الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ويرثي الإمام السبط عليه‌السلام ، ويذكر الملك الصالح بن رزّيك ويطريه ، أوّلها :

ألا هل لدمعي في الغمامِ رسيلُ

وهل لي إلى برد الغليلِ سبيلُ

وذكر له قصيدةً لاميّة تبلغ (٥١) بيتاً في المديح والرثاء لأهل البيت الطاهر صلّى الله عليهم وسلّم.

٥٢١
٥٢٢

ـ ٥٠ ـ

ابن مكّي النيلي

المتوفّى (٥٦٥)

ألم تعلموا أنّ النبيَّ محمداً

بحيدرةٍ أوصى ولم يسكنِ الرمسا

وقال لهم والقومُ في خمِّ حُضّرٌ

ويتلو الذي فيه وقد همسوا همسا

عليٌّ كزرّي من قميصي وإنّه

نصيري ومنّي مثلُ هارون من موسى

ألم تبصروا الثعبانَ مستشفعاً به

إلى اللهِ والمعصوم يلحسُه لحسا

فعاد كطاووسٍ يطيرُ كأنّه

تغشرمَ في الأملاك فاستوجب الحبسا (١)

أما درَّ كفَّ العبدِ بعد انقطاعِها

أما ردَّ عيناً بعد ما طُمِسَتْ طمسا (٢)

الشاعر

سعيد (٣) بن أحمد بن مكّي النيلي المؤدِّب ، من أعلام الشيعة وشعرائها المجيدين المتفانين في حبّ العترة الطاهرة وولائها ، المتصلِّبين في اعتناق مذهبهم الحقِّ ، ولقد أكثر فيهم وأجاد ، وجاهر بمديحهم ونشر مآثرهم حتى نسبه القاصرون إلى الغلوّ ،

__________________

(١) الغشارم : الجريء.

(٢) مناقب ابن شهرآشوب : ١ / ٥٢٤ طبع إيران [٣ / ٢٤ ، ٢ / ٣٠٥]. (المؤلف)

(٣) في معجم الأدباء [١١ / ١٩٠] وفوات الوفيات : سعد ، وهو تصحيف [في الطبعة المعتمدة ٢ / ٥٠ سعيد]. (المؤلف)

٥٢٣

لكن الرجل موالٍ مقتصد ، قد أغرق نزعاً في اقتفاء أثر القوم والاستضاءة بنورهم الأبلج ، وقد عدّه ابن شهرآشوب في معالمه (١) من المتّقين من شعراء أهل البيت عليهم‌السلام.

قال الحموي في معجم الأدباء (٢) (٤ / ٢٣٠) : المؤدِّب الشيعيّ ، كان نحويّا فاضلاً ، عالماً بالأدب ، مغالياً في التشيّع ، له شعر جيّد أكثره في مديح أهل البيت ، وله غزل رقيق ، مات سنة (٥٦٥) وقد ناهز المائة ، ومن شعره :

قمرٌ أقام قيامتي بقوامِهِ

لِمَ لا يجودُ لمهجتي بذمامهِ

ملّكتُه كبدي فأتلفَ مهجتي

بجمالِ بهجتِهِ وحسن كلامهِ

وبمبسمٍ عذبٍ كأنّ رضابَهُ

شهدٌ مذابٌ في عبيرِ مُدامهِ

وبناظرٍ غنجٍ وطرفٍ أحورٍ

يصمي القلوبَ إذا رنا بسهامهِ

وكأنّ خطَّ عذارِهِ في حسنِهِ

شمسٌ تجلّت وهي تحت لثامهِ

فالصبحُ يسفرُ من ضياءِ جبينهِ

والليلُ يُقبل من أثيثِ ظلامهِ

والظبيُ ليس لحاظُه كلحاظِهِ

والغصنُ ليس قوامُهُ كقوامهِ

قمرٌ كأنّ الحسنَ يعشقُ بعضَهُ

بعضاً فساعدُهُ على قَسّامهِ

فالحسنُ من تلقائِه وورائِه

ويمينهِ وشمالِه وأمامهِ

ويكاد من تَرَفٍ لدقّةِ خَصرِهِ

ينقدُّ بالأردافِ عند قيامهِ

وقال العماد الكاتب : كان غالياً في التشيّع ، حالياً بالتورّع ، عالماً بالأدب ، معلّماً في الكتب ، مقدّماً في التعصّب ، ثمّ أسنَّ حتى جاوز حدّ الهرم ، وذهب بصره وعاد وجوده شبيه العدم ، وأناف على التسعين ، وآخر عهدي به في درب صالح ببغداد في سنة اثنتين وستّين وخمسمائة.

__________________

(١) معالم العلماء : ص ١٥٣.

(٢) معجم الأدباء : ١١ / ١٩٠.

