الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٢

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١

إنَّ الرسول لسيفٌ يُستضاء به

وصارمٌ من سيوف الله مسلولُ

أشار صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكمّه إلى الخلق ليسمعوا منه. ويُروى أنَّ كعباً أنشد : من سيوف الهند. فقال النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سيوف الله» (١).

وكارتياحه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لشعر عبد الله بن رواحة ، قال البراء بن عازب : رأيت النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينقل من تراب الخندق حتى وارى التراب جلد بطنه ، وهو يرتجز بكلمة عبد الله بن رواحة :

لاهُمَّ لو لا أنت ما اهتدَيْنا

ولا تصدّقنا ولا صَلّينا

فأنزِلَنْ سكينةً علينا

وثبِّتِ الأقدامَ إن لاقينا

إنَّ أُولاءِ قد بَغَوا علينا

وإنْ أرادوا فتنةً أبَيْنا (٢)

ويظهر من رواية ابن سعد في طبقاته (٣) وابن الأثير (٤) أنَّ الأبيات لعامر بن الأكوع.

روى الثاني في أُسد الغابة (٥) (٣ / ٨٢) : أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لعامر في مسيره إلى خيبر : «انزل يا ابن الأكوع واحدِ لنا من هناتك» (٦).

قال : نزل يرتجز برسول الله صلى الله عليه وسلم :

لاهُمَّ لو لا أنت ما اهتدينا

ولا تصدّقنا ولا صلّينا

إلى آخر الأبيات.

__________________

(١) شرح قصيدة : بانت سعاد ، لجمال الدين الأنصاري : ص ٩٨ [ص ٨٧]. (المؤلف)

(٢) مسند أحمد : ٤ / ٣٠٢ [٥ / ٣٨٨ ح ١٨٢٠٩]. (المؤلف)

(٣) الطبقات الكبرى : ٢ / ١١١.

(٤) الكامل في التاريخ : ١ / ٥٩٥ حوادث سنة ٧ ه‍.

(٥) أُسد الغابة : ٣ / ١٢٤ رقم ٢٦٩٩.

(٦) أي كلماتك وأراجيزك. وفي رواية : هنيأتك ، على التصغير. وفي أخرى : هنيهاتك. (المؤلف)

٢١

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يرحمك ربّك ـ وفي لفظ ـ رحمك الله».

وفي الطبقات لابن سعد (١) (٣ / ٦١٩): «غفر لك ربّك».

وكارتياحه صلى الله عليه وسلم لشعر حسّان بن ثابت يوم غدير خُمّ ودعائه له بقوله : «لا تزالُ يا حسّان مؤيَّداً بروح القُدس ما نصرتَنا بلسانك».

وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضع لحسّان منبراً في مسجده الشريف ، يقوم عليه قائماً يفاخر عن رسول الله ، ويقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنَّ الله يؤيِّد حسّان بروح القُدس ما نافحَ أو فاخر عن رسول الله» (٢).

وكارتياحه لشعر أبي كبير الهذلي.

قالت عائشة : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخصف نعله ، وكنت جالسةً أغزل ، فنظرت إليه ، فجعل جبينه يعرق ، وعرقه يتولّد نوراً ، قالت : فبُهِتُّ ، فنظر إليّ فقال : «ما لكِ بهتِّ».

فقلت : يا رسول الله ، نظرت إليك فجعل جبينك يعرق ، وعرقك يتولّد نوراً ، ولو رآك أبو كبير الهُذَلي لعلم أنّك أحقُّ بشعره.

قال : «وما يقول أبو كبير؟». قلت : يقول :

ومبرَّأٌ من كلِّ غُبَّرِ حَيضةٍ

وفسادِ مُرضعةٍ وداءٍ مُعْضِلِ

وإذا نظرت إلى أسرّةِ وجهِهِ

بَرِقَتْ كبرقِ العارض المتهلّلِ

قالت : فوضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما كان بيده ، وقام وقبّل ما بين عينيَّ ، وقال : «جزاكِ الله خيراً يا عائشة. ما سُرِرْتِ منّي كسروري منك» (٣).

__________________

(١) الطبقات الكبرى : ٢ / ١١١.

(٢) مستدرك الحاكم : ٣ / ٤٧٧ [٣ / ٥٥٤ ح ٦٠٥٨]. وصحّحه هو والذهبي في تلخيصه. (المؤلف)

(٣) حلية الأولياء لأبي نعيم : ٢ / ٤٥ [رقم ١٣٤] ، تاريخ الخطيب البغدادي : ١٣ / ٢٥٣ [رقم ٧٢١٠]. (المؤلف)

٢٢

وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحثُّ الشعراء إلى هذه الناحية ، ويأمرهم بالاحتفاظ بها ، ويرشدهم إلى أخذ حديث المخالفين له وأحسابهم ، وتأريخ نشآتهم ممّن يعرفها ، وهجائهم ، كما كان يأمرهم بتعلّم القرآن العزيز ، وكان يراه نصرةً للإسلام وجهاداً دون الدين الحنيف ، وكان يصوِّر للشاعر جهاده وينصّ به ، ويقول :

«اهجوا بالشعر ؛ إنَّ المؤمن يجاهد بنفسه وماله ، والذي نفس محمد بيده كأنّما تنضحونهم بالنبل». وفي لفظ آخر : «فكأنّ ما ترمونهم به نضح النبل». وفي ثالث : «والذي نفس محمد بيده فكأنّما تنضحونهم بالنبل فيما تقولون لهم من الشعر» (١).

