تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-66-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦١٣

الاسم ، ولو أثابه منها (١) فالأقرب الجواز ، ولا يجب عليه دفع ما يرضى به الواهب ولا قيمة الموهوب ولا ما تقضي العادة أنّه هبة مثله (٢) وقوى الشيخ لزوم الأخير (٣).

٤٦٢٢. السادس : إذا شرط الثواب المعيّن أو المطلق ، كان للواهب الرّجوع في هبته ما لم يدفع المتّهب إليه ما شرطه ، ومع القبض لا رجوع ، ولا يجبر المتّهب على دفع العوض ، بل إن دفع لزمت الهبة ، وإلّا كان للواهب الخيار في الرجوع ، فإن تلفت العين ، أو عابت ، بفعله أو بغير فعله قبل الإثابة ثمّ لم يثب ، ففي رجوع الواهب بالأرش مع العيب ، أو القيمة مع التلف ، أو ما شرطه ، نظر.

ولو لم يشرط الثواب ، وكان أجنبيّا ، فرجع الواهب قبل التصرف ، كان له أخذ العين ، فإن كانت بحالها فلا بحث ، وإن زادت زيادة متّصلة ، كانت الزيادة للواهب ، وصحّ الرجوع ، وإن كانت منفصلة ، فهي للموهوب له ، وإن نقصت أو عابت ، لم يكن له الرجوع على المتّهب بالأرش ، وإن نقصت بالاستعمال وقلنا التصرف لا يسقط الرجوع ، فلا أرش أيضا لو استعاد العين.

٤٦٢٣. السابع : إذا صبغ الثوب ، ثمّ رجع الواهب ، فان قلنا التصرف يسقط الردّ ، فلا بحث ، وإن قلنا بجواز الرجوع معه ، كان الموهوب له شريكا بقيمة الصبغ.

٤٦٢٤. الثامن : الرجوع في الهبة أن يقول الواهب : قد رجعت في الهبة أو ارتجعتها أو رددتها ، وما أشبه ذلك ، ولا يفتقر الرجوع إلى حكم حاكم ، بل يصحّ ، وإن لم يقبض به حاكم.

__________________

(١) في «ب» : ولو أثابه فيها.

(٢) في «ب» : أنّه يهبه مثله.

(٣) المبسوط : ٣ / ٣١١.

٢٨١

ولو أخذ المشاع من الموهوب ، لم يكن ذلك رجوعا بمجرده ما لم ينضمّ إليه قرينة تدلّ عليه ، فلو مات ولم يعلم القرينة ، لم يحكم بالرجوع ، ولو حصلت القرينة كان رجوعا ولم يفتقر إلى التصريح على الأقرب.

ولو نوى الرجوع ، ولم يأت به صريحا ولا كناية ، فإنّه لا يقتضي الرجوع.

ولو علّق الرجوع على شرط ، مثل أن يقول : إذا قدم زيد فقد رجعت في الهبة ، لم يصحّ الرجوع ، وكذا لو علّقه على صفة.

ولو وطئ الجارية ففي كونه رجوعا نظر.

٤٦٢٥. التاسع : لو مات الواهب في موضع يصحّ له الرجوع ، ففي انتقال هذا الحقّ إلى الورثة إشكال ، أقربه العدم ، ولم أقف فيه على نصّ لنا ، فلو فضّل ولده بشي‌ء ثمّ مات بعد لزوم العطيّة ، لم يكن للورثة استعادته.

٤٦٢٦. العاشر : لو باع الواهب ما وهبه قبل القبض ، صحّ البيع وإن كان يعتقد بطلانه ، ولو كان بعد القبض ، فإن كان الموهوب له رحما ، أو من عوض ، لم يصحّ البيع وإن كان أجنبيّا يجوز له الرجوع بما وهبه إياه ، احتمل صحّة المبيع لجواز الرجوع ، وعدمها لأنّه لم يصادف ملكا ، وحكم الشيخ بالبطلان (١).

أمّا لو كانت الهبة فاسدة فإنّ البيع ماض ، وكذا لو باع مال مورّثه فلم يعلم بموته ، ثمّ بان أنّه ميّت قبل البيع ، وكذا لو أوصى لزيد برقبة عتقها أو كاتبها ، قبل الوصيّة (٢) ثمّ ظهر فساد العتق والكتابة.

