الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨

لهم خَلفٌ نصروا قولَهمْ

ليبغوا عليكَ ولم ينصروكا

إذا شاهدوا النصّ قالوا لنا

توانى عن الحقِّ واستضعفوكا

فقلنا لهم نصُّ خيرِ الورى

يُزيلُ الظنونَ وينفي الشكوكا

وله يمدح آل الله قوله :

بآلِ محمدٍ عُرِف الصوابُ

وفي أبياتِهمْ نَزَل الكتابُ

همُ الكلماتُ والأسماءُ لاحتْ

لآدمَ حين عزَّ لهُ المتابُ

وهم حُجج الإلهِ على البرايا

بهمْ وبحكمهمْ لا يُسترابُ

بقيّةُ ذي العُلى وفروعُ أصلٍ

بحُسْنِ بيانِهمْ وضَحَ الخِطابُ

وأنوارٌ تُرى في كلِّ عصرٍ

لإرشادِ الورى فَهُمُ شِهابُ

ذراري أحمدٍ وبنو عليٍ

خليفتِه فهمْ لبٌّ لبابُ

تناهَوا في نهايةِ كلّ مجدٍ

فطهَّرَ خَلْقَهمْ وزكوا وطابوا

إذا ما أعوز الطلاّبَ علمٌ

ولم يوجدْ فعندهمُ يُصابُ

محبّتهمْ صراطٌ مستقيمٌ

ولكنْ في مسالِكِهِ عِقابُ (١)

ولا سيّما أبو حسنٍ عليّ

له في الحربِ مرتبةٌ تُهابُ

كأنّ سِنانَ ذابلِهِ ضميرٌ

فليسَ عن القلوبِ له ذِهابُ

وصارمهُ كبيعتِهِ بخمٍ

معاقدُها من القومِ الرقابُ

عليُّ الدرُّ والذهبُ المصفّى

وباقي الناس كلِّهمُ تُرابُ

إذا لم تَبرَ من أعدا عليٍ

فما لكَ في محبّتِهِ ثوابُ (٢)

__________________

(١) عِقاب جمع عَقَبة ، وهي ما يعرض للطريق من الصعوبة والشدة.

(٢) كذا في تخميس العلاّمة الشيخ محمد علي الأعسم. وفي كتاب الإكليل ، والتحفة :

(ومن لم يبرَ من أعدا عليٍ

فليس له النجاة ولا ثواب

(المؤلف)

٤١

إذا نادتْ صوارمُهُ نفوساً

فليس لها سوى نَعَمٍ جوابُ

فبينَ سِنانِهِ والدرعِ سِلْمٌ

وبين البيض والبيض اصطحابُ

هو البكّاءُ في المحرابِ ليلاً

هو الضحّاكُ إن جدَّ الضرابُ

ومن في خُفِّه طرحَ الأعادي

حُباباً كي يلسِّبَهُ الحُبابُ (١)

فحين أرادَ لُبسَ الخُفِّ وافى

يُمانعُهُ عن الخُفِّ الغُرابُ

وطار به فأكفأهُ وفيهِ

حُبابٌ في الصعيد له انسيابُ (٢)

ومن ناجاهُ ثعبانٌ عظيمٌ

ببابِ الطهر ألقتهُ السحابُ

رآه الناس فانجفلوا برعبٍ

وأُغلِقتِ المسالكُ والرحابُ (٣)

فلمّا أن دنا منهُ عليٌ

تدانى الناسُ واستولى العُجابُ

فكلّمه عليٌّ مُستطيلاً

وأقبلَ لا يخافُ ولا يَهابُ

ودنَّ لحاجر وانساب فيه

وقال وقد تغيّبه الترابُ (٤)

أنا مَلَكٌ مُسِختُ وأنت مولىً

دُعاؤك إن مَننتَ به يُجابُ

أتيتُكَ تائباً فاشفعْ إلى مَن

إليه في مهاجرتي الإيابُ

فأقبلَ داعياً وأتى أخوهُ

يؤمِّنُ والعيونُ لها انسكابُ

فلمّا أن أُجيبا ظلَّ يعلو

كما يعلو لدى الجدّ العقابُ

وأنبتَ ريشَ طاووسٍ عليهِ

جواهر زانها التِّبرُ المُذابُ

يقولُ لقد نجوتُ بأهلِ بيتٍ

بهم يُصلى لظىً وَبِهمْ يُثابُ

همُ النبأُ العظيمُ وفُلْكُ نوحٍ

وبابُ الله وانقطع الخطابُ

__________________

(١) لسبته الحيّة : لدغته. (المؤلف)

(٢) انسابت الحيّة : جرت وتدافعت. (المؤلف)

(٣) انجفل وتجفل القوم : هربوا مسرعين. (المؤلف)

(٤)] دنّ : طأطأ وانحنى]. الحاجر : الأرض المرتفعة ووسطها منخفض. (المؤلف)

٤٢

ما يتبع الشعر

الأصحّ أن هذه القصيدة للناشئ كما صرّح به ابن شهرآشوب في المناقب (١) ، وروى ابن خلّكان (٢) عن أبي بكر الخوارزمي : أنّ الناشئ مضى إلى الكوفة سنة (٣٢٥) وأملى شعره بجامعها ، وكان المتنبّي وهو صبيٌّ يحضر مجلسه بها ، وكتب من إملائه لنفسه من قصيدة :

كأنّ سِنانَ ذابلِهِ ضميرٌ

فليسَ من القلوبِ له ذِهابُ

وصارمه كبيعتِهِ بخمٍ

مقاصدُها من الخلق الرقابُ

وذكرها له الحموي في معجم الأدباء (٣) (٥ / ٢٣٥) ، واليافعي في مرآة الجنان (٢ / ٣٣٥) ، وجزم بذلك في نسمة السحر (٤)) ، وعزى من نسبها إلى عمرو بن العاص إلى أفحش الغلط ، وهؤلاء مهرة الفنِّ وإليهم المرجع في أمثال المقام.

