الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨

تحفة الأزهار لابن شدقم

 الإجازة الكبيرة للسماهيجي

 إتقان المقال (ص ٩٣)

رياض العلماء للميرزا

 كشكول البهائي ج ٢

 مجمع البحرين ، مادة : رضا

ملخّص المقال (ص ٨٠)

 رياض الجنّة للزنوزي

 الدرجات الرفيعة للسيّد

الوسائل (٣ / ٥٥١)

 أمل الآمل للشيخ العاملي

 منهج المقال للميرزا(ص ٢٣١)

منتهى المقال (ص ٢١٤)

 عقد اللآلئ لأبي عليّ الرجالي

 تكملة الرجال للشيخ الكاظمي

كشكول البحراني (ص ٢١٦)

 المقابس لشيخنا التستري

 مستدرك النوري(٣ / ٥١٥)

نسمة السحر لليماني

 تنقيح المقال (٢ / ٢٨٤)

 الشيعةوفنون الإسلام (ص٥٣)

الأعلام (٢ / ٦٦٧)

 تاريخ آداب اللغة (٢ / ٢٨٨)

 سفينة البحار (١ / ٥٢٥)

الكنى والألقاب (٢ / ٤٣٩)

 هديّة الأحباب (ص ٢٠٣)

 وفيات الأعلام للرازي (خ)

دائرة المعارف للبستاني (١٠ / ٤٥٩)

١دائرة المعارف لمحمد فريد(٤ ٢٦٠)

معجم المطبوعات (ص ١١٢٤)

مجلّة العرفان أجزاء المجلّد الثاني بقلم العلاّمة سيّدنا المحسن الأمين العاملي.

مشايخه ومن يروي هو عنه :

١ ـ الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان : المتوفّى (٤١٣).

٢ ـ أبو محمد هارون بن موسى التلعكبري : المتوفّى (٣٨٥).

٣ ـ الحسين بن عليّ بن بابويه ، أخو الصدوق.

٤ ـ أبو الحسن أحمد بن عليّ بن سعيد الكوفي ، يروي عنه السيّد كما في إجازة السيّد ابن أبي الرضا تلميذ الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي.

٥ ـ أبو عبد الله محمد بن عمران الكاتب المرزباني الخراساني البغدادي.

٦ ـ الشيخ الصدوق محمد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّي : المتوفّى (٣٨١) كما في الإجازات.

٣٦١

٧ ـ أبو يحيى بن نباتة عبد الرحيم الفارقي : المتوفّى (٣٧٤) ، قرأ عليه كما في الدرجات الرفيعة.

٨ ـ أبو الحسن عليّ بن محمد الكاتب ، يروي عنه في أماليه.

٩ ـ أبو القاسم عبيد الله بن عثمان بن يحيى ، يروي عنه في الأمالي.

١٠ ـ أحمد بن سهل الديباجي ، يروي عنه كما في الرياض عن جامع الأصول لابن الأثير ، وفي تاريخ الخطيب البغدادي وميزان الاعتدال ولسانه لابن حجر : حدّث عن سهل الديباجي (١).

تلامذة سيّدنا المرتضى :

١ ـ شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي : المتوفى (٤٦٠).

٢ ـ أبو يعلى سلاّر بن عبد العزيز الديلمي.

٣ ـ أبو الصلاح تقيّ بن نجم الحلبي ، خليفته في بلاد حلب.

٤ ـ القاضي عبد العزيز ابن البرّاج الطرابلسي : المتوفّى (٤٨١).

٥ ـ الشريف أبو يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري : المتوفّى (٤٦٣).

٦ ـ أبو الصمصام ذو الفقار بن معبد الحسيني المروزي.

٧ ـ السيّد نجيب الدين أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن الموسوي.

٨ ـ السيّد التقيّ بن أبي طاهر الهادي النقيب الرازي.

٩ ـ الشيخ أبو الفتح محمد بن عليّ الكراجكي : المتوفّى (٤٤٩) ، قرأ عليه كما في فهرست الشيخ منتجب الدين.

__________________

(١) هو سهل بن عبد الله أبو محمد الديباجي. (المؤلف)

٣٦٢

١٠ ـ الشيخ أبو الحسن سليمان الصهرشتي صاحب كتاب قبس المصباح.

١١ ـ الشيخ أبو عبد الله جعفر بن محمد الدوريستي.

١٢ ـ أبو الفضل ثابت بن عبد الله البناني.

١٣ ـ الشيخ أحمد بن الحسن بن أحمد النيسابوري الخزاعي ، يُعدُّ من أجلّة تلامذته.

١٤ ـ الشيخ المفيد الثاني ، أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الرازي.

١٥ ـ الشيخ أبو المعالي أحمد بن قدامة ، كما في إجازة الشيخ فخر الدين الحلّي للسيّد مهنّا ، وإفادات الشيخ المذكور ابن العلاّمة الحلّي. بحار الأنوار (١) (٢٥ / ٥٣).

١٦ ـ الشيخ أبو عبد الله محمد بن عليّ الحلواني ، كما في إجازة السيّد ابن أبي الرضا العلوي ، تلميذ الشيخ نجيب الدين الحلّي. بحار الأنوار (٢) (٢٥ / ٨٨).

١٧ ـ أبو زيد بن كَيابَكي الحسيني الجرجاني ، كما في إجازة السيّد المذكور. بحار الأنوار (٣) (٢٥ / ١٠٨).

١٨ ـ الشيخ أبو غانم العصمي الهروي الشيعي. بحار الأنوار (٤) (٢٥ / ١٠٨).

١٩ ـ الفقيه الداعي الحسيني ، كما في إجازة صاحب المعالم الكبيرة. بحار الأنوار (٥) (٢٥ / ١٠٨).

٢٠ ـ السيّد الحسين بن الحسن بن زيد الجرجاني ، يروي عن السيّد المترجَم كما في تاريخ ابن عساكر (٦) (٤ / ٢٩٠).

__________________

(١) بحار الأنوار : ١٠٧ / ١٥٣.

