الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨

وتغاير الهَرَمان والحَرَمان في

تابوتِه وعلى الكريمِ يُغارُ

آثرتَ مصراً منه بالشرفِ الذي

حسدتْ قرافتَها له الأمصارُ

غضبَ الإلهُ على رجالٍ أقدموا

جهلاً عليه وآخرين أشاروا

لا تعجبنْ لقُدارِ ناقةِ صالحٍ

فلكلِّ عصرٍ صالحٌ وقُدارُ (١)

أُحلِلْتَ دارَ كرامةٍ لا تنقضي

أبداً وحلَّ بقاتليكَ بوارُ

وقع القصاصُ بهمْ وليسوا مقنعاً

يرضى وأين من السماءِ غبارُ

ضاقت بهم سعةُ الفجاجِ وربّما

نام الوليُّ ولا ينامُ الثارُ

فتهنَّ بالأجر الجزيلِ وميتةٍ

درجتْ عليها قبلَكَ الأخيارُ

مات الوصيُّ بها وحمزةُ عمُّهُ

وابنُ البتولِ وجعفرُ الطيّارُ

وقال في يوم الخميس وقد نُقل الصالح إلى تربته بالقرافة :

يا مُطلقَ العبراتِ وهي غزارُ

ومقيّدَ الزفراتِ وهي حرارُ

ما بالُ دمعِكَ وهو ماءٌ سافحٌ

يُذكى به من حدِّ وجدِكَ نارُ

لا تتّخذني قدوةً لك في الأسى

فلديَّ منهُ مشاعرٌ وشعارُ

خفِّضْ عليك فإنَّ زندَ بليّتي

وارٍ وفي صدري صدىً وأُوارُ

إن كان في يدِك الخيارُ فإنّني

وَلهانُ لم أُتْرَكْ وما أختارُ

في كلِّ يومٍ لي حنينُ مضلّةٍ

يودى لها بعد الحوارِ حوارُ

عاهدتُ دمعي أن يقرَّ فخانني

قلبٌ لسائلِهِ الهمومُ قرارُ

هل عند محتقرٍ يسيرَ بليّةٍ

إنّ الصغارَ من الهمومِ كبارُ

ومنها :

حتى إذا شيّدْتها ونصبْتها

علماً يُحَجُّ فناؤه ويُزارُ

__________________

(١) قُدار : اسم عاقر ناقة صالح عليه‌السلام.

٤٨١

ومنها :

أكفيلَ آلِ محمدٍ ووليَّهمْ

في حيث عُرفُ وليِّهمْ إنكارُ

ومنها :

ولقد وفى لك من صنائعكِ امرؤٌ

بثنائِهِ تستسمعُ السمّارُ

أوفى أبو حسنٍ بعهدِكَ عندما

خذلتْ يمينٌ أُختَها ويسارُ

غابت حُماتُكَ واثقين ولم تغبْ

فكأنّهم بحضورِه حضّارُ

ومنها :

ملكٌ جنايةُ سيفِهِ وسنانِهِ

في كلّ جبّارٍ عصاه جُبارُ

جمعت له فرقُ القلوبِ على الرضا

والسيفُ جامعهنَّ والدينارُ

وهما اللذان إذا أقاما دولةً

دانتْ وكان لأمرِها استمرارُ

وإذا هما افترقا ولم يتناصرا

عزَّ العدوُّ وَذلّتِ الأنصارُ

يا خيرَ من نُقِضتْ له عُقَدُ الحبى

وغدا إليه النقضُ والإمرارُ

ومضت أوامرُه المطاعةُ حسبما

يقضى به الإيرادُ والإصدارُ

إنّ الكفالةَ والوزارةَ لم يزلْ

يومى إليك بفضلِها ويُشارُ

كانت مسافرةً إليك وتبعد ال

أخطارُ ما لم تُركَبِ الأخطارُ

حتى إذا نزلتْ عليك وشاهدتْ

ملِكاً لزند الملْكِ منه أُوارُ

ألقت عصاها في ذُراك وعُرِّيتْ

عنها السروجُ وحُطَّتِ الأوكارُ

لله سيرتُكَ التي أطلقتَها

وقيودُها التأريخ والأشعارُ

جلّت فصلّى خاطري في مدحِها

وكبتْ ورائي قُرّحٌ ومهارُ

والخيلُ لا يرضيك منها مخبرٌ

إلاّ إذا ما لزّها المضمارُ

ومدائحي ما قد علمتَ وطالما

سبقت ولم يبلل لهنّ عذارُ

٤٨٢

إن أخّرتْني عن جنابكِ محنةٌ

بأقلَّ منها تُبسَطُ الأعذارُ

فلديَّ من حسنِ الولاء عقيدةٌ

يرضيك منها الجهرُ والإسرارُ

وقال يرثيه ويمدح ولده الملك الناصر العادل بن الصالح ، وأنشدها في مشهده بالقرافة في شعبان سنة سبع وخمسين وخمسمائة :

أرى كلَّ جمع بالردى يتفرّقُ

وكلَّ جديدٍ بالبلى يتمزّقُ

وما هذه الأعمارُ إلاّ صحائفٌ

تؤرَّخُ وقتاً ثمّ تُمحى وتُمحَقُ

ومنها :

