الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٢

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١

أين التطرُّب بالولاء وبالهوى

أإلى الكواذب من بروق الخلَّبِ

أإلى أميّة أم إلى شِيَع التي

جاءت على الجملِ الخِدَبِّ الشوقَبِ

حتى أتى على آخرها ، فقال لي مروان : ما سمعت قطُّ شعراً أكثر معاني وألخص منه وعدّد ما فيه من الفصاحة. وكان يقول لكلِّ بيت منها : سبحان الله ، ما أعجب هذا الكلام. وروى عن التوَّزي أنَّه قال : لو أنَّ شعراً يستحقُّ أن لا يُنشَد إلاّ في المساجد لحسنه لكان هذا ، ولو خطب به خاطبٌ على المنبر في يوم الجمعة لأتى حَسَناً ولحاز أجراً.

وقال أبو الفرج (١) : كان شاعراً متقدّماً مطبوعاً ، وله طرازٌ من الشعر ومذهبٌ قلَّما يُلحقُ فيه أو يُقارَبُه. وروى عن لَبطة بن الفرزدق قال : تذاكرنا الشعراء عند أبي فقال : إنَّ هاهنا لرجلين لو أخذا في معنى الناس لما كنّا معهما في شيء. فسألناه من هما؟ فقال : السيِّد الحميري وعمران بن حطّان السدوسي ، ولكنَّ الله قد شغل كلَّ واحد منهما بالقول في مذهبه (٢). الأغاني (٣) (٧ / ٢٣١)

وعن التوَّزي : قال : رأى الأصمعي جزءً فيه من شعر السيِّد ، فقال : لمن هذا؟ فسترته عنه لعلمي بما عنده فيه ، فأقسم عليَّ أن أخبره فأخبرته ، فقال : أَنشدني قصيدةً منه ، فأنشدته قصيدةً ثمَّ أخرى وهو يستزيدني ، ثمَّ قال : قبّحه الله ما أسلكه لطريق الفحول لو لا مذهبه! ولولا ما في شعره ما قدّمت عليه أحداً من طبقته. وفي لفظه الآخر : لما تقدّمه من طبقته أحدٌ. وعن أبي عبيدة أنَّه قال : أشعر الُمحدَثينَ السيِّد

__________________

(١) الأغاني : ٧ / ٢٤٩ ـ ٢٥٢.

(٢) كذا في الأغاني وهو بعيد ؛ لأنّ الفرزدق توفي سنة (١١٠ ه‍) ، في حين أنَّ ولادة السيِّد الحميري كانت في سنة (١٠٥ ه‍) ، أي أنَّ عمره يومذاك كان خمس سنوات فقط!. ومن المستبعد أن يقول الإنسان الشعر المحكم في هذه السنّ المبكّرة ، فضلاً عن أن يكون له رأي وعقيدة ويزاحم فحول الشعراء.

(٣) الأغاني : ٧ / ٢٤٩ ، ٢٥١.

٣٤١

الحميري وبشّار. الأغاني (١) (٧ / ٢٣٢ ، ٢٣٦)

وقف السيِّد على بشّار وهو ينشد الشعر فأقبل عليه وقال :

أيُّها المادحُ العبادَ ليُعطى

إنَّ للهِ ما بأيدي العبادِ

فاسأل اللهَ ما طلبت إليهمْ

وارجُ نفع المنزِّل العوَّادِ

لا تقل في الجوادِ ما ليس فيهِ

وتسمِّي البخيلَ باسم الجوادِ

قال بشّار : من هذا؟ فعُرِّفَهُ. فقال : لو لا أنَّ هذا الرجل قد شُغل عنّا بمدح بني هاشم لشغَلَنا ، ولو شارَكَنا في مذهبنا لأَتْعَبَنا. الأغاني (٢) (٧ / ٢٣٧)

وعن غانم الورّاق قال : خرجت إلى بادية البصرة ، فصرت إلى عمرو بن تميم ، فجلسوا إليّ فأنشدتهم للسيِّد :

أتعرف رسماً بالسويَّينِ قد دَثَرْ

عَفَتْهُ أهاضيبُ السحائب والمطرْ

وجرّتْ به الأذيالَ رِيحانِ خِلْفَةً

صَبَاً ودَبُورٌ بالعَشِيّاتِ والبُكَرْ

منازلُ قد كانت تكون بجوِّها

هضيم الحشا ريّا الشوى سحرها النظرْ

قَطُوف الخُطا خَمْصانةٌ بَخْتَريّةٌ

كأنَّ مُحيّاها سنا دارةِ القمرْ

رَمَتني ببُعدٍ بعدَ قربٍ بها النوى

فبانت ولمّا أقضِ من عندها الوَطَرْ

ولمّا رأتني خَشْيةَ البينِ مُوجَعاً

أُكفكِفُ منِّي أدمُعاً فيضها دَررْ

أشارت بأطرافٍ إليَّ ودمعُها

كنَظْمِ جُمانٍ خانه السلكُ فانتثرْ

وقد كنتُ ممّا أحدثَ البينُ حاذراً

فلم يُغنِ عنّي منه خوفيَ والحذرْ

قال : فجعلوا يُمرِّقون (٣) لإنشادي ويطربون وقالوا : لمن هذا؟ فأَعلمتهُم.

__________________

(١) الأغاني : ٧ / ٢٥٢ ، ٢٥٥.

(٢) الأغاني : ٧ / ٢٥٦.

(٣) التمريق : الغناء ، وقيل : هو رفع الصوت به.

٣٤٢

فقالوا : هو والله أحد المطبوعين ، لا والله ما بقي في هذا الزمان مثله. الأغاني (١) (٧ / ٢٣٨)

عن الزبير بن بكّار قال : سمعت عمّي يقول : لو أنَّ قصيدة السيِّد التي يقول فيها :

إنَّ يوم التطهير يومٌ عظيمٌ

خُصَّ بالفضل فيه أهلُ الكساءِ

قُرِئت على منبر ما كان فيها بأس ، ولو أنَّ شعره كلّه كان مثله لرويناه وما عِبناه.