(٢) بحار الأنوار : ص ١٧٢.

(٣) بحار الانوار : ٤٧ / ١٠٩.

(٤) بحار الانوار : ٤٧ / ١٠٩.

(٥) بحار الانوار : ٤٧ / ١٠٩.

(٦) تاريخ مدينة دمشق : ١٤ / ٥٢ رقم ١٥٢٥.

٣٦٣

٢١ ـ أبو الفرج يعقوب بن إبراهيم البيهقي ، قرأ على السيّد قطعة كبيرة من ديوان شعره ، وأجاز له رواية جميعه في ذي القعدة سنة (٤٠٣).

٢٢ ـ أبو الحسن محمد بن محمد البصري ، أجاز له رواية كتبه وتآليفه في شعبان سنة (٤١٧).

علم الهدى والمعرّي :

قال أبو الحسن العمري في المجدي (١) : اجتمعت بالشريف المرتضى سنة (٤٢٥) ببغداد ، فرأيته فصيح اللسان يتوقّد ذكاءً.

وحضر مجلسه أبو العلاء المعرّي ذات يوم ، فجرى ذكر أبي الطيّب المتنبّي فنقّصه الشريف وعاب بعض أشعاره ، فقال أبو العلاء : لو لم يكن لأبي الطيّب المتنبّي إلاّ قوله : لكِ يا منازل في القلوب منازل لكفاه. فغضب الشريف وأمر بأبي العلاء فسحب وأُخرج ، فتعجّب الحاضرون من ذلك ، فقال لهم الشريف : أعلمتم ما أراد الأعمى؟ إنّما أراد قوله

وإذا أتَتْكَ مذمّتي من ناقصٍ

فهي الشهادةُ لي بأنّي كاملُ (٢)

قال الطبرسي في الاحتجاج (٣) : دخل أبو العلاء المعرّي الدهري على السيّد المرتضى قدس‌سره فقال له : أيّها السيّد ما قولك في الكلّ؟ فقال السيّد : ما قولك في الجزء؟ فقال : ما قولك في الشعرى؟ فقال : ما قولك في التدوير؟ فقال : ما قولك في عدم الانتهاء؟ فقال : ما قولك في التحيّز والناعورة؟ فقال : ما قولك في السبع؟ فقال ما قولك : في الزائد البري من السبع؟ فقال : ما قولك في الأربع؟ فقال : ما قولك في

__________________

(١) المجدي في أنساب الطالبيين : ص ١٢٥.

(٢) الدرجات الرفيعة : ص ٤٦٠.

(٣) الاحتجاج : ٢ / ٦١٢ رقم ٣٦٢.

٣٦٤

الواحد والاثنين؟ فقال : ما قولك في المؤثّر؟ فقال : ما قولك في المؤثّرات؟ فقال : ما قولك في النحسين؟ فقال : ما قولك في السعدين؟ فبُهت أبو العلاء.

فقال السيّد المرتضى رضى الله عنه عند ذلك : ألا كلّ ملحد مُلْهِد (١) ، وقال أبو العلاء : أخذته من كتاب الله (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (٢). وقام وخرج.

فقال السيّد رضى الله عنه عنه : قد غاب عنّا الرجل وبعد هذا لا يرانا. فسُئل السيّد عن شرح هذه الرموز والإشارات ، فقال : سألني عن الكلِّ وعنده الكلُّ قديمٌ ، ويُشير بذلك إلى عالم سمّاه العالم الكبير ، فقال لي : ما قولك فيه؟ أراد أنّه قديم.

فأجبته عن ذلك وقلت له : ما قولك في الجزء؟ لأنّ عندهم الجزء محدَث وهو المتولّد عن العالم الكبير ، وهذا الجزء هو العالم الصغير عندهم ، وكان مرادي بذلك أنّه إذا صحَّ أنّ هذا العالم محدَث ، فذلك الذي أشار إليه ـ إن صحَّ ـ فهو محدَث أي ضاً ، لأنّ هذا من جنسه على زعمه والشيء الواحد والجنس الواحد لا يكون بعضه قديماً وبعضه محدَثاً ، فسكت لمّا سمع ما قلته.

وأمّا الشعرى : أراد أنّها ليست من الكواكب السيّارة ؛ لأنّه قديمٌ ، فقلت له : ما قولك في التدوير؟ أردت أنّ الفلك في التدوير والدوران ، فالشعرى لا يقدح في ذلك.

وأمّا عدم الانتهاء : أراد بذلك أنّ العالم لا ينتهي ؛ لأنّه قديم ، فقلت له : قد صحَّ عندي التحيّز والتدوير ، وكلاهما يدلاّن على الانتهاء.

وأمّا السبع : أراد بذلك النجوم السيّارة التي عندهم ذوات الأحكام ، فقلت له : هذا باطلٌ بالزائد البري الذي يحكم فيه بحكم لا يكون ذلك الحكم منوطاً بهذه

__________________

(١) ألهد الرجل : ظلم وجار.

(٢) لقمان : ١٣.

٣٦٥

النجوم السيّارة التي هي : الزهرة ، والمشتري ، والمرّيخ ، وعطارد ، والشمس ، والقمر ، وزحل.

وأمّا الأربع : أراد بها الطبائع ، فقلت له : ما قولك في الطبيعة الواحدة الناريّة يتولّد منها دابّة بجلدها تمسُّ الأيدي ثمّ تطرح ذلك الجلد على النار فيحترق الزهومات ويبقى الجلد صحيحاً ؛ لأنّ الدابّة خلقها الله على طبيعة النار ، والنار لا تحرق النار ، والثلج أيضاً يتولّد فيه الديدان وهو على طبيعةٍ واحدةٍ ، والماء في البحر على طبيعتين ، يتولّد عنه السموك والضفادع والحيّات والسلاحف وغيرها ، وعنده لا يحصل الحيوان إلاّ بالأربع ، فهذا مناقض لهذا.

