الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]
المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-66-5
ISBN الدورة:
الصفحات: ٦١٣
الفصل السابع : في اختلاف الزوجين
وفيه عشرة مباحث :
٥٢٤٢. الأوّل : إذا اختلفا في أصل المهر ، بأن ادّعت استحقاق مهر في ذمّته ، وأنكر هو ، فإن كان قبل الدخول ، فالقول قوله مع يمينه إذا لم تكن هناك بيّنة ، عملا بالبراءة الأصلية مع إمكان تجرّد العقد عن المهر.
ولو كان بعد الدخول فالمشهور أنّ القول قوله أيضا ، عملا بالبراءة ، وعندي فيه إشكال ، والأقرب فيه أن يستفسر هل سمّى أم لا؟ فإن ذكر تسميته ، كان القول قوله مع اليمين ، وإن ذكر عدمها ألزم مهر المثل ، وإن لم يجب بشيء حبس حتّى يبيّن.
ولا إشكال لو قدّره بأقلّ ما يصلح أن يكون مهرا.
ولو قال : هذا ابني منها ، ففي وجوب مهر المثل نظر.
٥٢٤٣. الثاني : لو اختلفا في قدره أو وصفه أو جنسه ولا بيّنة ، فالقول قوله مع اليمين ، سواء كان قبل الدخول أو بعده ، وافق أحدهما مهر المثل أو لا.
ولو أقام كلّ منهما بيّنة على ما يدّعيه ، فالأقرب تقديم بيّنتها مع اليمين.
٥٢٤٤. الثالث : لو ادّعى إقباض المهر وأنكرته ، فالقول قولها مع اليمين ، سواء كان قبل الدخول ، أو بعده. وفي رواية عندنا انّ القول قوله بعد الدخول ، (١)
__________________
(١) الوسائل : ١٥ / ١٥ ، الباب ٨ من أبواب المهور ، الحديث ٧.
ولو دفع قدر المهر فقالت : دفعته هبة وقال : بل صداقا ، فالقول قوله مع اليمين.
٥٢٤٥. الرابع : إذا مات الزوجان ، واختلف ورثتهما ، كان الحكم حكمهما لو اختلفا ، وكذا لو مات أحدهما واختلف الآخر وورثة الميّت.
٥٢٤٦. الخامس : إذا خلا [بها] فادّعت المواقعة ، فإن أمكن للزّوج إقامة البيّنة على الإنكار (١) بأن تدّعي المواقعة قبلا ، وهي بكر ، فيقيم بيّنة على بقاء البكارة ، فالحكم للبيّنة ، وإلّا كان القول قوله مع اليمين ، عملا بالأصل ، وهو عدم المواقعة ، وقيل : القول قولها ، عملا بشاهد الحال في خلوة الصحيح بحليلته. (٢)
٥٢٤٧. السادس : لو تزوّجها على تعليم سورة أو صنعة ، فقالت : علّمني غير الصداق ، فالقول قولها مع اليمين ، ولا أجرة له على تعليمها ما ادّعته.
٥٢٤٨. السابع : لو أقامت بيّنة على أنّه تزوّجها في وقتين بمهرين ، فادّعى تكرار العقد الواحد ، وادّعت المغايرة ، فالقول قولها مع اليمين ، سواء اتّفق المهران جنسا ووصفا وقدرا ، أو اختلفا ، وهل يجب المهران كملا أو مهر ونصف؟ فيه نظر ، وكذا لو أقام بيّنة أنّه باعه الثوب بعشرين يوم الخميس ، وبثلاثين يوم الجمعة ، لزم المشترى الثمنان لإمكان رجوعه إلى البائع.
٥٢٤٩. الثامن : يجوز لوليّ الصغيرة والمجنونة قبض مهرهما ، وتبرأ ذمّة الزّوج بذلك ، أمّا الكبيرة الرشيدة ، فليس للأب ولا لغيره قبض مهرها ، سواء كانت بكرا أو ثيّبا إلّا بإذنها.
__________________
(١) في «أ» : على الإبكار.
(٢) لاحظ النهاية : ٤٧١ ؛ وإصباح الشيعة : ٤٢٤ ـ ٤٢٥ ، ولاحظ الأقوال حول المسألة في المختلف : ٧ / ١٥٥ ـ ١٥٩ ، وللمصنف تحقيق حول المسألة فراجع ؛ وجواهر الكلام : ٣١ / ١٤١.