وروي عن الحسين بن ثابت قال : قَدِم علينا رجلٌ بدويٌّ وكان أروى الناس لجرير ، فكان ينشدني الشيء من شعره ، فأُنشد في معناه للسيِّد حتى أكثرت ، فقال لي : ويحك من هذا؟ هو والله أشعر من صاحبنا. الأغاني (٢) (٧ / ٢٣٩)

ويروى عن إسحاق بن محمد قال : سمعت العُتْبيَ (٣) يقول : ليس في عصرنا هذا أحسن مذهباً في شعره ولا أنقى ألفاظاً من السيِّد ، ثمَّ قال لبعض من حضر : أنشدنا قصيدته اللاميَّة التي أنشدتناها اليوم ؛ فأنشده قولَه :

هل عند من أحببتَ تَنويلُ

أم لا فإنَّ اللوم تضليلُ

أم في الحشا منك جوىً باطنٌ

ليس تُداويهِ الأباطيلُ

عَلِقْتَ يا مغرورُ خدّاعةً

بالوعد منها لك تَخْييلُ

ريّا رداح النوم خمصانة

كأنّها أدماءُ عُطبُولُ

يشفيك منها حين تخلو بها

ضَمٌّ إلى النحر وتقبيلُ

__________________

(١) الأغاني : ٧ / ٢٥٧.

(٢) الأغاني : ٧ / ٢٥٨ ، ٢٥٩.

(٣) أبو عبد الرحمن محمد بن عبيد الله الأموي الشاعر البصري : المتوفّى (٢٢٨) ينسب الى جدِّهِ عتبة ابن أبي سفيان. (المؤلف)

٣٤٣

وذَوقُ ريقٍ طيِّبٍ طعمُهُ

كأنّهُ بالمسكِ معلولُ

في نسوةٍ مثلِ المَها خُرَّدٍ

تضِيق عنهنَّ الخلاخيلُ

يقول فيها :

أُقسمُ بالله وآلائهِ

والمرءُ عمّا قال مسؤولُ

إنَّ عليَّ بنَ أبي طالبٍ

على التقى والبِرِّ مجبولُ (١)

فقال العُتْبيّ : أحسن والله ما شاء ، هذا والله الشعرُ الذي يهجمُ على القلب بلا حجاب. الأغاني (٢) (٧ / ٢٤٧)

وقبل هذه كلّها حسْبُهُ ثناءً عليه قول الإمام الصادق عليه‌السلام : «أنت سيِّد الشعراء» فينمُّ عن مكانته الرفيعة في الأدب ، يقصُرُ الوصف عن استكناهها ، ولا يُدرِك البيانُ مداها. فكان يُعدُّ من شعرائه عليه‌السلام وولده الطاهر الكاظم ، كما في نور الأبصار للشبلنجي (٣).

إكثاره في آل الله :

كان السيِّد بعيد المَنْزَعة ، ولعاً بإعادة السهم إلى النزعَة ، وقد أشفَّ وفاق كثيرين من الشعراء بالجدِّ والاجتهاد في الدعاية إلى مبدئه القويم ، والإكثار في مدح العترة الطاهرة ، وساد الشعراء ببذل النفس والنفيس في تقوية روح الإيمان في المجتمع وإحياء ميِّت القلوب ببثِّ فضائل آل الله ، ونشر مثالب مناوئيهم ومساوئ أعدائهم قائلاً :

أيا ربِّ إنّي لم أُرِدْ بالذي به

مدحتُ عليّا غيرَ وجهِك فارحَمِ

__________________

(١) تأتي بقية القصيدة في ذكر أخبار المترجم له ومُلَحِهِ. (المؤلف)

(٢) الأغاني : ٧ / ٢٦٧.

(٣) نور الأبصار : ص ٢٩٤.

٣٤٤

وصدّق بشعره رؤياه التي رواها عنه أبو الفرج والمرزباني في أخباره ؛ أنَّه قال : رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم في النوم وكأنَّه في حديقة سَبِخَةٍ فيها نخلٌ طوال ، وإلى جانبها أرضٌ كأنَّها الكافور ليس فيها شيءٌ ، فقال : أتدري لمن هذا النخل؟ قلت : لا يا رسول الله. قال : لامرئ القيس بن حجر ، فاقلعها واغرسها في هذه الأرض ، ففعلت. وأتيت ابن سيرين فَقَصَصْتُ رؤياي عليه. فقال : أتقول الشعر؟ قلت : لا. قال : أما إنَّك ستقول شعراً مثل شعر امرئٍ القيس ، إلاّ أنَّك تقوله في قوم بَرَرَةٍ أطهار.

وكان كما قال أبو الفرج : لا يخلو شعره من مدح بني هاشم أو ذمِّ غيرهم ممّن هو عنده ضدٌّ لهم. وروى عن الموصليّ عن عمِّه قال : جمعت للسيِّد في بني هاشم ألفين وثلاثمائة قصيدة ؛ فخِلتُ أن قد استوعبتُ شعره ، حتى جلس إليَّ يوماً رجلٌ ذو أطمار رثّة ، فسمعني أنشد شيئاً من شعره ، فأنشدني به ثلاث قصائد لم تكن عندي. فقلت في نفسي : لو كان هذا يعلم ما عندي كلّه ثمّ أنشدني بعده ما ليس عندي لكان عجباً ، فكيف وهو لا يعلم وإنّما أنشد ما حضره! وعرفتُ حينئذ أنَّ شعره ليس ممّا يُدرك ، ولا يمكن جمعه كلّه. الأغاني (١) (٧ / ٢٣٦ ، ٢٣٧).

قال أبو الفرج : كان السيّد يأتي الأعمش سليمان بن مهران الكوفي : المتوفّى (١٤٨) ، فيكتب عنه فضائل عليٍّ أمير المؤمنين ـ سلام الله عليه ـ ويخرج من عنده ويقول في تلك المعاني شعراً. فخرج ذات يوم من عند بعض أمراء الكوفة وقد حمله على فرس وخلع عليه ؛ فوقف بالكُناسة ثمَّ قال : يا معشر الكوفيِّين من جاءني منكم بفضيلة لعليِّ بن أبي طالب لم أقل فيها شعراً أعطيته فرسي هذا وما عليّ. فجعلوا يحدِّثونه وينشدهم ، حتى أتاه رجلٌ منهم ، وقال : إنَّ أمير المؤمنين عليَّ بن أبي طالب ـ سلام الله عليه ـ عزم على الركوب فلبس ثيابه وأراد لُبسَ الخُفِّ فلبِس أحدَ خُفّيه ، ثمّ أهوى إلى الآخر ليأخذه ، فانقضَّ عقابٌ من السماء ، فحلّقَ به ، ثمَّ ألقاه فسقط منه

__________________

(١) الأغاني : ٧ / ٢٥٧ ، ٢٥٦.

