الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨

بعض أبناء رؤساء عصره ، وقد أنفذ إليه كتاباً فلم يجبه عنه :

ها قد كتبتُ فما رددتَ جوابي

ورجّعتَ مختوماً عليَّ كتابي

وأتى رسولاً مستكيناً يشتكي

ذُلَّ الحجابِ ونخوةَ البوّابِ

وكأنّني بكَ قد كتبتَ معذِّراً

وظلمتني بملامةٍ وعتابِ

فارجع إلى الإنصاف واعلم أنَّه

أولى بذي الآدابِ والأحسابِ

يا رحمةَ اللهِ التي قد أصبحتْ

دون الأنامِ عليَّ سوطَ عذابِ

بأبي وأمّي أنت من مستجمعٍ

تِيهَ القيانِ ورقّةَ الكتّابِ

وقوله الآخر في هجاء جماعة من الرؤساء :

عدمتُ رئاسةَ قومٍ شَقُوا

شباباً ونالوا الغنى حين شابوا

حديثٌ بنعمتهم عهدُهمْ

فليس لهم في المعالي نصابُ

يَرَوْن التكبّرَ مُستصوَباً

من الرأي والكبرُ لا يُستصابُ

وإن كاتبوا صارفوا في الدعاء

كأنّ دعاءَهم مستجابُ

ومن لطيف شعره في الهجاء قوله :

إنّ مظلومةَ التي

زُوّجتْ من أبي عمرْ

وَلَدَتْ ليلةَ الزفا

ف إلى بعلِها ذَكَرْ

قلت من أين ذا الغلا

مُ وما مسّها بشرْ

قال لي بعلُها ألمْ

يأتِ في مسندِ الخبرْ

ولد المرءِ للفرا

شِ وللعاهر الحجَرْ

قلت هُنِّيتَهُ على

رغم من أنكر الخبرْ

كشاجم والرئاسة :

وبما كان المترجَم ـ كما سمعت ـ مطبوعاً بسلامة النفس ، وقداسة النَفَس ،

٢١

وطيب السريرة ، متحلّياً بمكارم الأخلاق ، خالياً من المكيدة والمراوغة والدسيسة ، مزايلاً للبذاء والإيذاء والاعتساف ، كان رافعاً نفسه عن الرتبة وإشغال المنصّة في أبواب الملوك والولاة ، وما كان له مطمعٌ في شأن من الوزراء والولاية والكتابة والعمالة عند الأمراء والخلفاء ، وما اتّخذ فضائله الجمّة لها شرَكاً ، ولنيل الآمال وسيلةً ، وكان يرى التقمّص بالرئاسة من مرديات النفس ويقول :

رأيت الرئاسةَ مقرونةً

بلبسِ التكبّرِ والنخوهْ

إذا ما تقمّصها لابسٌ

ترفّع في الجهر والخلوهْ

ويقعدُ عن حقّ إخوانِهِ

ويطمع أن يُهْرَعوا نَحْوهْ

ويُنقِصهمْ من جميلِ الدعاءِ

ويأملُ عندهم حظوهْ

فذلكَ إنْ أنا كاتبتُه

فلا يسمعُ اللهُ لي دعوهْ

ولستُ بآتٍ له منزلاً

ولو أنَّه يسكن المَروهْ

وكان بالطبع ـ والحال هذه ـ ينهى أولياءه عن قبول الوظائف السلطانية ، والتولّي لشيءٍ من المناصب عند الحكّام ، ويحذِّرهم عن التصدّي لوظيفةٍمن شئون الملك والمملكة ، ويمثِّل بين يديهم شنعة الائتمار ، وينبِّههم بما يقتضيه الترؤس من الظلم والوقيعة في النفوس ، ونصب العداء لمخالفيه ، وما يوجب من دحض الحقِّ ، وإضاعة الحقوق ، ورفض مكارم الأخلاق. وحسبك ما كتبه إلى صديق له وكان قد تقلّد البريد من قوله :

صرتَ لي عاملَ البريدِ مقيتا

وقديماً إليَّ كنتَ حبيبا

كنت تستثقل الرقيبَ فقد صر

تَ علينا بما وَلِيتَ رقيبا

كرهَتْكَ النفوسُ وانحرفتْ عن

ـك‍قلوبٌ وكنت تسبي القلوبا

أفلا يُعجَبُ الأنامُ بشخصٍ

صار ذئباً وكان ظبياً ربيبا

حِكَمه ودرر كَلِمِه :

فيا له في شعره من شواهد صادقة تمثِّله بهذا الجانب العظيم ، وتعرب عن قَدم

٢٢

صدقه في حثِّ أمّته إلى المولى سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة ، وبثِّ الدعوة إليه بدُرَر الكلم وغُرَر الحِكَم ، وإصلاح أمّته ببيان الحقيقة ، وتشريح دعوة النفس الأمّارة بالسوء ، ومن حكميّاته قوله :

ليس خلقٌ إلاَّ وفيه إذا ما

وقع الفحصُ عنه خيرٌ وشرُّ

لازمٌ ذاك في الجبلّة لا يد

فعُهُ من له بذلك خُبْرُ

حكمةُ الصانعِ المدبِّرِ أن لا

شيءَ إلاَّ وفيه نفعٌ وضُرُّ

فاجتهد أن يكون أكبرُ قسمي

ـكَ من النفعِ والأقلَّ الأضرُّ

وتحمّل مرارةَ الرأيِ واعلمْ

أنّ عُقبى هواكَ منه أَمَرُّ

رُض بفعلِ التدبيرِ نفسَك واقصر

ها عليه ففيهِ فضلٌ وفخرُ

لا تُطعها على الذي تبتغيهِ

ولْيَرُعْها منك اعتسافٌ وقهرُ

إنّ من شأنها مجانبةَ الخي

ـرِ وإتيانَ كلِّ ما قد يغرُّ

وقوله :