وأمّا المؤثّر : أراد به الزحل ، فقلت له : ما قولك في المؤثّرات ، أردتُ بذلك أنّ المؤثّرات كلّهنّ عنده مؤثّرات ، فالمؤثّر القديم كيف يكون مؤثّراً؟

وأمّا النحسين : أراد بهما أنّهما من النجوم السيّارة إذا اجتمعا يخرج من بينهما سعد ، فقلت له : ما قولك في السعدين إذا اجتمعا خرج من بينهما نحس؟ هذا حكم أبطله الله تعالى ليعلم الناظر أنّ الأحكام لا تتعلّق بالمسخّرات ؛ لأنّ الشاهد يشهد على أنّ العسل والسكّر إذا اجتمعا لا يحصل منهما الحنظل والعلقم ، والحنظل والعلقم إذا اجتمعا لا يحصل منهما الدبس والسكّر ، هذا دليل على بطلان قولهم.

وأمّا قولي : ألا كلّ ملحد ملهد ، أردت أنّ كلّ مشرك ظالم ؛ لأنّ في اللغة : ألحد الرجل عن الدين إذا عدل عن الدين وألهد إذا ظلم ، فعلم أبو العلاء ذلك وأخبرني عن علمه بذلك فقرأ : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ) الآية.

وقيل : إنّ المعرّي لمّا خرج من العراق سُئل عن السيّد المرتضى رضى الله عنه فقال :

يا سائلي عنه لمّا جئتُ أسألُهُ

ألا هو الرجلُ العاري من العارِ

٣٦٦

لو جئتَه لرأيتَ الناسَ في رجلٍ

والدهرَ في ساعةٍ والأرضَ في دارِ (١)

علم الهدى وابن المطرّز (٢):

في الدرجات الرفيعة (٣) : إنّ الشريف المرتضى كان جالساً في علّيّة له تشرف على الطريق ، فرأى ابن المطرّز الشاعر وفي رجليه نعلان مقطّعان وهما يثيران الغبار فقال له : أمِن مثل هذه كانت ركائبك؟ يشير إلى بيت في قصيدته التي أوّلها :

سرى مغرباً بالعيشِ ينتجعُ الركبا

يُسائلُ عن بدرِ الدجى الشرقَ والغربا

على عذباتِ الجزعِ من ماءِ تغلبٍ

غزالٌ يرى ماءَ القلوبِ له شربا

إذا لم تبلِّغْني إليك ركائبي

فلا وردتْ ماءً ولا رعتِ العشبا

والبيت الأخير هو المشار إليه ، فقال ابن المطرّز : لمّا عادت هبات سيّدنا الشريف إلى مثل قوله :

يا خليليَّ من ذوٌابةِ قيسٍ

في التصابي مكارمُ الأخلاقِ

غنِّياني بذكرهمْ تُطرباني

واسقياني دمعي بكأسٍ دهاقِ

وخذا النومَ من جفوني فإنّي

قد خلعتُ الكرى على العشّاقِ

عادت ركائبي إلى ما ترى فإنّه وهب ما لا يملك على من لا يقبل ، فأمر له الشريف بجائزة.

المرتضى والزعامة :

كان سيّدنا الشريف قد انتهت إليه رئاسة الدين والدنيا من شتّى النواحي منها :

__________________

(١) بحار الأنوار : ٤ / ٥٨٧ [١٠ / ٤٠٦ باب ٢٦]. (المؤلف)

(٢) هو أبو القاسم عبد الواحد البغدادي الشاعر المجيد المتوفّى سنة (٤٣٩). (المؤلف)

(٣) الدرجات الرفيعة : ص ٤٦١.

٣٦٧

١ ـ غزارة علمه التي حدت العلماء إلى البخوع له والرضوخ لتعاليمه ، فكان يختلف إلى منتدى تدريسه الجماهير من فطاحل العلم والنظر فيميرهم بسائغ علمه ، ويرويهم بنمير أنظاره العالية ، فتخرّج من تحت منبره نوابغ الوقت من فقيه بارع ، ومتكلّم مناظر ، وأصوليٍّ مدقِّق ، وأديب شاعر ، وخطيب مُبدع ، وكان يدرُّ من ماله الطائل (١) على تلمذته الجرايات والمسانهات (٢) ، ليتفرّغوا بكلِّهم إلى الدراسة من غير تفكير في أزمة المعيشة ، فكان شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي يقتضي منه في الشهر اثني عشر ديناراً ، والشيخ القاضي ابن البرّاج الحلبي يستوفي ثمانية دنانير ، وكمثلهما بقيّة تلامذته ، وكان قد وقف قرية على كاغد الفقهاء ، ويقال : إنّ الناس أصابهم في بعض السنين قحط شديد فاحتال رجل يهودي على تحصيل قوته ، فحضر يوماً مجلس الشريف المرتضى وسأله أن يأذن له في أن يقرأ عليه شيئاً من علم النجوم فأذن له ، وأمر له بجراية تجري عليه كلّ يوم ، فقرأ عليه برهة ثمّ أسلم على يديه (٣). وكان لم يرَ لثروته الطائلة قيمة تجاه مكارمه وكراماته ، وكان يقول :

وما حزّني الإملاقُ والثروةُ التي

يذلُّ بها أهلُ اليَسارِ ضلالُ

أليس يُبقّي المالَ إلاّ ضنانةٌ

وأفقرَ أقواماً ندى ونوالُ

إذا لم أنَلْ بالمال حاجةَ مُعسرٍ

حصورٍ عن الشكوى فما ليَ مالُ

٢ ـ وشرفه الوضّاح النبويّ الذي ألزم خلفاء الوقت تفويض نقابة النقباء الطالبيّين إليه بعد وفاة أخيه الشريف الرضيّ ، وأنت تعلم أهمّية هذا المنصب يومئذٍ ، حيث أخذ فيه السلطة العامّة على العلويّين في أقطار العالم يرجع إلى نقيبهم حلّها

__________________

(١) كان يدخل عليه من أملاكه كلّ سنة أربعة وعشرون ألف دينار ، كما في معجم الأدباء : ١٣ / ١٥٤. (المؤلف)

(٢) المسانهات : ما يُجرى من العطاء كلَّ سنة.

