكتب والمعاجم ، وشعره كما سمعت كثيرٌ مدوّنٌ ، ونحن نقتصر من نظمه الذهبيِّ بما عقد سمط جمانه في المذهب ، ذكر له الثعالبي في يتيمة الدهر (٢)) (٣ / ٢٤٧):

حبُّ عليّ بن أبي طالبٍ

هو الذي يهدي إلى الجنّه

إن كان تفضيلي له بدعةً

فلعنةُ اللهِ على السنّه

__________________

(١) كذا.

(٢) يتيمة الدهر : ٣ / ٣٢١.

٨٣

وذكر له في الكتاب :

ناصبٌ قال لي معاويةٌ خا

لكَ خيرُ الأعمامِ والأخوال

فهو خالٌ للمؤمنين جميعاً

قلت خالٌ لكن من الخيرِ خالي

وذكر له فقيه الحرمين الكنجي الشافعي المتوفّى سنة (٦٥٨) في كفاية الطالب (١)) (ص ٨١) ، والخوارزمي في المناقب (٢) (ص ٦٩):

يا أميرَ المؤمنين المرتضى

إنّ قلبي عندكم قد وقفا

كلّما جدّدتُ مدحي فيكمُ

قال ذو النصب نسيتَ السلَفا (٣)

من كمولاي عليٍّ زاهدٌ

طلّق الدنيا ثلاثاً ووفى

من دُعي للطيرِ أن يأكلَهُ

ولنا في بعض هذا مكتفى

من وصيُّ المصطفى عندكمُ

ووصيّ المصطفى من يُصطفى

وذكر الفقيه الكنجي في الكتاب (٤) (ص ١٩٢) ، وسبط ابن الجوزي في تذكرة خواصّ الأمّة (٥) (ص ٨٨) ، والخوارزمي في المناقب (٦) (ص ٦١):

حبُّ النبيِّ وأهل البيت معتمدي (٧)

إنّ الخطوب أساءت رأيها فينا

أيا ابن عمِّ رسولِ اللهِ أفضلَ من

ساسَ الأنامَ وسادَ الهاشميّينا

يا نُدرةَ الدينِ يا فردَ الزمانِ أصخْ

لمدحِ مولىً يرى تفضيلَكمْ دينا

هل مثلُ سيفِك في الإسلامِ لو عرفوا

وهذه الخصلةُ الغرّاءُ تكفينا

__________________

(١) كفاية الطالب : ص ١٩٢ باب ٤٦.

(٢) المناقب : ص ١١٥ ح ١٢٥.

(٣) تسبّ السلفا. الخوارزمي. (المؤلف)

(٤) كفاية الطالب : ص ٣٣٤ ـ ٣٣٥ باب ٩٤.

(٥) تذكرة الخواص : ص ١٤٨.

(٦) المناقب : ص ١٠٣.

(٧) هذه الأبيات المحكيّة عن الكتب الثلاثة لا يوجد في أعيان الشيعة سوى ثلاثة منها. (المؤلف)

٨٤

هل مثلُ علمِك إذ زالوا وإذ وهنوا

وقد هديتَ كما أصبحتَ تهدينا

هل مثلُ جمعِك للقرآنِ نعرفُهُ

لفظاً ومعنىً وتأويلاً وتبيينا

هل مثلُ حالِك عند الطيرِ تحضرُهُ

بدعوةٍ نلتَها دون المصلّينا

هل مثلُ بَذْلِكَ للعاني الأسيرِ ولل

طفلِ الصغير وقد أعطيتَ مسكينا

هل مثلُ صبرِك إذ خانوا وإذ ختروا

حتى جرى ما جرى في يوم صفِّينا

هل مثلُ فتواك إذ قالوا مجاهرةً

لولا عليٌّ هلكنا في فتاوينا

ياربِّ سهِّل زياراتي مشاهدَهمْ

فإنّ روحيَ تهوى ذلك الطينا

ياربِّ صيِّر حياتي في محبّتهمْ

ومحشري معهم آمين آمينا

وذكر ابن شهرآشوب (١) من هذه القصيدة بعد البيت الثاني من أوّلها :

أنتَ الإمامُ ومنظورُ الأنامِ فمن

يردُّ ما قلتُه يُقْمَعْ براهينا

هل مثلُ فعلِكَ في ليلِ الفراشِ وقد

فديتَ بالروحِ ختّامَ النبيّينا

هل مثلُ فاطمةَ الزهراءِ سيّدةٌ

زُوِّجتها يا جمالَ الفاطميّينا

هل مثلُ برِّك في حالِ الركوعِ وما

برٌّ كبرِّكَ برّا للمزكّينا

هل مثلُ فعلِكَ عند النعلِ تخصفُها

لو لم يكن جاحدو التفضيل لاهينا

هل مثلُ نجليَكَ في مجدٍ وفي كرمٍ

إذ كُوّنا من سلالِ المجدِ تكوينا

وله في مناقب الخطيب الخوارزمي (٢) (ص ١٠٥) ، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي (٣) (ص ٢٤٣) ، وتذكرة خواصّ الأمّة (٤) (ص ٣١) ، ومناقب ابن شهرآشوب (٥) وغيرها قصيدةٌ ، ولوقوع الاختلاف فيها نجمع بين رواياتها ونشير إلى

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٧٣ ، ٢٠٧ و ٣ / ١٣ ، ١٩ ، ٥٧.

