الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٤

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
المطبعة: فروردين
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٨

حيث ضلعي مع الشبابِ وسمعي

غرضٌ لا تصيبه العُذّالُ

يا نديميَّ كنتما فافترقنا

فاسلواني ؛ لكلِّ شيءٍ زوالُ

ليَ في الشيبِ صارفٌ ومن الحز

نِ على آلِ أحمدٍ إشغالُ

معشر الرشد والهدى حَكم البغ

ـيُ عليهم سفاهةً والضلالُ

ودعاةُ الله استجابت رجالٌ

لهمُ ثمّ بُدِّلوا فاستحالوا

حملوها يوم السقيفة أوزا

راً تخفُّ الجبالَ وهي ثِقالُ

ثمّ جاءوا من بعدها يستقيلو

نَ وهيهاتَ عثرةٌ لا تُقالُ

يا لها سوءةً إذا أحمدٌ قا

م غداً بينهمْ فقال وقالوا

ربعُ همّي عليهمُ طللٌ با

قٍ وتَبلى الهمومُ والأطلالُ

يا لَقومٍ إذ يقتلون عليّا

وهو للمحلِ فيهمُ قتّالُ (١)

ويُسِرّون بغضَهُ وهو لا تُق

ـبلُ إلاّ بحبِّهِ الأعمالُ

وتحالُ الأخبارُ والله يدري

كيف كانتْ يومَ الغديرِ الحالُ (٢)

ولسبطينِ تابعَيهِ فمسمو

مٌ عليه ثرى البقيع يُهالُ

درسوا قبرَهُ ليخفى عن الزوّ

ارِ هيهاتَ كيف يخفى الهلالُ

وشهيدٍ بالطفِّ أبكى السماوا

تِ وكادتْ لهُ تزولُ الجبالُ

يا غليلي له وقد حُرِّم الما

ءُ عليهِ وهو الشرابُ الحلالُ

قُطعتْ وصلةُ النبيِّ بأن تُق

ـطَعَ من آلِ بيتِهِ الأوصالُ

لم تنجِّ الكهولَ سنٌّ ولا الشبّ

ـانَ زهدٌ ولا نجا الأطفالُ

لهفَ نفسي يا آلَ طه عليكمْ

لهفةً كسبُها جوىً وخبالُ

وقليلٌ لكمْ ضلوعِيَ تهت

ـزُّ مع الوجدِ أو دموعي تُذالُ

كان هذا كذا وودّي لكم حس

ـبُ وما لي في الدين بعدُ اتِّصالُ

__________________

(١) المحل : الجدب. (المؤلف)

(٢) كذا في ديوانه المخطوط ، وفي المطبوع : تحال. (المؤلف)

٣٢١

وطروسي سودٌ فكيف بيَ الآ

نَ ومنكمْ بياضُها والصقالُ

حبّكم كان فكَّ أسري من الشر

كِ وفي منكبي له أغلالُ

كم تزمّلتُ بالمذلّة حتى

قمتُ في ثوبِ عزِّكمْ أختالُ

بركاتٌ لكم محت من فؤادي

ما أملَّ الضلالَ عَمٌّ وخالُ

ولقد كنتُ عالماً أنّ إقبا

لي بمدحي عليكمُ إقبالُ

 ـ ٣ ـ

وله من قصيدة يرثي بها أهل البيت عليهم‌السلام وهي (٦٣) بيتاً ، توجد في ديوانه (٤ / ١٩٨) مطلعها :

لو كنتُ دانيتُ المودّة قاصيا

ردَّ الحبائبُ يوم بِنَّ فؤاديا

إلى أن قال :

وبحيِّ آلِ محمدٍ إطراؤه

مدحاً وميِّتهمْ رضاه مراثيا

هذا لهمْ والقومُ لا قومي هُمُ

جنساً وعُقرُ ديارِهمْ لا داريا

إلاّ المحبّةَ فالكريمُ بطبعِهِ

يجدُ الكرامَ الأبعدينَ أدانيا

يا طالبيّين اشتفى من دائِهِ ال

ـمجدُ الذي عدِمَ الدواءَ الشافيا

بالضاربين قبابَهمْ عَرض الفلا

عقل الركائبِ ذاهباً أو جائيا

شرعوا المحجّةَ للرشادِ وأرخصوا

ما كان من ثمنِ البصائرِ غاليا

وأما وسيِّدِهمْ عليٍّ قولةٌ

تُشجي العدوَّ وتُبهجُ المتواليا

لقد ابتنى شرفاً لهم لو رامه

زُحلٌ بباعٍ كان عنهُ عالياً

وأفادهم رقَّ الأنامِ بوقفةٍ

في الروعِ بات بها عليهمْ واليا

ما استدرك الإنكارَ منهم ساخطٌ

إلاّ وكان بها هنالك راضياً

أضحوا أصادقَهُ فلمّا سادهمْ

حسدوا فأمسَوا نادمين أعاديا

فارحمْ عدوَّكَ ما أفادك ظاهراً

نصحاً وعالجَ فيكَ خِلاّ خافياً

٣٢٢

وهبِ الغديرَ أَبوا عليهِ قَبوله

بغياً (١) فقل عدّوا سواه مساعياً

بدراً وأُحداً أُختها من بعدِها

وحنين وقّاراً بهنّ فصاليا (٢)

والصخرةُ الصمّاءُ أخفى تحتَها

ماءً وغيرُ يديهِ لم يكُ ساقيا

وتدبّروا خبرَ اليهودِ بخيبرٍ

وارضوا بمرحبَ وهو خصمٌ قاضيا

هل كان ذاكَ الحصنُ يرهبُ هادماً

أو كان ذاك البابُ يفرَقُ داحيا

وتفكّروا في أمرِ عمروٍ (٣) أوّلاً

وتفكّروا في أمرِ عمروٍ (٤) ثانيا

أَسدانِ كانا من فرائسِ سيفِهِ

ولقلّما هابا سواهُ مدانيا

ورجال ضبّة (٥) عاقدي حُجُزاتهم

يوم البُصيرة من مَعين (٦) تفانيا

ضُغِموا (٧) بنابٍ واحدٍ ولطالما از

دَردوا أراقمَ قبلها وأفاعيا

ولَخطبُ صفّينٍ أجلُّ وعندك ال

ـخبرُ اليقينُ إذا سألتَ مُعاويا

ما يتبع الشعر

قال الأستاذ أحمد نسيم المصري في شرح قوله :

وهَبِ الغديرَ أبوا عليهِ قبولَهُ

نهياً فقل عُدّوا سواه مساعيا

النهي : الغدير أو شبهه. وللإمام عليٍّ وقعة تُسمّى بوقعة غدير خمّ ، والشاعر يشير إليها.