٥٢٥٠. التاسع : إذا وطأها فأفضاها ، فإن كان قبل بلوغها ، حرمت عليه أبدا ، ولو لم يفضها لم تحرم ، ويجب عليه المهر فيهما والدية في الأوّل والإنفاق حتّى يموت أحدهما.
ولو كان بعد بلوغها ، لم تحرم ، ووجب عليه المهر ، ولها منعه حتّى يبرأ برأ تأمن معه النكاية (١) فإذا اندمل محكما لزمها تمكينه ، فإن اختلفا فقال الزوج :
اندمل اندمالا محكما ، وأنكرت ، فالقول قولها مع اليمين ، قال الشيخ : ولادية ، وعندي فيه نظر ، ثمّ قال : هذا إذا كان في عقد صحيح أو عقد شبهة ، فإن كان مكرها لها ، فعليه الدية على كلّ حال ولا مهر ، (٢) والأقرب وجوبه عليه.
٥٢٥١. العاشر : لو كان في ملكه أبوها وأمّها ، فقال : أصدقتك أباك ، فقالت : بل أمّي ، حلف وعتق الأب.
الفصل الثامن : في الوليمة
وهي مشتقّة من الولم وهو القيد ، سمّي بذلك ، لأنّه يجمع ويضمّ ، وهي هاهنا كذلك ، لأنّ فيها اجتماع الزّوجين.
وهي تقع على كلّ طعام يتّخذ لحادث سرور ، واشتهر استعمالها في طعام
__________________
(١) في الحديث : المؤمن لا ينكي الطمع قلبه : أي لا يجرحه فيؤثر فيه كتأثير الجرح بالجروح. مجمع البحرين.
(٢) الخلاف : ٤ / ٣٩٥ ، المسألة ٤١ من كتاب الصداق.
العرس ؛ وسمّي الطعام عند الولادة ، الخرس ؛ وعند الختان ، العذيرة ؛ وعند القدوم ، النقيعة ؛ وعند البناء ، الوكيرة ؛ وعند حلق رأس المولود يوم السابع ، العقيقة ؛ وعند حذاق الصّبي ، الحذاق. (١)
وليس شيء من هذه الأطعمة واجبا بالإجماع إلّا عند السيّد المرتضى قدّس الله روحه في العقيقة ، فإنّه أوجبها. (٢) وليس بمعتمد ، بل هذه الأطعمة كلّها مستحبّة.
وإجابة الداعي إلى الوليمة وغيرها مستحبّة ليست واجبة على الأعيان ولا على الكفاية ، سواء كان الداعي مسلما أو ذمّيا ، ولو دعاه اثنان استحبّ إجابة السابق ، فإن اتّفقا أجاب الأقرب إلى داره.
ولو كان المدعو صائما ، فإن كان واجبا ، استحبّ الحضور لا للأكل ، وإن كان تطوّعا ، كان إفطاره عنده أفضل.
ولا يجب على الحاضر الأكل ، سواء كان صائما تطوّعا أو مفطرا بل يستحبّ.
ولو علم اشتمال الوليمة على المنكر كشرب الخمر وضرب العود والمزامير ، حرم عليه الحضور إلّا أن يعلم أنّه يزول بإنكاره ، فيحضر وينكر ، ولو لم يعلم فحضر وشاهد المنكر ، فإن أمكنه إزالته وجب ، وإن لم يمكنه ، وجب عليه الخروج ، وإن لم يتمكّن جلس ولا إثم عليه بالسماع وغيره ما لم يستمع.
__________________
(١) يقال لليوم الّذي يختم فيه الصبيّ القرآن : هذا يوم حذاقه. لسان العرب : ٣ / ٩٤.
(٢) الانتصار : ٤٠٦ ، المسألة ٢٣٣ ـ كتاب الصيد والذبائح ـ.
ولو كان في الدّار صور منقوشة غير ذات أرواح ، كالشجر وغيره ، جاز له الحضور ، ولو كان فيها صور الحيوان ، فإن كان مما يوطأ جاز الحضور أيضا ، وإن كان على الستور أو على غير موطوء أو ما يتكأ عليه ، قال الشيخ رحمهالله لم يجز الحضور (١).
