الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٢

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي

الغدير في الكتاب والسنّة والأدب - ج ٢

المؤلف:

الشيخ عبد الحسين أحمد الأميني النجفي


المحقق: مركز الغدير للدّراسات الإسلاميّة
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥١

وذُهِل عن أنَّ الشطر الثاني المذكور هو لأبي الأسود الدؤلي من قوله :

بنو عمِّ النبيِّ وأقربوه

أحبُّ الناس كلّهم إليّا

تصحيح غلط

لا أحسب أنَّ أساتذة مصر يخفى عليهم صحيح لفظة ـ غدير خُمّ ـ أو لا يوقفهم السير على مسمّاها وقصّتها ، وإن قال قائلهم : إنَّها واقعة حرب معروفة ، أو يكون لهم معها حساب آخر دون سائر الألفاظ ، أو يروقهم أن تكون الأمّة على جهل منها ، لكن أسفي على إغضائهم عن تصحيح هذه اللفظة في غير واحد من التآليف ، بل تركوها بصورة يتيه بها القارئ.

هذا الدكتور أحمد رفاعي ـ ذلك الأستاذ الفذّ ـ فإنّه يذكر في تعليقه على معجم الأدباء ، طبع مصر (١٣٥٧ ه‍) ، (١٤ / ٤٨) من شعر أمير المؤمنين ، بيت الولاية بهذه الصورة :

وأوصاني النبيُّ على اختيارٍ

ببيعته غداة غدٍ برحمِ!

وأعجب من ذلك أنَّه جعل للكتاب فهرس البلدان والبقاع والمياه في (٤٧) صحيفة ، وأهمل فيها غدير خُمّ ، وقد ذكرت في عدّة مواضع من المعجم.

والأستاذ محمد حسين مصحِّح ثمار القلوب ، طبع مصر (١٣٢٦ ه‍) ، فإنّه يقف على هذه اللفظة في صحيفة واحدة (ص ٥١١) وهي مذكورة فيها غير مرّة (س ٦ و ٨ و ١٢) ويدعها ـ غدير خم ـ وهذا ثمار القلوب المخطوط بين أيدينا وفيها : غدير خُمّ.

ومصحِّح لطائف أخبار الدول (١) طبع مصر (١٣١٠ ه‍) ، فإنَّه يترك البيت المذكور من شعر أمير المؤمنين في (ص ٣٣) هكذا :

__________________

(١) لطائف أخبار الدول : ص ٤٩.

٦١

وأوجبَ طاعتي فرضاً عليكم

رسولُ الله يومَ غدا برحمي!

وأنت تجد في مطبوعات غير مصر لِدَةَ هذا التصحيف أيضاً.

شكر ونقد

لا أفتأ معجباً بكتابين فخمين هما من حسنات العصر الحاضر ، عُني بجمعهما بحّاثة كبير حظي به هذا القرن ، ألا وهما كتاب جمهرة خطب العرب وجمهرة رسائل العرب للكاتب الشهير أحمد زكي صفوت. فقد أسدى بهما إلى الأمّة يده الواجبة ، أعاد ذكريات قديمة للأمّة العربيّة أتى عليها الدثور ، وكابد في ذلك جهوداً جبّارة ، فعلى الأمّة جمعاء أن تشكره على تلك المثابرة الناجعة ، وتقدّر منه ذلك الجهاد المتواصل ، فله العتبى على ما أجاد وأفاد.

غير لأنّا نعاتب الأستاذ على إهماله هذه الرسالة الموجودة في جملة من مصادر كتابه وغيرها من الكتب القيّمة ، وقد ذكر ما هو أخصر منها ، وأضعف مدركاً ، وأقلّ نفعاً ، وذكر من التافهات ما لم يقلّه مستوى الصدق والأمانة ، كبعض رسائل ابن عبّاس إلى أمير المؤمنين عليه‌السلام المكذوبة على حَبر الأمّة ، خطّتها أقلام مستأجرة من زبائن الأمويّين ، هذا ما نعاتبه عليه ، وأمّا هو فلما ذا ذكر؟ ولِما ذا أهمل؟ فلنطوِ عنه كشحاً.

ويشبه هذا الإهمال أو يزيد عليه إهماله خطبة الغدير في جمهرة خطب العرب ، ولها وليومها المشهود أهميّة كبرى في تاريخ الاسلام ، وقد أثبتتها المصادر الوثيقة بأسانيد تربو على حدِّ التواتر ، كما وقفت عليها في الجزء الأوّل من كتابنا. هب أنَّ تمام الخطبة لم يثبت عنده في كتب يعوِّل عليها ، إلاّ أنَّ المقدار الذي أصفق عليه الفريقان ، وأنهوا إليه أسانيدهم لا مفرّ له عن إثباته ، لكنّ الكاتب يعلم أنّه لما ذا ترك ، ونحن أيضاً لم يفتنا عرفانه ، لكن نضرب عن البيان صفحاً.

٦٢

ويروى لأمير المؤمنين عليه‌السلام

ما أخرجه الإمام عليُّ بن أحمد الواحدي ، عن أبي هريرة ، قال : اجتمع عدّةٌ من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منهم : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، والفضل بن عبّاس ، وعمّار ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو ذر ، والمقداد ، وسلمان ، وعبد الله بن مسعود فجلسوا وأخذوا في مناقبهم ، فدخل عليهم عليٌّ عليه‌السلام فسألهم : فيم أنتم؟ قالوا : نتذاكر مناقبنا ممّا سمعنا من رسول الله ، فقال عليٌّ : اسمعوا منّي ثمّ أنشأ يقول :

لقدْ عَلِمَ الأُناس بأنَّ سهمي

من الإسلام يَفْضُلُ كلَّ سهمِ

وأحمدٌ النبيُّ أخي وصِهري

عليهِ اللهُ صلّى وابن عمّي

وإنّي قائدٌ للناسِ طُرّا

إلى الإسلام من عُرْبٍ وعُجْمِ

وقاتلُ كلِّ صنديدٍ رئيسٍ

وجبّارٍ من الكفّار ضَخْمِ

وفي القرآن ألزَمَهمْ ولائي

وأوجب طاعتي فرضاً بعزمِ

كما هارون من موسى أخوهُ

كذاك أنا أخوه وذاك اسمي

لذاك أقامني لهمُ إماماً

وأخبرهمْ به بغديرِ خُمّ

فمن منكم يعادلني بسهمي

وإسلامي وسابقتي ورحمي

فويلٌ ثمّ ويلٌ ثمّ ويلٌ

لمن يلقى الإله غداً بظلمي

وويلٌ ثمّ ويلٌ ثمّ ويلٌ

لجاحدِ طاعتي ومريدِ هضمي

وويلٌ للذي يشقى سفاهاً

يريد عداوتي من غيرِ جرمِ

وذكره عن الواحدي القاضي الميبذيّ الشافعيّ في شرح الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين (ص ٤٠٥ ـ ٤٠٧) ، والقندوزيّ الحنفيّ في ينابيع المودّة (١) (ص ٦٨).