عجبي ممّن تعالتْ حالُهُ

وكفاه اللهُ زلاّتِ الطلبْ

كيف لا يقسمُ شَطْرَيْ عمرهِ

بين حالينِ نعيمٍ وأدبْ

فإذا ما نال دهراً حظَّهُ

فحديثٌ ونشيدٌ وكتُبْ

مرّة جِدّا وأخرى راحةً

فإذا ما غسقَ الليلُ انتصبْ

يقتضي الدنيا نهاراً حقَّها

وقضى لله ليلاً ما يجبْ

تلك أقسامٌ متى يَعملْ بها

عاملٌ يَسْعَدْ ويرشُدْ ويُصِبْ

ومن كلمه الذهبيّة في تحليل معنى الرضا عن النفس ، وما يوجب ذلك من سخطها وجموحها ورفض الآداب قوله :

لم أرضَ عن نفسي مخافةَ سَخْطِها

ورضا الفتى عن نفسِهِ إغضابُها

٢٣

لو أنَّني عنها رَضِيتُ لَقَصّرَتْ

عمّا تُريدُ بمثلِها آدابُها

وببيننا آثارُ ذاك وأكثرتْ

عَذلي عليه وطالَ فيه عتابُها

ومن حِكَمه قوله :

بالحرص في الرزقِ يَذِلُّ الفتى

والصبرُ فيه الشرفُ الشامخُ

ومستزيدٌ في طِلابِ الغنى

يجمعُ لحماً ما لهُ طابخُ

يُضيع ما نال بما يرتجي

والنارُ قد يُطفِئها النافخُ

وقوله :

حُلَلُ الشبيبةِ مستعارهْ

فدع الصبا واهجرْ ديارهْ

لا يُشْغِلَنْكَ عن العُلى

خَوْدٌ (١) تُمنِّيك الزيارهْ

خَوْدٌ تطيّبُ طيبَها

ويزينُ ساعدَها سوارهْ

يحلو أوائلُ حبِّها

ويشوبُ آخرَه مرارهْ

ما عذرُ مثلِكَ خالعاً

في سُكْرِ لذّتِهِ عِذارهْ

من بعد ما شدّ الأشدّ على تلابيبهِ إزاره

من سادَ في عصر الشبا

ب غدت لسؤددِهِ غفارهْ

ما الفخر أن يغدو الفتى

متشبِّعاً ضخمَ الحرارهْ

كَلِفاً بشُربِ الراح مش

ـغوفاً بغزلانِ الستارهْ

مهجورةً عرصاتُه

لا تقربُ الأضيافُ دارهْ

الفخر أن يُشجي الفتى

أعداءه ويُعزُّ جارهْ

ويَذبُّ عن أعراضه

ويشبُّ للطرّاق نارهْ

ويروح إمّا للإما

رة سعيُهُ أو للوزارهْ

__________________

(١) الخَوْد : الشابّة الجميلة.

٢٤

فردُ الكتابةِ والخطا

بةِ والبلاغةِ والعبارهْ

متيقّظ العَزَماتِ يج

ـتنبُ الكرى إلاّ غرارهْ

فكأنّه من حدّةٍ

ونفاذِ تدبيرٍ شرارهْ

حتى يُخافَ ويُرتجى

ويُرى له نَشَبٌ وشارَهْ

في موكبٍ لَجِبٍ كأنّ

الليلَ ألبسَه خِمارهْ

تزهي به عصبٌ تنفّ

ـضُ عن مناكبِهِ غُبارهْ

ويُطيل أبناء الرغا

ئبِ في مشاكله انتظارهْ

فادأبْ لمجدٍ حادثٍ

أو سالفٍ يُعلي منارهْ

واعمر لنفسك في العلى

حالاً وكن حَسَنَ العمارهْ

واقمر لها سوقاً يُنفِّ

ـقها وتاجرُها تجارهْ

لا تَغدُ كَلّ واجتنب

أمراً يخاف الحرُّ عارهْ

وإذا عدمتَ عن المآ

كلِ خيرَها فَكُلِ الحِجارهْ

رحلة كشاجم :

غادر المترجم بيئة نشأته ـ الرملة ـ إلى الأقطار الشرقية ، وساح في البلاد ، ورحل رحلة بعد أخرى إلى مصر وحلب والشام والعراق ، وكان كما قال في قصيدته التي يمدح بها ابن مقلة بالعراق :

هذا على أنَّني لا أستفيقُ ولا

أُفيقُ من رِحلةٍ في إثرِها رِحلَه

وما على البدرِ نقصٌ في إضاءتِهِ

أن ليس ينفكُّ من سيرٍ ومن نَقْلَه

وقال وهو في مصر :

قد كان شوقي إلى مصرٍ يُؤرِّقني

فاليومَ عُدْتُ وعادتْ مصرُ لي دارا

٢٥

أغدو إلى الجيزةِ الفيحاءِ مُصطحباً

طوراً وطوراً أرجِّي السيَر أطوارا (١)

