تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-66-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦١٣

تسليمه ، وجب على ربّ المال دفعه ثالثا ، وهكذا ، ويكون الجميع رأس ماله ، والأقرب عندي أنّه إن كان قد اشترى في الذمّة ، فإن كان بإذن المالك فكذلك ، وإلّا كان الشراء باطلا ، ولا يلزم الثمن أحدهما ، ولو كان التلف قبل الشراء ، احتمل القول بوقوع الشراء للعامل ووجوب الثمن عليه لانفساخ القراض.

٤٥٦٥. الخامس عشر : ليس لربّ المال أن يشتري من العامل شيئا من مال القراض ، ولا أن يأخذ منه بالشفعة ، وكذا لا يشتري من عبده المأذون وإن كان السيد مدينا ، وله أن يشتري من المكاتب ويأخذ منه بالشفعة.

ولو اشترى العامل من مال المضاربة شيئا ولا ربح ، فالأقرب الجواز.

٤٥٦٦. السادس عشر : إذا دفع إليه ألفا قراضا ، وشرط أن يأخذ له بضاعة ، صحّ القراض والشرط ، لكنّه لا يلزمه الوفاء به.

٤٥٦٧. السابع عشر : إذا دفع إليه ألفا قراضا بالنصف ، ثمّ دفع إليه ألفا أخرى وقال : ضمّها إلى الأولى كذلك ، فان كان قبل دوران الأولى في التجارة صح ، وكانتا معا قراضا بالنصف ، وإن كانت الثانية بعد دوران الأولى ، قال الشيخ :

يبطل الثاني لاستقرار حكم الأوّل في الربح والخسران المختصّين به ، فإذا شرط ضمّ الثانية إليه لزم جبر خسران أحدهما بربح الآخر. (١)

٤٥٦٨. الثامن عشر : إذا دفع ألفا قراضا ، وقال له : أضف من عندك أخرى واتّجر بهما على أنّ لي ثلثي الربح ، ولك الثلث بطل ، قاله الشيخ ، قال : وكذا لو

__________________

(١) كانت الضمائر في النسختين مشوشة فصححناها حسب ظاهر كلام المصنّف ، وتركنا كلام الشيخ على حاله. لاحظ المبسوط : ٣ / ١٩٧ ـ ١٩٨.

٢٦١

شرط الأكثر للعامل (١) وليس بجيّد. قال : ولو دفع ألفين وقال : أضف من عندك ألفا أخرى على أنّ الألفين شركة ، والألف الأخرى قراضا ، صحّ. (٢)

٤٥٦٩. التاسع عشر : لوليّ اليتيم أن يدفع ماله قراضا إلى الثقة ، فلو دفعه إلى غير الثقة ضمن.

٤٥٧٠. العشرون : إذا خسر مائة فاقترضها ليدفعها مع المال إلى المالك من غير أن يشعره لئلّا ينتزع المال ، ففسخ المالك ، لم يكن للمقرض الرجوع على المالك بما أخذه.

٤٥٧١. الحادي والعشرون : إذا اشترى بمائة جارية ثمّ أخذ من آخر مائة واشترى بها جارية ، ثمّ اشتبهتا ، تشاركا في الجاريتين وبيعتا ، وقسّما الثمن بينهما ، وإن ظهر ربح ، كان للعامل نصيبه ، وإن خسر ضمن العامل إن فرّط في المزج وإلّا فلا ، ولا يملكهما العامل ، ويرجعان برأس المال عليه. قال الشيخ : ولو قلنا بالقرعة كان قويّا (٣).

٤٥٧٢. الثاني والعشرون : يجوز للعامل أن يعامل آخر ويسعى بالمالين ، وتكون حصّته من الربح الثاني له ، ولا يقاسم المالك الأوّل فيه.

٤٥٧٣. الثالث والعشرون : إذا أخذ ما يعجز عن السعي لضعفه ، أو كثرة المال ، ضمن لتفريطه في قبضه.

٤٥٧٤. الرابع والعشرون : إذا قتل عبد القراض ، وكان القاتل عبد أجنبيّ ، وجب القصاص ، فإن لم يكن فضل ، لم يكن للعامل حقّ ، فإن اقتصّ ، أو عفا

__________________

(١) و (٢) المبسوط : ٣ / ١٩٨.

(٣) المبسوط : ٣ / ٢٠١.

٢٦٢

على غير مال ، زال القراض ، وإن عفا على مال كان قراضا ، وإن كان فضل لم يكن للعامل الانفراد بالقصاص ولا للمالك ، ويقتسمان الربح على الشرط إن عفوا على مال.