(٣) الدرجات الرفيعة : [ص ٤٦٠] للعلاّمة السيّد علي خان. (المؤلف)

٣٦٨

وربطها ، وتعليمها وتأديبها ، والأخذ بظلاماتهم وأخذها منهم ، والنظر في أمورهم في كلِّ ورد وصدر.

٣ ـ ورفعة بيته وجلالة منبته ، فقد كانت سلسلة آبائه من طرفيه متواصلة من أمير إلى نقيب إلى زعيم إلى شريف ، وهذه مشفوعة بما كان فيه من لباقة وحنكة وحذق في الأمور هي التي أهّلته لأن تُفوَّض إليه إمارة الحاجّ ، فكان يسير بهم سيراً سُجحاً ولا يرجع بهم إلاّ من دعة إلى دعة ، والحجيج بين شاكر لكلاءته ، وذاكر لمقدرته ، ومُطرٍ أخلاقه ، ومتبرِّكٍ بفضائله ، ومثنٍ على أياديه.

٤ ـ ولشموخ محلّه وعظمة قدره بين أظهر الناس ومكانته العالية عند الأهلين ، وجمعه بين سطوة الحماة وثبت القضاة انقادت إليه ولاية المظالم ، فتولّى النقابة شرقاً وغرباً ، وإمارة الحاجّ والحرمين ، والنظر في المظالم ، وقضاء القضاة ثلاثين سنة وأشهراً (١).

قال ابن الجوزي في المنتظم (٢) (٧ / ٢٧٦) : في يوم السبت الثالث من صفر سنة (٤٠٦) قُلّد الشريف المرتضى أبو القاسم الموسوي : الحجّ ، والمظالم ، ونقابة النقباء الطالبيّين ، وجميع ما كان إلى أخيه الرضيّ ، وجمع الناس لقراءة عهد في الدار الملكيّة ، وحضر فخر المُلك والأشراف والقضاة والفقهاء وكان في العهد :

هذا ما عهد عبد الله أبو العبّاس أحمد الإمام القادر بالله أمير المؤمنين إلى عليّ بن موسى العلوي حين قرّبته إليه الأنساب الزكيّة ، وقدّمته لديه الأسباب القويّة ، واستظلَّ معه بأغصان الدوحة الكريمة ، واختصّ عنده بوسائل الحرمة الوكيدة ، فقُلِّد الحجّ والنقابة وأمره بتقوى الله. إلخ.

__________________

(١) صحاح الأخبار لسراج الدين الرفاعي : ص ٦١ ، والمستدرك [على وسائل الشيعة] : ٣ / ٥١٦ نقلاً عن القاضي التنوخي. (المؤلف)

(٢) المنتظم : ١٥ / ١١١.

٣٦٩

يُلقّب بالمرتضى ، والأجلّ الطاهر ، وذي المجدين ، ولُقِّب بعلم الهدى سنة (٤٢٠) وذلك أنّ الوزير أبا سعيد محمد بن الحسن بن عبد الرحيم مرض في تلك السنة فرأى في منامه أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول له : قل لعلم الهدى يقرأ عليك حتى تبرأ. فقال : يا أمير المؤمنين ومن علم الهدى؟ فقال : عليّ بن الحسين الموسوي.

فكتب إليه ، فقال رضى الله عنه : الله الله في أمري فإنّ قبولي لهذا اللقب شناعة عليَّ ، فقال الوزير : والله ما كتبت إليك إلاّ ما أمرني به أمير المؤمنين عليه‌السلام (١).

وكان يُلقّب بالثمانين لِما كان له من الكتب ثمانون ألف مجلّد ، ومن القرى ثمانون قرية تجبى إليه (٢) وكذلك من غيرهما ، حتى إنّ مدّة عمره كانت ثمانين سنة وثمانية أشهر ، وصنّف كتاباً يُقال له الثمانون.

ولادته ووفاته :

وُلد سيّدنا المرتضى في رجب سنة (٣٥٥) وتوفّي يوم الأحد (٢٥) ربيع الأوّل سنة (٤٣٦) وعلى هذا جلُّ المؤرِّخين لو لا كلّهم. نعم ؛ هناك خلاف يسير (٣) لا يُعبأ به ، وصلّى عليه ابنه ، وتولّى غسله أبو الحسين النجاشي ومعه الشريف أبو يعلى محمد ابن الحسن الجعفري وسلاّر بن عبد العزيز الديلمي كما في رجال النجاشي (٤) (ص ١٩٣) ، ودفن في داره عشيّة ذلك النهار ، ثمّ نُقل إلى الحائر المقدّس ودُفن في مقبرتهم ، وكان قبره هناك كقبر أبيه وأخيه الشريف الرضي ظاهراً معروفاً مشهوراً ،

__________________

(١) ذكره شيخنا الشهيد [الأوّل] في أربعينه [ص ٥١]. (المؤلف)

(٢) الرسالة الخراجية للمحقّق الثاني [ص ٨٥]. (المؤلف)

(٣) في عمدة الطالب [ص ٢٠٥] ، وصحاح الأخبار : في (١٥) ربيع الأوّل. وفي كامل ابن الأثير [٦ / ١٢٦ حوادث سنة ٤٣٦ ه‍] : آخر ربيع الأوّل. وفي المجدي [ص ١٢٦] : آخر سنة (٤٣٦) أو (٤٣٧). وعن خطّ الشهيد الأوّل : يوم الأحد السادس والعشرين من ربيع الأوّل. كلّ هذه مما لا يُعبَأ به. (المؤلف)

(٤) رجال النجاشي : ص ٢٧١ رقم ٧٠٨.

٣٧٠

كما في عمدة الطالب (١) ، وصحاح الأخبار ، والدرجات الرفيعة (٢).