__________________

(١) كذا في ديوانه المخطوط ، وفي المطبوع منه : نهياً. (المؤلف)

(٢) وقّاراً : شادّا بلجام الدابّة لتسكن. يشير إلى أنّ أمير المؤمنين كان آخذاً بلجام بغلة رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلم خوفاً من إجفالها. (المؤلف)

(٣) يعني عمرو بن عبد ودّ الذي قتله أمير المؤمنين يوم الخندق. (المؤلف)

(٤) يعني عمرو بن العاص ، المترجم في كتابنا : ٢ / ١٢٠ ـ ١٧٦. (المؤلف)

(٥) هم بنو ضبّة أنصار عائشة في حرب الجمل.

(٦) معين : اسم مدينة باليمن ، أو هو حصن بها [معجم البلدان : ٥ / ١٦٠]. (المؤلف)

(٧) ضغم الشيء : عضّه بملء فمه ، يقال : ضغمه ضغمة الأسد. (المؤلف)

٣٢٣

قال الأميني : ليت الأستاذ بعد شرحه (النهي) وجعله بدلاً عن (البغي) الموجود في مخطوط ديوانه يعرب عن معناه الحالي أو المفعولي ، ويعرف أنّ مثله لا يصلح من مثل مهيار المتضلّع الفحل ، وكأنّه يرى رأي شاكلته ملحم إبراهيم أسود في قوله : يوم الغدير واقعة حرب معروفة (١)!

فليته دلّنا على تلكَ الوقعة المسمّاة بوقعة الغدير ، وذكر شطراً من تاريخها ، (يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللهِ) (٢) ، (وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (٣).

الشاعر

أبو الحسن (٤) مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي ، نزيل درب رباح بالكرخ ، هو أرفع راية للأدب العربيّ منشورة بين المشرق والمغرب ، وأنفس كنز من كنوز الفضيلة ، وفي الرعيل الأوّل من ناشري لغة الضاد ، وموطِّدي أُسسها ، ورافعي عُلاليّها ، ويده الواجبة على اللغة الكريمة ، ومن يمتّ بها وينتمي إليها لا تزال مذكورة مشكورة ، يشكرها الشعر والأدب ، تشكرها الفضيلة والحسب ، تشكرها العروبة والعرب ، وأكبر برهنة على هذه كلّها ديوانه الضخم الفخم في أجزائه الأربعة ، الطافح بأفانين الشعر وفنونه وضروب التصوير وأنواعه ، فهو يكاد في قريضه يلمسك حقيقة راهنة ممّا ينضده ، ويذر المعنى المنظور كأنّه تجاه حاسّتك الباصرة ، ولا يأتي إلاّ بكلّ أسلوبٍ رصين ، أو رأيٍ حصيف ، أو وصفٍ بديع ، أو قصد مبتكر ، فكان مقدّماً على أهل عصره مع كثرة فحولة الأدب فيه ، وكان يحضر جامع المنصور في أيّام الجمعات

__________________

(١) قد أسلفنا الكلام فيه في الجزء الثاني : ص ٣٣١. (المؤلف)

(٢) الفتح : ١٥.

(٣) التوبة : ٤٥.

(٤) وفي بعض المصادر القديمة : أبو الحسين [كما في وفيات الأعيان : ٥ / ٣٥٩ رقم ٧٥٥ ، ومعالم العلماء : ص ١٤٨]. (المؤلف)

٣٢٤

ويقرأ على الناس ديوان شعره (١). ولم أرَ الباخرزي قد بالغ في الثناء عليه بقوله في دمية القصر (٢) (ص ٧٦) : هو شاعر له في مناسك الفضل مشاعر ، وكاتب تحت كلِّ كلمة من كلماته كاعب ، وما في قصائده بيت يتحكّم عليه بلوّ وليت ، وهي مصبوبة في قوالب القلوب ، وبمثلها يعتذر الدهر المذنب عن الذنوب.

أمّا شعره في المذهب فبرهنة وحِجاج ، فلا تجد فيه إلاّ حجّة دامغة ، أو ثناءً صادقاً ، أو تظلّماً مفجعاً ، ولعلّ هذه هي التي حدت أصحاب الإحن إلى إخفاء فضله الظاهر والتنويه بحياته الثمينة كما يحقّ له ، فبخست حقّه المعاجم ، فلم تأتِ عند ذكره إلاّ بطفائف هي دون بعض ما يجب له ، غير أنّ حقيقة فضله أبرزت نفسها ، ونشرت ذكره مع مهبِّ الصبا ، فأين ما حللت لا تجد لمهيار إلاّ ذكراً وشكراً وتعظيماً وتبجيلاً ، وعلى ضوء أدبه وكماله يسير السائرون.

ولعمر الحقِّ إنّ من المعاجز أنّ فارسيّا في العنصر يحاول قرض الشعر العربيِّ ، فيفوق أقرانه ولا يتأتّى لهم قرانه ، ويقتدى به عند الورد والصدر ، ولا بدع أن يكون من تخرّج على أئمّة العربيّة من بيت النبوّة وعاصرهم وآثر ولاءهم واقتصّ أثرهم كالعَلَمين الشريفين : المرتضى والرضي وشيخهما شيخ الأمّة جمعاء المفيد ونظرائهم أن يكون هكذا ، ألا تاهت الظنون ، وأكدت المخائل في الحطِّ من كرامة الرجل بتقصير ترجمته ، أو التقصير في الإبانة عنه ، أو التحامل عليه بمخرقة ، والوقيعة فيه برميه بما يدنِّس ذيل أمانته ، كما فعل ابن الجوزي في المنتظم (٣) ، فجدع أرنبته باختلاق قضيّة مكذوبة عليه ، ورماه بالغلوّ ، وحاشاه عن كلِّ ذلك «إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً» (٤).

فهذا مهيار بأدبه الباذخ ، وفضله الشامخ ، وعَرفه الفائح ، ونوره الواضح ،

__________________

(١) تاريخ الخطيب البغدادي : ١٣ / ٢٧٦ [رقم ٧٢٣٩]. (المؤلف)

(٢) دمية القصر : ١ / ٣٠٣.

(٣) المنتظم : ١٥ / ٢٦٠ رقم ٣٢٠٨.

(٤) الكهف : ٥.