(٢) المناقب : ص ١٧٤.

(٣) كفاية الطالب : ص ٣٨٨.

(٤) تذكرة الخواص : ص ٥٢ ـ ٥٣.

(٥) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ١٤٧ و ٣ / ١٤١.

٨٥

ما روته رجال العامّة ب (ع):

بلغتْ نفسي مُناها

بالموالي آلِ طه

برسولِ الله من حا

زَ المعالي وحواها

وببنت المصطفى من

أشبهتْ فضلاً أباها

(ع) من كمولاي عليٍ

والوغى تحمي لظاها

(ع) من يصيدُ الصيدَ فيها

بالظبا حتى (١) انتضاها

يوم أمضاها عليهمْ

ثمّ أمضاها عليهم فارتضاها (٢)

(ع) من له في كلِّ يومٍ

وقعاتٌ لا تُضاهى

(ع) كم وكم حربٍ ضروسٍ

سدَّ بالمرهفِ فاها

(ع) أذكروا أفعال بدرٍ

لستُ أبغي ما سواها

(ع) أذكروا غزوةَ أُحدٍ

إنّه شمسُ ضُحاها

(ع) أذكروا حربَ حنينٍ

إنّه بدرُ دُجاها

(ع) أذكروا الأحزابَ قِدماً

إنّه ليثُ شراها

(ع) أذكروا مهجةَ عمروٍ

كيف أفناها شجاها

(ع) أذكروا أمر براءه

وأخبروني من تلاها

(ع) أذكروا من زُوِّج الزه

ـراءَ قد طاب ثراها (٣)

(ع) أذكروا بكرةَ طيرٍ

فلقد طارَ ثناها

(ع) أذكروا لي قُلَلَ العل

ـمِ ومن حلَّ ذُراها

__________________

(١) في جميع المصادر والديوان : حين.

(٢) ورد هذا البيت في الديوان ص ١١٥ هكذا :

انتضاها ثم أمضا

ها عليهم فارتضاها

(٣) في لفظ أهل السنّة :

أذكروا من زُوِّجَ الزه

راءَ كيما تتباهى

(المؤلف)

٨٦

(ع) حالهُ حالةُ هارو

نَ لموسى فافهماها

(ع) أعلى حبِّ عليٍ

لامني القومُ سفاها

(ع) أهملوا قرباه جهلاً

وتخطَّوا مُقتضاها

(ع) أوّلُ الناس صلاةً

جعل التقوى حُلاها

(ع) رُدّتِ الشمسُ عليه

بعدما غابَ سناها

(ع) حجّةُ اللهِ على الخل

ـقِ شقى من قد قلاها

وبحبّي (١) الحسنَ البا

لغَ في العَليا مداها

والحسينَ المرتضى يو

مَ المساعي إذ حواها

ليس فيهم غيرُ نجمٍ

قد تعالى وتناهى

عترةٌ أصبحتِ الدن

ـيا جميعاً في حماها

ما تحدّت عُصَب البغ

ـي بأنواعِ عماها

أَردَتِ الأكبرَ بالس

ـمِّ وما كان كفاها

وانبرتْ تبغي حسيناً

وعرَته وعراها

منعتْهُ شربةً والط

ـيرُ قد أروتْ صداها

فأفاتتْ نفسه يا

ليت روحي قد فداها

بنتُهُ تدعو أباها

أُخته تبكي أخاها

لو رأى أحمدُ ما كا

ن دهاه ودهاها

لشكا الحالَ إلى اللهِ

وقد كان شكاها(٢)

وله في مناقبي ابن شهرآشوب (٣) والخطيب والخوارزمي (٤) (ص ٢٣٣) قصيدة

__________________

(١) في الديوان : وبحبِّ.

(٢) غير واحد من الأبيات لا يوجد في أعيان الشيعة [٣ / ٣٥٩]. (المؤلف)

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٢٥٨.

(٤) المناقب : ص ٣٣٤.

