تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-66-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦١٣

المقصد الثالث : في السكنى والحبس والصدقات

وفيه أربعة عشر بحثا :

٤٧١٠. الأوّل : السكنى عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول وقبض وكذا الحبس ، وفائدتهما التسلّط على استيفاء المنفعة مع بقاء الملك على صاحبه ، فإن كانت السكنى مطلقة ، أو يقول : أسكنتك عمرك ، أو عمري ، أو مدّة من الزمان ، قيل : سكنى. وإن قيّدت بالعمر ، بأن يقول : أعمرتك مدّة عمرك ، أو عمرى ، قيل : عمرى ، وإن قرنت بالمدّة ، قيل : رقبى ، مثل أن يقول : أرقبتك هذه الدار مدّة كذا ، إمّا من الارتقاب ، (١) أو من رقبة الملك (٢).

__________________

(١) أي الانتظار.

(٢) قال الشيخ في المبسوط : ٣ / ٣١٦ : الرقبى صورتها صورة العمري إلّا انّ اللفظ يختلف ، فانه يقول : أعمرتك هذه الدار مدّة حياتك أو مدّة حياتي ، والرقبى يحتاج أن يقول : أرقبتك هذه الدار مدّة حياتك أو مدّة حياتي ، وفي أصحابنا من قال : الرقبى أن يقول : جعلت خدمة هذا العبد لك مدّة حياتك أو مدّة حياتي ، وهو مأخوذ من رقبة العبد ، والأوّل مأخوذ من رقبة الملك.

قال ابن حمزة في الوسيلة ص ٣٨٠ ما هذا نصّه : العمرى : أن يجعل الإنسان منفعة دار أو ضيعة لغيره مدّة حياة أحدهما ، والرقبى : أن يجعل رقبته لغيره مدّة معلومة ، والسكنى : أن يجعل مسكنا لغيره مدة عمر أحدهما.

وقال ابن قدامة في المغني : ٦ / ٣٠٢ في وجه التسمية : سمّيت عمرى لتقييدها بالعمر ، وأمّا الرقبى فكأنّه يقول : هي لآخرنا موتا ، وبذلك سمّيت رقبى ، لأنّ كل واحد منهما يرقب موت صاحبه.

٣٢١

وصيغة الإيجاب ، أسكنتك هذه الدار أو الأرض ، أو أعمرتك ، أو أرقبتك عمرك أو عمري أو مدّة معلومة.

٤٧١١. الثاني : إذا حصل العقد والقبض في الإسكان ، قيل : يلزم مطلقا ، وقيل : إن قصد القربة ، وقيل : لا يلزم مطلقا ، والأوّل أقوى.

٤٧١٢. الثالث : إذا قال : لك عمرى هذه الدار ، وأطلق ، لم يلزمه شي‌ء معيّن ، وكان له إخراجه متى شاء وإن أقبض ، ولو قال : مدّة عمرك وعقبك ، لزمه ، ولم يملك المعمر بهذا القول ، وإن قال : مدّة عمرك ، أو عمري ، رجعت بعد موت من قرنت العمرى به إلى صاحبها ، ولو جعلها مدّة الساكن (١) ومات المالك ، لم يكن لورثته إخراج الساكن وأهله إلّا بعد موته ، ولو قرنها بموته ، فمات الساكن ، لم يجز له إخراج أولاده إلى أن يموت ، وكذا البحث في الرقبى في الإطلاق والاقتران بعمر أحدهما.

ولو قال : لك سكنى هذه الدار ما بقيت ، أو ما حييت ، صحّ ، ولم يجز إخراجه مع الإقباض ، ويرجع إلى المالك بعد موت الساكن.

٤٧١٣. الرابع : إذا أعمره مدّة معيّنة ، وأقبضه ، لزم وجاز له بيع رقبة الملك ، لكن لا يؤثّر ذلك في استحقاق السكنى للمعمر ، فإذا كان المشتري قد علم أوّلا فلا خيار له ، وإلّا كان مخيّرا بين الفسخ والقبول.

ولو أعمره مدّة عمر أحدهما ، فالأقرب عدم جواز البيع ، لجهالة مدّة الانتفاع.