بينا أُسامي رئيساً في رئاسته

إذْ رحتُ أُحسَبُ في الحاناتِ خمّارا

فللدواوين إصباحي ومُنصرفي

إلى بيوتِ دُمىً يَعْلَمْن أوتارا

أمّا الشبابُ فقد صاحبتُ شِرّتَهُ

وقد قضيت لُباناتٍ وأوطارا

من شادنٍ من بني الأقباطِ يعقِدُ ما

بين الكَثِيبِ وبين الخِصْرِ زُنّارا

وكأنّه في بعض آناته يرى نفسه بين مصر والعراق ، ويتذكّر أدواره فيهما ، وما ناله في سفره إليهما من سرّاء أو ضرّاء ، أو شدّة أو رخاء ، وما حظي من الأهلين من النعمة والنقمة ، والإكبار والاستحقار ، فيمدح هذا ويذمُّ ذلك فيقول :

يا هذه قلتِ فاسمعي لفتىً

في حالِهِ عبرةٌ لمعتبره

أمرتِ بالصبرِ والسلوِّ ولوْ

عَشِقْتِ أُلْفِيتِ غيرَ مصطبره

مَنْ مبلغٌ إخوتي وإن بَعُدوا

أنَّ حياتي لبعدهم كَدِره

قد هِمْتُ شوقاً إلى وجوهِهمُ

تلك الوجوه البهيّة النضره

أبناءُ مَلْكٍ عُلاهمُ بهمُ

على العلى والفخار مفتخره

ترمي بهمْ نعمةٌ تُزيِّنها

مروءةٌ لم تكن تُرى نَزِره

ما انفكّ ذا الخلقُ بين منتصرٍ

على الأعادي بهم ومنتصره

جبالُ حِلمٍ بُدورُ أنديةٍ

أُسدُ وغىً في الهياج مُبتدره

بيضٌ كرامُ الفعالِ لا بُخُلُ ال

أيدي وليست من الندى صَفِرَه

للناسِ منهم منافعٌ ولهمْ

منافعٌ في الأنامِ مُشتهره

متى أراني بمصر جارَهم

نَسبي بها كلُّ غادةٍ خَضِره

والنيلُ مستكملٌ زيادتَه

مثلَ دروعِ الكماةِ منتثره

تغدو الزواريقُ فيه مُصعِدَةً

بنا وطوراً تروحُ منحدره

__________________

(١) الجيزة : بليدة في غربي فسطاط مصر [معجم البلدان : ٢ / ٢٠٠]. (المؤلف)

٢٦

والراحُ تسعى بها مذكّرةً

أردانُها بالعبير مُختمره

بكرانِ لكن لهذه مائة

وتلك ثنتان واثنتا عشره

يا ليتني لم أرَ العراقَ ولم

أسمعْ بذكرِ الأهواز والبصره

ترفعني تارةً وتخفضني

أخرى فمن سهلة ومن وَعِره

فوق ظهرِ سلهبةٍ

قطانها والبدار مغتفره (١)

وتارةً في الفراتِ طاميةً

أمواجُه كالخيالِ معتكره

حتى كأنّ العراقَ تعشقني

أو طالبتْني يدُ النوى بِتِرَه (٢)

وكان يجتمع في رحلاته مع الملوك والأمراء والوزراء ويحظى بجوائزهم ، ويستفيد من صِلاتهم ، ويتّصل بمشيخة العلم والحديث والأدب ، ويقرأ عليهم ، ويسمع عنهم ، ويأخذ منهم ، وجرت بينه وبينهم محاضرات ومناظرات ومكاتبات ، إلى أن تضلّع في العلوم ، وحاز قصب السبق في فنون متنوِّعة ، وتقدّم في الكتابة والخطابة ، وحصل له من كلِّ فنّ حظّه الأوفى ، ونصيبه الأعلى حتى عرّفه المسعودي في مروج الذهب (٣) (٢ / ٥٢٣) بأنّه كان من أهل العلم والرواية والأدب.

عقيدته :

إنّ عصر المترجَم من العصور التي زاغت فيه النِّحل والمذاهب ، وشاعت فيه الأهواء والآراء ، وقلَّ فيه من لا يرى في العقائد رأياً يفسِّر به إسلامه وهو ينصُّ به على خبيئة قلبه تارةً ويضمرها أخرى ، وأمّا شاعرنا فكان في جانبٍ من ذلك إما ميّا صادق التشيّع ، موالياً لأهل بيت الوحي متفانياً في ولائهم ، ويجد الباحث في خلال شعره بيِّنات تظاهره بالتهالك في ولاء آل الله ، وبثِّه الدعوة إليهم بحججه القويّة ،

__________________

(١) السلهبة : الجسيمة. (المؤلف)

(٢) الترة : الثأر.

(٣) مروج الذهب : ٤ / ٣٤٨.

٢٧

والتفجّع في مصابهم والذبِّ عنهم ، والنيل من مناوئيهم ، واعتقاده فيهم أنَّهم وسائله إلى المولى في الحاضرة ، وواسطة نجاحه في الآخرة.

