الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٢

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١

الحماسة ، وشرح مستغلق الحماسة.

٦ ـ أبو الحسن عليّ بن زيد البيهقي.

٧ ـ أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري ، كان حيّا إلى سنة (٣٩٥).

٨ ـ أبو المظفّر محمد بن آدم بن كمال الهروي النحوي : المتوفّى (٤١٤).

٩ ـ الشيخ أبو عليّ أحمد بن محمد المرزوقي الأصبهاني : المتوفّى (٤٢١).

١٠ ـ أبو العلاء أحمد بن عبد الله المعرّي التنوخيّ : المتوفّى (٤٤٩).

١١ ـ أبو الحسن عليّ بن أحمد بن سيده الأندلُسي : المتوفّى (٤٥٨).

١٢ ـ أبو الحسين عبد الله بن أحمد بن الحسين الشاماتي : المتوفّى (٤٧٥).

١٣ ـ أبو القاسم زيد بن عليّ بن عبد الله الفارسي : المتوفّى (٤٦٧).

١٤ ـ أبو حكيم عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله الخَبْرِيّ : المتوفّى (٤٧٦).

١٥ ـ أبو الحجّاج يوسف بن سلمان الشنتمري : المتوفّى (٤٧٦) ، شرحها شرحاً كبيراً ورتّبها على الحروف.

١٦ ـ أبو زكريّا يحيى بن عليّ الخطيب التبريزي : المتوفّى (٥٠٢) ، له شروحها الثلاثة.

١٧ ـ أبو الحسن عليّ بن عبد الرحمن الإشبيليّ : المتوفّى (٥١٤).

١٨ ـ أبو المحاسن مسعود بن عليّ البيهقي : المتوفّى (٥٤٤).

١٩ ـ أبو البركات عبد الرحمن بن محمد الأنباري : المتوفّى (٥٧٧).

٢٠ ـ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الحضرمي الإشبيليّ : المتوفّى (٥٨٤).

٢١ ـ أبو محمد القاسم بن محمد الديمرتي الأصبهاني.

٢٢ ـ الشيخ عليّ بن الحسن الشميم الحلّي : المتوفّى (٦٠١).

٢٣ ـ أبو البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العُكْبَري البغدادي : المتوفّى (٦١٦)

٢٤ ـ أبو عليّ الحسن بن أحمد الاسترابادي اللغويّ النحويّ.

٢٥ ـ المولوي فيض حسين ، شرحها مختصراً وأسماه بالفيضي.

٢٦ ـ الشيخ لقمان.

٤٨١

٢٧ ـ الشيخ سيّد بن عليّ المرصفي الأزهري المعاصر.

راجع فهرست النجاشي ، فهرست ابن النديم ، معجم الأدباء ، بغية الوعاة ، الذريعة.

دواوين الحماسة :

تبع أبا تمام في صناعة الحماسة كثيرون ، منهم :

١ ـ البحتري أبو عبادة الوليد بن عبيدة : المتوفّى (٢٨٤).

٢ ـ أبو الحسين أحمد بن فارس اللغويِّ الرازي : المتوفّى (٣٦٩).

٣ ـ الخالديّان ابنا هاشم : أبو بكر محمد ، وأبو عثمان سعيد : المتوفّى (٣٧١).

٤ ـ أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكريّ ، النحويّ.

٥ ـ أبو الحجّاج يوسف بن سليمان الشنتمري : المتوفّى (٤٧٦).

٦ ـ أبو حصين محمد بن عليّ الاصبهاني الديمرتي.

٧ ـ أبو دماش ، عدّه ابن النديم من النحويّين اللغويّين.

٨ ـ أبو العبّاس محمد بن خلف بن المرزباني.

٩ ـ أبو السعادات هبة الله بن عليّ المعروف بابن الشجري : المتوفّى (٥٤٢).

١٠ ـ الشيخ عليّ بن الحسن الشميم الحلّي : المتوفّى (٦٠١).

١١ ـ أبو الحجّاج يوسف بن محمد الأندلسي : المتوفّى (٦٥٣).

١٢ ـ صدر الدين عليّ بن أبي الفَرَج البصري : المقتول (٦٥٩).

١٣ ـ أبو الحجّاج يوسف بن محمد الأنصاري : المتوفّى (٦٧٢) (١).

ومن آثار أبي تمام الأدبيّة : الاختيارات من شعر الشعراء ، الاختيار من شعر القبائل ، اختيار المقطّعات ، المختار من شعر المحدَثين ، نقائض جرير والأخطل ، الفحول وهو مختارات من قصائد شعراء الجاهليّة والإسلام تنتهي بابن هرمة ، ذكرها

__________________

(١) فهرست ابن النديم ، معجم الأدباء ، بغية الوعاة. (المؤلف)

٤٨٢

له ابن النديم في فهرسته (١) (ص ٢٣٥) وغيره.

المؤلّفون في أخبار أبي تمام :

لقد جمع أخباره وما يؤثر عنه غضون حياته من نوادر وظرف ونُكَت وأدب وشعر جماعةٌ ، منهم :

١ ـ أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر : المتوفّى (٢٨٠) ، له كتاب سرقات النحويِّين من أبي تمام.

٢ ـ أبو بكر محمد بن يحيى الصولي : المتوفّى (٣٣٦) ، له أخبار أبي تمام. طبع مع فهرسته في (٣٤٠) صحيفة.

٣ ـ أبو القاسم الحسن بن بِشْر الآمُدي البصري : المتوفّى (٣٧١) ، له كتاب الموازنة بين أبي تمام والبحتري في عشرة أجزاء. ولياقوت الحموي في معجم الأدباء (٢) خطّأ فيه أبا تمام.

٤ ـ الخالديّان ابنا هاشم : أبو بكر محمد ، وأبو عثمان سعيد : المتوفّى (٣٧١) ، لهما كتاب أخبار أبي تمام ومحاسن شعره.