ولمّا تقضّى الحولُ إلاّ ليالياً

تضافُ إلى الماضي قريباً وتلحقُ

وعجنا بصحراءِ القرافةِ والأسى

يغرِّبُ في أكبادِنا ويُشرِّقُ

عقدنا على ربِّ القوافي عقائلاً

تغرُّ إذا هانت جيادٌ وأينُقُ

وقلنا له خذْ بعضَ ما كنتَ منعِماً

به وقضاءُ الحقِّ بالحرِّ أليقُ

عقودُ قوافٍ من قوافيك تُنتقى

ودرُّ معانٍ من معانيك يُسرَقُ

نثرنا على حصباءِ قبرِكَ درَّها

صحيحاً ودرُّ الدمع في الخدّ يفلقُ

ويقول فيها :

وجدناكمُ يا آلَ رُزّيكَ خيرَ من

تنصُّ إليه اليعملات وتعنقُ

وفدنا إليكم نطلبُ الجاهَ والغنى

فأُكرِمَ ذو مثوى وأُغني مملقُ

وعلّمتمونا عزّةَ النفسِ بالندى

وملقى وجوهٍ لم يَشنْها التملّقُ

وصيّرتمُ الفسطاطَ بالجود كعبةً

يطوف بركنيها العراق وجِلّقُ (١)

فلا سِترُكم عن مرتَجٍ قطُّ مرتجٌ

ولا بابُكمْ عن معلقِ الحظِّ مغلقُ

وليس لقلبٍ في سواكمْ علاقةٌ

ولا ليَدٍ إلاّ بكم متعلّقُ

__________________

(١) جِلِّق بكسرتين وتشديد اللام ـ : اسم لكورةِ الغوطة كلّها ، وقيل : بل هي دمشق نفسها [معجم البلدان : ٢ / ١٥٤]. (المؤلف)

٤٨٣

نماذج من شعر الملك الصالح

ذكر ابن شهرآشوب كثيراً من شعره في كتابه مناقب آل أبي طالب ، منه قوله (١):

محمدٌ خاتمُ الرسلِ الذي سبقت

به بشارة قُسٍّ وابنِ ذي يزنِ

وأنذَرَ النطقاءُ الصادقون بما

يكونُ من أمرِهِ والطهرُ لم يكنِ

الكاملُ الوصفِ في حلمٍ وفي كرمٍ

والطاهرُ الأصلِ من ذمٍّ ومن درَنِ

ظِلُّ الإلهِ ومفتاحُ النجاة وين

ـبوعُ الحياةِ وغيثُ العارضِ الهتِنِ

فاجعله ذخرك في الدارين معتصماً

به وبالمرتضى الهادي أبي الحسنِ

وله (٢):

ولايتي لأمير المؤمنين علي

بها بلغتُ الذي أرجوه من أملي

إن كان قد أنكرَ الحسّادُ رتبتَهُ

في جودِهِ فتمسّكْ يا أخي بهلِ (٣)

وله (٤):

كأنّي إذا جعلتُ إليك قصدي

قصدتُ الركنَ بالبيتِ الحرامِ

وخُيِّلَ لي بأنّي في مقامي

لديه بين زمزم والمقامِ

أيا مولاي ذكرُكَ في قعودي

ويا مولايَ ذكرُكَ في قيامي

وأنت إذا انتبهتُ سميرُ فكري

كذلك أنتَ أُنسي في مقامي (٥)

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٤٤.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٧.

(٣) أشار إلى سورة هل أتى ونزولها في العترة الطاهرة :. (المؤلف)

(٤) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٦٤.

(٥) في المصدر وديوانه المطبوع في النجف : ص ١٣٢ : في منامي.

٤٨٤

وحبُّكَ إن يكن قد حلَّ قلبي

ففي لحمي استكنَّ وفي عظامي

فلو لا أنتَ لم تُقبَلْ صلاتي

ولولا أنت لم يُقبَلْ صيامي

عسى أُسقى بكأسِكَ يوم حشري

ويبرُد حين أشربها أُوامي

وله (١):

يا عروةَ الدينِ المتينِ

وبحرَ علمِ العارفينا

يا قبلةً للأوليا

ءِ وكعبةً للطائفينا

من أهل بيتٍ لم يزالوا

في البريّةِ مُحسنينا

التائبين العابدين ال

ـصائمين القائمينا

العالمين الحافظين ال

ـراكعين الساجدينا

يا من إذا نام الورى

باتوا قياماً ساهرينا

وله (٢):

قومٌ علومُهمْ عن جدِّهم أُخذت

عن جبرئيلَ وجبريلٌ عن اللهِ

هم السفينةُ ما كنّا لنطمعَ أن

ننجو من الهولِ يومَ الحشرِ لو لا هي

الخاشعون إذا جنَّ الظلامُ فما

تغشاهمُ سِنةٌ تنفي بإنباهِ

ولا بدت ليلةٌ إلاّ وقابلَها

من التهجّدِ منهم كلُّ أوّاهِ

وليس يشغلُهمْ عن ذكرِ ربّهمُ

تغريدُ شادٍ ولا ساقٍ ولا طاهِ

سحائبٌ لم تزل بالعلمِ هاميةً

أجلّ من سُحُبٍ تهمي بأمواهِ

وله (٣):

إنّ النبيَّ محمداً ووصيَّهُ

وابنيه وابنتَهُ البتولَ الطاهره

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٢٣١.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٤١٨.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٥٣. ونسبها إلى ابن دريد.