وكان من مصاديق الآية الكريمة (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) (١) فإنّ نَصْب جدِّه السندي بن شاهك وعدائه لأهل البيت الطاهر ، وضغطه واضطهاده الإمام موسى بن جعفر ـ صلو ات الله عليه ـ في سجن هارون ممّا سار به الركبان ، وسوّدت به صحيفة تاريخه ، إلاّ أنّ حفيده هذا باينه في جميع نزعاته الشيطانية ، فهو من شعراء أهل البيت المجاهرين بولائهم ، والمتعصِّبين لهم ، الذابِّين عنهم ، ولا بدع فإنّ الله هو الذي يخرج الدرَّ من بين الحصى ، وينبت الورد محتفّا بالأشواك ، فمن نماذج شعره في المذهب قوله :

بكاءٌ وقلَّ غَناءُ البكاءِ

على رُزءِ ذرّيةِ الأنبياءِ

لِئن ذلَّ فيه عزيزُ الدموعِ

لقد عزّ فيه ذليلُ العَزاءِ

أَعاذلتي إنّ بُردَ التقى

كسانيه حبّي لأهلِ الكِساءِ

سفينةُ نوحٍ فمن يعتلقْ

بحبِّهمُ يعتلقْ بالنجاءِ

لَعمري لقد ضلَّ رأي الهوى

بأفئدةٍ من هواها هوائي

وأوصى النبيُّ ولكن غدتْ

وصاياهُ مُنبذةً بالعراءِ

ومن قبلِها أُمِر الميِّتونَ

بردِّ الأمور إلى الأوصياءِ

ولم ينشرِ القومُ غِلّ الصدو

ر حتى طواهُ الردى في رداءِ

ولو سلَّموا لإمامِ الهدى

لقوبل معوجُّهم باستواءِ

هلالٌ إلى الرشد عالي الضيا

وسيفٌ على الكفرِ ماضي المَضاءِ

وبحرٌ تدفّقَ بالمعجزاتِ

كما يتدفّق ينبوعُ ماءِ

علومٌ سماويةٌ لا تُنالُ

ومَن ذا ينالُ نجومَ السماءِ

لَعمري الأُلى جحدوا حقّه

وما كان أولاهمُ بالولاءِ

__________________

(١) الروم : ١٩.

٢٨

وكم موقفٍ كان شخصُ الحِمامِ

من الخوف فيه قليلَ الخفاءِ

جلاه فإن أنكروا فضلَه

فقد عرفتْ ذاك شمسُ الضُّحاءِ

أراها العجاجَ قُبيل الصباحِ

ورُدَّتْ عليه بُعيدَ المساءِ

وإن وَتَر القومَ في بدرِهمْ

لقد نقضَ القومُ في كربلاءِ

مطايا الخطايا خذي في الظلامِ

فما همَّ إبليسَ غيرُ الحداءِ

لقد هُتِكتْ حُرَمُ المصطفى

وحلَّ بهنَّ عظيمُ البلاءِ

وساقوا رجالَهمُ كالعبيدِ

وحادوا نساءَهمُ كالإماءِ

فلو كان جدُّهمُ شاهداً

لَيَتبَعُ أظعانَهم بالبكاءِ

حُقودٌ تضرّمُ بدريّةٌ

وداءُ الحَقودِ عزيزُ الدواءِ

تراهُ مع الموتِ تحت اللوا

ء والله والنصر فوقَ اللواءِ

غداةَ خميس إمام الهدى

وقد غاث فيهم هِزَبر اللقاءِ

وكم أنفسٍ في سعيرٍ هوتْ

وهامٍ مُطَيَّرةٍ في الهواءِ

بضربٍ كما انقدَّ جيبُ القميصِ

وطعنٍ كما انحلّ عقْدُ السقاءِ

وخيرةُ ربّي من الخيرتينِ

وصفوةُ ربّي من الأصفياءِ

طَهُرْتُمْ فكنتمْ مديحَ المديحِ

وكانَ سِواكمْ هجاءَ الهجاءِ

قَضَيْتُ بحبِّكمُ ما عَليَ

إذا مادُعيتُ لفصلِ القضاءِ

وأيقنتُ أنّ ذنوبي بهِ

تَساقطُ عنّي سقوط الهَباءِ

فصلّى عليكم إلهُ الورى

صلاةً توازي نجومَ السماءِ

وقوله في مدحهم ـ صلوات الله عليهم ـ :

آلَ النبيِّ فَضُلْتُمُ

فَضْلَ النجومِ الزاهره

وبهرتمُ أعداءَكمْ

بالمأثُراتِ السائره

ولكم مع الشرفِ البلا

غةُ والحُلومُ الوافره

٢٩

وإذا تُفوخرَ بالعُلى

فبكمْ عُلاكم فاخره

هذا وكم أطفأتمُ

عن أحمدٍ من نائره

بالسمرِ تُخْضَبُ بالنج

ـيعِ وبالسيوفِ الباتره (١)

تُشفى بها أكبادُكمْ

من كلِّ نفسٍ كافره

ورفضتمُ الدنيا لذا

فُزْتُم بحظِّ الآخره

وقوله في ولاء أمير المؤمنين عليه‌السلام مشيراً إلى ما رويناه (ص ٢٦) في الجزء الثالث ممّا ورد في حبِّ أمير المؤمنين :

حبُّ الوصيِّ مَبَرّةٌ وَصِلَه

وطهارةٌ بالأصلِ مكتفلَه

والناسُ عالمُهمْ يَدينُ به

حُبّا ويجهلُ حقَّه الجَهَلَه

ويرى التشيّعَ في سراتِهمُ

والنصْبَ في الأرذالِ والسفَلَه

وقوله في المعنى :

حبُّ عليٍّ عُلوُّ هِمّه

لأنّه سيِّدُ الأئمّه

مَيِّزْ مُحبِّيهِ هلْ تراهم

إلاّ ذوي ثروةٍ ونِعمه

بينَ رئيسٍ إلى أديبٍ

قد أكملَ الطرفَ واستتمّه

وطيِّبُ الأصلِ ليس فيهِ

عند امتحانِ الأصولِ تُهمه

فهم إذا خَلُصوا ضياءٌ

والنُّصَّبُ الظالمون ظُلْمه

هذه الأبيات ذكرها له الثعالبي في ثمار القلوب (٢)) (ص ١٣٦) في وجه إضافة السواد إلى وجه الناصبي ، ويأتي مثله في ترجمة الناشئ الصغير.

