الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٢

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١

فجعل هشام يغمز مسلمة بقضيب في يده فيقول : اسمع ، اسمع.

ثمّ استأذنه في مرثيّة ابنه معاوية ، فأذن له فيها ، فأنشده قوله :

سأبكيك للدنيا وللدين إنَّني

رأيت يد المعروف بعدك شَلّتِ

أدامت عليكم بالسلام تحيّةً

ملائكةُ الله الكرامُ وصلّتِ

فبكى هشام بكاءً شديداً ، فوثب الحاجب فسكّته.

ثمَّ جاء الكميت إلى منزله آمناً ، فحشدت له المضريّة بالهدايا ، وأمر له مسلمة بعشرين ألف درهم ، وأمر له هشام بأربعين ألف درهم ، وكتب إلى خالد بأمانه وأمان أهل بيته ، وأنَّه لا سلطان له عليهم. قال : وجمعت له بنو أميّة فيما بينها مالاً كثيراً ، ولم يجمع من قصيدته تلك يومئذٍ إلاّ ما حفظه الناس منها فأُلف ، وسُئل عنها فقال : ما أحفظ منها شيئاً ، إنّما هو كلام ارتجلته.

وفي رواية : إنّه لمّا أجاره مسلمة بن هشام وبلغ ذلك هشاماً ، دعا به ، وقال له : أَتُجير على أمير المؤمنين بغير أمره؟ فقال : كلاّ ولكنّي انتظرت سكون غضبه. قال : احضرنيه الساعة فإنّه لا جوار لك. فقال مسلمة للكميت : يا أبا المستهلّ إنَّ أمير المؤمنين قد أمرني بإحضارك. قال : أتسلمني يا أبا شاكر؟ قال : كلاّ ، ولكنّي أحتال لك ، ثمَّ قال له : إنَّ معاوية بن هشام مات قريباً ، وقد جزع عليه جزعاً شديداً ، فإذا كان من الليل فاضرب رواقك على قبره ، وأنا أبعث إليك بنيه يكونون معك في الرواق ، فإذا دعا بك تقدّمتَ إليهم أن يربطوا ثيابهم بثيابك ، ويقولون : هذا استجار بقبر أبينا ونحن أحقُّ بإجارته.

فأصبح هشام على عادته متطلّعاً من قصره إلى القبر ، فقال : ما هذا؟ فقالوا : لعلّه مستجيرٌ بالقبر. فقال : يُجار من كان إلاّ الكميت ، فإنّه لا جوار له. فقيل فإنَّه الكميت. فقال : يُحضر أعنف إحضار.

٣٠١

فلمّا دُعي به ربط الصبيان ثيابهم بثيابه ، فلمّا نظر هشام إليهم اغرورقت عيناه واستعبر ، وهم يقولون : يا أمير المؤمنين استجار بقبر أبينا وقد مات ومات حظّه من الدنيا ، فاجعله هبةً له ولنا ، ولا تفضحنا في من استجار به.

فبكى هشام حتى انتحب ، ثمَّ أقبل على الكميت فقال له : يا كميت أنت القائل :

وإلاّ فقولوا غيرها تتعرّفوا

نواصِيَها تُروى بنا وهي شُزَّب (١)

فقال : لا والله ، ولا أتان من أُتن الحجاز وحشيّة. فقال الكميت : الحمد لله. قال هشام : نعم الحمد لله ، ما هذا؟

قال الكميت : مبتدئ الحمد ومبتدعه ، الذي خصَّ بالحمد نفسه ، وأمر به ملائكته ، وجعله فاتحة كتابه ، ومنتهى شكره ، وكلام أهل جنّته ، أحمدُ حمدَ مَن علم يقيناً ، وأبصر مستبيناً ، وأشهد له بما شهد لنفسه ، قائماً بالقسط وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبده العربي ، ورسوله الأمّيّ ، أرسله والناس في هفوات حيرة ، ومُدلهمّات ظلمة ، عند استمرار أبّهة الضلال ، فبلّغ عن الله ما أُمر به ، ونصح لأمّته ، وجاهد في سبيله ، وعبد ربّه حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وسلم. ثمّ تكلّم واعتذر عن هجائه بني أميّة ، وأنشد أبياتاً من رائيّته في مدحهم.

فقال له هشام : ويلك يا كميت من زيَّن لك الغواية ، ودلاّك في العماية؟ قال : الذي أخرج أبانا من الجنّة ، وأنساه العهد فلم يجد له عزماً. فقال له : إيهٍ يا كميت ألستَ القائل؟ :

فيا مُوقِداً ناراً لغيرك ضوؤها

ويا حاطباً في غير حبلِك تحطبُ

فقال : بل أنا القائل :

__________________

(١) تروى : أي ترمى. تشازب القوم على الأمر : أي كان لكلّ واحد منهم حظّ ينتظره. يقال : هم متشازبون. (المؤلف)

٣٠٢

إلى آل بيتِ أبي مالكٍ

مناخٌ هو الأرحب الأسهلُ

نَمُتُّ بأرحامِنا الداخلا

ت من حيث لا يُنكر المدخَلُ

بمرّة والنضر والمالكي

ن رهطٌ هم الأنبل الأنبلُ

وجدنا قريشاً قريشَ البطاحِ

على ما بنى الأوّلُ الأوّلُ

بهم أصلح الله بعد الفساد

وحيص من الفتق ما رعبلوا (١)

قال له : وأنت القائل :

لا كعبد المليك أو كوليدٍ

أو سليمانَ بَعْدُ أو كهشامِ

من يمتْ لا يمت فقيداً ومن يح

يَ فلا ذو إلٍّ ولا ذو ذمامِ

ويلك يا كميت جعلتنا ممّن لا يرقب في مؤمن إلاّ ولا ذمّة.