٥٢٤

قال الأميني : الصحيح في تاريخ آخر عهد العماد بالمترجم سنة (٥٦٢) وهي سنة خروجه من بغداد ، ولم يعد إليها بعدها حتى مات سنة (٥٩٧) كما أرّخه ابن خلكان في وفيات الأعيان (١) (٢ / ١٨٩) ، فما في فوات الوفيات (٢) (١ / ١٦٩) ودائرة المعارف لفريد وجدي (١٠ / ٤٤٠) نقلاً عن العماد من سنة (٥٩٢) تصحيف واضح.

والعجب أنّ هذا التاريخ ـ أعني (٥٩٢) ـ جعل في شذرات الذهب (٣) (٤ / ٣٠٩) وأعيان الشيعة (٤) (١ / ٥٩٥) تاريخ وفاة ابن مكّي المترجَم له ، وأنت ترى أنّه تاريخ آخر عهد العماد بالمترجَم لا تاريخ وفاته ، على أنّ الصحيح (٥٦٢) لا (٥٩٢) فالصحيح في وفاته ـ كما مرَّ عن الحموي (٥) ـ (٥٦٥) ، وكون المترجَم مذكوراً في معجم العماد الكاتب يومئ إلى عدم وفاته سنة (٥٩٢) ، إذ الكتاب موضوع لترجمة الشعراء الذين كانوا بعد المائة الخامسة إلى سنة (٥٧٢) كما في تاريخ ابن خلكان (٦) (٢ / ١٩٠).

وقال عماد الدين أيضاً : أنشدني له ابن اخته عمر الواسطي الصفّار ببغداد ، قال : أنشدني خالي سعيد بن مكّي من كلمة له :

ما بالُ مغاني اللوى بشخصِكَ أطلال

قد طالَ وقوفي بها وبثّيَ قد طالْ

الربعُ دثورٌ متناه قفار

والربع محيلٌ بعد الأوانسِ بطّالْ

عفته ديورٌ وشمالٌ وجنوب

مع مرّملث مرخي العزالي محلالْ

يا صاح قفا باللوى فسائل رسماً

قد خال لعلّ الرسومَ تنبي عن حالْ

ما شفّ فؤادي إلاّ لغيب غرابٍ

بالبين ينادي قد طار يضرب بالغالْ

__________________

(١) وفيات الأعيان : ٥ / ١٥٢ رقم ٧٠٥.

(٢) فوات الوفيات : ٢ / ٥٠ ـ ٥١ رقم ١٦٧.

(٣) شذرات الذهب : ٦ / ٥٠٥.

(٤) أعيان الشيعة : ٧ / ٢٢٠.

(٥) معجم الأدباء : ١١ / ١٩٠.

(٦) وفيات الأعيان : ٥ / ١٥٠ رقم ٧٠٥.

٥٢٥

مذ طار شجا بالفراق قلباً حزيناً

بالبين وأقصى بالبعد صاحبة الخالْ

تمشي تتهادى وقد ثناها دلٌ

من فرط حياها تخفي رنين الخلخالْ

وترجمه الصفدي في نكت الهميان (١) ، وابن شاكر في فوات الوفيات (٢) (١ / ١٦٩) وقالا : له شعر وأكثره مديح في أهل البيت ، ثمّ ذكرا عبارة العماد الأولى. وتوجد ترجمته في لسان الميزان (٣) (٣ / ٢٣) ، ومجالس المؤمنين (٤) (ص ٤٦٩).

ومن شعره المذهبيّ قوله يمدح به أمير المؤمنين عليه‌السلام :

فان يكن آدمُ من قبلِ الورى

نُبِّي وفي جنّةِ عدنٍ دارهُ

فإنّ مولايَ عليّا ذا العُلى

من قبله ساطعةٌ أنوارهُ

تاب على آدمَ من ذنوبِهِ

بخمسةٍ وهو بهم أجارهُ

وإن يكن نوحٌ بنى سفينةً

تنجيهِ من سيلٍ طمى تيّارهُ

فإنّ مولاي عليّا ذا العُلى

سفينةٌ تنجو بها أنصارهُ

وإن يكن ذو النون ناجى حوتَهُ

فى اليمِّ لمّا كظّه حصارهُ

ففي جلندي (٥) للأنام عبرةٌ

يعرفها من دلّه اختيارهُ

رُدّتْ له الشمسُ بأرضِ بابل

والليلُ قد تجلّلتْ أستارهُ

وإن يكن موسى دعا مجتهداً

عشراً إلى أن شقّه انتظارهُ

وسار بعد ضرِّهِ بأهلِهِ

حتى علت بالواديينِ نارهُ

فإنّ مولاي عليّا ذا العُلى

زوّجه واختار من يختارهُ

وإن يكن عيسى له فضيلةٌ

تدهشُ من أدهشَهُ انبهارهُ

__________________

(١) نكت الهميان : ص ١٥٧.

(٢) فوات الوفيات : ٢ / ٥٠ رقم ١٦٧.