٨٧

نجمع بينهما لاختلافهما في عدد الأبيات ، ألا وهي :

ما لعليِّ العُلى أشباهُ

لا والذي لا إله إلاّ هو

مبناه مبنى النبيِّ تعرفُهُ

وابناه عند التفاخر إبناهُ

إنّ عليّا علا إلى شرفٍ

لو رامَهُ الوهمُ ذلَ (١) مرقاهُ

أيا غداةَ الكساءِ لا تهِني

عن شرح علياه إذ تكسّاهُ (٢)

يا ضحوةَ الطيرِ تنبَّئي (٣) شرفاً

فاز به لا يُنال أقصاهُ

براءةُ استعملي بلاغَكِ مَن

أقعد عنه ومن تولاّهُ

يا مرحبَ الكفرِ قد أذاقَكَ مَن

من حدِّ ما قد كرهتَ ملقاهُ

يا عمرو من ذا الذي أنالَك من

حارة (٤) الحتف حين تلقاهُ

لو طلبَ النجمَ ذاتُ أخمُصِهِ

علاه والفرقدانِ نعلاهُ

أما عرفتمْ سموّ منزلهِ

أما عرفتم علوَّ مثواهُ

أما رأيتمْ محمداً حدِباً

عليه قد حاطه وربّاهُ

واختصّه يافعاً وآثرَهُ

واعتامه مخلصاً وآخاهُ (٥)

زوّجه بَضعْةَ النبوّة إذ

رآه خير امرئٍ وأتْقاهُ

يا بأبي السيّدَ الحسينَ وقد

جاهد في الدينِ يومَ بلواهُ

يا بأبي أهلَه وقد قُتِلوا

من حولِهِ والعيونُ ترعاهُ

يا قبّح اللهُ أمّةً خذلتْ

سيّدَها لا تريدُ مرضاهُ

يا لعنَ اللهُ جيفةً نجساً

يقرعُ من بغضِهِ ثناياهُ

__________________

(١) في الديوان ص ٦١ : زلَّ.

(٢) هذا البيت وما بعده إلى أربعة أبيات لا توجد في مناقب ابن شهرآشوب ، بل رواها الخوارزمي. (المؤلف)

(٣) في الديوان ص ٦٣ : بيِّني.

(٤) في المناقب والديوان ص ٦٣ : صارمِهِ.

(٥) اعتام : اختار.

٨٨

وله داليّة ذكرها الخوارزمي في المناقب (١) (ص ٢٢٣) ، وابن شهرآشوب في مناقبه (٢) ، ونجمع بين الروايتين وهي :

هو البدرُ في هيجاءِ بدرٍ وغيرُهُ

فرائصُهُ من ذكرِه السيفَ ترعدُ

عليٌّ له في الطيرِ ما طارَ ذكرُهُ

وقامت به أعداؤه وهي تشهدُ

عليٌّ له في هل أتى ما تلوتمُ

على الرغمِ من آنافِكمْ فتفرّدوا

وكم خبرٍ في خيبرٍ قد رويتمُ

ولكنّكم مثلُ النعام تشرّدوا

وفي أُحُدٍ ولّى رجالٌ وسيفُهُ

يسوِّد وجهَ الكفرِ وهو مسوّدُ

ويومَ حنينٍ حنَّ للغلِّ بعضُكمْ

وصارمُهُ عضبُ الغرارِ مهنّدُ

تولّى أمورَ الناسِ لم يستغلّهمْ

ألا ربّما يرتابُ من يتقلّدُ

ولم يكُ محتاجاً إلى علمِ غيرهِ

إذا احتاجَ قومٌ في قضايا تبلّدوا

ولا سدَّ عن خيرِ المساجدِ بابَهُ

وأبوابُهمْ إذ ذاك عنه تُسدَّدُ

وزوجتُه الزهراءُ خيرُ كريمةٍ

لخيرِ كريمٍ فضلُها ليس يُجحدُ (٣)

وبالحسنينِ المجدُ مدَّ رواقَه

ولولاهما لم يبقَ للمجدِ مشهدُ

تفرّعتِ الأنوارُ للأرضِ منهما

فلله أنوارٌ بدت تتجدّدُ

هم الحُجَجُ الغُرُّ التي قد توضّحتْ

وهم سُرُجُ اللهِ التي ليس تخمدُ

أُواليكمُ يا آلَ بيتِ محمدٍ

فكلُّكمُ للعلمِ والدين فرقدُ

وأتركُ من ناواكمُ وهو هتكُهُ

يُنادى عليه مولدٌ ليس يُحمَدُ

وذكر له الحمّوئي صاحب فرائد السمطين (٤) ، في السمط الثاني في الباب الأوّل :

__________________

(١) المناقب : ص ٣٣٣ ح ٣٥٥.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ١٧٠ ، ٢٠٧ ، ٣٢٠ و ٣ / ١٤٠ ، ٤٢٨ و ٤ / ٩٠.

(٣) هذا البيت رواه الخوارزمي [في المناقب : ص ٣٣٤] ولا يوجد فيما جمع له السيّد في أعيان الشيعة. (المؤلف)

(٤) فرائد السمطين : ٢ / ١٢ ح ٣٥٨.