فقال : بل أنا القائل يا أمير المؤمنين :

فالآن صرتُ إلى أميّ

ة والأمورُ إلى المصائرْ

والآن صرتُ بها إلى الم

صيب كمهتدٍ بالأمس حائرْ

فقال : إيه فأنت القائل :

فقل لبني أميّة حيث حلّوا

وإن خفتَ المهنَّدَ والقطيعا

أجاع اللهُ من أشبعتموهُ

وأشبع من بجورِكمُ أُجيعا

بمرضيِّ السياسة هاشميٍ

يكون حياً لأمّته ربيعا

فقال : لا تثريب يا أمير المؤمنين إنْ رأيت أن تمحو عنّي قولي الكاذب. قال : بما ذا؟ قال : بقولي الصادق :

أورَثَتْهُ الحصانُ أمُّ هِشامٍ

حَسَباً ثاقباً ووجهاً نضيرا

__________________

(١) حاص حيصاً : عدل وحاد. رعبلوا : مزّقوا. (المؤلف)

٣٠٣

وتعاطى به ابن عائشة البد

رَ فأمسى له رقيباً نظيراً

وكساه أبو الخلائف مروا

نُ سناءَ المكارمِ المأثورا

لم تَجهّمْ (١) له البِطاحُ ولكنْ

وجدْتها له مَعاناً (٢) ودورا

وكان هشام متّكئاً فاستوى جالساً ، وقال : هكذا فليكن الشعر. يقولها لسالم ابن عبد الله بن عمر وكان إلى جانبه.

ثمَّ قال : قد رضيت عنك يا كميت! فقبّل يده وقال : يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تزيد في تشريفي فلا تجعل لخالد عليَّ إمارة. قال : قد فعلت ، وكتب بذلك. وأمر له بأربعين ألف درهم وثلاثين ثوباً هشاميّة ، وكتب إلى خالد : أن يخلّي سبيل امرأته ، ويعطيها عشرين ألف درهم وثلاثين ثوباً. ففعل ذلك. الأغاني (٣) (١٥ / ١١٥ ـ ١١٩) ، العقد الفريد (٤) (١ / ١٨٩).

كان هشام بن عبد الملك مشغوفاً بجارية له يقال لها صدوف مدنيّة ، اشتُريت له بمال جزيل ، فعتب عليها ذات يوم في شيء وهجرها ، وحلف أن لا يبدأها بكلام ، فدخل عليه الكميت وهو مغمومٌ بذلك ، فقال : مالي أراك مغموماً يا أمير المؤمنين لا غمّك الله؟ فأخبره هشام بالقصّة ، فأطرق الكميت ساعةً ، ثمَّ أنشأ يقول :

أعتبتَ أمْ عتبتْ عليك صدوفُ

وعتابُ مثلِكَ مثلَها تشريفُ

لا تقعُدَنَّ تلوم نفسك دائباً

فيها وأنت بحبِّها مشغوفُ

إنَّ الصريمةَ لا يقوم بثقلها

إلاّ القويُّ بها وأنت ضعيفُ

فقال هشام : صدقتَ والله ، ونهض من مجلسه فدخل إليها ، ونهضت إليه

__________________

(١) تجهّم له : استقبله بوجهٍ عبوس كريه. (المؤلف)

(٢) المَعان بفتح الميم : المنزل يقال : هم منك بمعان أي : بحيث تراهم بعينك. (المؤلف)

(٣) الأغاني : ١٧ / ١٢ ـ ١٧.

(٤) العقد الفريد : ١ / ٢٥٧.

٣٠٤

فاعتنقته ، وانصرف الكميت ، فبعث إليه هشام بألف دينار ، وبعثت إليه بمثلها. الأغاني (١) (١٥ / ١٢٢)

الكميت ويزيد بن عبد الملك

حدّث حُبيش بن الكميت قال : وفد الكميت على يزيد بن عبد الملك ، فدخل عليه يوماً وقد اشتُريت له سلاّمة القس ، فأُدخلت إليه والكميت حاضرٌ ، فقال له : يا أبا المستهلّ هذه جاريةٌ تُباع ، أفترى أن نبتاعها؟ فقال : إي والله يا أمير المؤمنين وما أرى أنَّ لها مثيلاً فلا تفوتنّك. قال : فصفها لي في شعر حتى أقبل رأيك. فقال الكميت :

هي شمس النهار في الحسن إلاّ

أنَّها فُضِّلت بفتك الطرافِ

غضّةٌ بضّةٌ رخيمٌ لعوبٌ

وعثةُ المتنِ ثُخْنَةُ الأطرافِ (٢)

زانها دَلُّها وثغرٌ نقيٌ

وحديثٌ مرتّلٌ غير جافي

خُلِقَتْ فوق مُنية المتمنّي

فاقبلِ النصحَ يا ابن عبد منافِ

قال : فضحك يزيد ، وقال : قد قبلنا نصحك يا أبا المستهلّ. فأمر له بجائزة سنيّة. الأغاني (٣) (١٥ / ١٢٢)

وللكميت مع خالد بن عبد الله القسري أخبارٌ عند قدومه الكوفة ، منها : أنَّه مرَّ يوماً وقد تحدّث الناس بعزله عن العراق ، فلمّا جاز تمثّل الكميت ، وقال :

أراها وإن كانت تُحَبُّ كأنّها

سحابةُ صيفٍ عن قليل تَقَشّعُ

__________________

(١) الأغاني : ١٧ / ٢٤.