٣٢٥

ومذهبه العلويِّ ، وقريضه الخسروانيِّ ، قد طبق العالم ثناءً وإطراءً ومكرمةً وجلالةً ، وما يضرّه أمسه إن كان مجوسيّا فارسيّا فيه ، وها هو في يومه مسلم في دينه ، علويّ في مذهبه ، عربيّ في أدبه ، وها هو يحدِّث شعره عن ملكاته الفاضلة ، ويتضمّن ديوانه آثار نفسيّاته الكريمة ، وخلّد له ذكرى مع الأبد ، فهل أبقى أبو الحسن مهيار ذروة من الشرف لم يتسنّمها؟ أو صهوةً من النبوغ لم يمتطها؟ ولو كان يؤاخَذ بشيءٍ من ماضيه لكان من الواجب مؤاخذة الصحابة الأوّلين كلّهم على ماضيهم التعيس ، غير أنّ الإسلام يجبُّ ما قبله ، فتراه يتبهّج بسؤدد عائلته المالكة التي هي أشرف عائلات فارس ، ويفتخر بشرف إسلامه وحسن أدبه بقوله (١):

أُعجِبَتْ بي بين نادي قومِها

أمُّ سعدٍ فمضتْ تسألُ بي

سرّها ما علمتْ من خُلُقي

فأرادتْ علمَها ما حَسَبي

لا تخالي نسباً يخفضُني

أنا من يُرضيكِ عند النسبِ

قوميَ استولوا على الدهرِ فتىً

ومشوا فوق رءوس الحِقَبِ

عمّموا بالشمسِ هاماتِهُم

وبَنَوا أبياتَهمْ بالشهبِ

وأبي كسرى (٢) على إيوانِهِ

أين في الناس أبٌ مثلُ أبي

سَوْرةُ الملكِ القدامى وعلى

شرفِ الإسلامِ لي والأدبِ

قد قبستُ المجدَ من خيرِ أبٍ

وقبستُ الدينَ من خيرِ نبي

وضممتُ الفخرَ من أطرافِهِ

سؤددَ الفرسِ ودينَ العربِ

أسلم المترجم على يد سيّدنا الشريف الرضي سنة (٣٩٤) (٣) ، وتخرّج عليه في الأدب والشعر ، وتوفّي ليلة الأحد لخمس خلون من جمادى الثانية سنة (٤٢٨) ، ولم

__________________

(١) ديوان مهيار الديلمي : ١ / ٦٤.

(٢) ولد في أيّام ملكه نبيّ العظمة صلّي الله عليه واله وسلم ويعزى إليه عليه‌السلام : «ولدت في زمن الملك العادل». (المؤلف) و «ولدت في زمن الملك العادل». (المؤلف)

(٣) كامل ابن الأثير : ٩ / ١٧٠ [٦ / ٨٥ حوادث سنة ٤٢٨ ه‍] ، المنتظم لابن الجوزي : ٨ / ٩٤ [١٥ / ٢٦٠ رقم ٣٢٠٨]. (المؤلف)

٣٢٦

أقف على خلاف في تاريخ وفاته في الكتب والمعاجم التي توجد فيها ترجمته ، منها (١) : تاريخ بغداد (١٣ / ٢٧٦) ، المنتظم (٨ / ٩٤) ، تاريخ ابن خلّكان (٢ / ٢٧٧) ، مرآة اليافعي (٣ / ٤٧) ، دمية القصر (ص ٧٦) ، تاريخ ابن كثير (١٢ / ٤١) ، كامل ابن الأثير (٩ / ١٥٩) ، تاريخ أبي الفدا (٢ / ١٦٨) ، أمل الآمل لشيخنا الحرّ ، روض المناظر لابن شحنة ، أعلام الزركلي (٣ / ١٠٧٩) ، شذرات الذهب (٣ / ٢٤٧) ، تاريخ آداب اللغة (٢ / ٢٥٩) ، نسمة السحر فيمن تشيّع وشَعر ، دائرة المعارف لفريد وجدي (٩ / ٤٨٤) ، سفينة البحار (٢ / ٥٦٣) ، مجلّة المرشد (٢ / ٨٥).

ومن نماذج شعر مهيار في المذهب قوله يمدح أهل البيت عليهم‌السلام :

بكى النارَ ستراً على الموقدِ

وغارَ يغالطُ في المُنجِدِ

أحبَّ وصانَ فوَرّى هوىً

أضلَّ وخاف فلم ينشدِ

بعيدُ الإصاخةِ عن عاذلٍ

غنيُّ التفرّدِ عن مُسعدِ

حمولٌ على القلبِ وهو الضعيفُ

صبورٌ على الماءِ وهو الصدي

وقورٌ وما الخُرقُ من حازمٍ

متى ما يَرُح شيبُهُ يغتدي

ويا قلبُ إن قادك الغانياتُ

فكم رسَنٍ فيك لم يَنْقَدِ

أفِقْ فكأنّي بها قد أُمِرَّ

بأفواهها العذبُ من موردي

وسُوِّدَ ما ابيضَّ من ودِّها

بما بيّضَ الدهرُ من أسوَدي

وما الشيبُ أوّلُ غدرِ الزمانِ

بلى من عوائدِهِ العوّدِ

لحَا اللهُ حظّي كما لا يجودُ

بما أستحقُّ وكم أجتدي

__________________

(١) المنتظم : ١٥ / ٢٦٠ رقم ٣٢٠٨ ، وفيات الأعيان : ٥ / ٣٥٩ رقم ٧٥٥ ، دمية القصر : ١ / ٣٠٣ ، البداية والنهاية : ١٢ / ٥٢ حوادث سنة ٤٢٨ ه‍ ، الكامل في التاريخ : ٦ / ٨٥ حوادث سنة ٤٢٨ ه‍ ، أمل الآمل : ٢ / ٣٢٩ رقم ١٠٢١ ، روض المناظر : ٢ / ٤٩ ، الأعلام : ٧ / ٣١٧ ، شذرات الذهب : ٥ / ١٤٤ ، مؤلّفات جرجي زيدان الكامله ـ تاريخ آداب اللغة ـ : مج ١٤ / ٩٤ ، نسمة السحر : مج ٩ / ج ٢ / ٥٤٨ ، سفينة البحار : ٨ / ١٥٤.