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ٣٠٤.

(٢) في «ب» : وكذا لو أوصى لزيد برقبة كاتبها أعتقها قبل الوصيّة.

٢٨٢

٤٦٢٧. الحادي عشر : إذا تأخّر القبض عن العقد ، حكم بالانتقال من حين القبض لا من حين العقد ، أمّا الوصية فإنّه يحكم فيها بمجرد الموت وإن تأخّر القبول بشرط حصوله.

٤٦٢٨. الثاني عشر : المريض إذا وهب وأقبض ، فإن برأ ، أو شرط ثوابا يوازي (١) القيمة خرجت من صلب المال ، وإن تبرّع بالهبة ومات في ذلك المرض ، أخرجت من الثلث.

٤٦٢٩. الثالث عشر : لو ادّعى عليه الهبة ، كان القول قول المنكر مع يمينه ، وكذا لو أقرّ بأنّه وهبه ولم يقبضه ، وادّعى المتّهب الإقباض ، ولو قال : وهبته وملّكته ، وأنكر الإقباض ، فإن كان مالكا ، أو توهّم الملك بالعقد ، كان القول قوله مع اليمين ، وإلّا حكم عليه.

ولو قال : وهبته وخرجت إليه منه ، لم يكن صريحا في الإقباض ، نعم إن كان الموهوب في يد المتّهب كان ذلك كناية عن الإقباض ، ولو كان في يد الواهب لم يكن إقرارا بالقبض.

٤٦٣٠. الرابع عشر : قد بيّنا أنّه لا يجوز للوالد أن يرجع فيما وهبه لولده ، سواء كان ولده لصلبه ، أو ولد ولده ، وكذا ليس لذي الرحم الرجوع فيما يهبه لرحمه ، سواء كان محرما كالخالة أو العمّة ، أو غير محرم ، كبنت العمّة وبنت الخالة.

٤٦٣١. الخامس عشر : لو وهب الأجنبي شيئا ، فوهبه لثالث ، فإن قلنا

__________________

(١) في «ب» : يوازن.

٢٨٣

التصرف مانع من الرجوع فلا بحث ، وإلّا كان له الرجوع ، سواء تصرف الثالث أو لا ، وإن رهنه المتّهب ، أو كاتبه ، وقلنا التصرف غير مانع من الرجوع ففي الرجوع هنا إشكال ، أمّا لو انفسخت الكتابة ، أو انفكّ الرهن ، فإنّه يجوز الرجوع على ذلك التقدير ، ولو باعه الموهوب له ثمّ عاد إليه ، ففي جواز الرجوع إشكال أقوى من الأوّل.

٤٦٣٢. السادس عشر : إذا حجر الحاكم على الموهوب له ، وكان ممن يصحّ الرجوع عليه ، فالأقوى أنّ للمالك استعادة العين ، ولا يشاركه الغرماء ، ولو باعها ثمّ اشتراها بثمن مؤجّل وأفلس به ، وسوّغنا الرجوع بعد البيع ، فالأقرب أنّ البائع أحق من الواهب.

٤٦٣٣. السابع عشر : إذا جنى الموهوب وتعلّقت الجناية برقبته ، وأراد الواهب الرجوع فيه ، فالأقرب جواز الرجوع ، لكن لا يسقط حقّ المجني عليه ، بل له الاقتصاص منه وتملّكه إن شاء ، ولا يرجع الواهب على المتّهب بأرش وغيره. ولو أخذه (١) المجني عليه لم يكن للواهب حينئذ الرجوع فيه ، ولو بذل أرش الجناية ليرجع في العين ، ففي وجوب إجابته إلى ذلك نظر.

أمّا لو رهنه المتّهب فاراد الواهب الرجوع في العين وسوّغناه مع التصرف ، لم يكن له ذلك هنا ، فلو طلب فكّه ببذل الدّين ليرجع فيه ، فالأقرب إجابته إلى ذلك على إشكال.

٤٦٣٤. الثامن عشر : إذا وطئ الموهوب له الجارية الموهوبة ، وسوّغناه الرجوع مع التصرّف ، جاز الرّجوع ، ولا يلزم الواطئ المهر ، ولو حبلت ففي

__________________

(١) في «أ» : ولو أفسده.