فما تجده في غير واحد من المعاجم وكتب الأدب ككتاب الإكليل (٥) ، وتحفة الأحبّاء من مناقب آل العباء (٦) من نسبتها إلى عمرو بن العاص على وجوه متضاربة ممّا لا مُعوَّل عليه. قال صاحبا الإكليل والتحفة : إنّ معاوية بن أبي سفيان قال يوماً لجلسائه : من قال في عليٍّ فله هذه البَدرة ، فقال عمرو بن العاص هذه الأبيات طمعاً بالبَدرة.

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٣٠١.

(٢) وفيات الأعيان : ٣ / ٣٦٩ رقم ٢٦٦.

(٣) معجم الأدباء : ١٣ / ٢٩٠.

(٤) نسمة السحر : مج ٨ / ج ٢ / ٣٧٥.

(٥) تأليف أبي محمد الحسن بن أحمد الهمدانيّ اليمنيّ. (المؤلف)

(٦) تأليف جمال الدين الشيرازي. (المؤلف)

٤٣

وكذلك لا يصحُّ عزوها إلى ابن الفارض كما في بعض المعاجم ، وكان ابن خلّكان والحموي معاصرَين لابن الفارض ، فما كان يخفى عليهما لو كان الشعر له ، على أنّه كانت تتناقله الرواة قبل وجود ابن الفارض.

والذي أحسبه أنّ لجملة من الشعراء قصائد علويّة على هذا البحر والقافية مبثوثة بين الناس ، وربّما حُرّفت أبيات منها عن مواضعها فأُدرِجت في قصيدة الآخر ، كما أنّك تجد أبياتاً من شعر الناشئ في خلال أبيات السوسي المذكورة في مناقب ابن شهرآشوب ، وكذلك أبياتاً من شعر ابن حمّاد في خلال أبيات العوني ، وأبياتاً من شعر الزاهي في خلال شعر الناشئ ، وأبياتاً من شعر العبدي في خلال شعر ابن حمّاد ، وبذلك اشتبه الحال على الرواة فُعزِي الشعر إلى هذا تارةً وإلى ذلك أخرى.

خمّس جملةً من هذه القصيدة العلاّمة الحجّة الشيخ محمد علي الأعسم النجفي أوّله

بنو المختارِ هم للعلمِ بابُ

لهمْ في كلِّ مُعضلةٍ جوابُ

إذا وقعَ اختلافٌ واضطرابُ

بآلِ محمدٍ عُرف الصوابُ

الشاعر

أبو الحسن (١) عليُّ بن عبد الله بن الوصيف الناشئ الصغير ـ الأصغر ـ البغدادي من باب الطاق ، نزيل مصر ، المعروف بالحلاّء ، كان أبوه يعمل حلية السيوف فسمّي حلاّءً ، ويقال له : الناشئ ؛ لأنّ الناشئ يقال لمن نشأ في فنّ من فنون الشعر ، كما قال السمعاني في الأنساب (٢).

__________________

(١) في فهرست الشيخ [ص ٨٩ رقم ٣٧٣] ورجال ابن داود [ص ١٤٢ رقم ١٠٩٧] : أبو الحسين. (المؤلف)

(٢) الأنساب : ٥ / ٤٤٥.

٤٤

كان أحد من تضلّع في النظر في علم الكلام ، وبرع في الفقه ، ونبغ في الحديث ، وتقدّم في الأدب ، وظهر أمره في نظم القريض ، فهو جماع الفضائل ، وسمط جمان العلوم ، وفي الطليعة من علماء الشيعة ومتكلّميها ، ومحدِّثيها ، وفقهائها ، وشعرائها.

روى عنه الشيخ الإمام محمد بن النعمان المفيد ، وبواسطته يروي عنه شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي كما في فهرسته (ص ٨٩) ، واحتمل في رياض العلماء (١)) رواية الشيخ الصدوق عنه أيضاً ، وقال : لعلّه الذي كان من مشايخ الصدوق.

وفي الوافي بالوفيات (٢) ولسان الميزان (٣) (٤ / ٢٣٨) : أنّ أبا عبد الله الخالع ، وأبا بكر بن زرعة الهمداني ، وعبد الواحد العكبري ، وعبد السلام بن الحسن البصري اللغوي ، وابن فارس اللغوي ، وعبد الله بن أحمد بن محمد بن روزبه الهمداني وغيرهم يروون عنه ، وأنّه يروي عن المبرّد ، وابن المعتزّ وغيرهما.