(٣) لسان الميزان : ٣ / ٢٩ رقم ٣٦٥٩.

(٤) مجالس المؤمنين : ٢ / ٥٧٠.

(٥) قصّة الجلندي مذكورة في مناقب ابن شهرآشوب : ١ / ٤٥٥ طبع إيران [١ / ٣٤٧]. (المؤلف)

٥٢٦

من حملته أمّهُ ما سجدتْ

للاّت بل شغّلها استغفارهُ (١)

البيت الأخير فيه إشارة إلى ما رواه الحلبي في السيرة الحلبية (٢) (١ / ٢٨٥) وزيني دحلان في سيرته (٣) ، والصفوري في نزهة المجالس (٢ / ٢١٠) ، والشبلنجي في نور الأبصار (٤) : من أنّ أمير المؤمنين كان يمنع أُمّه من السجود وهو حملٌ (٥).

وله :

ومحمدٌ يومَ القيامةِ شافعٌ

للمؤمنين وكلِّ عبدٍ مُقنتِ

وعليُّ والحسنان ابنا فاطمٍ

للمؤمنين الفائزين الشيعةِ

وعليُّ زينُ العابدين وباقرُ ال

ـعلمِ التقيُّ وجعفرٌ هو منيتي

والكاظمُ الميمونُ موسى والرضا

علمُ الهدى عند النوائبِ عُدّتي

ومحمدُ الهادي إلى سبلِ الهدى

وعليّا المهدي جعلت ذخيرتي

والعسكريّين اللذين بحبّهم

أرجو إذا أبصرتُ وجهَ الحجّة (٦)

وله من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عليه‌السلام ودحوه باب خيبر :

فهزّها فاهتزَّ من حولِهمْ

حصناً (٧) بنوهُ حجراً جلمدا

ثمّ دحا البابَ على نبذةٍ

تمسحُ خمسين ذراعاً عددا

وعبّرَ الجيش على راحتِهِ

حيدرةُ الطاهرُ لمّا وردا (٨)

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٠٧.

(٢) السيرة الحلبية : ١ / ٢٦٨.

(٣) السيرة النبوية : ١ / ٩١.

(٤) نور الأبصار : ص ١٥٦.

(٥) مرّت كلمتنا حول هذه الرواية في الجزء الثالث : ص ٢٣٩. (المؤلف)

(٦) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٩٦.

(٧) كذا في المصدر بالنصب.

(٨) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٣٣١.

٥٢٧

وله من قصيدة مخاطباً أمير المؤمنين عليه‌السلام :

رددتَ الكفَّ جهراً بعد قطعٍ (١)

كردِّ العينِ من بعد الذهابِ

وجمجمة الجلندي وهو عظمٌ (٢)

رميمٌ جاوبتكَ عن الخطابِ

وله من قصيدة ـ مرّت عشرة أبيات منها نقلاً عن الحموي :

دعْ يا سعيدُ هواكَ واستمسك بمنْ

تسعد بهم وتزاح من آثامهِ

بمحمدٍ وبحيدرٍ وبفاطمٍ

وبولدِهمْ عقدُ الولا بتمامهِ

قومٌ يُسَرُّ وليُّهمْ في بعثِهِ

ويعضُّ ظالمُهم على إبهامهِ

ونرى وليَّ وليّهم وكتابُه

بيمينِهِ والنورُ من قدّامهِ

يسقيه من حوض النبيّ محمدٍ

كأساً بها يشفي غليلَ أُوامهِ

بيدي أميرِ المؤمنين وحسبُ من

يسقى به كأساً بكفّ إمامهِ

ذاك الذي لولاه ما اتّضحت لنا

سُبلُ الهدى في غورهِ وشآمهِ

عَبَد الإلهَ وغيرُه من جهله

ما زال معتكفاً على أصنامهِ

ما آصفٌ يوماً وشمعونُ الصفا

مع يوشعٍ في العلمِ مثلُ غلامهِ

وله في ردِّ بيتي يوسف الواسطي في الغمز على أمير المؤمنين عليه‌السلام وتخلّفه عن البيعة قوله :

ألا قل لمن قال في كفره

وربِّي على قوله شاهدُ

(إذا اجتمع الناس في واحدٍ

وخالفهم في الرضا واحدُ)

(فقد دلَّ إجماعُهمْ كلِّهمْ

على أنّه عقلُه فاسدُ)

__________________

(١) إشارة إلى قصّة يد هشام بن عديّ الهمداني ، وهي مذكورة في مناقب ابن شهرآشوب : ١ / ٤٧٣ طبع إيران [٢ / ٣٧٥]. (المؤلف)

(٢) إشارة إلى قصّة جمجمة الجلندي ، توجد في مناقب ابن شهرآشوب : ١ / ٤٧٤ [٢ / ٣٧٥]. (المؤلف)