٤٥٧٥. الخامس والعشرون : إذا اشترى جارية للقراض ، لم يكن للعامل وطؤها ولا للمالك ، ولو أذن أحدهما لصاحبه فيه ، جاز ، ويعتبر في إذن المالك لفظ التحليل ، وليس لأحدهما أن يزوّجها بغيره ، ولو اتّفقا عليه جاز.

ولو اذن المالك في وطئ ما يشتريه العامل له ، لم يجز ، ولو وطئ العامل من غير إذن كان عليه المهر ، وإن كان هناك ربح ، وان علقت منه ولا ربح فالولد للمولى وعليه الحد ، وإن ظهر ربح تحرّر الولد ، وصارت أمّ ولد ، وعليه قيمتها وقيمة الولد يوم سقوطه حيّا إن قلنا انّه يملك بالظهور وإلّا فكالأوّل.

٤٥٧٦. السادس والعشرون : ليس للعامل أن يكاتب عبد القراض على ما تقدم ، ولا للمالك ، فإن اتّفقا جاز ، فإن أعتق ، كان الولاء للمولى إن لم يكن ربح ، وإن كان ، فهو بينهما على النسبة ، هذا إذا شرطا الولاء عليه ، وإلّا فلا ولاء لواحد منهما.

٤٥٧٧. السابع والعشرون : إذا دفع مائة ، فخسر العامل عشرة ، ثمّ أخذ المالك عشرة أخرى ، ثمّ ربح العامل ، كان رأس المال تسعة وثمانين إلّا تسعا لعدم انتقاص القراض بالخسران ، ولهذا لو ربح ردّ إليه من الرّبح ، حتى يجبر الذاهب فالخسران إذن كالموجود في يد العامل ، فإذا أخذ المالك عشرة انتقص (١)

__________________

(١) في «أ» : انتقض.

٢٦٣

فيها القراض ، كما لو أخذ الجميع ، فحينئذ ينتقض (١) في الخسران ما يخصّه من العشرة ، فتقسط العشرة المأخوذة على تسعين ، فلكل عشرة واحد وتسع واحد ، فيكون رأس المال ما بقى.

فقد ظهر أنّه لا يجب على العامل جبر ما يخصّ المستردّ من الخسران ، فلو استردّ المال وكان فيه ربح ، استقرّ ملك العامل على ما يخصّه من ذلك القدر ، فلا يسقط بالنقصان ، فلو كان المال مائة فربح عشرين ، فأخذ منه ستّين ، ثمّ خسر في الباقي فصار أربعين ، ردّ الأربعين وكان له على المالك خمسة ، لأنّ سدس ما أخذه ربح ، ولا يجبر به الخسران ، لأنّ المأخوذ انفسخت فيه المضاربة.

٤٥٧٨. الثامن والعشرون : إذا دفع إليه بغلا ليستعمله على الشركة في الحاصل ، كان قراضا باطلا ، والحاصل للمالك وعليه أجرة المثل للعامل.

ولو دفع شبكة للصيد على الشركة ، بطل ، وكان الحاصل للعامل ، وعليه أجرة الشبكة.

ولو دفع أرضا للغرس على الشركة منهما (٢) لم يصحّ ، وللعامل غرسه ، وللمالك أرضه ، وللمالك على الغارس أجرة الأرض ، ثمّ إن لم يستضرّ الغرس بالقلع ، كان للمالك إلزام الغارس به ، وإلّا تخيّر بين قلعه (٣) مع الأرش ودفع قيمة الغرس ، وإبقائه بالأجرة.

ولو كان زرعا ، لزمه إبقاؤه بالأجرة ، فإن اختار المالك قلع الغرس بالأرش

__________________

(١) كذا في النسختين ولعلّ ظاهر السياق «ينتقص».

(٢) في «أ» : فيهما.

(٣) في «أ» : قطعه.

٢٦٤

والغارس الإبقاء بالأجرة ، قدّم قول المالك ، ولو انعكس الفرض ، قدّم قول الغارس.

ولو اختار المالك أخذ الغرس بالقيمة ، والعامل القلع مع أخذ الأرش ، قدّم قول العامل ، ولو انعكس الفرض قدم قول المالك.

ولو قال المالك : خذ القيمة ، وطلب الغارس الإبقاء مع الأجرة ، أو بالعكس ، لم يجبر أحدهما على ما طلبه الآخر.