وكان صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يثوِّر شعراءه إلى الجدال بنبال النظم وحسام القريض ، ويحرِّضهم ٢ / ٨ إلى الحماسة في مجابهة الكفّار في قولهم المضادِّ لمبدئه القدسيِّ ، ويبثُّ فيهم روحاً دينيّا قويّا ، ويؤكِّد فيهم حميّةً تجاه الحميّة الجاهليّة ، وكان يوجِد فيهم هياجاً ونشاطاً في النشر والدعاية ، وشوقاً مؤكّداً إلى الدفاع عن حامية الإسلام المقدّس ، ورغبةً في المجاهدة بالنظم بمثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للشاعر : «اهج المشركين ؛ فإنَّ روح القدُس معك ما هاجيتهم» (٢) ، وقوله : «اهجُهم ؛ فإنَّ جبريل معك» (٣).

قال البراء بن عازب : إنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قيل له : إنَّ أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب يهجوك ، فقال عبد الله بن رواحة : يا رسول الله ائذن لي فيه.

فقال : «أنت الذي تقول : ثبّت الله؟». قال : نعم.

قلت يا رسول الله :

__________________

(١) مسند أحمد : ٣ / ٤٦٠ ، ٤٥٦ ، ٦ / ٣٨٧ [٤ / ٤٩٨ ح ١٥٣٦٩ ، ص ٤٩٢ ح ١٥٣٥٩ ، ٧ / ٥٣٣ ح ٢٦٦٣٣]. (المؤلف)

(٢) مسند أحمد : ٤ / ٢٩٨ [٥ / ٣٨٣ ح ١٨١٦٨] ، مستدرك الحاكم : ٣ / ٤٨٧ [٣ / ٥٥٥ ح ٦٠٦٢]. (المؤلف)

(٣) مسند أحمد : ٤ / ٢٩٩ ، ٣٠٢ ، ٣٠٣ [٥ / ٣٨٤ ح ١٨١٧ ، ص ٣٨٩ ح ١٨٢١٤ ، ص ٣٩١ ح ١٨٢٢٢]. (المؤلف)

٢٣

فثبّت الله ما أعطاك من حسنٍ

تثبيتَ موسى ونصراً مثل ما نُصروا

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وأنت يفعل الله بك خيراً مثل ذلك».

قال : ثمّ وثب كعب ، فقال : يا رسول الله ائذن لي فيه. قال : «أنت الذي تقول : هَمّت؟». قال : نعم.

قلت يا رسول الله :

همّتْ سَخينةُ أن تغالبَ ربَّها

فَلَيُغْلَبَنَّ مُغالبُ الغلاّبِ

قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنَّ الله لم ينسَ ذلك لك».

قال : ثمَّ قام حسّان فقال : يا رسول الله ائذن لي فيه ، وأخرج لساناً له أسود. فقال : يا رسول الله ائذن لي إن شئتَ أفريتُ به المزاد (١).

فقال : «اذهب إلى أبي بكر ليحدِّثك حديث القوم وأيّامهم وأحسابهم ، ثمَّ اهجهم وجبريل معك» (٢).

وهذه الطائفة من الشعراء هم المعنيّون بقوله تعالى : (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) (٣).

وهم المستثنون في صريح القرآن من قوله تعالى : (وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) (٤).

ولمّا نزلت هذه الآية جاءت عدّة من الشعراء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون قائلين : إنّا شعراء ، والله أنزل هذه الآية. فتلا النبيُّ صلى الله عليه وسلم : (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا

__________________

(١) أي شققته. كناية عن إسقاطه بالفضيحة. (المؤلف)

(٢) مستدرك الحاكم : ٣ / ٤٨٨ [٣ / ٥٥٦ ح ٦٠٦٥]. (المؤلف)

(٣) الشعراء : ٢٢٧.

(٤) الشعراء : ٢٢٤.

٢٤

الصالِحاتِ) قال : أنتم (وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) قال : أنتم (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) قال : أنتم (١).

وإنَّ كعب بن مالك ، أحد شعراء النبي الأعظم ، حين أنزل الله تبارك وتعالى في الشعر ما أنزل ، أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال : إنَّ الله تبارك وتعالى قد أنزل في الشعر ما قد علمت ، وكيف ترى فيه؟ فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : «إنَّ المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه» (٢).

على أنَّ في وسع الباحث أن يقول : إنَّ المراد بالشعراء في الآية الكريمة كلُّ من يأتي بكلامٍ شعريّ منظوماً [كان] أو منثوراً ، فتكون مصاديقها أحزاب الباطل وقوّالة الزور ، فعن مولانا الصادق عليه‌السلام : «إنَّهم القصّاصون».

رواه شيخنا الصدوق في عقائده (٣).

وفي تفسير عليّ بن إبراهيم (٤) (ص ٤٧٤) أنَّه قال : نزلت في الذين غيّروا دين الله [بآرائهم] (٥) وخالفوا أمر الله ، هل رأيتم شاعراً قطّ تبعه أحد؟ إنّما عنى بذلك الذين وضعوا ديناً بآرائهم فتبعهم على ذلك الناس ، ويؤكِّد ذلك قوله [تعالى] : (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ) (٦) يعني يناظرون بالأباطيل ، ويجادلون بالحجج ، وفي كلِّ مذهب يذهبون.

وفي تفسير العيّاشي (٧) : عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «هم قومٌ تعلّموا وتفقّهوا بغير علم ، فضلّوا وأضلّوا».

__________________

(١) تفسير ابن كثير : ٣ / ٣٥٤. (المؤلف)

(٢) مسند أحمد : ٣ / ٤٥٦ [٤ / ٤٩٢ ح ١٥٣٥٨]. (المؤلف)

(٣) الاعتقادات في دين الإمامية : ص ٨٤.

(٤) تفسير القمّي : ٢ / ١٢٥.

(٥) الزيادة من المصدر.