٨٩

منائحُ اللهِ عندي جاوزتْ أملي

فليس يدركُها شكري ولا عملي

لكنّ أفضلَها عندي وأكملَها

محبّتي لأمير المؤمنين علي

وذكر العلاّمة المجلسي في البحار (١) (١٠ / ٢٦٤) نقلاً عن بعض الكتب القديمة (٢) من قصيدةٍ طويلةٍ له :

أجرَوا دماءَ أخي النبيِّ محمدٍ

فلتَجْرِ غزرُ دموعِنا ولتهملِ

ولتصدرِ اللّعناتُ غيرَ مزالةٍ

لعداهُ من ماضٍ ومن مُستقبلِ

وتجرّدوا لبنيهِ ثمّ بناتِهِ

بعظائمٍ فاسمعْ حديثَ المقتلِ

منعوا الحسينَ الماءَ وهو مجاهدٌ

في كربلاءَ فنُحْ كنوحِ المُعوِلِ

منعوهُ أعذبَ منهلٍ وهمُ غداً

يَرِدون في النيرانِ أوخمَ منهلِ

أَيُحَزُّ رأسُ ابنِ النبيِّ وفي الورى

حيٌّ أمامَ ركابِهِ لم يُقتَلِ

وبنو السِّفاحِ تحكّموا في أهل حيّ على الفلاحِ بفرصةٍ وتعجّلِ

نكتَ الدعيُّ ابن البغيِّ ضواحكاً

هي للنبيّ الخيرِ خيرُ مُقبَّلِ (٣)

تُمضي بنو هندٍ سيوفَ الهندِ في

أوداجِ أولادِ النبيِّ وتعتلي

ناحتْ ملائكةُ السماءِ لقتلهمْ

وبكوا فقد أُسقوا (٤) كؤوس الذُبَّلِ

فأرى البكاءَ على (٥) الزمانِ محلّلاً

والضحكَ بعد الطفِّ غيرَ محلَّلِ

كم قلتُ للأحزانِ دومي هكذا

وتنزّلي في القلب لا تترحّلي

هذه نبذة من شعره في الأئمّة عليهم‌السلام ، وفي مناقب ابن شهرآشوب منه نبذ منثورة على أبواب الكتاب جمعها السيّد في أعيان الشيعة ، ولمثول الكتابين للطبع

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤٥ / ٢٨٤.

(٢) هو كتاب مقتل الحسين عليه‌السلام للخوارزمي ، والقصيدة فيه : ١ / ١٤١. (الطباطبائي)

(٣) لم يذكر سيّدنا الأمين في أعيان الشيعة [٣ / ٣٦٠] من القصيدة إلاّ هذا البيت. (المؤلف)

(٤) في البحار والديوان ص ٨٧ : سُقُّوا.

(٥) في الديوان : مدى.

٩٠

وانتشارهما ، ضربنا عن ذكر جميعها صفحاً ، ولم نذكر هاهنا إلاّ الخارج عن الكتابين ولو في الجملة.

قال السيّد في الدرجات الرفيعة (١) : إنّ الصاحب قال قصيدةً معرّاة من الألف ـ التي هي أكثر الحروف دخولاً في المنثور والمنظوم ـ وأوّلها :

قد ظلَّ يجرح صدري

من ليس يعدوه فكري

وهي في مدح أهل البيت عليهم‌السلام في سبعين بيتاً ، فتعجّب الناس [منها] (٢) ، وتداولتها الرواة فسارت مسير الشمس في كلّ بلدة ، وهبّت هبوب الريح في البرّ والبحر ، فاستمرَّ الصاحب على تلك الطريقة ، وعمل قصائد كلُّ واحدة منها خاليةٌ من حرفٍ واحدٍ من حروف الهجاء ، وبقيت عليه واحدة تكون خالية من الواو ، فانبرى صهره أبو الحسين عليّ لعملها وقال قصيدة ليس فيها واوٌ ، ومدح الصاحب بها ، وأوّلها :

برقٌ ذكرتُ به الحبائب

لمّا بدا فالدمعُ ساكب

كان للصاحب خاتمان ، نقش أحدهما هذه الكلمات :

على الله توكّلتُ

وبالخَمسِ توسّلتُ

ونقش الآخر :

شفيعُ إسماعيلَ في الآخره

محمدٌ والعترةُ الطاهره

ذكره الشيخ في المجالس (٣) ، وأشار إليه شيخنا الصدوق في أوّل عيون

__________________

(١) الدرجات الرفيعة لابن معصوم : ص ٤٨٣.

(٢) الزيادة من المصدر.

(٣) مجالس المؤمنين : ٢ / ٤٤٩.

٩١

الأخبار (١).

الصاحب ومذهبه :

إنّ كون الصاحب من علّيّة الشيعة الإماميّة ممّا لا يمتري فيه أيُّ أحد من علماء مذهبه الحقّ ، كما يشهد بذلك شعره الكثير الوافر في أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ونثره المتدفِّق منه لوائح الولاية والتفضيل وهو يهتف بقوله :

فكم قد دعوني رافضيّا لحبّكمْ

فلم يَثْنِني عنكم طويلُ عوائِهم

وقد نصَّ على مذهبه هذا السيّد رضيُّ الدين بن طاووس في كتاب اليقين (٢) ، وقد مرَّ عن المجلسي الأوّل أنّه من أفقه فقهاء أصحابنا ، واقتفى أثره ولده في مقدِّمات البحار (٣) فصرّح بأنّه كان من الإماميّة ، وعدّه القاضي الشهيد في مجالسه (٤) من وزراء الشيعة ، ويقول شيخنا الحرّ في أمل الآمل (٥) : إنّه كان شيعيّا إماميّا ، وعدّه ابن شهرآشوب في المعالم (٦)) من شعراء أهل البيت المجاهرين ، وشيخنا الشهيد الثاني (٧) من أصحابنا ، وفي معاهد التنصيص (٨) : إنّه كان شيعيّا جلداً كآل بويه معتزليّا.