٤٥٧٩. التاسع والعشرون : إذا كان القراض فاسدا ، نفذ التصرف بمجرد الإذن ، وخلص الربح بأجمعه للمالك ، وعليه أجرة المثل للساعي ، ولا ضمان على الساعي إلّا بتعدّ أو تفريط ، ولو شرط المالك الربح كلّه ، ففي استحقاق العامل الأجرة نظر ، والأجرة يستحقّها الساعي ، سواء كان في المال ربح أو لا ، وليس للعامل قراض المثل.

٤٥٨٠. الثلاثون : الزيادات العينيّة كالثمرة والنتاج محسوبة من الربح ، وكذا بدل منافع الدّوابّ ، ومهر الجواري ، ولو وطئ العامل وجب عليه العقر ، وفي المالك نظر.

وأمّا النقصان الحاصل بالعيب الطارئ ، أو انخفاض السوق خسران يجب جبره بالربح ، وما يقع باحتراق ، أو سرقة ، وفوات عين ، فالوجه أنّه كذلك.

٤٥٨١. الحادي والثلاثون : السيّد إذا أذن لعبده في التجارة ، جاز على حسب الإذن ، فإن أذن في الشراء في الذمّة ، جاز ، وكذا لو أذن في التجارة في صنف واحد ، لم يجز أن يتّجر في غيره ، وإذا أذن له في التجارة لم يجز له أن يؤاجر نفسه.

٢٦٥

ولو لم يأذن له لكن رآه يبيع ويشتري فلم يمنعه لم يكن ذلك إذنا في التجارة ، ويكون بيعه باطلا ، وكذا شراؤه إلّا أن يجيز المولى ، وفي بطلان شرائه بمال في الذمّة نظر.

وإذا أبق المأذون لم يبطل الإذن.

وليس للمأذون أن يتخذ دعوة بغير إذن مولاه ، وكذا لا يهب بغير إذنه.

٤٥٨٢. الثاني والثلاثون : إذا اشترى العامل ما لم يؤذن فيه ، فربح ، كان الربح على ما شرطاه ، ولا يكون بأجمعه للمالك ، ولا يتصدّقان به وجوبا.

٤٥٨٣. الثالث والثلاثون : إذا سرق المال أو غصب فالأقرب أنّ للمضارب طلبه والخصومة عليه ، فإن ترك ذلك مع غيبة المالك وإمكان التخليص ، ففي الضمان نظر ، ولو كان المالك حاضرا وعلم بالحال ، ففي لزوم العامل به نظر.

٤٥٨٤. الرابع والثلاثون : الربح وقاية لرأس المال يجبر به الخسران ، سواء كان الربح والخسران في مرّة واحدة ، أو الربح في صفقة والخسران في أخرى ، أو أحدهما في سفرة والآخر في أخرى.

وليس للعامل أن يأخذ من الربح شيئا بغير إذن المالك.

ولو نضّ المال خاسرا فدفعه إلى المالك ، فردّه إليه وقال : اعمل به ثانيا ، فهو عقد جديد ، إن ربح لم يجبر الخسران الأوّل ، أمّا لو لم يقبضه ، بل أذن له في العمل بعد انضاضه ، فالأقرب أنّه ليس عقدا ثانيا ، بل يجبر من الربح الثاني ما خسره أوّلا.

٢٦٦

٤٥٨٥. الخامس والثلاثون : إذا مات وفي يده أموال مضاربة ، فإن علم مال أحدهم بعينه ، كان أولى به ، وإن جهل ، تساووا فيه ، وإن جهل كونه مضاربة قضي به ميراثا ، ولو مات وعلم أنّ بيده مضاربة ولم توجد ففي أخذها من التركة إشكال.

٤٥٨٦. السادس والثلاثون : إذا شرط على العامل ضمان المال ، أو سهما من الوضيعة ، بطل الشرط ، ففي صحة القراض حينئذ إشكال ، ولو شرط العامل نفقة نفسه في السفر صحّ ، وكذا في الحضر.

٤٥٨٧. السابع والثلاثون : الشروط الفاسدة على أقسام ثلاثة :

أحدها : ينافي مقتضى العقد ، مثل أن يشترط ان لا يبيع إلّا برأس المال ، أو بالوضيعة ، أو لا يبيع إلّا ممّن اشترى منه ، أو لا يشتري ، أو لا يبيع ، أو يولّيه ما يختاره من السلع.