(٦) الشعراء : ٢٢٥.

(٧) أنظر مجمع البيان للطبرسي : ٧ / ٣٢٥.

٢٥

فليس في الآية حطٌّ لمقام الشعر بما هو شعر ، وإنّما الحطُّ على الباطل منه ومن المنثور ، وقد ثبت عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند فريقي الإسلام قوله : «إنَّ من الشعر لَحكمةً وإنَّ من البيان لَسحراً» (١).

__________________

(١) مسند أحمد : ١ / ٢٦٩ ، ٢٧٣ ، ٣٠٣ ، ٣٣٢ [١ / ٤٤٤ ح ٢٤٢٠ ، ص ٤٥١ ح ٢٤٦٩ ، ص ٤٩٨ ح ٢٧٥٦ ، ص ٥٤٦ ح ٣٠٥٩] ، سنن الدارمي : ٢ / ٢٩٦ ، صحيح البخاري [٥ / ٢١٧٦ ح ٥٤٣٤] كتاب الطب ، باب : إنَّ من البيان سحراً ، المجتنى لابن دريد : ص ٢٢ [ص ١١] ، تاريخ بغداد للخطيب : ٣ / ٩٨ [رقم ١٠٩٤] ، ص ٢٥٨ [رقم ١٣٤٩] ، و ٤ / ٢٥٤ [رقم ١٩٨٨] ، و ٨ / ١٨ [رقم ٤٠٦١] ، ٣١٤ [رقم ٤٤٠٨] ، البيان والتبيين للجاحظ : ١ / ٢١٢ ، ٢٧٥ [١ / ٢١٣ ، ٢٨٢] ، رسائل الجاحظ : ص ٢٣٥ [ص ٧٣ الرسائل الكلامية] ، مصابيح السنّة للبغوي : ٢ / ١٤٩ [٣ / ٣١١ ح ٣٧١٩ ، ٣٧٢٠] ، الروض الأُنف : ٢ / ٣٣٧ [٧ / ٤٣٧] ، تاريخ ابن كثير : ٩ / ٤٥ [٩ / ٥٦ حوادث سنة ٨٢ ه‍] ، تاريخ ابن عساكر : ١ / ٣٤٨ ، و ٦ / ٤٢٣ [٤ / ١٥٣ ، ٨ / ٣٠٥] ، الإصابة : ١ / ٤٥٣ [رقم ٢٢٧٤] ، و ٤ / ١٨٣ [رقم ١٠٧٢] ، تهذيب التهذيب : ٩ / ٤٥٣ [٤ / ٣٦٢ رقم ٧١٩ ، ٦ / ١٢٧ رقم ٢٨٦]. (المؤلف)

٢٦

الهواتف بالشعر

وهناك هتافات غيبيّة شعريّة في الدعاية الدينيّة ، خوطبَ بها أُناسٌ في بدء الإسلام فاهتدوا بها ، وهي معدودة من معاجز النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتنمُّ عن أهميّة الشعر في باب الإلقاء والحجاج وإفهام المستمع ، وإنَّ أخذه بمجامع القلوب والأفئدة آكد من الكلام المنثور ، فَلْيُتَّخذ دستوراً في إصلاح المجتمع وبثِّ الدعاية الروحيّة. ومنها :

١ ـ سمعت آمنة بنت وهب في ولادة النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هاتفاً يقول :

صلّى الإله وكلُّ عبدٍ صالحٍ

والطيّبونَ على السِراجِ الواضحِ

المصطفى خيرِ الأنامِ محمد

الطاهرِ العَلَمِ الضياءِ اللائحِ

زينِ الأنام المصطفى عَلَمِ الهدى

الصادقِ البرِّ التقيِّ الناصحِ

صلّى عليه اللهُ ما هبّتْ صَبا

وتجاوبتْ ورق الحمام النائحِ (١)

٢ ـ هتف هاتفٌ من صنم بصوت جهير ليلة مولد النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وقد خرّت فيها الأصنام ، وهو يقول :

تردّى لمولودٍ أنارتْ بنورِهِ

جميعُ فِجاجِ الأرضِ بالشرقِ والغربِ

وخرّت له الأوثانُ طُرّا وأَرعدتْ

قلوبُ ملوكِ الأرض طُرّا من الرعبِ

__________________

(١) بحار الأنوار : ٦ / ٧٣ [١٥ / ٣٢٥]. (المؤلف)

٢٧

ونارُ جميعِ الفُرس باخَتْ وأظلمتْ

وقد بات شاهُ الفرس في أعظمِ الكَربِ

وصدّت عن الكُهّانِ بالغيب جِنُّها

فلا مخبرٌ منهم بحقٍّ ولا كذبِ

فَيالَ قُصَيٍّ ارجعوا عن ضَلالِكم

وهُبّوا إلى الإسلامِ والمنزلِ الرحْبِ (١)

٣ ـ قال ورقة : بتُّ ليلةَ مولد النبيِّ صلى الله عليه وسلم عند صنم لنا ، إذ سمعتُ من جوفه هاتفاً يقول :

وُلِدَ النبيُّ فذلَّتِ الأملاكُ

ونأى الضلالُ وأدبرَ الإشراكُ

ثمَّ انتكس الصنم على رأسه (٢).

