الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي
المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١
إنَّ الرسول لسيفٌ يُستضاء به |
|
وصارمٌ من سيوف الله مسلولُ |
أشار صلىاللهعليهوآلهوسلم بكمّه إلى الخلق ليسمعوا منه. ويُروى أنَّ كعباً أنشد : من سيوف الهند. فقال النبيُّ صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من سيوف الله» (١).
وكارتياحه صلىاللهعليهوآلهوسلم لشعر عبد الله بن رواحة ، قال البراء بن عازب : رأيت النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ينقل من تراب الخندق حتى وارى التراب جلد بطنه ، وهو يرتجز بكلمة عبد الله بن رواحة :
لاهُمَّ لو لا أنت ما اهتدَيْنا |
|
ولا تصدّقنا ولا صَلّينا |
فأنزِلَنْ سكينةً علينا |
|
وثبِّتِ الأقدامَ إن لاقينا |
إنَّ أُولاءِ قد بَغَوا علينا |
|
وإنْ أرادوا فتنةً أبَيْنا (٢) |
ويظهر من رواية ابن سعد في طبقاته (٣) وابن الأثير (٤) أنَّ الأبيات لعامر بن الأكوع.
روى الثاني في أُسد الغابة (٥) (٣ / ٨٢) : أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعامر في مسيره إلى خيبر : «انزل يا ابن الأكوع واحدِ لنا من هناتك» (٦).
قال : نزل يرتجز برسول الله صلى الله عليه وسلم :
لاهُمَّ لو لا أنت ما اهتدينا |
|
ولا تصدّقنا ولا صلّينا |
إلى آخر الأبيات.
__________________
(١) شرح قصيدة : بانت سعاد ، لجمال الدين الأنصاري : ص ٩٨ [ص ٨٧]. (المؤلف)
(٢) مسند أحمد : ٤ / ٣٠٢ [٥ / ٣٨٨ ح ١٨٢٠٩]. (المؤلف)
(٣) الطبقات الكبرى : ٢ / ١١١.
(٤) الكامل في التاريخ : ١ / ٥٩٥ حوادث سنة ٧ ه.
(٥) أُسد الغابة : ٣ / ١٢٤ رقم ٢٦٩٩.
(٦) أي كلماتك وأراجيزك. وفي رواية : هنيأتك ، على التصغير. وفي أخرى : هنيهاتك. (المؤلف)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يرحمك ربّك ـ وفي لفظ ـ رحمك الله».
وفي الطبقات لابن سعد (١) (٣ / ٦١٩): «غفر لك ربّك».
وكارتياحه صلى الله عليه وسلم لشعر حسّان بن ثابت يوم غدير خُمّ ودعائه له بقوله : «لا تزالُ يا حسّان مؤيَّداً بروح القُدس ما نصرتَنا بلسانك».
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يضع لحسّان منبراً في مسجده الشريف ، يقوم عليه قائماً يفاخر عن رسول الله ، ويقول رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنَّ الله يؤيِّد حسّان بروح القُدس ما نافحَ أو فاخر عن رسول الله» (٢).
وكارتياحه لشعر أبي كبير الهذلي.
قالت عائشة : كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يخصف نعله ، وكنت جالسةً أغزل ، فنظرت إليه ، فجعل جبينه يعرق ، وعرقه يتولّد نوراً ، قالت : فبُهِتُّ ، فنظر إليّ فقال : «ما لكِ بهتِّ».
فقلت : يا رسول الله ، نظرت إليك فجعل جبينك يعرق ، وعرقك يتولّد نوراً ، ولو رآك أبو كبير الهُذَلي لعلم أنّك أحقُّ بشعره.
قال : «وما يقول أبو كبير؟». قلت : يقول :
ومبرَّأٌ من كلِّ غُبَّرِ حَيضةٍ |
|
وفسادِ مُرضعةٍ وداءٍ مُعْضِلِ |
وإذا نظرت إلى أسرّةِ وجهِهِ |
|
بَرِقَتْ كبرقِ العارض المتهلّلِ |
قالت : فوضع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما كان بيده ، وقام وقبّل ما بين عينيَّ ، وقال : «جزاكِ الله خيراً يا عائشة. ما سُرِرْتِ منّي كسروري منك» (٣).
__________________
(١) الطبقات الكبرى : ٢ / ١١١.
(٢) مستدرك الحاكم : ٣ / ٤٧٧ [٣ / ٥٥٤ ح ٦٠٥٨]. وصحّحه هو والذهبي في تلخيصه. (المؤلف)
(٣) حلية الأولياء لأبي نعيم : ٢ / ٤٥ [رقم ١٣٤] ، تاريخ الخطيب البغدادي : ١٣ / ٢٥٣ [رقم ٧٢١٠]. (المؤلف)
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يحثُّ الشعراء إلى هذه الناحية ، ويأمرهم بالاحتفاظ بها ، ويرشدهم إلى أخذ حديث المخالفين له وأحسابهم ، وتأريخ نشآتهم ممّن يعرفها ، وهجائهم ، كما كان يأمرهم بتعلّم القرآن العزيز ، وكان يراه نصرةً للإسلام وجهاداً دون الدين الحنيف ، وكان يصوِّر للشاعر جهاده وينصّ به ، ويقول :
«اهجوا بالشعر ؛ إنَّ المؤمن يجاهد بنفسه وماله ، والذي نفس محمد بيده كأنّما تنضحونهم بالنبل». وفي لفظ آخر : «فكأنّ ما ترمونهم به نضح النبل». وفي ثالث : «والذي نفس محمد بيده فكأنّما تنضحونهم بالنبل فيما تقولون لهم من الشعر» (١).