__________________

(١) في «أ» : مدة غير الساكن.

٣٢٢

٤٧١٤. الخامس : كلّ ما صحّ وقفه صحّ إعماره من عقار ، وأثاث ، وحيوان ، وغير ذلك ممّا يصحّ الانتفاع به مع بقاء عينه ، والرقبى أيضا صحيحة لازمة كالعمرى.

٤٧١٥. السادس : إطلاق السكنى يقتضي أن يسكن بنفسه وأهله وأولاده ، وليس له إسكان غيرهم معهم ، ولا إجارة المسكن ، ولو أذن المالك أو شرط في الموضعين جاز ، وجوّز ابن إدريس مع الإطلاق جميع ذلك (١).

٤٧١٦. السابع : يجوز للإنسان أن يحبس فرسه في سبيل الله ، وغلامه أو جاريته في خدمة البيت الحرام ، وبعيره في معونة الحاجّ والزوار ، فإذا فعل ذلك متقرّبا إلى الله تعالى ، لزم ولم يجز له فسخه بحال ، ولو عجزت الدابّة ، أو الجارية ، أو الغلام ، سقطت الخدمة ، فإن عادوا إلى الصحّة وجب عليهم الخدمة.

٤٧١٧. الثامن : يجوز للإنسان حبس ملكه على من يجوز الوقف عليه مدّة من الزمان ، أو مدّة عمر أحدهما ، ويعود إلى المالك بعد الانقضاء ، بخلاف ما تقدّم من حبس الفرس والغلام على بيت الله تعالى ، ومعونة الحاجّ ، فإنّه لا يعود أصلا.

٤٧١٨. التاسع : يجوز أن يجعل الإنسان لغيره خدمة عبده مدّة من الزمان ، ثمّ يصير حرّا بعد ذلك ، ويجب على العبد الخدمة تلك المدّة ، فإذا انقضت المدّة صار حرّا ، وإن أبق العبد تلك المدّة ، ثمّ ظفر به المجعول له الخدمة ، لم يكن له عليه سبيل من خدمة ولا عوض ، ولو كان المالك قد جعل الخدمة لنفسه مدّة

__________________

(١) السرائر : ٣ / ١٦٩.

٣٢٣

من الزمان ، ثمّ هو حر بعد ذلك ، فأبق العبد تلك المدّة بطل التدبير ، فإذا وجده بعد المدّة ، كان له ملكا يعمل به ما شاء ، ومنع ابن إدريس من صحّة التدبير فيهما وشرط تعليقه بالموت. (١)

٤٧١٩. العاشر : الصدقة المفروضة محرّمة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى بني هاشم كافّة ، ويجوز لبني هاشم أن يأخذوا المفروضة من أمثالهم مع الضرورة وقصور الخمس من كفايتهم.

وأمّا المندوبة فقد كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمتنع من أخذها ، قال الشيخ : الأقرب أنّه على الاستحباب (٢) ويجوز لأهله إجماعا.

٤٧٢٠. الحادي عشر : الصّدقة عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول وإقباض ، فلو قبضها بغير إذن المالك ، لم ينتقل إليه ويشترط فيها نيّة التقرّب ، فلو خلت عنها لم تفد الملك ، لكن لو أتلفها الآخذ بإقباض المالك ، لم يضمنها لإباحته فيها.

٤٧٢١. الثاني عشر : إذا حصلت الصّدقة بشرائطها من العقد والقبض ونيّة التقرّب ، فإن كانت واجبة لم يجز الرجوع فيها ، وإن كانت نفلا فكذلك ، سواء كانت على ذي رحم أو على أجنبي.

وقال الشيخ : يجوز الرجوع فيها (٣) وليس بمعتمد لأنها كالمعوّض عنها باستحقاق الثواب.

__________________

(١) السرائر : ٣ / ١٧١.

(٢) المبسوط : ٣ / ٣٠٢.

(٣) المبسوط : ٣ / ٣٠٨.

٣٢٤

٤٧٢٢. الثالث عشر : صدقة السرّ أفضل من الجهر ما لم يتّهم بمنع الحقوق وترك المواساة ، فيكون إظهارها أولى وكذا لو قصد بالإظهار تأسّي غيره به ، كان أولى من الإسرار بها.