ولكشاجم يرثي آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :

__________________

(١) النجيع : من الدم ما كان مائلاً إلى السواد. (المؤلف)

(٢) ثمار القلوب : ص ١٧٣ رقم ٢٤٩.

٣٠

أجلْ هو الرزءُ فادِحُه

باكرُهُ فاجعٌ ورائحُه

لا ربعُ دارٍ عفا ولا طللٌ

أوحشَ لمّا نأتْ ملاقحُه

فجَائعٌ لو درى الجنينُ بها

لَعَاد مُبيضَّةً مسالحُه

يا بُؤسَ دهرٍ على آلِ رسو

لِ اللهِ تجتاحهمْ جوائحُه (١)

إذا تفكّرتُ في مُصابِهمُ

أثقبَ زندَ الهمومِ قادحُه

فبعضهم قُرِّبتْ مصارعُه

وبعضُهمْ بُوعِدَتْ مطارحُه

أظْلَمَ في كربلاءَ يومهُمُ

ثمّ تجلّى وهمْ ذبائحُه

لا يبرحُ الغيثُ كلَّ شارقةٍ

تهمي غواديهِ أو روائحُه

على ثرى حلّة غريبُ رسو

ل اللهِ مجروحةٌ جوارحُه

ذلَّ حماهُ وقلَّ ناصرُهُ

ونال أقصى مناهُ كاشحُه

وسيق نسوانُه طلائحاً

أَحسنَ أن تهادى بهم طلائحُه (٢)

وهنّ يُمْنَعن بالوعيدِ من الن

ـوحِ والملأ الأعلى نوائحُه

عادى الأسى جدَّه ووالدَهُ

حين استغاثتْهما صوائحُه

لو لم يُرد ذو الجلالِ حربَهم

به لضاقَتْ بهمْ فسائحُه

وهو الذي اجتاح حينما عُقِر

تْ ناقتُه إذ دعاهُ صالحُه

يا شِيَعَ الغيِّ والضلال ومن

كلُّهمُ جمّةٌ فضائحُه

غششتمُ اللهَ في أذيّة من

إليكمُ أُدِّيتْ نصائحُه

عفّرتمُ بالثرى جبينَ فتىً

جبريلُ قبل النبيِّ ما سحُه

سيّان عند الإلهِ كلُّكمُ

خاذلُه منكمُ وذابحُه

على الذي فاتَهمْ بحقِّهمْ

لعنٌ يغادِيه أو يُراوحُه

__________________

(١) جاحه وأجاحه واجتاحه : استأصله وأهلكه. جوائح جمع جائحة : البليّة والداهية العظيمة. (المؤلف)

(٢) طلائح : معياة من السفر. (المؤلف)

٣١

جهلتمُ فيهمُ الذي عرف ال

ـبيت وما قابلَتْ أباطحُه

إن تصمتوا عن دعائهم فلكمْ

يومُ وغىً لا يُجابُ صائحُه

في حيث كبشُ الردى يُناطحُ من

أبصرَ كبشَ الورى يُناطحُه

وفي غدٍ يعرفُ المخالفُ مَن

خاسرُ دينٍ منكمُ ورابحُه

وبين أيديكمُ حريقُ لظىً

يلفحُ تلك الوجوهَ لافحُه

إن عبتموهمْ بجهلكمْ سفَهاً

ما ضرَّ بدرَ السماءِ نائحُه

أو تكتموا الحقَّ فالقرآنُ مشكلُهُ

بفضلهمْ ناطقٌ وواضحُه

ما أشرقَ المجدُ من قبورِهم

إلا وسكّانُها مصابحُه

قومٌ أبى حدُّ سيفِ والدِهمْ

للدين أو يستقيمَ جامحُه

وهو الذي استأنسَ الزمانُ به

والدينُ مذعورةٌ مسارحُه

حاربَهُ القومُ وهو ناصرُهُ

قِدماً وغَشّوهُ وهو ناصحُه

وكم كسى منهمُ السيوفَ دماً

يومَ جِلادٍ يطيحُ طائحُه

ما صفحَ القومُ عندما قَدَروا

لمّا جنتْ فيهمُ صفائحُه

بل منحوهُ العنادَ واجتهدوا

أن يمنعوهُ واللهُ مانحُه

كانوا خِفافاً إلى أذيّتهِ

وهو ثقيلُ الوَقارِ راجحُه

وله قوله :

زعموا أنّ من أحبَّ عليّا

ظلَّ للفقرِ لابساً جِلبابا

كذبوا من أحبّهُ من فقيرٍ

يتحلّى من الغنى أثوابا

حرّفوامنطقَ الوصيِّ بمعنىً

خالفوا إذ تأوّلوهُ الصوابا

إنّما قال ارفضوا عنكم الد

نيا إذا كنتمُ لنا أحبابا (١)

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٢ / ١٣٨.