وكان صلىاللهعليهوآلهوسلم يثوِّر شعراءه إلى الجدال بنبال النظم وحسام القريض ، ويحرِّضهم ٢ / ٨ إلى الحماسة في مجابهة الكفّار في قولهم المضادِّ لمبدئه القدسيِّ ، ويبثُّ فيهم روحاً دينيّا قويّا ، ويؤكِّد فيهم حميّةً تجاه الحميّة الجاهليّة ، وكان يوجِد فيهم هياجاً ونشاطاً في النشر والدعاية ، وشوقاً مؤكّداً إلى الدفاع عن حامية الإسلام المقدّس ، ورغبةً في المجاهدة بالنظم بمثل قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم للشاعر : «اهج المشركين ؛ فإنَّ روح القدُس معك ما هاجيتهم» (٢) ، وقوله : «اهجُهم ؛ فإنَّ جبريل معك» (٣).
قال البراء بن عازب : إنَّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قيل له : إنَّ أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب يهجوك ، فقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله ائذن لي فيه.
فقال : «أنت الذي تقول : ثبّت الله؟». قال : نعم.
قلت يا رسول الله :
__________________
(١) مسند أحمد : ٣ / ٤٦٠ ، ٤٥٦ ، ٦ / ٣٨٧ [٤ / ٤٩٨ ح ١٥٣٦٩ ، ص ٤٩٢ ح ١٥٣٥٩ ، ٧ / ٥٣٣ ح ٢٦٦٣٣]. (المؤلف)
(٢) مسند أحمد : ٤ / ٢٩٨ [٥ / ٣٨٣ ح ١٨١٦٨] ، مستدرك الحاكم : ٣ / ٤٨٧ [٣ / ٥٥٥ ح ٦٠٦٢]. (المؤلف)
(٣) مسند أحمد : ٤ / ٢٩٩ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣ [٥ / ٣٨٤ ح ١٨١٧ ، ص ٣٨٩ ح ١٨٢١٤ ، ص ٣٩١ ح ١٨٢٢٢]. (المؤلف)
فثبّت الله ما أعطاك من حسنٍ |
|
تثبيتَ موسى ونصراً مثل ما نُصروا |
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «وأنت يفعل الله بك خيراً مثل ذلك».
قال : ثمّ وثب كعب ، فقال : يا رسول الله ائذن لي فيه. قال : «أنت الذي تقول : هَمّت؟». قال : نعم.
قلت يا رسول الله :
همّتْ سَخينةُ أن تغالبَ ربَّها |
|
فَلَيُغْلَبَنَّ مُغالبُ الغلاّبِ |
قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنَّ الله لم ينسَ ذلك لك».
قال : ثمَّ قام حسّان فقال : يا رسول الله ائذن لي فيه ، وأخرج لساناً له أسود. فقال : يا رسول الله ائذن لي إن شئتَ أفريتُ به المزاد (١).
فقال : «اذهب إلى أبي بكر ليحدِّثك حديث القوم وأيّامهم وأحسابهم ، ثمَّ اهجهم وجبريل معك» (٢).
وهذه الطائفة من الشعراء هم المعنيّون بقوله تعالى : (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) (٣).
وهم المستثنون في صريح القرآن من قوله تعالى : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) (٤).
ولمّا نزلت هذه الآية جاءت عدّة من الشعراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون قائلين : إنّا شعراء ، والله أنزل هذه الآية. فتلا النبيُّ صلى الله عليه وسلم : (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
__________________
(١) أي شققته. كناية عن إسقاطه بالفضيحة. (المؤلف)
(٢) مستدرك الحاكم : ٣ / ٤٨٨ [٣ / ٥٥٦ ح ٦٠٦٥]. (المؤلف)
(٣) الشعراء : ٢٢٧.
(٤) الشعراء : ٢٢٤.
الصالِحاتِ) قال : أنتم (وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) قال : أنتم (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) قال : أنتم (١).
وإنَّ كعب بن مالك ، أحد شعراء النبي الأعظم ، حين أنزل الله تبارك وتعالى في الشعر ما أنزل ، أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : إنَّ الله تبارك وتعالى قد أنزل في الشعر ما قد علمت ، وكيف ترى فيه؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : «إنَّ المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه» (٢).
على أنَّ في وسع الباحث أن يقول : إنَّ المراد بالشعراء في الآية الكريمة كلُّ من يأتي بكلامٍ شعريّ منظوماً [كان] أو منثوراً ، فتكون مصاديقها أحزاب الباطل وقوّالة الزور ، فعن مولانا الصادق عليهالسلام : «إنَّهم القصّاصون».
رواه شيخنا الصدوق في عقائده (٣).
وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) (ص ٤٧٤) أنَّه قال : نزلت في الذين غيّروا دين الله [بآرائهم] (٥) وخالفوا أمر الله ، هل رأيتم شاعراً قطّ تبعه أحد؟ إنّما عنى بذلك الذين وضعوا ديناً بآرائهم فتبعهم على ذلك الناس ، ويؤكِّد ذلك قوله [تعالى] : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) (٦) يعني يناظرون بالأباطيل ، ويجادلون بالحجج ، وفي كلِّ مذهب يذهبون.
وفي تفسير العيّاشي (٧) : عن أبي عبد الله عليهالسلام قال : «هم قومٌ تعلّموا وتفقّهوا بغير علم ، فضلّوا وأضلّوا».
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٣ / ٣٥٤. (المؤلف)
(٢) مسند أحمد : ٣ / ٤٥٦ [٤ / ٤٩٢ ح ١٥٣٥٨]. (المؤلف)
(٣) الاعتقادات في دين الإمامية : ص ٨٤.
(٤) تفسير القمّي : ٢ / ١٢٥.
(٥) الزيادة من المصدر.
(٦) الشعراء : ٢٢٥.
(٧) أنظر مجمع البيان للطبرسي : ٧ / ٣٢٥.