٤٧٢٣. الرابع عشر : تجوز الصّدقة على أهل الذمّة وإن كانوا أجنبيّين.

٣٢٥
٣٢٦

كتاب الوصايا

٣٢٧
٣٢٨

المقصد الرابع : في الوصايا

وفيه فصول :

[الفصل] الأوّل : في الماهيّة

وفيه اثنا عشر بحثا :

٤٧٢٤. الأوّل : الوصيّة مأخوذة من وصى يصي وهو الوصل ، يقال أوصى يوصي ، ووصّى يوصّي توصية ، والاسم الوصيّة والوصاة ، وهي تمليك العين أو المنفعة بعد الوفاة ، وأطلق على هذا التصرّف الوصيّة ، لأنّ الموصي يصل تصرفه بعد الموت بما قبله ، وهي مشروعة بالنصّ والإجماع ، قال الله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ) (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«الوصيّة حق كل مسلم» (٢).

__________________

(١) البقرة : ١٨٠.

(٢) الوسائل : ١٣ / ٣٥٢ ، الباب ١ من كتاب الوصايا ، الحديث ٦.

٣٢٩

وقال عليه‌السلام :

«ما حق امرئ مسلم له شي‌ء يوصى به يبيت ليلتين إلّا ووصيّته مكتوبة عنده»(١).

وقال عليه‌السلام :

«من مات بغير وصيّة مات ميتة جاهلية» (٢).

وقال عليه‌السلام :

«من لم يحسن وصيّته عند موته كان نقصا في مروته وعقله» (٣).

٤٧٢٥. الثاني : الوصيّة عقد يفتقر إلى إيجاب وقبول ، فالإيجاب كلّ لفظ دلّ على ذلك القصد ، كقوله : اعطوا فلانا بعد موتي أو لفلان كذا بعد وفاتي ، أو أوصيت له بكذا وكذا ، أو جعلت له كذا.

ولو قال : هو له ، كان إقرارا ، إلّا أن يقول : من مالي ، فيكون وصيّة.

ولو قال : عنيت له كذا ، فهو كناية تنصرف إلى الوصيّة مع النيّة.

وتقع بكلّ لغة يعرف منها قصد ذلك ، ولو عجز عن النطق فأشار بيده إلى ما يفهم منه ذلك ، أو كتب بخطه ، وقرن به ما يحكم عليه به ، جاز أمّا لو وجد

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٣ / ٢٦٨ ، عنه في مستدرك الوسائل : ١٤ / ٨٨ ، الباب ١ من كتاب الوصايا ، الحديث ٦ ؛ ولاحظ أيضا ج ٢ / ١١٦ ، الباب ٢١ من أبواب الاحتضار ، الحديث ٢ ، ورواه الشيخ في المبسوط : ٤ / ٣.

(٢) الوسائل : ١٣ / ٣٥٢ ، الباب ١ من كتاب الوصايا ، الحديث ٨.

(٣) الوسائل : ١٣ / ٣٥٧ ، الباب ٦ من كتاب الوصايا ، الحديث ١ ؛ ولاحظ مستدرك الوسائل : ١٤ / ٩٢ ، الباب ٥ من كتاب الوصايا ، الحديث ١ و ٢ (عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم).

٣٣٠

مكتوبا بخطه وصيّة لم يشهد عليها ، لم يحكم بها وجوبا ، وإن علم أنّها خطّه.

ولو سلّم وصيّة مختومة ، لم يشهد عليه بها (١) إلّا أن يسمعها الشهود منه ، أو يقرأ عليه فيقرّ بما فيها ، وكذا لو كتب وصيّة وقال : اشهدوا عليّ بما في هذه الورقة ، أو قال : هذه وصيتي فاشهدوا عليّ بها ، لم يجز ما لم يعلم الشهود ما فيها.

أمّا لو سلّم المكتوب إلى الشاهد ، وقال : اشهد عليّ بما فيه ، وأنا أعلم به ، وترك الشاهد في يده إلى أن مات ثمّ أخرجه ، فالأقرب الشهادة عليه به.