وهناك فتاوى مجرّدة من قذف سيّدنا المترجم بالاعتزال تارةً وبالميل إليه أخرى ، وبنسبة وضع كتاب نهج البلاغة إليه طوراً من أبناء حزم وجوزيٍّ وخلّكان وكثير والذهبيّ ومن لفّ لفّهم من المتأخِّرين (٣) ، وبما أنّها دعاوى فارغة غير مدعومة بشاهد ، وكتب سيّدنا الشريف تهتف بخلافها ، ومن عرفه من المنقِّبين لا يشكُّ في ذلك ، وقد أثبتنا نسبة نهج البلاغة إلى الشريف الرضي بترجمته ، نضرب عن تفنيد تلكم الهَلْجات (٤) صفحاً.

ولابن كثير في البداية والنهاية (٥) (١٢ / ٥٣) عند ذكر السيّد سباب مقذع ، وتحامل على ابن خلّكان في ثنائه عليه جرياً على عادته المطّردة مع عظماء الشيعة ـ وكلُّ إناء بالذي فيه ينضحُ ، ونحن لا نقابله إلاّ بما جاء به الذكر الحكيم : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (٦).

نبذة من ديوان المرتضى

ومن شعر سيّدنا علم الهدى المرتضى نقلاً عن ديوانه (٧) قوله يفتخر ويعرِّض ببعض أعدائه ، يوجد في الجزء الأوّل منه :

أمّا الشبابُ فقد مضتْ أيّامُهُ

واستُلَّ من كفّي الغداةَ زمامُه

__________________

(١) عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب : ص ٢٠٥.

(٢) الدرجات الرفيعة : ص ٤٦٣.

(٣) نظراء جرجي زيدان في آداب اللغة : ١ / ٢٨٨ [مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة : مج ١٤ / ١٣٨] ، والزركلي في الأعلام : ص ٦٦٧ [٤ / ٢٧٨]. (المؤلف)

(٤) الهَلْج : ما لم يوقن من الأخبار.

(٥) البداية والنهاية : ١٢ / ٦٧ حوادث سنة ٤٣٦ ه‍.

(٦) الفرقان : ٦٣.

(٧) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ٣٩٣.

٣٧١

وتنكّرت آياتُه وتغيّرتْ

جاراتُهُ وتقوّضتْ آطامُه

ولقد درى مَن في الشباب حياتُه

أنّ المشيبَ إذا علاه حِمامُه

عوجا نُحَيِّ الربعَ يدللْنا الهوى

فلربّما نفع المحبَّ سلامُه

واستعبرا عنّي به إن خانني

جَفني فلم يمطر عليه غمامُه

فمن الجفونِ جوامدٌ وذوارفٌ

ومن السحابِ رُكامُه وجَهامُه (١)

دِمَنٌ رضعتُ بهنَّ أخلافَ الصبا

لو لم يكن بعد الرضاعِ فطامُه

ولقد مررتُ على العقيقِ فشفّني

أن لم تغنِّ على الغصونِ حمامُه

وكأنّه دَنِفٌ تجلّدَ مؤنساً

عوّادَهُ حتى استبانَ سقامُه

من بعد ما فارقتُه فكأنّه

نشوانُ تمسحُ تربَه آكامُه

مَرِحٌ يهزُّ قناتَهُ لا يأتلي

أَشَرُ الصبا وغرامُه وعرامُه (٢)

تندى على حرِّ الهجيرِ ظلالُهُ

ويضيء في وقت العشيِّ ظلامُه

وكأنّما أطيارُه ومياهُهُ

للنازليه قِيانُه ومُدامُه

وكأنّ آرامَ النساءِ بأرضِهِ

للقانصي طَرْدِ الهوى آرامُه

وكأنّما بردُ الصبا حوذانُه

وكأنّما ورقُ الشبابِ بَشامُه (٣)

وعَضيهةٌ جاءتك من عبقٍ بها

أزرى عليك فلم يجرْه كلامُه (٤)

ورماك مجترياً عليك وإنّما

وافاك من قعرِ الطويّ سلامُه

وكأنّما تسفي الرياح بعالجٍ

ما قال أو ما سطّرت أقلامُه

وكأنّ زُوراً لُفِّقتْ ألفاظُهُ

سلكٌ وهى فانحلَّ عنه نظامُه

وإذا الفتى قعدتْ به أخوالُه

في المجدِ لم تنهضْ به أعمامُه

__________________

(١) الركام من السحاب : المتراكم. الجهام : الذي لا مطر فيه.

(٢) لا يأتلي : لم يقصِّر. الأشَر : البطَر. العرام : الشراسة.

(٣) الحوذان والبشام : نبتان طيّبا الرائحة.

(٤) العَضِيهة : الإفْك والبُهْتان والنَّمِيمة.

٣٧٢

وإذا خصالُ السوء باعَدْنَ امرءاً

عن قومه لم تُدْنِهِ أرحامُه

ولَكَمْ رماني قبلَ رميكَ حاسدٌ

طاشتْ ولم تخدشْ سواه سهامُه

ألقى كلاماً لم يضرني وانثنى

ونُدوبُهُ في جلدِهِ وكِلامُه (١)

هيهاتَ أن أُلفَى وسيل (٢) مُسافِهٍ

ينجو به يوم السبابِ لطامُه

أو أن أُرى في معركٍ وسلاحُه

بدلَ السيوفِ قذافُه وعِذامُه (٣)

ومن البلاءِ عداوةٌ من خاملٍ

لا خلفُهُ لعُلىً ولا قُدّامُه

كثرتْ مساويه فصارَ كمدحِهِ

بين الخلائقِ عيبُهُ أو ذامُه

والخرقُ كلُّ الخرقِ من متفاوتِ ال

أفعالِ يتلو نقضَه إبرامُه

جدِبَ الجنابُ فَجارُهُ في أزمةٍ

والضيفُ موكولٌ إليه طعامُه

وإذا علقتَ بحبلِهِ مستعصماً

فكفقعِ قرقرةٍ يكون ذمامُه

وإذا عهودُ القومِ كنَّ كنبعِهمْ

فالعهدُ منه يراعُه وثُمامُه (٤)

وأنا الذي أعييتُ قبلَكَ من رستْ

أطوادُهُ واستشرفتْ أعلامُه

وتتبّعَ المعروفَ حتى طُنِّبتْ

جوداً على سَنَنِ الطريقِ خيامُه (٥)

وتناذرتْ أعداؤهُ سطواتِهِ

كالليث يُرهبُ نائياً إرزامُه (٦)

وترى إذا قابلتَهُ عن وجهِهِ

كالبدرِ أشرقَ حينَ تمَّ تمامُه

حتى تذلّلَ بعد لأيٍ صعبُهُ

وانقادَ منبوذاً إليَّ خطامُه

يُهدى إليّ على المغيبِ ثناؤهُ

وإذا حضرتُ أظلّني إكرامُه

فمضى سليماً من أذاة قوارصي

واستام ذمّي بعده مستامُه

__________________

(١) الكِلام : الجراح.