ولا يكره الدخول إلى دار مستّرة الجدران بالستور لغير حاجة. (٢)
__________________
(١) المبسوط : ٤ / ٣٢٣.
(٢) في «أ» : بغير حاجة.
المقصد السادس : في القسم والنشوز والشقاق
وفيه فصول :
[الفصل] الأوّل : في القسم
وفيه واحد وعشرون بحثا :
٥٢٥٢. الأوّل : لكل من أحد الزوجين حقّ على الآخر يجب عليه القيام به لصاحبه ، فحقّ الرّجل على المرأة التمكين من الاستمتاع ، وأن لا تخرج من بيته إلّا بإذنه.
وحقّ المرأة المهر والنفقة والكسوة والسكنى والإخدام والقسمة ، فيجب على كل واحد منهما أن يكفّ عمّا يكرهه صاحبه من قول أو فعل ، وأن يوفّي الحقوق من غير استعانة بغيره ومرافعته إلى الحاكم ، وأن لا يظهر الكراهية في تأدية الحقّ ، بل يؤدّيه باستبشار وانطلاق وجه ، وأن لا يمطل صاحبه من حقوقه مع قدرته عليها ، فإن مطل حينئذ أثم.
٥٢٥٣. الثاني : قال الشيخ : القسم لا يجب ابتداء ، بل له أن يبيت عند
أصدقائه أو في المساجد إلّا أن يريد أن يبتدئ بواحدة منهنّ في المبيت ، فيجب عليه القسمة حينئذ (١) وهو حسن. وقيل : القسمة تجب ابتداء (٢) إذا عرفت هذا فالقسمة حقّ على الزّوج ، سواء كان حرّا أو عبدا ، وسواء كان خصيّا ، أو عنّينا ، أو سليما ، وسواء كان عاقلا ، أو مجنونا ، لكن المجنون يقسّم عنه الوليّ ، فمن كانت له زوجة واحدة كان لها ليلة من أربع ليال ، وله ثلاث ، يبيت فيها أين شاء.
ولو كانت له زوجتان ، كان لهما ليلتان ، وله ليلتان ، إن شاء يبيتهما عند إحداهما ، أو يقسمهما عليهما ، أو عند غيرهما.
ولو كان له ثلاث ، كانت الرابعة له يضعها أين شاء.
ولو كان له أربع ، كان لكلّ واحدة ليلة ، لا يجوز له الإخلال بها ، إلّا مع العذر ، أو السفر ، أو الإذن منهنّ ، أو من صاحبة الليلة.
٥٢٥٤. الثالث : إذا وهبت إحدى الأربع ليلتها له ، جاز ، ويضعها أين شاء ، وله الامتناع من قبول ذلك ، لأنّ القسمة حقّ مشترك بين الزوجين.
ولو وهبت لإحدى الأربع غير معيّنة ، أو للباقيات ، أو أسقطت حقّها من القسم ، صارت الليلة منصرفة إليهنّ إلّا في الأخيرة يبيت عند كلّ واحدة ليلة ، ثمّ يرجع إلى الأولى بعد يومين ، وقد كان يرجع إليها بعد ثلاثة أيّام.
وإن وهبت لواحدة معيّنة صحّ ، ولا يعتبر رضا الموهوبة لها ولا غيرها ، فإن
__________________
(١) المبسوط : ٤ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦.
(٢) قال المصنف في المختلف : ٧ / ٣١٧ : المشهور وجوب القسمة بين الأزواج ، لأنّ كلام الأصحاب يعطي ذلك. وقال الشهيد في المسالك : المشهور بين الأصحاب وجوب القسمة ابتداء للتأسّي بالنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم. المسالك : ٨ / ٣١١ ـ الطبع الحديث ـ.
كانت ليلة الموهوبة تلي ليلة الواهبة والى لها ليلتين ، وان لم تليها لم يكن له ان يوالي لها ليلتين ، ولو وهبت ثلاث منهنّ لياليهنّ للرابعة ، كان عليه أن يتوفّر عليها ، وليس له أن يبيت عند غيرها.