فليس في الآية حطٌّ لمقام الشعر بما هو شعر ، وإنّما الحطُّ على الباطل منه ومن المنثور ، وقد ثبت عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم عند فريقي الإسلام قوله : «إنَّ من الشعر لَحكمةً وإنَّ من البيان لَسحراً» (١).
__________________
(١) مسند أحمد : ١ / ٢٦٩ ، ٢٧٣ ، ٣٠٣ ، ٣٣٢ [١ / ٤٤٤ ح ٢٤٢٠ ، ص ٤٥١ ح ٢٤٦٩ ، ص ٤٩٨ ح ٢٧٥٦ ، ص ٥٤٦ ح ٣٠٥٩] ، سنن الدارمي : ٢ / ٢٩٦ ، صحيح البخاري [٥ / ٢١٧٦ ح ٥٤٣٤] كتاب الطب ، باب : إنَّ من البيان سحراً ، المجتنى لابن دريد : ص ٢٢ [ص ١١] ، تاريخ بغداد للخطيب : ٣ / ٩٨ [رقم ١٠٩٤] ، ص ٢٥٨ [رقم ١٣٤٩] ، و ٤ / ٢٥٤ [رقم ١٩٨٨] ، و ٨ / ١٨ [رقم ٤٠٦١] ، ٣١٤ [رقم ٤٤٠٨] ، البيان والتبيين للجاحظ : ١ / ٢١٢ ، ٢٧٥ [١ / ٢١٣ ، ٢٨٢] ، رسائل الجاحظ : ص ٢٣٥ [ص ٧٣ الرسائل الكلامية] ، مصابيح السنّة للبغوي : ٢ / ١٤٩ [٣ / ٣١١ ح ٣٧١٩ ، ٣٧٢٠] ، الروض الأُنف : ٢ / ٣٣٧ [٧ / ٤٣٧] ، تاريخ ابن كثير : ٩ / ٤٥ [٩ / ٥٦ حوادث سنة ٨٢ ه] ، تاريخ ابن عساكر : ١ / ٣٤٨ ، و ٦ / ٤٢٣ [٤ / ١٥٣ ، ٨ / ٣٠٥] ، الإصابة : ١ / ٤٥٣ [رقم ٢٢٧٤] ، و ٤ / ١٨٣ [رقم ١٠٧٢] ، تهذيب التهذيب : ٩ / ٤٥٣ [٤ / ٣٦٢ رقم ٧١٩ ، ٦ / ١٢٧ رقم ٢٨٦]. (المؤلف)
الهواتف بالشعر
وهناك هتافات غيبيّة شعريّة في الدعاية الدينيّة ، خوطبَ بها أُناسٌ في بدء الإسلام فاهتدوا بها ، وهي معدودة من معاجز النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتنمُّ عن أهميّة الشعر في باب الإلقاء والحجاج وإفهام المستمع ، وإنَّ أخذه بمجامع القلوب والأفئدة آكد من الكلام المنثور ، فَلْيُتَّخذ دستوراً في إصلاح المجتمع وبثِّ الدعاية الروحيّة. ومنها :
١ ـ سمعت آمنة بنت وهب في ولادة النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم هاتفاً يقول :
صلّى الإله وكلُّ عبدٍ صالحٍ |
|
والطيّبونَ على السِراجِ الواضحِ |
المصطفى خيرِ الأنامِ محمد |
|
الطاهرِ العَلَمِ الضياءِ اللائحِ |
زينِ الأنام المصطفى عَلَمِ الهدى |
|
الصادقِ البرِّ التقيِّ الناصحِ |
صلّى عليه اللهُ ما هبّتْ صَبا |
|
وتجاوبتْ ورق الحمام النائحِ (١) |
٢ ـ هتف هاتفٌ من صنم بصوت جهير ليلة مولد النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وقد خرّت فيها الأصنام ، وهو يقول :
تردّى لمولودٍ أنارتْ بنورِهِ |
|
جميعُ فِجاجِ الأرضِ بالشرقِ والغربِ |
وخرّت له الأوثانُ طُرّا وأَرعدتْ |
|
قلوبُ ملوكِ الأرض طُرّا من الرعبِ |
__________________
(١) بحار الأنوار : ٦ / ٧٣ [١٥ / ٣٢٥]. (المؤلف)
ونارُ جميعِ الفُرس باخَتْ وأظلمتْ |
|
وقد بات شاهُ الفرس في أعظمِ الكَربِ |
وصدّت عن الكُهّانِ بالغيب جِنُّها |
|
فلا مخبرٌ منهم بحقٍّ ولا كذبِ |
فَيالَ قُصَيٍّ ارجعوا عن ضَلالِكم |
|
وهُبّوا إلى الإسلامِ والمنزلِ الرحْبِ (١) |
٣ ـ قال ورقة : بتُّ ليلةَ مولد النبيِّ صلى الله عليه وسلم عند صنم لنا ، إذ سمعتُ من جوفه هاتفاً يقول :
وُلِدَ النبيُّ فذلَّتِ الأملاكُ |
|
ونأى الضلالُ وأدبرَ الإشراكُ |
ثمَّ انتكس الصنم على رأسه (٢).