٤ ـ قال العوام بن جُهيل ـ مُصَغّراً ـ الهمْداني سادِن يغوث : بتُّ ليلاً في بيت الصنم ، وسمعت هاتفاً من الصنم يقول : يا ابن جُهيل حلَّ بالأصنام الويل ، هذا نورٌ سطع من الأرض الحرام ، فودِّع يغوث بالسلام. فكلّمت قومي ما سمعت ، فإذا هاتفٌ يقول :

هل تسمعنَّ القول يا عوام

أم أنتَ ذو وَقْرٍ عن الكلامِ

قد كُشِفَتْ دياجرُ الظلامِ

وأصفق الناسُ على الإسلامِ

فقلت :

يا أيّها الهاتفُ بالعوامِ

لستُ بذي وَقْرٍ عن الكلامِ

فبيِّنَنْ عن سُنّةِ الإسلامِ

قال : وما كنت والله عرفت الإسلام قبل ذلك ، فأجابني يقول :

ارحل على اسمِ اللهِ والتوفيقِ

رحلةَ لا وانٍ ولا مَشيقِ (٣)

__________________

(١) تاريخ ابن كثير : ٢ / ٣٤١ [٢ / ٤١٥] ، الخصائص الكبرى للسيوطي : ١ / ٥٢ [١ / ٨٩]. (المؤلف)

(٢) الخصائص الكبرى : ١ / ٥٢ [١ / ٨٩]. (المؤلف)

(٣) المشيق : الهزيل الضامر.

٢٨

إلى فريقٍ خيرِ ما فريقِ

إلى النبيِّ الصادقِ المصدوقِ

فرميت الصنم ، وخرجت أريد النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصادفت وفد هَمْدان يدور بالنبيِّ ، فدخلتُ عليه ، فأخبرته خبري فَسُرَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ثمّ قال : «أخبر المسلمين» وأمرني بكسر الأصنام ، فرجعت إلى اليمن ، وقد امتحن الله قلبي بالإسلام ، وقلت في ذلك :

فمن مبلغٌ عنّا شآميَّ قومِنا

ومن حل بالأجوافِ سرّا وأجهرا

بأنّا هدانا اللهُ لِلحقِّ بعدَ ما

تهوّدَ منّا حائرٌ وتنصّرا

وإنّا سَرَيْنا من يغوثٍ وقربه

يعوقُ وتابعناكَ يا خيِّر الورى (١)

٥ ـ أخرج أبو نعيم في دلائل النبوّة (٢) (١ / ٣٤) عن العبّاس بن مرداس السلمي قال : دخلت على وثن يقال له الضمار ، فكنستُ ما حوله ومسحتُه وقبّلته ، فإذا بصائح يصيح : يا عبّاس بن مرداس :

قل للقبائلِ من سُليمٍ كلّها

هلكَ الأنيسُ وفاز أهلُ المسجدِ

أودى ضِمارُ وكان يُعبَدُ مرّةً

قبلَ الكتابِ إلى النبيِّ محمد

إنَّ الذي ورِثَ النبوّةَ والهدى

بعد ابنِ مريمَ من قريش مهتدي

فخرج العبّاس في ثلاثمائة راكب من قومه إلى النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا رآه النبيُّ تبسّم ثمّ قال : «يا عبّاس بن مرداس كيف كان إسلامك؟» فقصَّ عليه القصّة.

فقال : «صدقت» وسُرَّ بذلك (٣).

٦ ـ أخرج أبو نعيم في دلائله) (٤) (١ / ٣٣ عن رجل خثعميّ ، قال : إنَّ قوماً من خثعم كانوا مجتمعين عند صنم لهم ، إذ سمعوا بهاتفٍ يهتف :

__________________

(١) أُسد الغابة : ٤ / ١٥٣ [٤ / ٣٠٧ رقم ٤١٠٩] ، الإصابة : ٣ / ٤١ [رقم ٦٠٨٤]. (المؤلف)

(٢) دلائل النبوّة : ١ / ١٤٧ ح ٦٦.

(٣) ابن شهرآشوب في المناقب : ١ / ٦١ [١ / ١٢٣] ، تاريخ ابن كثير : ٢ / ٣٤١ [٢ / ٤١٧]. (المؤلف)

(٤) دلائل النبوّة : ١ / ١٤٥ ح ٦٤.

٢٩

يا أيّها الناس ذَوو الأجسامِ

ومسندو الحكمِ إلى الأصنامِ

ما أنتمُ وطائشُ الأحلامِ

هذا نبيٌّ سيِّدُ الأنامِ

أعدلُ ذي حُكمٍ من الحكّامِ

يصدعُ بالنورِ وبالإسلامِ

ويردعُ الناسَ عن الآثامِ

مستعلنٌ في البلَدِ الحَرامِ

وأخرج أبو نعيم عن عمر ، قال : سمعت هاتفاً يهتف ويقول :

يا أيّها الناس ذَوو الأجسامِ

ومسندو الحكم إلى الأصنامِ

ما أنتمُ وطائش الأحلامِ

فكلّكم أَوْرَهُ كالنّعامِ (١)

أما ترون ما أرى أمامي؟

قد لاح للناظر من تِهامِ

أَكرِمْ به للهِ من إمامِ

قد جاء بعد الكفر بالإسلامِ

والبرّ والصلات للأرحام (٢)

ورواه الخرائطي كما في تاريخ ابن كثير (٣) (٢ / ٣٤٣) بإسناده ، واللفظ فيه :

يا أيّها الناس ذوو الأجسامِ

من بين أشياخٍ إلى غلامِ

ما أنتمُ وطائشُ الأحلامِ

ومسندُ الحُكم إلى الأصنامِ

أكلّكم في حيرةِ النِيامِ

أم لا ترون ما الذي أمامي؟

من ساطع يجلو دجى الظلام

قد لاح للناظر من تِهامِ

ذاك نبيٌّ سيِّدُ الأنامِ

قد جاء بعد الكفر بالإسلامِ

أكرمهُ الرحمنُ من إمامِ

ومن رسولٍ صادقِ الكلامِ

أعدلُ ذي حُكمٍ من الحكّامِ

يأمرُ بالصلاةِ والصيامِ

__________________

(١) في البحار : ٦ / ٣١٩ [١٨ / ١٠١] : أكلّكم أوره كالكهام. وره فهو أوره : أي حمق. الكهام : الكليل ، البطيء ، المسن. (المؤلف)

(٢) الخصائص الكبرى : ١ / ١٣٣ [١ / ١٧٨]. (المؤلف)

(٣) البداية والنهاية : ٢ / ٤١٩.