وذكر ابن خلّكان (٤) : أنّه أخذ العلم عن أبي سهل إسماعيل بن عليِّ بن نوبخت ، وهو من أعاظم متكلّمي الشيعة.

وقال شيخ الطائفة في فهرسته (ص ٨٩) : وكان يتكلّم على مذهب أهل الظاهر في الفقه. وأهل الظاهر هم أصحاب أبي سليمان داود بن عليّ بن خلف الأصبهاني المعروف بالظاهري المتوفّى (٢٧٠) ، قال ابن النديم في الفهرست (٥) (ص ٣٠٣) : هو أوّل من استعمل قول الظاهر وأخذ بالكتاب والسنّة ، وألغى ما سوى ذلك من الرأي والقياس. وقال ابن خلّكان في تاريخه (٦) (١ / ١٩٣) : كان أبو سليمان صاحب مذهب

__________________

(١) رياض العلماء : ٤ / ١٣٧.

(٢) الوافي بالوفيات : ٢١ / ٢٠٣.

(٣) لسان الميزان : ٤ / ٢٧٤ رقم ٥٨٥٠.

(٤) وفيات الأعيان : ٣ / ٣٦٩ رقم ٤٦٦.

(٥) الفهرست : ص ٢٧١.

(٦) وفيات الأعيان : ٢ / ٢٥٥ رقم ٢٢٣.

٤٥

مستقلّ ، وتبعه جمع كثير يُعرَفون بالظاهرية.

وفي رجال النجاشي (١) : أنّ للمترجم كتاباً في الإمامة ، لكن الشيخ الطوسي يذكر له كتباً في الفهرست. وفي تاريخ ابن خلّكان : أنّ له تصانيف كثيرة ، وفي الوافي بالوفيات : أنّ شعره مدوّنٌ ، وأنّ مدائحه في أهل البيت عليهم‌السلام لا يحصى كثرة ، ولذلك عدّه ابن شهرآشوب في معالم العلماء (٢) من مجاهري شعراء أهل البيت عليهم‌السلام.

وفي معجم الأدباء (٣) : قال الخالع : كان الناشئ يعتقد الإمامة ، ويناظر عليها بأجود عبارة ، فاستنفد عمره في مديح أهل البيت حتى عُرف بهم ، وأشعاره فيهم لا تُحصى كثرةً ، ومدح مع ذلك الراضي بالله وله معه أخبارٌ ، وقصد كافوراً الإخشيدي بمصر وامتدحه ، وامتدح ابن حنزابة وكان ينادمه ، وطرِيَ (٤) إلى البريديِّ بالبصرة ، وإلى أبي الفضل بن العميد بأرّجان.

وقال : قال ابن عبد الرحيم : حدّثني الخالع قال : حدّثني الناشئ ، قال : أدخلني ابن رائق على الراضي بالله ـ وكنتُ مدّاحاً لابن رائق ونافقاً عليه ـ فلمّا وصلتُ إلى الراضي قال لي : أنت الناشئ الرافضيّ؟ فقلت : خادم أمير المؤمنين الشيعيّ. فقال : من أيِّ الشيعة؟ فقلت : شيعة بني هاشم. فقال هذا خبث حيلة. فقلت : مع طهارة مولد. فقال : هات ما معك.

فأنشدته فأمر أن يُخلَع عليَّ عشر قطع ثياباً ، وأُعطى أربعة آلاف درهم ، فأُخرِج إليّ ذلك وتسلّمته وعُدت إلى حضرته فقبّلت الأرض وشكرته ، وقلت : أنا ممّن يلبس الطيلسان. فقال : ها هنا طيالس عدنية أعطوه منها طيلساناً وأضيفوا إليها عمامة خزٍّ ، ففعلوا.

__________________

(١) رجال النجاشي : ص ٢٧١ رقم ٧٠٩.

(٢) معالم العلماء : ص ١٤٨.

(٣) معجم الأدباء : ١٣ / ٢٨١ ـ ٢٨٤.

(٤) طرِيَ إليه : أقبل.

٤٦

فقال : أنشدني من شعرك في بني هاشم ، فأنشدته :

بني العبّاس إنّ لكم دماءً

أراقتها أُمية بالذحولِ (١)

فليس بهاشميٍّ من يوالي

أُميةَ واللعينَ أبا زبيلِ

فقال : ما بينك وبين أبي زبيل؟ فقلت : أمير المؤمنين أعلم. فابتسم وقال : انصرف.

ويستفاد من غير واحد من الأخبار أنّ الناشئ على كثرة شعره في أهل البيت عليهم‌السلام حظي منهم بالقبول والتقدير ، وحسبُه ذلك مأثرةً لا يقابلها أيُّ فضيلة ، ومكرمةً خالدةً تكسبه فوز النشأتين.

روى الحموي في معجم الأدباء (٢) قال : حدّثني الخالع ، قال :

كنتُ مع والدي في سنة ستّ وأربعين وثلاثمائة وأنا صبيٌّ في مجلس الكبوذي في المسجد الذي بين الورّاقين والصاغة ، وهو غاصٌّ بالناس ، وإذا رجلٌ قد وافى وعليه مرقعة وفي يده سطيحة وركوة ومعه عكّاز ، وهو شعث ، فسلّم على الجماعة بصوت يرفعه ، ثمّ قال :

أنا رسول فاطمة الزهراء عليها‌السلام فقالوا : مرحباً بك وأهلاً ورفعوه. فقال : أتعرِّفون لي أحمد المزوِّق النائح؟ فقالوا : ها هو جالسٌ.