٥ ـ أبو عليّ أحمد بن محمد المرزوقي الأصبهاني : المتوفّى (٤٢١) ، له كتاب الانتصار من ظَلَمَةِ أبي تمام ، دَفَعَ عنه ما انتُقِد به.

٦ ـ أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني : المتوفّى (٤٤٤) ، له كتاب أخبار أبي تمام في نحو من مائة ورقة.

٧ ـ أبو الحسين عليّ بن محمد العَدَوي السُمَيْساطي ، له كتاب أخبار أبي تمام والمختار من شعره ، وله كتاب تفضيل أبي نواس على أبي تمام.

٨ ـ أبو ضياء بشر بن يحيى النصيبي ، له كتاب سرقات البحتري من أبي تمام.

__________________

(١) فهرست ابن النديم : ص ١٩٠.

(٢) معجم الأدباء : ٨ / ٨٥.

٤٨٣

٩ ـ أحمد بن عبيد الله القطربلي المعروف بالفريد ، صنّف في أخطاء أبي تمام في الإسلام وغيره.

١٠ ـ الشيخ يوسف البديعي القاضي بالموصل : المتوفّى (١٠٧٣) ، له كتاب هبة الأيّام فيما يتعلّق بأبي تمام في (٣٠٩) صحيفة طبع بمصر سنة (١٣٥٢).

١١ ـ الشيخ محمد عليّ بن أبي طالب الزاهدي الجيلاني : المتوفّى ببنارس الهند سنة (١١٨١).

١٢ ـ سيّدنا المحسن الأمين العاملي مؤلِّف أعيان الشيعة.

١٣ ـ عمر فرّوخ من كتّاب العصر الحاضر ، له تأليفٌ في المترجم طُبع ببيروت في مائة صحيفة.

وتوجد ترجمته في (١) طبقات ابن المعتزّ (ص ١٣٣) ، فهرست ابن النديم (ص ٢٣٥) ، تاريخ الطبري (١١ / ٩) ، فهرست النجاشي (ص ١٠٢) ، تاريخ الخطيب (٨ / ٢٤٨) ، مروج الذهب (٢ / ٢٨٣ و ٣٥٧) ، معجم البلدان (٣ / ٣٧) ، تاريخ ابن عساكر (٤ / ١٨ ـ ٢٧) ، نزهة الألبّاء (ص ٢١٣) ، تاريخ ابن خلّكان (١ / ١٣١) ، رجال ابن داود ، خلاصة العلاّمة ، مرآة الجنان (٢ / ١٠٢) ، معاهد التنصيص (١ / ١٤) ، شذرات الذهب (٢ / ٧٢) ، مجالس المؤمنين (ص ٤٥٨) ، كشف الظنون (١ / ٥٠١) ، رياض الجنّة للزنوزي في الروضة الرابعة ، أمل الآمل (ص ٨) ، منتهى المقال (ص ٩٦) ، منهج المقال (ص ٩٢) ، تكملة أمل الآمل لسيّدنا الصدر الكاظمي ،

__________________

(١) طبقات الشعراء : ص ٢٨٢ ، الفهرست لابن النديم : ص ١٩٠ ، تاريخ الأمم والملوك : ٩ / ١٢٤ حوادث سنة ٢٢٨ ه‍ ، رجال النجاشي : ص ١٤١ رقم ٣٦٧ ، مروج الذهب : ٤ / ٧٧ ، معجم البلدان : ٢ / ٩٤ ، تاريخ مدينة دمشق : ٤ / ١٥٢ ـ ١٦٣ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٦ / ١٧٨ ، نزهة الألبّاء : ص ١٥٥ رقم ٤٥ ، وفيات الأعيان : ٢ / ١١ رقم ١٤٧ ، رجال ابن داود : ص ٦٩ رقم ٣٧٦ ، رجال العلاّمة الحلّي : ص ٦١ باب ١٣ ، معاهد التنصيص : ١ / ٣٨ رقم ٦ ، شذرات الذهب : ٣ / ١٤٣ حوادث سنة ٢٣١ ه‍ ، مجالس المؤمنين : ٢ / ٥٤٠ ، كشف الظنون : ١ / ٧٧٠ ، رياض الجنة : ١ / ٣٧٥ رقم ٦١ ، أمل الآمل : ١ / ٥٠ رقم ٤١ ، منتهى المقال : ص ١٥٠ ، تكملة أمل الآمل : ص ٢٦٠ رقم ٢٢٦.

٤٨٤

دائرة المعارف للبستاني (٢ / ٥٦) ، دائرة المعارف الإسلاميّة (١ / ٣٢٠) ، دائرة المعارف لفريد وجدي (٢ / ٦٨٥ ـ ٦٩٣) ، وغيرها.

ولادته ووفاته :

لم نجزم فيهما بشيء ممّا في المعاجم لتكثّر الاختلاف فيها ، وكان الحقيق أن يؤخذ بالمنقول عن ابنه تمام ، إذ أهل البيت أدرى بما فيه ، لكنّ اختلاف المعاجم في المنقول عنه يسلب الثقة به ، فمجموع الأقوال : إنَّه وُلِد سنة (١٧٢ ، ١٨٨ ، ١٩٠ ، ١٩٢) وتوفّي سنة (٢٢٨ ، ٢٣١ ، ٢٣٢) بالموصل ، ودفن بها وبنى عليه أبو نهشل بن حُمَيد الطوسي قبّة خارج باب الميدان على حافّة الخندق ، ورثاه عليُّ بن الجهم (١) بقوله :

غاضت بدائع فِطنةِ الأوهامِ

وغدت عليها نكبةُ الأيّامِ

وغدا القريضُ ضئيلَ شخصٍ باكياً

يشكو رزيّتهُ إلى الأقلامِ

وتأوّهتْ غُرَرُ القوافي بعدَهُ

ورمى الزمانُ صحيحها بسِقامِ

أودى مثقِّفها ورائدَ صعبِها

وغديرَ روضتِها أبا تمامِ

وقال الحسن بن وهب يرثيه :

فُجِع القريضُ بخاتم الشعراءِ

وغديرِ روضتها حبيبِ الطائي

ماتا معاً فتجاورا في حُفرَةٍ

وكذاك كانا قبلُ في الأحياءِ

قد يعزى البيتان إلى ديك الجنِّ. ورثاه الحسن بن وهب أيضاً بقوله من قصيدة :

سقى بالموصلِ القبرَ الغريبا

سحائبُ ينتحبنَ له نحيبا

إذا أظلَلنَهُ أظلَلْنَ فيهِ

شَعِيبَ المُزْنِ يتبعُها شَعِيبا

__________________

(١) ديوان علي بن الجهم : ص ١٨١.