٥٢٨

كذبتَ وقولُك غيرُ الصحيحِ

وزعمُكَ ينقدُه الناقدُ

فقد أجمعتْ قومُ موسى جميعاً

على العجل يا رجسُ يا ماردُ

وداموا عكوفاً على عجلهم

وهارونُ منفردٌ فاردُ

فكان الكثيرُ هم المخطئون

وكان المصيب هو الواحدُ (١)

وله من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عليه‌السلام :

خصّه الله بالعلومِ فأضحى

وهو يُنبي بسرِّ كلِّ ضميرِ

حافظُ العلمِ عن أخيه عن اللهِ

خبيراً عن اللطيفِ الخبيرِ (٢)

لفت نظر : ذكر سيّدنا الأمين في أعيان الشيعة (٣) (٦ / ٤٠٧) ترجمة تحت عنوان : أبي سعيد النيلي ، وأخذ ما في مجالس المؤمنين من ترجمة المترجَم له وجعله ترجمة لما عنونه ، وأردفها بتحقيق في اسمه يقضى منه العجب ، استخرجه من شعر المترجم له المذكور : دع يا سعيد هواك واستمسك بمن ، فقال :

قوله : دع با سعيد (با) بالباء الموحّدة مخفّف أبا وحذف منه حرف النداء أي يا أبا. وقال (٤) (١٤ / ٢٠٧) : ابن مكّي اسمه سعد أو سعيد ، أرّخ وفاته في (١ / ٥٩٥) من الطبعة الأولى بسنة (٥٩٢) ، وفي الطبعة الثانية في القسم الثاني من الجزء الأول (١ / ١٧٧) بسنة (٥٩٥) ، ونقل ترجمته عن ابن خلّكان ، وابن خلّكان لم يذكره.

__________________

(١) مجالس المؤمنين : ٢ / ٥٧١.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ١١٨.

(٣) أعيان الشيعة : ٢ / ٣٥٧.

(٤) أعيان الشيعة : ٢ / ٢٧٩.

٥٢٩
٥٣٠

ـ ٥١ ـ

الخطيب الخوارزمي

المولود (٤٨٤)

المتوفّى (٥٦٨)

ألا هل من فتىً كأبي ترابِ

إمامٌ طاهرٌ فوقَ الترابِ

إذا ما مقلتي رمدتْ فكُحلي

ترابٌ مسَّ نعل أبي ترابِ

محمدُ النبيُّ كمصرِ علمٍ

أميرُ المؤمنين له كبابِ

هو البكّاءُ في المحراب لكن

هو الضحّاكُ في يوم الحرابِ

وعن حمراءِ بيتِ المالِ أمسى

وعن صفرائه صفرَ الوطابِ (١)

شياطينُ الوغى دُحروا دحوراً

به إذ سلَّ سيفاً كالشهابِ

عليٌّ بالهدايةِ قد تحلّى

ولمّا يدّرع بُردَ الشبابِ

عليٌّ كاسرُ الأصنامِ لمّا

علا كتفَ النبيِّ بلا احتجابِ

عليٌّ في النساء (٢) له وصيٌ

أمينٌ لم يمانعْ بالحجابِ

عليٌّ قاتلٌ عمرَو بن ودٍّ

بضربٍ عامر البلدِ الخرابِ

حديثُ براءةٍ وغديرُ خمٍ

ورايةُ خيبرٍ فصلُ الخطابِ

هما مَثَلاً كهارونٍ وموسى

بتمثيلِ النبيِّ بلا ارتيابِ

__________________

(١) الوطاب : جمع وطب ، وهو سقاء اللبن.

(٢) إقرأ واضحك. (المؤلف)

٥٣١

بنى في المسجد المخصوص باباً

له إذ سدَّ أبوابَ الصحابِ

كأنّ الناسَ كلَّهمُ قشورٌ

ومولانا عليٌّ كاللبابِ

ولايتُه بلا ريبٍ كطوقٍ

على رغمِ المعاطسِ في الرقابِ

إذا عُمَرٌ تخبّطَ في جوابٍ

ونبّهه عليٌّ بالصوابِ

يقول بعدله لو لا عليٌ

هلكتُ هلكتُ في ذاك الجوابِ

ففاطمةٌ ومولانا عليٌ

ونجلاه سروري في الكتابِ

ومن يك دأبُه تشييدَ بيتٍ

فها أنا مدحُ أهلِ البيتِ دابي

وإن يك حبّهمْ هيهات عاباً

فها أنا مذ عقلتُ قرينَ عابِ

لقد قتلوا عليّا مذ تجلّى

لأهلِ الحقِّ فحلاً في الضرابِ

وقد قتلوا الرضا الحسنَ المرجّى

جوادَ العربِ بالسمِّ المذابِ

وقد منعوا الحسينَ الماءَ ظلماً

وجُدِّل بالطعانِ وبالضرابِ

ولولا زينبٌ قتلوا عليّا (١)