٣٢٧

وكم أتعلّلُ عيشَ السقيمِ

أُذمِّمُ يومي وأرجو غدي

لئن نامَ دهريَ دون المنى

وأصبحَ عن نَيلها مُقعدي

ولم أكُ أحمدُ أفعالَهُ

فلي أسوةٌ ببني أحمدِ

بخير الورى وبني خيرِهمْ

إذا ولَدُ الخيرِ لم يُولَدِ

وأكرمِ حيٍّ على الأرض قامَ

وميتٍ توسّدَ في مَلحدِ

وبيتٍ تقاصرُ عنه البيوتُ

وطالَ عليّا (١) على الفرقدِ

تحوم الملائكُ من حولِهِ

ويُصبحُ للوحي دارَ الندي

ألا سَلْ قريشاً ولُمْ منهمُ

من استوجبَ اللومَ أو فنِّدِ

وقل : ما لكم بعد طولِ الضلا

لِ لم تشكروا نعمةَ المرشدِ

أتاكم على فترةٍ فاستقامَ

بكم جائرين عن المقصدِ

وولّى حميداً إلى ربِّه

ومن سنَّ ما سنّه يُحمَدِ

وقد جعل الأمرَ من بعدِهِ

لحيدرٍ بالخبرِ المُسنَدِ

وسمّاه مولىً بإقرار من

لو اتّبعَ الحقَّ لم يَجْحَدِ

فملتم بها حسدَ الفضلِ عنه

ومن يكُ خيرَ الورى يُحْسَدِ

وقلتم بذاك قضى الاجتماع

ألا إنّما الحقُّ للمفردِ

يعزُّ على هاشمٍ والنبيِ

تلاعُبُ تَيمٍ بها أو عدي

وإرثُ عليٍّ لأولادِهِ

إذا آيةُ الإرثِ لم تُفسَدِ

فمن قاعدٍ منهمُ خائفٍ

ومِن ثائرٍ قام لم يُسعَدِ

تَسَلَّطُ بغياً أكفُ النفا

قِ منهم على سيّدٍ سيّدِ

وما صُرفوا عن مقامِ الصلاةِ

ولا عُنِّفوا في بُنى (٢) المسجدِ

أبوهم وأمّهمُ مَن علم

ـتَ فأنقص مفاخرَهمْ أو زدِ

__________________

(١) كذا في الديوان بالنصب.

(٢) بُنى : جمع بُنية. (المؤلف)

٣٢٨

أرى الدينَ من بعد يومِ الحسين

عليلاً له الموتُ بالمرصَدِ

وما الشركُ للهِ من قبلِهِ

إذا أنتَ قستَ بمستبعَدِ

وما آلُ حربٍ جنوا إنّما

أعادوا الضلالَ على من بُدي

سيعلمُ من فاطمٌ خصمُهُ

بأيِّ نكالٍ غداً يرتدي

ومن ساء أحمدَ يا سِبطَهُ

فباءَ بقتلِكَ ما ذا يدي

فداؤك نفسي ومن لي بذا

كَ لو أنّ مولىً بعبدٍ فُدي

وليت دمي ما سقى الأرضَ منك

يقوتُ الردى وأكون الردي

وليت سبقتُ فكنتُ الشهيدَ

أمامَكَ يا صاحبَ المشهدِ

عسى الدهرُ يشفي غداً من عدا

ك قلبَ مَغيظٍ بهم مُكمَدِ

عسى سطوةُ الحقِّ تعلو الُمحال

عسى يُغلَبُ النقصُ بالسؤددِ

وقد فعلَ اللهُ لكنّني

أرى كبدي بعدُ لم تبرُدِ

بسمعي لقائمِكم دعوةٌ

يُلبّي لها كلُّ مستنجَدِ

أنا العبدُ والاكمُ عقدُهُ

إذا القولُ بالقلبِ لم يُعقَدِ

وفيكم ودادي وديني معاً

وإن كان في فارسٍ مولدي

خصمتُ ضلالي بكم فاهتديتُ

ولولاكمُ لم أكنْ أهتدي

وجرّدتموني وقد كنتُ في

يدِ الشركِ كالصارمِ المُغمَدِ

ولا زال شعريَ من نائحٍ

يُنَقَّلُ فيكمْ إلى مُنشدِ

وما فاتني نصرُكمْ باللسانِ

إذا فاتني نصرُكمْ باليدِ (١)

وقال يرثي أمير المؤمنين عليّا وولده الحسين ويذكر مناقبهما ، وكان ذلك من نذائرِ ما منَّ الله تعالى به من نعمة الإسلام في المحرّم سنة (٣٩٢) (٢):

يزوِّرُ عن حسناءَ زورةَ خائفِ

تعرُّضُ طيفٍ آخرَ الليلِ طائفِ

__________________

(١) ديوان مهيار : ١ / ٢٩٨.

(٢) كذا في ديوانه [٢ / ٢٥٩] ، وقد مرّ عن المعاجم أنّه أسلم سنة (٣٩٤). (المؤلف)

٣٢٩

فأشبهها لم تغدُ مِسكاً لناشقٍ

كما عوّدَتْ ولا رحيقاً لراشفِ

قصيّةُ دارٍ قرّبَ النومُ شخصَها

وما نعةٌ أهدت سلامَ مساعفِ

ألينُ وتُغري بالإباءِ كأنّما

تبرُّ بهجراني أليّةَ حالفِ

وبالغور للناسينَ عهديَ منزلٌ

حنانَيْكَ من شاتٍ لديه وصائفِ

أغالطُ فيهِ سائلاً لا جهالةً

فأسألُ عنه وهو بادي المعارفِ

ويعذلُني في الدارِ صحبي كأنّني

على عرصاتِ الحبِّ أوّلُ واقفِ

خليليَّ إن حالت ـ ولم أرضَ ـ بيننا

طِوالُ الفيافي أو عِراضُ التنائفِ (١)

فلا زُرَّ ذاك السجفُ إلاّ لكاشفٍ

ولا تمَّ ذاك البدرُ إلاّ لكاسفِ

فإن خِفتما شوقي فقد تأمنانِهِ

بخاتلةٍ بين القنا والمخاوفِ

بصفراءَ لو حلّتْ قديماً لشاربٍ

لضنّت فما حلّتْ فتاة لقاطفِ

يطوفُ بها من آلِ كسرى مقرطَقٌ

يحدِّث عنها من ملوكِ الطوائفِ (٢)

سقى الحُسْنُ حمراءَ السلافةِ خدَّهُ

فأنبعَ نبتاً أخضراً في السوائفِ (٣)

وأحلفُ أنّى شُعشِعَتْ لي بكفِّه

سلوتُ سوى همٍّ لقلبي مُحالفِ

عصيتُ على الأيّامِ أن ينتزعنَهُ

بنهي عذولٍ أو خداعِ ملاطفِ

جوىً كلّما استخفى ليخمدَ هاجَهُ

سنا بارقٍ من أرضِ كوفانَ خاطفِ

يذكِّرُني مثوى عليٍّ كأنّني

سمعتُ بذاك الرزءِ صيحةَ هاتفِ

ركبتُ القوافي ردفَ شوقي مطيّةً

تَخبُّ بجاري دمعيَ المترادفِ

إلى غايةٍ من مدحِهِ إن بلغتُها

هزأتُ بأذيالِ الرياحِ العواصفِ

وما أنا من تلكَ المفازةِ مدركٌ

بنفسي ولو عرّضتُها للمتالفِ

ولكن تؤدّي الشهدَ إصبعُ ذائقٍ

وتعلَقُ ريحَ المسكِ راحةُ دائفِ (٤)

__________________

(١) التنائف : جمع تنوفة ، وهي القفر من الأرض.