٤٨٥

أهلُ العباءِ فإنّني بولائهمْ

أرجو السلامةَ والنجا في الآخره

وأرى محبّةَ من يقولُ بفضلِهمْ

سبباً يُجير من السبيلِ الحائره

أرجو بذاك رضا المهيمنِ وحدَهُ

يومَ الوقوفِ على ظهورِ الساهره (١)

وله يمدح أمير المؤمنين عليه‌السلام (٢):

هو النور نور الله والنورُ مشرقٌ

علينا ونورُ اللهِ ليس يزولُ

سما بين أملاكِ السماواتِ ذكرُهُ

نبيهٌ فما إن يعتريه خمولُ

وله (٣):

لا تعذلنِّي إنّني لا أقتفي

سُبُلَ الضلال لقولِ كلِّ عذولِ

عند التباهلِ ما علمنا سادساً

تحت الكسا منهمْ سوى جبريلِ

وله في أمير المؤمنين وأولاده الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام (٤):

بحبِّ عليٍّ أرتقي منكبَ العلى

وأسحبُ ذيلي فوقَ هامِ السحائبِ

إمامي الذي لمّا تلفّظتُ باسمِهِ

غلبتُ به من كان بالكُثْرِ غالبي

أئمّة حقٍّ لو يسيرون في الدجى

بلا قمرٍ لاستصحبوا بالمَناسبِ

بهم تبلغُ الآمالُ من كلّ آملٍ

بهم تُقبَلُ التوباتُ من كلِّ تائبِ

وله في زهد أمير المؤمنين عليه‌السلام (٥):

ذاك الذي طلّقَ الدنيا لعمريَ عن

زهدٍ وقد سفرت عن وجهها الحسنِ

وأوضح المشكلاتِ الخافياتِ وقد

دقّتْ عن الفكرِ واعتاصتْ على الفطنِ

__________________

(١) الساهره : الأرض التي يحشر الناس عليها.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٩٩.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٣.

(٤) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٢٣٨ ، ٤ / ١٧٦.

(٥) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ١١٨.

٤٨٦

وله في العترة الطاهرة صلوات الله عليهم (١):

آلُ رسولِ الإلهِ قومٌ

مقدارُهمْ في العُلى خطيرُ

إذ جاءهمْ سائلٌ يتيمٌ

وجاءَ من بعدِهِ أسيرُ

أخافَهمْ في المعادِ يومٌ

معظَّمُ الهولِ قمطريرُ

فقد وُقُوا شرَّ ما اتّقوه

وصارَ عقباهمُ السرورُ

في جنّةٍ لا يرونَ فيها

شمساً ولا ثَمَّ زمهريرُ

يطوفُ ولدانُهمْ عليهمْ

كأنّهمْ لؤلؤٌ نثيرُ

لباسُهم في جنانِ عدنٍ

سندسُها الأخضر الحريرُ

جزاهمُ ربُّهم بهذا

وهو لِما قد سعوا شكورُ

وله (٢) في المعنى (٣):

إنّ الأبرارَ يشربون بكأسٍ

كان حقّا مزاجُها كافورا

ولهم أنشأ المهيمنُ عيناً

فجّروها عبادُهُ تفجيرا

وهداهمْ وقال يوفون بالنذ

ر فمن مثلهم يوفّي النذورا

ويخافون بعد ذلك يوماً

هائلاً كان شرُّه مُستطيرا

يُطعمون الطعامَ ذا اليُتم والمس

ـكينَ في حبِّ ربِّهم والأسيرا

إنّما نطعمُ الطعام لوجه الله

لا نبتغي لديكمْ شُكورا

غير أنّا نخافُ من ربِّنا يو

ماً عبوساً عصبصباً قمطريرا

فوقاهمْ إلههم ذلك اليو

م يُلقّونَ نضرةً وسرورا

وجزاهم بأنّهم صبروا

في السرِّ والجهر جَنّةً وحريرا

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٧.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٧.

(٣) مرّ حديث هذا المعنى في الجزء الثالث من كتابنا : ص ١٠٦ ـ ١١١ ، ١٦٩ ، ٢٤٣. (المؤلف)

٤٨٧

متّكئين لا يرون لدى الجنّةِ

شمساً كلاّ ولا زمهريرا

وعليهمْ ظلالُها دانياتٌ

ذُلِّلتْ في قطوفِها تيسيرا

وبأكوابِ فضّةٍ وقواري

ـرَ قواريرَ قُدِّرت تقديرا

ويطوفُ الولدانُ فيها عليهمْ

فَيُخالون لؤلؤاً منثورا

بكؤوسٍ قد مزجتْ زنجبيلا

لذّة الشاربين تشفي الصدورا

ويُحلَّونَ بالأساورِ فيها

وسقاهمْ ربّي شراباً طهورا

وعليهمْ فيها ثيابٌ من السن

ـدس خضرٌ في الخلدِ تلمعُ نورا

إنّ هذا لكم جزاءٌ من الله

وقد كان سعيُكمْ مشكورا

وله في المعنى أيضاً (١):