__________________

(١) ينابيع المودّة : ١ / ٦٧ باب ١٤.

٦٣

الشاعر

أمير المؤمنين ، وسيّد المسلمين ، وقائد الغرّ المحجَّلين ، وخاتم الوصيّين ، وأوّل القوم إيماناً ، وأوفاهم بعهد الله ، وأعظمهم مزيّة ، وأقومهم بأمر الله ، وأعلمهم بالقضيّة ، وراية الهدى ، ومنار الإيمان ، وباب الحكمة ، والممسوس في ذات الله ، خليفة النبيِّ الأقدس (١) صلّى الله عليهما وآلهما ـ عليُّ بن أبي طالب ، الهاشميّ الطاهر ، وليد الكعبة المشرَّفة ، ومطهِّرها من كلِّ صنم ووثن ، الشهيد في البيت الإلهيّ جامع الكوفة ـ في محرابه حال صلاته سنة (٤٠) ، وقد اتّصل هاهنا المنتهى بالمبدأ ، فوليد البيت فاض شهيداً في بيتٍ هو من أعظم بيوت الله ، وبين الحدّين لم تزل عُرى حياته متواصلة بالمبدأ الأعلى سبحانه.

__________________

(١) كلٌّ من هذه الجمل الخمس عشرة كلمة قدسيّة نبويّة ، أخرجها الحفّاظ ، راجع مسند أحمد : ١ / ٣٣١ و ٥ / ١٨٢ ، ١٨٩ [١ / ٥٤٤ ح ٣٠٥٢ و ٦ / ٢٣٢ ح ٢١٠٦٨ ، ص ٢٤٤ ح ٢١١٤٥] ، حلية الأولياء : ١ / ٦٣ ـ ٦٨ [رقم ٤]. (المؤلف)

٦٤

٢ ـ

حسّان بن ثابت

يُناديهمُ يومَ الغديرِ نبيُّهمْ

بخمٍّ وأسْمِعْ بالرسولِ مُناديا

فقال فمن مولاكمُ ونبيُّكمْ

فقالوا ولم يُبدوا هناك التعاميا

إلهُكَ مولانا وأنتَ نبيُّنا

ولم تَلْقَ منّا في الولايةِ عاصيا

فقال له قم يا عليُّ فإنّني

رضيتُكَ من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنتُ مولاهُ فهذا وليُّهُ

فكونوا له أتباع صدقٍ مواليا

هناك دعا اللهمَّ والِ وليّهُ

وكن للذي عادى عليّا معاديا

ما يتبع الشعر

هذا أوّل ما عُرف من الشعر القصصيِّ في رواية هذا النبأ العظيم ، وقد ألقاه في ذاك المحتشد الرهيب الحافل بمائة ألف أو يزيدون ، وفيهم البلغاء ، ومدارهِ (١) الخطابة وصاغة القريض ، ومشيخة قريش العارفون بلحن القول ، ومعارض الكلام ، بمسمعٍ من أفصح من نطق بالضاد ـ النبيّ الأعظم ـ وقد أقرّه النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما فهمه من مغزى كلامه ، وقرّظه بقوله : «لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القُدس ما نصرتنا بلسانك» (٢).

__________________

(١) مدارِه : جمع مِدْرَه ، وهو لسان القوم وخطيبهم.

(٢) هذا من أعلام النبوّة ومن مغيّبات رسول الله ، فقد علم أنّه سوف ينحرف عن إمام الهدى عليه‌السلام في أخريات أيّامه ، فعلّق دعاءه على ظرف استمراره في نصرتهم. (المؤلف)

٦٥

وأقدم كتاب سبق إلى رواية هذا الشعر هو كتاب سليم بن قيس الهلالي (١) ، التابعيّ الصدوق الثبت ، المعوَّل عليه عند علماء الفريقين كما مرّ في (١ / ١٩٥) ، فرواه بلفظ يقرب ممّا يأتي عن كتاب علم اليقين (٢) للمحقِّق الفيض الكاشاني ، وتبعه على روايته لفيف من علماء الإسلام لا يستهان بعدّتهم ، فرواه من الحفّاظ :

١ ـ الحافظ أبو عبيد الله المرزباني محمد بن عمران الخراسانيّ : المتوفّى (٣٧٨) (٣).

أخرج في مرقاة الشعر عن محمد بن الحسين ، عن حفص ، عن محمد بن هارون ، عن قاسم بن الحسن ، عن يحيى بن عبد الحميد ، عن قيس بن الربيع ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري ، قال :

لمّا كان من غدير خُمّ ، أمر رسول الله منادياً فنادى الصلاة جامعة. فأخذ بيد عليّ وقال : «من كنت مولاه فعليٌّ مولاه ، اللهمَّ والِ من والاه ، وعاد من عاداه».

فقال حسّان بن ثابت : يا رسول الله أقول في عليّ شعراً؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «افعل» ، فقال :

يناديهُم يوم الغدير نبيّهم ... الأبيات.

٢ ـ الحافظ الخركوشيّ أبو سعد : المتوفّى (٤٠٦) المترجم (١ / ١٠٨). أخرجه في كتابه شرف المصطفى.