٣٠

والبرِّ والصلاتِ للأرحامِ

ويزجرُ الناسَ عن الآثامِ

والرجسِ والأوثانِ والحرامِ

من هاشمٍ في ذُروةِ السنامِ

مُسْتعلناً في البلَدِ الحرامِ

٧ ـ أخرج أبو نعيم عن يعقوب بن يزيد بن طلحة التيميّ عن رجل ، قال : كنّا بقفرة من الأرض ، إذا هاتف من خلفنا يقول :

قد لاحَ نجمٌ فأضاءَ مشرقَه

يخرجُ من ظَلْما عسوفٍ موبقه

ذاك رسولٌ مفلحٌ مَن صدّقه

الله أعلى أمرَهُ وحقّقه (١)

٨ ـ أخرج البيهقي (٢) وابن عساكر (٣) ، عن ابن عبّاس أنَّ رجلاً قال : يا رسول الله خرجت في الجاهليّة أطلب بعيراً شرد ، فهتف بي هاتفٌ في الصبح يقول :

يا أيّها الراقدُ في الليل الأجَمْ

قد بعث اللهُ نبيّا في الحَرَمْ

من هاشمٍ أهلِ الوفاءِ والكرمْ

يجلو دُجُنّاتِ الدياجي والظُّلَمْ

فأدرت طرفي فما رأيت له شخصاً ، فقلت :

يا أيّها الهاتفُ في داجي الظُلمْ

أهلاً وسهلاً بك من طَيْفٍ أَلَمْ

بَيِّنْ هَداكَ الله في لَحن الكَلِمْ

ما ذا الذي يدعو إليه يغتنمْ

فإذا أنا بنحنحة وقائل يقول :

ظهر النور ، وبطل الزور ، وبعث الله محمداً بالخيور. ثمّ أنشأ يقول :

الحمد لله الذي

لم يَخْلُقِ الخَلْقَ عَبَثْ

__________________

(١) الخصائص الكبرى : ١ / ١٠٤ [١ / ١٧٥]. (المؤلف)

(٢) دلائل النبوّة : ٢ / ١١٠.

(٣) تاريخ مدينة دمشق : ١ / ٥٤٧ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٢ / ٥٥.

٣١

أرسلَ فينا أحمداً

خير نبيٍّ قد بعثْ

صلّى عليه اللهُ ما

حجَّ لهُ ركبٌ وحث (١)

٩ ـ أخرج أبو سعد في شرف المصطفى عن الجَعْد بن قيس المرادي ، قال : خرجنا أربعة أنفس نريد الحجّ في الجاهليّة ، فمررنا بوادٍ من أودية اليمن ، إذا بهاتف يقول :

ألا أيّها الركب المعرِّس بلِّغوا

إذا ما وقفتم بالحطيمِ وزمزما

محمداً المبعوثَ منّا تحيّةً

تُشيِّعه من حيث سار ويمّما

وقولوا له إنّا لدينِكَ شيعةٌ

بذلك أوصانا المسيح بنُ مريما (٢)

١٠ ـ أخرج الحاكم في المستدرك (٣) (٣ / ٢٥٣) عن عيش بن جبر قال : سَمِعَتْ قريش في ليلة قائلاً يقول على أبي قبيس :

فإن يُسْلَمِ السعدانِ يُصبِحْ محمد

بمكّةَ لا يَخشى خلافَ مخالفِ

فظنّت قريش أنّهما سعد تميم وسعد هذيم ، فلمّا كانت الليلة الثانية سمعوه يقول :

أيا سعدُ سعدَ الأوسِ كن أنت ناصراً

ويا سعدُ سعدَ الخزرجينَ الغطارفِ

أجيبا إلى داعي الهدى وتمنّيا

على اللهِ في الفِردوسِ مُنيةَ عارفِ

فإنَّ ثوابَ الله يا طالبَ الهدى

جنانٌ من الفردوس ذاتُ رَفارفِ

فلمّا أصبحوا قال أبو سفيان : هو والله سعد بن معاذ وسعد بن عبادة (٤).

١١ ـ روى ابن سعد في طبقاته الكبرى (٥) (١ / ٢١٥ ـ ٢١٩) ما ملخّصه :

__________________

(١) الخصائص الكبرى : ١ / ١٠٩ [١ / ١٨١]. (المؤلف)

(٢) الخصائص الكبرى : ١ / ١٠٩ [١ / ١٨٢]. (المؤلف)

(٣) المستدرك على الصحيحين : ٣ / ٢٨٣ ح ٥١٠١.

(٤) ورواه ابن شهرآشوب في المناقب : ١ / ٥٩ [١ / ١٢١]. (المؤلف)

(٥) الطبقات الكبرى : ١ / ٢٣٠.

٣٢

لمّا هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكّة إلى المدينة ، ومرَّ هو ومن معه بخيمَتَي أمّ معبد الخزاعيَّة وهي قاعدة بفناء الخيمة ، فسألوها تمراً أو لحماً يشترون ، فلم يصيبوا عندها شيئاً من ذلك ، وإذا القوم مُرْمِلون (١) مسنتون (٢) ، فقالت : والله لو كان عندنا شيءٌ ما أعوزكم القِرى.

فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كِسْر الخيمة ، فقال : «ما هذه الشاة يا أمَّ معبد؟».