(٢) في الديوان (رسيل).

(٣) العِذام : العضّ.

(٤) اليراع ـ جمع يراعة ـ : القصب. الثمام ـ جمع ثمامة ـ : نبت ضعيف يشبه الخوص.

(٥) السنن : وسط الطريق.

(٦) الإرزام : صوت الأسد.

٣٧٣

والآن يوقظني لِنَحتِ صَفاتِهِ

من طال عن أخذِ الحقوقِ نيامُه (١)

ويسومني ولئن خلوت فإنّني

مَقِرٌ وفي حنك العدوِّ سِمامُه (٢)

فلبئسما منّته منّي خالياً

خطراتُه أو سوّلتْ أحلامُه

أمّا الطريفُ من الفخارِ فعندنا

ولنا من المجدِ التليدِ سنامُه

ولنا من البيتِ المحرّمِ كلّما

طافت بهِ في موسمٍ أقدامُه

ولنا الحطيمُ وزمزمٌ وتراثُنا

نعم التراثُ عن الخليلِ مَقامُه

ولنا المشاعرُ والمواقفُ والذي

تُهدى إليه من مِنىً أنعامُه

وبجدِّنا وبصنوِه دُحيتْ عن ال

ـبيتِ الحرامِ وزُعزعتْ أصنامُه

وهما علينا أطلعا شمسَ الهدى

حتى استنار حلالُه وحرامُه

وأبي الذي تبدو على رغمِ العدى

غرّا محجّلةً لنا أيّامُه

كالبدرِ يكسو الليلَ أثوابَ الضحى

والفجر شبّ على الظلامِ ضرامُه

وهو الذي لا يقتفي في موقفٍ

أقدامَهُ نكْصٌ به إقدامُه

حتى كأنّ نجاتَه هي حتفُهُ

ووراءَه ممّا يخافُ أمامُه

ووقى الرسولَ على الفراشِ بنفسِهِ

لمّا أراد حمامَهُ أقوامُه

ثانيه في كلِّ الأمورِ وحصنُهُ

في النائباتِ وركنُه ودعامُه

لله درُّ بلائهِ ودفاعِه

واليوم يغشى الدارعين قتامُه

وكأنّما أُجمُ العوالي غِيلُهُ

وكأنّما هو بينها ضرغامُه (٣)

وترى الصريعَ دماؤه أكفانُه

وحنوطُه أحجارُه ورغامُه

والموت من ماء الترائب وِردُه

ومن النفوسِ مزادُه ومسامُه

طلبوا مداه ففاتهمْ سبقاً إلى

أمدٍ يشقُّ على الرجالِ رام مُه

__________________

(١) الصفاة ـ بفتح الصاد ـ : الصخرة ، ونحت صَفاته : عابه.

(٢) المَقِر : المُرّ.

(٣) الأجَم ـ جمع الأجمة ـ : الشجر الكثير الملتفّ. المغيل : مكمن الأسد.

٣٧٤

فمتى أجالوا للفخار قِداحَهمْ

فالفائزاتُ قِداحُه وسهامُه

وإذا الأمورُ تشابهتْ واستبهمتْ

فجلاؤها وشفاؤها أحكامُه

وترى النديَّ إذا احتبى لقضيّةٍ

عوجاً إليها مصغياتٍ هامُه

يفضي إلى لبِّ البليدِ بيانُه

فيعي وينشئُ فهمَه إفهامُه

بغريب لفظٍ لم تُدِرْهُ سقاته

ولطيفِ معنىً لم يُفضّ ختامُه

وإذا التفتَّ إلى التقى صادفتَه

من كلِّ برٍّ وافراً إقسامُه

فالليلُ فيه قيامُه مُتهجِّداً

يتلو الكتابَ وفي النهارِ صيامُه

يطوي الثلاثَ تعفّفاً وتكرّماً

حتى يُصادفَ زادَهُ معتامُه

وتراه عريانَ اللسانِ من الخنا

لا يهتدي للأمرِ فيه ملامُه

وعلى الذي يرضي الإلهَ هجومُه

وعن الذي لا يرتضي إحجامُه

فمضى بريئاً لم تَشِنْهُ ذنوبُهُ

يوماً ولا ظفرتْ به آثامُه

ومفاخرٍ ما شئتَ إن عدّدتَها

فالسيلُ أطبقَ لا يعدُّ ركامُه

تعلو على مَن رام يوماً نَيْلَها

من يَذبُلٍ هضباتُه وإكامُه (١)

وقال في الجزء الرابع من ديوانه (٢) يرثي الإمام السبط الشهيد عليه‌السلام في يوم عاشوراء سنة (٤٢٧):

أما ترى الربعَ الذي أقفرا

عراهُ من ريب البلى ماعرا

لو لم أكنْ صبّا لسكّانِه

لم يجرِ من دمعي لهُ ما جرى

رأيتُه بعد تمامٍ له

مقلِّباً أبطُنَه أظهرا

كأنّني شكّا وعلماً به

أقرأ من أطلالِه أسطرا

وقفت فيه أينُقاً ضُمّراً

شذّب من أوصالهنّ السرى (٣)

__________________

(١) يذبُل : اسم جبل.

(٢) ديوان الشريف المرتضى : ١ / ٤٨٧.

(٣) الأينُق والنوق : جمع الناقة.

