الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨

وقبل أن تحدثه الآداب ، وقيل جري المذكيات غلاب ، أبو الحسن الجوهري أيّده الله ، وبناؤه منذ حين وخصوصه بي كالصبح المبين ، إلاّ أنَّ لمشاهدة الحاضر ومعاينة الناظر ، مزيّةً لا يستقصيها الخبر ، وإن امتدَّ نفسه وطال عنانه ومرسه ، وقد ألف إلى هذه الفضيلة التي فرع بنيها (١)) ، وأوفى على ذوي التجربة والتقدمة فيها ، نفاذاً في أدب الخدمة ، ومعرفةً بحقِّ الندام والعشرة ، وقبولاً يملأ به مجلس الحفلة ، إنصاتاً للمتبوع إلاّ إذا وجب القول ، وإعظاماً للمخدوم إلاّ إذا خرج الأمر ، وظرفاً يشحن مجلس الخلوة ، وحديثاً يسكت به العنادل ، ويطاول البلابل ، فإن اتّفق أن يفسح له في الفارسيّة نظماً ونشراً طفح آذيّه ، وسال آتيّه ، فألسِنة أهل مصره ـ إلاّ الأفراد ـ بروقٌ إذا وطئوا أعقاب العجم ، وقيودٌ إذا تعاطوا لغات العرب ، حتى إنّ الأديب منهم المقدّم والعليم المسوّم يتلعثم إذا حاضر بمنطقه ، كأنّه لم يدرِ من عدنان ، ولم يسمع من قحطان ، ومن فضول أخينا أو فضله أنّه يدّعي الكتابة ، ويدارس البلاغة ، ويمارس الإنشاء ، ويهذي فيه ما شاء ، وكنت أخرجته إلى ناصر الدولة أبي الحسن محمد بن إبراهيم ، فوفّق التوفيق كلّه صيانةً لنفسه ، وأمانةً في ودائع لسانه ويده ، وإظهاراً لنسك لم أعهده في مسكه ، حتى خرج وسلم على نقده ، وإنّ نقده لشديدٌ لمثله ، ومولاي يجريه بحضرته مجراه بحضرتي ، فطعامه ومنامه وقعوده وقيامه إمّا بين يديّ ، أو بأقرب المجالس لديّ ، ولا يقولنَّ : هذا أديب وشاعر ، أو وافد وزائر ، بل يحسبه قد تخفّف بين يديه أعواماً وأحقاباً ، وقضى في التصرف لديه صِباً وشباباً ، وهذا إنّما يحتاج إلى وسيط وشفيع ما لم ينشر بزّه ، ولم يظهر طرزه ، وإلاّ فسيكون بعدُ شفيع من سواه ، ووسيط من عداه ، فهناك بحمد الله درقه وحدقه (٢) ، ووجنة مطرفه ، وما أكثر ما يفاخرنا بمناظر جرجان وصحاريها ورفارفها وحواشيها ، فليملأ مولاي عينه من منتزهات أصبهان ، فعسى طماحه أن يخفَّ وجماحه أن يقلَّ.

__________________

(١) فرع بنيها : علاهم شرفاً وجاهاً.

(٢) الدرق : الصلب من كلّ شيء ، ومنها الدرقة وهي الترس ، وحدقه : أي نظره وإحاطته.

١٢١

والثعالبي لم يألُ جهداً في الثناء عليه (١) ، وقال : عهدي به وقد ورد نيسابور رسولاً إلى الأمير أبي الحسن في سنة سبع وسبعين وثلاثمائة ، وذكر نبذاً راقية من شعره في مجلّدات اليتيمة ، وترجمه صاحب رياض العلماء (٢) ، ووصف فضله وشعره ، ومن قوله في رثاء الإمام السبط الشهيد عليه‌السلام.

وجدي بكوفان ما وجدي بكوفانِ

تهمي عليه ضلوعي قبل أجفاني

أرضٌ إذا نفختْ ريحُ العراق بها

أتت بشاشتُها أقصى خراسانِ

ومن قتيلٍ بأعلى كربلاء على

جهد الصدى فتراه غيرَ صديانِ

وذي صفائح يستسقي البقيعُ به

ريَّ الجوانح من رَوْحٍ ورضوانِ

هذا قسيمُ رسولِ اللهِ من آدمٍ

قُدّا معاً مثل ما قُدَّ الشراكانِ

وذاك سبطا رسولِ اللهِ جدّهما

وجهُ الهدى وهما في الوجه عينانِ

وا خجلتا من أبيهم يومَ يشهدُهمْ

مضرّجين نشاوى من دمٍ قانِ

يقول يا أمّةً حفَّ الضلالُ بها

واستبدلتْ للعمى كفراً بإيمانِ

ماذا جنيتُ عليكم إذ أتيتكمُ

بخيرِ ما جاء من آيٍ وفرقانِ

ألم أُجرْكمْ وأنتمْ في ضلالتِكمْ

على شفا حفرةٍ من حرِّ نيرانِ

ألم أؤلِّف قلوباً منكمُ فرقاً

مثارةً بين أحقادٍ وأضغانِ

أما تركتُ كتابَ اللهِ بينكمُ

وآيةُ العزِّ في جمعٍ وقرآنِ

ألم أكن فيكمُ غوثاً لمضطهَدٍ

ألم أكن فيكمُ ماءً لظمآن

قتلتمُ ولدي صبراً على ظمأٍ

هذا وترجون عند الحوض إحساني

سَبيتمُ ثكِلتكمْ أمّهاتكمُ

بني البتول وهم لحمي وجثماني

مزّقتمُ ونكثتمْ عهدَ والدِهم

وقد قطعتمْ بذاك النكتِ أقراني

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٤ / ٢٩.

(٢) رياض العلماء : ٣ / ٣٣٩.