٥٢٥٥. الرابع : لو رجعت الواهبة فيما مضى لم يصحّ ، ولا يقضى لها ، ولو رجعت في المستقبل جاز ، حتّى لو رجعت في بعض الليل ، كان عليه أن ينتقل إليها.
ولو رجعت ولم يعلم الزوج حتّى بات عند نسائه ليالي ، لم يقض لها ما مضى قبل علمه.
٥٢٥٦. الخامس : لو دفع إليها عوضا عن ليلتها فقبلت ، قال الشيخ : لم يصحّ وكان عليه أن يعدل لها فيوفّيها ما ترك من القسم ، لأنّها معاوضة على ما ليس بعين ولا منفعة ، وإنّما هو مأوى. (١)
٥٢٥٧. السادس : إذا قسم بين نسائه ، فالأقرب جواز أن يبتدئ بمن شاء منهنّ ، حتّى يأتي عليهنّ ، ثمّ تجب التسوية على الترتيب ، وقيل : يبدأ بالقرعة ، (٢) والوجه حمله على الاستحباب ، فيقرع صاحب الزوجتين واحدة ، وصاحب الثلاث اثنتين وصاحب الأربع ثلاثا.
٥٢٥٨. السابع : الواجب في القسمة الكون عندهنّ والمضاجعة لهنّ ، ويجب عليه التسوية في ذلك ، أمّا الجماع فليس بواجب ، لكنّ الأولى التسوية بينهنّ فيه ، وكذا الأولى التسوية في فاضل النفقة عن الواجب.
__________________
(١) المبسوط : ٤ / ٣٢٥.
(٢) ذهب إليه الشيخ في المبسوط : ٤ / ٣٢٦.
٥٢٥٩. الثامن : القسم إنّما يجب بالليل دون النهار ، فليس له أن يدخل في ليلة إحداهما إلى الأخرى ، وله أن يدخل بالنهار إلى من شاء منهنّ.
ولو كان معاشه بالليل ، كالحارس ، والبزار (١) ومن أشبههما قسم نهارا وكان الليل في حقّه كالنهار في حقّ غيره.
٥٢٦٠. التاسع : لو كان له زوجات حرائر وإماء ، قسّم للحرّة ليلتين وللأمة ليلة ، ولا يسوّي بينهما في القسمة ، ولو كانت الإماء ملك يمين لم تكن لهنّ قسمة ، وكذا لو كانت الزوجات متعة ، لم تكن لهنّ قسمة أيضا ، فلو بات عند أمته أو متعته ليلة لم يقضها للزوجات ، والذمّية كالأمة.
فلو كانت له زوجات مسلمات وكتابيّات ، قسم للمسلمة ليلتين وللكتابيّة ليلة ، ولا يساوي بينهنّ.
ولو كانت له زوجتان ذمّية حرّة وأمة مسلمة ، كانتا سواء في القسمة ، ولو بات عند الحرّة ليلتين ، فأعتقت الأمة ، ورضيت بالعقد ، كان لها ليلتان ، سواء عتقت في أوّل الليل أو في أثنائه ، ولو عتقت في آخر ليلتها ، لم يبت عندها أخرى ، لأنّها استوفت حقّها ، واستأنف القسمة بينهما بالسويّة.
ولو بات عند الأمة ليلة ، ثمّ أعتقت قبل استيفاء الحرّة ، قيل : يقضي للأمة ليلة ، لأنّها ساوت الحرّة.
ولو وهبت الأمة ليلتها للزوج أو لبعض الضرائر ، جاز ، وليس للمولى فيه مدخل ، كما لو وجدت الزوج عنّينا ، أو خصيّا ، أو مجبوبا فرضيت به ، لم يكن للمولى الاعتراض.
__________________
(١) بائع التوابل ، وكان التجوال بين الأزقّة سائدا في تلك الأزمنة.
٥٢٦١. العاشر : النهار تابع لليلة الماضية ، فلصاحبتها نهار تلك الليلة ، لكن له أن يدخل فيه إلى غيرها لحاجة ، كعبادة أو دفع نفقة ، أو زيارتها ، أو استعلام حالها ، أو لغير حاجة ، وليس له الإطالة ، والأقرب جواز الجماع ، ولو استوعب النهار ، قضاه لصاحبه الليلة ، وكذا لو جار في القسمة ، فإنّه يقضي.