(٢) مقرطق : لابس القرطق ، وهو قباء ذو طاق واحد. (المؤلف)

(٣) يريد بالنبت ، العذار. السوائف ـ جمع سائفة ـ : هي القطعة من اللحم. (المؤلف)

(٤) الدائف : الخالط الذي يخلط المسك بغيره من الطيب. (المؤلف)

٣٣٠

بنفسيَ من كانتْ مع اللهِ نفسُهُ

إذا قلَّ يومَ الحقِّ من لم يجازفِ

إذا ما عزوا ديناً فآخرُ عابدٍ

وإن قسموا دنياً فأوّلُ عائفِ

كفى يومُ بدرٍ شاهداً وهوازنٌ

لمستأخرينَ عنهما ومزاحفِ

وخيبرُ ذاتُ البابِ وهي ثقيلةُ ال

ـمرامِ على أيدي الخطوبِ الخفائفِ

أبا حسنٍ إن أنكروا الحقَّ واضحاً

على أنَّه واللهِ إنكارُ عارفِ

فإلاّ سعى للبينِ أخمصُ بازلٍ

وإلاّ سمتْ للنعل إصبعُ خاصفِ

وإلاّ كما كنتَ ابنَ عمٍّ ووالياً

وصهراً وصنواً كان من لم يقارفِ

أخصّكَ بالتفضيلِ إلاّ لعلمِهِ

بعجزِهمُ عن بعضِ تلك المواقفِ

نوى الغدرَ أقوامٌ فخانوك بعدَهُ

وما آنِفٌ في الغدرِ إلاّ كسالِفِ

وهبْهُمْ سَفاهاً صحّحوا فيك قولَهُ

فهل دفعوا ما عندَهُ في المصاحفِ

سلامٌ على الإسلامِ بعدَكَ إنّهم

يسومونه بالجورِ خطّةَ خاسفِ

وجدّدها بالطفِّ بابنِكَ عصبةٌ

أباحوا لذاك القرفِ حكّةَ قارفِ (١)

يعزُّ على محمدٍ بابن بنتِهِ

صبيبُ دمٍ من بين جنبيه واكفِ

أجازوكَ حقّا في الخلافةِ غادروا

جوامعَ (٢) منه في رقابِ الخلائفِ

أيا عاطشاً في مصرعٍ لو شهدتُهُ

سقيتُكَ فيه من دموعي الذوارفِ

سقى غُلّتي بحرٌ بقبرِكَ إنّني

على غير إلمامٍ به غيرُ آسفِ

وأهدى إليه الزائرون تحيّتي

لِأَشْرُفَ إنْ عيني له لم تشارفِ

وعادوا فذرّوا بين جنبيَّ تربةً

شفائيَ ممّا استحقبوا في المخاوفِ (٣)

أسرُّ لمن والاك حبَّ موافقٍ

وأبدي لمن عاداكَ سبَّ مخالفِ

دعيٌّ سعى سعي الأُسودِ وقد مشى

سواه إليها أمسِ مشيَ الخوالفِ (٤)

__________________

(١) القرف : البغي. (المؤلف)

(٢) الجوامع : الأغلال. (المؤلف)

(٣) استحقبوا : ادّخروا. (المؤلف)

(٤) الخوالف : النساء. (المؤلف)

٣٣١

وأغرى بك الحسّادَ أنّك لم تكنْ

على صنمٍ فيما رووهُ بعاكفِ

وكنت حصانَ الجيبِ من يدِ غامرٍ

كذاك حصانَ العرضِ من فمِ قاذفِ

وما نسبٌ ما بين جنبيَّ تالدٌ

بغالبِ ودٍّ بين جنبيَّ طارفِ

وكم حاسدٍ لي ودَّ لو لم يعشْ ولم

أُنابلْهُ في تأبينِكم وأسايفِ (١)

تصرّفتُ في مدحيكمُ فتركتُهُ

يعضُّ عليَّ الكفَّ عضَّ الصوارفِ (٢)

هواكمْ هو الدنيا وأعلمُ أنّهُ

يُبيِّضُ يومَ الحشرِ سُودَ الصحائفِ

وأُنشِدَ قصيدةً في مراثي أهل البيت عليهم‌السلام من مرذول الشعر على هذا الرويِ الذي يجيء ، وسُئل أن يعمل أبياتاً في وزنها على قافيتها ، فقال هذه في الوقت (٣):

مشينَ لنا بين مِيلٍ وهِيفِ

فقل في قناةٍ وقل في نزيفِ (٤)

على كلّ غصنٍ ثمارُ الشبا

بِ من مُجتنيه دواني القُطوفِ

ومن عَجَبِ الحسنِ أنّ الثقي

ـلَ منه يُدِلُّ بحملِ الخفيفِ

خليليّ ما خُبرُ ما تُبصرا

نِ بين خلاخيلِها والشنوفِ (٥)

سلاني به فالجمالُ اسمُهُ

ومعناهُ مَفسدةٌ للعفيفِ

أمن عربيّة تحتَ الظلامِ

تولجُ ذاك الخيالِ المُطيفِ

سرى عينها أو شبيهاً (٦) فَكا

د يفضحُ نوميَ بين الضيوفِ

نعم ودعا ذكرَ عهدِ الصبا

سيلقاه قلبي بعهدٍ ضعيفِ

بآلِ عليٍّ صروفُ الزمانِ

بسطنَ لساني لذمِّ الصروفِ

__________________

(١) أنابله : أرميه بالنبل. أسايف : أجالده بالسيف. (المؤلف)

(٢) الصوارف ـ جمع صارف ـ : وهو الناب. (المؤلف)

(٣) ديوان مهيار : ٢ / ٢٦٢.

(٤) النزيف : السكران. (المؤلف)

(٥) الشنوف ـ جمع شَنَف ـ : وهو القرط يُعلَّقُ بأعلى الأذن. (المؤلف)

(٦) كذا في الديوان بالنصب.