٤٨٥

ولطّمْنَ البُروقُ به خدوداً

وأشققن الرعودُ به جُيوبا

فإنَّ ترابَ ذاك القبرِ يحوي

حبيباً كان يُدعى لي حبيبا

ورثاه محمد بن عبد الملك الزيّات وزير المعتصم ، وقيل : إنَّه لأبي الزِّبْرِقان عبد الله بن الزِّبْرِقان الكاتب مولى بني أميّة بقوله :

نبأٌ أتى من أعظم الأنباءِ

لمّا أَلمَّ مُقَلقِلُ الأحشاءِ

قالوا حبيبٌ قد ثوى فأجبتُهُمْ

ناشدتُكمْ لا تجعلوه الطائي

سُئل شرف الدين أبو المحاسن محمد بن عنين عن معنى قوله :

سقى اللهُ روحَ الغوْطتين ولا ارتوتْ

من الموصل الحدباءِ إلاّ قبورُها

لِمَ حرَمها وخصَّ قبورها؟ فقال : لأجل أبي تمام.

خلف المترجم ولده الشاعر تمام ، قصد بعد موت أبيه عبد الله بن طاهر ، فاستنشده فأنشده :

حيّاك ربُّ الناس حيّاكا

إذ بجمالِ الوجهِ رَوّاكا

بغدادُ من نورِكَ قد أشرقتْ

وأورقَ العودُ بجدواكا

فأطرق عبد الله ساعة ثمَّ قال :

حيّاك ربُّ الناس حيّاكا

إنَّ الذي أمّلْتَ أخطاكا

أتيتَ شخصاً قد خلا كيسُهُ

ولو حوى شيئاً لأعطاكا

فقال : أيّها الأمير؟ إنَّ بيع الشعر بالشعر ربا ؛ فاجعل بينهما فضلاً من المال. فضحك منه وقال : لئن فاتك شعر أبيك فما فاتك ظَرفه ، فأمر له بصلة.

غرر الخصائص لوطواط (١) (ص ٢٥٩).

__________________

(١) غرر الخصائص : ص ٢٦٢.

٤٨٦

الجواد قد يكبو :

لا ينقضي العجب وكيف ينقضي من مِثل أبي تمام العريق في المذهب والعارف بنواميسه ، والبصير بأحوال رجالاته ، وما لهم من مآثر جمَّة ، وجهود مشكورة ، وهو جدُّ عليم بما لأضدادهم من تَرْكاض وهَمْلجة في تشويه سمعتهم ، وإعادة تاريخهم المجيد المملوء بالأوضاح والغرَر ، إلى صورة ممقوتة ، محفوفة بِشِيَةِ العار ، مشفوعة كلّ هاتيك بجلبةٍ ولغط ، وقد انطلت لديه أمثلة من تلكم السفاسف حول رجل الهدى ، الناهض المجاهد والبطل المغوار ، المختار بن أبي عبيد الثقفي ؛ فحسب ما قذَفتهُ به خصماؤه الألدّاء في دينه وحديثه ونهضته حقائق راهنة ، حتى قال في رائيّته المثبّتة في ديوانه (١) (ص ١١٤):

والهاشميّون استقلّت عِيرُهُمْ

من كربلاءَ بأَوثقِ الأوتارِ

فَشَفاهُمُ المختارُ منه ولم يَكُنْ

في دينِه المختارُ بالمختارِ

حتى إذا انكشفت سرائرُهُ اغتدَوْا

منهُ بُراءَ السمعِ والأبصارِ

ومن عطف على التاريخ والحديث وعلم الرجال نظرةً تشفعها بصيرة نفّاذة ، علم أنَّ المختار في الطليعة من رجالات الدين والهدى والإخلاص ، وأنَّ نهضته الكريمة لم تكن إلاّ لإقامة العدل باستئصال شأفة الملحدين ، واجتياح جذوم (٢) الظلم الأموي ، وأنَّه بمنتزح من المذهب الكيساني ، وأنَّ كل ما نَبزوهُ من قذائف وطامّات لا مُقيلَ لها من مستوى الحقيقة والصدق ، ولذلك ترحّم عليه الأئمّة الهداة سادتنا ، السجّاد والباقر والصادق ـ صلوات الله عليهم ـ ، وبالغ في الثناء عليه الإمام الباقر عليه‌السلام ، ولم يزل مشكوراً عند أهل البيت الطاهر هو وأعماله.

__________________

(١) ديوان أبي تمام : ص ١٣٥.

(٢) جمع جذمة ، وهي الأصل.

٤٨٧

وقد أكبره ونزّهَهُ العلماء الأعلام منهم (١) : سيِّدنا جمال الدين بن طاووس في رجاله ، وآية الله العلاّمة في الخلاصة ، وابن داود في الرجال ، والفقيه ابن نما فيما أفرد فيه من رسالته المسماة بذَوب النضار ، والمحقِّق الأردبيلي في حديقة الشيعة ، وصاحب المعالم في التحرير الطاووسي ، والقاضي نور الله المرعشي في المجالس. وقد دافع عنه الشيخ أبو عليّ في منتهى المقال ، وغيرهم.