ولو جامع في الليل غير صاحبة الليلة ، لم يقض الجماع ، وكذا في النهار ، وليس له الدخول ليلا إلى غير صاحبة الليلة إلّا لضرورة ، فان استوعب الليلة قضى ، ولو دخل لغير حاجة لم يطل ، فإن جامع في الزمان اليسير ، لم يقض الجماع ولا الليلة.
٥٢٦٢. الحادي عشر : الأولى أن يقسم ليلة ليلة ، لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم كذا فعله ، ولأنّه أقرب لعهدهنّ به ، فإذا أراد أن يقسم ليلتين أو ثلاثا أو أزيد ، فالوجه اعتبار رضاهنّ ، لما فيه من الإضرار والتعزير ، إذ قد يحصل لبعضهنّ القسم ويلحقه ما يقطعه عن القسم للباقيات.
٥٢٦٣. الثاني عشر : يقسم للرتقاء ، والمريضة ، والحائض ، والنفساء ، والمحرمة ، و...
المولى منها ، والمظاهرة ، لا الصغيرة ، والناشزة ، والمجنونة المطبقة ، بمعنى أنه لا يقضي لهنّ ما سلف ، وكذا يجب على العنّين والمجبوب القسمة ، فلو بات أحدهما عند إحداهنّ قضى للباقيات.
٥٢٦٤. الثالث عشر : يجب على الزوج أن ينزل كلّ واحدة منزلا بانفرادها ، غير مشارك من زوجاته أو أقاربه ، وليس له أن يجبر إحدى زوجاته على السكنى مع الأخرى ، ولو أسكنهما في خان أو دار كبيرة ، وكان سكنى مثلهما جاز ، وإلّا فلا.
فإن نزل هو منفردا عنهنّ ، جاز ، ويتخيّر بين المضيّ إليهنّ ، وهو الأولى ، والاستدعاء لهنّ ، وله أن يمضي إلى البعض ، ويستدعي البعض.
فإن استدعى واحدة منهنّ فامتنعت ، سقط حقّها من القسم والنفقة ، حتّى تعود إلى طاعته ، وكذا المجنونة يسقط حقّها من القسم إن خاف على نفسه منها ، وإلّا فلا ، وعلى وليها أن يسلّمها للقسمة مع الأمن.
ولو سافرت بغير إذنه ، فهي ناشز ، لا نفقة لها ولا قسم.
ولو سافرت معه بإذنه ، أو لحاجة لها ، أو في حاجته بإذنه ، وإن كانت منفردة ، كان لها النفقة والقسم.
ولو سافرت بإذنه لحاجة لها ، فالأقرب أنّ لها النفقة والقسم.
٥٢٦٥. الرابع عشر : إذا كان للمجنون أربع زوجات ، وابتدأ حال عقله ، كان على الوليّ أن يطوف به على الباقيات ليوفّيهنّ حقوقهنّ ، وإن كان جنونه قبل القسمة ، ورأى الوليّ ميله إليهنّ ، طاف به عليهنّ ، أو استدعاهنّ إليه ، أو حمله إلى بعضهنّ ، واستدعى البعض ، وإن لم ير ميلا إليهنّ ، لم يطف به عليهنّ ، فإن حمله إلى بعضهنّ ، فقد جار ، وعليه القضاء للآخر ، فإن أفاق المجنون ، قضى ما جار فيه الوليّ.
٥٢٦٦. الخامس عشر : إذا خرج من عند صاحبة الليلة في أثناء الليل لضرورة ، أو أكره على ذلك ، قضى لها من الآتية مثل ذلك الزمان قدرا ، ويتخيّر بين أن يقضي في النصف الأوّل أو الأخير ، لكن المستحبّ قضاء مثل ما فات زمانا ، فإذا قضى من أوّل اللّيل ، لم يبت باقي الليل عندها ولا عند غيرها ، بل ينفرد عنهنّ ،
وكذا ، إن قضاه من آخره ، لم يبت أوّله عند إحداهنّ إلّا مع الضرورة ، فيستمرّ عندها.
٥٢٦٧. السادس عشر : إذا ظهر إضراره بالمرأة ، أسكنها الحاكم إلى جنب ثقة ليطّلع على أحوالها ، فيمنعه الحاكم من ظلمها ، وكذا الزّوج.