فقال : رأيت مولاتنا عليها‌السلام في النوم فقالت لي : امض إلى بغداد واطلبه وقل له : نُح على ابني بشعر الناشئ الذي يقول فيه :

بني أحمدٍ قلبي بكمْ يتقطّعُ

بمثلِ مصابي فيكمُ ليس يُسمعُ

__________________

(١) الذحل : الثأر ، العداوة ، الحقد جمعها ذحول. (المؤلف)

(٢) معجم الأدباء : ١٣ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

٤٧

وكان الناشئ حاضراً ، فلطم لطماً عظيماً على وجهه وتبعه المزوِّق والناس كلّهم ، وكان أشدّ الناس في ذلك الناشئ ثمّ المزوِّق ، ثمّ ناحوا بهذه القصيدة في ذلك اليوم إلى أن صلّى الناس الظهر ، وتقوّض المجلس ، وجهدوا بالرجل أن يقبل شيئاً منهم ، فقال : والله لو أُعطيت الدنيا ما أخذتها ، فإنّني لا أرى أن أكون رسول مولاتي عليها‌السلام ثم آخذ عن ذلك عوضاً. وانصرف ولم يقبل شيئاً.

قال : ومن هذه القصيدة وهي بضعة عشر بيتاً :

عجبتُ لكم تفنون قتلاً بسيفِكم

ويسطو عليكم من لكم كان يخضعُ

كأنّ رسولَ الله أوصى بقتلِكمْ

وأجسامُكم في كلِّ أرض تُوزَّعُ

قال الأميني : أوّل هذه القصيدة :

بني أحمدٍ قلبي لكم يتقطّعُ

بمثل مصابي فيكمُ ليس يُسمعُ

فما بقعةٌ في الأرض شرقاً ومغرباً

وليس لكم فيها قتيلٌ ومصرعُ

ظُلمتم وقُتِّلتمْ وقُسِّم فيئكم

وضاقت بكم أرضٌ فلم يَحمِ موضعُ

جسومٌ على البوغاء تُرمى وأرؤسٌ

على أرؤس اللُّدْن الذوابل تُرفعُ (١)

تُوارَوْن لم تَأْوِ فراشاً جنوبُكمْ

ويُسلمني طيبُ الهجوعِ فأهجعُ

وقال الحموي (٢) : حدّثني الخالع قال : اجتزت بالناشئ يوماً ، وهو جالسٌ في السرّاجين ، فقال لي : قد عملت قصيدةً وقد طُلبت وأُريد أن تكتبها بخطِّك حتى أُخرجها ، فقلت : أمضي في حاجة وأعود ، وقصدت المكان الذي أردته وجلست فيه ، فحملتني عيني فرأيت في منامي أبا القاسم عبد العزيز الشطرنجي النائح ، فقال لي : أُحبُّ أن تقوم فتكتب قصيدة الناشئ البائية فإنّا قد نُحنا بها البارحة بالمشهد ،

__________________

(١) البوغاء : التراب الناعم ، واللُّدْن الذوابل : هي الرماح.

(٢) معجم الأدباء : ١٣ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤.

٤٨

وكان هذا الرجل قد توفّي وهو عائدٌ من الزيارة ، فقمت ورجعت إليه وقلت : هات البائيّة حتى أكتبها ، فقال : من أين علمت أنّها بائية؟ وما ذكرت بها أحداً ، فحدّثته بالمنام فبكى ، وقال : لا شكّ أن الوقت قد دنا ، فكتبتها فكان أوّلها :

رجائي بعيدٌ والممات قريبُ

ويُخطئ ظنّي والمنونُ تُصيبُ

قال الأميني : ومن البائيّة في المديح قوله :

أُناسٌ علوا أعلى المعالي من العلى

فليس لهم في الفاضلين ضريبُ

إذا انتسبوا جازوا التناهي لمجدِهمْ

فما لهمُ في العالمين نسيبُ

همُ البحرُ أضحى درّه وعُبابه

فليس له من منتفيه رسوبُ

تسير به فُلكُ النجاةِ وماؤها

لشُرّابه عذبُ المذاق شروبُ

هوالبحر يُغني من غدا في جواره

وساحلُه سهلُ المجالِ رحيبُ

همُ سببٌ بين العباد وربِّهمْ

محبُّهمُ في الحشر ليس يخيبُ

حَوَوا علم ما قد كان أو هو كائنٌ

وكلُّ رشادٍ يحتويه طلوبُ

وقد حفظوا كلَّ العلومِ بأسرِها

وكلُّ بديعٍ يحتويه غيوبُ

همُ حسناتُ العالمينَ بفضلِهمْ

وهم للأعادي في المعادِ ذنوبُ

وجمع العلاّمة السماوي شعر الناشئ في أهل البيت عليهم‌السلام [وهو] يربو على ثلاثمائة بيت.

ولادته ووفاته :

حكى الحموي في معجم الأدباء (١) نقلاً عن الخالع أنّه قال : مولده على ما أخبرني به سنة (٢٧١) ، ومات يوم الإثنين لخمس خلون من صفر سنة (٣٦٥)

__________________

(١) معجم الأدباء : ١٣ / ٢٨٢.