٢٨٤

جواز الرجوع إشكال ، ومعه لا يرجع في الولد ، ويكون حرّا ولا قيمة له عنه.

٤٦٣٥. التاسع عشر : إذا وهبه حليّا فأثابه من جنسه أو من غير جنسه ، جاز مع التفاضل والتساوي ، ولا يشترط التقابض في المجلس وإن اتحد الجنس.

٤٦٣٦. العشرون : لو وهب العارية للمستعير صحّ ، ولا يشترط الإذن في القبض ولا مضيّ زمان يتحقّق فيه ، ولو وهبه لغيره جاز ، فإن وكّل المعير المستعير في قبضه صحّ ، وإن لم يمض زمان يمكن فيه ، وبطلت الإعارة ، فلا يجوز له الانتفاع به إلّا بإذن الموهوب له.

٤٦٣٧. الحادي والعشرون : إذا وهب العين المستأجرة صحّ ، وإن وهبها لغيره فكذلك مع الإقباض ، ولو امتنع المستأجر منه كان له ذلك ، ولو أذن فيه كان له الانتفاع باقي المدّة.

٤٦٣٨. الثاني والعشرون : الأقرب اشتراط التعجيل في القبول بحيث يكون جوابا للإيجاب ، فلو أنفذ هدية مع رسوله ، وكّله في إيجاب الهبة ، ويقبل المهدى إليه فان لم يفعل كان إباحة ، ولو قيل بعدم اشتراط القبول نطقا كان وجها ، قضاء للعادة بقبول الهدايا من غير نطق.

٢٨٥
٢٨٦

كتاب الوقف

٢٨٧
٢٨٨

المقصد الثاني : في الوقف

وفيه فصول :

[الفصل] الأوّل : في الماهيّة

وفيه ثمانية مباحث :

٤٦٣٩. الأوّل : الوقف عقد يقتضي تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة ، يقال : وقفت وقفا ، ولا يقال : أوقفت إلّا في شاذّ اللغة ، ويقال : حبست وأحبست.

ولا بدّ فيه من الصيغة الدالة عليه إمّا صريحا ، أو كناية مقترنة بما يدلّ عليه ، فالصّريح ألفاظه ثلاثة : وقفت ، وهو صريح فيه إجماعا ، وفي «حبّست» و «سبّلت» قولان أحدهما أنّه صريح ، والآخر أنّه كناية يفتقر إلى النيّة قال الشيخ : الّذي يقوى في نفسي أنّ صريح الوقف قول واحد وهو «وقفت» خاصّة وبه يحكم بالوقف ، فأمّا غيره من الألفاظ فلا يحكم به الّا بدليل (١) واختاره ابن إدريس (٢) وهو الأقوى.

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ٢٩٢.

(٢) السرائر : ٣ / ١٥٥.

٢٨٩

وأمّا الكناية فثلاثة «تصدّقت» و «حرّمت» و «أبّدت» فإن اقترن بها ما يدلّ على الوقف صرفت إليه مثل صدقة محرمة ، أو محبوسة ، أو مسبّلة ، أو مؤبّدة ، أو لا يباع ولا يوهب ، ولو أطلق الكناية ونوى بها الوقف ، حكم بما نواه باطنا دون الظاهر ، إلّا أن يعترف بما نواه ، ويقبل قوله في نيّة الوقف وعدمها.

٤٦٤٠. الثاني : لا يحصل الوقف بالفعل المقترن بما يدلّ عليه ، مثل أن يبني مسجدا ويأذن للناس بالصلاة فيه ، أو مقبرة ويأذن بالدّفن فيها ، أو سقاية ويأذن في دخولها ، وإنّما يصير وقفا بالقول الدال عليه.

٤٦٤١. الثالث : لو قال الموقوف عليه : رددت الوقف ، بطل ، ولو سكت فالأقرب اعتبار قبوله ، أمّا البطن الثاني فلا يشترط قبوله ولا يرتد عنه بردّه.

٤٦٤٢. الرابع : من شرط الوقف الإقباض ، فلا يصحّ بدونه.