(٢) الغضّ : الطريّ الناعم. يقال : شباب غضّ ، أي ناضر. البضّة : رقيقة الجلد ، ناعمة في السمن. الرخيم ، من رخمت الجارية : صارت سهلة المنطق ، فهي رخيمة ورخيم. الوعث : الهزال. ثخن : غلظ. (المؤلف)

(٣) الأغاني : ١٧ / ٢٥.

٣٠٥

فسمعه خالد فرجع ، وقال : أما والله لا تنقشع حتى يغشاك منها شؤبوب بَرَد ، ثمَّ أمر به فجرِّد وضُرب مائة سوط ، ثمَّ خلّى عنه ومضى. رواه ابن حبيب. الأغاني (١) (١٥ / ١١٩)

ومن مُلَح الكميت : أنَّ الفرزدق مرَّ به وهو ينشد ، والكميت يومئذ صبيّ ، فقال له الفرزدق : أيسرُّك أنّي أبوك؟. فقال : لا ، ولكن يسرُّني أن تكون أمّي! فَحَصِرَ الفرزدق فأقبل على جلسائه ، وقال : ما مرَّ بي مثل هذا قطٌّ. الأغاني (٢) (١٥ / ١٢٣)

ولادته وشهادته :

وُلد الكميت في سنة ستِّين ـ عام شهادة الإمام السبط الشهيد صلوات الله عليه ـ وعاش عيشة مرضيّة سعيداً في دنياه ، باذلاً كلّه في سبيل ما اختاره له ربّه ، داعياً إلى سنن الهدى ، حتى أُتيحت له الشهادة ببركة دعاء الإمام زين العابدين عليه‌السلام له بها ، وبعين الله ما هُريق من دمه الطاهر ، وذلك بالكوفة في خلافة مروان بن محمد سنة (١٢٦).

وكان سبب موته ما حكاه حجر بن عبد الجبّار قال : خرجت الجعفريّة (٣) على خالد القسري وهو يخطب على المنبر ولا يعلم بهم ، فخرجوا في التبابين (٤) ينادون : لبّيك جعفر ، لبّيك جعفر ، وعرف خالد خبرهم وهو يخطب ، فدهش بهم ، فلم يعلم ما يقول فزعاً فقال : اطعموني ماءً! ثمَّ خرج الناس إليهم فأُخذوا ، فجعل يجيء بهم إلى المسجد ، ويُؤخذ طنُّ قصب فيُطلى بالنفط ، ويُقال للرجل منهم : احتضنه. ويُضرب حتى يفعل. ثمَّ يحرق ، فحرقهم جميعاً ، فلمّا عزل خالدٌ عن العراق ووليه

__________________

(١) الأغاني : ١٧ / ١٧.

(٢) الأغاني : ١٧ / ٢٦.

(٣) هم : المغيرة بن سعيد وبيان وأصحابهما الستّة ، وكانوا يسمّون : الوصفاء. (المؤلف)

(٤) التبابين : جمع تُبّان ، وهو سراويل صغير مقدار شبر يستر العورة فقط.

٣٠٦

يوسف بن عمر دخل عليه الكميت ، وقد مدحه بعد قتله زيد بن عليّ ، فأنشده قوله فيه :

خرجت لهم تمشي البراح ولم تكن

كمن حصنه فيه الرتاج المضبَّبُ

وما خالدٌ يستطعم الماء فاغراً

بعدلك والداعي إلى الموت ينعبُ

قال : والجند قيامٌ على رأس يوسف بن عمر ـ وهم ثمانية ـ فتعصّبوا لخالد ، فوضعوا نعال سيوفهم في بطن الكميت ، فوجؤوه بها وقالوا : أتنشد الأمير ولم تستأمره؟ فلم يزل ينزف الدم حتى مات. الأغاني (١) (١٥ / ١٢١)

وحدّث المستهل (٢) بن الكميت قال : حضرت أبي عند الموت وهو يجود بنفسه ، وأُغمي عليه ثمَّ أفاق ، ففتح عينيه ثمَّ قال : اللهمَّ آل محمد ، اللهمَّ آل محمد ، اللهمّ آل محمد ـ ثلاثاً ـ. ثمّ قال : يا بُنيَّ وددت أنّي لم أكن هجوت نساء بني كلب بهذا البيت وهو :

مع العُضروطِ والعُسفاء ألْقَوْا

برادعَهُنَّ غير مُحصَّنينا (٣)

فعمّمتهنَّ قذفاً بالفجور ، والله ما خرجت ليلاً قطُّ إلاّ خشيت أن أُرمى بنجوم السماء لذلك.

ثمّ قال : يا بنيَّ إنّه بلغني في الروايات أنّه يُحفر بظهر الكوفة خندقٌ ، ويُخرج فيه الموتى من قبورهم ، ويُنبشون منها فيُحوَّلون إلى قبور غير قبورهم ؛ فلا تدفنّي في الظهر ، ولكن إذا متُّ فامض بي إلى موضع يقال له مكران ، فادفنّي فيه ، فدفن في ذلك الموضع ، وكان أوّل من دُفن فيه ، وهو مقبرةُ بني أسد إلى الساعة. الأغاني (٤) (١٥ / ١٣٠) ، المعاهد (٥) (٢ / ١٣١).