٣٣٢

مصابي على بُعدِ داري بهمْ

مصابُ الأليفِ بفقدِ الأليفِ

وليس صديقيَ غيرَ الحزينِ

ليومِ الحسينِ وغيرَ الأَسوفِ (١)

هو الغصن (٢) كان كميناً فهبَ

لدى كربلاءَ بريحٍ عصوفِ

قتيلٌ به ثارَ غِلُّ النفوسِ

كما نَغَر الجرحَ حكُّ القُروفِ (٣)

بكلِّ يدٍ أمسِ قد بايعتْهُ

وساقت له اليومَ أيدي الحتوفِ

نسوا جدَّهُ عند عهدٍ قريبٍ

وتالدَهُ معَ حقٍّ طريفِ

فطاروا له حاملين النفاقَ

بأجنحةٍ غِشُّها في الحفيفِ (٤)

يعزُّ عليَّ ارتقاءُ المنونِ

إلى جبلٍ منك عالٍ منيفِ

ووجهُكَ ذاكَ الأغرُّ التريبُ

يُشَهَّرُ وهو على الشمس موفي

على ألعنِ أمرِه قد سعى

بذاك الذميلِ وذاك الوجيفِ (٥)

وويلُ امّ مأمورِهم لو أطاعَ

لقد باعَ جنّتَه بالطفيفِ

وأنت وإن دافعوك الإمامُ

وكان أبوك برغمِ الأنوفِ

لِمَن آيةُ البابِ يومَ اليهودِ

ومن صاحبُ الجنِّ يومَ الخسيفِ

ومن جمعَ الدينَ في يومِ بدرٍ

وأُحدٍ بتفريقِ تلك الصفوفِ

وهدّمَ في اللهِ أصنامَهمْ

بمرأى عيونٍ عليها عُكوفِ

أغيرُ أبيكَ إمامِ الهدى

ضياءِ النديِّ هزبرِ العزيفِ (٦)

تفلّلَ سيفٌ به ضرّجوك

لَسوّدَ خِزياً وجوهَ السيوفِ

__________________

(١) الأسوف : السريع الحزن ، الرقيق القلب. (المؤلف)

(٢) كذا في مطبوع ديوانه والصحيح : هو الضغن. (المؤلف)

(٣) نغر : أسال. القروف ـ جمع قرف ـ : هي القشرة تعلو الجرح. (المؤلف)

(٤) الحفيف : صوت أجنحة الطائر. (المؤلف)

(٥) الذميل : السير الليّن. الوجيف : ضرب من السير سريع.

(٦) العزيف : صوت الرمال إذا هبّت عليها الرياح. ولعلّ الصحيح : الغريف ـ معجمة العين مهملة الراء ـ : وهو الأجمة. (المؤلف)

٣٣٣

أمرَّ بفيَّ عليك الزلالُ

وآلمَ جِلديَ وقعُ الشفوفِ (١)

أتحملُ فقدَك ذاك العظيمَ

جوارحُ جسميَ هذا الضعيفِ

ولهفي عليك مقالُ الخبي

ـر : إنّك تُبرِدُ حَرَّ اللهيفِ

أنشرُك ما حملَ الزائرو

ن أم المسكُ خالطَ تربَ الطفوفِ

كأنّ ضريحَك زهرُ الربي

ـعِ هبّتْ عليه نسيمُ الخريفِ

أحبّكمُ ما سعى طائفٌ

وحنّتْ مطوَّقةٌ في الهُتوفِ

وإن كنتُ من فارسَ فالشري

ـفُ معتلِقٌ ودُّهُ بالشريفِ

ركبتُ على من يعاديكُمُ

ويفسدُ تفضيلَكمْ بالوقوفِ

سوابقَ (٢) من مدحِكمْ لم أهبْ

صعوبةَ ريِّضِها والقَطوفِ (٣)

تُقطِّرُ غيريَ أصلابُها

وتزلقُ أكفالُها بالرديفِ (٤)

وقال يمدح أهل البيت عليهم‌السلام (٥) وهي من أوّل قوله :

سلا من سلا من بنا استبدلا

وكيف محا الآخرُ الأوّلا

وأيُّ هوىً حادثِ العهد أم

ـسِ أنساه ذاك الهوى المُحوِلا (٦)

وأينَ المواثيقُ والعاذلاتُ

يضيقُ عليهنَّ أن تعذلا

أكانتْ أضاليلَ وعدِ الزما

ن أم حُلُمَ الليلِ ثمّ انجلى

وممّا جرى الدمعُ فيه سؤا

لُ من تاه بالحسنِ أن يُسألا

__________________

(١) الشفوف ـ جمع شف ـ : وهو الثوب الرقيق. (المؤلف)

(٢) مفعول به لقوله السابق : ركبت.

(٣) الريِّض : الدابّة أوّل ما تراض وهي صعبة. القَطوف : الدابّة التي تسيء المسير وتبطئ. (المؤلف)

(٤) تقطِّر : تلقي الإنسان على قطره ، أي على أعلى ظهره. الرديف : الراكب خلف الراكب. (المؤلف)

(٥) ديوان مهيار : ٣ / ٤٨.

(٦) المُحْول : الذي أتى عليه حول بعد حول أي سنون. (المؤلف)

٣٣٤

أقول برامةَ (١) يا صاحبيّ

مَعاجاً (٢) وإن فعلا أجملا

قفا لعليلٍ فإنّ الوقوفَ

وإن هو لم يشفِه عَلّلا

بغربيِّ وجرةَ (٣) ينشدنه

وإن زادنا صلةً منزلا (٤)

وحسناءَ لو أنصفتْ حسنَها

لكان من القبحِ أن تبخلا

رأت هجرَها مُرخِصاً من دمي

على النأي عِلقاً قديماً غلا (٥)

ورُبّتَ واشٍ بها منبضٍ (٦)

أسابقه الردّ أن يُنبلا

رأى ودَّها طللاً مُمحِلا

فلفّق ما شاء أن يَمحلا

وألسنة كأعالي الرماحِ

رددتُ وقد شرعتْ ذُبَّلا (٧)

ويأبى لحسناءَ إن أقبلتْ

تعرُّضَها قمراً مُقبلا

سقى الله ليلاتِنا بالغُوَي

ـرِ فيما أعلَّ وما أنهلا (٨)

حياً كلّما أسبلت مقلةٌ

حنيناً له عبرةً أسبلا (٩)

وخصَّ وإن لم تعد ليلةً

خلتْ فالكرى بعدها ماحَلا

وفَى الطيفُ فيها بميعادِهِ

وكان تعوّد أن يمطُلا

فما كان أقصرَ ليلي به

وما كان لو لم يَزُر أطولا

مساحبُ قصّر عنّي المشي

ـبُ ما كان منها الصبا ذَيّلا

__________________

(١) رامة : هي موضع في طريق البصرة إلى مكة. معجم البلدان : ٣ / ١٨.

(٢) معاجاً : مصدر ميمي من : عاج يعوج بمعنى عطف.

(٣) وجرة : موضع بين مكة والبصرة ، بينها وبين مكة نحو أربعين ميلاً. معجم البلدان : ٥ / ٣٦٢.