٤ ـ قال العوام بن جُهيل ـ مُصَغّراً ـ الهمْداني سادِن يغوث : بتُّ ليلاً في بيت الصنم ، وسمعت هاتفاً من الصنم يقول : يا ابن جُهيل حلَّ بالأصنام الويل ، هذا نورٌ سطع من الأرض الحرام ، فودِّع يغوث بالسلام. فكلّمت قومي ما سمعت ، فإذا هاتفٌ يقول :
هل تسمعنَّ القول يا عوام |
|
أم أنتَ ذو وَقْرٍ عن الكلامِ |
قد كُشِفَتْ دياجرُ الظلامِ |
|
وأصفق الناسُ على الإسلامِ |
فقلت :
يا أيّها الهاتفُ بالعوامِ |
|
لستُ بذي وَقْرٍ عن الكلامِ |
فبيِّنَنْ عن سُنّةِ الإسلامِ
قال : وما كنت والله عرفت الإسلام قبل ذلك ، فأجابني يقول :
ارحل على اسمِ اللهِ والتوفيقِ |
|
رحلةَ لا وانٍ ولا مَشيقِ (٣) |
__________________
(١) تاريخ ابن كثير : ٢ / ٣٤١ [٢ / ٤١٥] ، الخصائص الكبرى للسيوطي : ١ / ٥٢ [١ / ٨٩]. (المؤلف)
(٢) الخصائص الكبرى : ١ / ٥٢ [١ / ٨٩]. (المؤلف)
(٣) المشيق : الهزيل الضامر.
إلى فريقٍ خيرِ ما فريقِ |
|
إلى النبيِّ الصادقِ المصدوقِ |
فرميت الصنم ، وخرجت أريد النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم فصادفت وفد هَمْدان يدور بالنبيِّ ، فدخلتُ عليه ، فأخبرته خبري فَسُرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ثمّ قال : «أخبر المسلمين» وأمرني بكسر الأصنام ، فرجعت إلى اليمن ، وقد امتحن الله قلبي بالإسلام ، وقلت في ذلك :
فمن مبلغٌ عنّا شآميَّ قومِنا |
|
ومن حل بالأجوافِ سرّا وأجهرا |
بأنّا هدانا اللهُ لِلحقِّ بعدَ ما |
|
تهوّدَ منّا حائرٌ وتنصّرا |
وإنّا سَرَيْنا من يغوثٍ وقربه |
|
يعوقُ وتابعناكَ يا خيِّر الورى (١) |
٥ ـ أخرج أبو نعيم في دلائل النبوّة (٢) (١ / ٣٤) عن العبّاس بن مرداس السلمي قال : دخلت على وثن يقال له الضمار ، فكنستُ ما حوله ومسحتُه وقبّلته ، فإذا بصائح يصيح : يا عبّاس بن مرداس :
قل للقبائلِ من سُليمٍ كلّها |
|
هلكَ الأنيسُ وفاز أهلُ المسجدِ |
أودى ضِمارُ وكان يُعبَدُ مرّةً |
|
قبلَ الكتابِ إلى النبيِّ محمد |
إنَّ الذي ورِثَ النبوّةَ والهدى |
|
بعد ابنِ مريمَ من قريش مهتدي |
فخرج العبّاس في ثلاثمائة راكب من قومه إلى النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فلمّا رآه النبيُّ تبسّم ثمّ قال : «يا عبّاس بن مرداس كيف كان إسلامك؟» فقصَّ عليه القصّة.
فقال : «صدقت» وسُرَّ بذلك (٣).
٦ ـ أخرج أبو نعيم في دلائله) (٤) (١ / ٣٣ عن رجل خثعميّ ، قال : إنَّ قوماً من خثعم كانوا مجتمعين عند صنم لهم ، إذ سمعوا بهاتفٍ يهتف :
__________________
(١) أُسد الغابة : ٤ / ١٥٣ [٤ / ٣٠٧ رقم ٤١٠٩] ، الإصابة : ٣ / ٤١ [رقم ٦٠٨٤]. (المؤلف)
(٢) دلائل النبوّة : ١ / ١٤٧ ح ٦٦.
(٣) ابن شهرآشوب في المناقب : ١ / ٦١ [١ / ١٢٣] ، تاريخ ابن كثير : ٢ / ٣٤١ [٢ / ٤١٧]. (المؤلف)
(٤) دلائل النبوّة : ١ / ١٤٥ ح ٦٤.
يا أيّها الناس ذَوو الأجسامِ |
|
ومسندو الحكمِ إلى الأصنامِ |
ما أنتمُ وطائشُ الأحلامِ |
|
هذا نبيٌّ سيِّدُ الأنامِ |
أعدلُ ذي حُكمٍ من الحكّامِ |
|
يصدعُ بالنورِ وبالإسلامِ |
ويردعُ الناسَ عن الآثامِ |
|
مستعلنٌ في البلَدِ الحَرامِ |
وأخرج أبو نعيم عن عمر ، قال : سمعت هاتفاً يهتف ويقول :
يا أيّها الناس ذَوو الأجسامِ |
|
ومسندو الحكم إلى الأصنامِ |
ما أنتمُ وطائش الأحلامِ |
|
فكلّكم أَوْرَهُ كالنّعامِ (١) |
أما ترون ما أرى أمامي؟ |
|
قد لاح للناظر من تِهامِ |
أَكرِمْ به للهِ من إمامِ |
|
قد جاء بعد الكفر بالإسلامِ |
والبرّ والصلات للأرحام (٢)
ورواه الخرائطي كما في تاريخ ابن كثير (٣) (٢ / ٣٤٣) بإسناده ، واللفظ فيه :
يا أيّها الناس ذوو الأجسامِ |
|
من بين أشياخٍ إلى غلامِ |
ما أنتمُ وطائشُ الأحلامِ |
|
ومسندُ الحُكم إلى الأصنامِ |
أكلّكم في حيرةِ النِيامِ |
|
أم لا ترون ما الذي أمامي؟ |
من ساطع يجلو دجى الظلام |
|
قد لاح للناظر من تِهامِ |
ذاك نبيٌّ سيِّدُ الأنامِ |
|
قد جاء بعد الكفر بالإسلامِ |
أكرمهُ الرحمنُ من إمامِ |
|
ومن رسولٍ صادقِ الكلامِ |
أعدلُ ذي حُكمٍ من الحكّامِ |
|
يأمرُ بالصلاةِ والصيامِ |
__________________
(١) في البحار : ٦ / ٣١٩ [١٨ / ١٠١] : أكلّكم أوره كالكهام. وره فهو أوره : أي حمق. الكهام : الكليل ، البطيء ، المسن. (المؤلف)
(٢) الخصائص الكبرى : ١ / ١٣٣ [١ / ١٧٨]. (المؤلف)
(٣) البداية والنهاية : ٢ / ٤١٩.