٤٦٤٣. الخامس : إذا تمّ الوقف صحّ ولزم ، ولم يجز فسخه ولا إبطاله بمجرد الوقف ، وليس للواقف الرجوع فيه ، سواء أوصى به بعد موته ، أو لا ، وسواء حكم به حاكم ، أو لا ، وقول المفيد رحمه‌الله : الوقف صدقة لا يجوز الرجوع فيها إلّا أن يحدث الموقوف عليهم ما يمنع من معونتهم والقربة إلى الله تعالى بصلتهم ، أو يكون تغيير الشرط في الوقف أدرّ (١) عليهم وأنفع من تركه على حاله (٢) ، متأوّل (٣).

٤٦٤٤. السادس : إذا صحّ الوقف زال به ملك الواقف عنه ، والأقرب أنّ

__________________

(١) هذا ما أثبتناه ولكن في المصدر والنسختين : «أردّ» ولعلّه مصحّف.

(٢) المقنعة : ٦٥٢.

(٣) قوله : «متأوّل» خبر لقوله «وقول المفيد ...».

٢٩٠

الموقوف عليه يملكه ملكا غير تام فيثبت بشاهد ويمين ، ومن قال : بانتقاله إلى الله تعالى لا يثبت إلّا بشاهدين.

٤٦٤٥. السابع : إذا وقف شاة دخل فيه الصوف واللبن الموجودان حالة الوقف ما لم يخرجه (١) عنه بالاستثناء.

٤٦٤٦. الثامن : الوقف عقد يتوقّف على واقف ، وموقوف عليه ، وموقوف ، ولكن واحد من الأربعة شرائط نحن نذكرها في الفصول الآتية إن شاء الله تعالى.

الفصل الثاني : في شرائط الوقف

وهي أربعة : التنجّز ، (٢) والدّوام ، والإقباض ، وعدم الشركة

فهاهنا سبعة مباحث :

٤٦٤٧. الأوّل : إذا علّق الوقف على شرط أو صفة ، لم ينعقد وكان باطلا ، مثل أن يقول : إذا جاء رأس الشهر فداري وقف ، أو فرسي ، أو إذا ولد لي ولد ، أو قدم لي غائب ، ولا نعلم فيه خلافا.

٤٦٤٨. الثاني : إذا وقفه وعلّق الوقف بما لا ينقرض غالبا ، صحّ الوقف ، مثل أن يقفه على أولاده وأولاد أولاده ما تعاقبوا ، فاذا انقرضوا فعلى الفقراء

__________________

(١) في «أ» : ما لم يخرج.

(٢) في «ب» : «التنجيز».

٢٩١

والمساكين ، أو المتعلّمين ، أو بعض المساجد والجوامع ، أو المشاهد ، أو يقفه ابتداء على هذه من غير ذكر الأولاد.

ولو علّقه بما ينقرض غالبا ، مثل أن يقفه على أولاده وأولاد أولاده من غير بيان المصرف بعد الانقراض ، ففيه قولان : أحدهما البطلان (١) والثاني الصحّة (٢) فحينئذ يعود إلى الواقف إن كان موجودا أو إلى ورثته إن كان معدوما ، اختاره الشيخ رحمه‌الله (٣) وقيل : إلى ورثة الموقوف عليه ، اختاره المفيد رحمه‌الله (٤) وابن إدريس (٥) وفيه قوّة ، ولا يعاد على بيت مال المسلمين ، ولا إلى الفقراء ، وإذا عاد إلى ورثة الواقف اشترك الأغنياء فيه والفقراء على ترتيب الميراث الأقرب فالأقرب للذكر مثل حظّ الأنثيين.

٤٦٤٩. الثالث : إذا علّقه بمدّة كأن يقفه سنة أو أكثر(٦) ففي البطلان نظر ، أقربه أنّه يصحّ ويكون حبسا يرجع إليه بعد المدّة.

٤٦٥٠. الرابع : لو وقف لم ينعقد بدون الإقباض ، فلو مات الواقف قبل القبض بطل الوقف ، وكذا لو جنّ ، أو أغمي عليه ، أمّا لو مات الموقوف عليه فأقبض البطن الثاني ففي صحّته نظر.

__________________

(١) قال السيّد العاملي في مفتاح الكرامة : ٩ / ١٨ ما هذا لفظه : وأمّا القول بالبطلان فقد حكاه في الخلاف والمبسوط عن بعض أصحابنا ولم نجده ، ويظهر من التذكرة انّه لم يظفر به أيضا.