٣ ـ الحافظ ابن مردويه الأصبهانيّ : المتوفّى (٤١٠) المترجم (١ / ١٠٨). أخرج بإسناده عن أبي سعيد الخدري حديث الغدير كما مرّ (١ / ٢٣١) وفيه :

فقال حسّان بن ثابت : يا رسول الله أتأذن لي أن أقول أبياتاً؟ فقال : «قل على بركة الله». فقال :

__________________

(١) كتاب سليم بن قيس : ٢ / ٨٢٨ ح ٣٩.

(٢) علم اليقين : ٢ / ٦٥١.

(٣) لنا في مذهب الرجل نظر. (المؤلف)

٦٦

يناديهُم يوم الغدير نبيّهم ... الأبيات.

ورواه عن ابن عبّاس بلفظ مرّ (١ / ٢١٧).

٤ ـ الحافظ أبو نعيم الأصبهانيّ : المتوفّى (٤٣٠) المترجم (١ / ١٠٩). أخرجه في كتابه ـ ما نزل من القرآن في عليّ (١) ـ بالسند والمتن اللذين أسلفناهما (١ / ٢٣٢) وفيه :

فقال حسّان : ائذن لي يا رسول الله أن أقول في عليّ أبياتاً تسمعهنّ.

فقال : «قل على بركة الله». فقام حسّان فقال : يا معشر مشيخة قريش أُتبعها قولي بشهادة من رسول الله في الولاية ماضية ...

٥ ـ الحافظ أبو سعيد السجستانيّ : المتوفّى (٤٧٧) ، المترجم (١ / ١١٢). أخرجه في كتاب الولاية بسند ولفظ مرّا (١ / ٢٣٣).

٦ ـ أخطب الخطباء الخوارزميّ المكيّ : المتوفّى (٥٦٨) ، تأتي ترجمته في شعراء القرن السادس ، رواه في مقتل الإمام السبط الشهيد (٢) والمناقب (٣) (ص ٨٠) بسند ولفظ ذكرا في (١ / ٢٣٤).

٧ ـ الحافظ أبو الفتح النطنزيّ : المترجم (١ / ١١٥). رواه في الخصائص العلويّة على سائر البريّة عن الحسن بن أحمد المهري ، عن أحمد بن عبد الله بن أحمد ، عن محمد بن أحمد بن عليّ ، عن ابن أبي شيبة محمد بن عثمان ، عن الحمّاني ، عن ابن الربيع ، عن أبي هارون العبدي ، عن أبي سعيد الخدري بلفظ أبي نعيم الأصبهاني ، وذكر من الأبيات أربعة من أوّلها.

__________________

(١) ما نزل من القرآن في عليّ : ص ٥٧.

(٢) مقتل الإمام الحسين عليه‌السلام : ص ٤٧.

(٣) المناقب : ص ١٣٥ ح ١٥٢.

٦٧

٨ ـ أبو المظفّر سبط الحافظ ابن الجوزي الحنفيّ : المتوفّى (٦٥٤) المترجم (١ / ١٢٠). رواه في تذكرة خواصّ الأمّة (١) (ص ٢٠).

٩ ـ صدر الحفّاظ الكنجيّ الشافعيّ : المتوفّى (٦٥٨) المذكور (١ / ١٢٠). ذكره في كفاية الطالب (٢) (ص ١٧) بلفظ أبي نعيم المذكور.

١٠ ـ شيخ الإسلام صدر الدين الحمّوئي : المتوفّى (٧٢٢) المترجم (١ / ١٢٣). رواه في فرائد السمطين (٣) في الباب الثاني عشر ، عن الشيخ تاج الدين أبي طالب علي ابن أنجب بن عثمان الخازن ، عن برهان الدين ناصر بن أبي المكارم المُطَرّزي ، عن أخطب خوارزم بسنده ولفظه المذكورين.

١١ ـ الحافظ جمال الدين محمد بن يوسف الزرنديّ شمس الدين الحنفيّ : المتوفّى (بضع و ٧٥٠) المترجم (١ / ١٢٥) أخرجه في كتابه نظم درر السمطين (٤).

١٢ ـ الحافظ جلال الدين السيوطيّ : المتوفّى (٩١١) المترجم (١ / ١٣٣). ذكره في رسالته الازدهار فيما عقده الشعراء من الأشعار ، نقلاً عن تذكرة الشيخ تاج الدين ابن مكتوم الحنفي المتوفّى (٧٤٩).

ورواه من أعلام الإمامية :

١ ـ أبو عبد الله محمد بن أحمد المفجّع (٥) : المتوفّى (٣٢٧). رواه في شرح قصيدته المعروفة بالأشباه. عن عبد الله بن محمد بن عائشة القرشي ، عن المبارك ، عن عبد الله بن أبي سلمان ، عن عطا ، عن جابر بن عبد الله : أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزل

__________________

(١) تذكرة الخواص : ص ٣٣.

(٢) كفاية الطالب : ص ٦٤ باب ١.

(٣) فرائد السمطين : ١ / ٧٣ ح ٣٩.

(٤) نظم درر السمطين : ص ١١٢.

(٥) أحد شعراء الغدير في القرن الرابع ، يأتي هناك [في الجزء الثالث] شعره وترجمته. (المؤلف)

٦٨

بغدير خُمّ ، ونصب بدوحات ، وكان يومٌ حارٌّ ، وإنَّ أحدَنا ليستظلُّ بثوبه ، ويبلُّ خرقةً فيضعها على رأسه من شدّة الحرّ ، فقام عليه‌السلام فقال :

«أيّها الناس ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، وأزواجي أمّهاتهم؟». قلنا : بلى يا رسول الله. فأخذ بيد عليّ فرفعها ثمّ قال :

«اشهدوا ، من كنت مولاه فعليٌّ مولاهُ ، اللهمَّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه». يقولها ثلاثاً. فقال عمر : هنيئاً لك يا أبا الحسن ، أصبحت مولاي ومولى كلِّ مؤمن ومؤمنة ، فقام رجل إلى رسول الله ، فقال : يا رسول الله ، أتأذن لي في إنشاد أبيات في عليٍّ؟ فقال عليه‌السلام : «قل يا حسّان» فقال :

يناديهمُ يوم الغدير نبيّهم ... الأبيات إلى آخرها.