٤٧٢٦. الثالث : المكلّف قسمان من عليه حقّ من دين أو وديعة ، أو عليه واجب ، فيجب عليه الوصيّة إجماعا ، ومن لا حقّ عليه ، فيستحبّ له أن يوصي ، ولا يجب عليه إجماعا ، وإنّما يستحبّ إذا كان المتروك يفضل عن غنى الورثة وهو مفهوم من قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«والثلث كثير إنك إن تذر (٢) ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكفّفون الناس» (٣).

وعن علي عليه‌السلام :

«أربعمائة دينار ليس فيها فضل عن الورثة» (٤).

وكلما قلّت الوصيّة كان أفضل.

__________________

(١) أي لا يعدّ التسليم إشهادا من الموصى لما في الورقة.

(٢) في المصدر : إن تدع.

(٣) مستدرك الوسائل : ١٤ / ٩٥ ، الباب ٩ من كتاب الوصايا ، الحديث ٢ ، ورواه الشيخ في المبسوط : ٤ / ٣.

(٤) رواه ابن قدامة في المغني : ٦ / ٤١٦.

٣٣١

٤٧٢٧. الرابع : لا يملك الموصى له الوصيّة إلّا بالقبول إن كانت لمعيّن يمكن القبول منه ، وإن كانت لغير معيّن ، كالفقراء وبني هاشم ، أو على مصلحة كمسجد أو حجّ ، لم يفتقر إلى القبول ، ولزمت بمجرد الوفاة ، وينتقل بها الملك إلى الموصى له ، ولا ينتقل بالموت منفردا عن القبول ، ولو قبل قبل الوفاة ، جاز ، وبعد الوفاة آكد.

وإن تأخر القبول عن الوفاة ، جاز ما لم يردّ ، فإن ردّ قبل موت الموصي ، لم تبطل الوصيّة ، فله القبول بعد ذلك ، وإن ردّ بعد الموت ، فإن كان قبل القبول ، بطلت الوصيّة إجماعا ، وكذا لو ردّ بعد القبض ، وإن كان بعد القبول والقبض ، فلا أثر له ، ويكون هبة مجدّدة يفتقر إلى شروط الهبة ، وإن كان بعد الموت والقبول ، فقولان : أحدهما بطلان الردّ ، والثاني بطلان الوصيّة.

ولو ردّ البعض وقبل البعض ، صحت الوصيّة فيما قبل خاصّة.

٤٧٢٨. الخامس : القبول لا يتعيّن باللفظ ، بل قد يقع بالفعل كالأخذ والوطء وفعل ما يدلّ على الرضاء ، ويجوز على الفور والتراخي.

ويحصل الردّ بقوله : رددت الوصيّة ، وما أدّى هذا المعنى ، مثل لا أقبلها وشبهه.

وكلّ موضع صحّ الردّ فيه ، فإنّ الوصيّة تبطل بالردّ ، ويرجع إلى التركة ، فيكون ميراثا.

ولو عيّن بالردّ واحدا ، (١) وقصد تخصيصه ، بالمردود ، لم يكن له ذلك ، امّا

__________________

(١) أي من الورثة.

٣٣٢

ما يمنع الرّدّ فيه لاستقرار ملكه عليه ، فله أن يخص به من شاء من الوارث والأجانب.

٤٧٢٩. السادس : إذا مات الموصى له قبل القبول والردّ ، قام وارثه في ذلك مقامه ، ولا تبطل الوصية بالموت ، ولا تلزم الوصيّة في حقّ الوارث ، بل له الردّ كما كان لمورثه ، فإن ردّها الوارث ، بطلت ، وإن قبلها ، صحّت ، وثبت بها الملك من حين قبوله ، ولو تعدّد الورثة ، فإن قبل بعضهم وردّ بعض ، لزمت في حقّ القابل ، وبطلت في حق الرادّ ، وإن قبلوا أجمع يثبت لهم ، وكذا إن ردّوا أجمع بطلت بالكلية.

ولو كان فيهم مولّى عليه ، قام وليّه مقامه في القبول والردّ ، وإنّما يفعل ما للمولّى عليه الحظّ فيه ، فلو كان الحظّ في القبول فردّ لم يصحّ ، فكان له القبول بعد ذلك ، ولو كان الحظّ في الردّ ، فقبل ، لم يصحّ.