٥٢٦٨. السابع عشر : للزّوج منع زوجته من الخروج عن منزله إلّا بإذنه ، وعن عيادة أهلها وأقاربها في مرض وغيره ، وعن حضور تجهيزهم وإخراجهم وتعزيتهم ، لكن يكره له منعها عن مثل هذه الحقوق.
٥٢٦٩. الثامن عشر : لو قسم للأربع ليلة (ليلة) (١) فنشزت الرابعة بعد استيفاء الثلاث ، سقط حقّها ، فإذا عادت لم يقض بها ، ولو طلّقها بعد حضور ليلتها من غير نشوز ، أثم ، لأنّه أسقط حقّها بعد وجوبه ، فإذا راجعها ، أو تزوّجها بعقد مستأنف ، قضى لها تلك اللّيلة ؛ قاله الشيخ ، (٢) وفيه نظر.
ولو قسم (٣) لكلّ واحد من الأربع عشرا ، فوفّى ثلاثا ، ثمّ بات منفردا في العشر الأخرى ، قضى للرابعة عشرا ، ولو بات العشر عند الثلاث ، قضى لها ثلاثة عشر ليلة وثلث ليلة.
ولو قسم لكلّ واحدة منهنّ خمسة عشر ، فنشزت واحدة ، وظلم أخرى ، وأقام عند الأخريين ثلاثين يوما ، فقدمت الناشزة ، قسم للمظلومة ثلاثا ، وللقادمة يوما ، خمسة أدوار ، فيحصل للمظلومة خمسة عشر يوما وخمسة للقادمة ، ثم يقسم بعد ذلك بين الأربعة قسما مبتدأ.
__________________
(١) ما بين القوسين يوجد في «ب».
(٢) المبسوط : ٤ / ٣٣٢.
(٣) في «أ» : «أسقط» وهو مصحّف.
٥٢٧٠. التاسع عشر : لو كانت له زوجتان في بلدين ، قسم بينهما ، وليس له إسقاط حقّ إحداهما بعدها ، فإمّا أن يحضرها أو يمضي إليها فيوفّيها قسمتها ، ولا يحتسب غيبته في الطريق من حقّ إحداهما.
ولو قسم لثلاث زوجات من أربع ، فحبس ليلة الرابعة ، فإن أمكنه إيفاء حقّها في الحبس ، بأن كان مسكن مثلها أو دونه ورضيت ، استدعاها ووفّاها قسمتها ، وإن لم يمكنه ، قضاها بعد خروجه.
ولو حبس قبل القسمة ، فاستدعى إحداهنّ ، لزمه استدعاء الباقيات ، فإن امتنعت واحدة سقط حقّها.
٥٢٧١. العشرون : لو تزوّج بكرا خصّها بسبع ليال ويخصّ الثيب بثلاث ، ولا يقضي ذلك ، ويقدّمهما على غيرهما ، فيحصل لهما التخصيص والتقديم ، فلو قسم لثلاث كلّ واحدة خمسة عشر ، فوفّى اثنتين ، وظلم الثالثة ، وتزوّج بكرا ، خصّها بسبع ، ثمّ قسم ثلاثا للمظلومة ، وواحدة للجديدة خمسة أدوار.
ولو تزوّج امرأتين كره أن تزفّا إليه في ليلة واحدة ، فان فعل قدّم السابقة في الدخول ، وإن تساويا أقرع بينهما.
ولو كانت له امرأتان ، قسم لهما ليلة فبات عند إحداهما ، ثمّ زفّت الثالثة ، بدأ بها ، ثمّ قضى للعتيقة يوما ، ونصفه للجديدة ، ثمّ ابتدأ بالقسمة.
والتخصيص للبكر بالسبع ، والثيب بالثلاث ، إنّما هو بالليل ، وأمّا النهار ، فتابع يأوي إليهما فيه عند قضاء حوائجه الواجبة ، والمندوبة ، والمباحة ، وله صرف النهار أجمع في مهامّه ، أمّا الليل فلا يخرج فيه إلّا لضرورة.
ولو زفّت إليه زوجة أمة ، فالأقرب تخصيصها (١) بنصف ما تخصّص به الحرّة ، مع احتمال المساواة.