والبرِّ والصلاتِ للأرحامِ |
|
ويزجرُ الناسَ عن الآثامِ |
والرجسِ والأوثانِ والحرامِ |
|
من هاشمٍ في ذُروةِ السنامِ |
مُسْتعلناً في البلَدِ الحرامِ
٧ ـ أخرج أبو نعيم عن يعقوب بن يزيد بن طلحة التيميّ عن رجل ، قال : كنّا بقفرة من الأرض ، إذا هاتف من خلفنا يقول :
قد لاحَ نجمٌ فأضاءَ مشرقَه |
|
يخرجُ من ظَلْما عسوفٍ موبقه |
ذاك رسولٌ مفلحٌ مَن صدّقه |
|
الله أعلى أمرَهُ وحقّقه (١) |
٨ ـ أخرج البيهقي (٢) وابن عساكر (٣) ، عن ابن عبّاس أنَّ رجلاً قال : يا رسول الله خرجت في الجاهليّة أطلب بعيراً شرد ، فهتف بي هاتفٌ في الصبح يقول :
يا أيّها الراقدُ في الليل الأجَمْ |
|
قد بعث اللهُ نبيّا في الحَرَمْ |
من هاشمٍ أهلِ الوفاءِ والكرمْ |
|
يجلو دُجُنّاتِ الدياجي والظُّلَمْ |
فأدرت طرفي فما رأيت له شخصاً ، فقلت :
يا أيّها الهاتفُ في داجي الظُلمْ |
|
أهلاً وسهلاً بك من طَيْفٍ أَلَمْ |
بَيِّنْ هَداكَ الله في لَحن الكَلِمْ |
|
ما ذا الذي يدعو إليه يغتنمْ |
فإذا أنا بنحنحة وقائل يقول :
ظهر النور ، وبطل الزور ، وبعث الله محمداً بالخيور. ثمّ أنشأ يقول :
الحمد لله الذي |
|
لم يَخْلُقِ الخَلْقَ عَبَثْ |
__________________
(١) الخصائص الكبرى : ١ / ١٠٤ [١ / ١٧٥]. (المؤلف)
(٢) دلائل النبوّة : ٢ / ١١٠.
(٣) تاريخ مدينة دمشق : ١ / ٥٤٧ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٢ / ٥٥.
أرسلَ فينا أحمداً |
|
خير نبيٍّ قد بعثْ |
صلّى عليه اللهُ ما |
|
حجَّ لهُ ركبٌ وحث (١) |
٩ ـ أخرج أبو سعد في شرف المصطفى عن الجَعْد بن قيس المرادي ، قال : خرجنا أربعة أنفس نريد الحجّ في الجاهليّة ، فمررنا بوادٍ من أودية اليمن ، إذا بهاتف يقول :
ألا أيّها الركب المعرِّس بلِّغوا |
|
إذا ما وقفتم بالحطيمِ وزمزما |
محمداً المبعوثَ منّا تحيّةً |
|
تُشيِّعه من حيث سار ويمّما |
وقولوا له إنّا لدينِكَ شيعةٌ |
|
بذلك أوصانا المسيح بنُ مريما (٢) |
١٠ ـ أخرج الحاكم في المستدرك (٣) (٣ / ٢٥٣) عن عيش بن جبر قال : سَمِعَتْ قريش في ليلة قائلاً يقول على أبي قبيس :
فإن يُسْلَمِ السعدانِ يُصبِحْ محمد |
|
بمكّةَ لا يَخشى خلافَ مخالفِ |
فظنّت قريش أنّهما سعد تميم وسعد هذيم ، فلمّا كانت الليلة الثانية سمعوه يقول :
أيا سعدُ سعدَ الأوسِ كن أنت ناصراً |
|
ويا سعدُ سعدَ الخزرجينَ الغطارفِ |
أجيبا إلى داعي الهدى وتمنّيا |
|
على اللهِ في الفِردوسِ مُنيةَ عارفِ |
فإنَّ ثوابَ الله يا طالبَ الهدى |
|
جنانٌ من الفردوس ذاتُ رَفارفِ |
فلمّا أصبحوا قال أبو سفيان : هو والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة (٤).
١١ ـ روى ابن سعد في طبقاته الكبرى (٥) (١ / ٢١٥ ـ ٢١٩) ما ملخّصه :
__________________
(١) الخصائص الكبرى : ١ / ١٠٩ [١ / ١٨١]. (المؤلف)
(٢) الخصائص الكبرى : ١ / ١٠٩ [١ / ١٨٢]. (المؤلف)
(٣) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٢٨٣ ح ٥١٠١.
(٤) ورواه ابن شهرآشوب في المناقب : ١ / ٥٩ [١ / ١٢١]. (المؤلف)
(٥) الطبقات الكبرى : ١ / ٢٣٠.
لمّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكّة إلى المدينة ، ومرَّ هو ومن معه بخيمَتَي أمّ معبد الخزاعيَّة وهي قاعدة بفناء الخيمة ، فسألوها تمراً أو لحماً يشترون ، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك ، وإذا القوم مُرْمِلون (١) مسنتون (٢) ، فقالت : والله لو كان عندنا شيءٌ ما أعوزكم القِرى.
فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كِسْر الخيمة ، فقال : «ما هذه الشاة يا أمَّ معبد؟».
قالت : هذه شاة خلّفها الجهد عن الغنم.