١٢٢

يا ربِّ خُذ ليَ منهم إذ همُ ظلموا

كرامَ رهطي وراموا هدمَ بنياني

ما ذا تجيبون والزهراءُ خصمكمُ

والحاكمُ اللهُ للمظلوم والجاني

أهلَ الكساءِ صلاةُ الله ما نزلتْ

عليكم الدهرَ من مثنىً ووُحدانِ

أنتم نجومُ بني حوّاءَ ما طلعتْ

شمسُ النهارِ وما لاح السماكانِ

مازلتُ منكم على شوقٍ يهيّجُني

والدهرُ يأمرني فيه وينهاني

حتى أتيتُكَ والتوحيدُ راحلتي

والعدلُ زادي وتقوى الله إمكاني

هذي حقائقُ لفظٍ كلّما برقتْ

ردّتْ بلألائها أبصارَ عميانِ

هي الحلى لبني طه وعترتهمْ

هي الردى لبني حربٍ ومروانِ

هي الجواهرُ جاء الجوهريُّ بها

محبّةً لكمُ من أرض جُرجانِ (١)

وله قصيدة يرثي بها الإمام الشهيد قتيل الطف عليه‌السلام في يوم عاشوراء ، ذكرها له الخوارزمي في مقتله (٢) ، وابن شهرآشوب في مناقبه (٣) ، والعلاّمة المجلسي في المجلّد العاشر من البحار (٤).

يا أهلَ عاشورَ يا لهفي على الدينِ

خذوا حدادَكمُ يا آلَ ياسينِ

اليوم شُقِّقَ جيبُ الدين وانتُهبتْ

بناتُ أحمدَ نهبَ الروم والصينِ

اليومَ قامَ بأعلى الطفِّ نادبُهم

يقولُ من لِيتيمٍ أو لمسكين

اليوم خُضِّبَ جيبُ المصطفى بدمٍ

أمسى عبيرَ نحورِ الحورِ والعينِ

اليوم خرَّ نجوم الفخر من مضرٍ

على مناخرِ تذليلٍ وتوهينِ

اليومَ أُطفئ نورُ الله متَّقداً

وجرِّرتْ لهمُ التقوى على الطينِ

__________________

(١) أعيان الشيعة : ٨ / ١٥٥.

(٢) مقتل الحسين : ٢ / ١٣٦.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ١٣٦.

(٤) بحار الأنوار : ٤٥ / ٢٥٣ ، ٢٧٩.

١٢٣

اليوم هُتِّكَ أسبابُ الهدى مزقاً

وبُرقِعتْ غرّةُ الإسلامِ بالهونِ

اليوم زُعزِعَ قدسٌ من جوانبِهِ

وطاحَ بالخيلِ ساحاتُ الميادينِ

اليومَ نالَ بنو حربٍ طوائلَها

ممّا صلَوهُ ببدرٍ ثمّ صفِّينِ

اليوم جُدِّلَ سبطُ المصطفى شًرقا

من نفسه بنجيعٍ غيرِ مسنونِ

زادوا عليه بحبسِ الماء غلّتَهُ

تبّا لرأي فريقٍ منه مغبونِ

نالوا أزمّةَ دنياهم ببغيهمُ

فليتهمْ سمحوا منها بماعونِ

حتى يصيح بقنّسريَن (١) راهبُها

يا فرقة الغيِّ يا حزبَ الشياطينِ

أتهزؤون برأسٍ باتَ منتصباً

رعلى القناةِ بدين الله يوصيني

آمنتُ ويحكمُ باللهِ مهتدياً

روبالنبيّ وحبُّ المرتضى ديني

فجدّلوه صريعاً فوق جبهتِهِ

روقسّموهُ بأطرافِ السكاكينِ

وأوقروا صهواتِ الخيلِ من إحنٍ

على أُساراهمُ فعلَ الفراعينِ

مصعّدين على أقتاب أرحلِهمْ

رمحمولةً بين مضروب ومطعونِ

أطفالُ فاطمةَ الزهراءِ قد فُطموا

من الثديّ بأنياب الثعابينِ

يا أمّةً ولي الشيطانُ رايتَها

ومكّنَ الغيُّ منها كلّ تمكينِ

ما المرتضى وبنوه من معاويةٍ

رولا الفواطمُ من هندٍ وميسونِ

آلُ الرسول عباديد (٢) السيوف فمن

هامٍ على وجهِهِ خوفاً ومسجونِ

يا عينُ لا تدّعي شيئاً لغاديةٍ

تهمي ولا تدّعي دمعاً لمحزونِ

قومي على جدثٍ بالطفِّ فانتفضي

ربكلِّ لؤلؤِ دمعٍ فيكِ مكنونِ

يا آل أحمد إنّ الجوهريَّ لكم

سيفٌ يقطِّع عنكم كلَّ موضونِ

وذكر له الثعالبي كثيراً من شعره في اليتيمة (٣) (٤ / ٢٩ ـ ٤١) وممّا ذكر له من

__________________

(١) قنّسرين ـ بكسر أوّله وفتح ثانيه وتشديده ـ : مدينة بينها وبين حلب مرحلة [معجم البلدان : ٤ / ٤٠٤]. (المؤلف) (٢) العباديد : المتفرّقون.

(٣) يتيمة الدهر : ٤ / ٣٣ ـ ٤٨.

١٢٤

قصيدة في شريفٍ حسنيٍّ قوله :

لا عتب إن بذلتْ عيني بما أجِدُ

فقد بكى ليَ عوّادي لما عهدوا

لو أنّ لي جسداً يقوى لَطفتُ به

على العزاء ولكن ليس لي جسدُ

تبعتهمْ بذماءٍ كان يمسكُهُ

تعلّلٌ بخيالٍ كلّما بعدوا

يا ليلةً غمضتْ عنّي كواكبُها

ترفّقي بجفونٍ غمضُها رمدُ

أهوى الصباحَ وما لي فيه منتصفٌ

من الظلام ولكن طالما أجدُ

لو أنّ لي أمداً في الشوق أبلغه

صبرت عنك ولكن ليس لي أمدُ

بكيتُ بعد دموعي في الهوى جلدي

وهل سمعتَ بباكٍ دمعُه جلدُ

تذوبُ نارُ فؤادي في الهوى برداً

وهل سمعتَ بنارٍ ذوبها بردُ

قالوا ألفت رُبا جَيٍ (١) فقلت لهم

الحبُّ أهلٌ وإدراك المنى ولدُ

أندى محاسن جَيٍّ أنّه بلدٌ

طلْقُ النهارِ ولكن ليلُه نكدُ

إذا استُحبَّ بلادٌ للمعاشِ بها

فحيثما نعمتْ حالي به بلدُ

وللمكارمِ قومٌ لا خفاءَ بهم

هم يُعرَفون بسيماهم إذا شهدوا

لله معشرُ صدقٍ كلّما تُليت

على الورى سورةٌ من مجدِهم سجدوا

ذرّيةٌ أبهرت طه بجدِّهمُ

وهل أتى بأبيهم حين تنتقدُ (٢)