صغيراً قتلَ بقٍّ أو ذُبابِ

وقد صلبوا إمام الحقِّ زيداً

فيا للهِ من ظلمٍ عجابِ

بناتُ محمدٍ في الشمس عطشى

وآلُ يزيدَ في ظلِّ القبابِ

لآل يزيدَ من أدمٍ خيامٌ

وأصحابُ الكساءِ بلا ثيابِ (٢)

الشاعر

الحافظ أبو المؤيّد وأبو محمد موفّق (٣) بن أحمد بن (٤) أبي سعيد إسحاق بن

__________________

(١) يعني الإمام السجّاد عليّ بن الحسين. (المؤلف)

(٢) القصيدة تبلغ (٤٦) بيتاً طبعت في آخر كتابه المناقب [ص ٣٩٩] وتوجد جملة منها في مقتله [٢ / ١٦١] ، وأخذ منها ابن شهرآشوب في مناقبه [٢ / ١٥٤ ، ١٥٩]. (المؤلف)

(٣) في الفوائد البهيّة [ص ٤١] : موفّق الدين أحمد بن محمد وهو تصحيف. وقد ذكر اسمه في شعره موفّقاً كما يأتي ، وهكذا يوجد في المصادر القديمة. (المؤلف)

(٤) في العقد الثمين [٧ / ٣١٠] : موفّق بن أحمد بن محمد. (المؤلف)

٥٣٢

المؤيّد المكّي الحنفي المعروف بأخطب خوارزم.

كان فقيهاً غزير العلم ، حافظاً طائل الشهرة ، محدِّثاً كثير الطرق ، خطيباً طائر الصيت ، متمكّناً في العربيّة ، خبيراً في السيرة والتاريخ ، أديباً شاعراً ، له خطب وشعرٌ مدوّن.

ذكره (١) الحموي في معجم الأدباء في ترجمة أبي العلاء الهمداني (٢) بالحفظ ، وأثنى عليه الصفدي في الوافي بالوفيات ، والتقيّ الفاسي في العقد الثمين في تاريخ البلد الأمين ، والقفطي في أخبار النحاة ، والسيوطي في بغية الوعاة (ص ٤٠١) ، ومحمد عبد الحيّ في الفوائد البهيّة (ص ٣٩) ، والسيّد الخونساري في روضات الجنّات (ص ٢١) ، وجرجي زيدان في تاريخ آداب اللغة العربية (٣ / ٦٠) ، وصاحب معجم المطبوعات (ص ١٨١٧) نقلاً عن الجواهر المضيّة في طبقات الحنفيّة للشيخ عبد القادر المصري ، وتوجد ترجمته نقلاً عن الجواهر المضيّة في أوّل كتابه مناقب أبي حنيفة ، والمعاجم بأسرها فارغة عن بسط القول في مشايخه وتلامذته والرواة عنه وتآليفه القيّمة ، فنحن نأخذ دروس تلكم النواحي من تآليفه وإجازات مشيخة العلم والحديث.

مشايخه في الأخذ والرواية :

١ ـ الحافظ نجم الدين عمر بن محمد بن أحمد النسفي : المتوفّى (٥٣٧) ، أخذ منه العلم ويروي عنه.

٢ ـ أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري : المتوفّى (٥٣٨) ، قرأ عليه في العربيّة والأدب ويروي عنه.

__________________

(١) معجم الأدباء : ٨ / ٣٩ ، العقد الثمين : ٧ / ٣١٠ ، إنباه الرواة على أنباه النحاة : ٣ / ٣٣٢ رقم ٧٧٩ ، بغية الوعاة : ٢ / ٣٠٨ رقم ٢٠٤٦ ، روضات الجنّات : ٨ / ١٢٤ ، مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة ـ تاريخ آداب اللغة العربية ـ : مج ١٤ / ٣١١ ، الجواهر المضيّة : ٣ / ٥٢٣ رقم ١٧١٨.

(٢) الحافظ الحسن العطّار المقري المتوفّى (٥٦٩). (المؤلف)

٥٣٣

٣ ـ أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم بن أبي سهل الكروخي (١) الهروي : المتوفّى (٥٤٨) ، أخذ عنه الحديث في منصرفه من الحجِّ ببغداد ، كما في الجزء الأوّل من مقتله (٢)

٤ ـ أبو الحسن عليُّ بن الحسين الغزنوي الملقّب بالبرهان : المتوفّى (٥٥١) ، أخذ منه الحديث في مدينة السلام في داره سلخ ربيع الأوّل سنة (٥٤٤).

٥ ـ شيخ الدين أبو الحسن عليّ بن أحمد بن محمويه الجويني البرذي : المتوفّى (٥٥١).

٦ ـ أبو بكر محمد بن عبيد الله بن نصر الزاغوني : المتوفّى (٥٥٢) ، أخذ منه الحديث في مدينة السلام.