وقبل هذه الشهادات كلّها شهادة الشيخين العَلمين : رئيس المحدِّثين الصدوق

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ١ / ١٦.

(٢) اليقين في إمرة أمير المؤمنين : ص ٤٥٧ باب ١٧٤.

(٣) بحار الأنوار : ١ / ٤٢.

(٤) مجالس المؤمنين : ٢ / ٤٤٧.

(٥) أمل الآمل : ٢ / ٣٤ رقم ٩٦.

(٦) معالم العلماء : ص ١٤٨.

(٧) الدراية : ص ٩٢.

(٨) معاهد التنصيص : ٤ / ١٢٣ رقم ٢٠٨.

٩٢

في عيون أخبار الرضا (١) ، وشيخنا المفيد فيما حكاه عنه ابن حجر في لسان الميزان (٢) (١ / ٤١٣) ورسالته في أحوال عبد العظيم الحسني المندرجة في خاتمة المستدرك (٣) (٣ / ٦١٤) ، من جملة الشواهد أيضاً ، وفي لسان الميزان (١ / ٤١٣) : كان الصاحب إماميّ المذهب وأخطأ من زعم أنّه كان معتزليّا ، وقد قال عبد الجبّار القاضي لمّا تقدّم للصلاة عليه (٤) : ما أدري كيف أصلّي على هذا الرافضيِّ. وعن ابن أبي طيّ : أنّ الشيخ المفيد شهد بأنّ الكتاب الذي نُسب إلى الصاحب في الاعتزال وُضع على لسانه ونُسب إليه ، وليس هو له.

وهناك نُقولٌ متهافتةٌ يبطل بعضها بعضاً تفيد اعتناق الصاحب مذهب الاعتزال تارةً وتمذهبه بالشافعيّة أخرى ، وبالحنفيّة طوراً ، وبالزيديّة مرّةً ، وفي القاذفين من يحمل عليه حقداً يريد تشويه سمعته بكلّ ما توحي إليه ضغائنه ، كأبي حيّان التوحيدي (٥) ومن حكي عنه طرفا نقيض كشيخنا المفيد الذي ذكرنا حكاية ابن حجر عنه بوضع ما نُسب إلى الصاحب من الكتاب الذي يدلُّ على الاعتزال ، ونقل عنه أيضاً نسبته إلى جانب الاعتزال.

وهذا التهافت في النقل يسقط الثقة بأيِّ النقلين وإن كان النصُّ على تشيّعه معتضداً بكلمات العلماء قبله وبعده ، والسيّد رضيُّ الدين الذي عرفت النصّ عنه بتشيّعه في كتاب اليقين (٦) ، فقد نُقل عنه حكايته عن الشيخ المفيد وعلم الهدى نسبته إلى الاعتزال ، وأنت تعلم أنّ نصّه الأوّل هو معتقده وهذه حكاية محضة ، وقد عرفت

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ١ / ١٢.

(٢) لسان الميزان : ١ / ٤٦٤ رقم ١٣٠٠.

(٣) نقلاً عن نسخة بخطّ بعض بني بابويه مؤرّخة بسنة (٥١٦). (المؤلف) وقد حقّقه الشيخ محمد حسن آل ياسين حفظه الله ونشره في بغداد سنة ١٣٧٤ ه‍. (الطباطبائي)

(٤) سيأتيك أن الذي صلّى عليه هو أبو العباس أحمد بن إبراهيم الضبيّ الذي تولّى الوزارة بعده.

(٥) الإمتاع والمؤانسة : ١ / ٥٤ ، ٥٥.

(٦) اليقين : ص ٤٥٧ باب ١٧٤.

٩٣

حال المحكيِّ عن الشيخ المفيد. وأمّا السيّد المرتضى ، فالظاهر أنّ مُنتزع هذه النسبة إليه هو ردُّه على الصاحب في تعصّبه للجاحظ الذي هو من أركان المعتزلة ، غير أنّا نحتمل أنّ هذا التعصّب كان لأدبه لا لمذهبه ، كتعصّب الشريف الرضيّ للصابي.

وما وقع إلينا في المحكيِّ عن رسالة الإبانة للصاحب من إنكار النصِّ على أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فهو حكايةٌ محضةٌ عمّن يقول بذلك ، بل ما في الإبانة يكفي بمفرده في إثبات كونه إماميّا ، وإليك نصّ كلامه مشفوعاً بمقاله في التذكرة حول الإمامة.