وإن تُصُنِّعَ شعرٌ في ذوي كرمٍ

يا ابن النبيّ فشعري فيك مقتصدُ

أصبتُ فيك رشادي غيرَ مجتهدٍ

وليس كلّ مصيبٍ فيك مجتهدُ

بسطت عرضَ فناءِ الدهرِ مكرمةً

طرائقُ الحمد في حافاتها قِدَدُ (٣)

توفّي المترجَم بجرجان بعد سنة (٣٧٧) وقبل سنة (٣٨٥) ، فقد بعثه الصاحب

__________________

(١) جَيّ ـ بالفتح ثمّ التشديد ـ : مدينة بينها وبين أصبهان نحو ميلين ، قال ياقوت في المعجم [٢ / ٢٠٢] : وتسمّى الآن عند العجم : شهرستان ، وعند المحدثين : المدينة. (المؤلف)

(٢) أبهرت : أنارت. وطه : أي سورة طه.

(٣) قدد : متشعّبة.

١٢٥

ابن عبّاد رسولاً إلى الأمير أبي الحسن ناصر الدولة سنة (٣٧٧) ، ووجّهه بعدها إلى أبي العبّاس الضبّي إلى أصفهان ، ولمّا انقلب من أصبهان إلى جرجان لم تطل به الأيّام حتى أصبح مقبوراً ، كما ذكره الثعالبي (١) ، فوفاة المترجَم في حياة الصاحب المتوفّى (٣٨٥) تستدعي وقوعها بين التاريخين حدود (٣٨٠).

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٤ / ٣٣.

١٢٦

ـ ٢٧ ـ

ابن الحجّاج البغدادي

المتوفّى (٣٩١)

يا صاحبَ القبّةِ البيضاءِ في النجفِ

من زارَ قبرَكَ واستشفى لديك شُفي

زوروا أبا الحسن الهادي لعلّكمُ

تحظَوْنَ بالأجرِ والإقبالِ والزُّلَفِ

زوروا لمن تُسمَعُ النجوى لديه فمن

يزرْهُ بالقبر ملهوفاً لديه كُفي

إذا وصلتَ فأحرمْ قبل تدخلَهُ

ملبّياً واسْعَ سعياً حوله وطُفِ

حتى إذا طفتَ سبعاً حول قبّتِهِ

تأمّل البابَ تلقى وجهه فقفِ

وقل سلامٌ من اللهِ السلامِ على

أهلِ السلامِ وأهلِ العلمِ والشرفِ

إنّي أتيتك يا مولاي من بلدي

مُستمسكاً من حبال الحقِّ بالطرفِ

راجٍ بأنّك يا مولاي تشفعُ لي

وتسقِني من رحيقٍ شافيِ اللهفِ

لأنّك العروةُ الوثقى فمن علِقَتْ

بها يداه فلن يشقى ولم يخفِ

وإنّ أسماءَك الحسنى إذا تُليت

على مريضٍ شُفي من سقمه الدنفِ

لأنّ شأنك شأنٌ غيرُ مُنتقصٍ

وإنّ نورَك نورٌ غير منكسفِ

وإنّك الآيةُ الكبرى التي ظهرتْ

للعارفين بأنواعٍ من الطرفِ

هذي ملائكةُ الرحمنِ دائمةً

يهبطنَ نحوكَ بالألطافِ والتحفِ

كالسطلِ والجامِ والمنديلِ جاء به

جبريلُ لا أحدٌ فيه بمختلفِ

كان النبيُّ إذا استكفاك معضلةً

من الأمور وقد أعيت لديه كُفِي

١٢٧

وقصّةُ الطائر المشويِّ عن أنسٍ

تخبر بما نصّهُ المختارُ من شرفِ

والحَبُّ والقضبُ والزيتونُ حين أتوا

تكرُّماً من إله العرش ذي اللطفِ

والخيلُ راكعةٌ في النقعِ ساجدةٌ

والمشرفيّاتُ قد ضجّت على الحَجَفِ (١)

بعثتَ أغصانَ بانٍ في جموعِهمُ

فأصبحوا كرمادٍ غير منتسفِ

لو شئتَ مسخَهمُ في دورِهمْ مُسِخوا

أو شئتَ قلتَ لهم يا أرض إنخسفي

والموتُ طوعُكَ والأرواحُ تملكُها

وقد حكمتَ فلم تظلِمْ ولم تحِفِ

لا قدَّس اللهُ قوماً قال قائلُهمْ

بخٍ بخٍ لك من فضلٍ ومن شرفِ

وبايعوك بخمٍّ ثمّ أكّدَها

محمدٌ بمقالٍ منه غيرِ خفي

عاقوك واطّرحوا قولَ النبيِّ ولم

يمنعهمُ قولُه هذا أخي خلَفي

هذا وليُّكُمُ بعدي فمن علِقَتْ

به يداهُ فلن يخشى ولم يخفِ (٢)

القصيدة تناهز (٦٤) بيتاً ولها قصّة تأتي في الترجمة إن شاء الله.