واللهُ أثنى عليهمْ

لمّا وفوا بالنذورِ

وخصّهم وحباهم

بجنّةٍ وحريرِ

لا يعرفونَ بشمسٍ

فيها ولا زمهريرِ

يُسقَونَ كأساً رحيقاً

مزيجةَ الكافورِ

وله في المعنى أيضاً (٢)

في هل أتى إن كنت تقرأُ هل أتى

ستصيبُ سعيَهمُ بها مشكورا

إذ أطعموا المسكينَ ثمّةَ أطعموا

الطفلَ اليتيمَ وأطعموا المأسورا

قالوا لوجه اللهِ نطعمُكمْ فلا

منكم جزاءً نبتغي وشكورا

إنّا نخافُ ونتّقي من ربِّنا

يوماً عبوساً لم يزَلْ مجذورا

فَوُقُوا بذلك شرَّ يومٍ باسلٍ

ولَقَوا بذلك نضرةً وسرورا

وجزاهُمُ ربُّ العبادِ بصبرهمْ

يومَ القيامةِ جنّةً وحريرا

وسقاهمُ من سلسبيلٍ كأسُها

بمزاجِها قد فجِّرتْ تفجيرا

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٨.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٨.

٤٨٨

يُسقَون فيها من رحيقٍ تختم

بالمسكِ كان مزاجُها كافورا

فيها قواريرٌ وأكوابٌ لها

من فضّةٍ قد قدِّرت تقديرا

يسعى بها ولدانُها فتخالُهمْ

للحسنِ منهم لؤلؤاً منثورا

وله في المعنى المذكور (١):

هل أتى فيهمُ تنزّل فيها

فضلُهمْ محكماً وفي السوراتِ

يُطعمونَ الطعام خوفاً فقيراً

ويتيماً وعانياً في العناتِ

إنّما نُطعمُ الطعامَ لوجهِ الله

لا للجزاءِ في العاجلاتِ

فجزاهمْ بصبرِهمْ جنّة الخل

ـد بها من كواعبٍ خيّراتِ

ومن شعر الملك الصالح قصيدته التي جارى بها قصيدة دعبل الخزاعي الشهيرة التي أوّلها :

مدارسُ آياتٍ خلتْ من تلاوةٍ

ومنزلُ وحيٍ مُقفرُ العرصاتِ (٢)

وأوّل قصيدة الملك قوله :

ألائمُ دع لومي على صبواتي

فما فاتَ يمحوه الذي هو آتِ

وما جزعي من سيّئاتٍ تقدّمت

ذهاباً إذا أتبعتُها حسناتِ

ألا إنّني أقلعت عن كلِّ شبهةٍ

وجانبت غرقى أبْحرِ الشبهاتِ

شُغِلتُ عن الدنيا بحبّي معشراً

بهم يصفحُ الرحمنُ عن هفواتي

وقال في آخرها :

أُعارض من قول الخزاعيِّ دعبلاً

وإن كنت قد أقللتُ في مدحاتي

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٢٩.

(٢) هذا البيت من قصيدته المشهورة التي أولها :

تجاوبن بالإرنانِ والزفراتِ

نوائحُ عجمُ اللفظِ والنَّطقاتِ

٤٨٩

(مدارسُ آياتٍ خلت من تلاوةٍ

ومنزلُ وحيٍ مقفرُ العرصاتِ) (١)

وفي أنوار الربيع (٢) (ص ٣١٢) : ومن الاستثناء الذي ما خرج حجاب السمع ألطف منه ، قول الصالح طلائع وقد ألزم الأمير ابن سنان بمال رفع عليه لكونه كان يتولّى أموالاً له واعتقله ، فأرسل إليه يمتُّ بقديم الخدمة والتشيّع الموافق لمذهبه ، فقال الصالح :

أتى ابنُ سنانٍ ببهتانه

يحصِّنُ بالدين ما في يديهِ

برئتُ من الرفض إلاّ له

وتبت من النصب إلاّ عليهِ

وكان قدر المال ستّين ألف دينار فأخذ منه اثني عشر ألفاً وترك له الباقي.

كتب الملك الصالح إلى صاحب الروم قلج أرسلان بن مسعود ، في تنافس وقع بينه وبين نور الدين محمود بن زنكي :

نقولُ ولكن أين من يتفهّمُ

ويعلمُ وجهَ الرأيِ والرأيُ مبهمُ

وما كلُّ مَن قاس الأمورَ وساسَها

يوفَّقُ للأمرِ الذي هو أحزمُ

وما أحدٌ في الملكِ يبقى مخلّداً

وما أحدٌ ممّا قضى اللهُ يسلمُ

أمن بعد ما ذاق العدى طعمَ حربِكمْ

بفيهم (٣) وكانت وهي صابٌ وعلقمُ

رجعتمْ إلى حكمِ التنافسِ بينكمْ

وفيكم من الشحناء نارٌ تضرّمُ

أما عندكم مَن يتّقي اللهَ وحدَهُ

أما في رعاياكمْ من الناسِ مسلمُ

تعالوا لعلّ اللهَ ينصرُ دينَكمْ (٤)

إذا ما نصرنا الدينَ نحن وأنتمُ

وننهضُ نحو الكافرين بعزمةٍ

بأمثالِها تُحوى البلادُ وتُقسمُ

__________________

(١) أنوار الربيع : ص ٣١٢ [٣ / ١١٢] ، الرائق : ذكر من القصيدة (٤٠) بيتاً. (المؤلف)

(٢) أنوار الربيع : ٣ / ١١٣.