قال في الإبانة : زعمت العثمانيّة وطوائف الناصبيّة أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام مفضولٌ في أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير فاضل ، واستدلّت بأنّ أبا بكر وعمر وُلّيا عليه.

وقالت الشيعة العدليّة : فقد ولّى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهما عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل فليقولوا : إنّه خيرٌ منهما ، فقالت الشيعة : عليٌّ عليه‌السلام أفضل الناس بعد النبيّ فلذلك آخى بينه وبينه حين آخى بين أبي بكر وعمر ، فلم يكن ليختار لنفسه إلاّ الأفضل ، وقد ذكر ذلك بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» ثمَّ إنّه لم يستثنِ إلاّ النبوّة وفيه قال : «اللهمّ آتني بأحبِّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير». وقد قال : «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». إلى آخر الدعاء.

وبعدُ ، فالفضيلةُ تُستَحقُّ : بالمسابقة وهو أسبقهم إسلاماً وقد قال الله تعالى : (السَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (١).

وبالجهاد وهو لم يغمد حساماً ، ولم يقصر إقداماً ، كشّاف الكروب ، وفرّاج الخطوب ، ومسعر الحروب ، قاتل مرحب ، وقالع باب خيبر ، وصارع عمرو بن عبد ودّ ، ومن قال فيه النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لأُعطينَّ الراية غداً رجلاً يحبُّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله ، كرّاراً غير فرّار» ، وقد قال الله تعالى : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ

__________________

(١) الواقعة : ١٠ ـ ١١.

٩٤

عَلَى القَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيمَاً) (١).

وبالعلم والنبيُ قال : «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها» وأثر ذلك بيِّنٌ ؛ لأنّه عليه‌السلام لم يسأل من الصحابة أحداً وقد سألوه ، ولم يستفتهم وقد استفتوه حتى إنّ عمر يقول : لو لا عليٌّ لهلك عمر ، ويقول : لا أعاشني الله لمشكلة ليس لها أبو الحسن ، وقد قال الله تعالى : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٢).

وبالزهد والتقوى والبرِّ والحسنى ، فإذا كان أعلمهم فهو أتقاهم ، وقال الله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) (٣).

وبعدُ : فهو الذي آثر المسكين واليتيم والأسير على نفسه مخرجاً قوته كلّ ليلة إليهم عند فطره ، حتى أنزل الله تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) (٤). فأخبر نبيّه وعده عليه الجنّة. والحديث طويل وفضله كثير ، وهو الذي تصدّق بخاتمه في ركوعه حتى أنزل الله فيه : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) (٥).

وزعمت طائفةٌ من الشيعة ، ذاهلةً عن تحقيق الاستدلال ، أنّ عليّا عليه‌السلام كان في تقيّة ، فلذلك ترك الدعوة إلى نفسه. وزعمت أنّ عليه نصّا جليّا لا يحتمل التأويل ، وقالت العدليّة : هذا فاسدٌ ، كيف تكون عليه التقيّة في إقامة الحقّ وهو سيّد بني هاشم؟ وهذا سعد بن عبادة نابذ المهاجرين وفارق الأنصار لم يخش مانعاً ودافعاً ، وخرج إلى حوران ولم يبايع. ولو جاز خفاء النصِّ الجليِّ عن الأمّة في مثل الإمامة لجاز أن يُتكتّم صلاة سادسة وشهر يُصام فيه غير شهر رمضان فرضاً ، وكلّ ما أجمع عليه الأمّة من أمر الأئمّة الذين قاموا بالحقِّ وحكموا بالعدل صوابٌ ، وأمّا من نابذ

__________________

(١) النساء : ٩٥.

(٢) الزمر : ٩.

(٣) فاطر : ٢٨.

(٤) الإنسان : ٨.

(٥) المائدة : ٥٥.

٩٥

عليّا عليه‌السلام وحاربه وشهر سيفه في وجهه ، فخارج عن ولاية الله إلاّ من تاب بعد ذلك وأصلح (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (١). انتهى.

المراد على ما يفهم من جواب العدليّة ، أنّ دعوى تقيّة عليّ عليه‌السلام وتركه الدعوة إلى نفسه مع ادِّعاء النصِّ الجليِّ عليه زعم فاسد ، وأنّ الاعتقاد بترك الدعوة لا يوافق مع القول بالنصِّ الجليِّ إذ لو كان لأبان وما ترك الدعوة ، والمدّعي ذاهل عن تحقيق الاستدلال بما ذكر من الكتاب والسنّة ؛ فإنّه عليه‌السلام دعا إلى نفسه واحتجَّ بأدلة أوعزت إليها ، فنسبة إنكار النصِّ الجليِّ إلى المترجَم بهذه العبارة ـ كما فعله غير واحد ـ في غير محلّه جدّا.