وقد بلغ من إكبار السلف له أنَّ شيخنا الشهيد الأوّل ذكر في مزاره زيارةً تُخَصُّ به ، ويُزار بها ، وفيها الشهادة الصريحة بصلاحه ونصحه في الولاية وإخلاصه في طاعة الله ومحبّة الإمام زين العابدين ، ورضا رسول الله وأمير المؤمنين ـ صلوات الله عليهما وآلهما ـ عنه ، وأنَّه بذل نفسه في رضا الأئمّة ونصرة العترة الطاهرة والأخذ بثأرهم.

والزيارة هذه توجد في كتاب مُراد المُريد ، وهو ترجمة مزار الشهيد للشيخ عليّ ابن الحسين الحائري ، وصحّحها الشيخ نظام الدين الساوجي مؤلِّف نظام الأقوال ، ويظهر منها أنَّ قبر المختار في ذلك العصر المتقادم كان من جملة المزارات المشهورة عند الشيعة ، وكانت عليه قُبّةٌ معروفةٌ كما في رحلة ابن بطوطة (٢) (١ / ١٣٨).

ولقد تصدّى لتدوين أخبار المختار وسيرته وفتوحه ومعتقداته وأعماله جماعةٌ من الأعلام ، فمنهم :

١ ـ أبو مخنف لوط بن يحيى الأَزدي : المتوفّى (١٥٧) ، له كتاب أخذ الثار في المختار.

٢ ـ أبو المفضل نصر بن مزاحم المنقَري الكوفي العطّار : المتوفّى (٢١٢) ، له أخبار المختار.

__________________

(١) التحرير الطاووسي : ص ٥٥٨ رقم ٤١٨ ، رجال العلاّمة الحلّي : ص ١٦٨ رقم ٢ ، رجال ابن داود : ص ٢٧٧ رقم ٤٩٣ ، ذوب النضار ـ المطبوع في بحار الأنوار ـ : ٤٥ / ٣٤٦ ، حديقة الشيعة : ٢ / ٣٠ ، التحرير الطاووسي : ص ٥٥٨ رقم ٤١٨ ، مجالس المؤمنين : ٢ / ٢٤٥ ، منتهى المقال : ص ٣٦٤.

(٢) رحلة ابن بطوطة : ص ٢٢٠.

٤٨٨

٣ ـ أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن أبي سيف المدائني : المتوفّى (٢١٥ ، ٢٢٥) ، له أخبار المختار.

٤ ـ أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي : المتوفّى (٢٨٣) ، له أخبار المختار.

٥ ـ أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي : المتوفّى (٣٠٢) ، له أخبار المختار.

٦ ـ أبو جعفر محمد بن عليّ بن بابويه القمّي الصدوق : المتوفّى (٣٨١) ، له كتاب المختار.

٧ ـ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي : المتوفّى (٤٦٩) ، له مختصر أخبار المختار.

٨ ـ أبو يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري الطالبي خليفة شيخنا المفيد ، له أخبار المختار.

٩ ـ الشيخ أحمد بن المتوّج له الثارات أو قصص الثار منظومة.

١٠ ـ الفقيه نجم الدين جعفر الشهير بابن نما : المتوفّى (٦٤٥) ، له ذوب النضار في شرح الثار ، طُبِع برُمّته في المجلد العاشر من البحار.

١١ ـ الشيخ عليّ بن الحسن العاملي المروزي ، له قرّة العين في شرح ثارات الحسين ، فرغ منه (٢٠) رجب سنة (١١٢٧).

١٢ ـ الشيخ أبو عبد الله عبد بن محمد ، له قرَّة العين في شرح ثار الحسين ، طبع مع نور العين ومثير الأحزان.

١٣ ـ السيِّد إبراهيم بن محمد تقي ، حفيد العلاّمة الكبير السيِّد دلدار عليّ النقوي النصيرآبادي ، له نور الأبصار في أخذ الثار.

١٤ ـ المولى عطاء الله بن حسام الهَرَوي ، له روضة المجاهدين ، طبع سنة (١٣٠٣)

١٥ ـ المولى محمد حسين ابن المولى عبد الله الأرجستاني ، له «حمله مختاريّة».

١٦ ـ الكاتب الهندي نوّاب علي نزيل لكهنو ، له «نظاره انتقام» طبع في جزءين.

١٧ ـ الحاج غلام عليّ بن إسماعيل الهندي ، له «مختار نامه».

١٨ ـ سيّدنا السيِّد محسن الأمين العاملي ، له أصدق الأخبار في قصّة الأخذ بالثار مطبوع.

٤٨٩

١٩ ـ السيّد حسين الحكيم الهندي ، له ترجمة ذوب النضار لابن نما.

٢٠ ـ السيِّد محمد حسين ابن السيِّد حسين بخش الهندي : المولود (١٢٩٠) ، له تحفة الأخيار في إثبات نجاة المختار.

٢١ ـ الشيخ ميرزا محمد عليّ الأوردبادي ، له سبيك النُّضار أو شرح حال شيخ الثار في مائتين وخمسين صحيفة ، وقد أدّى فيه حقَّ المقال ، وأغرق نزعاً في التحقيق ، ولم يُبقِ في القوس منزعاً ، قرأت كثيراً منه ووجدته فريداً في بابه لم يؤلَّف مثله ، جزاه الله عن الحقِّ والحقيقة خيراً. وله في المختار قصيدةٌ على رويِّ قصيدة أبي تمام ، عطف فيها على مديحه إطراء صاحبه ومُشاطرهِ في الفضيلة إبراهيم بن مالك الأشتر ، وهي :