٧ ـ مجد الدين أبو الفتوح محمد بن أبي جعفر محمد الطائي : المتوفّى (٥٥٥) ، يروي عنه مكاتبة.

٨ ـ زين الدين أبو منصور شهردار بين شيرويه الديلمي : المتوفّى (٥٥٨) ، يروي عنه بالإجازة وبينهما مكاتبات.

٩ ـ أبو العلاء الحسن بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن محمد العطّار الهمداني : المتوفّى (٥٦٩) يروي عنه بالإجازة.

١٠ ـ أبو المظفّر عبد الملك بن عليّ بن محمد الهمداني نزيل بغداد ، له منه إجازة.

١١ ـ أبو النجيب سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني المروزي ، يروي عنه بالمكاتبة.

١٢ ـ أبو الفرج شمس الأئمّة محمد بن أحمد المكي أخوه كما نصَّ به في مقتله ،

__________________

(١) بالفتح نسبة إلى كروخ بلدة بنواحي هراة. (المؤلف)

(٢) مقتل الإمام الحسين عليه‌السلام : ١ / ٩.

٥٣٤

ويعبّر عنه هناك بالإمام الأجلّ الكبير أخي سراج الدين ركن الإسلام شمس الأمّة إمام الحرمين ، ثمّ يترحّم عليه ، يروي عنه إملاءً.

١٣ ـ أبو طاهر محمد بن محمد الشيحي الخطيب بمرو ، وله منه إجازة.

١٤ ـ أبو بكر محمد بن الحسن بن أبي جعفر بن أبي سهل الزورقي ، يروي عنه بالمكاتبة.

١٥ ـ أبو الفتح عبد الواحد بن الحسن الباقرحي (١).

١٦ ـ أبو عفّان عثمان بن أحمد الصرام الخوارزمي.

١٧ ـ نجم الدين أبو منصور محمد بن الحسين بن محمد البغدادي ، له منه إجازة كما ذكره الحمّوئي في فرائد السمطين.

١٨ ـ أبو داود محمد بن سليمان بن محمد الخيّام الهمداني ، يروي عنه بالمكاتبة.

١٩ ـ الحسن بن النجّار ، يروي عنه كما في فرائد السمطين للحمّوئي.

٢٠ ـ أبو محمد عبّاس بن محمد بن أبي منصور الفضاري الطوسي.

٢١ ـ كمال الدين أبو ذرّ أحمد بن محمد بن بندار.

٢٢ ـ أفضل الحفّاظ تاج الدين محمد بن سمّان بن يوسف الهمداني ، يروي عنه بالمكاتبة.

٢٣ ـ فخر الأئمّة أبو الفضل بن عبد الرحمن الحفربندي ، يروي عنه بالإجازة.

٢٤ ـ الشيخ سعيد بن محمد بن أبي بكر الفقيهي ، يروي عنه بالإجازة كما في مقتله (٢).

٢٥ ـ أبو عليّ الحدّاد.

__________________

(١) الباقرحي بفتح القاف ، نسبة إلى باقرحا من قرى بغداد. (المؤلف)

(٢) مقتل الإمام الحسين عليه‌السلام : ١ / ٢٧.

٥٣٥

٢٦ ـ سيف الدين أبو جعفر محمد بن عمران بن أبي عليّ الجمحي ، يروي عنه بالمكاتبة.

٢٧ ـ أبو الحسين بن بشران العدل ، أخذ عنه الحديث ببغداد.

٢٨ ـ المبارك بن محمد الشعطي.

٢٩ ـ ركن الأئمّة عبد الحميد بن ميكائيل.

٣٠ ـ أبو القاسم منصور بن نوح الشهرستاني ، أخذ منه الحديث في رجوعه من حجِّه سنة (٥٤٤) بشهرستان.

٣١ ـ أبو الفضل عبد الرحمن بن محمد الكرماني.

٣٢ ـ أبو داود محمود بن سليمان بن محمد الهمداني ، يروي عنه وبينهما مكاتبة (١)

٣٣ ـ سديد الدين محمد بن منصور بن عليّ المقرئ المعروف بالديواني.

٣٤ ـ أبو الحسن عليّ بن أحمد الكرباسي ، يروي عنه إملاءً.

٣٥ ـ الإمام مسعود بن أحمد الدهستاني ، يروي عنه بالمكاتبة.

تلامذته والرواة عنه :

١ ـ برهان الدين أبو المكارم ناصر بن أبي المكارم عبد السيّد المطرزي الخوارزمي الحنفي : المولود (٥٣٨) والمتوفّى (٦١٠) ، قرأ على المترجم وأخذ منه كما في بغية الوعاة (٢) (ص ٤٠٢) ومفتاح السعادة (٣) (١ / ١٠٨) ، ويروي عنه كما في فرائد

__________________

(١) لعله هو نفسه الذي سبق ذكره في الرقم (١٨).