٣٤٥

أسود وانساب فدخل جُحراً ، فلبس عليٌّ عليه‌السلام الخفّ. قال : ولم يكن قال في ذلك شيئاً ، ففكّر هُنيهة ثمَّ قال :

ألا يا قومِ للعَجَب العُجابِ

لخُفِّ أبي الحسين وللحُبابِ

عدوٌّ من عِداة الجنِّ وغدٌ

بعيدٌ في المرادةِ من صوابِ

أتى خفّا له وانساب فيهِ

لِيَنْهشَ رِجلَهُ منه بنابِ

ليَنْهشَ خيرَ من ركبَ المطايا

أمير المؤمنين أبا ترابِ

فخرَّ من السماء له عُقابٌ

من العِقبان أو شِبهُ العقابِ

فطار به فحلّقَ ثمَّ أَهْوى

به للأرض من دون السحابِ

فصكَّ بخُفِّه وانسابَ منه

وولّى هارباً حَذَر الحِصابِ

إلى جُحرٍ له فانساب فيهِ

بعيدِ القَعْر لم يُرتَجْ ببابِ

كريهُ الوجه أسودُ ذو بَصيصٍ

حديدُ النابِ أزرقُ ذو لُعابِ

يهلُّ له الجريُّ إذا رآهُ

حثيثُ الشدِّ محذورُ الوَثابِ

تأخّر حَيْنُهُ ولقد رماهُ

فأخطاهُ بأحجارٍ صِلابِ

ودوفِعَ عن أبي حسن عليٍ

نقيعُ سِمَامِهِ بعد انسيابِ (١)

قال المرزباني : ثمَّ حرّك فرسه وثناها ، وأعطى ما كان معه من المال والفرس للذي روى له الخبر ، وقال : إنِّي لم أكن قلت في هذا شيئاً. وذكر المرزباني من تشبيبها أحد عشر بيتاً لم يروِ أبو الفرج منه إلاّ مستهلّها :

صبوتُ إلى سليمى والربابِ

وما لأخي المشيب ولِلتصابي

قال أبو الفرج : أما العقاب الذي انقضَّ على خُفِّ عليِّ بن أبي طالب رضى الله عنه فحدّثني بخبره أحمد بن محمد بن سعيد الهمدانيّ ، قال : حدّثني جعفر بن عليِّ بن نُجَيح قال : حدّثنا أبو عبد الرحمن المسعودي عن أبي داود الطَهَوي ، عن أبي الزِّغْل المرادي

__________________

(١) الأغاني : ٧ / ٢٥٧ [٧ / ٢٧٧] ، أخبار السيّد للمرزباني [ص ١٧١]. (المؤلف)

٣٤٦

قال : قام عليُّ بن أبي طالب رضى الله عنه فتطهّر للصلاة ، ثمَّ نزع خُفّه فانساب فيه أفعى ، فلمّا عاد ليَلبَسه انقضّت عقابٌ فأخذته ، فحلّقت به ثمَّ ألقته فخرج الأفعى منه. وقد رُوي مثل هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن المعتز في طبقاته (١) (ص ٧) : كان السيِّد أحذق الناس بسوق الأحاديث والأخبار والمناقب في الشعر ، لم يترك لعليِّ بن أبي طالب فضيلةً معروفةً إلاّ نقلها إلى الشعر. وكان يُملُّه الحضور في مُحتَشَدٍ لا يُذكر فيه آل محمد ـ صلوات الله عليهم ـ ولم يأنس بحفلة تخلو عن ذكرهم.

وروى أبو الفرج عن الحسن بن عليِّ بن حرب بن أبي الأسود الدؤلي قال : كنّا جلوساً عند أبي عمرو بن العلاء فتذاكرنا السيِّد ، فجاء فجلس ، وخُضنا في ذكر الزرع والنخلِ ساعة فنهض. فقلنا : يا أبا هاشم ممَّ القيام؟ فقال :

إنّي لأَكرَهُ أن أُطيل بمجلسٍ

لا ذِكْرَ فيه لفضل آلِ محمدِ

لا ذِكْرَ فيه لأحمدٍ ووصيِّهِ

وبَنِيه ذلك مجلسٌ نَطِفٌ رَدي (٢)

إنَّ الذي ينساهُمُ في مجلسٍ

حتى يُفارقَهُ لَغيرُ مسدَّدِ

وكان إذا استُنْشِدَ شيئاً من شعره لم يبدأ بشيء إلاّ بقوله :

أجدَّ بآل فاطمة البُكورُ

فدمع العين منهمرٌ غزيرُ

الأغاني (٣) (٧ / ٢٤٦ ـ ٢٦٦)

رواة شعره وحفّاظُه :

١ ـ أبو داود سليمان بن سفيان المسترق الكوفي المنشد : المتوفّى سنة (٢٣٠)

__________________

(١) طبقات الشعراء : ص ٣٢.

(٢) النطف : النجس. (المؤلف)

(٣) الأغاني : ٧ / ٢٨٦.

٣٤٧

عن (٧٠) عاماً ، كان راوية شعره كما في الأغاني (١) ، وفهرست الكشّي (٢) (ص ٢٠٥).

٢ ـ إسماعيل بن الساحر : كان راويته كما في الأغاني (٣) في غير موضع.

٣ ـ أبو عبيدة معمر بن المثنّى : المتوفّى (٢٠٩) ، كان يروي شعره كما في الأغاني (٤) ، ولسان الميزان (٥) (١ / ٤٣٧).

٤ ـ السِّدْري : كان راويته كما في طبقات ابن المعتز (٦) (ص ٧).

٥ ـ محمد بن زكريّا الغلابي الجوهري البصري : المتوفّى (٢٩٨) ، كان يحفظ شعر السيِّد ويقرؤه على العبّاسة بنت السيِّد ، ويصحِّحه عليها كما في أخبار السيِّد (٧) للمرزباني.