٣٧٥

لي بأناسٍ شغلٌ عن هوىً

ومعشري أبكي لهم معشرا

أجِلْ بأرضِ الطفِّ عينيك ما

بين أُناسٍ سُربلوا العِثْيرا

حَكّمَ فيهم بغيُ أعدائِهم

عليهمُ الذؤبانَ والأنسُرا

تخال من لألاء أنوارِهم

ليلَ الفيافي بهمُ مُقمرا

لم يرتضوا درعاً ولم يلبسوا

بالطعن إلاّ العَلَقَ الأحمرا

من كلِّ طيّانِ الحشا ضامرٍ

يركبُ في يومِ الوغى ضمّرا

قل لبني حربٍ وكم قولةٍ

سطّرها في القوم من سطّرا

تِهتُمْ عن الحقِّ كأنّ الذي

أنذركمْ في اللهِ ما أنذرا

كأنّه لم يقرِكمْ ضُلَّلاً

عن الهدى القصدَ بأُمِّ القرى

ولا تدرّعتمْ بأثوابِهِ

من بعد أن أصبحتمُ حُسّرا

ولا فريتمْ أدَماً إمرة (١)

ولم تكونوا قطُّ ممّن فرى

وقلتمُ عنصرُنا واحدٌ

هيهات لا قُربى ولا عنصرا

ما قدّم الأصلُ امرءاً في الورى

أخّره في الفرعِ ما أخّرا

طرحتمُ الأمرَ الذي يُجتنى

وبعتمُ الشيءَ الذي يُشترى

وغرّكمْ بالجهل إمهالُكمْ

وإنّما اغترَّ الذي غُرِّرا

حلّأتمُ بالطفِّ قوماً عن ال

ـماء فحُلِّئتمْ به الكوثرا

فإن لقَوا ثَمّ بكم منكراً

فسوف تلقونَ بهم منكرا

في ساعةٍ يحكمُ في أمرِها

جدُّهم العدل كما أُمّرا

وكيف بعتمْ دينَكم بالذي اس

ـتنزره الحازمُ واستحقرا

لو لا الذي قُدِّر من أمركمْ

وجدتمُ شأنَكمُ أحقرا

كانت من الدهر بكم عثرةٌ

لا بدّ للسابقِ أن يَعثرا

__________________

(١) في الديوان : مرّةً.

٣٧٦

لا تفخروا قطُّ بشيءٍ فما

تركتمُ فينا لكم مفخرا

ونلتموها بيعةً فلتةً (١)

حتى ترى العينُ الذي قُدِّرا

كأنّني بالخيلِ مثلُ الدَّبا

هبّت به نكباؤه صرصرا (٢)

وفوقها كلُّ شديدِ القوى

تخالُه من حنقٍ قسورا

لا يمطر السمر غداة الوغى

إلاّ برشِّ الدمِ إن أمطرا

فيرجع الحقُّ إلى أهلِهِ

ويُقبِلُ الأمرُ الذي أدبرا

يا حججَ اللهِ على خلقِهِ

ومَن بهم أبصرَ من أبصرا

أنتم على اللهِ نزولٌ وإن

خال أُناسٌ أنّكمْ في الثرى

قد جعلَ اللهُ إليكم كما

علمتمُ المبعثَ والمحشرا

فإن يكن ذنبٌ فقولوا لمن

شفّعكمْ في العفوِ أن يغفرا

إذا تولّيتكمُ صادقاً

فليس منّي منكرٌ منكرا

نصرتكمْ قولاً على أنّني

لَآمِلٌ بالسيفِ أن أنصرا

وبين أضلاعيَ سرٌّ لكم

حوشيَ أن يبدو وأن يظهرا

أنظرُ وقتاً قيل لي : بُح به

وحقَّ للموعود أن ينظرا

وقد تصبّرتُ ولكنّني

قد ضقتُ أن أكظمَ أو أصبِرا

وأيّ قلبٍ حملت حزنَكمْ

جوانحٌ منه وما فُطّرا

لا عاش من بعدكمُ عائشٌ

فينا ولا عُمِّر من عُمِّرا

ولا استقرّت قدمٌ بعدَكمْ

قرارَها مبدي ولا محضرا

ولا سقى اللهُ لنا ظامئاً

من بعد أن جُنّبتمُ الأبحرا

ولا علتْ رجلٌ وقد زحزحتْ

أرجلُكم عن متنه مِنبرا

__________________

(١) أشار إلى ما أخرجه الحفّاظ عن عمر أنّه قال : بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرَّها. (المؤلف)

(٢) النكباء : الريح. الدَّبا : صغار الجراد قبل أن يطير.

٣٧٧

وقال في الجزء الرابع من ديوانه (١) وهو يفتخر :

ما لَكِ فيَّ ربّةَ الغلائلِ

والشيبُ ضيفُ لِمّتي من طائلِ

أما ترين في شواتي (٢) نازلاً

لا متعةٌ لي بعده بنازلِ

محا غرامي بالغواني صبغُهُ

واجتثَّ من أضالعي بلابلي

ولاح في رأسيَ منهُ قبسٌ

يدلُّ أيّامي على مقاتلي

كان شبابي في الدمى وسيلةً

ثمّ أنقضتْ لمّا انقضتْ وسائلي

يا عائبي بباطلٍ ألِفتُهُ

خذ بيديك مِن تَمَنٍّ باطلِ

لا تعذلنِّي بعدها على الهوى

فقد كفاني شيبُ رأسي عاذلي

وقلْ لقومٍ فاخرونا ضلّةً

أين الحُصيّاتُ من الجراولِ (٣)

وأين قاماتٌ لكم دميمةٌ

من الرجالِ الشمّخِ الأطاولِ

نحن الأعالي في الورى وأنتمُ

ما بينهم أسافلُ الأسافلِ

ما تستوي فلا تروموا معوزاً

فضائلُ الساداتِ بالرذائلِ (٤)

ما فيكمُ إلاّ دنيٌّ خاملٌ

وليس فينا كلِّنا من خاملِ

دعوا النباهاتِ على أهلٍ لها

وعرِّسوا في أخفضِ المنازلِ

ولا تعوجوا بمهبٍّ عاصفٍ

ولا تقيموا في مصبِّ الوابلِ

أما ترى خيرَ الورى معاشري

ثمّ قبيلي أفضلَ القبائلِ

ما فيهمُ إن وُزِنوا من ناقصٍ

وليس فيهم خبرةٌ من جاهلِ

أقسمت بالبيتِ تطوفُ حولَه

أقدامُ حافٍ للتقى وناعلِ

وما أراقوه على وادِي مِنىً

عند الجمارِ من نجيعٍ سائلِ

__________________

(١) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ٣٤٣.