٤٩

وكنت حينئذٍ بالرّي ، فورد كتاب ابن بقية (١) إلى ابن العميد يخبره. وقيل : إنّه تبع جنازته ماشياً وأهل الدولة كلّهم ، ودُفن في مقابر قريش ، وقبره هناك معروفٌ.

وهو ممّن نُبش قبره في واقعة سنة (٤٤٣) وأحرقت تربته (٢). وقال ابن شهرآشوب في المعالم (٣) (ص ١٣٦) : حرّقوه بالنار. وظاهره أنّه استشهد حرقاً والله أعلم.

وهناك أقوال أُخَر لا تقارف الصحّة ؛ فقد أرّخ وفاته اليافعي في مرآة الجنان (٢ / ٢٣٥) بسنة (٣٤٢) ، وابن خلّكان (٤) بسنة (٣٦٠) ، وابن الأثير في الكامل (٥) بسنة (٣٦٦) ، وهو محكيُّ ابن حجر في لسان الميزان (٦) ، عن ابن النجار ، وبها أرّخ علاء الدين البهائي في مطالع البدور (١ / ٢٥) وذكر له :

ليس الحجابُ بآلة الأشرافِ

إنّ الحجابَ مجانبُ الإنصافِ

ولقلَّ ما يأتي فيُحْجَبُ مرّةً

فيعود ثانيةً بقلبٍ صافِ

وذكر له الثعالبي في ثمار القلوب (٧) (ص ١٣٦) في نسبة السواد إلى وجه الناصبي قوله :

__________________

(١) أبو طاهر محمد بن بقية ، كان وزير عزّ الدولة ، ولما ملك عضد الدولة بغداد ودخلها طلب ابن بقية وألقاه تحت أرجل الفِيَلة ، فلما قُتل صلبه بحضرة بيمارستان العضدي ببغداد سنة (٣٦٧). ابن خلّكان : ٢ / ١٧٥ [٥ / ١١٨ رقم ٦٩٩]. (المؤلف)

(٢) سيوافيك في هذا الجزء في ترجمة المؤيد [ص ٢ / ٤] ما وقع في تلك الواقعة الهائلة من الطامّات والفظائع. (المؤلف)

(٣) معالم العلماء : ص ١٤٨.

(٤) وفيات الأعيان : ٣ / ٣٧١ رقم ٤٦٦.

(٥) الكامل في التاريخ : ٥ / ٤٢٦ حوادث سنة ٣٦٦ ه‍.

(٦) لسان الميزان : ٤ / ٢٧٥ رقم ٥٨٥٠.

(٧) ثمار القلوب : ص ١٧٣ رقم ٢٤٩.

٥٠

يا خليلي وصاحبي

من لُؤيِّ بن غالبِ

حاكمُ الحبِّ جائرٌ

موجبٌ غيرُ واجبِ

لك صدغٌ كأنّما

لونه وجهُ ناصبي

يلدغُ الناسَ إذ تعق

ـرب لدغ العقاربِ

لفت نظر :

توجد في تنقيح المقال (٢ / ٣١٣) ترجمة الناشئ ، وفيها : والظاهر أنّه هو عليُّ ابن عبد الله بن وصيف بن عبد الله الهاشمي الذي رُوي في العيون عنه ، عن الكاظم عليه‌السلام النصّ على الرضا. انتهى.

وهذا أعجب ما رأيت في طيِّ هذا الكتاب القيِّم من العثرات.

مصادر ترجمة الناشئ

فهرست الشيخ

 معالم العلماء

 رجال ابن داود

رجال النجاشي

 يتيمة الدهر

 أنساب السمعاني

وفيات الأعيان

 معجم الأدباء

 ميزان الاعتدال

الوافي بالوفيات

 خلاصة الأقوال

 نقد الرجال

الكامل لابن الأثير

 مجالس المؤمنين

لسان الميزان

شذرات الذهب

 مطالع البدور

 جامع الرواة

تلخيص الأقوال

 منتهى المقال

 نسمة السحر

أمل الآمل

 خاتمة الوسائل

 رياض العلماء

ملخَّص المقال

 الحصون المنيعة

 الشيعة وفنون الإسلام

تلخيص المقال

 تأسيس الشيعة

 روضات الجنّات

تنقيح المقال

 هدية الأحباب

 وفيات الأعلام

الطليعة

 بغية الطالب

 شهداء الفضيلة

٥١
٥٢

ـ ٢٤ ـ

البشنوي الكردي

توفّي بعد (٣٨٠)

وقد شهدوا عيدَ الغديرِ وأسمعوا

مقالَ رسولِ اللهِ من غير كتمانِ

ألستُ بكم أولى من الناسِ كلّهم

فقالوا : بلى يا أفضل الإنس والجانِ

فقام خطيباً بين أعوادِ منبرٍ

ونادى بأعلى الصوتِ جهراً بإعلانِ

بحيدرةٍ والقومُ خرسٌ أذلّةٌ

قلوبُهمُ ما بين خلفٍ وعينانِ (١)

فلبّى مُجيباً ثمّ أسرع مقبلاً

بوجهٍ كمثل البدرِ في غُصُنِ البانِ

فلاقاه بالترحيب ثمّ ارتقى به

إليه وصار الطهر للمصطفى ثاني

وشال بِعَضْديه وقال وقد صغى

إلى القولِ أقصى القوم تالله والداني

عليٌّ أخي لا فرقَ بيني وبينه

كهارونَ من موسى الكليمِ ابنِ عمرانِ

ووارثُ علمي والخليفةُ في غدٍ

على أمّتي بعدي إذا زُرت (٢) جثماني

فيا ربِّ من والى عليّا فوالِهِ

وعادِ الذي عاداه واغضب على الشاني(٣)

__________________

(١) كذا ورد في المصدر.