(٢) بغية الوعاة : ٢ / ٣١١ رقم ٢٠٥٤.

(٣) مفتاح السعادة : ١ / ١٢٢.

٥٣٦

السمطين (١) وفي إجازة العلاّمة الحلّي الكبيرة لبني زهرة والإجازة الكبيرة لصاحب المعالم.

٢ ـ مسلم بن عليّ ابن الأُخت ، يروي عنه كتابه المناقب كما في إجازة أحد تلامذة الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي : المتوفّى (٦٨٩) للسيّد شمس الدين محمد بن جمال الدين أحمد أستاد الشهيد الأوّل (٢).

٣ ـ الشيخ أبو الرضا طاهر بن أبي المكارم عبد السيّد بن عليّ الخوارزمي ، يروي عنه كتابه المناقب كما في الإجازة المذكورة الأخيرة.

٤ ـ الشيخ أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد الحسيني ، يروي عنه كتابه المناقب كما في الإجازة التي أوعزنا إليها.

٥ ـ أبو جعفر محمد بن عليّ بن شهرآشوب السروي المازندراني : المتوفّى (٥٨٨) كما في المقابس (٣) ، وكانت بينه وبين المترجم مكاتبة كما في أوّل مناقبه (٤).

٦ ـ جمال الدين بن معين ، يروي عنه كتاب مقتله كما ذكره الحمّوئي في فرائد السمطين (٥).

٧ ـ أبو القاسم ناصر بن أحمد بن بكر النحوي : المتوفّى سنة (٦٠٧) ، قرأ على المترجم كما في بغية الوعاة (٦) (ص ٤٠٢).

__________________

(١) فرائد السمطين : ١ / ٢٥٨ ح ١٩٩.

(٢) ٢٠

(٣) مقابِس الأنوار : ص ١٢.

(٤) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣١.

(٥) فرائد السمطين : ٢ / ٦٦ ح ٣٩٠.

(٦) بغية الوعاة : ٢ / ٣١١ رقم ٢٠٥٣.

٥٣٧

تآليفه :

إنّ تضلّع الرجل في الفقه والحديث والتاريخ والأدب إلى علوم متنوِّعة أخرى وكثرة شهرته في عصره ومكاتبته مع أساتذة الفنون تستدعي له تآليف كثيرة ، وأحسب أنّ الأمر كان كذلك لكن ما اشتهر منها إلاّ كتبه السبعة التي قضت على أكثرها الأيّام ، وهي :

١ ـ كتاب مناقب الإمام أبي حنيفة المطبوع في حيدرآباد سنة (١٣٢١) في مجلّدين.

٢ ـ كتاب ردّ الشمس لأمير المؤمنين عليّ عليه‌السلام ، ذكره له معاصره والراوي عنه أبو جعفر بن شهرآشوب في المناقب (١) (١ / ٤٨٤).

٣ ـ كتاب الأربعين في مناقب النبيّ الأمين ووصيّه أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليهما وآلهما ـ كما في مقتله ، يرويه عنه أبو جعفر بن شهرآشوب (٢) وقال : كاتبني به مؤلِّفه الخوارزمي. وينقل عنه كثيراً في المناقب ، ونحن راجعنا الأحاديث المنقولة عنه في فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام كتاب مناقبه الدائر السائر وما وجدناها فيه ، فاحتمال اتِّحاد كتابه هذا مع مناقبه في غير محلّه.

٤ ـ كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه‌السلام ، ذكره له ابن شهرآشوب في مناقبه (١ / ٤٨٤).

٥ ـ كتاب مقتل الإمام السبط الشهيد ـ سلام الله عليه ـ يرويه عنه جمال الدين ابن معين كما في الإجازات ، رتّبه على خمسة عشر فصلاً في مجلّدين ، وإليك فهرست فصوله :

١ ـ في ذكر شيءٍ من فضائل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ٣٩٠.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣١.

٥٣٨

٢ ـ في فضائل أُمّ المؤمنين خديجة بنت خويلد.

٣ ـ في فضائل فاطمة بنت أسد أُمّ أمير المؤمنين عليه‌السلام.

٤ ـ نماذج من فضائل أمير المؤمنين وذريّته الطاهرة ـ صلوات الله عليهم.

٥ ـ في فضائل الصدّيقة فاطمة بنت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٦ ـ في فضائل الحسن والحسين ـ عليهما الصلاة والسلام.

٧ ـ في فضائل الحسين خاصّة.

٨ ـ في إخبار النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الحسين وأحواله.

٩ ـ في ما جرى بينه وبين الوليد ومروان حال حياة معاوية وبعد وفاته.

١٠ ـ في أحواله مدّة مقامه بمكّة وبيان ما ورد عليه من كتب أهل الكوفة ، وإرساله مسلم بن عقيل إلى الكوفة ومقتله بها.