(٢) الشواة : جلدة الرأس. (المؤلف)

(٣) الجراول ـ جمع جرولة وجرول ـ : الحجارة. (المؤلف)

(٤) المُعوِز : المتعذّر.

٣٧٨

وأذرعٍ حاسرةٍ ترمي وقد

حانَ طلوعُ الشمسِ بالجنادلِ (١)

والموقفينِ حطَّ ما بينهما

عن ظهرِهِ الذنوبَ كلُّ حاملِ

فإن يَخِبْ قومٌ على غيرهِما

فلم يخِبْ عندهما من آملِ

لقد نمتني من قريش فتيةٌ

ليسوا كمن تعهدُ في الفضائلِ

الواردين من عُلىً ومن تقىً

دون المنايا صفوةَ المناهلِ

قومٌ إذا ما جُهِلوا في معركٍ

دَلّوا على الأعراقِ بالشمائلِ

كأنّهم أُسْد الشرى يومَ الوغى

لكنّهمْ أهلّةُ المحافلِ

إن ناضلوا فليسَ من مناضلٍ

أو ساجلوا فليس من مساجلِ

سل عنهمُ إن كنتَ لا تعرفهمْ

سَلَّ الظبا وشُرّعَ العواملِ (٢)

وكلَّ منبوذٍ على وجه الثرى

تسمعُ فيه رنّةَ الثواكلِ

كأنّما أيديهمُ مناصلٌ

يلعبنَ يومَ الروعِ بالمناصلِ

من كلِّ ممتدِّ القناة سامقٍ

يقصُرُ عنه أطولُ الحمائلِ

ما ضرّني والعارُ لا يطوُر بي

إن لم أكن بالملك الحُلاحلِ (٣)

ولم أكن ذا صامتٍ وناطقٍ

ولم أرُح بباقرٍ وجاملِ (٤)

خيرٌ من المالِ العتيدِ بذلُهُ

في طُرُقِ الإفضال والفواضلِ

والشكرُ ممّن أنتَ مُغنٍ فقرَهُ

خيرٌ إذا أحرزتَه من نائلِ

فلا تعرّضْ منك عِرْضاً أملساً

لخدشةِ اللُّوام والقوائلِ

فليس فينا مُقدمٌ كمحجِمٍ

وليس منّا باذلٌ كباخلِ

وما الغنى إلاّ حبالات العنا (٥)

فانجُ إذا شئتَ من الحبائلِ

__________________

(١) الجنادل : الصخور.

(٢) العوامل : الرماح.

(٣) يطور : يقرب منه أو يحوم حواليه. الحُلاحل : السيّد الشجاع.

(٤) الباقر : جماعة البقر مع راعيها ، والجامل : جماعة الجمال.

(٥) في الديوان : حِبالات الثنا.

٣٧٩

إلى متى أحملُ من ثِقْلِ الورى

ما لم يُطِقْه ظهرُ عَوْدٍ بازلِ

إن لم يزرني الهمُّ إصباحاً أتى

ولم أعِرْهُ الشوقَ في الأصائلِ

وكم مقامٍ في عراصِ ذلّةٍ

وعَطَنٍ عن العلاءِ سافلِ

وكم أظلُّ مُفْهَقاً من الأذى

معلّلاً دهريَ بالأباطلِ (١)

كأنّني وقد كملتُ دونهمْ

رضاً بدون النَّصفِ غيرُ كاملِ

محسودةٌ مغبوطةٌ ظواهري

لكنّها مرحومةٌ دواخلي

كأنّني شِعبٌ جفاه قطرُهُ

أو منزلٌ أقفرُ غيرُ آهلِ

فقل لحسّادي أفيقوا فالذي

أغضبكم منِّيَ غيرُ آفلِ

أنا الذي فضحت قولاً مصقعاً

مقاولي وفي العلى مطاولي

إن تبتنوا من العدى معاقلاً

فإنّ في ظلِّ القنا معاقلي

لا تستروا فضلي الذي أُوتيته

فالشمسُ لا تُحجَبُ بالحوائلِ

فقد فررتمْ أبداً من سطوتي

فرَّ القطا الكدرِ من الأجادلِ

ولا تذق أعينُكُمْ طعمَ الكرى

وعندكمْ وفيكمُ طوائلي

تقوا الردى وحاذروا الشرَّ الذي

شبَّ أُواري فغلتْ مَراجلي

وجُنَّ تيّارُ عُبابي واشتكتْ

خروقُ أسماعِكمُ صلاصلي

إن لم أطِرْكمْ مِزَقاً تحملكمْ

نُكْبُ الأعاصيرِ مع القساطلِ

فلا أجبتُ من صريخٍ دعوةً

ولا أطعتُ يومَ جودٍ سائلي

ولا أناخ كلُّ قومي كَلَّهمْ

في مغنمٍ أو مغرمٍ بكاهلِ (٢)

وفي غدٍ تُبصرها مُغيرةً

على الموامي كالنعام الجافلِ (٣)

يخرجن من كلِّ عجاج كالدجى

مثل الضحى بالغرر السوائلِ

__________________

(١) مُفهَقاً : ممتلئاً.

(٢) الكَلّ : الضعيف ، اليتيم. الكاهل من القوم : سندهم ومعتمدهم. (المؤلف)

(٣) الموامي : جمع الموماة ، وهي الفلاة الواسعة.

٣٨٠