٢ ـ أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم بن يزيد الطبريّ ، رواه في المسترشد (١) بإسناده عن يحيى الحمّاني عن قيس ، عن العبدي ، عن أبي سعيد بلفظ الحافظ أبي نعيم الأصبهاني المذكور ، إلاّ أنَّ البيت الثالث فيه :

إلهُكَ مولانا وأنتَ وليُّنا

ولا تَجِدَنْ منّا لك اليومَ عاصيا

٣ ـ شيخنا أبو جعفر الصدوق محمد بن بابويه القمّي : المتوفّى (٣٨١). رواه في الأمالي (٢) (ص ٣٤٣) بالسند والمتن المذكورين ، عن الحافظ المرزباني.

٤ ـ الشريف الرضيّ (٣) : المتوفّى (٤٠٦) صاحب نهج البلاغة. في خصائص الأئمّة (٤).

__________________

(١) المسترشد في إمامة عليّ بن أبي طالب عليه‌السلام : ص ١١٩.

(٢) الأمالي : ص ٤٦٠.

(٣) أحد شعراء الغدير في القرن الرابع ، يأتي هناك [في الجزء الرابع] شعره وترجمته. (المؤلف)

(٤) خصائص الأئمّة : ص ٤٢ ، خصائص أمير المؤمنين : ص ٦.

٦٩

٥ ـ معلّم الأمّة شيخنا المفيد : المتوفّى (٤١٣). رواه في الفصول المختارة (١) (١ / ٨٧) وقال : وممّا يشهد بقول الشيعة في معنى المولى وأنَّ النبيَّ أراد به يوم الغدير الإمامة ، قول حسّان بن ثابت على ما جاء به الأثر : أنَّ رسول الله لمّا نصب عليّا يوم الغدير للناس عَلماً وقال فيه ما قال ، استأذنه حسّان بن ثابت في أن يقول شعراً فأنشأ يقول :

يناديهمُ يوم الغدير نبيّهم ... الأبيات.

فلمّا فرغ من هذا القول ، قال له النبيُّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تزال يا حسّان مؤيّداً بروح القدُس ما نصرتَنا بلسانك» ، فلو لا أنَّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد بالمولى الإمامة لما أثنى على حسّان بإخباره بذلك ، ولأنكره عليه ، وردّه عنه.

ورواه في رسالته في معنى المولى (٢) ، وقال بعد ذكره : شعر حسّان مشهورٌ في ذلك ، وهو شاعر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد قال له : «لا تزال مؤيَّداً بروح القدُس ما نصرتنا بلسانك». وهذا صريح في الإقرار بإمامته من جهة القول الكائن في يوم الغدير من رسول الله له ، لا يمكن تأويله ، ولا يسوغ صرفه إلى غير حقيقته.

ورواه في تأليفه النصرة لسيِّد العترة في حرب البصرة (٣) وفي كتابه الإرشاد (٤) (ص ٣١ ، ٦٤) بلفظ يقرب من رواية الحافظ أبي نعيم الأصبهاني المذكور.

٦ ـ الشريف المرتضى علم الهدى : المتوفّى (٤٣٦) ، في شرح بائيّة السيِّد الحميري (٥).

__________________

(١) الفصول المختارة : ص ٢٣٥.

(٢) رسالة في معنى المولى ، المطبوع ضمن مصنّفات الشيخ المفيد : ٨ / ٣١.

(٣) النصرة لسيِّد العترة في حرب البصرة (كتاب الجَمل) : ص ١١٧.

(٤) الإرشاد : ١ / ١٧٧.

(٥) رسائل الشريف المرتضى ، المجموعة الرابعة : ص ١٣١.

٧٠

٧ ـ أبو الفتح الكراجكي : المتوفّى (٤٤٩) في كنز الفوائد (١) (ص ١٢٣) وقال ما ملخّصه : إنَّ شعر حسّان هذا قد سارت به الركبان ، وقد تضمّن الإقرار لأمير المؤمنين عليه‌السلام بالإمامة والرئاسة على الأنام ، لمّا مدحه بذلك يوم الغدير بحضرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على رءوس الأشهاد ، فصوّبه النبيُّ في مقاله ، وقال له : «لا تزال يا حسّان مؤيّداً ما نصرتنا بلسانك».

٨ ـ الشيخ عبيد الله بن عبد الله السدابادي ، رواه في المقنع في الإمامة (٢).

٩ ـ شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسيّ : المتوفّى (٤٦٠) في تلخيص الشافي.

١٠ ـ المفسِّر الكبير الشيخ أبو الفتوح الخزاعي الرازيّ من مشايخ ابن شهرآشوب : المتوفّى (٥٨٨). رواه في تفسيره (٣) (٢ / ١٩٢) بلفظ يقرب من لفظ الحافظ أبي نعيم وزاد فيه (٤) :

فَخَصّ بها دونَ البريّةِ كلِّها

عليّا وسمّاه الوزير المواخيا

١١ ـ شيخنا الفتّال أبو عليّ الشهيد ، المترجم في كتابنا شهداء الفضيلة (ص ٣٧) رواه في روضة الواعظين (٥) (ص ٩٠).

١٢ ـ أبو عليّ الفضل بن الحسن الطبرسيّ ، رواه في إعلام الورى (٦) (ص ٨١)

__________________

وبائية الحميري تسمّى القصيدة المذهّبة ، طبعت بهذا الاسم مع شرح الشريف المرتضى عليها في بيروت سنة (١٩٧٠ م) من منشورات دار الكتاب الجديد وتحقيق محمد الخطيب ، وهذه الأبيات في هذه الطبعة ص (١٥٧). (الطباطبائي)

(١) كنز الفوائد : ١ / ٢٦٨.

(٢) المقنع في الإمامة : ص ٧٥.

(٣) تفسير أبي الفتوح الرازي : ٤ / ٢٧٩.

(٤) ستقف على أنَّ هذه الزيادة في محلّها من شعر حسّان. (المؤلف)

(٥) روضة الواعظين : ١ / ١٠٣.

(٦) إعلام الورى : ص ١٣٩.

٧١

١٣ ـ ابن شهرآشوب السَرَويّ : المتوفّى (٥٨٨). في المناقب (١) (٣ / ٣٥).