__________________

(١) الأغاني : ١٧ / ٢٢.

(٢) كان المستهل من الشعراء المعروفين وله ديوان ، كما في فهرست ابن النديم : ص ٢٣٣. (المؤلف)

(٣) العضروط : الخادم على طعام بطنه. والعسيف : الأجير.

(٤) الأغاني : ١٧ / ٤٣.

(٥) معاهد التنصيص : ٣ / ١٠٦ رقم ١٤٨.

٣٠٧
٣٠٨

٧ ـ

السيّد الحميري

المتوفّى (١٧٣)

ـ ١ ـ

يا بائعَ الدين بدنياهُ

ليس بهذا أَمَرَ اللهُ

من أين أبغضتَ عليَّ الوصيَ

وأحمدٌ قد كان يرضاهُ

من الذي أحمدُ من بينهم

يوم غدير الخُمِّ ناداهُ

أقامَهُ من بين أصحابِه

وهم حواليهِ فسماهُ

هذا عليُّ بن أبي طالبٍ

مولىً لمن قد كنتُ مولاهُ

فوالِ من والاهُ يا ذا العلا

وعادِ من قد كان عاداهُ

 ـ ٢ ـ

هلاّ وقفتَ على المكانِ المُعشِبِ

بين الطُّوَيْلعِ فاللّوى من كَبْكَبِ

ويقول فيها :

وبخُمٍّ اذ قال الإلهُ بعزمهِ

قم يا محمدُ في البريّةِ فاخطُبِ

وانصبْ أبا حسنٍ لقومك إنّه

هادٍ وما بلّغتَ إنْ لم تَنْصِبِ

فدعاهُ ثمَّ دعاهُمُ فأقامَهُ

لهُمُ فبينَ مصدِّقٍ ومكذِّبِ

جعل الولايةَ بعده لمُهذَّبٍ

ما كان يجعلُها لغيرِ مهذَّبِ

٣٠٩

وله مناقبُ لا تُرامُ متى يُرِدْ

ساعٍ تناول بعضها بتذبذبِ

إنّا نَدين بحبِّ آلِ محمدٍ

ديناً ومن يُحبِبهمُ يستوجبِ

منّا المودّة والولاء ومن يُرِدْ

بدلاً بآل محمدٍ لا يُحببِ

ومتى يَمُت يَرِدِ الجحيمَ ولا يَرِدْ

حوضَ الرسولِ وإن يَرِدْهُ يُضرَبِ

ضربَ الُمحاذِرِ أنْ تعرَّ رِكابهُ

بالسوط سالفة البعير الأجربِ

وكأنَّ قلبي حين يَذكرُ أحمداً

ووصيَّ أحمدٍ نيطَ من ذي مخلبِ

بذُرى القوادم من جَناح مصعّدٍ

في الجوِّ أو بذُرى جناحٍ مصوبِ

حتى يكادَ من النزاع إليهما

يَفري الحجابَ عن الضلوع القُلَّبِ

هبةٌ وما يهب الإله لعبده

يزدد ومهما لا يَهبْ لا يُوهَبِ

يمحو ويُثبتُ ما يشاءُ وعنده

علمُ الكتابِ وعلمُ ما لم يُكتبِ

هذه القصيدة ذات (١١٢) بيتاً تسمّى بالمذهَّبة ، شرحها سيِّد الطائفة الشريف المرتضى (١) ، علم الهدى ، وطبعت بمصر (١٣١٣) ، وقال في شرح قوله :

وانصبْ أبا حسنٍ لقومِكَ إنَّهُ

هادٍ وما بَلّغتَ إنْ لم تَنصبِ

هذا اللفظ ـ يعني النصب ـ لا يليق إلاّ بالإمامة والخلافة دون المحبّة والنصرة ، وقوله : جعل الولاية بعده لمهذَّب صريحٌ في الإمامة ؛ لأنَّ الإمامة هي التي جُعلت له بعده ، والمحبّة والنصرة حاصلتان في الحال وغير مختصّتين بعد الوفاة.

وشرحها أيضاً الحافظ النسّابة الأشرف ابن الأغرّ المعروف بتاج العُلى الحسيني المتوفّى (٦١٠).

__________________

(١) طبع في القاهرة سنة (١٣١٣ ه‍) مع مسار الشيعة للشيخ المفيد ، وطبع وحده في بيروت سنة (١٩٧٠ م) من منشورات دار الكتاب الجديد وتحقيق محمد الخطيب تحقيقاً أخرج الكتاب عن طابعه الشيعي! وطبع في قم سنة (١٤١٠ ه‍) ضمن سلسلة رسائل الشريف المرتضى / المجموعة الرابعة : ص ١٣٢. (الطباطبائي)