(٢) كذا في المصدر ، وفي أعيان الشيعة ٦ / ١١ : رَثَّ.

(٣) في الطبعة المعتمدة لدينا من مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٤٤ ورد هذا الشطر هكذا : وعاد معاوية ولا تنصر الشاني

٥٣

وله قوله من قصيدة :

أأترك مشهورَ الحديثِ وصدقَهُ

غداةَ بخمٍّ قامَ أحمدُ خاطبا

ألستُ لكم مولىً ومثلي وليُّكمْ

عليٌّ فوالوه وقد قلتُ واجبا

وله قوله :

يومُ الغدير لذي الولايةِ عيدُ

ولدى النواصبِ فضلُه مجحودُ

يومٌ يُوسَّمُ في السماءِ بأنّهُ

ألعهدُ فيه وذلك المعهودُ

والأرضُ بالميراثِ أضحتْ وسمه

لو طاع موطودٌ (١) وكفَّ حسودُ

الشاعر

أبو عبد الله الحسين بن داود الكردي البشنوي ، من الشعراء المجاهرين في مدائح العترة الطاهرة عليهم‌السلام ، كما عدّه ابن شهرآشوب منهم في معالم العلماء (٢) ، ويشهد لذلك شعره الكثير فيهم المبثوث في كتاب المناقب للسروي ، فهو في الرعيل الأوّل من حاملي ألوية البلاغة ، وأحد شعراء الإماميّة الناهضين بنشر الأدب ، وينمُّ عن مذهبه قوله

أليّةَ ربّي بالهدى متمسِّكاً

بإثني عشر بعد النبيِّ مَراقِبا

أبقي على البيت المطهَّر أهله

بيوت قريش للديانة طالبا (٣)

وقوله :

يا مُصرف النصِّ جهلاً عن أبي حسنٍ

بابُ المدينةِ عن ذي الجهلِ مقفولُ

__________________

(١) كذا في مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٥٤ ، والصحيح ظاهراً : موتور ، كما في أعيان الشيعة : ٦ / ١١.

(٢) معالم العلماء : ص ١٤٩.

(٣) مناقب آل أبي طالب : ١ / ٣٨٠ ، وفي أعيان الشيعة : ٦ / ١١ ورد هكذا : (

أأبغي عن البيت المطهر أهله

بيوت قريش للدنانير طالبا

٥٤

مدينةُ العلمِ ما عن بابها عوضٌ

لطالبِ العلمِ إذ ذو العلمِ مسؤولُ

مولى الأنامِ عليٌّ والوليُ (١) معاً

كما تفوّه عن ذي العرش جبريلُ

وقوله :

قد خان من قدّمَ المفضولَ خالقَهُ

وللإلهِ فبالمفضولِ لم أَخُنِ

وسيوافيك من شعره ما يظهر منه تضلّعه في التشيّع ، وتمحّضه في الولاء ، وانقطاعه إلى سادات الأئمّة صلوات الله عليهم ، فهو من شعرائهم ، وما كان يقال من أنّه شاعر بني مروان كما في كامل ابن الأثير (٢) (٩ / ٢٤) ، فالمراد بهم ملوك ديار بكر من أولاد أخت باذ الكردي ، أوّلهم أبو عليّ بن مروان ، استولى على ما كان يحكم عليه خاله من ديار بكر ، وبعد قتله ملك أخوه ممهِّد الدولة ، وبعد قتله قام أخوه أبو نصر وبقي ملكه من سنة (٤٢٠) إلى سنة (٤٥٣) ، وخلفه ولدان : نصر وسعيد ؛ أمّا نصر فملك ميافارقين وتوفّي سنة (٤٥٣) ، وملك بعده ابنه منصور ، أمّا سعيد فاستولى على آمد (٣)

وكان البشنوي المترجَم له يستحثُّ الأكراد البشنويّة (٤) ـ أصحاب قلعة فَنَك ـ لمؤازرة باذ الكردي ـ خال بني مروان ـ المذكورين في وقعة سنة (٣٨٠) التي وقعت بينه وبين أبي طاهر والحسين ـ ابني حمدان ـ لمّا ملكا بلاد الموصل سنة (٣٧٩) ، وله في ذلك قوله من قصيدة :

البشنويّةُ أنصارٌ لدولتِكمْ

وليس في ذا خفاً في العُجْمِ والعَرَبِ

__________________

(١) كذا في المناقب ، وفي أعيان الشيعة : ٦ / ١١ وردت : والوصي.

(٢) كذا في الكامل في التاريخ : ٥ / ٤٨٣ حوادث سنة ٣٨٠ ه‍.