وله من قصيدة أجاب بها عن قصيدة ابن سكّرة (٣) المتحامل بها على آل الله وشاعرهم ابن الحجّاج ـ المترجَم ـ أخذناها من ديوانه المخطوط سنة (٦٢٠) بقلم عمر بن إسماعيل بن أحمد الموصلي ، أوّلها :

لا أكذِبُ اللهَ إنّ الصدقَ يُنجيني

يدُ الأمير بحمد الله تُحييني

إلى أن قال :

فما وجدتَ شفاءً تستفيدُ به

إلاّ ابتغاءَك تهجو آلَ ياسينِ

كافاك ربُّكَ إذ أجرَتْكَ قدرتُهُ

بسبِّ أهلِ العُلى الغرِّ الميامينِ

__________________

(١) الحَجَف محرّكة : التروس من جلود بلا خشب ولا عقب. واحدتها : الحَجَفَة. (المؤلف)

(٢) رياض العلماء : ٢ / ١٤.

(٣) محمد بن عبد الله بن محمد الهاشمي البغدادي ، من ولد عليّ بن المهدي العبّاسي ، له ديوان شعر يربو على خمسين ألف بيت ، توفّي سنة ٣٨٥. (المؤلف)

١٢٨

فقرٌ وكفرٌ هميعٌ (١) أنت بينهما

حتى المماتِ بلا دنياً ولا دينِ

فكان قولُكَ في الزهراءِ فاطمةٍ

قولَ امرئٍ لَهِجٍ بالنصبِ مفتونِ

عيّرتَها بالرحا والزادِ تطحنُه

لا زال زادُك حَبّا غيرَ مطحونِ

وقلت إنّ رسول الله زوّجَها

مسكينةً بنتَ مسكينٍ لمسكينِ

كذبتَ يا ابن التي بابُ اسْتها سَلِسُ ال

أغلاقِ بالليلِ مفكوكُ الزرافينِ (٢)

ستُّ النساء غداً في الحشر يخدمُها

أهلُ الجنانِ بحورِ الخرّدِ العينِ

فقلتَ إنَّ أميرَ المؤمنين بغى

على معاويةٍ في يومِ صفّينِ

وإنّ قتلَ الحسينِ السبطِ قامَ به

في اللهِ عزمُ إمامٍ غيرِ موهونِ

فلا ابنُ مرجانةٍ فيه بمحتقب (٣)

إثمَ المسيء ولا شمرٌ بملعونِ

وإنّ أجرَ ابنِ سعدٍ في استباحته

آلَ النبوّةِ أجرٌ غيرُ ممنونِ

هذا وعُدتَ إلى عثمانَ تندبُهُ

بكلّ شعرٍ ضعيفِ اللفظِ ملحونِ

فصرتَ بالطعنِ من هذا الطريقِ إلى

ما ليس يخفى على البله المجانينِ

وقلتَ أفضلُ من يومِ الغديرِ إذا

صحّتْ روايتُه يومُ الشعانينِ

ويومُ عيدِك عاشورا تُعِدُّ له

ما يستعدّ النصارى للقرابينِ

تأتي بيوتَكمُ فيه العجوزُ وهل

ذكرُ العجوزِ سوى وحيِ الشياطينِ

عاندتَ ربَّكَ مغترّا بنقمتِهِ

وبأسُ ربِّك بأسٌ غيرُ مأمونِ

فقال كن أنت قِرداً في استه ذَنَبٌ

وأمرُ ربِّكَ بين الكافِ والنونِ

وقال كن لي فتىً تعلو مراتبُه

عند الملوك وفي دورِ السلاطينِ

والله قد مسخ الأدوار قبلك في

زمان موسى وفي أيّامِ هارونِ

__________________

(١) أي لا تزال باكياً. (المؤلف)

(٢) سلست الخشبة : نخرت وبليت والسلس : الليّن السهل. الغلق ما يغلق به الباب والجمع أغلاق. الزرفين واحدة الزرافين : الحلق الصغيرة للباب. (المؤلف)

(٣) احتقب الإثم : جمعه. (المؤلف)

١٢٩

بدون ذنبِكَ فالحقْ عندهم بهمُ

ودع لحاقَكَ بي إن كنت تنوينيِ

القصيدة (٥٨) بيتاً.

وله من قصيدة قوله :

بالمصطفى وبصهرِهِ

ووصيِّه يومَ الغدير

الشاعر

أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجّاج النيلي البغدادي ، أحد العمد والأعيان من علماء الطائفة ، وعبقريّ من عباقرة حملة العلم والأدب ، وقد عدّه صاحب رياض العلماء (١) من كبراء العلماء ، كما عدّه ابن خلّكان (٢) وأبو الفداء من كبار الشيعة ، والحموي في معجم أدبائه (٣) من كبار شعراء الشيعة ، وآخر من فحول الكتّاب ، فالشعر كان أحد فنونه ، كما أنّ الكتابة إحدى محاسنه الجمّة ، وله في العلم قننٌ راسية ، وقدمٌ راسخة ، غير أنّ انتشار أدبه الفائق ، ومقاماته البديعة فيه ، وتعريف الأدباء إيّاه بأدبه الباهر ، وقريضه الخسروانيّ والثناء عليه بأنّه ثاني معلّميه كما في نسمة السحر (٤) ، أخفى صيت علمه الغزير ، وغطّى ذكره العلميّ ، ونحن نقوم بواجب الحقّين جميعاً.

ينمُّ عن مقامه الرفيع في العلوم الدينيّة وتضلّعه فيها وشهرته في عصره بها تولّيه الحسبة (٥) مرّةً بعد أخرى في عاصمة العالم في ذلك اليوم ـ بغداد ، وهي من

__________________

(١) رياض العلماء : ٢ / ١١.

(٢) وفيات الأعيان : ٢ / ١٧١ رقم ١٩٢.

(٣) معجم الأدباء : ٩ / ٢٢٩.

(٤) نسمة السحر : مج ٧ / ج ١ / ٢٠٥.

(٥) كما في تاريخ ابن خلّكان [٢ / ١٦٨ رقم ١٩٢] ، تاريخ ابن كثير [١١ / ٣٧٨ حوادث سنة ٣٩١ ه‍] ،

١٣٠

المناصب الرفيعة العلميّة التي كانت يُخَصُّ تولّيها في العصور المتقادمة بأئمّة الدين ، وزعماء الإسلام ، وكبراء الأمّة ، وهي كما قال الماوردي في الأحكام السلطانيّة (١) (ص ٢٢٤) : من قواعد الأمور الدينيّة ، وقد كان أئمّة الصدر الأوّل يباشرونها. انتهى.