فقال : «هل بها من لبن؟».
قالت : هي أجهد من ذلك.
قال : «أتأذنين لي أن أحلبها؟».
قالت : نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حَلْباً.
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة فمسح ضرعها ، وذكر اسم الله ، وقال : «اللهمَّ بارك لها في شاتها».
قال : فتفاجّت (٣) ودرّت واجترّت (٤). فدعا بإناء لها يريض (٥) الرهط ، فحلب فيه ثجّا (٦) حتى غلبه الُثمال (٧) ؛ فسقاها فشربت حتى رويت ، وسقى أصحابه حتى
__________________
(١) نفد زادهم وافتقروا. (المؤلف)
(٢) مجدبون. (المؤلف)
(٣) من التفاجّ : هو المبالغة في تفريج ما بين الرجلين ، وهو من الفجّ أي الطريق. (المؤلف)
(٤) من الجرّة ، وهي ما يخرجه البعير من بطنه فيمضغه ثانياً. (المؤلف)
(٥) أي يرويهم حتى يناموا ويأخذوا راحتهم. (المؤلف)
(٦) ثجَّ الماء ثجوجا : سال. (المؤلف)
(٧) الثمال ـ بضم الثاء ـ واحده ثمالة : الرغوة. وما بقي في الإناء من ماء وغيره. (المؤلف)
رووا ، وشرب صلى الله عليه وسلم آخرهم وقال : «ساقي القوم آخرهم».
فشربوا جميعاً عللاً بعد نهل (١) حتى أراضوا (٢). ثمّ حلب فيه ثانياً عوداً على بدء ، فغادره عندها ، ثمَّ ارتحلوا عنها.
وأصبح صوت بمكّة عالياً بين السماء والأرض يسمعونه ولا يرون من يقول ، وهو يقول :
جزى الله ربُ الناسِ خيرَ جزائِهِ |
|
رفيقين حَلاّ خيمَتَي أمِّ مَعْبَدِ |
هما نزلا بالبرِّ وارتحلا بهِ |
|
فأفلحَ مَن أمسى رفيقَ محمد |
فيالَ قُصيٍّ ما زوى الله عنكُمُ |
|
به مِن فعالٍ لا يُجازى وسؤددِ |
سلوا أختَكمْ عن شاتِها وإنائها |
|
فإنَّكمُ إنْ تسألوا الشاةَ تَشْهدِ |
دعاها بشاةٍ حائلٍ فَتَحَلَّبَتْ |
|
له بصريحٍ ضَرّةُ الشاةِ مُزْبدِ (٣) |
فغادره رهناً لديها لحالبٍ |
|
تدرُّ بها في مصدرٍ ثمَّ موردِ (٤) |
١٢ ـ أخرج ابن الأثير في أُسد الغابة (٥) (٥ / ١٨٨) عن أبي ذؤيب الهذلي الشاعر ، أنَّه سمع ليلة وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم هاتفاً يقول :
خَطْبٌ أجلُّ أناخَ بالإسلامِ |
|
بينَ النخيلِ ومَعْقدِ الآطامِ (٦) |
قُبض النبيُّ محمد فعيونُنا |
|
تذري الدموعَ عليه بالتسجامِ |
وهناك هواتف في شئون العترة النبويّة ، منها :
__________________
(١) عللا ـ بالتحريك : شُرْباً بعد شرب. نهل ـ بالتحريك : أوّل الشرب. (المؤلف)
(٢) من أراضَ إراضة : روى. (المؤلف)
(٣) الصريح : الخالص. الضرّةُ : أصلُ الثدي. المُزْبد : القاذف بالزبد. (المؤلف)
(٤) ورواها أبو نعيم في دلائل النبوّة : ٢ / ١١٨ [٢ / ٤٣٨ ح ٢٣٨]. (المؤلف)
(٥) أُسد الغابة : ٦ / ١٠٢ رقم ٤٨٦٥.
(٦) واحده الأطم بالضم : الأبنية المرتفعة كالحصون. (المؤلف)
١٣ ـ أخرج الحافظ الكنجي في كفايته (١) (ص ٢٦١) : لمّا وُلد في الكعبة عليُّ ـ أمير المؤمنين ـ دخل أبو طالب الكعبة وهو يقول :
يا ربَّ هذا الغسقِ الدُجيِ |
|
والقمرِ المُنبَلِجِ المُضيِ |
بَيِّنْ لنا من أمرِكَ الخفيِ |
|
ما ذا ترى في اسم ذا الصبيِ |
قال : فسمع صوت هاتفٍ وهو يقول :
يا أهلَ بيتِ المصطفى النبيِ |
|
خُصِّصْتُمُ بالولَدِ الزَكيِ |
إنَّ اسمَهُ مِن شامخِ العليِ |
|
عليٌّ اشتُقَّ مِن العَلِيِ |
ثمّ قال : هذا حديثٌ تفرّد به مسلم بن خالد الزنجي ، وهو شيخ الشافعي.
١٤ ـ ذكر الشبلنجي في نور الأبصار (٢) (ص ٤٧): أنَّ عليّا ـ أمير المؤمنين ـ كان يزور قبر فاطمة في كلِّ يوم ، فأقبل ذات يوم فانكبَّ على القبر وبكى ، وأنشأ يقول :
مالي مررتُ على القبورِ مُسلّماً |
|
قبرَ الحبيبِ فلا يردُّ جوابي |
يا قبرُ ما لَكَ لا تجيبُ منادياً |
|
أملَلْتَ بعدي خُلّة الأحبابِ |
فأجابه هاتفٌ يسمع صوته ولا يرى شخصه ، وهو يقول :
قال الحبيبُ وكيفَ لي بجوابِكمْ |
|
وأنا رهينُ جنادلٍ وتُرابِ |
أَكَلَ الترابُ محاسني فنسيتُكُمْ |
|
وحُجِبتُ عن أهلي وعن أترابي |
فعليكمُ منّي السلامُ تقطّعتْ |
|
منّي ومنكم خُلّةُ الأحبابِ |
١٥ ـ روى ابن عساكر في تاريخه (٣) (٤ / ٣٤١) ، والكنجي في الكفاية (٤) عن
__________________
(١) كفاية الطالب : ص ٤٠٦.