يَهْنِيكَ يا بَطَلَ الهُدى والثارِ

ما قد حَويتَ بمُدركِ الأوتارِ

لك عند آل محمدٍ كمْ من يدٍ

مشكورةٍ جلّت عن الإكبارِ

عَرَفَتْكَ مُقْبِلةُ الخطوبِ مُحَنَّكاً

فيهِ جَنانُ مهذّب مغوارِ

أَضرمتَ للحرب العَوانِ لظىً بها

أضْحَتْ بنو صخرٍ وقودَ النارِ

وأَذَقْتَ نَغْلَ سُميّةٍ بأسَ الهُدى

وأُميّةً كأسَ الردى والعارِ

فَرَأَوا هواناً عند ضَفّة خازرٍ

بمهنَّدٍ عند الكريهةِ وارِ

فرّقتَ جمعَهمُ العرمرمَ عَنوةً

يوم الهِياج بفَيلقٍ جَرّارِ

وفوارسٍ من حزبِ آلِ المصطفى

أُسدِ الوَغى خوّاضةِ الأخطارِ

وبواسلٍ لم تُغْرِهمْ وَثَباتُهُمْ

إلاّ بكلِّ مُدَجَّجٍ ثوّارِ

لم يعرفوا إلاّ الإمام وثارَهُ

فَتشادقوا فيها بيا لَلثارِ

فتَفَرّقَتْ فِرَقاً عُلوجُ أميّةٍ

من كلِّ زَنّاءٍ إلى خَمّارِ

وأخذتَ ثاراً قبلَهُ لم تكتحلْ

عَلَويّةٌ مُذْ أُرزِئتْ بالثارِ

وعَمَرْتَ دوراً هُدِّمَتْ منذ العدى

بالطفِّ قد أودَتْ بربِّ الدارِ

عَظُمَ الجِراحُ فلمْ يُصِبْ أعماقَهُ

إلاّك يا حُيّيت من مِسبارِ

٤٩٠

في نجدَةٍ ثَقَفِيّةٍ يسطو بها

في الروعِ من نَخَعٍ هِزَبْرٌ ضاري

النَدبُ (١) إبراهيمُ من رَضَخَتْ لهُ

الصيدُ الأُباةُ بملتقى الآصارِ

من زانَهُ شرفُ الهُدى في سؤددٍ

وعُلاً يفوحُ بها أريجُ نِجارِ

حَشوُالدروع أخو حجىً من دُونه

هِضَبُ الرواسي الشُمِّ في المِقدارِ

إنْ يَحْكِهِ فالليثُ في حَمَلاتِهِ

والغيثُ في تَسْكابه المدرارِ

أو يَحوِهِ فقلوبُ آلِ محمدٍ

المُصْطَفَيْنَ السادةِ الأبرارِ

ما إن يَخُضْ عند اللقا في غَمرَةٍ

إلاّ وأرسَبَ من سَطا بغِمارِ

أو يمَّمَ الجُلّى بعزمٍ ثاقبٍ

إلاّ وَرَدَّ شُواظَها بأُوارِ

المرتدي حُلَلَ المديحِ مَطارِفاً

والممتطي ذُلُلاً لكلِّ فَخارِ

وعليه كُلُّ الفضلِ قصرٌ مثلما

كلُّ الثنا قَصْرٌ على المختارِ

عن مجده أَرِجَ الكُبا (٢) وحديثهُ

زهتِ الروابي عنه بالأزهارِ

ومآثرٌ مثلُ النجوم عِدادُها

قد شُفِّعت بمحاسنِ الآثارِ

وكفاه آلُ محمدٍ ومديحُهمْ

عمّا يُنضَّدُ فيه من أشعارِ

أسفي على أن لم أكُنْ من حِزبِهِ

وكمثلِهمْ عند الكفاحِ شِعاري

فهناك إمّا مَوتَةٌ أرجو بها

أجرَ الشهادةِ في ثناءٍ جاري

أو أنَّني أحظى بنَيلِ المُبتغى

من آل حربٍ مُدركاً أوتاري

وأخوضُ في الأوساطِ منهم ضارباً

ثَبَجَ العِدى بالمِقضَب البتّارِ

ولأثكِلَنَّ أراملاً في فِتيةٍ

نشأوا على الإلحاد في استهتارِ

وَمَشِيخةٍ قد أورثوا كلّ الخنا

والعار أجرية من الكفّارِ

لكن على ما فيَ من مضَضِ الجَوى

إذ لم أكن أحمي هناك ذِماري

لم تَعدُني تلك المواقفُ كلُّها

إذْ أنَّ ما فعلوا بها مُختاري

__________________

(١) الندب : من يسارع في الإجابة إذا نُدبَ الى أمر.

(٢) الكُبا : جمع كِباء ، وهو ضربٌ من العود يُتبخّر به.