الحسبة : هي الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر بين الناس كافّة ، وممّن وليها ببغداد قبل المترجَم : الفيلسوف الكبير أحمد بن الطيّب السرخسي صاحب التآليف القيّمة في فنون متنوّعة المقتول سنة (٢٨٣) وتولاّها بعد عزل المترجَم عنها فقيه الشافعيّة وإمامها أبو سعيد الحسن بن أحمد الإصطخري المتوفّى سنة (٣٢٨) ، على ما يُقال كما في تاريخ ابن خلّكان (٢) ، ومرآة الجنان لليافعي (٣) وغيرهما.

قال الماوردي في الأحكام السلطانيّة (٤) (ص ٢٠٩) : فمن شروط والي الحسبة أن يكون حُرّا ، عدلاً ، ذا رأي وصرامة ، وخشونة في الدين ، وعلم بالمنكرات الظاهرة.

واختلف الفقهاء من أصحاب الشافعيِّ : هل يجوز له أن يحمل الناس فيما ينكره من الأمور التي اختلف الفقهاء فيها على رأيه واجتهاده أم لا؟

على وجهين : أحدهما ، وهو قول أبي سعيد الإصطخري ، أنّ له أن يحمل ذلك على رأيه واجتهاده ، فعلى هذا يجب على المحتسب أن يكون عالماً من أهل الاجتهاد في أحكام الدين ليجتهد رأيه فيما اختلف فيه. انتهى.

__________________

مرآة الجنان [٢ / ٤٤٤] ، رياض العلماء [٢ / ١١] ، دائرة المعارف الإسلامية [للشنتناوي : ١ / ١٣٠] ، دائرة المعارف لفريد وجدي [٦ / ١٢] ، الأعلام للزركلي [٢ / ٢٣١]. (المؤلف)

(١) الأحكام السلطانية : ٢ / ٢٥٨ باب ٢٠.

(٢) وفيات الأعيان : ٢ / ١٦٨ رقم ١٩٢.

(٣) مرآة الجنان : ٢ / ٤٤٤ وفيات سنة ٣٩١ ه‍.

(٤) الأحكام السلطانية : ٢ / ٢٤١ باب ٢٠.

١٣١

وقال رشيد الدين الوطواط المتوفّى سنة (٥٧٣) : إنّ أولى الأمور بأن تصرف أعنّة العناية إلى ترتيب نظامه ، وتقصر الهمم على مهمّة إتمامه ، أمرٌ يتعلّق به ثبات الدين ، ويتوقّف عليه صلاح المسلمين ، وهو أمر الاحتساب ، فإنّ فيه تثبيت الزائغين عن الحقّ ، وتأديب المنهمكين في الفسق ، وتقوية أعضاد أرباب الشرع وسواعدها ، وإجراء معاملات الدين على قوانينها وقواعدها ، وينبغي أن يكون متقلّد هذا الأمر موصوفاً بالديانة ، معروفاً بالصيانة ، معرضاً عن مراصد الريب ، بعيداً عن مواقف التهم والعيب ، لابساً مدارع السداد ، سالكاً مناهج الرشاد. معجم الأدباء (١٩ / ٣١).

ففي تولية شاعرنا المترجَم الحسبة مرّةً بعد أخرى ، غنىً وكفاية عن سرد جمل الثناء على علمه وفقهه وإطراء عدله ورأيه ، واجتهاده في جنب الله وصرامته ، وخشونته في الدين ، ورشاده وسداده ، وقد تولاّها مرّتين في بغداد : مرّة على عهد الخليفة العبّاسي المقتدر بالله كما سمعته من ابن خلّكان واليافعي ، وأخرى أقامه عليها عزّ الدولة في وزارة ابن بقية الذي استوزره عزّ الدولة سنة (٣٦٢) وتوفّي سنة (٣٦٧) ، وقد كتب المترجَم إليه في وزارته قصيدة ، أوّلها :

أيّها ذا الوزير إن أنت أنصف

ـت وإلاّ فقم مع الجيرانِ

ويقول فيها :

ليت شعري ألستُ محتسبَ النا

سِ فلِمْ ليس تعرفونَ مكاني

أمّا أدبه : فهو كما أوعزنا إليه أحد نوابغ شعراء الشيعة ، والمقدّم بين كتّابها ، حتى قيل : إنّه كامرئ القيس في الشعر (١) لم يكن بينهما من يضاهيهما ، ويقع ديوانه في عشر مجلّدات ، والغالب عليه العذوبة والانسجام ، وتأتي المعاني البديعة في طريقته

__________________

(١) كما في تاريخ ابن خلّكان [٢ / ١٦٩ رقم ١٩٢] ، ومعجم الأدباء [٩ / ٢٠٦] ، وشذرات الذهب [٤ / ٤٨٧ حوادث سنة ٣٩١ ه‍]. (المؤلف)

١٣٢

إلى ألفاظ سهلة ، وأُسلوب حسن ، وسبك مرغوب فيه.

وفي نسمة السحر (١) : إنّه يُعدّ المعلّم الثاني ، والمعلّم الأوّل إمّا المهلهل بن وائل أو امرؤ القيس ، اخترع منهجاً لم يُسبَق إليه وتبعه فيه الناس ، ومن أتباعه أبو الرقعمق وصريع الدلاء.

قال الثعالبي (٢)) : سمعت به من أهل البصيرة في الأدب وحسن المعرفة بالشعر ، على أنّه فرد زمانه في فنِّه الذي شُهِر به ، وأنّه لم يُسبَق إلى طريقته ، ولم يُلحَق شأوه في نمطه ، ولم يُرَ كاقتداره على ما يريده من المعاني التي تقع في طرزه ، مع سلاسة الألفاظ وعذوبتها وانتظامها في الملاحة والبلاغة. انتهى.