(٢) نور الأبصار : ص ٩٨.
(٣) تاريخ مدينة دمشق : ٥ / ٨٢ ، وفي ترجمة الإمام الحسين عليهالسلام ـ الطبعة المحققة ـ : رقم ٣٣٥.
(٤) كفاية الطالب : ص ٤٤٣.
أمّ سلمة قالت : لمّا كانت ليلة قتل الحسين الإمام السبط سمعت قائلاً يقول :
أيّها القاتلون جَهْلاً حُسَيناً |
|
أَبشِرُوا بالعذابِ والتنكيلِ |
كلُّ أهلِ السماء يدعو عليكمْ |
|
من نبيٍّ ومرسَلٍ وقَبيلِ |
قد لُعِنتم على لسان ابن داو |
|
دَ وموسى وحاملِ الإنجيلِ (١) |
__________________
(١) ذكر ابن حجر منها بيتين [في الصواعق المحرقة : ص ١٩٣] ، ورواها شيخنا ابن قولويه المتوفّى (٣٦٧ ، ٣٦٨) في كامله : ص ٣٠ [ص ٩٧ باب ٢٩]. (المؤلف) أقول : وأوردها ابن العديم في بغية الطلب : ٦ / ٢٦٥٠ ، والسيّد ابن طاووس في الملهوف : ص ٢٠٨ ، وابن كثير في البداية والنهاية : ٨ / ٢١٦ حوادث سنة ٦١ ه. (الطباطبائي)
موكب الشعراء
فمن هنا وهنا جاء بيمن السنّة والكتاب ، من الصحابة الواكبين على الشعر مواكب بعين سيِّدهم نبيِّ العظمة كالأسود الضارية تفترس أعراض الشرك والضلال ، وصقور جارحة تصطاد الأفئدة والمسامع ، وتلك المواكب كانت ملتفّة حوله في حَضَرِه ، وتسري معه في سفره ، ورجالها فرسان الهيجاء ، ومعهم حسام الشعر ونَبل القريض ، يجادلون دون مبدأ الإسلام المقدّس ، ويجاهدون بألسنتهم في سبيل الله ، وفيهم نظراء :
العبّاس عمّ النبيّ ، كعب بن مالك ، عبد الله بن رواحة ، حسّان بن ثابت ، النابغة الجعدي ، ضرار الأسدي ، ضِرار القرشي ، كعب بن زهير ، قيس بن صَرمة ، أميّة بن الصلت (١) ، نُعمان بن عَجلان ، العبّاس بن مرداس ، طُفَيْل الغَنَوي ، كعب بن نمط ، مالك بن عوف ، صَرْمة بن أبي أنس ، قيس بن بحر ، عبد الله بن حرب ، بُجير (٢) ابن أبي سلمى ، سراقةُ بن مالك.
وقد أخذت هذه الروح الدينيّة بمجامع قلوب أفراد المجتمع ، ودبّت في النفوس
__________________
(١) لم نعثر على شاعر يحمل هذا الاسم في عصر صدر الإسلام ، وأمّا أميّة بن أبي الصلت فهو شاعر جاهلي متحنّث أدرك الإسلام ولم يسلم ، وتوفّي في الطائف سنة (٥ ه).
(٢) بُجير ـ بالجيم مصغّراً ـ بن زهير بن أبي سلمى ، أسلم قبل أخيه كعب بن زهير. الإكمال لابن ماكولا : ١ / ١٩١. (الطباطبائي)
ودبّجتها ، وخالطتِ الأرواح ، حتى مازجت نفوس المسلمات ، فأصبحت تغار على الدين وتكلؤه ، وهنّ ربّات الحجال تذبُّ عن نبيِّ الأمّة ببديع النظم وجيِّد الشعر ، نظيرات :
١ ـ أمّ المؤمنين ـ الملكة ـ خديجة بنت خويلد ، زوج النبيِّ الطاهر صلىاللهعليهوآلهوسلم وكانت رقيقة الشعر جدّا ، ومن شعرها في تمريغ البعير وجهه على قدمي النبيّ ، ونطقه بفضله كرامةً له صلىاللهعليهوآلهوسلم قولها :
نطقَ البعيرُ بفضلِ أحمدَ مُخْبِراً |
|
هذا الذي شَرُفَتْ به أمُّ القُرى |
هذا محمد خيرُ مبعوثٍ أتى |
|
فهو الشفيعُ وخيرُ من وَطِئَ الثّرى |
يا حاسديه تمزّقوا من غيظكم |
|
فهو الحبيبُ ولا سواهُ في الوَرى (١) |
٢ ـ سُعدى بنت كُرَيز خالة عثمان بن عفان ، ومن شعرها في الدعاية الدينيّة :
عثمانُ يا عثمانُ يا عثمانُ |
|
لَكَ الجمالُ ولكَ الشآنُ |
هذا نبيٌّ معَهُ البرهانُ |
|
أرسلَهُ بحقِّه الديّانُ |
وجاءهُ التنزيلُ والبرهانُ |
|
فَاتْبَعْهُ لا تغيا بكَ الأوثانُ |
فقالت : إنَّ محمد بن عبد الله رسول الله ، جاء إليه جبريل يدعوه إلى الله.