فلو أوصى لصبيّ بمن ينعتق عليه ، وعليه ضرر في القبول ، بأن تلزمه نفقته لإعساره وإيسار الصبيّ ، لم يجز القبول ، ولو كان الصبيّ فقيرا ، أو كان الموصى به ذا كسب ، لزمه القبول ، لأنّ الحظّ ، في عتق القرابة من غير ضرر.

٤٧٣٠. السابع : لو أوصى بجارية وحملها لزوجها ، وهي حامل منه ، فمات قبل القبول ، كان القبول للوارث ، فإذا قبل ملك الوارث الولد ولا ينعتق على الموصى له ، لانتفاء الملك بعد الموت ، ولا يرث أباه لأنّه رقّ إلّا أن يكون ممّن ينعتق على الوارث ، ويكون الوارث جماعة فيرث بعتقه قبل القسمة ، ولو كان حاجبا أخذ الجميع.

٤٧٣١. الثامن : قد بيّنا أنّ الملك إنّما يحصل للموصى له بعد الوفاة

٣٣٣

والقبول ، فلو حدث للموصى به نماء بعد الموت وقبل القبول ، فإن كان متّصلا تبع الأصل ، وإن كان منفصلا فهو للورثة.

ولو أوصى بأمة لزوجها فأولدها بعد موت الموصي قبل القبول ، فالولد رقّ للوارث.

ولو أوصى لرجل بأبيه فمات الموصى له قبل القبول ، فقبل ابنه صحّ ، وعتق عليه الجدّ ولم يرث من ابنه شيئا.

وإذا قبل الوارث ، ثبت الملك له ابتداء من جهة الموصي لا من جهة مورّثه ، ولا يثبت للموصى له شي‌ء ، فحينئذ لا تقضى ديونه ، ولا تنفذ وصاياه ، ولا يعتق من يعتق عليه.

٤٧٣٢. التاسع : إذا أوصى بجارية وحملها لزوجها الحرّ ، فقبلها ، انفسخ النكاح بالموت والقبول ، ويعتق الولد ، وإن ردّ ، فالنكاح بحاله ، والولد رقّ كما كان.

ولو أوصى بجارية خاصّة ، كان الولد باقيا على الرقيّة للموصي ، وينتقل إلى ورثته ، إن كان موجودا حال الوصيّة ، ويعلم ذلك بوضعه لدون ستّة أشهر منذ الوصيّة ، وإن تجدّد بعد الوصيّة قبل الموت ووضعته قبل موت الموصي ، فهو للموصي أيضا ، وكذا إن انفصل بعد الموت وقبل القبول أو بعده.

وإن حملته بعد موت الموصي وقبل القبول ، فهو للورثة ، سواء وضعته قبل القبول أو بعده ، ولا ينفذ فيه الوصيّة ، لأنّ الحمل لا حكم له بمعنى أنّ الوصية لا تتناوله ، ولا يتقسط الثمن في البيع (١) عليه وعلى أمّه ، بل هو جار مجرى الثمن ، ومتى وضعت فكأنّما حدث في تلك الحالة ، هذا إذا أخرجت الجارية من الثلث ، وإن لم تخرج من الثلث ، ملك بقدر الثلث وانفسخ النكاح.

__________________

(١) في «ب» : في المبيع.

٣٣٤

٤٧٣٣. العاشر : لا تصحّ الوصيّة في معصية ، فلو أوصى بمال للكنائس والبيع وكتب التوراة والإنجيل ومساعدة الظالم ، لا تنفذ ، ولا يجوز العمل بها.

٤٧٣٤. الحادي عشر : الوصيّة عقد جائز من الطرفين فللموصي الرجوع من وصيّته ما دام حيّا ، سواء كانت بمال أو ولاية ، ويجوز الرجوع في بعضه أيضا وإن كان إعتاقا.

٤٧٣٥. الثاني عشر : يحصل الرجوع بقوله : «رجعت في وصيّتي» أو «أبطلتها» أو «غيّرتها» أو «ما أوصيت به لفلان فهو لفلان» أو «لورثتي» أو «في ميراثي».