٤٩١

فلقد رَضيتُ بما أراقوا من دمٍ

فيها لكلِّ مُذَمَّمٍ كفّارِ

وَلأَشْفِيَنَّ النفسَ منهمْ في غَدٍ

عند اشتباكِ الجحفلِ الموّارِ

يوم ابنُ طه عاقدٌ لبنودِهِ

وجنودُهُ تلتاحُ (١) في إعصارِ

تشوي الوجوهَ لظىً به نزّاعةً

لشوى الكُماةِ بأنْصُلٍ وشِفارِ

فهنالكَ الظَفَرُ المُريحُ جَوى الحشا

من رازحٍ في كَربهِ بأسارِ

ويَتِمُّ فيه القصدُ من عُصَب الولا

لبني الهدى كالسيِّد المختارِ

يا أيّها النَّدبُ المؤجَّج عزمُهُ

وأَمينَ آلِ المصطفى الأطهارِ

يا نجعةَ الخَطب المُلِمِّ وآفةَ ال

كَربِ المُهمِّ وندحَةَ (٢) الأوزارِ

لا غَرْوَ إن جَهِلَتْ عُلاك عصابةٌ

فالقوم في شُغُلٍ عن الإبصارِ

فلقد بَزَغتَ ذُكاً وهل يُزري بها

أن تَعشَ عنها نظرةُ الأبصارِ

لك حيث مُرْتَبَع الفَخار مباءةٌ

ولمن قَلاك مزلَّةُ الأغرارِ

ومبوَّأٌ لك في جِوارِ محمدٍ

وملاذ عِترته حُماةِ الجارِ

فَلَئِن رَمَوكَ بمُحفِظٍ من إفكِهم

فالطودُ لا يُلوى بعصف الذاري

أو يَجْحَدُوكَ مناقباً مأثورةً

مشكورةً في الوِرْدِ والإصدارِ

فَلَكَ الحقيقةُ والوقيعة لم تَزَلْ

عن قُدسِ مجدكَ في شفيرٍ هارِ

فَتهَنِّ مُحتبياً بسؤددك الذي

تَزْوَرُّ عنهُ جَلْبةُ المِهذارِ

خذها إليك قصيدةً منضودةً

من جوهرٍ أو من سبيكِ نُضارِ

لم يَحكِها نَجمُ السماء لأنَّها

بَزَغَتْ بشارقةٍ من الأقمارِ

كلاّ ولا ضاهى محاسنَ نَظمِها

ما عن حُطَيئَةَ جاء أو بشّارِ

هي غادةٌ زُفَّتْ إليكَ ولم يُشَنْ

إقبالها بدعارةٍ ونِفارِ

هبّت عليك نسائمٌ قدسيّةٌ

حيَّت ثراكَ برحمةٍ ويَسارِ

__________________

(١) اللتح : ضرب الوجه والجسد بالحصى حتى يؤثّر فيه.

(٢) الندح : الكثرة والسعة.

٤٩٢

وسقى لإبراهيم مُضطَجَعَ الهدى

وَدْقُ الغَمامِ المُرزمِ المكثارِ

ما نافح الروض النسيم مشفَّعاً

سَجع البلابل فيه شَدو هَزارِ

يتلو كما يُتلى بكلِّ صحيفةٍ

مَرَّ العَشيِّ وكرَّةَ الإبكارِ

٤٩٣
٤٩٤

١٠ ـ

دعبل الخزاعي

الشهيد (٢٤٦)

تجاوبنَ بالإرنان والزفراتِ

نوائحُ عُجمُ اللفظِ والنطقاتِ

يُخَبِّرنَ بالأنفاسِ عن سِرِّ أنفُسٍ

أُسارى هوىً ماض وآخرَ آتِ

فأسعدن أو أسعفن حتى تقوّضت (١)

صفوف الدجى بالفجر منهزماتِ

على العرصاتِ الخالياتِ من المَها

سلام شجٍ صبٍّ على العَرَصاتِ (٢)

فعهدي بها خُضْر المعاهد مألفاً

من العَطِرات البيضِ والخَفِراتِ (٣)

لياليَّ يعدينَ الوصال على القِلى

ويعدي تدانينا على الغُرُباتِ

وإذ هُنَّ يَلْحَظنَ العيون سوافراً

ويَستُرْنَ بالأيدي على الوَجناتِ

وإذ كلَّ يومٍ لي بلحظيَ نشوةٌ

يبيتُ بها قلبي على نشواتِ

فكم حسراتٍ هاجها بمُحَسِّرٍ (٤)

وقُوفيَ يوم الجمع من عَرَفاتِ

ألم تر للأيّام ما جرَّ جورُها

على الناس من نقصٍ وطولِ شتاتِ

ومن دُوَلِ المستهزئين ومن غدا

بهم طالباً للنور في الظلماتِ

فكيف ومن أنّى بطالبِ زُلفَةٍ

إلى الله بعد الصومِ والصلواتِ

__________________

(١) تَقَوّضت الصفوف : انتقضت وتفرّقت. (المؤلف)

(٢) المها : البقرة الوحشية. الصبّ : العاشق وذو الولع الشديد. (المؤلف)

(٣) خَفِرت الجارية : استحيت أشد الحياء. (المؤلف)

(٤) وادي محسِّر بكسر السين المشدّدة : حدُّ مِنى إلى جهة عَرَفة. (المؤلف)

٤٩٥

سوى حبِّ أبناء النبيِّ ورهطِهِ

وبُغضِ بني الزرقاء والعَبَلاتِ

وهندٍ وما أدّت سُميّةُ وابنُها

أولو الكفرِ في الإسلامِ والفَجَراتِ

هُمُ نقضوا عهدَ الكتاب وفرضَهُ

ومُحْكَمَهُ بالزورِ والشبُهاتِ

ولم تكُ إلاّ محنةٌ كَشَفتْهُمُ

بدعوى ضلال من هنٍ وهَناتِ

تراثٌ بلا قربى وملكٌ بلا هدى

وحكمٌ بلا شورى بغير هُداةِ

رزايا أَرَتنا خُضرةَ الأفقِ حُمرةً

ورَدّتْ أُجاجاً طعمَ كلِّ فراتِ

وما سَهّلَتْ تلك المذاهبَ فيهمُ

على الناس إلاّ بيعةُ الفلَتاتِ (١)

وما قيل أصحاب السقيفة جهرةً

بدعوى تُراثٍ في الضلال نتاتِ (٢)

ولو قلّدوا الموصى إليه أمورَها

لزَمّتْ بمأمونٍ عن العثراتِ

أخي خاتَمِ الرُّسلِ المصفّى من القذى

ومُفْتَرِسِ الأبطالِ في الغَمَراتِ

فإن جَحَدوا كان الغديرُ شهيدَهُ

وبدرٌ وأُحدٌ شامخُ الهضباتِ

وآيٌ من القرآن تُتلى بفضلِهِ

وإيثاره بالقوتِ في اللزباتِ

وغُرُّ خِلالٍ أدركتْهُ بِسبقِها

مناقبُ كانت فيهِ مؤتنفاتِ (٣)

القصيدة (١٢١) بيتاً (٤)

ما يتبع الشعر

من كلمات أعلام العامّة :

١ ـ قال أبو الفرج في الأغاني (٥) (١٨ / ٢٩) : قصيدة دعبل :

__________________

(١) قوله : بيعة الفلتات ، إشارة الى قول عمر : كانت بيعة أبي بكر فلتةً وقى الله المسلمين شرّها.