٣٢

مشايخه وتآليفه :

لم نقف في المصادر التي بين أيدينا على ما يفيدنا في التنقيب عن أيّام صباه ، وكيفيّة تعلّمه ، وأساتذته في فنونه ، ومشايخه في علومه ؛ والمصادر برمّتها خاليةٌ من البحث عن هذا الجانب ، إلاّ أنّ شعره يفيدنا تَلَمُّذه على الأخفش الأصغر ع ليِّ بن سليمان المتوفّى سنة (٣١٥) فهو إمّا قرأ عليه في مصر أيّام الأخفش بها ، وقد ورد الأخفش مصر سنة (٢٨٧) وخرج منها إلى حلب سنة (٣٠٦) ، وإمّا في بغداد قبل أن غادرها الأخفش إلى مصر ؛ إذ يذكر قراءته عليه في قصيدة يمدحه بها في الشام ، حينما نزل بها الأخفش إمّا في رواحه إلى مصر ، وإمّا في أوبته عنها ، فقال :

فلمّا خُيِّل الصبحُ

ولمّا يُبْدِ تبليجَه

وأتبعتُ العرا وجهاً

كسى البشرُ تباهيجَه

إلى كعبةِ آدابٍ

بأرضِ الشامِ محجوجَه

إلى معدنٍ بالحك

ـمةِ والآدابِ ممزوجَه

سماعيٌّ قرائيٌ

له في العلم مرجوجَه

ومن يعدلُ بالعلمِ

من المنآدِ تعويجَه (١)

إذ الأخبارُ حاجتُهُ

ثناها وهي محجوجَه

به تغدو من الشكِ

قلوبُ القومِ مثلوجَه

ويلقى طُرُقَ الحكمةِ

للأفهام منهوجَه

لكي يفرجَ عنّي الخطْ

ـبَ لا أسطيع تفريجَه

وكي يمنحَني تأدي

ـبه المحضَ وتخريجَه

ومن أولى بتقريبٍ

خلا من كنتُ ضرِّيجَه

ومن توّجني من عل

ـمِهِ أحسنَ تتويجَه

__________________

(١) إنآد : انحنى وناء.

٣٣

له :

١ ـ أدب النديم ، كما في فهرست ابن النديم (١).

٢ ـ كتاب الرسائل.

٣ ـ ديوان شعره.

٤ ـ كتاب المصائد والمطارد (٢).

٥ ـ خصائص الطرف.

٦ ـ الصبيح.

٧ ـ البَيْزَرة في علم الصيد.

ولادته ووفاته :

ما عثرنا في الكتب والمعاجم على ما يفيدنا تاريخ ولادته ، لكن يلوح من شعره الذي يذكر فيه شيبه وهرمه في أوائل القرن الرابع أنّه ولد في أواسط القرن الثالث ، قال من قصيدة :

وإنّ شيبيَ قد لاحتْ كواكبُهُ

في ظلمةٍ من سوادِ اللمَّة الجَثْله

فهذه جملةٌ في العذرِ كافيةٌ

تغنيك فاغنَ عن التفصيلِ بالجمله

وبان منّي شبابٌ كان يشفعُ لي

سقياً له من شبابٍ بانَ سقياً له

قد كان بابيَ للعافينَ مُنتجَعاً

ينتابه ثُلّةٌ من بعدها ثُلّه

وكنتُ طودَ المنى يُؤوى إلى كَنَفي

كحائطٍ مُشرفٍ من فوقِه ظُلّه

أفنى الكثيرَ فما إن زال ينقصني

متى دفعت إلى الأفنان والقلّه

وقد غَنِيتُ وأشغالي تُبيِّن من

فضلي فقد ستَرَتْهُ هذه العَطْله

والسيفُ في الغمد مجهولٌ جواهرُهُ

وإنّما يجتنيهِ عينُ من سلّه

__________________

(١) الفهرست : ص ١٥٤.

(٢) ينقل عنه ابن خلّكان في تاريخه : ٢ / ٣٧٩ [٣ / ٩١ رقم ٣٤٥ و ٦ / ١٩٩ رقم ٨٠٢].(المؤلف)

٣٤

وهذه القصيدة يمدح بها أبا عليّ بن مقلة الوزير ببغداد في أيّام وزارته قبل حبسه ، وقد قبض عليه وحبس سنة (٣٢٤) وتوفّي (٣٢٨).

وأمّا وفاته ففي شذرات الذهب (١)) : أنّه توفِّي سنة (٣٦٠) وتبعه تاريخ آداب اللغة العربية (٢). وفي كشف الظنون (٣) ، وكتاب الشيعة وفنون الإسلام (٤) ، والأعلام للزركلي (٥) ، أنّها في سنة (٣٥٠) وردّدها غير واحد من المعاجم بين التاريخين ، وكلٌّ منهما يمكن أن يكون صحيحاً ، كما يقرب إليهما ما في مقدّمة ديوانه من أنّه توفّي سنة (٣٣٠) وهو كما سمعت في مدحه ابن مقلة كان يشكو هرمه قبل سنة (٣٢٤).

لفت نظر :

ذكر المسعودي في مروج الذهب (٦) (٢ / ٥٢٣) لكشاجم أبياتاً كتبها إلى صديق له ، ويذمّ [فيها] النرد ، وذكر اسمه أبا الفتح محمد بن الحسن ، وأحسبه منشأ تردد سيِّدنا صدر الدين الكاظمي في تأسيس الشيعة (٧) في اسمه واسم أبيه بين محمود ومحمد ، والحسين والحسن ، وذكر المسعودي صوابه في مروجه (٨) (٢ / ٥٤٥).