ولاحظ المبسوط : ٣ / ٢٩٢.

(٢) ذهب إليه المفيد في المقنعة : ٦٥٥ ؛ والشيخ في النهاية : ٥٩٩.

(٣) المبسوط : ٣ / ٢٩٣ ؛ والنهاية : ٥٩٩.

(٤) المقنعة : ٦٥٥.

(٥) السرائر : ٣ / ١٦٥.

(٦) كذا في «أ» : ولكن في «ب» : كأن يقفه على شهر أو أكثر.

٢٩٢

ولو كان الوقف على ولده الصغير ، كان قبضه قبضا عنه ، ولم يفتقر إلى نصب وكيل يقبض عنه ، ولا إلى مضي زمان يمكن فيه الإقباض ، وكذا الجدّ للأب والوصيّ على إشكال.

والقبض إنّما يشترط في الطبقة الأولى ، فإذا حصل تمّ الوقف ، ولا يفتقر إلى قبض بقيّة الطبقات.

ولو وقف على الفقراء والفقهاء افتقر إلى نصب قيّم يقبض الوقف ، ولو وقف على مصلحة لم يفتقر إلى القبول ، وكان المتولّي للوقف هو الناظر في تلك المصلحة من قبل الشرع.

ولو وقف مسجدا فكذلك لا يفتقر إلى القبول ، ويلزم بصلاة واحدة فيه ، وكذا يلزم وقف المقبرة بدفن واحد ، ولا يلزم بدون ذلك.

٤٦٥١. الخامس : لو وقف على نفسه لم يصحّ الوقف ، ولو وقف على نفسه ثمّ على غيره ، فقولان : أحدهما البطلان (١) والثاني الصحة في الغير ، (٢) ولو وقف على الغير وشرط قضاء ديونه ، أو الاستعانة منه ، أو الإنفاق ، لم يصحّ ، ولو وقفه على الغير وشرط عوده إليه مع حاجته ، كان حبسا يورث عنه إذا مات ، ولو وقفه على الفقراء أو الفقهاء ، ثم صار منهم ، جاز أن يتناول منه ، وكذا لو وقفه على المسلمين جاز أن يأخذ منه ، ومنع ابن إدريس من ذلك (٣).

قال الشيخ : إذا وقف مسكنا جاز أن يسكن مع من وقفه عليه ، وليس له أن

__________________

(١) اختاره المصنّف في المختلف : ٦ / ٢٨٠.

(٢) ذهب إليه الشيخ في المبسوط : ٣ / ٢٩٣ ؛ والخلاف : ٣ / ٥٤٤ ، المسألة ١٠ من كتاب الوقف.

(٣) السرائر : ٣ / ١٥٥.

٢٩٣

يسكن غيره معه (١) وليس بجيّد ، لأنّ الوقف إن كان عامّا للمسلمين ، جاز أن يسكن غيره ، وإن كان خاصّا بقوم لم يجز له السكنى بنفسه.

٤٦٥٢. السادس : لو شرط إخراج من يريد من الوقف ، بطل الوقف ، ولو شرط إدخال من يولد له معهم جاز ، سواء كان الوقف على أولاده ، أو غيرهم ، ولو شرط نقله عنهم بالكليّة إلى من سيوجد ، لم يجز.

قال الشيخ : لو كان الوقف على أولاده الأصاغر جاز أن يدخل معهم من يريد وإن لم يشترط (٢) وليس بجيّد.

٤٦٥٣. السابع : وقف الجاهليّة باطل بنصّ القرآن قال الله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ) (٣).

فالبحيرة : هي الناقة الّتي تلد خمس بطون ، فإذا وجدوا ذلك منها بحروا أذنها أي شقّوها ، والبحر الشّق.

والسائبة : هي الّتي تلد عشرة بطون كلّها إناث ، فيسيّبوها (٤) إكراما لها ، لا تركب ، ولا يؤخذ وبرها ، ولا تحلب إلّا لضيف.

وأمّا الوصيلة : فهي الناقة ، أو الشاة تلد عشرة بطون في كلّ بطن ذكر وأنثى ، فإذا كان منها (٥) ذلك ، قالوا : وصلت أولادها ، وقيل : هي الشاة تلد خمس

__________________

(١) النهاية : ٦٠٠.

(٢) النهاية : ٥٩٦.