(٢) كذا ، وفي أعيان الشيعة : بتاتِ.

(٣) أنف كل شيء : أوّله. وروض أنُف : ما لم يَرْعَهُ أحد : كاس أُنُف : لم يُشْرَب بها. المستأنف : ما لم يسبق إليه. (المؤلف)

(٤) توجد القصيدة بتمامها في أعيان الشيعة : ٦ / ٤١٨.

(٥) الأغاني : ٢٠ / ١٣٢ و ١٦٢.

٤٩٦

مدارسُ آياتٍ خلت من تِلاوةٍ

ومنزلُ وحيٍ مُقفرُ العَرَصاتِ (١)

من أحسن الشعر وفاخر المدائح المقولة في أهل البيت عليهم‌السلام ، قصد بها عليّ بن موسى الرضا عليه‌السلام بخراسان ، قال : دخلت على عليِّ بن موسى الرضا عليه‌السلام ، فقال لي : «أنشدني شيئاً ممّا أحدثت» ، فأنشدتُه :

مدارسُ آياتٍ خَلَتْ من تِلاوةٍ

ومنزلُ وَحيٍ مُقفِرُ العَرَصاتِ

حتى انتهيتُ إلى قولي :

إذا وُتِروا مَدّوا إلى واتريهمُ

أَكُفّا عن الأوتار مُنقبضاتِ

قال : فبكى حتى أُغمي عليه ، وأومأ إليَّ خادم كان على رأسه : أن اسكت فسكتُّ ، فمكث ساعة ثمَّ قال لي : «أعِدْ» فأعدتُ حتى انتهيتُ إلى هذا البيت أيضاً ، فأصابه مثل الذي أصابه في المرّة الأولى ، وأومأ الخادم إليَّ : أن اسكت فسكتُّ ، فمكث ساعة أخرى ثمَّ قال لي : «أعِدْ» ، فأعدتُ حتى انتهيت إلى آخرها ، فقال لي : «أحسنتَ» ـ ثلاث مرّات ـ ثمَّ أمر لي بعشرة آلاف درهم ممّا ضُرِبَ باسمه ، ولم تكن دُفِعَت إلى أحد بعدُ ، وأمر لي من في منزله بحليٍ كثير أخرجه إليَّ الخادم ، فقدمتُ العراق ، فبعتُ كلَّ درهم منها بعشرة دراهم ، اشتراها منّي الشيعة ، فحصل لي مائة ألف درهم ، فكان أوّل مال اعتقدته (٢).

قال ابن مهرويه : وحدّثني حذيفة بن محمد : أنَّ دعبلاً قال له : إنّه استوهب من الرضا عليه‌السلام ثوباً قد لبسه ليجعله في أكفانه ، فخلع جُبَّة كانت عليه فأعطاه إيّاها ، وبلغ أهل قم خبرها ، فسألوه أن يبيعهم إيّاها بثلاثين ألف درهم ، فلم يفعل ، فخرجوا

__________________

(١) هو البيت الثلاثون من القصيدة وتُسمّى به. (المؤلف)

(٢) في معاهد التنصيص : ١ / ٢٠٥ [٢ / ١٩٩ رقم ١١٥] ، عيون أخبار الرضا : ص ٢٨٠ [٢ / ٢٩٦ ح ٣٤]. (المؤلف)

٤٩٧

عليه في طريقه فأخذوها منه غصباً ، وقالوا له : إن شئتَ أن تأخذ المال فافعل ، وإلاّ فأنت أعلم ، فقال لهم : إنّي والله لا أعطيكم إيّاها طوعاً ولا تنفعكم غصباً وأشكوكم إلى الرضا عليه‌السلام فصالحوه على أن أَعطَوه الثلاثين ألف درهم وفرد كُمٍّ من بِطانتها ، فرضي بذلك ، فأعطوه فرد كُمٍّ فكان في أكفانه ، وكتب قصيدته :

مدارسُ آياتٍ خلَتْ من تلاوةٍ

ومنزلُ وحيٍ مُقفِرُ العرصاتِ

فيما يقال على ثوب وأحرم فيه وأمر بأن يكون في أكفانه (١).

وروى في (ص ٣٩) (٢) عن دعبل قال : لمّا هربتُ من الخليفة بتُّ ليلةً بنيسابور وحدي ، وعزمتُ على أن أعمل قصيدة في عبد الله بن طاهر في تلك الليلة ، فإنّي لفي ذلك إذ سمعت والباب مردودٌ عليَّ : السلام عليكم ورحمة الله ، انجُ يرحمك الله ، فاقشَعَرَّ بدني من ذلك ونالني أمرٌ عظيمٌ ، فقال لي : لا تُرَع عافاك الله ، فإنّي رجلٌ من إخوانك من الجنِّ من ساكني اليمن ، طرأ إلينا طارئ من أهل العراق فأنشدنا قصيدتك :

مدراسُ آياتٍ خلَتْ من تِلاوةٍ

ومنزلُ وحيٍ مُقفِرُ العرصات

فأحببتُ أن أسمعها منك ، قال فأنشدته إيّاها فبكى حتى خرَّ ، ثمَّ قال : رَحِمَك الله ألا أُحدِّثُكَ حديثاً يزيد في نيّتك ويعينك على التمسّكِ بمذهبك؟ قلت : بلى.

قال : مكثتُ حيناً أسمع بذكر جعفر بن محمد عليه‌السلام فصرتُ إلى المدينة فسمعته يقول : حدّثني أبي عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «عليٌّ وشيعته هم الفائزون». ثمّ ودّعني لينصرف فقلت له : يرحمك الله إن رأيت ، أن تُخبرني باسمك فافعل. قال : أنا ظبيان بن عامر (٣).

__________________

(١) وذكر في معجم الأدباء : ٤ / ١٩٦ [١١ / ١٠٣] ، ومعاهد التنصيص : ١ / ٢٠٥ [٢ / ١٩٩ رقم ١١٥] ، وعصر المأمون : ٣ / ٢٥٥. (المؤلف)

(٢) الأغاني : ٢٠ / ١٥٥.