١٤ ـ أبو زكريّا يحيى بن الحسن الحلّي الشهير بابن البطريق ، رواه في الخصائص (٢) (ص ٣٧) من طريق الحافظ أبي نعيم الأصبهاني.

١٥ ـ السيِّد هبة الله ، رواه في كتابه المجموع الرائق (٣) المخطوط.

١٦ ـ رضيّ الدين سيِّدنا عليّ بن طاووس : المتوفّى (٦٦٤) في الطرائف (٤) (ص ٣٥).

١٧ ـ بهاء الدين أبو الحسن الإربِليّ : المتوفّى (٦٩٢ ، ٦٩٣) في كشف الغمّة (٥)) (ص ٩٤).

١٨ ـ عماد الدين الحسن الطبريّ ، في الكامل البهائي (٦) (ص ١٥٢ و ٢١٧).

١٩ ـ الشيخ يوسف بن حاتم الشاميّ ، في موضعين من كتابه الدرّ النظيم (٧).

٢٠ ـ الشيخ عليّ البياضيّ العامليّ ، في كتابه الصراط المستقيم (٨).

٢١ ـ القاضي نور الله المرعشيّ : الشهيد سنة (١٠١٩) ، المترجم في كتابنا شهداء الفضيلة (ص ١٧١) : ذكره في مجالس المؤمنين (٩) (ص ٢١).

__________________

(١) مناقب آل أبي طالب : ٣ / ٣٧.

(٢) خصائص الوحي المبين : ص ٦٢.

(٣) المجموع الرائق : ص ٢٠٤.

(٤) الطرائف : ص ١٤٦ ح ٢٢١.

(٥) كشف الغمّة : ١ / ٣٢٥.

(٦) الكامل البهائي : ١ / ٢٨١.

(٧) الدرّ النظيم : ١ / ٩٠ ، ١٤١.

(٨) الصراط المستقيم : ١ / ٣٠٥.

(٩) مجالس المؤمنين : ١ / ٤٦.

٧٢

٢٢ ـ مولانا المحقِّق المحسن الكاشانيّ : المتوفّى (١٠٩١). في علم اليقين (١)) (ص ١٤٢) نقلاً عن ـ التهاب نيران الأحزان ـ بلفظ يقرب من لفظ سليم بن قيس الهلاليِّ التابعيِّ في كتابه ، وهو :

يناديهمُ يومَ الغديرِ نبيُّهم

بخمٍّ وأَسْمِعْ بالنبيِّ مناديا

وقد جاءَهُ جبريلُ عن أمرِ ربهِ

بأنَّك معصومٌ فلا تَكُ وانيا

وبلّغهمُ ما أنزلَ اللهُ ربُّهم

إليكَ ولا تخش هناك الأعاديا

فقام به إذ ذاك رافعَ كفِّهِ

بكفِّ عليٍّ مُعلنَ الصوتِ عاليا

فقال فمن مولاكمُ ووليّكمْ

فقالوا ولم يُبدوا هناك تعاميا

إلهُكَ مولانا وأنت وليُّنا

ولَنْ تَجِدَنْ فينا لك اليومَ عاصيا

فقال له قم يا عليُّ فإنَّني

رَضيتُكَ من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنتُ مولاهُ فهذا وليُّه

فكونوا له أنصارَ صدقٍ مواليا

هناك دعا اللهمَّ والِ وليّهُ

وكن للّذي عادى عليّا مُعاديا

فيا ربِّ أُنصر ناصريه لنَصْرِهمْ

إمامَ هدىً كالبدرِ يجلو الدياجيا

٢٣ ـ الشيخ إبراهيم القطيفيّ ، في الفرقة الناجية بلفظ الكاشاني.

٢٤ ـ السيِّد هاشم البحرانيّ : المتوفّى (١١٠٧). في غاية المرام (٢) (ص ٨٧).

٢٥ ـ العلاّمة المجلسيّ : المتوفّى (١١١١) : في بحار الأنوار (٣) (٩ / ٢٣٤ ، ٢٥٩).

٢٦ ـ شيخنا البحرانيّ ، صاحب الحدائق : المتوفّى (١١٨٦). في كشكوله (٢ / ٣١٨).

وهناك جمع آخرون رووا هذا الحديث ، وفي المذكورين كفاية.

__________________

(١) علم اليقين : ٢ / ٦٥١.

(٢) غاية المرام : ص ٨٧ ح ٧٢.

(٣) بحار الأنوار : ٢١ / ٣٨٨ ، ٣٧ / ١١٢.

٧٣

لفت نظر :

والذي يظهر للباحث أنَّ حسّاناً أكمل هذه الأبيات قصيدةً ضمّنها نُبذاً من مناقب أمير المؤمنين عليه‌السلام ، فكلٌّ أخذ منها شطراً يناسب موضوعه. وذكر الحافظ ابن أبي شيبة ، قال : حدّثنا ابن فضل ، قال : حدّثنا سالم بن أبي حفصة ، عن جُميع بن عمير ، عن عبد الله بن عمر.

وصدر الحفّاظ الكنجي الشافعي في كفايته (١) ـ طبع النجف ـ (ص ٣٨) ، وطبع مصر ـ (ص ١٦) ، وطبع ايران ـ (ص ٢١) ، وابن الصبّاغ المالكي في فصوله المهمّة (٢) (ص ٢٢) وغيرهم ، منها قوله :

وكان عليٌّ أرمدَ العينِ يبتغي

دواءً فلمّا لم يحسَّ مداويا

شفاهُ رسولُ اللهِ منه بتفلةٍ

فبوركَ مَرْقيّا وبورك راقيا

فقال سأُعطي الراية اليومَ ضارباً

كَمِيّا مُحبّا للرسولِ مواليا

يحبُّ إلهي والإله يُحبُّهُ

به يفتحُ اللهُ الحصونَ الأوابيا

فَخَصَّ بها دون البريّةِ كلِّها

عليّا وسمّاهُ الوزيرَ المواخيا (٣)

هذه الأبيات إشارة الى حديث صحيح متواتر ، أخرجه أئمّة الحديث بأسانيد رجالها كلّهم ثقات ، أنهوها إلى :

بُريدة بن الحصيب ، عبد الله بن عمر ، عبد الله بن العبّاس ، عمران بن حصين ،

__________________

(١) كفاية الطالب : ص ١٠٤ باب ١٤.