رتّب ديوانه البديع الإسطرلابي هبة الله بن حسن المتوفّى سنة (٥٣٤) على واحد وأربعين ومائة باب ، وجعل كلّ باب في فنٍّ من فنون الشعر وسمّاه : درّة التاج من شعر ابن الحجّاج (٣) ، وهي محفوظة في باريس (رقم ٥٩١٣) وبها مقدِّمةٌ لابن الخشّاب النحوي.

وللشريف الرضي انتخاب ما استجوده من شعره سمّاه : الحسن من شعر الحسين (٤)) ، ورتّبه على الحروف ، وكان ذلك في حياة المترجَم ، وله في ذلك شعر يوجد في المجلّد الأخير من ديوانه ، وهو قوله :

أتعرف شعري إلى من ضوى

فأضحى على ملكه يحتوي

إلى البدر حُسناً إلى سيّدي

الشريف أبي الحسنِ الموسوي

__________________

(١) نسمة السحر : مج ٧ / ج ١ / ٢٠٥.

(٢) يتيمة الدهر : ٣ / ٣٥.

(٣) راجع معجم الأدباء [١٩ / ٢٧٤] ، تاريخ ابن خلّكان [٦ / ٥٢ رقم ٧٧٥] ، مرآة الجنان [٣ / ٢٦١] ، كشف الظنون [١ / ٧٣٩]. (المؤلف)

(٤) في دائرة المعارف الإسلامية [للشنتناوي : ١ / ١٣٠] : أنّه أسماه النظيف من السخيف. (المؤلف)

١٣٣

إلى من أعوِّذه كلّما

تلقّيته بالعزيز القوي

فتىً كنتُ مِسْخاً بشعري السخيفِ

وقد ردّني فيه خَلقاً سوي

تأمّلتُه وهو طوراً يصح

وطوراً بصحّتهِ يلتوي

فميّزَ معوجَّهُ والرديَ

فيه من الجيِّدِ المستوي

وصحّحَ أوزانَهُ بالعروضِ

وقرّرَ فيه حروفَ الروي

وأرشدَهُ لطريقِ السدادِ

فأصلحَ شيطانَ شعري الغوي

وبيّن موقع كفّ الصناعِ

في نسج ديباجِهِ الخسروي

فأُقسمُ بالله والشيخُ في

اليمينِ على الحِنثِ لا ينطوي

لو أنّ زرادشتَ أصغى له

لأزرى على المنطقِ الفهلوي

وصادف زرعَ كلامي البليغ

فيه شديدَ الظما قد ذوي

فما زال يسقيه ماء الطرا

وماء البشاشة حتى روي

فلا زال يحيا وقلبُ الحسودِ

بالغيظِ من سيّدي مكتوي

له كبدٌ فوق جمر الغضا

على النار مطروحةٌ تشتوي

قال الثعالبي (١) : إنّ ديوان شعره لا تنحطُّ قيمته عن ستين ديناراً لتنافسهم في ملحه ووفور رغبتهم فيه ، وقال : وديوان شعره أسْيَرُ في الآفاق من الأمثال ، وأسرى من الخيال ، وذكر في اليتيمة شطراً مهمّا من فنون شعره في (٦٢) صحيفة في الجزء الثالث.

والغالب على شعره الهزل والمجون ، كأنّهما لازِمَا غريزته ، ومطبوعا قريحته ، وخمرتا طينته ، وكان إذا استرسل فيهما فلا يجعجع به حضور ملك أو هيبة أمير ، ويأتي بما عنده غير مكترث للسامعين ، فلا يستقبل منهم إلاّ عطفاً وقبولاً ، كما أنّ جلّ شعره يعرب عن ولائه الخالص لأهل البيت والوقيعة في مناوئيهم.

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٣ / ٤٠ ، ٣٦.

١٣٤

خلفاء عصره وملوكه

أدرك ابن الحجّاج جمعاً من خلفاء بني العبّاس وهم :

١ ـ المعتمد على الله ابن المتوكّل : المتوفّى (٢٧٩).

٢ ـ المعتضد بالله أبو العبّاس : المتوفّى (٢٨٩).

٣ ـ المكتفي بالله : المتوفّى (٢٩٥).

٤ ـ المقتدر بالله : المتوفّى (٣٢٠).

٥ ـ الراضي بالله : المتوفّى (٣٢٩).

٦ ـ المستكفي بالله : المتوفّى (٣٣٨).

٧ ـ القاهر بالله : المتوفّى (٣٣٩).

٨ ـ المتّقي لله : المتوفّى (٣٥٨).

٩ ـ المطيع لله : المتوفّى (٣٦٤).

١٠ ـ الطائع لله : المتوفّى (٣٩٣).

وعاصر من ملوك آل بويه من الذين ملكوا العراق :

١ ـ معزّ الدولة فاتح العراق : المتوفّى سنة (٣٥٦).

٢ ـ عزّ الدولة أبا منصور بختيار ابن معزّ الدولة : المقتول (٣٦٧).

٣ ـ عضد الدولة فنا خسرو ابن ركن الدولة : المتوفّى (٣٧٢).

٤ ـ شرف الدولة ابن عضد الدولة : المتوفّى (٣٧٩).

٥ ـ صمصام الدولة ابن عضد الدولة : المقتول (٣٨٨).

٦ ـ بهاء الدولة أبا نصر ابن عضد الدولة : المتوفّى (٤٠٣).

وكان ، كما قال الثعالبي (١) ، على طول عمره يتحكّم على وزراء الوقت ورؤساء

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٣ / ٣٦.

١٣٥

العصر ، تحكّم الصبيّ على أهله ، ويعيش في أكنافهم عيشة راضية ، ويستثمر نعمة صافية ضافية.