٥٢٧٢. الحادي والعشرون : لو أراد السفر دون زوجاته ، جاز ، وليس لهنّ منعه ، لأنّ الحاضر يجوز له التفرّد عن الجميع ، وإنّما عليه التسوية إذا قسم.
ولو أراد إخراجهنّ معه ، لزمهنّ إجابته ، وكنّ معه كما في الحضر.
ولو أراد السفر ببعضهنّ ، جاز ، وله الخيار في التخصيص ، لكن الأولى القرعة ، ولا يلزمه المسافرة بمن يخرجها القرعة ، لكن لو أراد استصحاب غيرها قال الشيخ : ليس له ذلك (٢) وإذا سافر بها لم يقض للباقيات.
ولو زفّت إليه امرأتان في ليلة ، وأراد أن يسافر بإحداهما ، قال الشيخ : لا بدّ من القرعة (٣) فمن خرج اسمها سافر بها ويدخل حقّ العقد ، وهو التخصيص بسبع للبكر ، وبثلاث للثيب ، لكونها معه ، فإذا رجع احتمل عدم قضاء حقّ العقد للأخرى ، وثبوته ، وقوّاه الشيخ ، (٤) لوجوب حقّها قبل السفر ، فصار كما لو قسم لبعض نسائه وسافر ، فإنّه يقضي للباقيات.
ولو استصحب إحدى زوجاته بغير قرعة ، قال الشيخ : يقضي لمن بقي بقدر غيبته مع الّتي خرج بها ، ولو كان بقرعة لم يقض ، طالت المدّة أو قصرت. (٥)
ولو أراد النقلة من بلد إلى آخر ، فحمل بعض نسائه ، لم يقض للباقيات مدّة سفره إلى بلد النقلة ، ولو أقام فيه مع الخارجة مع مدّة ، قضاها لهنّ.
__________________
(١) في «أ» : تخصّصها.
(٢) و (٣) المبسوط : ٤ / ٣٣٤.
(٤) المبسوط : ٤ / ٣٣٥.
(٥) المبسوط : ٤ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦.
ولو أراد سفر غيبة ورجوع لا سفر نقلة ، فسافر بإحداهن بقرعة ، لم يقض مدّة قطع المسافة ، وأيّ بلد أقام فيه إقامة مسافر لم يقض عنه.
وإن أقام أكثر من عشرة أيّام قضى للباقيات ، ولو سافر بإحداهنّ بقرعة إلى بلد ، ثمّ عزم على السفر بعد وصوله إلى آخر ، سافر بها ، ولم يقض للباقيات.
ولو تزوّج في طريقه ، وأراد حملها ، خصّصها بحقّ العقد إمّا بسبع أو بثلاث ، ثمّ قسم بينها وبين القديمة معه.
ولو أراد حمل إحداهما أقرع ، فإن خرجت الجديدة ، سافر بها ، وسقط حقّ العقد باستصحابها ، قاله الشيخ ، (١) وفيه إشكال من حيث إنّ السفر لا يدخل في القسم ، وإن خرجت على القديمة ، سافر بها ، وقضى للجديدة حقّ العقد.
الفصل الثاني : في النشوز
وهو الخروج عن الطاعة ، وهو مأخوذ من الارتفاع ، وقد يحصل من الزّوج ومن الزوجة ، فإن ظهرت أمارته منها ، كأن تقطب في وجهه ، وتتثاقل ، وتدافع إذا دعاها ، وعظها ، وخوّفها ، ولا يهجرها ، ولا يضربها ، فإن عادت ، وإلّا هجرها في المضجع ، بأن يحوّل ظهره إليها في الفراش ، أو يعزل فراشه عنها ، ولا يضربها.
__________________
(١) المبسوط : ٤ / ٣٣٦.
فإن صرّحت (١) بالنشوز والامتناع عن طاعته فيما يجب له ، بأن يدعوها إلى الفراش فتمتنع ، وأصرّت عليه ، جاز له ضربها إجماعا.
ولو صرّحت بالامتناع ، ولم يحصل بعد إضرار ، كان له هجرها ، ويحتمل جواز ضربها ، لعموم الآية (٢) وعدمه ، لجواز الرجوع بالهجر ، ويصير تقدير الآية : (فَعِظُوهُنَّ) إن وجدتم أمارات النشوز ، «واهجروهنّ» إن امتنعن «واضربوهنّ» إن أصررن.