قالت : هذه شاة خلّفها الجهد عن الغنم.

فقال : «هل بها من لبن؟».

قالت : هي أجهد من ذلك.

قال : «أتأذنين لي أن أحلبها؟».

قالت : نعم بأبي أنت وأمي إن رأيت بها حَلْباً.

فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشاة فمسح ضرعها ، وذكر اسم الله ، وقال : «اللهمَّ بارك لها في شاتها».

قال : فتفاجّت (٣) ودرّت واجترّت (٤). فدعا بإناء لها يريض (٥) الرهط ، فحلب فيه ثجّا (٦) حتى غلبه الُثمال (٧) ؛ فسقاها فشربت حتى رويت ، وسقى أصحابه حتى

__________________

(١) نفد زادهم وافتقروا. (المؤلف)

(٢) مجدبون. (المؤلف)

(٣) من التفاجّ : هو المبالغة في تفريج ما بين الرجلين ، وهو من الفجّ أي الطريق. (المؤلف)

(٤) من الجرّة ، وهي ما يخرجه البعير من بطنه فيمضغه ثانياً. (المؤلف)

(٥) أي يرويهم حتى يناموا ويأخذوا راحتهم. (المؤلف)

(٦) ثجَّ الماء ثجوجا : سال. (المؤلف)

(٧) الثمال ـ بضم الثاء ـ واحده ثمالة : الرغوة. وما بقي في الإناء من ماء وغيره. (المؤلف)

٣٣

رووا ، وشرب صلى الله عليه وسلم آخرهم وقال : «ساقي القوم آخرهم».

فشربوا جميعاً عللاً بعد نهل (١) حتى أراضوا (٢). ثمّ حلب فيه ثانياً عوداً على بدء ، فغادره عندها ، ثمَّ ارتحلوا عنها.

وأصبح صوت بمكّة عالياً بين السماء والأرض يسمعونه ولا يرون من يقول ، وهو يقول :

جزى الله ربُ الناسِ خيرَ جزائِهِ

رفيقين حَلاّ خيمَتَي أمِّ مَعْبَدِ

هما نزلا بالبرِّ وارتحلا بهِ

فأفلحَ مَن أمسى رفيقَ محمد

فيالَ قُصيٍّ ما زوى الله عنكُمُ

به مِن فعالٍ لا يُجازى وسؤددِ

سلوا أختَكمْ عن شاتِها وإنائها

فإنَّكمُ إنْ تسألوا الشاةَ تَشْهدِ

دعاها بشاةٍ حائلٍ فَتَحَلَّبَتْ

له بصريحٍ ضَرّةُ الشاةِ مُزْبدِ (٣)

فغادره رهناً لديها لحالبٍ

تدرُّ بها في مصدرٍ ثمَّ موردِ (٤)

١٢ ـ أخرج ابن الأثير في أُسد الغابة (٥) (٥ / ١٨٨) عن أبي ذؤيب الهذلي الشاعر ، أنَّه سمع ليلة وفاة النبيِّ صلى الله عليه وسلم هاتفاً يقول :

خَطْبٌ أجلُّ أناخَ بالإسلامِ

بينَ النخيلِ ومَعْقدِ الآطامِ (٦)

قُبض النبيُّ محمد فعيونُنا

تذري الدموعَ عليه بالتسجامِ

وهناك هواتف في شئون العترة النبويّة ، منها :

__________________

(١) عللا ـ بالتحريك : شُرْباً بعد شرب. نهل ـ بالتحريك : أوّل الشرب. (المؤلف)

(٢) من أراضَ إراضة : روى. (المؤلف)

(٣) الصريح : الخالص. الضرّةُ : أصلُ الثدي. المُزْبد : القاذف بالزبد. (المؤلف)

(٤) ورواها أبو نعيم في دلائل النبوّة : ٢ / ١١٨ [٢ / ٤٣٨ ح ٢٣٨]. (المؤلف)

(٥) أُسد الغابة : ٦ / ١٠٢ رقم ٤٨٦٥.

(٦) واحده الأطم بالضم : الأبنية المرتفعة كالحصون. (المؤلف)

٣٤

١٣ ـ أخرج الحافظ الكنجي في كفايته (١) (ص ٢٦١) : لمّا وُلد في الكعبة عليُّ ـ أمير المؤمنين ـ دخل أبو طالب الكعبة وهو يقول :

يا ربَّ هذا الغسقِ الدُجيِ

والقمرِ المُنبَلِجِ المُضيِ

بَيِّنْ لنا من أمرِكَ الخفيِ

ما ذا ترى في اسم ذا الصبيِ

قال : فسمع صوت هاتفٍ وهو يقول :

يا أهلَ بيتِ المصطفى النبيِ

خُصِّصْتُمُ بالولَدِ الزَكيِ

إنَّ اسمَهُ مِن شامخِ العليِ

عليٌّ اشتُقَّ مِن العَلِيِ

ثمّ قال : هذا حديثٌ تفرّد به مسلم بن خالد الزنجي ، وهو شيخ الشافعي.

١٤ ـ ذكر الشبلنجي في نور الأبصار (٢) (ص ٤٧): أنَّ عليّا ـ أمير المؤمنين ـ كان يزور قبر فاطمة في كلِّ يوم ، فأقبل ذات يوم فانكبَّ على القبر وبكى ، وأنشأ يقول :

مالي مررتُ على القبورِ مُسلّماً

قبرَ الحبيبِ فلا يردُّ جوابي

يا قبرُ ما لَكَ لا تجيبُ منادياً

أملَلْتَ بعدي خُلّة الأحبابِ

فأجابه هاتفٌ يسمع صوته ولا يرى شخصه ، وهو يقول :

قال الحبيبُ وكيفَ لي بجوابِكمْ

وأنا رهينُ جنادلٍ وتُرابِ

أَكَلَ الترابُ محاسني فنسيتُكُمْ

وحُجِبتُ عن أهلي وعن أترابي

فعليكمُ منّي السلامُ تقطّعتْ

منّي ومنكم خُلّةُ الأحبابِ

١٥ ـ روى ابن عساكر في تاريخه (٣) (٤ / ٣٤١) ، والكنجي في الكفاية (٤) عن

__________________

(١) كفاية الطالب : ص ٤٠٦.