ولو قال : ما أوصيت به لفلان فنصفه لفلان (١) كان رجوعا في النصف خاصّة.

ولا ينحصر الرجوع في لفظ معيّن ، بل كلّ ما أدّى معناه فهو رجوع ، وقد يكون بالفعل مثل أن يأكل ما أوصى به ، أو يطعمه غيره ، أو يتلفه ، أو ينقله عن ملكه بهبة ، أو بيع ، أو صدقة ، أو بحبل الجارية الموصى بها ، أو يفصّل الثوب ويلبسه.

ولو عرضه للبيع ، أو وهبه من غير إقباض ، أو أوصى ببيعه ، أو أوجب البيع أو الهبة ، فلم يقبل الآخر ، فالأقرب أنّه رجوع ، وكذا لو أعتق العبد ، أو دبّره ، أو كاتبه ، أو رهنه ، وكذا لو تصرّف فيه فأخرجه عن مسمّاه كما لو أوصى بحبّ فطحنه ، أو بدقيق فخبزه أو عجنه ، أو مزج الطعام بغيره ، بحيث لا يتميّز ، أو الزيت بأجود منه ، ولو تميّز الممزوج لم يكن رجوعا.

ولو أوصى بكتان ، أو قطن ، فغزله ، كان رجوعا ، وكذا لو أوصى بغزل

__________________

(١) في «أ» : ما أوصيت به لفلان فهو فنصفه لفلان.

٣٣٥

فنسجه ، أو بشاة فذبحها ، أو بنقرة فضربها أمّا لو دقّ الخبز فتيتا (١) فليس برجوع ، وكذا لو أوصى بقفيز من صبرة ثمّ مزجها بغيرها بحيث لا يتميّز لم يكن رجوعا أيضا ، سواء كان المزج بالأجود أو الأردإ أو المساوي ، ولو زالت الصفات بغير فعل الموصي ، فالوصيّة باقية إن بقي له اسم ، كالدار إذا انهدم بعضها ولم يخرج عن الاسم ، ولو صارت براحا (٢) فزالت عنها الاسميّة. أو وقع الحبّ في الأرض فنبت زرعا ، أو صارت البيضة فرخا ، ففي بقاء الوصيّة نظر ، والأنقاض المتجدّدة بالهدم مع بقاء الاسم داخلة في الوصيّة.

ولو جحد الوصيّة ، فالأقرب أنّه رجوع ، ولو غسل الثوب ، أو لبسه ، أو جصّص الدار ، أو سكنها ، أو آجرها ، أو زوّج الأمة ، أو وطئها ، أو علّمها ، لم يكن رجوعا.

الفصل الثاني : في الموصي

وفيه ثمانية مباحث

٤٧٣٦. الأوّل : يشترط في الموصي البلوغ ، وكمال العقل ، والحريّة ، فلا تصحّ وصيّة الصبيّ ، وروي فيمن بلغ عشرا أنّه يجوز وصيّته بالمعروف ، (٣) ولا

__________________

(١) في مجمع البحرين : فتّ الرجل الخبز فتا ـ من باب قتل ـ : كسره بالأصابع.

(٢) قال الفيومي : البراح ـ مثل سلام ـ : المكان الّذي لا سترة فيه من شجر وغيره. المصباح المنير.

(٣) الكافي : ٧ / ٢٨ ، باب وصية الغلام. الحديث ١ و ٣ و ٤ ؛ وسائل الشيعة : ١٣ / ٤٢٨ ، الباب ٤٤ من كتاب الوصايا ، أحاديث الباب.

٣٣٦

تصحّ وصيّة المجنون ولا العبد ، سواء كان قنّا ، أو مدبّرا ، أو مكاتبا مشروطا ، أو لم يؤدّ ، ولو أدّى المطلق شيئا نفذت وصيّته في قدر الحريّة ، فلو أوصى العبد ثم أعتق وملك ، فالوجه البطلان ما لم تجدّد [الوصيّة] بعد الحريّة.

٤٧٣٧. الثاني : الكافر تنفذ وصيّته إلّا أن يوصي بخمر أو خنزير أو بناء كنيسة ، ولو أوصى بعمارة قبور أنبيائهم جاز.