ويوجد في ديوانه شعر كثير مدحاً ورثاءً وهجاءً في رجالات عصره من الخلفاء والوزراء والأمراء والكتّاب والمثقّفين تربو عدّتهم فيما قرأناه من مجلّدات ديوانه على ستّين ، منهم :

أبو عبد الله هارون ابن المنجِّم

 المتوفّى (٢٨٨)

أبو الفضل عبّاس بن الحسن

 المتوفّى (٢٩٦)

الوزير أبو محمد المهلّبي

 المتوفّى (٣٥٢)

أبو الطيّب المتنبّي الشاعر

 المتوفّى (٣٥٤)

الوزير أبو الفضل بن العميد

 المتوفّى (٣٦٠)

المطيع لله الخليفة العبّاسي

 المتوفّى (٣٦٤)

أبو الفتح بن العميد

 المتوفّى (٣٦٦)

الوزير أبو ريّان خليفة عضد الدولة ببغداد

الوزير أبو طاهر بن بقية

 المتوفّى (٣٦٧)

عزّ الدولة بختيار بن بويه

 المتوفّى (٣٦٧)

عمران بن شاهين

 المتوفّى (٣٦٩)

الأمير أبو تغلب غضنفر

 المتوفّى (٣٦٩)

عضد الدولة فناخسرو

 المتوفّى (٣٧٢)

أبو الفتح بن شاهين

 المتوفّى (٣٧٢)

أبو الفرج بن عمران بن شاهين

 المتوفّى (٣٧٣)

أبو المعالي بن محمد بن عمران

 المتوفّى (٣٧٣)

شرف الدولة بن بويه

 المتوفّى (٣٧٩)

أبو إسحاق إبراهيم الصابي

 المتوفّى (٣٨٤)

١٣٦

القاضي أبو علي التنوخي

 المتوفّى (٣٨٤)

الوزيرالصاحب بن عبّاد

 المتوفّى (٣٨٥)

ابن سكرة العبّاسي الشاعر

 المتوفّى (٣٨٥)

أبو علي محمد بن الحسن الحالتي

 المتوفّى (٣٨٨)

أبو القاسم عبد العزيز بن يوسف

 المتوفّى (٣٨٨)

الوزير أبو نصر سابور بن أردشير

 المتوفّى (٤١٦)

الوزير أبو منصور محمد المرزبان

 المتوفّى (٤١٦)

أبو أحمد بن حفص ، عارض المترجَم في أمور الحسبة.

الوزير أبو الفرج محمد بن العبّاس بن فَسَانْجِس.

قال الثعالبي في اليتيمة (١) (٣ / ٧٠) : كان الوزير أبو الفرج والوزير أبو الفضل ـ ابن العميد ـ قد خلوا في الديوان لعقوبة أصحاب المهلّبي ـ الوزير أبي محمد الحسن ـ عقب موته ، وأمرا أن تُلوّث ثياب الناس بالنفط إن قربوا من الباب ، وقد كان المهلبي فعل مثل هذا ، فحضر ابن الحجّاج فعجب وخاف النفط فانصرف ، فقال :

الصفعُ بالنفطِ في الثيابِ

ما لم يكن قطُّ في حسابي

ليس يقومُ الوصولُ عندي

مقامَ خيطينِ من ثيابي

يا ربَّ من كان سنَّ هذا

فزده ضعفاً من العذابِ

في قعرِ حمراءَ ليس فيها

غيرُ بني البظر والقحابِ

تفعل في لحمِهِ المهْريّ (٢)

ما يفعلُ الجمرُ بالكبابِ

فالقردُ عندي يجلُّ عمّن

يسنُّ هذا على الكلابِ

أكثر المترجَم من مدائح أهل البيت عليهم‌السلام والنَّيْل من مناوئيهم نظراء مروان بن

__________________

(١) يتيمة الدهر : ٣ / ٩١.

(٢) هرى الثوب : صفره أي جعله أصفر [وهرأ اللحم هرءاً : أنضجه]. (المؤلف)

١٣٧

أبي حفصة ، حتى إنّه ربما كان يُنتقد على تشديده الوطء والنكير المحتدم على فظائع القوم ـ أعداء آل الله ـ بلهجةٍ حادّةٍ ، وسبابٍ مُقذعٍ ، غير أنّ ذلك كلّه كان نفثة مصدور ، وأنّة متوجّع من الظلم الواقع على ساداته أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام ، لا ولعاً منه في البذاء أو وقيعةً في الأعراض لمحض الشهوة ومتابعة الهوى ، ولذلك وقع شعره مقبولاً عند مواليه ـ صلوات الله عليهم ـ وكانوا إذا مرّوا باللغو منه مرّوا كراماً.

حدّث (١) سيّدنا الأجلّ زين الدين عليّ بن عبد الحميد النيلي النجفي (٢)) في كتابه الدرّ النضيد في تعازي الإمام الشهيد : أنّه كان في زمان ابن الحجّاج رجلان صالحان يزدريان بشعره كثيراً ، وهما : محمد بن قارون السيبي وعليّ بن زرزور السورائي ، فرأى الأوّل منهما ليلة في الواقعة كأ نّه أتى إلى روضة الحسين عليه‌السلام وكانت فاطمة الزهراء عليها‌السلام حاضرة هناك ، مسندةً ظهرها إلى ركن الباب الذي هو على يسار الداخل ، وسائر الأئمّة إلى مولانا الصادق عليه‌السلام أيضاً جلوسٌ فى مقابلها في الزاوية بين ضريحي الحسين عليه‌السلام وولده عليّ الأكبر الشهيد ، متحدِّثين بما لا يُفهَم ، ومحمد بن قارون المقدّم قائمٌ بين أيديهم ، قال السورائي : وكنت أنا أيضاً غير بعيد عنهم ، فرأيت ابن الحجّاج مارّا في الحضرة المقدّسة ، فقلت لمحمد بن قارون : ألا تنظر إلى الرجل كيف يمرّ في الحضرة؟ فقال : أنا لا أحبّه حتى أنظر إليه.

قال : فسمعت الزهراء بذلك ، فقالت له مثل المغضبة : أما تحبُّ أبا عبد الله؟ أحبّوه فإنّه من لا يحبّه ليس من شيعتنا. ثمّ خرج الكلام من بين الأئمّة عليهم‌السلام ، بأنّ من لا يحبُّ أبا عبد الله فليس بمؤمن. قال الشيخ محمد بن قارون : ولم أدرِ من قاله منهم ، ثمّ انتبهت فزعاً مرعوباً ممّا فرّطت في حقِّ أبي عبد الله من قبل ذلك.