(٢) الفصول المهمّة : ص ٣٧.

(٣) ورواه شيخنا الطبري في المسترشد [ص ٤٥٥] ، رواية عن الحافظ ابن أبي شيبة المذكور [المصنّف : ١٢ / ٦٩ ح ١٢١٤٥] ، وأبو عليّ الفتّال في روضة الواعظين [١ / ١٣٠] ، وغيرهما. (المؤلف) وأوردها الشريف المرتضى في شرح القصيدة المذهّبة ص ١٣١ وكرّرها في ص ١٣٢. (الطباطبائي)

٧٤

أبي سعيد الخدري ، أبي ليلى الأنصاري ، سهل الساعدي ، أبي هريرة الدوسي ، سعد ابن أبي وقّاص ، البراء بن عازب ، سلمة بن الأكوع.

فأخرجه البخاري في صحيحه (٤ / ٣٢٣) عن سهل ، و (٥ / ٢٦٩) عنه ، و (ص ٢٧٠) عن سلمة ، و (٦ / ١٩١) عن سلمة وسهل ، وأخرجه مسلم في صحيحه (٢ / ٣٢٤) ، والترمذي في صحيحه (٢ / ٣٠٠) وصحّحه ، وأحمد بن حنبل في مسنده (١ / ٩٩) ، و (٥ / ٣٥٣ ، ٣٥٨) وغيرها ، وابن سعد في طبقاته (٣ / ١٥٨) ، وابن هشام في سيرته (٣ / ٣٨٦) ، والطبري في تاريخه (٣ / ٩٣) ، والنسائي في خصائصه (ص ٤ ـ ٨ ، ١٦ ، ٣٣) ، والحاكم في المستدرك (٣ / ١٠٩ ، ١١٦) وقال : هذا حديث دخل في حدّ التواتر ، والخطيب في تاريخه (٨ / ٥) ، وأبو نعيم الأصبهاني في الحلية (١ / ٦٢) ، بعدّة طرق وصحّح بعضها ، و (٤ / ٣٥٦) ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب (٢ / ٣٦٣) في ترجمة عامر ، والحمّوئي (١) في فرائده ، وقال : قال الإمام محيي السنّة : هذا حديثٌ صحيح متّفقٌ على صحّته ، ومحبُّ الدين الطبري في الرياض (٢ / ١٨٧) ، واليافعي في مرآة الجنان (١ / ١٠٩) وصحّحه ، والقاضي الإيجي في المواقف (٣ / ١٠ ، ١٢) (٢) ، وهناك آخرون

__________________

(١) بفتح المهملة ثمّ الميم المضمومة المشدّدة نسبة الى جدّه حمّويه ، ونحن تبعاً للمؤلفين ذكرناه في المجلد الأول (الحمويني) ، وقد أوقفنا السير على كلام ابن الأثير من أنَّ رجال هذه الأسرة يكتبون لأنفسهم (الحموي) وضبطه على ما ذكر ، فعدلنا عما كنا عليه. (المؤلف)

(٢) صحيح البخاري : ٣ / ١٠٧٧ ح ٢٧٨٣ ، ١٠٩٦ ح ٢٨٤٧ ، ١٠٨٦ ح ٢٨١٢ ، ٤ / ١٥٤٢ ح ٣٩٧٢ ـ ٣٩٧٣ ، صحيح مسلم : ٥ / ٢٤ ـ ٢٥ ح ٣٣ ـ ٣٥ كتاب فضائل الصحابة ، سنن الترمذي : ٥ / ٥٩٦ ح ٣٧٢٤ ، مسند أحمد : ١ / ١٦٠ ح ٧٨٠ ، ٦ / ٤٨٥ ح ٢٢٤٨٤ ، ٤٩٢ ح ٢٢٥٢٢ ، الطبقات الكبرى : ٢ / ١١١ ، السيرة النبوية : ٣ / ٣٤٩ ، تاريخ الأمم والملوك : ٣ / ١٢ حوادث سنة ٧ ه‍ ، خصائص أمير المؤمنين : ص ٣٧ ـ ٤٩ ح ١١ ـ ٢٤ ، ص ٧٣ ح ٥٤ ، ص ١٤٠ ح ١٢٦ ، وفي السنن الكبرى : ٥ / ١٠٨ ـ ١١٢ ح ٨٣٩٩ ـ ٨٤٠٩ ، ص ١٢٢ ح ٨٤٣٩ ، ص ١٤٤ ح ٨٥١١ ، المستدرك على الصحيحين : ٣ / ١١٧ ح ٤٥٧٥ ، ص ١٢٦ ح ٤٦٠١ ، الاستيعاب : القسم الثاني / ٧٨٧ رقم ١٣١٧ ، فرائد السمطين : ١ / ٢٥٣ ح ١٩٦ باب ٤٨ ، الرياض النضرة : ٣ / ١٣٠ ، المواقف في علم الكلام : ص ٤١٠.

٧٥

رووا هذه الأثارة وصحّحوها ، لو نذكرهم بأجمعهم لجاء منه كتاب مفرد ، ونحن نقتصر من المتون على لفظ البخاري ، ألا وهو :

إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر : «لأُعطينَّ هذه الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه ، يحبّ الله ورسوله ، ويحبّه الله ورسوله».

قال : فبات الناس يدوكون (١) ليلتهم أيّهم يُعطاها ، فلمّا أصبح الناس غَدَوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلّهم يرجو أن يعطاها ، فقال : «أين عليّ بن أبي طالب؟» فقيل : هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال : «فأرسلوا إليه» ، فأُتي به ، فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له ، فبرأ حتى لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية. فقال عليٌّ : «يا رسول الله أُقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟».

فقال : «انفذ على رسْلك حتى تنزل بساحتهم ، ثمّ ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم. فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ لك من أن يكون لك حمر النِّعم ـ وفي لفظه الآخر : ففتح الله عليه».