٤٧٣٨. الثالث : الأقرب أنّ وصيّة السفيه لا تنفذ ، وكذا المبرسم ، ومن يعتوره الجنون إن أوصى حال إفاقته ، صحّت ، وإلّا فلا ، والضعيف في عقله إن منع ذلك رشده في ماله فكالسفيه ، وإلّا فكالعاقل ، ولا تصحّ وصيّة السكران.

٤٧٣٩. الرابع : الأخرس تصحّ وصيّته إذا علمت إشارته ، وإلّا فلا ، ومن اعتقل لسانه إذا كتب وصيّته فعرضت عليه ، فأشار بما يدلّ على قبولها ، فإنّها تقبل وصيّته.

٤٧٤٠. الخامس : تصحّ وصيّة المسلم لمثله وللذمّي ، والذمّي لمثله وللمسلم ، ولو أوصى الذمّي بأكثر من الثلث لوارثه أو لأجنبيّ وقف على الإجازة كالمسلم.

٤٧٤١. السادس : إذا جرح الموصي نفسه بما فيه هلاكها ، ثمّ أوصى لم تقبل ، لظهور سفهه ، أمّا لو أوصى وهو عاقل ، ثمّ قتل نفسه ، فإنّها تقبل.

٤٧٤٢. السابع : للأب الوصيّة بالولاية على الأطفال ، وكذا الجدّ ، وليس لغيرهما ذلك ، فلو أوصت الأمّ بالولاية على أولادها الأصاغر لم تصحّ ، ولو أوصت لهم بمال ، ونصبت وصيّا صحّت الوصيّة بالمال من ثلث تركتها ، وبطلت بالولاية على الأولاد.

ولو أوصت بحق عليها ، ونصبت وصيّا في إخراجه ، صحّت الوصيّة فيهما معا ، سواء كان من حقوق الله تعالى أو الآدميّين.

٣٣٧

الفصل الثالث : في الموصى به

وفيه سبعة وثلاثون بحثا :

٤٧٤٣. الأوّل : تصحّ الوصيّة بكل مقصود يقبل النقل ، سواء كان عينا أو منفعة بشرط أن لا يزيد على الثلث ، فيفتقر حينئذ إلى الإجازة ، ويشترط فيه الملك ، فلا تصحّ الوصيّة بالخمر ، ولا الخنزير ، ولا كلب الهراش (١) ولا ما لا نفع فيه ، ولا بالجرو الصغير إن منعنا من جواز تربيته للصيد أو الماشية ، ولا بشي‌ء من السباع إن منعنا من صحّة بيعها ، ولا بجلد الميتة ، ولا الزبل (٢) ولا الوقف ، ولا أمّ ولد.

٤٧٤٤. الثاني : لا يشترط في الموصى به كونه موجودا أو عينا ، فتصحّ الوصيّة بالحمل ، وثمرة البستان ، والمنفعة ، ولا كونه معلوما ومقدورا عليه ، فتصحّ الوصيّة بالحمل ، والمغصوب ، والمجهول ، والعبد الآبق ، والجمل الشارد ، والطير في الهواء ، والسمك في الماء ، ولا كونه معيّنا ، فتصحّ الوصيّة بأحد العبدين ، وتصحّ بالكلاب المملوكة ، مثل كلب الصيد ، والماشية ، والحائط ، والزرع.

٤٧٤٥. الثالث : لا تصحّ الوصيّة بالمغصوب ولا فعل المحرّم ، مسلما كان

__________________

(١) في «أ» : «ولا كلب المواشي» والصحيح ما في المتن.

(٢) في المصباح المنير : زبل الرجل الأرض زبولا ـ من باب قعد ـ وزبلا أيضا : أصلحها بالزبل ونحوه حتّى تجود للزراعة ، والمزبلة : موضع الزبل.

٣٣٨

الموصي ، أو ذميّا ، فلو أوصى ببناء كنيسة ، أو بيت نار ، أو عمارتها ، والإنفاق عليها ، لم تصحّ ، وكذا لا تصحّ أن يوصي بشراء خمر أو خنزير للصدقة بها على أهل الذمّة ، ولا بكتب التوراة والإنجيل ، ولا بالحصر والقناديل للكنائس والبيع ، وإن لم يقصد إعظامها.