(٣) المائدة : ١٠٣.

(٤) ساب الفرس ونحوه تسيّب : ذهب على وجهه ، قيل : السائبة كل ناقة تسيب لنذر فترعى حيث شاءت. لاحظ المصباح المنير.

(٥) في «ب» : فيها.

٢٩٤

بطون في كلّ بطن عناقان ، فإذا ولدت بطنا سادسا ذكرا وأنثى قالوا وصلت اخاها (١) فما تلد بعد ذلك يكون حلالا للذكور وحراما على الإناث (٢).

وأمّا الحام : فهو الفحل ينتج من ظهره عشر بطون فيسيّب ، ويقال : حمى ظهره فلا يركب.

والفقهاء يسمّون العبد الّذي يعتق بشرط عدم الولاء سائبة ، وذلك سائغ ليس مقصودا من الآية. (٣)

الفصل الثالث : في شرائط الواقف

ويشترط فيه أمور أربعة : كونه بالغا ، عاقلا ، جائز التصرّف ، مالكا ، متقرّبا إلى الله تعالى ، فلا يصحّ وقف الصبيّ ، ولو بلغ عشرا ففي نفوذ وقفه إشكال ينشأ من عدم البلوغ المنوط به الأحكام ، ومن دلالة الرواية على الصّدقة (٤) والوقف نوع منها ، والأقرب عندي المنع.

ولو وقف المجنون ، أو الساهي ، أو الغافل ، أو السكران ، أو المحجور عليه للسفه أو الفلس ، لم يصحّ ، ولو وقف المملوك بطل ، وكذا الفضولي وإن أجاز

__________________

(١) كذا في «أ» ولكن في «ب» : ذكرا أو أنثى قالوا : أم وصلت أخاها.

(٢) لاحظ المبسوط : ٣ / ٢٨٧.

(٣) في «ب» : ليس مقصورا في الآية.

(٤) انظر الوسائل : ١٣ / ٤٢٩ ، الباب ٤٤ من كتاب الوصايا ، الحديث ٤ ؛ الكافي : ٧ / ٢٨ ، باب وصية الغلام ؛ الفقيه : ٤ / ١٤٥ برقم ٥٠٢ ؛ التهذيب : ٩ / ١٨١ برقم ٧٢٩.

٢٩٥

المالك ، ولا يصحّ وقف المكره ، وإجازته بعد زوال عذره كإجازة المالك وقف الفضولي على إشكال.

ولا بدّ من قصد القربة فلو وقف غير متقرب إلى الله تعالى ، بطل الوقف.

أمّا المريض فإن برأ من مرضه صحّ وقفه ، وإن مات أخرج من ثلث المال ، ولو أجاز الورثة خرج من الأصل ، ولو أجاز بعضهم نفذ من الأصل في قدر نصيب المجيز ومن الثلث في الباقي ، وقيل : يمضى من الأصل مطلقا ، (١) والوجه الأوّل.

ولو ضم الوقف إلى عطايا متبرع بها كالهبة ، والعتق ، والمحاباة بدئ بالأوّل فالأوّل إن قصر الثلث عن الجميع ، ولم يجز الورثة إلى أن يستوفى الثلث ثمّ يدخل النقص على الأخير ، وكذا البحث في الوصايا المتعدّدة ، ولو جهل المتقدّم ، قيل : يقسّم على الجميع بالحصص ، واستعمال القرعة حسن.

ولو قال : وقفت (٢) بعد موتي كذا ، كان وصيّة بالوقف ، يخرج من الثلث.

ولو قال : هو وقف بعد موتي ، ففي كونه وصيّة بالوقف صحيحة ، أو وقفا مشروطا بالموت باطلا نظر.

ولو وقف المريض على ولده ، أو بعض ورّاثه شيئا ، صحّ ، ويخرج من الثلث.

ولو وقف داره ، وهي تخرج من الثلث ، على ابنه وبنته (٣) بالسويّة ، صحّ الوقف على ما شرط ، وكذا لو وقفه على ابنه وزوجته ، وإن كانت الدار جميع

__________________

(١) يظهر ذلك من كلام الحلّي في السرائر : ٣ / ١٧٦.

(٢) في «أ» : ولو قال : قفوا.

(٣) في «ب» : وبنيه.