(٣) في الديوان : ص ١٣٣ : بغيّهم.

(٤) في الكامل لابن الأثير : ٧ / ١٨٤ والديوان : دينَهُ.

٤٩٠

ويأتي من شعر المترجم في ترجمة الفقيه عمارة اليمني ، ووقفت من شعر الملك الصالح على شطر مهمّ في أهل البيت عليهم‌السلام مدحاً ورثاءً يربو على ألف وأربعمائة بيتٍ ، وقد جمعها سيّدنا العلاّمة السيّد أحمد العطّار في كتابه الرائق ، ولعلّ ما فاته من شعره في أهل البيت عليهم‌السلام نزر يسير.

توجد ترجمة طلائع الملك الصالح في كثير من الكتب والمعاجم منها (١):

وفيات الأعيان (١ / ٢٥٩) ، الكامل لابن الأثير (١١ / ١٠٣) ، الخطط للمقريزي (٤ / ٨١) ، تاريخ ابن كثير (١٢ / ٢٤٣) ، روض المناظر لابن شحنة ، تاريخ أبي الفداء (٣ / ٤٠) ، مرآة الجنان (٣ / ٣١٠) ، أنوار الربيع (ص ٣١٢) ، تحفة الأحباب للسخاوي (ص ١٧٦) ، شذرات الذهب (٤ / ١٧٧) ، نسمة السحر الجزء الثاني ، خواصّ العصر الفاطمي (ص ٢٣٤) ، دائرة المعارف لفريد وجدي (٥ / ٧٧١) ، الأعلام للزركلي (٢ / ٤٤٩) ، تاريخ مصر الحديث لجرجي زيدان (١ / ٢٩٨) ، شهداء الفضيلة (ص ٥٧).

الملك العادل

خلّف الملك الصالح ولده رزّيك بن طلائع الملقّب بالملك الناصر والعادل ، ولي الوزارة بعد والده الصالح ستة عشر شهراً وعدّة أيّام ، وكان والده قد أوصاه بأن لا يتعرّض شاور ولا يغيّر عليه حاله ، فإنّه لا يأمن عصيانه والخ روج عليه ، وكان كما أشار ، فإنّ العادل حسّن له أهله عزل شاور واستعمال بعضهم مكانه ، وخوّفوه منه إن أقرّه على عمله ، فأرسل إليه بالعزل ، فجمع جموعاً كثيرة وسار بهم إلى القاهرة

__________________

(١) وفيات الأعيان : ٢ / ٥٢٦ رقم ٣١١ ، الكامل في التاريخ : ٧ / ١٥٧ حوادث سنة ٥٥٦ ه‍ ، الخطط والآثار : ٢ / ٢٩٣ ، البداية والنهاية : ١٢ / ٣٠٣ حوادث سنة ٥٥٦ ه‍ ، روض المناظر : ٢ / ١٢٨ ، أنوار الربيع : ٣ / ١١٢ ، شذرات الذهب : ٦ / ٢٩٦ ، نسمة السحر : مج ٨ / ج ٢ / ٣٠٩ ، الأعلام : ٣ / ٢٢٨ ، مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة ـ تاريخ مصر ـ : مج ٩ / ٣٠٧.

٤٩١

ودخلها يوم الأحد الثاني والعشرين من المحرّم سنة (٥٥٨) ، وهرب العادل بن الصالح وأهله من القاهرة ليلة العشرين من المحرّم ، فأُخذ وقُتل وأُخِذ موضعه من الوزارة واستولى شاور على ديار مصر ، ودُفن العادل في تربة الملك الصالح وبها جماعة أخرى.

ترجمه الفقيه عمارة في كتابه النكت العصريّة (ص ٥٣) وقال في (ص ٦٦):

دخلت قاعة السرِّ من دار الوزارة فيها طيّ بن شاور وضرغام وجماعة من الأمراء مثل عزّ الزمان ، ومرتفع الظهير ، ورأس رزّيك بن الصالح بين أيديهم في طست ، فما هو إلاّ أن لمحته عيني ورددت كمّي على وجهي ورجعت على عقبي ، وما ملأت عيني من صورة الرأس ، وما من هؤلاء الجماعة الذين كان الرأس بين أيديهم إلاّ مَن مات قتيلاً وقطعت رأسه عن جسده ، فأمر طيّ من ردّني فقلت : والله ما أدخل حتى تغيِّب الرأس عن عيني ، فرفع الطست وقال لي ضرغام : لِمَ رجعت؟ قلت : بالأمس هو سلطان الوقت الذي نتقلّب في نعمته. قال : لو ظفر رزّيك بأمير الجيوش أو بنا ما أبقى علينا.