وقال في ذيل كتابه التذكرة : ذكر الصاحب رحمه‌الله في آخر كتاب نهج السبيل أنّ أمير المؤمنين عليّا عليه‌السلام أفضل الصحابة بعد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واستدلَّ عليه بأنّ الأفضليّة تُستَحقُّ بالسابقة ، والعلم ، والجهاد ، والزهد فوق جميعهم ، فلا شكّ أنَّه متقدّمهم وغير متأخّر عنهم ، وقد سبقهم بمنازلة الأقران ، وقتل صناديد الكفّار وأعلام الضلالة ، وهو الذي آخى النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينه وبينه حين آخى بين أبي بكر وعمر ، ورضيه كفواً لسيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ودعا الله أن يوالي من والاه ويعادي من عاداه ، وأخبرنا أنَّه منه بمنزلة هارون من موسى لفضل فيه.

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اللهمّ ائتني بأحبِّ الخلق إليك يأكل معي هذا الطائر» ولا يكون أحبّهم إلى الله إلاّ أفضلهم ، وقال : «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها» وقال : «أنا ما سألت الله شيئاً إلاّ سألت لعليٍّ مثله حتى سألت له النبوّة فقيل : لا ينبغي لأحدٍ من بعدك» ولم يكن يسألها إلاّ لفضله ، ولهذا استثنى النبوّة في حديث : «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى». فصبر على المحن ، وثبت على الشدائد ، ولم تزده أيّام توليته إلاّ خشونةً

__________________

(١) البقرة : ٢٢٢.

٩٦

في الدين ، وأكله للجشب (١) ولبساً للخشن ، يستقون من علمه ، وما يُستقى إلاّ ممّن هو أعلم ، خير الأوّلين وخير الآخرين.

عهد إليه في الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقُتل بين يديه عمّار بن ياسر المشهود له بالجنّة لبصيرته في أمره ، وشبّهه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعيسى بن مريم عليه‌السلام كما شبّهه بهارون ، لا تضرب الأمثال إلاّ بالأنبياء ، وتصدّق بخاتمه في ركوعه حتى أُنزل فيه : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) الآية ، وآثر المسكين واليتيم والأسير على نفسه حتى أُنزل فيه : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً).

وقال تعالى : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) (٢). قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنا المنذر وأنت ياعليّ الهادي» ، وقال تعالى : (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «هي أُذن عليّ عليه‌السلام». وجعله الله في الدنيا فصلاً بين الإيمان والنفاق ، حتى قيل : ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ ببغضهم عليّا عليه‌السلام. وأخبر أنّه في الآخرة قسيم الجنّة والنار.

وقال ابن عبّاس : ما أنزل الله في القرآن يا أيّها الذين آمنوا إلاّ وعليٌّ سيّدها وأميرها وشريفها ، وأعلى من ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليٌّ يعسوب المؤمنين».

وله ليلة الفراش حين نام عليه في مكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صابراً على ما كان يتوقّع من الذبح ، صحبة إسحاق ذبيح الله حين صبر على ما ظنّ أنّه نازلٌ به من الذبح ، وقال فيه مثل عمر بن الخطّاب : لولا عليٌّ لهلك عمر ، ولا أعاشني الله لمشكلةٍ ليس لها أبو الحسن. ودهره كلّه إسلام وزمانه أجمع إيمان ، لم يكفر بالله طرفة عين ،

__________________

(١) جشُب الطعام : غلُظ. (المؤلف)

(٢) الرعد : ٧.

(٣) الحاقّة : ١٢.

٩٧

عاش في نصرة الإسلام حميداً ، ومضى لسبيله شهيداً ، جعلنا الله ممّن آثر المحبّة في القربى ، وهدانا للتي هي أحسن وأولى ، وحسبنا الله منزل الغيث وفاطر النَّسَم (١).

وقد أبان عن مذهبه الحقّ ـ الإماميّة ـ في شعره بقوله :

بالنصِّ فاعقد إن عقدت يمينا

كلُّ اعتقاد الإختيار رضينا

مكّن لقول إلهنا تمكينا

واختار موسى قومَه سبعينا

وقال في قصيدته البائيّة التي مرّت :

لم تعلموا أنّ الوصيَّ هو الذي

آتى الزكاةَ وكان في المحرابِ

لم تعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي

حكم الغديرُ له على الأصحابِ

وله قوله :

إنَّ المحبّة للوصيِّ فريضةٌ

أعني أميرَ المؤمنين عليّا

قد كلّفَ اللهُ البريّةَ كلَّها

واختاره للمؤمنين وليّا

وما في لسان الميزان (٢) من اشتهاره بذلك المذهب ـ الاعتزال ـ وأنّه كان داعية إليه فيدفعه تخطئته أوّلاً من زعم أنّه من معتنقيه ، وما نقله عن القاضي عبد الجبّار من أنّه لمّا تقدّم للصلاة عليه قال : ما أدري كيف أصلّي على هذا الرافضيِّ ، وما تكرّر في شعره من قذف أعدائه له بالرفض ، إلاّ أن يريد ابن حجر الاشتهار المحض دون الحقيقة ، فيلتئم مع قوله الآخر.