٢٩٦

ملكه فإن أجاز الورثة فلا بحث ، وإن منعوا ، كان الثلث وقفا ، والثلثان طلقا ، سواء زاد الورثة عن الموقوف عليه أو لا ، فإن لم يكن غير الابن والبنت ، واختاروا الوقف دون التسوية ، فالوجه أنّ النصف يكون وقفا على الابن ، والثلث على البنت ، ويكون السدس طلقا للولد ، ولو اختاروا التّسوية دون الوقف صحّ الوقف في الثلث ، وكان الباقي ميراثا بينهما بالسويّة (١) على سبيل الهبة ، ويعتبر فيه شرائطها.

الفصل الرابع : في شرائط الموقوف عليه

وهي أربعة : وجوده ، وتعيينه ، وصحّة تملّكه ، وتسويغ الوقف عليه.

فهاهنا اثنان وثلاثون بحثا :

٤٦٥٤. الأوّل : لا يصحّ الوقف على المعدوم ابتداء ، كما لو وقف على ولده ولا ولد له ، أو على من سيولد له ، سواء كان ممّا يصحّ وجوده ، أو يمتنع ، ولا يصحّ الوقف على حمل لم ينفصل ، ولو وقف على المعدوم تبعا للموجود ، صحّ ، مثل أن يقف على عقبه وعقب عقبه ما تعاقبوا ، فإنّه يلزم وإن لم يكن باقي البطون موجودة.

٤٦٥٥. الثاني : لو وقف على المعدوم ثمّ بعده على الموجود ، تردّد الشيخ في الصحّة والبطلان وقوّى الصحّة على الموجود (٢) وكذا لو وقف على من لا يصحّ الوقف عليه أوّلا ثمّ على من يصحّ عليه ، كما لو وقف على المجهول ثمّ

__________________

(١) في «أ» : بالتسوية.

(٢) المبسوط : ٣ / ٢٩٣.

٢٩٧

المعلوم ، أو على عبده ثمّ على أولاده ، ومع الصحّة إن كان من لا يصحّ الوقف عليه لا يمكن انقراضه كالمجهول والمعدوم ، انصرفت منافع الوقف في الحال إلى من يصحّ عليه ، وإن أمكن انقراضه كالعبد والحمل ، ففي توقّف الانصراف على انقراضه عملا بالشرط ، وعدمه لانتفاء المالك غيرهم إشكال. وقوّى الشيخ الثاني (١) وعلى الأوّل قيل : تصرف المنافع إلى الفقراء مدّة بقاء العبد وإلى الموقوف عليهم بعد انقراضه.

٤٦٥٦. الثالث : لو وقف على العبد لم يصحّ ، سواء كان عبد نفسه أو غيره ، ولا يكون الوقف عليه وقفا على مولاه ، ولا فرق في ذلك بين القنّ ، والمدبّر ، وأمّ الولد ، والمكاتب المشروط ، والّذي لم يؤدّ من مكاتبته شيئا ، أمّا المطلق إذا أدّى شيئا من كتابته صحّ بمقدار ما فيه من الحرّية ، وبطل في الباقي ، ولو وقف على الدابّة بطل أيضا.

٤٦٥٧. الرابع : لو وقف على نفسه ثمّ على المساكين ، لم يصحّ في حقّ نفسه ، وفي صحّته في حقّ المساكين قولان تقدّما.

ولو شرط أن ينفق على نفسه منه ، بطل الوقف أمّا لو شرط أن يأكل أهله أو من يليه ، فإنّه يصحّ.

ولو شرط أن يهبه متى شاء ، أو يبيعه ، أو يرتجعه لم يصحّ.

وقال المرتضى : لو شرط أنّه إن احتاج إليه في حياته ، كان له بيعه والانتفاع بثمنه جاز (٢) وليس بجيّد ، وقال الشيخ : لو شرط بيعه والتصرف فيه عند الحاجة ، صحّ الشرط ، ويرجع ميراثا عند الموت (٣) ، ولو شرط الخيار لنفسه فكذلك.

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ٢٩٤.

(٢) الانتصار : ٤٦٨ ، المسألة ٢٦٤ (من الطبع الحديث).

(٣) النهاية : ٥٩٥.