(٢) نور الأبصار : ص ٩٨.

(٣) تاريخ مدينة دمشق : ٥ / ٨٢ ، وفي ترجمة الإمام الحسين عليه‌السلام ـ الطبعة المحققة ـ : رقم ٣٣٥.

(٤) كفاية الطالب : ص ٤٤٣.

٣٥

أمّ سلمة قالت : لمّا كانت ليلة قتل الحسين الإمام السبط سمعت قائلاً يقول :

أيّها القاتلون جَهْلاً حُسَيناً

أَبشِرُوا بالعذابِ والتنكيلِ

كلُّ أهلِ السماء يدعو عليكمْ

من نبيٍّ ومرسَلٍ وقَبيلِ

قد لُعِنتم على لسان ابن داو

دَ وموسى وحاملِ الإنجيلِ (١)

__________________

(١) ذكر ابن حجر منها بيتين [في الصواعق المحرقة : ص ١٩٣] ، ورواها شيخنا ابن قولويه المتوفّى (٣٦٧ ، ٣٦٨) في كامله : ص ٣٠ [ص ٩٧ باب ٢٩]. (المؤلف) أقول : وأوردها ابن العديم في بغية الطلب : ٦ / ٢٦٥٠ ، والسيّد ابن طاووس في الملهوف : ص ٢٠٨ ، وابن كثير في البداية والنهاية : ٨ / ٢١٦ حوادث سنة ٦١ ه‍. (الطباطبائي)

٣٦

موكب الشعراء

فمن هنا وهنا جاء بيمن السنّة والكتاب ، من الصحابة الواكبين على الشعر مواكب بعين سيِّدهم نبيِّ العظمة كالأسود الضارية تفترس أعراض الشرك والضلال ، وصقور جارحة تصطاد الأفئدة والمسامع ، وتلك المواكب كانت ملتفّة حوله في حَضَرِه ، وتسري معه في سفره ، ورجالها فرسان الهيجاء ، ومعهم حسام الشعر ونَبل القريض ، يجادلون دون مبدأ الإسلام المقدّس ، ويجاهدون بألسنتهم في سبيل الله ، وفيهم نظراء :

العبّاس عمّ النبيّ ، كعب بن مالك ، عبد الله بن رواحة ، حسّان بن ثابت ، النابغة الجعدي ، ضرار الأسدي ، ضِرار القرشي ، كعب بن زهير ، قيس بن صَرمة ، أميّة بن الصلت (١) ، نُعمان بن عَجلان ، العبّاس بن مرداس ، طُفَيْل الغَنَوي ، كعب بن نمط ، مالك بن عوف ، صَرْمة بن أبي أنس ، قيس بن بحر ، عبد الله بن حرب ، بُجير (٢) ابن أبي سلمى ، سراقةُ بن مالك.

وقد أخذت هذه الروح الدينيّة بمجامع قلوب أفراد المجتمع ، ودبّت في النفوس

__________________

(١) لم نعثر على شاعر يحمل هذا الاسم في عصر صدر الإسلام ، وأمّا أميّة بن أبي الصلت فهو شاعر جاهلي متحنّث أدرك الإسلام ولم يسلم ، وتوفّي في الطائف سنة (٥ ه‍).

(٢) بُجير ـ بالجيم مصغّراً ـ بن زهير بن أبي سلمى ، أسلم قبل أخيه كعب بن زهير. الإكمال لابن ماكولا : ١ / ١٩١. (الطباطبائي)

٣٧

ودبّجتها ، وخالطتِ الأرواح ، حتى مازجت نفوس المسلمات ، فأصبحت تغار على الدين وتكلؤه ، وهنّ ربّات الحجال تذبُّ عن نبيِّ الأمّة ببديع النظم وجيِّد الشعر ، نظيرات :

١ ـ أمّ المؤمنين ـ الملكة ـ خديجة بنت خويلد ، زوج النبيِّ الطاهر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكانت رقيقة الشعر جدّا ، ومن شعرها في تمريغ البعير وجهه على قدمي النبيّ ، ونطقه بفضله كرامةً له صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قولها :

نطقَ البعيرُ بفضلِ أحمدَ مُخْبِراً

هذا الذي شَرُفَتْ به أمُّ القُرى

هذا محمد خيرُ مبعوثٍ أتى

فهو الشفيعُ وخيرُ من وَطِئَ الثّرى

يا حاسديه تمزّقوا من غيظكم

فهو الحبيبُ ولا سواهُ في الوَرى (١)

٢ ـ سُعدى بنت كُرَيز خالة عثمان بن عفان ، ومن شعرها في الدعاية الدينيّة :

عثمانُ يا عثمانُ يا عثمانُ

لَكَ الجمالُ ولكَ الشآنُ

هذا نبيٌّ معَهُ البرهانُ

أرسلَهُ بحقِّه الديّانُ

وجاءهُ التنزيلُ والبرهانُ

فَاتْبَعْهُ لا تغيا بكَ الأوثانُ

فقالت : إنَّ محمد بن عبد الله رسول الله ، جاء إليه جبريل يدعوه إلى الله.