والثاني : ما يقتضي جهالة الربح ، مثل أن يشترط للعامل جزءا من الربح مجهولا ، أو ربح أحد الكسبين (١) أو العبدين ، أو دراهم معلومة بجميع حقّه أو بعضه.

الثالث : اشتراط ما ليس من مصلحة العقد ولا مقتضاه ، مثل اشتراط النفع ببعض السلع ، مثل لبس الثوب ، واستخدام العبد ، وركوب الدابّة ، ووطء الجارية ، وضمان العامل المال أو بعضه ، فهذه الشروط كلّها باطلة تفسد العقد إن اقتضت جهالة الربح وإلّا فلا على إشكال.

__________________

(١) هذا ما أثبتناه ولكن في النسختين «الكيسين» وهو مصحّف.

٢٦٧

الفصل الثالث : في أحكام النزاع

وفيه أحد عشر بحثا :

٤٥٨٨. الأوّل : لو اختلفا في قدر رأس المال ، فالقول قول العامل مع اليمين ، وكذا القول قوله مع اليمين لو ادّعى الخسارة ، أو التلف ، أو ادّعى عليه الخيانة ، أو التفريط ، فأنكر.

٤٥٨٩. الثاني : لو اختلفا فيما اشتراه ، فقال المالك : للقراض ، وادّعاه العامل لنفسه ، فالقول قول العامل ، لأنّه أبصر بنيّته (١) وكذا لو قال : اشتريت للقراض ، وقال المالك : لنفسك.

٤٥٩٠. الثالث : لو ادّعى المالك أنّه نهاه عن شراء المعيّن ، فأنكر ، فالقول قوله مع اليمين ، لأنّ الأصل عدم النهي وعدم الخيانة.

٤٥٩١. الرابع : لو ادّعى العامل الإذن في البيع نسيئة ، أو الشراء بعشرة ، فأنكر المالك ذلك ، فالوجه أنّ القول قول المالك ، ولو ادّعى عموم الإذن وادّعى المالك تخصيصه ، أو ادّعى الإذن في شراء شي‌ء بعينه ، وأنكر المالك ، فالأقرب تقديم قول المالك.

٤٥٩٢. الخامس : لو اختلفا في قدر ما شرط للعامل ، فالأقرب أنّ القول قول

__________________

(١) في «ب» : بنفسه.

٢٦٨

المالك مع اليمين ، ولا يتحالفان ، ولا يصار إلى قول العامل فيما يساوي أجرة المثل ، ولا إلى قول المالك فيما يزيد عليها.

٤٥٩٣. السادس : لو ادّعى العامل ردّ المال ، فأنكر المالك ، فالأقرب أنّ القول قول المالك مع اليمين لا قول العامل.

٤٥٩٤. السابع : لو قال العامل : ربحت كذا ثمّ خسرت ، أو تلف الربح ، قبل مع اليمين ، أمّا لو قال : غلطت أو نسيت ، لم يقبل وألزم بما أقرّ به من الربح.

٤٥٩٥. الثامن : لو ادّعى أنّه دفع إليه قراضا ، فأنكر ، ثم اعترف ، أو قامت البيّنة ، فادّعى التلف قبل الإنكار ، لم يلتفت إليه ، ولو كانت صورة إنكاره بعدم الاستحقاق ، قبل.

٤٥٩٦. التاسع : لو دفع إلى اثنين قراضا ، ثمّ اختلفوا ، فقال المالك : رأس المال ثلثا الحاصل والثلث الآخر ربح (١) ، فصدّقه أحدهما ، وقال الآخر : بل رأس المال ثلثه ، والثلثان ربح ، فالقول قول المكذّب مع يمينه ، فيأخذ حصّته ممّا ادّعاه فائدة وهو السدس ، ويأخذ المالك بتصديق الآخر ما ادّعاه رأس ماله ، وهو الثلثان ، ويبقى السدس ، لربّ المال ثلثاه ، وللمصدّق ثلثه ، لأنّ المأخوذة باليمين ، وهو نصف السدس ، أخذ من ربح المالك والمصدّق على نسبة استحقاقهما ، وهي الثلث.

٤٥٩٧. العاشر : لو اختلفا فقال المالك : دفعته قراضا ، وقال العامل : قرضا ، فالأقرب أنّهما يتحالفان ، ويثبت للعامل أكثر الأمرين من أجرة المثل ـ إذا لم تزد على ما ادّعاه ـ وممّا ادّعاه المالك من النصيب.

__________________

(١) في «أ» : الربح.