قلت : لا خير في شيءٍ يؤول الأمر بصاحبه من الدست إلى الطست ، ثمّ خرجت وقلت :

أَعزِزْ عليَّ أبا شجاعٍ أن أرى

ذاك الجبينَ مضرّجاً بدمائهِ

ما قلّبته سوى رجالٍ قلّبوا

أيديهمُ من قبلُ في نعمائهِ

وللفقيه عمارة اليمني شعر كثير يمدح به الملك العادل رزّيك بن طلائع ، ذكره في كتابه النكت العصريّة وفي ديوانه ، منه قصيدة أوّلها :

جاورْ بمجدِكَ أنجمَ الجوزاءِ

وازددْ علوّا فوقَ كلِّ علاءِ

وقصيدةٌ أخرى مُستهلّها :

تبسّمَ في ليلِ الشبابِ مشيبُ

فأصبحَ برد الهمِّ وهو قشيبُ

٤٩٢

وثالثة مطلعها :

دانت لأمرِكَ طاعةُ الأقدارِ

وتواضعتْ لك عزّةُ الأقدارِ

ورابعة أوّلها :

في مثلِ مدحِكَ شرحُ القولِ مختصرُ

وفي طوالِ القوافي عنده قِصَرُ

وخامسة مبدؤها :

لمّا أرادَ مدامةَ الأحداقِ

دبّت حُميّا نشوةِ الأخلاقِ

وسادسة مطلعها :

لكلِّ مقامٍ في عُلاكَ مقالُ

يُصدِّقُه بالجودِ منك فِعالُ

وسابعة أوّلها :

فُقتَ الملوك مهابةً وجلالا

وطرائقاً وخلائقاً وخلالا

وثامنة مطلعها :

لك أن تقولَ إذا أردتَ وتفعلا

ولمن سعى في ذا المدى أن يخجلا

وتاسعة أولها :

لله مِن يومٍ أغرَّ محجّلِ

في ظلِّ محترمِ الفناءِ مبجّلِ

وعاشرة مستهلّها :

لو لا جفونٌ ومُقلْ

مكحولةٌ من الكحلْ

ولحظاتٌ لم تزلْ

أرمى نبالاً من ثُعَلْ (١)

__________________

(١) ثُعَلْ : اسم قبيلة مشهورة بالرمي.

٤٩٣

وبرَدٌ (١) رضابُهُ

ألذُّ من طعمِ العسلْ

يظما إلى برودِهِ

من علَّ منه ونهلْ

لمّا وصلتُ قاطعاً

إذا رأى جِدّي هزلْ

مخالفٌ لو أنّه

أضمر هجري لوصلْ

وأغيَدٌ منعّمٌ

يميل كلّما اعتدلْ

يهتزُّ غصنُ قدِّه

ليناً إذا ارتجَّ الكفلْ

غرٌّ إذا جمّشته

أطرقَ من فرطِ الخجلْ (٢)

أُريْعِنٌ مدلّلٌ

غُزيّلٌ يأبى الغزلْ

سألتُهُ في قُبلةٍ

من ثغرِهِ فما فعلْ

راضته لي مشمولة

ترمي النشاط بالكسلْ

حتى أتاني صاغراً

يحدوه سكرٌ وثملْ

أمسى بغير شكرِهِ

ذاك المصونُ يبتذلْ

وبات بين عقدِهِ

وبين قرطيه جدلْ

وكدتُ أمحو لَعَسَاً

في شفتيهِ بالقبلْ (٣)

فديتُهُ من مبسمٍ

ألثمُهُ فلا أملْ

كأنّه أناملٌ

لمجد الاسلام الأجلْ

معروفهنّ أبداً

يضحكُ في وجهِ الأملْ

وقال يمدحه من قصيدةٍ أوّلها :

أيا أُذن الأيّامِ إن قلتُ فاسمعي

لنفثةِ مصدورٍ وأنّةِ موجعِ

وعي كلَّ صوتٍ تسمعين نداءَهُ

فلا خيرَ في أُذن تنادى فلا تعي

__________________

(١) البَرَد : مطر جامد شُبِّهت به الأسنان لبياضها.

(٢) جَمَشَ جَمْشاً النبات : إذا حصده ، وجَمَش المرأة إذا غازلها ولاعبها.

(٣) اللعس : سواد مستملح في الشفتين.

٤٩٤

ويقول فيها :

ملوكٌ رَعَوا لي حرمةً صارَ نبتُها

هشيماً رعتْهُ النائباتُ وما رُعي

ورُدّتْ بهم شمسُ العطايا لوفدِهمْ

كما قال قومٌ في عُلىً وتوسّعِ

قال الأميني : كذا يوجد البيت الأخير في مختار ديوانه المطبوع في ألمانيا (ص ٢٨٨) ، وهو تصحيف غريب مع التشكيل لحروفه ، والصحيح :

كما قال قومٌ في عليٍّ ويوشعِ

وهذا ينمُّ عن ضئولة أمر المتطفّلين على موائد العربيّة وذهولهم عن معنى البيت الذي لا يستقيم إلاّ على ما ذكرناه ، وقد أوعز الشاعر إلى حديث ردِّ الشمس لمولانا عليّ أمير المؤمنين ويوشع عليهما‌السلام من قبله. هذا أحسن الاحتم الين دعانا إليه حسن ظنِّنا بالقوم وإن كان بعيداً جدّا ، والأقرب ما لا يفوتك عرفانه ، والله أعلم.