ديوان حسّان

إنَّ لحسّان في مولانا أمير المؤمنين عليه‌السلام مدائح جمّة غير ما سبقت الإشارة إليه ، وسنوقفك على ما التقطناه من ذلك ، فمن هذه الناحية نعرف أنَّ يد الأمانة لم تقبض عليها يوم مدّت إلى ديوانه ، فحرّفت الكلم عن مواضعها ، ولعبت بديوان حسّان كما لعبت بغيره من الدواوين والكتب والمعاجم ، التي أسقطت منها مدائح أهل البيت عليهم‌السلام وفضائلهم ، والذكريات الحميدة لأتباعهم ، كديوان الفرزدق الذي أسقطوا منه ميميّته المشهورة في مولانا الإمام زين العابدين عليه‌السلام مع إشارة الناشر إليها في مقدّمة شرح

__________________

(١) أي يخوضون. يقال : الناس في دوكة. أي : في اختلاط وخوض. وأصله من الدوك. وهو : السحق. وفي كثير من الكتب : يذكرون. وهو : تصحيف. (المؤلف)

٧٦

ديوانه ، وقد طفحت بذكرها الكتب والمعاجم ، وكديوان الكميت ، فإنّه حُرّفت منه أبيات كما زيدت عليه أخرى ، وكديوان أمير الشعراء أبي فراس ، وكديوان كشاجم الذي زحزحوا عنه كميّة مهمّة من مراثي سيّدنا الإمام السبط الشهيد ـ سلام الله عليه ـ وكتاب المعارف لابن قتيبة الذي زيد فيه ما شاءه الهوى للمحرّف ونقص منه ما [لا] يلائم خُطّته ، بشهادة الكتب الناقلة عنه من بعده ، كما مرّ بعض ما ذكر في محلّه من هذا الكتاب ويأتي بعضه ، إلى غير هذه من الكتب التي عاثوا فيها لدى النشر ، أو حرّفوها عند النقل ، ونحن نحيل تفصيل ذلك إلى مظانّه من المواقع المناسبة لئلاّ نخرج عن وضع الكتاب ، فلنعد الآن إلى ما شذّ من شعر حسّان عن ديوانه ، وأثبتته له المصادر الوثيقة كنفس يائيّته السابقة ، فمن ذلك :

في تاريخ اليعقوبي (١) (٢ / ١٠٧) ، وشرح ابن أبي الحديد (٢) (٣ / ١٤) وغيرهما : صعد أبو بكر المنبر عند ولايته الأمر ، فجلس دون مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرقاة ، ثمّ حمد الله وأثنى عليه ، وقال : إنّي وُلّيتُ عليكم ولستُ بخيركم ، فإن استقمت فاتّبعوني ، وإن زغت فقوّموني ، لا أقول إنّي أفضلكم فضلاً ، ولكنّي أفضلكم حملاً ، وأثنى على الأنصار خيراً ، وقال : أنا وإيّاكم معشر الأنصار كما قال القائل :

جزى الله عنّا جعفراً حين أزْلَقَتْ

بنا نعلُنا في الواطئين فَوَلّتِ

أَبوا أن يملّونا ولو أنَّ أمّنا

تلاقي الذي يلقون منّا لملّتِ

فاعتزلت الأنصار عن أبي بكر ، فغضبت قريش وأحفظها ذلك ، فتكلّم خطباؤها ، وقدم عمرو بن العاص ، فقالت له قريش : قم فتكلّم بكلام تنال فيه من الأنصار ، ففعل ذلك.

فقام الفضل بن العبّاس فردّ عليهم ، ثمّ صار إلى عليّ فأخبره وأنشده شعراً

__________________

(١) تاريخ اليعقوبي : ٢ / ١٢٧.

(٢) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٢٠ ، ٣٥ خطبة ٦٦.

٧٧

قاله. فخرج عليٌّ مغضباً حتى دخل المسجد فذكر الأنصار بخير ، وردّ على عمرو بن العاص قوله. فلمّا علمت الأنصار ذلك سرّها ، وقالت : ما نبالي بقول من قال مع حُسْن قول عليّ ، واجتمعت إلى حسّان بن ثابت ، فقالوا : أجب الفضل ، فقال : إن عارضته بغير قوافيه فضحني ، فقالوا (١) : فاذكر عليّا فقط ، فقال :

جزى الله خيراً والجزاء بكفّهِ

أبا حسنٍ عنّا ومن كأبي حسنْ

سبقتَ قريشاً بالذي أنت أهلهُ

فصدرُكَ مشروحٌ وقلبُك مُمْتحنْ (٢)

تمنّت رجالٌ من قريشٍ أعزّةٌ

مكانَكَ هيهات الهُزالُ من السَمَنْ

وأنتَ من الإسلامِ في كلِّ منزلٍ

بمنزلة الطرفِ البطينِ من الرَسَنْ

غَضِبْتَ لنا إذ قال عمروٌ بخصلةٍ

أمات بها التقوى وأحيا بها الإحَنْ

وكنت المرجّى من لؤيّ بنِ غالبٍ

لِما كان منهُ والذي بعدُ لم يكنْ

حفظتَ رسول الله فينا وعهدَهُ

إليك ومن أولى به منك من ومنْ

ألستَ أخاه في الهدى ووصيّهُ

وأعلمَ فِهرٍ بالكتابِ وبالسُنَنْ

فحقُّكَ ما دامتْ بنجدٍ وشيجةٌ

عظيمٌ علينا ثمّ بعدُ على اليَمنْ

قوله : فصدرك مشروحٌ إشارة إلى ما ورد في قوله تعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) (٣) ، فإنّها نزلت في عليٍّ وحمزة. رواه الحافظ محبّ الدين الطبري في رياضه (٤) (٢ / ٢٠٧) عن الحافظين الواحدي وأبي الفرج ، وفي ذخائر العقبى (ص ٨٨).

__________________

(١) في شرح ابن أبي الحديد : فقال له خزيمة بن ثابت : اذكر عليّا وآله يَكْفِك عن كلِّ شيء. (المؤلف)

(٢) هذان البيتان ذكرهما لحسّان شيخ الطائفة المفيد كما في الفصول : ٢ / ٦١ ، ٦٧ [ص ٢٠٩ ، ٢١٦]. (المؤلف)

(٣) الزمر : ٢٢.