(٣) وذكره صاحب معاهد التنصيص : ١ / ٢٠٥. (المؤلف)

٤٩٨

٢ ـ قال أبو إسحاق القيرواني الحصري المتوفّى سنة (٤١٣) في زهر الآداب (١) (١ / ٨٦) : كان دعبل مدّاحاً لأهل البيت عليهم‌السلام كثير التعصّب لهم والغلوِّ فيهم ، وله المرثية المشهورة ، وهي من جيِّد شعره ، وأوّلها :

مدارسُ آياتٍ خَلَتْ من تلاوةٍ

ومنزلُ وَحيٍ مُقفِرُ العَرَصاتِ

لآلِ رسول الله بالخَيفِ من منى

وبالبيت والتعريف والجَمَراتِ

ديارُ عليٍّ والحسينِ وجعفرٍ

وحمزةَ والسجّادِ ذي الثفَناتِ

قفا نسألِ الدارَ التي خَفَّ أهلُها

متى عهدها بالصومِ والصلواتِ

وأين الأُلى شطّت بهم غُربَةُ النوى

أفانينَ في الآفاق مفترِقاتِ

أُحبُّ قَصيَّ الدار من أجل حُبِّهم

وأهجرُ فيهم أُسرتي وثِقاتي

٣ ـ قال الحافظ ابن عساكر في تاريخه (٢) (٥ / ٢٣٤) : ثمّ إنّ المأمون لمّا ثبتت قدمه في الخلافة ، وضرب الدنانير باسمه ، أقبل يجمع الآثار في فضائل آل الرسول ، فتناهى إليه فيما تناهى من فضائلهم قول دعبل :

مدارسُ آياتٍ خَلَتْ من تِلاوةٍ

ومنزلُ وحيٍ مقفرُ العرَصاتِ

لآلِ رسول الله بالخَيْفِ من منى

وبالبيت والتعريف والجمراتِ

فما زالت تردَّدُ في صدر المأمون حتى قدم عليه دعبل (٣) ، فقال له : أنشدني قصيدتك التائيّة ولا بأس عليك ولك الأمان من كلِّ شيء فيها ؛ فإنّي أعرفها وقد رُوِيتُها ، إلاّ أنّي أُحبُّ أن أسمعَها من فيك.

قال : فأنشده حتى صار إلى هذا الموضع :

__________________

(١) زهر الآداب وثمر الألباب : ١ / ١٣٤.

(٢) تاريخ مدينة دمشق : ٦ / ٧٧ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ٨ / ١٨٢.

(٣) ومن هنا يوجد في الأغاني : ١٨ / ٥٨ [٢٠ / ١٩٥] ، وزهر الآداب : ١ / ٨٦ [١ / ١٣٤] ، ومعاهد التنصيص : ١ / ٢٠٥ [٢ / ١٩٨ رقم ١١٥] ، والإتحاف : ص ١٦٥. (المؤلف)

٤٩٩

ألم ترَ أنّي مُذْ ثلاثين حِجّةً

أروحُ وأغدو دائمَ الحَسَراتِ

أرى فيئَهم في غيرِهمْ مُتَقَسَّماً

وَأيْدِيَهُمْ من فَيْئِهِمْ صَفِراتِ

فآلُ رسول الله نُحْفٌ جسومُهمْ

وآلُ زيادٍ غُلّظُ القَصَرَاتِ

بناتُ زيادٍ في الخدورِ مصونةٌ

وبنتُ رسولِ اللهِ في الفلواتِ

إذا وُتروا مَدّوا إلى واتريهمُ

أكفّا عن الأوتارِ مُنْقبضاتِ

فلو لا الذي أرجوه في اليوم أو غدٍ

تقطّع نفسي إثْرَهمْ حَسَراتي

فبكى المأمون حتى اخضلّت لحيته وجرت دموعه على نحره ، وكان دعبل أوّل داخل عليه وآخر خارج من عنده.

٤ ـ قال ياقوت الحموي في معجم الأدباء (١) (٤ / ١٩٦) : قصيدته التائيّة في أهل البيت من أحسن الشعر وأسنى المدائح ، قصد بها عليَّ بن موسى الرضا عليه‌السلام بخراسان (وذكر حديث البردة وقصّتها المذكورة ثمّ قال) : ويقال : إنّه كتب القصيدة في ثوب وأحرم فيه ، وأوصى بأن يكون في أكفانه. ونُسَخُ هذه القصيدة مختلفةٌ ، في بعضها زيادات يُظنّ (٢) أنّها مصنوعةٌ ألحقها بها أناسٌ من الشيعة ، وإنّا موردون ما صحَّ منها :

مدارسُ آياتٍ خَلَتْ من تلاوةٍ

ومنزلُ وحيٍ مُقفِرُ العرصَاتِ

لآل رسول الله بالخَيْفِ من منى

وبالركنِ والتعريفِ والجمراتِ

ديار عليٍّ والحسينِ وجعفرٍ

وحمزةَ والسجّادِ ذي الثفناتِ

ديارٌ عفاها كلُّ جَونٍ مبادرٍ

ولم تَعْفُ للأيّام والسنواتِ

قفا نسألِ الدار التي خفَّ أهلها

متى عهدُها بالصومِ والصلواتِ

وأين الأُلى شطّت بهم غربةُ النوى

أفانينَ في الآفاق مُفْترقاتِ

همُ أهلُ ميراثِ النبيِّ إذا اعتَزَوا

وهم خيرُ قاداتٍ وخيرُ حُماةِ

__________________

(١) معجم الأدباء : ١١ / ١٠٢ ـ ١١٠.

(٢) يأتي في آخر ما يتبع الشعر أنّ هذا الظنّ إثم ، ولا يغني من الحقّ شيئاً. (المؤلف)

٥٠٠