٦ ـ جعفر بن سليمان الضبعيّ البصريّ : المتوفّى (١٧٨) ، كان ينشد شعر السيِّد كثيراً ، فمن أنكره عليه لم يحدِّثه كما في الأغاني (٨) ، ولسان الميزان (٩) (١ / ٤٣٧).

٧ ـ يزيد بن محمد بن عمر بن مذعور التميميّ ، كان يروي للسيِّد ويعاشرُهُ كما في أخبار السيِّد (١٠) للمرزباني ، وقال أبو الفرج (١١) : كان يحفظ شعر السيِّد وينشده لأبي بُجَير الأسدي.

__________________

(١) الأغاني : ٧ / ٢٦٦.

(٢) رجال الكشّي : ٢ / ٦٠٨ رقم ٥٧٧.

(٣) الأغاني : ٧ / ٢٤٩.

(٤) الأغاني : ٧ / ٢٥٥.

(٥) لسان الميزان : ١ / ٤٨٨ رقم ١٣٥٩.

(٦) طبقات الشعراء : ص ٣٣.

(٧) أخبار السيّد الحميري : ص ١٥٧.

(٨) الأغاني : ٧ / ٢٥٦.

(٩) لسان الميزان : ١ / ٤٨٨ رقم ١٣٥٩.

(١٠) أخبار السيّد الحميري : ص ١٥٦. وفيه : يزيد بن محمد بن عمران.

(١١) الأغاني : ٧ / ٢٩٢.

٣٤٨

٨ ـ فضيل بن الزبير الرسّان الكوفيّ ، كان ينشد شعر السيِّد ، وقد أَنشده للإمام الصادق عليه‌السلام وقد مرَّ بعض حديثه.

٩ ـ الحسين بن الضحّاك ، قال المرزباني (١) : كان أحفظ الناس لشعره.

١٠ ـ الحسين بن ثابت ، كان يروي كثيراً من شعره.

١١ ـ العبّاسة بنت السيِّد ، كانت حافظة لشعر أبيها ، وكانت الرواة يقرؤون عليها شعر السيِّد وتصحِّحه لهم ، كما ذكره المرزباني في أخبار السيِّد (٢).

وكانت للسيِّد كريمتان أُخريان تحفظان شعره ، وفي بعض المعاجم كانت كلّ واحدة تحفظ ثلاثمائة قصيدة. وقال ابن المعتزّ في طبقات الشعراء (٣) (ص ٨) : حُكي عن السدريّ أنَّه قال : كان له أربع بنات ، وأنّه كان حفَّظَ كلَّ واحدة منهنَّ أربعمائة قصيدة من شعره.

١٢ ـ عبد الله بن إسحاق الهاشميّ ، جمع شعره كما مرَّ عن المرزباني (٤).

١٣ ـ عمُّ الموصلي ، جمع شعره في بني هاشم كما مرَّ عن الأغاني (٥).

١٤ ـ الحافظ أبو الحسن الدارقطني عليّ بن عمر : المتوفّى (٣٨٥) كان يحفظ ديوان السيِّد كما في تاريخَي الخطيب البغدادي (١٢ / ٣٥) ، وابن خلّكان (٦) (١ / ٣٥٩) ، وتذكرة الحفّاظ (٧) (٣ / ٢٠٠).

__________________

(١) أخبار السيّد الحميري : ص ١٥٢.

(٢) أخبار السيّد الحميري : ص ١٥٧.

(٣) طبقات الشعراء : ص ٣٦.

(٤) أخبار السيّد الحميري : ص ١٥٣.

(٥) الأغاني : ٧ / ٢٥٦.

(٦) وفيات الأعيان : ٣ / ٢٩٧ رقم ٤٣٤.

(٧) تذكرة الحفّاظ : ٣ / ٩٩٢ رقم ٩٢٥.

٣٤٩

مذهبه وكلمات الأعلام حوله

عاش السيِّد ردحاً من الزمن على الكيسانيّة (١) ، يقول بإمامة محمد بن الحنفيَّة وغيبته ، وله في ذلك شعر ، ثمَّ أدركته سعادة ببركة الإمام الصادق عليه‌السلام وشاهد منه حُجَجَه القويّة وعرف الحقَّ ، ونبذَ ما كان عليه من سفاسف الكيسانيّة عندما نزل الإمام عليه‌السلام الكوفة عند مُنصَرفه من عند المنصور أو ملاقاته إيّاه في الحجِّ.

ولعبد الله بن المعتز المتوفّى (٢٩٦) ، وشيخ الأمّة الصدوق المتوفّى (٣٨١) ، والحافظ المرزباني المتوفّى (٣٨٤) ، وشيخنا المفيد المتوفّى (٤١٣) ، وأبي عمرو الكشّي ، والسروي المتوفّى (٥٨٨) ، والإربِلي المتوفّى (٦٩٢) وغيرهم حول مذهبه كلمات ضافية يكتفى بواحدة منها في إثبات الحقِّ فضلاً عن جميعها ، فإليك نصوصها.

١ ـ كلمة ابن المعتز : قال في طبقات الشعراء (٢) (ص ٧) : حدّثني محمد بن عبد الله قال : قال السدري راوية السيِّد : كان السيِّد أوَّل زمانه كيسانيّا يقول برجعة محمد ابن الحنفيّة ، وأنشدني في ذلك :

حتى متى وإلى متى ومتى المدى

يا ابن الوصيِّ وأنت حيٌّ ترزقُ

والقصيدة مشهورةٌ. وحدّثني محمد بن عبد الله قال : قال السِّدريّ : ما زال السيِّد يقول بذلك حتى لقي الصادق عليه‌السلام بمكّة أيّام الحجِّ ، فناظره وألزمه الحجّة ، فرجع عن ذلك ، فذلك قوله في تركه تلك المقالة ورجوعه عمّا كان عليه ، ويذكر الصادق :

__________________

(١) هم أصحاب المختار بن أبي عُبيد ، يقال في تسميتهم بذلك : إنَّ المختار كان يلقّب بكَيْسان ، مأخوذاً ممّا رواه الكشّي في رجاله : ص ٨٤ [١ / ٣٤١ رقم ٢٠١] من قول أمير المؤمنين ٧ له : يا كيّس يا كيّس وقيل : إنَّ كيسان اسم صاحب شرطته ، ويكنّى بأبي عَمْرة كما في رجال الكشّي [١ / ٣٤٢ رقم ٢٠٤] والفِصَل لابن حزم [٤ / ٩٤]. وقيل : إنَّ كيسان هو مولى أمير المؤمنين ، وهو الذي حمل المختار على الطلب بدم الحسين السبط ٧ ودَلَّ على قَتَلَتِهِ ، وكان صاحب سرّه والغالب على أمره كما ذكره الكشّي. (المؤلف)

(٢) طبقات الشعراء : ص ٣٣.