٣١٠

ـ ٣ ـ

خف يا محمدُ فالقَ الإصباح

وأَزِل فساد الدينِ بالإصلاحِ

أتسُبُّ صِنْوَ محمدٍ ووصيّه

ترجو بذاك الفوزَ بالإنجاحِ

هيهاتَ قد بعدا عليك وقرّبا

منك العذابَ وقابضَ الأرواحِ

أوصى النبيُّ له بخيرِ وصيّةٍ

يومَ الغديرِ بأَبْيَنِ الإفصاحِ

مَن كنتُ مولاهُ فهذا واعلموا

مولاهُ قولَ إشاعةٍ وصُراحِ

قاضي الديونِ ومرشدٌ لكُمُ كما

قد كنتُ أرشُد من هدىً وفلاحِ

أغويتَ أمِّي وهي جِدُّ ضعيفةٍ

فَجَرَت بقاعِ الغيِّ جَرْيَ جِماحِ

بالشتم للعَلَمِ الإمامِ ومن لهُ

إرثُ النبيِّ بأوْكدِ الإيضاحِ

إنّي أخافُ عليكما سَخَطَ الذي

أرسى الجبالَ بسبسبٍ صَحْصَاحِ

أبويَّ فاتّقيا الإله وأَذْعِنا

للحقِ (١)

هذه الأبيات رواها المرزباني (٢) ، كتبها السيِّد إلى والديه يدعوهما إلى التشيّع وولاء أمير المؤمنين ، وينهاهما عن سبّه ، وكانا إباضيّين.

ـ ٤ ـ

إذا أنا لم أحفظ وَصَاةَ محمدٍ

ولا عهده يومَ الغدير المؤكّدا

فإنّي كمن يشري الضلالة بالهدى

تنصّر من بعد الهدى أو تهوّدا

وما لي وتيماً أو عَدِيّا وإنّما

أولو نعمتي في اللهِ من آلِ أحمدا

تتِمُّ صلاتي بالصلاةِ عليهمُ

وليستْ صلاتي بعد أن أتشهّدا

بكاملةٍ إن لم أُصلِّ عليهمُ

وأدعُ لهم ربّا كريماً ممجَّدا

__________________

(١) هكذا وجدناه بياضا في الأصل [وفي الطبعة التي بين أيدينا توجد هذه العبارة مكان البياض : تعتصما بحبل نجاح]. (المؤلف)

(٢) أخبار السيِّد الحميري : ص ١٥٥.

٣١١

بذلتُ لهم وُدّي ونصحي ونصرتي

مدى الدهر ما سُمِّيتُ يا صاحِ سَيِّدا

وإنَّ امرأً يُلحي على صدقِ ودِّهم

أحقُّ وأولى فيهمُ أن يُفنَّدا

فإن شئتَ فاختر عاجلَ الغمِّ ضلّةً

وإلاّ فأمسِك كي تُصانَ وتُحمدا

هذه القصيدة يوجد منها (٢٥) بيتاً. روى أبو الفرج في الأغاني (١) (٧ / ٢٦٢):

إنَّ أبا الخلاّل العتكي دخل على عقبة بن سَلْم ، والسيِّد عنده وقد أمر له بجائزة ، وكان أبو الخلاّل شيخ العشيرة وكبيرها ، فقال له : أيّها الأمير أتعطي هذه العطايا رجلاً ما يفتر من سبِّ أبي بكر وعمر؟ فقال له عقبة : ما علمتُ ذاك ، وما أعطيته إلاّ على العِشرة والمودّة القديمة ، وما يوجبه حقُّه وجواره مع ما هو عليه من موالاة قوم يلزمنا حقّهم ورعايتهم. فقال له أبو الخلاّل : فَمُرْهُ إن كان صادقاً أن يمدح أبا بكر وعمر حتى نعرف براءته ممّا يُنسب إليه من الرفض. فقال : قد سمعك فإن شاء فعل. فقال السيِّد :

إذا أنا لم أحفظ وَصَاة محمد

ولا عهده يومَ الغدير المؤكّدا

إلى آخر الأبيات ، ثمَّ نهض مغضباً.

فقام أبو الخلاّل إلى عقبة فقال : أَعذني من شرِّهِ أعاذك الله من السوء أيُّها الأمير ، قال : قد فعلتُ على أن لا تَعرِضَ له بعدها.

ـ ٥ ـ

قد أطلتم في العذلِ والتنقيدِ

بهوى السيِّد الإمامِ السديدِ

يقول فيها :

يوم قام النبيُّ في ظلِّ دَوحٍ

والورى في وَديقةٍ صيخودِ (٢)

__________________

(١) الأغاني : ٧ / ٢٨٢.

(٢) الوديقة : شدّة الحرّ. والصّيخود : شديدُ الحرّ ، يقال : يوم صيخود وصخدان. (المؤلف)

٣١٢

رافعاً كفّه بيمنى يديه

بائحاً باسمه بصوتٍ مديدِ

أيُّها المسلمون هذا خليلي

ووزيري ووارثي وعقيدي

وابنُ عمّي ألا فمن كنتُ مولاهُ

فهذا مولاهُ فارعَوا عهودي

وعليٌّ منّي بمنزل هارونَ

بن عمرانَ من أخيه الودودِ

 ـ ٦ ـ

أجدَّ بآل فاطمةَ البُكورُ

فدمعُ العينِ مُنْهَلٌّ غزيرُ

يقول فيها :

لقد سمعوا مقالتهُ بخُمٍ

غداةَ يضمُّهمُ وهو الغديرُ

فمن أولى بكمْ منكمْ فقالوا

مقالةَ واحدٍ وهُمُ الكثيرُ

جميعاً أنت مولانا وأولى

بنا منّا وأنت لنا نذيرُ

فإنَّ وليّكم بعدي عليٌ

ومولاكم هو الهادي الوزيرُ

وزيري في الحياة وعند موتي

ومن بعدي الخليفةُ والأميرُ

فوالى اللهُ من والاهُ منكمْ

وقابله لدى الموتِ السرورُ

وعادى اللهُ من عاداهُ منكم

وحلَّ به لدى الموت الثبورُ

 ـ ٧ ـ

ألا الحمد للهِ حمداً كثيرا

وليِّ المَحامدِ ربّا غفورا

هداني إليه فوحّدتُهُ

وأخلصتُ توحيدَهُ المستنيرا

ويقول فيها :