(٣) راجع تاريخ أبي الفداء : ٢ / ١٣٣ ، ١٨٩ ، ٢٠٤ [٢ / ١٢٦ ، ١٨٠ ، ١٩٦]. (المؤلف)

(٤) كامل ابن الأثير : ٩ / ٢٤ [٥ / ٤٨٣ حوادث سنة ٣٨٠ ه‍]. (المؤلف)

٥٥

فانتماء المترجَم إلى بني مروان هؤلاء بعلاقة خالهم باذ المتّحد معه في العنصر الكردي ؛ فعلى ما ذكرنا لا يكون لقول من قال (١) : إنّ البشنوي توفّي سنة (٣٧٠) مقيلٌ من الحقيقة ؛ فإنّ التاريخ يشهد بحياته بعدها بعشر سنين.

ذكر صاحب معالم العلماء (٢) : للمترجَم كتاب الدلائل والرسائل البشنويّة ، وقال ابن الأثير في اللباب (١ / ١٢٧) : وله ديوان مشهور.

كانت في العراق في شرقي دجلة طوائف كثيرة من الأكراد ينتمون إلى حصون وقلاع وبلاد كانت لهم في نواحي الموصل والإربل ، ومنهم :

البشنويّة :

ومنها شاعرنا المترجَم ، كانت تسكن هذه الطائفة فوق الموصل قرب جزيرة ابن عمر (٣) ، وبينهما نحو من فرسخين ، وما كان يقدر صاحب الجزيرة ولا غيره ـ مع مخالطتهم للبلاد ـ عليها. قال ياقوت الحموي في معجم البلدان (٤) : وهي بيد هؤلاء الأكراد منذ سنين كثيرة نحو الثلاثمائة سنة ، وفيهم مروّة وعصبيّة ، ويحمون من يلتجئ إليهم ويحسنون إليه. انتهى.

ولهذه الطائفة هناك قلاع منها قلعة برقة ، وقلعة بشير ، وقلعة فنك ، ومن أمرائها صاحب قلعة فنك الأمير أبو طاهر ، والأمير إبراهيم ، والأمير حسام الدين من أمراء القرن السادس. ومنهم :

__________________

(١) ذكره صاحب أعيان الشيعة : ١ / ٣٨٧ [٦ / ١١]. (المؤلف)

(٢) معالم العلماء : ص ٤٢ رقم ٢٦٨.

(٣) جزيرة ابن عمر : بلدة فوق الموصل بينهما ثلاثة أيام ، ولها رستاق مخصب واسع الخيرات ، وأحسب أنّ أوّل من عمرها الحسن بن عمر بن الخطّاب التغلبي ، وهذه الجزيرة تحيط بها دجلة إلا من ناحية واحدة شبه الهلال ، ثمّ عُمل هناك خندق أُجري فيه الماء فأحاط بها الماء من جميع جوانبها ، ويقال في النسبة إليها : جزري. معجم البلدان [٢ / ١٣٨]. (المؤلف)

(٤) معجم البلدان ٤ / ٢٧٨.

٥٦

الزوزانيّة :

تُنسَب هذه الطائفة إلى الزوزان (١) ـ بفتح أوّله وثانيه ـ ناحية واسعة من شرقي دجلة من جزيرة ابن عمر ، وأوّل حدودها من نحو يومين من الموصل إلى أول حدود خلاط ، وينتهي حدُّها إلى آذربايجان إلى عمل سلماس ، وفيها قلاع كثيرة حصينة للأكراد البشنويّة ، والزوزانيّة ، والبختيّة. ومنهم :

البختيّة :

لهم عدّة قلاع في الزوزان منها قلعة جُرذقيل ، وهي أجلُّ قلعةٍ لهم وكرسيُّ ملكهم ، وقلعة آتيل ، وعلّوس ، وألقي ، وأروخ ، وباخوخة ، وبرخو ، وكنكور ، ونيروه ، وخوشب ، ومن زعمائهم الأمير موسك بن المجلي.

الهَكّاريّة :

بالفتح وتشديد الكاف ، ينتمون إلى الهَكّاريّة (٢)) ، قرى فوق الموصل من جزيرة ابن عمر ، ومن أمرائهم بحلب عزّ الدين عمر بن عليّ ، وعماد الدين أحمد بن عليّ المعروف بابن المشطوب ، وكان أكبر أمير في مصر ، ومن علمائهم شيخ الإسلام أبو الحسن عليّ بن أحمد الهَكّاري المتوفّى سنة (٤٨٦) ، والمترجَم في تاريخ ابن خلكان (٣) (١ / ٣٧٧).

الجلاّنيّة :

بالفتح وتشديد اللام وكسر النون والياء المشدّدة ، تنسب هذه الطائفة إلى

__________________

(١) معجم البلدان : ٣ / ١٥٨.

(٢) معجم البلدان : ٥ / ٤٠٨.

(٣) وفيات الأعيان : ٣ / ٣٤٥ رقم ٤٥٨.

٥٧

الجلاّنيّة (١) ، وهي قلعةٌ من قلاع الهَكّارية المذكورة.

الزواديّة (٢) :

وهم أشراف الأكراد ، ومنهم أسد الدين شيركوه المتوفّى سنة (٥٦٤) وأخوه نجم الدين أيّوب.