ولو أوصى ببناء بيت ليسكنه المجتازون من أهل الذمّة ، صحّ على أحد القولين ، ولو أوصى بما يقع اسمه على المحلّل والمحرّم ، انصرف إلى المحلّل ، كما إذا أوصى بعود من عيدانه وله عود لهو وغيره ، انصرف إلى العود الّذي لغير اللهو ، ولو لم يكن إلا عود اللهو ، قيل : تبطل الوصيّة ، وقيل : تصحّ ، وتزال عنه الصفة المحرّمة ، ولو لم يكن فيه منفعة إلّا المحرّمة ، بطلت الوصيّة.

ولو أوصى بطبل حرب ، صحت الوصيّة ، ولو كان بطبل لهو ، بطلت ، إلّا أن يقبل الإصلاح للحرب.

ولو أوصى له بدف ، صحّت الوصيّة به ، لجواز اتخاذه للعرس ، ولو أوصى له بمزمار أو طنبور ، بطلت الوصيّة ، إلّا أن يقبل زوال الصفة ، فيجوز على خلاف تقدم ، ولو كان له طبول تصحّ الوصيّة بها أجمع ، فأوصى بأحدها ، تخير الورثة.

٤٧٤٦. الرابع : لو أوصى له بقوس ، صحّت الوصيّة ، سواء كان قوس نشّاب وهو الفارسي أو نبل (١) وهو العربيّ ، أو قوس جرخ (٢) ، أو ندف ، أو بندق ، ثمّ إن عيّن أحد هذه ، صرف إليه إن كان موجودا ، وإلّا اشترى له ما عيّنه ، وإن أطلق وكان له واحد منها ، انصرف إليه ، وإن كان الجميع له ، ووجدت قرينة

__________________

(١) في «ب» : أو نصل.

(٢) كذا أيضا في المغني لابن قدامة : ٦ / ٥٨٥ ولم نعثر على معناه.

٣٣٩

تصرفه إلى أحدها ، مثل أن يقول : اعطوه قوسا يندف به ، أو يتعيّش [به] وشبهه ، انصرف إلى قوس الندف ، ولو قال : يغزو به ، خرج قوس الندف والبندق ، ولو كانت عادة الموصى له استعمال قوس معيّن لا غير ، ففي كون ذلك قرينة للتخصيص به ، نظر.

ولو انتفت القرائن ، تخيّر الورثة في تخصيص ما شاءوا ، ممّا يقع عليه عرف ذلك الموضع بالعطية ، ويعطى القوس معموله ، والأقرب أنّه يستحق وترها ، لعدم الانتفاع بدونه.

وكلّ لفظ يقع على أشياء وقوعا متساويا ، فللورثة الخيار في تعيين ما شاءوا منها.

٤٧٤٧. الخامس : لو أوصى له بجرّة فيها خمر ، صحّت الوصيّة بالجرّة خاصّة ، وبطلت في الخمر ، ولو أوصى له بخمر في جرّة لم تصحّ الوصيّة.

٤٧٤٨. السادس : إنّما تصحّ الوصيّة بالثلث فما دون ، سواء كانت الوصيّة بعين ، أو منفعة ، فإن أوصى بأزيد من الثلث ، وقف على إجازة الورثة ، فإن أجازوا صحّت ، وإلّا بطلت ، ولو أجاز بعضهم نفذت الإجازة في قدر حصّته من الزيادة ، وبطلت في قدر حصّة من لم يجز.

٤٧٤٩. السابع : الإجازة تنفيذ لفعل ما وضعه الموصي لا ابتداء عطيّة ، فلا يشترط فيها ما يشترط في الهبة ، هذا إذا وقعت ابتداء ، ولو وقعت عقيب ردّ ، فهل هي كذلك أو تكون هبة يشترط فيها شرائط الهبة؟ فيه نظر.

ولو أعتق عبدا لا مال له سواه في مرضه ، أو وصّى بإعتاقه ، فأعتقوه

٣٤٠