٤٩٥
٤٩٦

ـ ٤٨ ـ

ابن العودي النيلي

المولود (٤٧٨)

المتوفّى (حدود ٥٥٨)

متى يشتفي من لاعجِ القلبِ مغرمُ

وقد لجَّ في الهجرانِ مَن ليس يرحمُ

إذا همَّ أن يسلو أبى عن سُلوِّه

فؤادٌ بنيرانِ الأسى يتضرّمُ

ويثنيه عن سلوانِهِ لفضيلةٍ

عهودُ التصابي والهوى المتقدّمُ

رمته بلحظٍ لا يكاد سليمُهُ

من الخبلِ والوجدِ المبرِّحِ يسلمُ

إذا ما تلظّتْ في الحشا منه لوعةٌ

طفتْها دموعٌ من أماقيه تسجمُ

مقيمٌ على أسر الهوى وفؤادُهُ

تغورُ به أيدي الهمومِ وقتهمُ (١)

يجنّ الهوى عن عاذليه تجلّداً

فيبدي جواه ما يجنُّ ويكتمُ

يعلّل نفساً بالأماني سقيمةً

وحسبُكَ من داءٍ يصحُّ ويسقمُ

وقد غفلت عنّا الليالي وأصبحت

عيون العدى عن وصلِنا وهي نُوّمُ

فكم من غصونٍ قد ضممتُ ثديها

إليَّ وأفواهٍ بها كنت ألثمُ

أُجيل ذراعي لاهياً فوق منكبٍ

وخصرٍ غدا من ثقلِهِ يتظلّمُ

وأمتاحُ راحاً من شنيب كأنّه

من الدرِّ والياقوت في السلك يُنظمُ

__________________

(١) () كذا ، ولعل الصحيح : تُتْهِمُ ، والمراد به تِهامة كما أن المراد ب (تغور) الغور ، ومنه قول الشاعر :

أراني ساكناً من بعد نجدٍ

بلاد الغور والبلد التهاما

٤٩٧

فلمّا علاني الشيبُ وابيضَّ عارضي

وبان الصبا واعوجَّ منّي المقوّمُ

وأضحى مشيبي للعَذارِ ملثِّماً

به ولرأسي بالبياضِ يُعمِّمُ

وأمسيتُ من وصلِ الغواني ممنّعاً

كأنّيَ من شيبي لديهنّ مجرمُ

بكيتُ على ما فات منّي ندامةً

كأنّي خنسٌ في البكا أو متمِّمُ (١)

وأصفيتُ مدحي للنبيّ وصنوِهِ

وللنفرِ البيضِ الذين همُ همُ

هم التينُ والزيتونُ آلُ محمدٍ

همُ شجرُ الطوبى لمن يتفهّمُ

همُ جنّةُ المأوى هم الحوضُ في غدٍ

هم اللوحُ والسقفُ الرفيعُ المعظّمُ

همُ آلُ عمرانٍ همُ الحجُّ والنسا

هم سبأٌ والذارياتُ ومريمُ

همُ آلُ ياسينٍ وطه وهل أتى

هم النحلُ والأنفالُ إن كنتَ تعلمُ

همُ الآيةُ الكبرى هم الركنُ والصفا

هم الحجُّ والبيتُ العتيق المكرّمُ

همُ في غدٍ سُفنُ النجاةِ لمن وعى

هم العروةُ الوثقى التي ليس تفصمُ

همُ الجنبُ جنبُ اللهِ في البيتِ والورى

هم العينُ عينُ اللهِ في الناسِ تعلمُ

همُ الآلُ فينا والمعالي همُ العُلى

يُيَمَّمُ في منهاجِهم حيث يمّموا

همُ الغايةُ القصوى همُ منتهى المنى

سلِ النصَّ في القرآن يُنبئك عنهمُ

همُ في غدٍ للقادمين سقاتُهم

إذا وردوا والحوضُ بالماءِ مفعمُ

فلولاهمُ لم يخلقِ اللهُ خلقَهُ

ولا هبطا للنسلِ حوّا وآدمُ

همُ باهلوا نجرانَ من داخلِ العبا

فعادَ المُناوي فيهمُ وهو مفحمُ

وأقبل جبريلٌ يقول مفاخراً

لميكال مَن مثلي وقد صرتُ منهمُ

فمن مثلُهمْ في العالمينَ وقد غدا

لهم سيّدُ الأملاكِ جبريلُ يخدمُ

ومَن ذا يُساويهم بفضلٍ ونعمةٍ

من الناس والقرآنُ يُؤخذُ عنهمُ

أبوهمْ أميرُ المؤمنينَ وجدُّهمْ

أبو القاسمِ الهادي النبيُّ المكرّمُ

__________________

(١) خنس : الشاعرة الخنساء تُماضر بنت عمرو الرياحية السُّلَمية التي عرفت بالبكاء على أخويها صخر ومعاوية ، ومتمم هو : مُتَمِّم بن نُوَيْرَة الذي رثى أخاه مالكاً رثاءً حارّا.