مصباحُهُ مصباحُ |
|
وقولُهُ صلاحُ |
ودينُهُ فلاحُ |
|
وأمرُهُ نَجاحُ |
لِقرنِهِ نِطاحُ |
|
ذلّت له البِطاحُ |
ما ينفعُ الصياحُ |
|
لو وقع الرماحُ |
وسُلّتِ الصفاحُ |
|
ومُدّتِ الرماحُ |
وتقول في إسلام عثمان :
__________________
(١) بحار الأنوار : ٦ / ١٠٣ [١٦ / ٢٨]. (المؤلف)
هدى اللهُ عثمانَ الصفيَّ بقولِهِ |
|
فأرشَدَهُ واللهُ يهدي إلى الحقِ |
فتابعَ بالرأي السديدِ محمداً |
|
وكان ابنُ أَرْوى لا يَصُدُّ عن الحقِ |
وأنكحَهُ المبعوثُ إحدى بناتِهِ |
|
فكان كبدرٍ مازجَ الشمس في الأُفقِ |
فداؤكَ يا ابن الهاشميينَ مهجتي |
|
فأنت أمينُ اللهِ أُرسِلتَ في الخلقِ (١) |
٣ ـ الشيماء بنت الحارث بن عبد العزّى أُخت النبيِّ الأقدس من الرضاعة ، تقول في النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم :
يا ربّنا أَبْقِ لَنا محمدا |
|
حتى أراهُ يافعاً وأَمردا |
ثمَّ أراهُ سيِّداً مُسَدَّدا |
|
واكْبِتْ أعاديهِ معاً والحُسّدا |
وأعْطِهِ عِزّا يدومُ أَبَدا (٢)
٤ ـ هند بنت أبان (٣) بن عبّاد بن المطّلب ، لها عدّة قوافٍ في النبيِّ الطاهر صلىاللهعليهوآلهوسلم توجد في الطبقات الكبرى لابن سعد (٤) (٤ / ١٤٨) ، وهي تجابه هند بنت عتبة في وقعة أُحد في قولها تفتخر بقتل حمزة ومن أُصيب من المسلمين :
نحنُ جزيناكمْ بيوم بدرِ |
|
والحربُ بعد الحربِ ذاتُ سُعْرِ |
ما كان عن عُتبةَ لي من صَبرِ |
|
أبي وعمّي وشقيقُ بكري |
شَفَيْتَ وحشيُّ غليلَ صدري |
|
شفيتَ نفسي وقضيتَ نَذْري |
فأجابتها هند بنت أبان بقولها :
خَزيتِ في بدرٍ وغيرِ بدرِ |
|
يا بنتَ وقّاعٍ عظيمِ الكُفْرِ |
__________________
(١) الإصابة : ٤ / ٣٢٧ و ٣٢٨ [رقم ٥٣٩]. (المؤلف)
(٢) الإصابة : ٤ / ٣٤٤ [رقم ٦٣٣]. (المؤلف)
(٣) في الطبقات الكبرى لابن سعد [٢ / ٣٣١] وأُسد الغابة [٧ / ٢٨٨ رقم ٧٣٣٣] : أثاثة بن عبّاد. (المؤلف)
(٤) الطبقات الكبرى : ٢ / ٣٣١.
صبّحَكِ اللهُ غداةَ الفجرِ |
|
بالهاشميينَ الطوالِ الزُهْرِ |
بكلِّ قَطّاع حسامٍ يفري |
|
حمزةُ ليثي وعليٌّ صقري (١) |
٥ ـ خنساء بنت عمرو ـ حفيدة امرئ القيس ـ قد أكثرت من الشعر ، وأجمع أهل العلم بالشعر أنَّه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها ، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يعجبه شعرها ويستنشده (٢).
٦ ـ رُقَيْقَة ـ بقافين مصغَّرة ـ بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد المطّلب بن هاشم ، هي التي أخبرت رسول الله بأنَّ قريشاً قد اجتمعت تريد شأنك الليلة ، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فراشه ، وبات فيه عليٌّ أمير المؤمنين (٣) ، لها شعر جيِّد ، منه قولها في استسقاء عبد المطّلب لقريش ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يافعاً ، أوّله :
بشيبةِ الحمدِ أسقى الله بلدَتَنا |
|
وقد فَقَدْنا الحيا واجلَوّذ (٤) المطرُ (٥) |
٧ ـ أروى بنت عبد المطّلب ، عمّة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وصاحبة الاحتجاج المشهور على معاوية ، يأتي في ترجمة عمرو بن العاص ، ولها شعر في رثاء النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، منه أبيات أوّلها :
ألا يا عينُ ويحَكِ أَسعديني |
|
بدمعِك ما بَقيِتِ وطاوعيني |
ومنها أبيات مستهلّها :
ألا يا رسولَ اللهِ كنتَ رجاءَنا |
|
وكنت بنا بَرّا ولم تكُ جافيا |
__________________
(١) أُسد الغابة : ٥ / ٥٥٩ [٧ / ٢٨٨ رقم ٧٣٣٣] ، الإصابة : ٤ / ٤٢١ [رقم ١٠٨٦].(المؤلف)
(٢) الاستيعاب ـ هامش الإصابة : ٤ / ٢٩٥ ، ٢٩٦ [الاستيعاب : القسم الرابع / ١٨٢٧ رقم ٣٣١٧] ، أُسد الغابة : ٥ / ٤٤١ [٧ / ٨٨ رقم ٦٨٧٦]. (المؤلف)
(٣) الإصابة : ٤ / ٣٠٣ [رقم ٤٢٥]. (المؤلف)
(٤) اجلوّذ المطر : امتد وقت تأخره وانقطاعه.
(٥) أُسد الغابة : ٥ / ٤٥٥ [٧ / ١١١ رقم ٦٩١٩] ، الخصائص الكبرى : ١ / ٨٠ [١ / ١٣٦]. (المؤلف)