(٤) الرياض النضرة : ٣ / ١٥٧.

٧٨

قوله : وقلبك ممتحن. أشار به إلى النبويّ الوارد في أمير المؤمنين : «إنّه امتحن الله قلبه بالإيمان» (١). أخرجه جمعٌ من الحفّاظ والعلماء منهم : النسائي في خصائصه (ص ١١) ، والترمذي في الصحيح (٢ / ٢٩٨) ، والخطيب البغدادي في تاريخه (١ / ١٣٣) ، والبيهقي في المحاسن والمساوئ (١ / ٢٩) ومحبّ الدين الطبري في الرياض (٢ / ١٩١) وذخائر العقبى (ص ٧٦) وقال : أخرجه الترمذي وصحّحه ، والكنجي في الكفاية (ص ٣٤) وقال هذا حديثٌ عالٍ حسنٌ صحيح ، والحمّوئي في فرائده في الباب (٣٣) ، والسيوطي في جمع الجوامع بعدّة طرق كما في كنز العمّال (٦ / ٣٩٣ ، ٣٩٦) ، والبدخشي في نُزُل الأبرار (ص ١١) (٢) وغيرهم.

قوله : ألست أخاه في الهدى ووصيّه. أوعز به إلى حديثَي الإخاء والوصيّة ، وهما من الشهرة والتواتر بمكان عظيم ، يجدهما الباحث في جلّ مسانيد الحفّاظ والأعلام.

قوله : وأعلم فهرٍ بالكتاب وبالسنن. أراد به ما ورد في علم عليّ أمير المؤمنين بالكتاب والسنّة. وأخرج الحفّاظ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث فاطمة عليها‌السلام : «زوّجتكِ خير أهلي ، أعلمهم علماً ، وأفضلهم حلماً ، وأوّلهم إسلاماً».

وفي حديث آخر : «أعلم أمّتي من بعدي عليُّ بن أبي طالب».

وفي ثالث : «أعلم الناس بالله وبالناس».

وفي حديث : «يا عليّ لك سبع خصال» ، وعدّ منها : «وأعلمهم بالقضيّة» (٣).

__________________

(١) كذا في لفظ الخطيب ، وفي بعض المصادر : على الإيمان. وفي بعضها : للإيمان. (المؤلف)

(٢) خصائص أمير المؤمنين عليه‌السلام : ص ٥٥ ح ٣١ ، وفي السنن الكبرى : ٥ / ١١٥ ح ٨٤١٦ ، سنن الترمذي : ٥ / ٥٩٢ ح ٣٧١٥ ، المحاسن والمساوئ : ص ٤١ ، الرياض النضرة : ٣ / ١٣٨ ، كفاية الطالب : ص ٩٧ باب ١٣ ، فرائد السمطين : ١ / ١٦٢ ح ١٢٤ ، كنز العمّال : ١٣ / ١١٥ ح ٣٦٣٧٣ ، وص ١٢٧ ح ٣٦٤٠٢ ، نُزُل الأبرار : ص ٤١.

(٣) حلية الأولياء : ١ / ٦٦ [رقم ٤] ، كنز العمّال : ٦ / ١٥٣ ، ١٥٦ ، ٣٩٨ [١١ / ٦٠٥ ح ٣٢٩٢٦ ، وص ٦١٧ ح ٣٢٩٩٥ ، ١٣ / ١٣٥ ح ٣٦٤٢٣]. (المؤلف)

٧٩

وأخرج محبّ الدين الطبري في رياضه (١) (٢ / ١٩٣) والذخائر (ص ٧٨) ، وابن عبد البرّ في الاستيعاب (٢) ـ هامش الإصابة ـ (٣ / ٤٠) عن عائشة : «أنّه أعلم الناس بالسنّة».

وفي كفاية الكنجي (٣) (ص ١٩٠) عن أبي أمامة ، عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أعلم أمّتي بالسنّة والقضاء بعدي عليّ بن أبي طالب».

وأخرج الخوارزمي في المناقب (٤) (ص ٤٩) ، وشيخ الإسلام الحمّوئي في فرائده (٥) في الباب الثامن عشر بإسناده عن سلمان ، عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أعلم أمّتي من بعدي عليّ بن أبي طالب».

وأخرج الحفّاظ عن أمير المؤمنين عليه‌السلام أنّه قال : «والله ما نزلت آيةٌ إلاّ وقد علمتُ فيم نزلتْ وعلى من نزلتْ ، إنَّ ربّي وهبَ لي قلباً عقولاً ولساناً ناطقاً» (٦). وعن النبيّ صلى الله عليه وسلم : «قُسمت الحكمة عشرة أجزاء ، فأُعطي عليٌّ تسعة أجزاء ، والناس جزءاً واحداً» (٧).

وقال السيِّد أحمد زيني دحلان في الفتوحات الإسلاميّة (٢ / ٣٣٧) : كان عليٌّ رضي‌الله‌عنه أعطاه الله علماً كثيراً وكشفاً غزيراً.

قال أبو الطفيل : شهدت عليّا يخطب وهو يقول : «سلوني (٨) من كتاب الله ،

__________________

(١) الرياض النضرة : ٣ / ١٤١.

(٢) الاستيعاب : القسم الثالث / ١١٠٤ رقم ١٨٥٥.

(٣) كفاية الطالب : ص ٣٣٢ باب ٩٤.

(٤) المناقب : ص ٨٢ ح ٦٧.

(٥) فرائد السمطين : ١ / ٩٧ ح ٦٦.

(٦) حلية الأولياء : ١ / ٦٧ [رقم ٤] ، كفاية الكنجي : ص ٩٠ [ص ٢٠٧ باب ٥٢] ، كنز العمّال : ٦ / ٣٩٦ [١٣ / ١٢٨ ح ٣٦٤٠٤] ، إسعاف الراغبين : ص ١٦٢. (المؤلف)

(٧) حلية الأولياء : ١ / ٦٥ [رقم ٤]. (المؤلف)

(٨) في الإصابة : ٢ / ٥٠٩ [رقم ٥٦٨٨] : سلوني سلوني سلوني عن كتاب الله. (المؤلف)

٨٠