٤٩٨

همُ شرعوا الدينَ الحنيفيَّ والتقى

وقاموا بحكمِ اللهِ من حيث يحكمُ

وخالُهمُ إبراهيمُ والأُمّ فاطمٌ

وعمُّهمُ الطيّار في الخُلد يَنعمُ

إلى اللهِ أبرا من رجالٍ تتابعوا

على قتلِهمْ يا للورى كيف أقدموا

حَمَوْهم لذيذَ الماءِ والوردُ مفعمٌ

وأسقوهمُ كأسَ الردى وهو علقمُ

وعاثوا بآلِ المصطفى بعد موتِه

بما قتلَ الكرّارُ بالأمسِ منهمُ

وثاروا عليهِ ثورةً جاهليّةً

على أنّه ما كان في القومِ مسلمُ

وألقوهمُ في الغاضريّات صُرّعاً

كأنّهمُ قفٌّ على الأرض جُثّمُ (١)

تحاماهمُ وحش الفلا وتنوشهمْ

بأرياشِها طيرُ الفلا وهي حُوّمُ (٢)

بأسيافِهمْ أردوهمُ ولدينهمْ

أُريق بأطرافِ القنا منهمُ الدمُ

وما قدّمت يوم الطفوف أُميّةٌ

على السبطِ إلاّ بالذين تقدّموا

وأنّى لهم أن يبرءوا من دمائِهمْ

وقد أسرجوها للخصامِ وألجموا

وقد علموا أنَّ الولاءَ لحيدرٍ

ولكنّه ما زال يُؤذى ويُظلَمُ

تعدّوا عليه واستبدّوا بظلمِهِ

وأُخِّر وهو السيّدُ المتقدِّمُ

وقد زعموها فلتةً كان بدؤها

وقال اقتلوا من كان في ذاك يخصمُ

وأفضوا إلى الشورى بها بين ستّةٍ

وكان ابن عوفٍ منهمُ المتوسِّمُ

وما قصدوا إلاّ ليُقتلَ بينهم

عليٌّ وكان الله للطهرِ يعصمُ

وإلاّ فليثٌ لا يُقاسُ بأضبُعٍ

وأين من الشمسِ المنيرةِ أنجُمُ

فوا عجباً من أين كانوا نظائراً

وهل غيرُهُ طبٌّ من الغيِّ فيهمُ

ولكن أمورٌ قُدِّرت لضلالِهمْ

وللهِ صنعٌ في الإرادةِ محكَمُ

عصوا ربّهم فيه ضلالاً فأُهلِكوا

كما هلكتْ من قبل عادٌ وجُرهمُ

__________________

(١) القفّ : ما يبس من أحرار البقول وذكورها. جثم ـ جمع جاثم من جثم جثماً ـ : تلبّد بالأرض ، ولزم مكانه فلم يبرح. (المؤلف)

(٢) حوّم ـ جمع حائم من حام على الشيء وحوله ـ : دار به ، وحام الرجل : عطش. (المؤلف)

٤٩٩

فما عذرهمْ للمصطفى في معادهم

إذا قال لِمْ خنتمْ عليّا وجرتمُ

وما عذرهم إن قال ما ذا صنعتمُ

بصنويَ من بعدي وما ذا فعلتمُ

عهدتُ إليكمْ بالقبولِ لأمرِهِ

فلِم حلتمُ عن عهدهِ وغدرتمُ

نبذتمْ كتابَ اللهِ خلفَ ظهورِكمْ

وخالفتموه بئس ما قد صنعتمُ

وخلّفتُ فيكم عترتي لهداكمُ

فكم قمتمُ في ظلِّهمْ وقعدتمُ

قلبتم لهمْ ظهرَ المجنِّ وجرتمُ

عليهم وإحساني إليكم كفرتمُ

وما زلتمُ بالقتل تطغون فيهمُ

إلى أن بلغتم فيهمُ ما أردتمُ

كأنّهمُ كانوا من الرومِ فالتقتْ

سراياكمُ صُلبانَهمْ وظفرتمُ

ولكن أخذتم من بنيَّ بثارِكمْ

فحسبُكمُ خزياً على ما اجترأتمُ

منعتمْ تراثي ابنتي لا أبا لكم

فلِم أنتمُ آباءَكم قد ورثتمُ

وقلتم نبيٌّ لا تُراثَ لولدِهِ

أللأجنبيِّ الإرثُ فيما زعمتمُ

فهذا سليمانٌ لداودَ وارثٌ

ويحيى لزكريّا فلِم ذا منعتمُ

فإن كان منه للنبوّة وارثاً

كما قد حكمتمْ في الفتاوى وقلتمُ

فقد ينبغي نسلُ النبيّين كلُّهم

ومن جاء منهم بالنبوّة يوسمُ

وقلتم حرامٌ متعةُ الحجِّ والنسا

أعن ربِّكم أم عنكمُ ما شرعتمُ

زناتكمُ تعفونَ عنهم ومن أتى

إليكم من المستمتعين قتلتمُ

ألم يأتِ ما استمتعتمُ من حليلةٍ

فآتوا لها من أجرها ما فرضتمُ

فهل نسخَ القرآنُ ما كان قد أتى

بتحليلِهِ أم أنتمُ قد نسختمُ

وكلُّ نبيٍّ جاءَ قبل وصيِّهِ

مطاعٌ وأنتم للوصيّ عصيتمُ

ففعلكمُ في الدين أضحى منافياً

لفعلي وأمري غير ما قد أمرتمُ

وقلتم مضى عنّا بغيرِ وصيّةٍ

ألم يوصِ لو طاوعتمُ وامتثلتمُ

وقد قال من لم يوصِ من قبل موتِهِ

يمُتْ جاهلاً بل أنتمُ قد جهلتمُ

نصبتُ لكم بعدي إماماً يدلُّكمْ

على اللهِ فاستكبرتمُ وظلمتمُ

٥٠٠