لذلك ما اختاره ربُّهُ

لخير الأنام وَصيّا ظهيرا

فقام بخُمٍّ بحيثُ الغديرُ

وحطَّ الرحالَ وعافَ المسيرا

وقُمَّ له الدوحُ ثمَّ ارتقى

على منبرٍ كان رحلاً وكورا

٣١٣

ونادى ضحىً باجتماع الحجيجِ

فجاءوا إليه صغيراً كبيرا

فقال وفي كفِّه حيدرٌ

يُليحُ إليه مُبيناً مُشيرا

ألا إنَّ من أنا مولىً لهُ

فمولاه هذا قَضاً لن يجورا

فهل أنا بلّغتُ قالوا نعم

فقال اشهدوا غُيَّباً أو حضورا

يبلّغ حاضرُكمْ غائباً

وأُشهد ربِّي السميعَ البصيرا

فقوموا بأمر مَليكِ السما

يبايعْهُ كلٌّ عليه أميرا

فقاموا لبيعته صافقينَ

أكفّا فأوجس منهم نكيرا

فقال إلهيَ والِ الوليَ

وعادِ العدوَّ له والكفورا

وكن خاذلاً للأُلى يخذلون

وكن للأُلى ينصرون نصيرا

فكيف ترى دعوة المصطفى

مجاباً بها أو هباءً نثيرا

أُحبّك يا ثانيَ المصطفى

ومن أشهدَ الناسَ فيه الغديرا

وأشْهدُ أنَّ النبيَّ الأمينَ

بلّغ فيك نداءً جهيرا

وأنَّ الذين تعادَوا عليك

سيُصلَون ناراً وساءت مصيرا

 ـ ٨ ـ

قف بالديار وحَيِّهنَّ ديارا

واسقِ الرسومَ المَدمعَ المِدرارا

كانت تحِلُّ بها النوارُ وزينبٌ

فرعى إلهي زينباً ونَوارا

قل للذي عادى وصيَّ محمدٍ

وأبان لي من لفظه إنكارا

يقول فيها :

من خاصفٌ نعلَ النبيِّ محمدٍ

يُرضي بذاك الواحدَ الغفّارا

فيقول فيهِ معلناً خيرُ الورى

جهراً وما ناجى به إسرارا

هذا وصيّي فيكمُ وخليفتي

لا تجهلوهُ فترجعوا كفّارا

وله بيوم الدوحِ أعظمُ خطبةٍ

أدّى بها وحيَ الإلهِ جَهارا

٣١٤

ـ ٩ ـ

بلغ سوّار بن عبد الله العَنْبَريّ قاضي البصرة قول شاعرنا السيِّد الحميري في حديث الطائر المشويِّ المتّفق عليه :

لمّا أتى بالخبرِ الأنبلِ

في طائرٍ أُهدي إلى المرسَلِ

في خبرٍ جاء أبانٌ بهِ

عن أنسٍ في الزمن الأوّلِ

هذا وقيسُ الحَبْرُ يرويه عنْ

سفينةٍ ذي القُلّب الحُوَّلِ

سفينةٌ يمكن من رشده

وأَنسٌ خان ولم يَعدِلِ

في ردِّه سيِّدَ كلِّ الورى

مولاهمُ في المُحْكم المنزلِ

فصدّه ذو العرش عن رشده

وشانه بالبَرَصِ الأنكلِ

فقال سوّار : ما يدع هذا أحداً من الصحابة إلاّ رماه بشعر يُظهر عواره ، وأمر بحبسه ، فاجتمع بنو هاشم والشيعة ، وقالوا له : والله لئن لم تخرجه وإلاّ كسرنا الحبس وأخرجناه ، أيمتدحك شاعرٌ فتثيبه ويمتدح أهل البيت شاعرٌ فتحبسه؟ فأطلقه على مضض ، فقال يهجوه :

قولا لسوّارٍ أبي شملةٍ

يا واحداً في النَوْك والعارِ

ما قلتُ في الطيرِ خلافَ الذي

رويتَهُ أنت بآثارِ

وخبرُ المسجد إذ خصّه

محلّلاً من عَرْصَة الدارِ

إن جُنُباً كان وإن طاهراً

في كلِّ إعلانٍ وإسرارِ

وأخرج الباقين منه معاً

بالوحي من إنزال جبّارِ

حَبَا عليّا وحسيناً معاً

والحسنَ الطُّهْرَ لأطهارِ

وفاطماً أهلَ الكساءِ الأُلى

خُصّوا بإكرامٍ وإيثارِ

فمبغض الله يرى بغضَهمُ

يصير للخزي وللنارِ

عليه من ذي العرش في فعلِهِ

وسمٌ يراه العائبُ الزاري

٣١٥

وأنتَ يا سوّارُ رأسٌ لهمْ

في كلِّ خزيٍ طالب الثارِ

تعيبُ من آخاه خيرُ الورى

من بين أطهارٍ وأخيارِ

وقال في خُمٍّ له معلناً

ما لم يُلقّوه بإنكارِ

من كنت مولاهُ فهذا له

مولىً فكونوا غير كفّارِ

فعوِّلوا بعدي عليه ولا

تبغُوا سَراب المَهْمَهِ الجاري (١)