مصباحُهُ مصباحُ

وقولُهُ صلاحُ

ودينُهُ فلاحُ

وأمرُهُ نَجاحُ

لِقرنِهِ نِطاحُ

ذلّت له البِطاحُ

ما ينفعُ الصياحُ

لو وقع الرماحُ

وسُلّتِ الصفاحُ

ومُدّتِ الرماحُ

وتقول في إسلام عثمان :

__________________

(١) بحار الأنوار : ٦ / ١٠٣ [١٦ / ٢٨]. (المؤلف)

٣٨

هدى اللهُ عثمانَ الصفيَّ بقولِهِ

فأرشَدَهُ واللهُ يهدي إلى الحقِ

فتابعَ بالرأي السديدِ محمداً

وكان ابنُ أَرْوى لا يَصُدُّ عن الحقِ

وأنكحَهُ المبعوثُ إحدى بناتِهِ

فكان كبدرٍ مازجَ الشمس في الأُفقِ

فداؤكَ يا ابن الهاشميينَ مهجتي

فأنت أمينُ اللهِ أُرسِلتَ في الخلقِ (١)

٣ ـ الشيماء بنت الحارث بن عبد العزّى أُخت النبيِّ الأقدس من الرضاعة ، تقول في النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

يا ربّنا أَبْقِ لَنا محمدا

حتى أراهُ يافعاً وأَمردا

ثمَّ أراهُ سيِّداً مُسَدَّدا

واكْبِتْ أعاديهِ معاً والحُسّدا

وأعْطِهِ عِزّا يدومُ أَبَدا (٢)

٤ ـ هند بنت أبان (٣) بن عبّاد بن المطّلب ، لها عدّة قوافٍ في النبيِّ الطاهر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم توجد في الطبقات الكبرى لابن سعد (٤) (٤ / ١٤٨) ، وهي تجابه هند بنت عتبة في وقعة أُحد في قولها تفتخر بقتل حمزة ومن أُصيب من المسلمين :

نحنُ جزيناكمْ بيوم بدرِ

والحربُ بعد الحربِ ذاتُ سُعْرِ

ما كان عن عُتبةَ لي من صَبرِ

أبي وعمّي وشقيقُ بكري

شَفَيْتَ وحشيُّ غليلَ صدري

شفيتَ نفسي وقضيتَ نَذْري

فأجابتها هند بنت أبان بقولها :

خَزيتِ في بدرٍ وغيرِ بدرِ

يا بنتَ وقّاعٍ عظيمِ الكُفْرِ

__________________

(١) الإصابة : ٤ / ٣٢٧ و ٣٢٨ [رقم ٥٣٩]. (المؤلف)

(٢) الإصابة : ٤ / ٣٤٤ [رقم ٦٣٣]. (المؤلف)

(٣) في الطبقات الكبرى لابن سعد [٢ / ٣٣١] وأُسد الغابة [٧ / ٢٨٨ رقم ٧٣٣٣] : أثاثة بن عبّاد. (المؤلف)

(٤) الطبقات الكبرى : ٢ / ٣٣١.

٣٩

صبّحَكِ اللهُ غداةَ الفجرِ

بالهاشميينَ الطوالِ الزُهْرِ

بكلِّ قَطّاع حسامٍ يفري

حمزةُ ليثي وعليٌّ صقري (١)

٥ ـ خنساء بنت عمرو ـ حفيدة امرئ القيس ـ قد أكثرت من الشعر ، وأجمع أهل العلم بالشعر أنَّه لم تكن امرأة قبلها ولا بعدها أشعر منها ، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يعجبه شعرها ويستنشده (٢).

٦ ـ رُقَيْقَة ـ بقافين مصغَّرة ـ بنت أبي صيفي بن هاشم بن عبد المطّلب بن هاشم ، هي التي أخبرت رسول الله بأنَّ قريشاً قد اجتمعت تريد شأنك الليلة ، فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فراشه ، وبات فيه عليٌّ أمير المؤمنين (٣) ، لها شعر جيِّد ، منه قولها في استسقاء عبد المطّلب لقريش ومعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يافعاً ، أوّله :

بشيبةِ الحمدِ أسقى الله بلدَتَنا

وقد فَقَدْنا الحيا واجلَوّذ (٤) المطرُ (٥)

٧ ـ أروى بنت عبد المطّلب ، عمّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصاحبة الاحتجاج المشهور على معاوية ، يأتي في ترجمة عمرو بن العاص ، ولها شعر في رثاء النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، منه أبيات أوّلها :

ألا يا عينُ ويحَكِ أَسعديني

بدمعِك ما بَقيِتِ وطاوعيني

ومنها أبيات مستهلّها :

ألا يا رسولَ اللهِ كنتَ رجاءَنا

وكنت بنا بَرّا ولم تكُ جافيا

__________________

(١) أُسد الغابة : ٥ / ٥٥٩ [٧ / ٢٨٨ رقم ٧٣٣٣] ، الإصابة : ٤ / ٤٢١ [رقم ١٠٨٦].(المؤلف)

(٢) الاستيعاب ـ هامش الإصابة : ٤ / ٢٩٥ ، ٢٩٦ [الاستيعاب : القسم الرابع / ١٨٢٧ رقم ٣٣١٧] ، أُسد الغابة : ٥ / ٤٤١ [٧ / ٨٨ رقم ٦٨٧٦]. (المؤلف)

(٣) الإصابة : ٤ / ٣٠٣ [رقم ٤٢٥]. (المؤلف)

(٤) اجلوّذ المطر : امتد وقت تأخره وانقطاعه.

(٥) أُسد الغابة : ٥ / ٤٥٥ [٧ / ١١١ رقم ٦٩١٩] ، الخصائص الكبرى : ١ / ٨٠ [١ / ١٣٦]. (المؤلف)

٤٠