(٤) كذا في ديوانه ، والصحيح كما ينشده أدباء النجف الأشرف : بغربيِّ وجرةَ ينشد به وإن زادنا ظلةً منزلا (المؤلف)

(٥) العلق : الشيء النفيس. (المؤلف)

(٦) النبض : الذي يشدّ وتر القوس لتصوّت. (المؤلف)

(٧) الذُبَّل جمع ذابل : وهو الدقيق من الرماح. (المؤلف)

(٨) العلّ : الشرب الثاني. النهل : أوّل الشرب. (المؤلف)

(٩) الحيا : المطر.

٣٣٥

ستصرفني نزواتُ الهمو

مِ بالأرَبِ الجِدِّ أن أهزِلا

وتنحتُ من طرَفي زفرةٌ

مباردها تأكل المُنصُلا (١)

وأُغرى بتأبين آل النبي

يِ وإن نسّبَ الشعرُ أو غَزّلا

بنفسي نجومَهمُ المخمَداتِ

ويأبى الهدى غير أن تُشعَلا

وأجسامَ نورٍ لهم في الصعي

ـد تملؤه فيُضيء الملا

ببطن الثرى حملُ ما لم تُطِقْ

على ظهرها الأرضُ أن تحملا

تفيض فكانت ندىً أبحراً

وتهوي فكانت عُلاً أجبُلا

سلِ المتحدّي بهم في الفخا

ر أين سَمَتْ شرفاتُ العلى

بمن باهلَ اللهُ أعداءَهُ

فكان الرسولُ بهم أبهلا

وهذا الكتابُ وإعجازُهُ

على من وفي بيتِ من نُزِّلا

وبدرٌ وبدرٌ به الدين تَم

مَ من كان فيه جميلَ البلا

ومن نام قومٌ سواه وقام

ومن كان أفقهَ أو أعدلا

بمن فُصِل الحكمُ يومَ الجنين

فطبّقَ في ذلك المَفصِلا (٢)

مساعٍ أطيلُ بتفصيلها

كفى معجزاً ذكرُها مجملا

يميناً لقد سُلِّط الملحدونَ

على الحقِّ أو كاد أن يبطُلا

فلو لا ضمانٌ لنا في الطهورِ

قضى جدَلُ القولِ أن نخجلا

أاللهَ يا قومُ يقضي النبيُ

مطاعاً فيُعصى وما غُسِّلا

ويوصي فنخرُصُ دعوى علي

ـهِ في تركِهِ دينَهُ مهملا

ويجتمعون على زعمِهمْ

ويُنبيك سعد (٣) بما أشكلا

__________________

(١) المُنصُل : السيف. (المؤلف)

(٢) يقال للرجل إذا أصاب مهجة الصواب : طبّق المفصل. وقصّة الجنين إحدى قضايا الإمام عليه‌السلام. (المؤلف)

(٣) يشير إلى سعد بن عبادة أمير الخزرج وقد أبى بيعة أبي بكر ، وبقي على ذلك حتى مات ، وقصّته مودوعة في التاريخ. (المؤلف)

٣٣٦

فيُعقبُ إجماعُهم أن يبى

ـتَ مفضولُهمْ يقدُمُ الأفضلا

وأن يُنزعَ الأمرُ من أهلِهِ

لأنّ عليّا له أُهِّلا

وساروا يحطّون في آلِهِ

بظلمهمُ كلكلاً كلكلا (١)

تدبُّ عقاربُ من كيدِهمْ

فتفنيهمُ أوّلاً أوّلا

أضاليلُ ساقتْ مصابَ الحسينِ

وما قبلَ ذاك وما قد تلا

أُميّةُ لابسةٌ عارَهَا

وإن خفي الثارُ أو حُصِّلا

فيومُ السقيفةِ يا ابن النبي

يِ طرّق يومك في كربلا

وغصبُ أبيكَ على حقِّه

وأمِّك حَسّنَ أن تُقتَلا

أيا راكباً ظهرَ مجدولةٍ

تُخالُ إذا انبسطت أجدلا (٢)

شأت أربَعَ الريحِ في أربعٍ

إذا ما انتشرنَ طوينَ الفلا

إذا وكّلتْ طرفَها بالسماء

خِيل بإدراكها وُكِّلا

فعزّتْ غزالتَها غُرّةً

وطالت غزالَ الفلا أَيْطَلا (٣)

كطيِّك في منتهىً واحدٍ (٤)

لنُدرك يثربَ أو مرقلا (٥)

فَصِلْ ناجياً وعليَّ الأمانُ

لمن كان في حاجةٍ موصَلا

تحمَّلْ رسالةَ صبٍّ حملتَ

فنادِ بها أحمدَ المرسَلا

وحيِّ وقل يا نبيَّ الهدى

تأشّبَ نهجُك واستوغلا (٦)

__________________

(١) الكلكل : الصدر أو ما بين الترقوتين. (المؤلف)

(٢) المجدولة : من : جدلَ الولد إذا قوي وصلب عظمه. الأجدل : الصقر. (المؤلف)

(٣) عزّت : غلبت. الغزالة : الشمس عند ارتفاعها. الأَيْطَل : الخاصرة. (المؤلف)

(٤) كذا في مطبوع ديوانه ، والمحفوظ عند أدباء النجف الأشرف : أظنّك في متنها واخداً. والوخد ضرب من سير الإبل سريع. (المؤلف)

(٥) المُرقِل : المسرع في سيره. (المؤلف)

(٦) تأشّب : اختلط. (المؤلف)

٣٣٧

قضيتَ فأرمَضَنا ما قضيتَ

وشرعُك قد تمَّ واستكملا (١)

فرامَ ابنُ عمِّك فيما سنن

ـتَ أن يتقبّل أو يَمثُلا

فخانك فيه من الغادري

ـن من غيّرَ الحقَّ أو بدّلا

إلى أن تحلّتْ بها تيمُها

وأضحتْ بنو هاشم عُطَّلا

ولمّا سرى أمرُ تيمٍ أطا

لَ بيتُ عديٍّ لها الأحبلا (٢)

ومدّت أُميّةُ أعناقَها

وقد هوّنَ الخطبَ واستسهلا

فنال ابنُ عفّانَ ما لم يكنْ

يُظنُّ وما نال بَلْ نُوِّلا

فقرَّ وأنعمُ عيش يكو

نُ من قبلِهِ خشناً قُلقلا (٣)

وقلَّبها أردشيريّةً

فحرّق فيها بما أشعلا

وساروا فساقوه أو أوردوه

حياضَ الردى منهلاً منهلا

ولمّا امتطاها عليٌّ أخو

ك ردَّ إلى الحقِّ فاستثقِلا

وجاؤوا يسومونه القاتلينَ

وهم قد ولُوا ذلك المقتَلا

وكانت هناةٌ وأنت الخصيمُ

غداً والمُعاجَلُ من أُمهِلا

لكمْ آلَ ياسينَ مدحي صفا

وودِّي حَلا وفؤادي خلا

وعندي لأعدائكم نافذا

تُ قوليَ ما صاحبَ المِقْوَلا (٤)

إذا ضاق بالسيرِ ذرعُ الرفيقِ

ملأتُ بهنّ فروجَ الملا

فواقرُ من كلِّ سهمٍ تكونُ

له كلُّ جارحةٍ مقتَلا

وهلاّ ونهجُ طريقِ النجاةِ

بكم لاحَ لي بعد ما أشكلا

__________________

(١) أرمضنا : أحرقنا غَيْظاً.