وقال يهجو سوّار القاضي بعد موته (٢) :

يا من غدا حاملاً جُثمان سوّارِ

من داره ظاعناً منها إلى النارِ

لا قدّس الله روحاً كان هيكلَها

لقد مضت بعظيمِ الخزي والعارِ

حتى هوت قعرَ بُرهوتٍ معذَّبةً

وجسمُه في كنيفٍ بين أقذارِ

لقد رأيتُ من الرحمن معجبةً

فيه وأحكامُهُ تجري بمقدارِ

فاذهب عليكَ من الرحمن بَهلتُه (٣)

يا شرَّ حيٍّ يراه الواحد الباري

يا مبغضاً لأمير المؤمنين وقد

قال النبيُّ له من دون إنكارِ

يومَ الغدير وكلُّ الناس قد حضروا

من كنت مولاهُ في سرٍّ وإجهارِ

هذا أخي ووصيِّي في الأمور ومن

يقوم فيكم مقامي عند تذكاري

يا ربِّ عادِ الذي عاداهُ من بشرٍ

وأَصْلِهِ في جحيمٍ ذاتِ إسعارِ

وأنت لا شكَّ عاديتَ الإلهَ بهِ

فيا جحيمُ ألا هُبِّي لِسوّارِ

 ـ ١٠ ـ

لأمِّ عمروٍ باللوى مَرْبَعُ

طامسةٌ أعلامُها بلقعُ

تروع عنها الطيرَ وحشيّةً

والوحشُ من خِيفته تفزعُ

__________________

(١) أعيان الشيعة : ٣ / ٤١٥.

(٢) الأغاني : ٧ / ٢٨٨ وذكر منها خمسة أبيات.

(٣) البهلة : اللعنة.

٣١٦

رُقشٌ يخافُ الموت من نفثها

والسمُّ في أنيابها مُنقَعُ

برسمِ دارٍ ما بها مؤنسٌ

إلاّ صلالٌ في الثرى وُقَّعُ

لمّا وقفتُ العيسَ في رسمِها

والعينُ من عِرفانِه تدمعُ

ذكرتُ من قد كنتُ ألهو به

فبِتُّ والقلبُ شجٍ موجعُ

كأنَّ بالنار لِما شَفّني

من حُب أَروى كبدي تُلْذعُ

عجبتُ من قومٍ أَتَوا أَحمداً

بخُطّةٍ ليس لها موضعُ

قالوا له لو شئتَ أَعلَمْتَنا

إلى منِ الغايةُ والمفزعُ

إذا تُوفِّيتَ وفارقتَنا

وفيهمُ في المُلك من يطمعُ

فقال لو أعْلَمْتُكُمْ مَفزَعاً

كنتمْ عَسَيتُم فيه أنْ تصنعوا

صنيعَ أهل العِجْلِ إذ فارقوا

هارونَ فالتّرك له أَوسعُ

وفي الذي قال بيانٌ لمن

كان إذا يعقلُ أو يسمعُ

ثمَّ أَتتهُ بعد ذا عَزْمةٌ

من ربِّه ليس لها مَدفعُ

بلّغ وإلاّ لم تكن مُبْلِغاً

واللهُ منهم عاصمٌ يمنَعُ

فعندها قامَ النبيُّ الذي

كان بما يؤمرُ به يَصدعُ

يخطِبُ مأموراً وفي كفِّهِ

كفُّ عليٍّ ظاهرٌ تلمعُ

رافعها أكرم بكفِّ الذي

يرفع والكفُّ التي ترفعُ

يقول والأملاك من حوله

والله فيهم شاهدٌ يسمعُ

من كنت مولاه فهذا له

مولىً فلم يرضَوا ولم يقنعوا

فاتّهموهُ وحَنَتْ فيهمُ

على خلاف الصادق الأضلعُ

وضلَّ قومٌ غاظهم فعلُهُ

كأنَّما آنافهم تُجدعُ

حتى إذا وارَوْهُ في لَحدِهِ

وانصرفوا عن دفنه ضيّعوا

ما قال بالأمس وأوصى به

واشتروا الضرَّ بما ينفعُ

القصيدة (٥٤) بيتاً

٣١٧

ما يتبع الشعر

عن فضيل الرسّان قال : دخلت على جعفر بن محمد عليه‌السلام أُعزّيه عن عمِّه زيد ، ثمَّ قلت : ألا أنشدك شعر السيِّد؟ فقال : «أنشد» ، فأنشدته قصيدة يقول فيها :

فالناسُ يومَ البعث راياتهمْ

خمسٌ فمنها هالكٌ أربعُ

قائدها العجلُ وفِرعَونهمْ

وسامريُّ الأمّة المفْظعُ

ومارقٌ من دينه مخرَجٌ

أسودُ عبدٌ لُكَع أوكعُ

ورايةٌ قائدها وجهه

كأنَّه الشمس إذا تطلعُ

فسمعت نحيباً من وراء الستور ، فقال : «من قائل هذا الشعر؟». فقلت : السيِّد. فقال : «رحمه‌الله». فقلت : جعلت فداك ، إنّي رأيته يشرب الخمر. فقال : «رحمه‌الله فما ذنبٌ على الله أن يغفره لآل عليّ ، إنَّ محبَّ عليٍّ لا تزلُّ له قدمٌ إلاّ تثبت له أخرى». الأغاني (١) (٧ / ٢٥١).