ولده :

أعقب المترجم ولديه أبا الفرج وأبا نصر أحمد ، ويُكنّي كشاجم نفسه بالثاني

__________________

(١) شذرات الذهب : ٤ / ٣٢١ حوادث سنة ٣٦٠ ه‍.

(٢) مؤلّفات جرجي زيدان الكاملة ـ تاريخ آداب اللغة العربية ـ : مج ١٤ / ٨١ ، وفيه أرّخ وفاته بسنة ٣٥٠ ه‍.

(٣) كشف الظنون : ١ / ٨٠٧.

(٤) الشيعة وفنون الإسلام : ص ١٤٠.

(٥) الأعلام : ٧ / ١٦٧ ، وفيه : أنّه توفّي سنة ٣٦٠ ه‍.

(٦) مروج الذهب : ٤ / ٣٤٨ وفيه ذكر المترجم باسم محمود بن الحسين.

(٧) تأسيس الشيعة : ص ٢٠٤.

(٨) مروج الذهب : ٤ / ٣٨٣ ، ٣٨٦ ، ٣٨٩.

٣٥

في قوله :

قالوا أبو أحمدٍ يبني فقلتُ لهم

كما بنت دودةٌ بُنيانَ السَّرَق

بنتهُ حتى إذا تمَّ البناءُ لها

كان التمامُ وَوشْكُ الخيرِ في نَسق

ويثني عليه ويصفه بقوله :

نفسي الفداءُ لمن إذا جَرَحَ الأسى

قلبي أَسَوْتُ به جروحَ أسائي

كبدي وتاموري وحَبّةُ ناظري

ومؤمَّلي في شدّتي ورخائي (١)

ربّيتُهُ متوسِّماً في وجهِهِ

ما قبلُ فيَّ توسّمَتْ آبائي

ورُزِقْتُهُ حَسَن القَبولِ مبيِّناً

فيهِ عطاءَ اللهِ ذي الآلاءِ

وغدوتُ مقتنياً له عن أُمِّهِ

وهي النجيبةُ وابنةُ النجباءِ

وعمرتُ منه مجالسي ومسالكِي

وجمعتُ منه مآربي وهوائي

فأظلُّ أَبْهَجُ في النهار بقربِهِ

وأريهِ كيف تناولُ العلياءِ

وأُزيرهُ العلماءَ يأخذ عنهمُ

ولشذَّ من يغدو إلى العلماءِ

وإذا يجنُّ الليلُ بات مسامِري

ومجاوري وممثِّلاً بإزائي

فأَبِيتُ أُدني مهجتي من مهجتي

وأضمُّ أحشائي إلى أحشائي

وكان أبو نصر أحمد بن كشاجم شاعراً أديباً ، ومن شعره يذمُّ به بخيلاً قوله (٢) :

صديقٌ لنا من أبرعِ الناسِ في البخلِ

وأفضلِهم فيه وليس بذي فضلِ

دعاني كما يدعو الصديقُ صديقَهُ

فجئتُ كما يأتي إلى مثلِهِ مثلي

فلمّا جلسْنا للطعامِ رأيتُهُ

يرى أنّه من بعض أعضائهِ أكلي

ويغتاظُ أحياناً ويشتُمُ عبدَهُ

وأعلم أنّ الغيظَ والشتمَ من أجلي

__________________

(١) التامور : القلب.

(٢) يتيمة الدهر : ١ / ٢٤٨ [١ / ٣٥١] ، نهاية الأرب : ٣ / ٣١٨ [٣ / ٣١٣]. (المؤلف)

٣٦

فأقبلت أستلُّ الغِذاءَ مَخافةً

وألحاظُ عينيه رقيبٌ على فِعلي

أمدُّ يدي سرّا لأسرقَ لقمةً

فيلحظُني شَزراً فأعبثُ بالبقلِ

إلى أن جَنَت كفّي لحتفي جنايةً

وذلك أنّ الجوعَ أعدمني عقلي

فجرّت يدي للحين رجلَ دجاجةٍ

فجرّتْ كما جرّت يدي رجلَها رجلي

وقدّم من بعد الطعامِ حلاوَةً

فلم أستطعْ فيها أمرّ ولا أحلي

وقمتُ لو انّي كنت بيّتُّ نيّةً

ربحتُ ثوابَ الصوم مع عدمِ الأكلِ

وذكر الثعالبي في يتيمة الدهر (١) (١ / ٢٤٧ ـ ٢٥١) من شعره ما يناهز الستّين بيتاً. وقال صاحب تعاليق اليتيمة (١ / ٢٤٠) : لم نعثر في ديوان كشاجم على شيء من هذه المختارات ، ذاهلاً عن أنّ الديوان المعروف هو لكشاجم لا لابنه أبي نصر أحمد الذي انتخب الثعالبي من شعره ، ويستشهد بشعره الوطواط في غرر الخصائص (٢).

خرج أبو الفضل جعفر بن الفضل بن الفرات الوزير ، المتوفّى سنة (٣٩١) إلى بستانه بالمقس ، فكتب إليه أبو نصر بن كشاجم على تفّاحة بماء الذهب وأنفذها إليه (٣).