٣٥٠

تجعفرتُ باسم الله واللهُ أكبرُ

وأيقنتُ أنّ الله يعفو ويغفرُ

ويثبت مهما شاء ربِّي بأمره

ويمحو ويقضي في الأمور ويقدرُ

٢ ـ كلمة الصدوق : قال في كمال الدين (١) (ص ٢٠) : فلم يزل السيِّد ضالاّ في أمر الغيبة يعتقدها في محمد بن الحنفيّة ؛ حتى لقي الصادق جعفر بن محمد عليه‌السلام ورأى منه علامات الإمامة وشاهد منه دلالات الوصيّة ، فسأله عن الغَيبة فذكر له أنَّها حقٌّ ، ولكنّها تقع بالثاني عشر من الأئمّة عليهم‌السلام وأخبره بموت محمد بن الحنفيّة ، وأنَّ أباه محمد ابن عليِّ بن الحسين بن عليِّ عليهم‌السلام شاهد دفنه ، فرجع السيِّد عن مقالته واستغفر من اعتقاده ، ورجع إلى الحقِّ عند اتِّضاحه له ودان بالإمامة.

حدّثنا عبد الواحد بن محمد العطّار رضى الله عنه قال : حدّثنا عليُّ بن محمد بن قتيبة النيسابوري قال : حدّثنا حمدان بن سليمان عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن حيّان السرّاج قال : سمعت السيِّد بن محمد الحميري يقول : كنت أقول بالغلو ، واعتقد غيبة محمد بن عليِّ الملقّب بابن الحنفيّة قد ضللتُ في ذلك زماناً ، فمنَّ الله عليَّ بالصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام وأنقذني به من النار ، وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صحَّ عندي بالدلائل التي شاهدتها (٢) منه أنّه حجّة الله عليَّ وعلى جميع أهل زمانه ، وأنّه الإمام الذي فرض الله طاعته ، وأوجب الاقتداء به فقلت له : يا ابن رسول الله قد رُوي لنا أخبار عن آبائك عليهم‌السلام في الغَيبة وصحّة كونها فأخبرني بمن تقع؟ فقال عليه‌السلام : «إنَّ الغيبة ستقع بالسادس من ولدي ، وهو الثاني عشر من الأئمّة الهداة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أوّلهم أمير المؤمنين عليُّ بن أبي طالب ، وآخرهم القائم بالحقِّ بقيّة الله في الأرض وصاحب الزمان. والله لو بقي في غيبته ما بقي نوحٌ في قومه ، لم يخرج من الدنيا حتى يظهر ، فيملأ الارض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً».

__________________

(١) كمال الدين : ص ٣٣.

(٢) ستقف على بعض تِلكُم الدلائل. (المؤلف)

٣٥١

قال السيّد : فلمّا سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد عليهما‌السلام تُبت إلى الله تعالى ذكره على يديه ، وقلت قصيدتي التي أوّلها :

ولمّا رأيتُ الناسَ في الدينِ قد غَوَوْا

تجعفرتُ باسم الله فيمن تجعفروا

وناديتُ باسمِ اللهِ واللهُ أكبرُ

وأيقنتُ أنَّ الله يعفو ويغفرُ

ودِنتُ بدينٍ غير ما كنتُ دائناً

به ونهاني سيّدُ الناس جعفرُ

فقلت فهبني قد تهوّدتُ بُرهةً

وإلاّ فديني دين من يتنصّرُ

وإنّي إلى الرحمن من ذاك تائبٌ

وإنّيَ قد أسلمتُ واللهُ أكبرُ

فلستُ بغالٍ ما حَييتُ وراجعٍ

إلى ما عليهِ كنت أُخفي وأُضمِرُ

ولا قائلاً حيٌّ برضوى محمدٌ (١)

وإن عاب جُهّالٌ مقالي فأكثروا

ولكنَّه ممّا مضى لسبيلهِ

على أفضل الحالات يُقفى ويخبرُ

مع الطيّبين الطاهرين الأُلى لهم

من المصطفى فرعٌ زكيٌّ وعنصرُ

إلى آخر القصيدة وهي طويلةٌ. وقلت بعد ذلك قصيدة أخرى :

أَيا راكباً نحو المدينة جَسرةً

عُذافِرَةً يُطوى بها كلُّ سَبسبِ (٢)

إذا ما هداك الله عاينتَ جعفراً

فقل لوليِّ الله وابن المهذَّبِ

ألا يا أمينَ الله وابن أمينهِ

أتوبُ إلى الرحمن ثمَّ تأوُّبي

إليك من الأمر الذي كنت مُطنباً

أحارب فيهِ جاهداً كلَّ معربِ

وما كان قولي في ابن خولة مُبطِناً

معانَدَةً منّي لنسلِ المُطيَّبِ

ولكن رُوينا عن وصيِّ محمدٍ

وما كان فيما قال بالمتكذِّبِ

بأنّ وليَّ الأمر يُفقدُ لا يُرى

ستيراً (٣) كفعل الخائف المترقّبِ

فيقسم أموال الفقيد كأنَّما

تعيّبه بين الصفيح المنصّبِ

__________________

(١) في لفظ ابن شهرآشوب : ولا قائلاً قولاً بكيسان بعدها. (المؤلف)

(٢) الجسرة : العظيمة من الإبل. والعُذافِرَةُ : الشديدة منها. (المؤلف)

(٣) في لفظ المرزباني والمفيد [في الإرشاد : ٢ / ٢٠٧] : سنين. (المؤلف)

٣٥٢

فيمكث حيناً ثمّ ينبَعُ نبعةً

كنبعة جَدِّيٍّ من الأُفق كوكبِ (١)