ورواه أيضاً في الأغاني (٢) (٧ / ٢٤١) وفيه : فسألني لمن هي؟ فأخبرته أنَّها للسيِّد ، وسألني عنه فعرّفته وفاته (٣). فقال : «رحمه‌الله». قلت : إنّي رأيته يشرب النبيذ في الرستاق. قال : «أتعني الخمر؟». قلت : نعم. قال : «وما خطرُ ذنبٍ عند الله أن يغفره لُمحبِّ عليٍّ عليه‌السلام؟».

وروى الحافظ المرزباني في أخبار السيِّد (٤) ، عن فُضيل ، قال : دخلت على أبي عبد الله عليه‌السلام بعد قتل زيد ، فجعل يبكي ويقول : «رحم الله زيداً إنّه لَلعالم الصدوق ،

__________________

(١) الأغاني : ٧ / ٢٧٢.

(٢) الأغاني : ٧ / ٢٦١.

(٣) هذه الكلمة دخيلة لا تتمُّ. إذ الحميري توفّي بعد وفاة الإمام الصادق عليه‌السلام بسنين. ولا توجد هي في رواية المرزباني والكشّي. (المؤلف)

(٤) أخبار السيِّد الحميري : ص ١٥٩.

٣١٨

ولو ملك أمراً لعرف أين يضعه».

فقلت : أنشدك شعر السيِّد؟ فقال : «أمهل قليلاً». وأمر بستور فسدلت ، وفتحت أبوابٌ غير الأولى ، ثمَّ قال : «هات ما عندك». فأنشدته :

لأُمّ عمرو باللّوى مربعُ

طامسةٌ أعلامُها بلقعُ

وذكر (١٣) بيتاً.

فسمعت نحيباً من وراء الستور ونساء يبكين ، فجعل يقول : «شكراً لك يا إسماعيل قولك». فقلت له : يا مولاي إنّه يشرب نبيذ الرساتيق. فقال : «يلحق مثله التوبة ، ولا يكبُرُ على الله أن يغفر الذنوب لمحبّنا ومادحنا».

ورواه الكشّي في رجاله (١) (ص ١٨٤) بتغيير يسير في بعض ألفاظه.

وروى أبو الفرج في الأغاني (٢) (٧ / ٢٥١) عن زيد بن موسى بن جعفر عليهما‌السلام أنَّه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم ، وقدّامه رجلٌ جالس عليه ثياب بيض ، فنظرت إليه فلم أعرفه ، إذ التفت إليه رسول الله فقال : يا سيِّد أنشدني قولك :

لأُمِّ عمرو باللّوى مربعُ

طامسةٌ أعلامُها بلقعُ

فأنشده إيّاها كلَّها ما غادر منها بيتاً واحداً ، فحفظتُها عنه كلّها في النوم. قال أبو إسماعيل : وكان زيد بن موسى لحّانة رديء الإنشاد ، فكان إذا أنشد هذه القصيدة لم يتتعتع فيها ولم يلحن ، وهذا الحديث رواه الحافظ المرزباني في أخبار السيِّد (٣).

وفي الأغاني (٤) (٧ / ٢٧٩) عن أبي داود المسترقّ عن السيِّد : أنّه رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم

__________________

(١) رجال الكشّي : ٢ / ٥٧٠ رقم ٥٠٥.

(٢) الأغاني : ٧ / ٢٧١.

(٣) أخبار السيِّد الحميري : ص ١٦١.

(٤) الأغاني : ٧ / ٢٩٥.

٣١٩

في النوم فاستنشده فأنشد قوله :

لأُمّ عمرو باللّوى مربعُ

طامسةٌ أعلامها بَلْقَعُ

حتى انتهى إلى قوله :

قالوا له لو شئت أعلمتنا

إلى مَنِ الغاية والمفزعُ

فقال : حسبك. ثمَّ نفض يده وقال : قد والله أَعْلَمْتُهمْ.

وقال الشريف الرضي في خصائص الأئمّة (١) : حُكي أنَّ زيد بن موسى بن جعفر بن محمد عليهم‌السلام رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المنام كأنّه جالسٌ مع أمير المؤمنين عليه‌السلام في موضعٍ عالٍ شبيه بالمُسَنّاة وعليها مَراقٍ ، فإذا منشد ينشد قصيدة السيِّد بن محمد الحميري هذه ، وأوّلها :

لأُمِّ عمرو باللّوى مَرْبَعُ

طامسةٌ أعلامها بلقعُ

حتى انتهى إلى قوله :

قالوا له لو شئتَ أعلمتنا

إلى من الغايةُ والمفزعُ

قال : فنظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام وتبسّم وقال : أَوَلَمْ أُعلِمهم؟ أَوَلَم أُعلِمْهم؟ أَوَلَم أُعلِمْهم؟ ثمَّ قال لزيد : إنَّك تعيش بعدد كلِّ مرقاة رَقَيتَها سنةً واحدة.

قال : فعددت المراقي وكانت نيّفاً وتسعين مرقاة ، فعاش زيد نيّفاً وتسعين سنة ، وهو الملقّب بزيد النار.

قال العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار (٢) (١١ / ١٥٠) : وجدت في بعض تأليفات

__________________

(١) خصائص الأئمة : ص ٤٤ ـ ٤٥ ، خصائص أمير المؤمنين : ص ٩ ـ ١١.

(٢) بحار الأنوار : ٤٧ / ٣٢٨ ـ ٣٣٣.

٣٢٠