إذا الوزيرُ تخلّى

للنيل في الأوقاتِ

فقد أتاه سَمِيّا

ه جعفرُ بنُ الفراتِ

ويوجد في بدائع البدائه شيء من شعره راجع (١ / ١٥٧) ، وذكر من شعره ابن عساكر في تاريخه (٤) (٤ / ١٤٩) ما نظمه سنة (٣٥٦) بالرملة لمّا ورد إليها أبو عليّ القرمطي القصير.

__________________

(١) يتيمة الدهر : ١ / ٣٥٠ ـ ٣٥٥.

(٢) غرر الخصائص الواضحة : ص ١٦٢.

(٣) في معجم الأدباء : ٢ / ٤٤١ [٧ / ١٧٤]. (المؤلف)

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ١٣ / ٦ رقم ١٢٧٨ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٦ / ٣١٢. بدءاً من هذا الجزء اعتمدنا تاريخ مدينة دمشق في طبعته البيروتية الجديدة بتحقيق علي شيري.

٣٧

ويذكر محمد بن هارون بن الأكتمي ابني كشاجم ، ويهجوهما بقوله (١) :

يا ابْني كشاجمَ أنتما

مُستعملانِ مُجَرّبانِ

مات المشومُ أبوكما

فخلفتُماه على المكانِ

وقُرِنتما في عصرنا

ففعلتما فعل القرانِ

لغلاء أسعار الطعا

مِ وميتةِ الملك الهجانِ

__________________

(١) يتيمة الدهر : ١ / ٣٥٢ [١ / ٤٧٥].

٣٨

ـ ٢٣ ـ

الناشئ الصغير

المولود (٢٧١)

المتوفّى (٣٦٥)

يا آلَ ياسينَ من يحبّكمُ

بغير شكٍّ لنفسِهِ نَصَحا

أنتمْ رشادٌ من الضلالِ كما

كلُّ فسادٍ بحبِّكمْ صَلحا

وكلُّ مستحسَنٍ لغيرِكمُ

إن قِيسَ يوماً بفضلكم قبُحا

ما مُحيتْ آيةُ النهارِ لنا

وآيةَ الليل ذو الجلال محا

وكيف تُمحى أنوارُ رشدِكمُ

وأنتمُ في دُجى الظلام ضحى

أبوكمُ أحمدٌ وصاحبُهُ

الممنوحُ من علم ربِّه منحا

ذاك عليُّ الذي تفرُّدُهُ

في يوم خُمٍّ بفضله اتّضحا

إذ قال بين الورى وقامَ به

مُعتضداً في القيام مُكتشحا

من كنتُ مولاه فالوصيُّ لهُ

مولىً بوحيٍ من الإله وحى

فبخبخوا ثمّ بايعوهُ ومَنْ

يُبايعِ اللهَ مخلصاً ربِحا

ذاك عليُّ الذي يقولُ له

جبريلُ يوم النزالِ مُمتدحا

لا سيفَ إلاَّ سيفُ الوصيِ ولا

فتىً سواهُ إنْ حادثٌ فَدَحا

لو وزنوا ضربَهُ لعمروٍ وأعما

لَ البرايا لَضَربُه رَجَحا

ذاك عليُّ الذي تراجع عن

فتحٍ سواه وسارَ فافتتحا

٣٩

في يوم حضَّ اليهودَ حين أقلّ الباب من حصنهم وحين دحا

لم يشهدِ المسلمون قطُّ رحى

حربٍ وألفوا سواه قطبَ رحى

صلّى عليه الإله تزكيةً

ووفّقَ العبدَ يُنشئ المِدَحا

وقال في قصيدة يوجد منها (٣٦) بيتاً :

ألا يا خليفةَ خيرِ الورى

لقد كفرَ القومُ إذ خالفوكا

أدلُّ دليلٍ على أنّهم

أبَوْك وقد سمعوا النصّ فيكا

خلافُهمُ بعد دعواهمُ

ونكثهمُ بعدما بايعوكا

إلى أن قال :

فيا ناصرَ المصطفى أحمدٍ

تعلّمتَ نصرتَهُ من أبيكا

وناصبتَ نُصّابَهُ عنوةً

فلعنةُ ربّي على ناصبيكا

فأنت الخليفةُ دون الأنامِ

فما بالُهمْ في الورى خلّفوكا

ولا سيّما حين وافيتَهُ

وقد سار بالجيشِ يبغي تبوكا

فقال أُناسٌ قلاهُ النبيُ

فصرتَ إلى الطهْر إذ خفّضوكا

فقال النبيُّ جواباً لما

يؤدّي إلى مسمعِ الطهرِ فوكا

ألمْ ترضَ أنّا على رغمهمْ

كموسى وهارونَ إذ وافقوكا

ولو كان بعدي نبيٌّ كما

جُعِلْتَ الخليفةَ كنتَ الشريكا

ولكنّني خاتمُ المرسلينَ

وأنتَ الخليفةُ إن طاوعوكا

وأنت الخليفةُ يوم انتجاك

على الكور حيناً وقد عاينوكا

يراك نجيّا له المسلمون

وكان الإله الذي ينتجيكا

على فمِ أحمدٍ يوحي إليك

وأهلُ الضغائن مُستشرفوكا

وأنت الخليفةُ في دعوةِ

العشيرةِ إذ كان فيهم أبوكا

ويومَ الغديرِ وما يومُهُ

ليترُكَ عُذراً إلى غادريكا

٤٠