يسير بنصر الله من بيت ربِّه

على سؤدد منه وأمرٍ مُسبَّبِ

يسير إلى أعدائه بلوائِهِ

فيقتُلُهمْ قتلاً كحرّانَ مغضبِ

فلمّا رُوي أنَّ ابن خولة غائبٌ

صَرَفنا إليهِ قولنا لم نكذِّبِ

وقلنا هو المهديُّ والقائمُ الذي

يعيش به من عدلِهِ كلُّ مُجدِبِ (٢)

فإن قلت لا فالحقّ قولُكَ والذي

أمرت فحتمٌ غير ما متعصّبِ

وأُشهِدُ ربِّي أنَّ قولَكَ حُجّةٌ

على الخلقِ طُرّا من مُطيعٍ ومُذْنبِ

بأنَّ وليَّ الأمر والقائمَ الذي

تَطَلّعُ نفسي نحوَه بتطرُّبِ

له غَيْبَةٌ لا بدَّ من أن يغيبها

فصلّى عليه اللهُ من متغيِّبِ

فَيَمْكثُ حيناً ثمَّ يَظهَرُ حينَه

فيملأ عدلاً كلَّ شرقٍ ومَغْربِ

بذاك أمين الله سرّا وجهرةً

ولستُ وإن عوتبتُ فيه بمُعَتّبِ

وكان حيّان السرّاج الراوي لهذا الحديث من الكيسانيّة ، ورواه الإربِلي في كشف الغُمَّة (٣).

٣ ـ كلمة المرزباني : قال في أخبار السيِّد (٤) : كان السيّد ابن محمد رحمه‌الله بلاشك كيسانيّا ، يذهب إلى أنَّ محمد بن الحنفيّة رضى الله عنه هو القائم المهدي وأنّه مقيمٌ في جبال رضوى ، وشعره في ذلك يدلُّ على أنّه كان كما ذكرنا كيسانيّا ، فمن قوله :

يا شِعْبَ رضوى ما لمن بك لا يُرى

وبنا إليه من الصبابة أولقُ (٥)

__________________

(١) وفي رواية المرزباني : [ ] ويمكث حيناً ثم يُشرِق شخصه [ ] مضيئاً بنور العدل إشراق كوكبِ [ ] (المؤلف)

(٢) في رواية الحافظ المرزباني : يعيش بجدوى عدله كلُّ مجدِب. (المؤلف)

(٣) كشف الغمّة : ٢ / ٣٩٣.

(٤) أخبار السيّد الحميري : ص ١٦٤.

(٥) الأولق : الجنون أو مسّ منه. (المؤلف)

٣٥٣

حتى متى وإلى متى وكم المدى

يا ابن الوصيّ وأنت حيٌّ تُرزقُ

إنّي لآمُلُ أن أراك وإنَّني

من أن أموتَ ولا أراك لأفْرقُ

غير أنَّه رحمه‌الله رجع عن ذلك وذهب إلى إمامة الصادق عليه‌السلام وقال :

تجعفرتُ باسم الله والله أكبرُ

وأيقنتُ أنَّ الله يعفو ويغفرُ

ومن زعم أنَّ السيِّد أقام على الكيسانيّة فهو بذلك كاذبٌ عليه وطاعنٌ فيه. ومن أوضح ما دلّ على بطلان ذلك دعاء الصادق له عليه‌السلام وثناؤه عليه ، فمن ذلك ما أخبرنا به محمد بن يحيى قال : حدّثنا أبو العينا قال : حدّثني عليُّ بن الحسين بن عليّ ابن عمر بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ـ صلوات الله عليهم ـ قال : قيل لأبي عبد الله عليه‌السلام وذكر عنده السيِّد : بأنَّه ينال من الشراب. فقال عليه‌السلام : «إنَّ كان السيِّد زلّت به قدمٌ فقد ثبتت له أخرى».

وبإسناده عن عبّاد بن صهيب قال : كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام فذكر السيِّد فدعا له فقال له : يا ابن رسول الله أتدعو له وهو يشرَب الخمر ، ويشتم أبا بكر وعمر ، ويوقن بالرجعة؟ فقال : «حدّثني أبي عن أبيه عليّ بن الحسين أنَّ محبّي آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يموتون إلاّ تائبين وإنّه قد تاب». ثمَّ رفع رأسه وأخرج من مصلّى عليه كتاباً من السيِّد يتوب فيه ممّا كان عليه (١) ، وفي آخر الكتاب :

أيا راكباً نحو المدينة جَسرةً

عُذافرةً يُطوى بها كلُّ سَبسبِ

إلى آخر الأبيات كما مرّت.

وروى بإسناده عن خلف الحادي قال : قدم السيِّد من الأهواز بمال ورقيق

__________________

(١) في الأغاني : ٧ / ٢٧٧ [٧ / ٢٩٧] أخرج كتاباً من السيِّد يُعرِّفه فيه : أنَّه قد تاب ويسأله الدعاء له. (المؤلف)

٣٥٤

وكراع ، فجئته مهنِّئاً له ، فقال : إنَّ أبا بُجير (١) إماميٌّ وكان يُعيّرني بمذهبي ويأمل منّي تحوّلاً إلى مذهبه فكتبت أقول له : قد انتقلت إليه ، وقلت :

أيا راكباً نحو المدينة جَسرةً

عُذافرةً يُطوى بها كلُّ سَبسبِ

وذكر الأبيات إلى آخرها كما مرَّت.

ثمَّ قال : فقال له أبو بُجير يوماً : لو كان مذهبك الإمامة لقلت فيها شعراً. فأنشدته هذه القصيدة فسجد وقال : الحمد لله الذي لم يذهب حبّي لك باطلاً. ثمَّ أمر لي بما ترى.