٢٩٨

٤٦٥٨. الخامس : إذا قال : هذا وقف أو صدقة ، ولم يذكر المصرف ، لم يصحّ ، وكذا لو ذكر مصرفا مجهولا ، كأن يقول : على أحد هذين ، أو على أحد المشهدين.

٤٦٥٩. السادس : إذا وقفه على من يجوز الوقف عليه ، ثمّ على من لا يجوز الوقف عليه ، فإن قلنا بصحّة المنقطع ، صحّ هنا ، وصرف بعد انقراض من يصحّ الوقف عليه إلى من يصرف إليه نفع المنقطع.

ولو كان صحيح الطرفين منقطع الوسط ، كأن يقف على أولاده ثمّ على عبيدهم ثمّ على الفقراء ، احتمل الصحّة والبطلان ، وعلى تقدير الصحّة ينظر فيما لا يجوز الوقف عليه ، فإن لم يمكن انقراضه ألغيناه ، وإلّا ففي إلغائه واعتبار انقراضه وجهان تقدّما.

ولو كان صحيح الوسط خاصّة ، مثل أن يقف على عبده ، ثمّ على أولاده ، ثمّ على الكنيسة ، احتمل الوجهان ، ومع الصحّة فمصرفه (١) بعد من يجوز الوقف عليه مصرف المنقطع.

٤٦٦٠. السابع : لو قال : هذا وقف على ولدي سنة ، ثمّ على المساكين ، صحّ ، وكذا لو قال : على ولدي مدّة حياتي.

ولو قال : هذا وقف على المساكين ، وبعد انقراضهم على ولدي ، صحّ على المساكين ولغى على ولده (٢) لامتناع انقراضهم.

٤٦٦١. الثامن : لا يصحّ الوقف على من لا يملك كالعبد ، وإن قلنا إنّه يملك ، والميّت ، والحمل ، والملك ، والجنّ ، والشياطين ، والمرتدّ عن فطرة ، والحربي ، وهل يصحّ على الذمّي؟ قيل : نعم مطلقا ، وقيل : إن كان ذا رحم ،

__________________

(١) في «ب» : فصرفه.

(٢) في «أ» : ولغا ولده.

٢٩٩

وقيل : إن كان أحد الأبوين (١). وهل يصحّ على المرتدّ عن غير فطرة؟ فيه نظر.

ولو وقف على بعض المساجد ، أو المشاهد ، أو القناطر ، أو المدارس ، أو السقايات ، أو كتب الفقه والأحاديث والقرآن ، صحّ ، لأنّ الوقف في الحقيقة على المسلمين ، خصّص صرفه في بعض مصالحهم.

٤٦٦٢. التاسع : لو وقف المسلم على البيع ، والكنائس ، وبيوت النيران ، وكتابة التوراة ، والإنجيل وغيرهما من كتب الأنبياء السالفة الّتي غيّرت ، لم يصحّ ، ولو لم تغيّر ، صحّ وإن كانت منسوخة ، ولو وقف الذمّي ذلك جاز.

وكذا لا يجوز أن يقف على معونة الزناة ، وقطّاع الطريق ، وغيرهما من الفسّاق ، فلو وقف على من يمرّ بالبيع والكنائس من المجتازين من أهل الذمّة ، فالأقرب الجواز ، ولو وقف على خادم الكنيسة ، أو على مصالحها من الحصر والأضواء لم يصحّ.

٤٦٦٣. العاشر : يجوز الوقف على القبيلة العظيمة والمساكين إجماعا ، وكذا يجوز في غيرهم ، سواء أمكن استيعابهم وحصرهم أو لا ، مثل أن يقف على قريش ، أو بني هاشم أو بني تميم ، وكذا يجوز على أهل كلّ إقليم ، أو مدينة كالعراق وبغداد ، أو على أقاربه وعشيرته ، ويدخل في الوقف كلّ من صدق عليه الاسم.

ولو وقف المسلم على الفقراء ، انصرف إلى فقراء المسلمين خاصّة ، عملا بقرينة الحال ، ولو وقف الكافر على الفقراء انصرف إلى فقراء نحلته.

٤٦٦٤. الحادي عشر : إذا وقف على المسلمين ، انصرف إلى كلّ من صلّى إلى القبلة.

__________________

(١) لاحظ الأقوال حول المسألة في المختلف : ٦ / ٢٦١.

٣٠٠