(٢) كذا في ديوانه المطبوع والمحفوظ عند خطبائنا : ولمّا سرى أمرُ تيمٍ وطالَ مدّت عديٌّ لها الأرجلا(المؤلف)

(٣) القلقل : غير القار. (المؤلف)

(٤) المِقْوَل : اللسان. (المؤلف)

٣٣٨

ركبتُ لكم لَقَمي فاستننت (١)

وكنتُ أُخابطُه مَجهَلا

وفُكَّ من الشِّرك أسري وكا

ن غُلاّ على منكبي مُقفلا

أُواليكمُ ما جرت مُزْنةٌ

وما اصطخب الرعدُ أو جلجَلا

وأبرأ ممّن يُعاديكمُ

فإنّ البراءةَ أصلُ الولا

ومولاكمُ لا يخافُ العقابَ

فكونوا له في غدٍ موئلا

وقال يذكر مناقب أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليه ـ وما مُني به من أعدائه (٢):

إن كنتَ ممّن يلجُ الوادي فسلْ

بين البيوتِ عن فؤادي ما فعلْ

وهل رأيتَ والغريبُ ما ترى

واجدَ جسمٍ قلبُه منه يضِلْ

وقل لغزلانِ النقا مات الهوى

وطُلِّقتْ بعدكمُ بنتُ الغزلْ

وعادَ عنكنّ يخيبُ قانصٌ

مدَّ الحبالات لكُنَّ فاحتُبلْ (٣)

يا من يرى قتلى السيوفِ حُظِرتْ

دماؤهمْ اللهَ في قتلى المُقَلْ

ما عند سكّانِ مِنىً في رجلٍ

سباه ظبيٌ وهو في ألف رَجُلْ

دافعَ عن صفحته شوكُ القنا

وجرّحتْهُ أعينُ السربِ النُّجُلْ

دمٌ حرامٌ للأخِ المسلمِ في

أرضٍ حرامٍ يا لَ نُعْمٍ كيف حلْ

قلتِ شكا فأين دعوى صبرِهِ

كُرِّي اللحاظَ واسألي عن الخبلْ

عنَّ هواكِ فأذلَّ جَلَدي

والحبُّ ما رقَّ له الجَلْدُ وذَلْ (٤)

من دلَّ مسراكِ عليَّ في الدجى

هيهاتَ في وجهِكِ بدرٌ لا يَدُلْ

رمتِ الجمالَ فملكتِ عنوةً

أعناقَ ما دقَّ من الحسنِ وجلْ

__________________

(١) اللَّقَم : معظم الطريق وواضحه. استننت : ذهبت في واضح الطريق. (المؤلف)

(٢) ديوان مهيار : ٣ / ١٠٩.

(٣) فاحتبل : فصيد بالحبالة. (المؤلف)

(٤) الجَلَد : الصبر. الجَلِد : القويّ الشديد. (المؤلف)

٣٣٩

لواحظاً علَّمَتِ الضربَ الظبا

على قوامٍ علّمَ الطعنَ الأسلْ (١)

يا من رأى بحاجرٍ مَجاليا

من حيثُ ما استقبلها فهي قِبَلْ (٢)

إذا مررتَ بالقِبابِ من قُبا

مرفوعةً وقد هوتْ شمسُ الأصُلْ (٣)

فقل لأقمارِ السماءِ اختمري

فحلبةُ الحسنِ لأقمارِ الكِلَلْ (٤)

أينَ ليالينا على الخيفِ وهلْ

يردُّ عيشاً بالحمى قولُكَ هلْ

ما كنَّ إلاّ حُلُماً روّعه الصّ

بحُ وظلاّ كالشبابِ فانتقلْ

ما جمعتْ قطُّ الشبابَ والغنى

يدُ امرئٍ ولا المشيبَ والجذلْ

يا ليتَ ما سوّدَ أيّامَ الصبا

أعدى بياضاً في العذارين نزلْ

ما خلتُ سوداءَ بياضي نصَلتْ

حتى ذوى أسودُ رأسي فنصَلْ (٥)

طارقةٌ من الزمانِ أخذتْ

أواخرَ العيش بفَرْطات الأُوَلْ

قد أنذرتْ مُبيضّةٌ أن حذّرتْ

ونَطَقَ الشيبُ بنصحٍ لو قُبِلْ

ودلّ ما حطَّ عليك من سني

عمرِك أنّ الحظَّ فيما قد رحلْ

كم عِبرةٍ وأنت من عظاتِها

ملتفتٌ تتبعُ شيطانَ الأملْ

ما بين يُمناك وبين أختِها

إلاّ كما بين مُناك والأَجلْ

فاعمل من اليوم لِما تلقى غداً

أو لا فقل خيراً تُوَفَّقْ للعملْ

وَرِدْ خفيفَ الظهر حوضَ أُسرةٍ

إن ثقّلوا الميزانَ في الخيرِ ثَقَلْ

أُشددْ يداً بحبِّ آلِ أحمدٍ

فإنّه عقدةُ فوزٍ لا تُحَلْ

وابعث لهم مراثياً ومِدَحاً

صفوةَ ما راضَ الضميرُ ونخَلْ

__________________

(١) الظبا ـ جمع الظبة ـ : حدّ السيف. الأسل : الرمح. (المؤلف)

(٢) الحاجر : ما يمسك الماء من شقة الوادي.

(٣) قبا : اسم موضع بالمدينة فيه مسجد لرسول الله صلي الله عليه وآله. الأُصُل ـ جمع أصيل ـ : وهو وقت ما بعد العصر إلى المغرب. (المؤلف)

(٤) الكِلَل ـ جمع كِلّة ـ : ثياب يُغَطّى بها الهودج.

(٥) نصَلَ : خرجَ من خضابه. (المؤلف)

٣٤٠