وروى بإسناده عن خلف الحادي قال : قلت للسيّد : ما معنى قولك :

عجبتُ لكرِّ صروف الزمانِ

وأمرِ أَبي خالدٍ ذي البيانِ

ومن ردِّه الأَمرَ لا ينثني

إلى الطيّب الطهر نورِ الجنانِ

عليٍّ وما كان من عمِّهِ

بردّ الإمامةِ عطفَ العنانِ

وتحكيمه حجراً أسوداً

وما كان من نُطقه المُستبانِ

بتسليم عمٍّ بغير امتراءٍ

إلى ابن أخٍ منطقاً باللسانِ

شهدتُ بذلك صدقاً كما

شهدت بتصديق آي القُرانِ

عليٌ إماميَ لا أَمتَري

وخلّيت قولي بكانٍ وكانِ

قال لي : كان حدّثني عليّ بن شجرة عن أبي بُجير عن الصادق أبي عبد الله عليه‌السلام : أنَّ أبا خالد الكابلي كان يقول بإمامة ابن الحنفيّة ، فقدم من كابُل شاه إلى المدينة فسمع محمداً يخاطب عليّ بن الحسين فيقول : يا سيّدي ، فقال أبو خالد : أتخاطبُ ابن أخيك بما لا يخاطبك بمثله؟ فقال : إنَّه حاكمني إلى الحجر الأسود وزعم أنَّه يُنطِقُه ، فصرت معه إليه فسمعت الحجر يقول : يا محمد سلّم الأمر إلى ابن أخيك فإنّه أَحقُّ منك!.

__________________

(١) هو أبو بُجير عبد الله بن النجاشي ، الأسدي والي الأهواز للمنصور. (المؤلف)

٣٥٥

فقلت شعري هذا. قال : وصار أبو خالد الكابلي إماميّا. قال : فسألت بعض الإماميّة عن هذا ، فقال لي : ليس بإماميٍّ من لا يعرف هذا. فقلت للسيِّد : فأنت على هذا المذهب أو على ما أعرف؟ فأنشدني بيت عُقَيل بن عَلَفة :

خُذا جَنْبَ هَرْشَى (١) أوقَفاه فإنّه

كلا جانبي هَرْشَى لهنَّ طريقُ

وممّا رواه المرزباني (٢)) له في مذهبه قوله :

صحَّ قولي بالإمامهْ

وتعجّلتُ السلامهْ

وأزالَ الله عنّي

إذ تجعفرتُ الملامهْ

قلتُ من بعد حسينٍ

بعليٍّ ذي العَلامهْ

أصبح السجّادُ للإ

سلام والدين دَعامهْ

قد أراني الله أمراً

أسأل اللهَ تمامهْ

كي أُلاقيه به في

وقتِ أهوالِ القيامهْ

٤ ـ كلمة المفيد : قال في الفصول المختارة (٣)) (ص ٩٣) : وكان من الكيسانيّة أبو هاشم إسماعيل بن محمد الحميري الشاعر رحمه‌الله وله في مذهبهم أشعارٌ كثيرةٌ ، ثمّ رجع عن القول بالكيسانيّة وتبرَّأ منه ودان بالحقِّ ؛ لأنَّ أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما‌السلام دعاه إلى إمامته وأبان له عن فرض طاعته ، فاستجاب له فقال بنظام الإمامة وفارق ما كان عليه من الضلالة ، وله في أيضاً ذلك شعر معروف.

ومن بعض قوله في إمامة محمد ـ رضوان الله عليه ـ ومذهب الكيسانيَّة قوله :

ألا حيِّ مُقيماً شِعْبَ رَضوى

وأهدِ لهُ بمَنزلِه السلاما

__________________

(١) ثَنِيّة في طريق مكة قريبة من الجُحفة ولها طريقان يفضيان إلى موضع واحد. (المؤلف)

(٢) أخبار السيّد الحميري : ص ١٧٦.

(٣) الفصول المختارة : ص ٢٤١.

٣٥٦

إلى أن قال : وله عند رجوعه إلى الحقِّ وفراقه الكيسانيّة :

تجعفرت باسمِ اللهِ واللهُ أكبرُ

وأيقنتُ أنَّ اللهَ يعفو ويغفرُ

ودِنْتُ بدينٍ غير ما كنت دائناً

به ونهاني سيّدُ الناسِ جعفرُ

إلى آخر ما مرَّ باختلاف يسير.

وقال في الإرشاد (١) : فصلٌ : وفيه ـ يعني الإمام الصادق عليه‌السلام ـ يقول السيِّد إسماعيل بن محمد الحميري رحمه‌الله وقد رجع عن قوله بمذهب الكيسانيّة ، لمّا بلغه إنكار أبي عبد الله عليه‌السلام مقاله ، ودعاؤه له إلى القول بنظام الإمامة :

أيا راكباً نحو المدينة جَسرةً

عُذافِرةً يُطوى بها كلُّ سبْسَبِ

وذكر منها (١٣) بيتاً ثمَّ قال : وفي هذا الشعر دليلٌ على رجوع السيِّد رحمه‌الله عن مذهب الكيسانيّة وقوله بإمامة الصادق عليه‌السلام ، ووجوه الدعوة ظاهرة من الشيعة في أيّام أبي عبد الله إلى إمامته والقول بغيبة صاحب الزمان عليه‌السلام وأنّها إحدى علاماته ، وهو صريحُ قول الإماميّة الاثني عشريّة.

٥ ـ كلمة ابن شهرآشوب : روى في المناقب (٢) (٢ / ٣٢٣) عن داود الرقّي قال : بلغ السيِّد الحميري أنَّه ذُكِرَ عند الصادق عليه‌السلام فقال : «السيِّد كافر» فأتاه وسأل : يا سيِّدي ، أنا كافرٌ مع شدّة حبِّي لكم ومعاداتي الناس فيكم؟

قال : «وما ينفعك ذاك وأنت كافر بحجّة الدهر والزمان؟» ثمّ أخذ بيده وأدخله بيتاً ، فإذا في البيت قبرٌ فصلّى ركعتين ، ثمَّ ضرب بيده على القبر فصار القبر قِطعاً ، فخرج شخصٌ من قبره ينفض التراب عن رأسه ولحيته ، فقال له الصادق : «من أنت؟» قال : أنا محمد بن عليّ المسمّى بابن الحنفيّة. فقال : «فمن أنا؟» فقال :

__________________

(١) الإرشاد : ٢ / ٢٠٦.

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٢٦٦.

٣٥٧

جعفر بن محمد ، حجّة الدهر والزمان (١) فخرج السيِّد يقول :

تَجَعْفرتُ باسم اللهِ في من تَجَعْفَرا

وأيقنتُ أنَّ اللهَ يعفو ويغفرُ

الى آخر الأبيات.