١١ ـ في خروجه من مكّة إلى العراق وما جرى عليه في طريقه ، ونزوله بالطفِّ ومقتله بها.

١٢ ـ في عقوبة قاتله وخاذله ـ صلى الله عليه ـ ولعن قاتله.

١٣ ـ في ذكر المصيبة به ومرثيّته عليه‌السلام.

١٤ ـ في ذكر زيارة تربته.

١٥ ـ في انتقام المختار بن أبي عبيد الثقفي من قاتليه وخاذليه.

٦ ـ ديوان شعره ، قال الچلبي في كشف الظنون (١ / ٥٢٤) : ديوانه جيّدٌ ، وكان في الشعر في طبقة معاصريه (١).

٧ ـ كتاب فضائل أمير المؤمنين عليه‌السلام المعروف بالمناقب ، المطبوع سنة (١٢٢٤). وهذا الكتاب يرويه عن المؤلّف غير واحد من أئمّة الحديث كما مرَّ الإيعاز إليه ، منهم :

١ ـ الشيخ مسلم بن عليّ ابن الأُخت.

__________________

(١) هذه العبارة أوردها الچلبي بحقّ موفق الدين محمد بن يوسف الإربلي الذي ذكر له ديوانه في كشف الظنون ١ / ٨١٥ بعد الموفق بن أحمد الخوارزمي مباشرة.

٥٣٩

٢ ـ الشيخ أبو الرضا طاهر بن أبي المكارم عبد السيّد الخوارزمي.

٣ ـ السيّد أبو محمد عبد الله بن جعفر الحسيني.

٤ ـ الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي : المتوفّى (٦٨٩) ، قال :

قرأت كتاب المناقب للخوارزمي على الشيخ أبي محمد عبد الله بن جعفر بن محمد الحسيني في سنة (٥٩٣).

٥ ـ برهان الدين أبي المكارم ناصر بن أبي المكارم المطرزي.

٦ ـ قال الأميني : وأنا أروي هذا الكتاب عن فقيه الطائفة في علويّة الشيعة آية الله الحاج آقا حسين القمّي (١) : المتوفّى (١٤) ربيع الأوّل (١٣٦٦) ، عن العلاّمة الأكبر السيّد مرتضى الكشميري المتوفّى (١٣٢٣) ، عن السيّد مهدي القزويني المتوفّى (١٣٠٠) ،

__________________

(١) هو الفقيه من آل محمد ، وجماع الفضل الكثار من مآثر أولئك الصفوة ، بطل المسلمين والفقيه المقدّم ، الورع الزاهد ، والمجاهد الناهض ، الداعي إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة ، ومنبثق مكارم الأخلاق إلى فضائل جمّة يفوتها حدّ الإحصاء ، وقصارى القول : إنّه لو كانت لهذه المناقب شخصيّة ماثلة لما عدته ، أنا لا أحاول سرد القول عن فقاهته وتقواه وزهادته وقداسته وكرامته على الدين وعند المؤمنين ، فإنها حقائق جليّة ، وإنّما أنوّه بكلمة لا أكثر منها عن بطولته وشجاعته وشممه وإبائه ، وهو ذلك البطل الناهض المدافع عن الدين وعن شرعة جدّه الأمين من دون أن تأخذه في الله لومة لائم. هذه حقيقة عرفها الملأ الديني السابر صحيفته البيضاء في مناوأته جبابرة الوقت وطواغيت الزمن بجأش طامن ، وقلب مطمئن ، وجنان ثابت ، وروح قويّة ، ومثابرة جبّارة ، نعم يقابل هذا اليفن الكبير بعزمه الفتيّ أقوى العوامل الفعّالة ، يقابل عدّتها والعتاد ، يقابل غلواءها بشخصيّة عزلاء إلاّ عن الشجاعة الدينية ، وقوّة الإيمان ، وأبّهة العلم والتقوى ، وعزّ المجد والشرف ، ومنعة السؤدد والخطر ، فكانت من جرّاء هاتيك كلّها أعمال مبرورة ، ومساعٍ مشكورة ، حتى انتهت إلى هجرته من خراسان لبثّ المعروف واكتساح المنكر وإقامة عُمد الدين ، حتى ألقى عصا السير في كربلاء المشرّفة وهو رابض فيها بحمى عمّه الإمام الشهيد ، ينتظر آونة الوثبة مرّة أخرى ، إلى أن أُتيحت له بعد أن كبت بمناوئه بطنته ، وأجهز عليه أمله ، ولم يبق منه إلاّ البدع والمخازي ، فقفل سيّدنا المترجَم إلى إيران ولم يبرح بها حتى اكتسح تلكم المعرّات ، ولقي من حفاوة المؤمنين به ما لا يوصف ، وعرّج على العراق تعريجة الفاتح الظافر ، ولم يزل بها حتى أهاب به داعي ربّه فأجابه. (المؤلف)

٥٤٠