__________________

(١) نقله عنه بحّاثة الطائفة ميرزا عبد الله الأصبهاني في رياض العلماء [٢ / ١١] ، وسيّدنا في روضات الجنّات : ص ٣٩ [٣ / ١٦٠ رقم ٢٦٦] ، وشيخنا العلاّمة الحجّة النوري في دار السلام : ١ / ١٤٨ [١ / ٣١٩] ، ونحن نلخّص ما في رياض العلماء. (المؤلف)

(٢) هو الفقيه الأوحد صاحب المقامات والكرامات ، أحد مشايخ العلم ، الحجّة ابن فهد الحلّي : المتوفّى (٨٤١). (المؤلف)

١٣٨

قال : ثمّ نسيت المنام ولم أذكره إلى أن أُتيح لي زيارة السبط الشهيد ـ سلام الله عليه ـ فإذا بجماعة في الطريق من أصحابنا يروون شعر ابن الحجّاج فلحقتهم ، فإذا فيهم عليُّ بن زرزور وسلّمت عليه ، وقلت : كنت تنكر رواية شعر ابن الحجّاج وتكرهها ، فما بالك الآن تسمعه وتصغي إلى إنشاده؟ فقال : أُحدّثك بما رأيت فيما يراه النائم ، فقصّ عليَّ بمثل ما رأيته في الطيف حرفيّا وحكيته بما رأيت ، ثمّ اتّفقا على مدح الرجل وإيراد أشعاره ، وبثِّ مآثره ونشر مناقبه.

وأيضاً : إنّ السلطان مسعود بن بابويه (١)) لمّا بنى سور المشهد الشريف ودخل الحضرة الشريفة وقبّل أعتابها وأحسن الأدب ، وقف أبو عبد الله المترجَم بين يديه وأنشد قصيدته الفائيّة التي ذكرناها ، فلمّا وصل منها إلى الهجاء أغلظ له الشريف سيّدنا المرتضى ونهاه أن ينشد ذلك في باب حضرة الإمام عليه‌السلام فقطع عليه فانقطع ، فلمّا جنّ عليه الليل رأى ابن الحجّاج الإمام عليّا عليه‌السلام في المنام وهو يقول : لا ينكسر خاطرك فقد بعثنا المرتضى علم الهدى يعتذر إليك ، فلا تخرج إليه حتى يأتيك. ثمّ رأى الشريف المرتضى في تلك الليلة النبيّ الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام حوله جلوسٌ ، فوقف بين أيديهم وسلّم عليهم ، فحسّ منهم عدم إقبالهم عليه ، فعظم ذلك عنده وكبر لديه ، فقال : يا مواليّ أنا عبدكم وولدكم ومواليكم فَبِمَ استحققت هذا منكم؟ فقالوا : بما كسرتَ خاطر شاعرنا أبي عبد الله بن الحجّاج ، فعليك أن تمضي إليه وتدخل عليه وتعتذر إليه وتأخذه وتمضي به إلى مسعود بن بابويه وتعرِّفه عنايتنا به وشفقتنا عليه ، فقام السيّد من ساعته ومضى إلى أبي عبد الله فقرع عليه الباب ، فقال ابن الحجّاج : سيّدي الذي بعثك إليَّ أمرني أن لا أخرج إليك ، وقال : إنّه سيأتيك ، فقال : نعم سمعاً وطاعةً لهم. ودخل عليه واعتذر إليه ، ومضى به إلى السلطان وقصّا القصّة عليه كما رأياه ، فأكرمه وأنعم عليه وخصّه بالرتب الجليلة ، وأمر بإنشاد قصيدته.

__________________

(١) كذا في النسخة وأحسبه : عضد الدولة بن بويه. (المؤلف)

١٣٩

ولادته ووفاته :

لم يختلف اثنان في تاريخ وفاة المترجَم له وأنّه توفّي في جمادى الآخرة سنة (٣٩١) بالنيل ، وهي بلدةٌ على الفرات بين بغداد والكوفة ، وحُمل إلى مشهد الإمام الطاهر ـ الكاظميّة ـ ودُفن فيه ، وكان أوصى أن يُدفَن هناك بحذاء رجلي الإمام عليه‌السلام ويُكتَب على قبره : (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) (١) ورثاه الشريف الرضي بقصيدة توجد في ديوانه (٢) (٢ / ٥٦٢) ، وذكر ابن الجوزي منها أبياتاً في المنتظم (٣) (٧ / ٢١٧).

ولم نقف في طيّات الكتب والمعاجم على تاريخ ولادته ، لكنّ الباحث عنها يقطع بأنّ الرجل وُلد في المائة الثالثة وعاش عمراً طويلاً ـ حدود المائة والثلاثين ـ وهناك شواهد قويّة على هذا منها :

١ ـ ما ذكر ابن شهرآشوب في المعالم (٤) من قراءته على ابن الروميّ المتوفّى (٢٨٢).

٢ ـ تولّيه الحسبة قبل الإمام الإصطخري المتوفّى (٣٢٨) كما في تاريخ ابن خلّكان (٥)) ، ومرآة الجنان لليافعي (٦) ، وغيرهما ، قالوا : إنّه تولّى حسبة بغداد وأقام مدّة ، ويُقال : إنّه عزل بأبي سعيد الإصطخري ، وله في عزله أبيات مشهورة. انتهى.

__________________

(١) الكهف : ١٨.

(٢) ديوان الشريف الرضي : ٢ / ٤٤١.

(٣) المنتظم : ١٥ / ٢٩ رقم ٢٩٧١.

(٤) معالم العلماء : ص ١٤٩.

(٥) وفيات الأعيان : ٢ / ١٦٨ رقم ١٩٢.

(٦) مرآة الجنان : ٢ / ٤٤٤.

١٤٠