والوعظ مثل أن يقول : اتّقي الله فإنّ حقّي عليك واجب ، وما أشبه ذلك ، والهجر أن يهجرها في المضاجع ، لا عن الكلام ، فإن فعل فلا يزيد على ثلاثة أيّام ، والضرب ما يرجى به عودها إلى طاعته ، ولا يكون مبرحا (٣) ولا مدميا ، ويتّقي الوجه والمواضع المخوفة ، ولا يوالي الضرب على موضع واحد ، ولو حصل بالضرب تلف ضمن.
ولو حصل النشوز من الرّجل بمنع حقوقها ، طالبه الحاكم وألزمه بها.
ويجوز للمرأة ترك بعض حقوقها من قسمة ونفقة استمالة له ، ويحلّ للزّوج قبوله.
ولو منعها بعض حقوقها (٤) أو أغارها (٥) فبذلت له مالا ليخلعها به صحّ ، وليس إكراها ، قاله الشيخ. (٦)
__________________
(١) إشارة إلى النشوز بالقول ، مكان النشوز بالفعل.
(٢) وهي قوله تعالى : (وَاللّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ). النساء : ٣٤.
(٣) البرح : الشدّة ، وضرب مبرح ـ بكسر الراء ـ : أي شاقّ. مجمع البحرين.
(٤) كالقسمة والنفقة ونحوهما.
(٥) أي تزوّج عليها.
(٦) المبسوط : ٤ / ٣٤١.
الفصل الثالث : في الشقاق
(١) وهو فعال من الشقّ ، كأنّ كلّ واحد منهما في شقّ أي جانب وناحية من الآخر.
فإن بان أنّه من المرأة فهو النشوز ، وقد سبق.
وإن بان أنّه من الرجل ، فهو نشوز أيضا ، فيسكنها الحاكم إلى جنب ثقة يمنعه من الإضرار بها.
وإن بان أنّه منهما ، سلّمهما إلى أمين ليمنع كلّ واحد منهما من التعدّي.
وإن اشتبه وادّعى كلّ منهما ظلم صاحبه له ، ولم يقع بينهما صلح على مقام ، ولا على تفرقة وطلاق ، بعث الحاكم حكمين من أهلهما لينظرا في أمرهما ، ويفعلا المصلحة.
ويجوز أن يكون الحكمان من غير أهلهما ، أو أحدهما من أهل أحدهما ، والآخر أجنبيّ ، لكن الأولى أن يكونا من أهلهما ، وليس واجبا ، خلافا لابن إدريس (٢).
__________________
(١) قال الشهيد في المسالك : لمّا كان ارتفاع أحدهما على الآخر دون صاحبه مختصّا باسم النشوز ناسب أن يخصّ التعدّي من كلّ منهما باسم الشقاق ، لأنّهما تشاركا في التعدّي والتباعد ، فكأنّ كلّا منهما صار في شقّ أي جانب غير جانب الآخر ، وحاصله الاختلاف وعدم الاجتماع على رأي واحد. المسالك : ٨ / ٣٦٤ ـ الطبع الحديث ـ.
(٢) السرائر : ٢ / ٧٣٠.
وبعثهما على سبيل التحكيم لا التوكيل ، فإن اتّفقا على الإصلاح فعلا ، وإن لم يستأذنا ، وإن اتّفقا على التفريق لم يصحّ إلّا برضا الزوج في الطلاق ، ورضا المرأة في البذل إن كان خلعا.
ولا بدّ في الحكمين من أن يكونا حرّين ذكرين عدلين ، ويمضي حكمهما في الصلح مع حضور الزوجين وغيبتهما وغيبة أحدهما.
وإذا شرطا أمرا ، وجب أن يكون سائغا ، فلو شرطا ترك بعض النفقة أو القسمة ، أو أن لا يسافر بها ، لم يلزم الوفاء به.
قال المحقّق : تمّ الجزء الثالث من الكتاب ـ حسب تجزئتنا ـ ويتلوه الجزء الرابع أوله المقصد السابع في الولادة والعقيقة.
والحمد لله أوّلا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلّى الله على
سيّدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.