الشوانكاريّة :

وهم الذين التجأ إليهم في سنة (٥٦٤) شملة ملك فارس صاحب خوزستان المتوفّى سنة (٥٧٠).

الحميديّة :

كانت لهم قلاع حصينة تجاور الموصل.

الهذبانيّة :

لهم قلعة إربل وأعمالها.

الحكميّة :

ومن أمرائهم الأمير أبو الهيجاء الإربلي.

ومنهم : الأكراد المارانيّة ، واليعقوبيّة ، والجوزقانيّة ، والسورانيّة ، والكورانيّة ، والعماديّة ، والمحموديّة ، والجوبيّة ، والمهرانيّة ، والجاوانيّة ، والرضائيّة ، والسروجيّة ، والهارونيّة ، واللّريّة ، إلى غير ذلك من القبائل التي لا تُحصى كثرةً.

__________________

(١) معجم البلدان : ٢ / ١٤٩.

(٢) كذا في الكامل [٧ / ٢٠٠ حوادث سنة ٥٦٤ ه‍] وفي غيره : الروادية. (المؤلف)

٥٨

نبذة من شعره :

ومن شعر شاعرنا البشنوي في المذهب ، قوله :

خير الوصيِّين من خير البيوت ومن

خيرِ القبائلِ معصومٌ من الزللِ

إذا نظرتَ إلى وجه الوصيِّ فقد

عبدتَ ربّك في قولٍ وفي عملِ

أشار بالبيت الأخير إلى ما رواه محبّ الدين الطبري في رياضه (١) (٢ / ٢١٩) عن أبي بكر ، وعبد الله بن مسعود ، وعمرو بن العاص ، وعمران بن الحصين ، وعن غيرهم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «النظر إلى وجه عليٍّ عبادة».

ورواه الكنجي في كفاية الطالب (٢) (ص ٦٤ و ٦٥) عن ابن مسعود بطريقين ،

وقال : الحديث الأوّل أحسن إسناداً من الثاني ، والحديث الثاني روته الحفّاظ كأبي نعيم في حليته (٣) ، والطبراني في معجمه (٤) ، وهو حسن عالٍ جليل غريب من هذا الوجه ، والحديث الأوّل عالٍ حسن السياق.

ورواه بطريق آخر عن معاذ بن جبل (٥)) (ص ٦٦) فقال : وأخرجه الحافظ الدمشقي في تاريخه (٦) عن غير واحد من الصحابة ، منهم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وجابر ، وثوبان ، وعائشة ، وعمران بن الحصين ، وأبو ذرّ ، وفي حديث أبي ذرّ : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) الرياض النضرة : ٣ / ١٧٢.

(٢) كفاية الطالب : ص ١٥٦ ـ ١٥٨ باب ٣٤.

(٣) حلية الأولياء : ٥ / ٥٨ رقم ٢٩٥.

(٤) المعجم الكبير : ١٠ / ٧٦ ح ١٠٠٠٦.

(٥) كفاية الطالب : ص ١٦١ باب ٣٤.

(٦) ترجمة الإمام عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام من تاريخ ابن عساكر ـ الطبعة المحقّقة ـ : رقم ٨٩٤ ـ ٩١١ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١٨ / ٧ ـ ٨.

٥٩

«مثل عليٍّ فيكم ـ أو قال : في هذه الأمّة ـ كمثل الكعبة المستورة ، النظر إليها عبادةٌ ، والحجُّ إليها فريضةٌ». ورواه (١) في (ص ١٢٤) بطريق آخر عن علىٍّ عليه‌السلام.

وله قوله :

ولستُ أُبالي بأيِّ البلاد

قضى الله نحبي إذا ما قضاهُ

ولا أين خُطَّ إذاً مضجعي

ولا مَن جفاه ولا مَن قلاهُ

إذا كنتُ أشهدُ أن لا إلهَ

سوى اللهِ والحقُّ فيما قضاهُ

وأنّ محمداً المصطفى

نبيٌ وأنّ عليّا أخاهُ

وفاطمة الطهر بنت الرسولِ

رسولٌ هدانا إلى ما هداهُ

وإبناهما فهما سادتي

فطوبى لعبدٍ هما سيّداهُ

وله قوله :

يا ناصبي بكلِّ جهدِك فاجهدِ

إنّي علِقتُ بحبِّ آلِ محمدِ

الطيِّبين الطاهرين ذوي الهدى

طابوا وطابَ وليُّهمْ في المولدِ

واليتُهمْ وبرِئتُ من أعدائِهمْ

فاقللْ ملامَك لا أبا لك أو زِدِ

فهمُ أمانٌ كالنجومِ وإنّهمْ

سُفنُ النجاةِ من الحديثِ المسندِ

وله قوله :

فقالَ كبيرُهم ما الرأيُ فيما

ترون يردّ ذا الأمرَ الجليِ

سمعتمْ قولَهُ قولاً بليغاً

وأوصى بالخلافة في عليِ

فقالوا حيلةٌ نُصبت علينا

ورأيٌ ليس بالعقدِ الوفيِ

ندبّر غير هذا في أمورٍ

ننال بها من العيش السنيِ

سنجعلها إذا ما مات شورى

لتيميٍّ هنالك أو عديِ

__________________

(١) كفاية الطالب : ص ٢٥٢ باب ٦٢.

٦٠