وفي أخبار السيّد : أنَّه ناظره مؤمن الطاق في ابن الحنفيّة فغلبه عليه فقال :

تركتُ ابن خَولةَ لا عن قِلىً

وإنّي لَكَالْكَلِفِ الوامِقِ

وإنّي له حافظٌ في المغيبِ

أدينُ بما دان في الصادقِ

هو الحَبرُ حَبرُ بني هاشمٍ

ونورٌ من المَلِكِ الرازقِ

به يُنعِشُ اللهُ جمعَ العبادِ

ويجري البلاغة في الناطقِ

أتانيَ برهانه معلناً

فَدِنْتُ ولم أكُ كالمائِقِ

كمن صدَّ بعد بيان الهدى

إلى حَبْترٍ وأبي حامقِ

فقال الطائي : أحسنت ، الآن أوتيت رُشْدَك ، وبلغت أشُدَّك ، وتبوَّأتَ من الخير موضعاً ومن الجنّة مقعداً ، وأنشأ السيِّد يقول :

تجعفرت باسم الله واللهُ أكبرُ

وأيقنت أنَّ الله يعفو يغفرُ (٢)

ذكر منها خمسة أبيات ثمَّ ذكر من بائيّته المذكورة ستّة أبيات فقال : وأنشد فيه ـ يعني الصادق عليه‌السلام ـ :

امدَحْ أبا عبد الإل

 ـ ه‍ فتى البريّة في احتمالهْ

سبط النبي محمدٍ

حبلٌ تفرّع من حبالهْ

تغشى العيونُ الناظراتُ

إذا سَمَون إلى جلالهْ

__________________

(١) هذه من علامات الإمامة التي مرّ الإيعاز إليها في كلمة الصدوق. (المؤلف)

(٢) مناقب آل أبي طالب : ٤ / ٢٦٧.

٣٥٨

عَذْبُ الموارد بحرُهُ

يروي الخلائقَ من سجالهْ

بحرٌ أطلَّ على البحو

ر يمدُّهنَّ ندى بلالهْ (١)

سَقَتِ العبادَ يمينُهُ

وسقى البلادَ ندى شِمالهْ

يحكي السحاب يمينهُ

والوَدْقُ يخرجُ من خلالهْ

الأرض ميراثٌ له

والناس طُرّا في عيالهْ

يا حجّةَ الله الجليلِ

وعينَهُ وزعيمَ آلهْ

وابنَ الوصيِّ المصطفى

وشبيهَ أحمدَ في كمالِهْ

أنت ابنُ بنت محمدٍ

حذواً خُلقتَ على مثالهْ

فضياءُ نورِك نورُهُ

وظِلال روحك من ظلالهْ

فيك الخلاص عن الردى

وبك الهداية من ضَلالهْ

أُثني ولستُ ببالغٍ

عُشْر الفَريدة من خصالهْ

٦ ـ الإربِلي : قال في كشف الغمّة (٢) (ص ١٢٤) : السيِّد الحميري رحمه‌الله كان كيسانيّا يقول برجعة أبي القاسم محمد بن الحنفيّة ، فلما عرّفه الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهما‌السلام الحقَّ والقول بمذهب الإماميّة الاثني عشريّة ترك ما كان عليه ورجع إلى الحقّ وقال به ، وشعره رحمه‌الله في مذهبه مشهور لا حاجة إلى ذكره لاشتهاره.

وينبئك عن مذهبه الحقِّ الصحيح قوله :

على آل الرسول وأقربيه

سلامٌ كلّما سجَعَ الحمامُ

أليسوا في السماء هُمُ نجومٌ

وهمْ أَعلام عزٍّ لا يُرامُ

فيا من قد تحيّر في ضلالٍ

أمير المؤمنين هو الإمامُ

رسول اللهِ يومَ غَديرِ خُمٍ

أنافَ به وقد حضر الأَنامُ

__________________

(١) كذا في النسخة وأحسبه : نواله. (المؤلف)

(٢) كشف الغمّة : ٢ / ٤٠.

٣٥٩

وثاني أَمره الحسنُ المرجّى

له بيتُ المشاعر والمقامُ

وثالثهُ الحسينُ فليس يخفى

سنا بدرٍ إذا اختلط الظلامُ

ورابعُهم عليٌّ ذو المساعي

به للدين والدنيا قِوامُ

وخامسُهمْ محمدٌ ارتضاهُ

له في المأثُراتِ إذن مَقامُ

وجعفرُ سادسُ النجباء بدرٌ

ببهجتِهِ زها البدرُ التمامُ

وموسى سابعٌ وله مقامٌ

تقاصَرُ عن أدانيهِ الكرامُ

عليٌّ ثامنٌ والقبرُ منه

بأرضِ الطوسِ إن قَحَطوا رِهامُ (١)

وتاسعُهمْ طريدُ بني البغايا

محمدٌ الزكيُّ له حُسامُ

وعاشرُهمْ عليٌّ وهو حصنٌ

يحِنُّ لفقده البلدُ الحرامُ

وحادي العَشْر مصباحُ المعالي

منيرُ الضوء الحسنُ الهمامُ

وثاني العَشْر حان له القيامُ

محمدٌ الزكيُّ به اعتصامُ

أولئك في الجِنان بهم مَساغي

وجيرتيَ الخوامس والسلامُ

نقد أو إصحار بالحقيقة :

قال الدكتور طه حسين المصري في ذكرى أبي العلاء (٢) (ص ٣٥٨) : التناسخ معروف عند العرب منذ أواخر القرن الأول ، والشيعة تدين به وببعض المذاهب التي تقرب منه كالحلول والرجعة ، وليس بين أهل الأدب من يجهل ما كان من سخافات الحميري وكثير في ذلك. انتهى.

كنت لا أعجب لو كان هذا العزو المختلق صادراً ممّن تقدّم طه حسين من بسطاء الأعصُر الخرافيّة الذين قالوا وهم لا يشعرون ، وجمعوا من غير تمييز ، وألّفوا لا عن تنقيب ، وعزَوا من دون دراية. لكن عجبي كلّه من مثل هذا الذي يرى نفسه

__________________

(١) الرِّهْمة : المطر الخفيف الدائم والجمع رهم ورهام. (المؤلف)

(٢) ذكرى أبي العلاء ، المطبوع ضمن المجموعة الكاملة : ١٠ / ٢٩٣.

٣٦٠