والذي أرتئيه ويساعدني فيه الدليل أنّ الصاحب ، كغيره من أعلام الإماميّة ،

__________________

(١) كلّ ما ذكره الصاحب من الأحاديث في فضل مولانا أمير المؤمنين ، ثابت وصحيح عند القوم ، مبثوث في أجزاء كتابنا بأسانيده ، أخرجه بها الحفّاظ في الصحاح والمسانيد. (المؤلف)

(٢) لسان الميزان : ١ / ٤٦١ رقم ١٣٠٠.

٩٨

كان يوافق المعتزلة في بعض المسائل كمسألة العدل التي تطابقت آراء الشيعة والمعتزلة فيها على مجابهة الأشاعرة في الجبر واستلزامه تجوير الحقِّ تعالى ، وإن افترقا من ناحيةٍ أخرى في باب التفويض وأمثال هذه ، فقد كان يصعب على الباحث التمييز بين الفريقين فيُرمى كلُّ فريق باسم قسيمه ، ومن هنا أُتي الصاحب بهذه القذيفة كغيره من أعلام الطائفة ، مثل علم الهدى السيّد المرتضى وأخيه الشريف الرضي.

وأمّا نسبته إلى الشافعيّة فيدفعها عزوه إلى الحنفيّة ، ومن أبدع التناقض قول أبي حيّان في كتاب الإمتاع (١ / ٥٥) : إنّه كان يتشيّع لمذهب أبي حنيفة ومقالة الزيديّة. وأمّا انتسابه إلى الزيديّة فيدفعه تعداده الأئمة عليهم‌السلام في شعره كقوله :

بمحمدٍ ووصيِّه وابنيهما

الطاهرينَ وسيِّدِ العبّادِ

ومحمدٍ وبجعفرِ بنِ محمدٍ

وسميِّ مبعوثٍ بشاطي الوادي

وعليٍّ الطوسيِّ ثمّ محمدٍ

وعليٍّ المسمومِ ثمّ الهادي

حسنٍ وأتبعْ بعده بإمامةٍ

للقائم المبعوثِ بالمرصادِ

وقوله :

بمحمدٍ ووصيِّه وابنيهما

وبعابدٍ وبباقرين وكاظمِ

ثمّ الرضا ومحمدٍ ثمّ ابنِهِ

والعسكريِّ المتّقي والقائمِ

أرجو النجاة من المواقف كلِّها

حتى أصيرَ إلى نعيمٍ دائمِ

وقوله :

نبيٌّ والوصيُّ وسيِّدانِ

وزينُ العابدين وباقرانِ

وموسى والرضا والفاضلانِ

بهم أرجو خلودي في الجنانِ

٩٩

وقوله أرجوزة :

يا زائراً قد قصد المشاهدا

وقطعَ الجبالَ والفدافدا

فأبلغِ النبيَّ من سلامي

ما لا يبيدُ مدّة الأيّامِ

حتى إذا عدتَ لأرضِ الكوفة

البلدةِ الطاهرِة المعروفة

وصرتَ في الغريّ في خيرِ وطن

سلّم على خيرِ الورى أبي الحسن

ثَمّةَ سرْ نحو بقيعِ الغرقدِ

مسلّماً على أبي محمدِ

وعُد إلى الطفّ بكربلاءِ

إهدِ سلامي أحسنَ الإهداءِ

لخير مَن قد ضمّه الصعيدُ

ذاك الحسينُ السيّدُ الشهيدُ

واجنب إلى الصحراء بالبقيعِ

فثَمَّ أرضُ الشرفِ الرفيعِ

هناك زينُ العابدين الأزهرِ

وباقرُ العلمِ وثمّ جعفرُ

أبلغهمُ عنّي السلامَ راهنا

قد ملأ البلادَ والمواطنا

واجنب إلى بغدادَ بعد العيسا

مسلّماً على الزكيِّ موسى

واعجل إلى طوسٍ على أهدى سكنِ

مبلّغاً تحيّتي أبا الحسنْ

وعُد لبغدادَ بطيرٍ أسعد

سلّم على كنز التقى محمدِ

وأرضِ سامراءَ أرضِ العسكرِ

سلّم على عليٍّ المطهّرِ

والحسن الرضيِّ في أحوالِهِ

مَن منبعُ العلومِ في أقواله

فإنّهم دون الأنامِ مفزعيِ

ومن إليهم كلَّ يوم مرجعي

وله أُرجوزةٌ أخرى يعدُّ فيها الأئمّة الهداة ويسمّيهم. وقصيدةٌ في الإمام أبي الحسن الرضا ثامن الحجج ـ صلوات الله عليهم ـ تُذكر في مقدِّمة عيون الأخبار (١) لشيخنا الصدوق ، وقصيدةٌ أخرى فيه عليه‌السلام أيضاً ، ألا وهي :

يا زائراً قد نهضا

مُبتدراً قد ركضا

__________________

(١) عيون أخبار الرضا : ١ / ١٤.

١٠٠