٢٦٩

وقال بعض الجمهور : القول قول المالك (١) وفيه نظر ، ولو أقام كلّ منهما بيّنة ، قال بعض الجمهور : يتعارضان ويقسّم الربح نصفين (٢).

ولو كان هناك خسران ، فادّعى المالك القرض والعامل القراض ، فالقول قول المالك مع اليمين ، ولو ادّعى المالك الإبضاع ، وادّعى العامل القراض ، ففي تقديم قول العامل من حيث إنّ العمل له ، نظر ، ويحتمل أنّهما يتحالفان ، فحينئذ يأخذ العامل أقلّ الأمرين من أجرة المثل وما ادّعاه نصيبا.

ولو ادّعى المالك الإبضاع والعامل القرض ، أمكن إحلاف كلّ منهما على ما ينكره الآخر ، فيثبت للعامل أجرة المثل ما لم تزد.

٤٥٩٨. الحادي عشر : إذا أوجبنا النفقة في السفر ، لو أنفق من غير المال إمّا من ماله ، أو قرضا ليرجع به ، ففي الرجوع إشكال ، ولو شرط النفقة ثمّ ادّعى الإنفاق من مال نفسه ، وطلب الرّجوع ، كان القول قوله مع اليمين ، سواء كان المال في يده ، أو ردّه إلى المالك.

__________________

(١) ذهب إليه ابن قدامة في المغني : ٥ / ١٩٥.

(٢) ذهب إليه أحمد بن حنبل. لاحظ المغني لابن قدامة : ٥ / ١٩٥.

٢٧٠

كتاب الهبات وتوابعها

وفيه مقاصد

٢٧١
٢٧٢

[المقصد] الأوّل : في الهبة

وفيه فصلان :

[الفصل] الأوّل : في الماهيّة

وفيه ثمانية عشر بحثا :

٤٥٩٩. الأوّل : الهبة عقد يقتضي تمليك العين منجّزا من غير عوض ، ويسمّى النحلة والعطية ، قال الشيخ رحمه‌الله : الهدية والهبة والصّدقة بمعنى واحد ، ولهذا يحنث لو حلف ألّا يهب فتصدّق على مسكين ، غير أنّه إذا قصد الثواب والتقرّب إلى الله تعالى بالهبة ، سمّيت صدقة ، وإن قصد بها التودد والمواصلة سمّيت هدية (١).

٤٦٠٠. الثاني : الهبة جائزة بالنص والإجماع ، وهي عقد يفتقر إلى الإيجاب والقبول والقبض ، وهل يستغنى عن الإيجاب والقبول في هدية الأطعمة؟ الأقرب عدمه ، نعم يجوز التصرف عملا بالإذن المستفاد من العادة ،

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ٣٠٣.

٢٧٣

وللمالك الرجوع ما لم يتلف ، ولا يكفي هنا التصرف. ومع التلف ليس للمالك مطالبته (١) بالعوض.

ولا يصحّ تعليقه بشرط ولا تأقيته ، فالإيجاب كلّ لفظ قصد به التمليك المذكور ، مثل : وهبتك وملّكتك ، والقبول كلّ لفظ دالّ على الرضا بالإيجاب.

٤٦٠١. الثالث : لا تصحّ الهبة إلّا من بالغ ، كامل العقل ، جائز التصرف.

فلو وهب الصبيّ ، أو المجنون ، أو السفيه ، أو المحجور عليه للفلس ، أو المملوك ، لم تصحّ.

٤٦٠٢. الرابع : أركان الهبة خمسة :

الواهب ، وهو كلّ مالك جائز التصرف ، فلو وهب غير المالك لم تصحّ.

والموهوب له ، وهو القابل ، ويشترط فيه البلوغ والعقل وجواز التصرف في ذلك ، فلو وهب العبد لم تصحّ.

والموهوب ، هو كلّ عين مملوكة يصحّ نقلها ، فلو وهب الدّين لم يجز ، وكذا لو وهب ما لا يصحّ تملّكه من الأعيان ، كالخمور والخنازير ، أو لا يصحّ نقله كالوقف وأمّ الولد.

والعقد ، وهو الإيجاب والقبول على ما تقدّم.

والقبض ، فلا تصحّ الهبة ما لم ينضمّ القبض إلى العقد ، فلو مات الواهب ، أو الموهوب له بعد العقد قبل القبض ، بطلت الهبة ، سواء مات قبل الإذن في القبض أو بعده.

__________________

(١) في «ب» : المطالبة.

٢٧٤

وقال الشيخ : لا تبطل بموت الواهب ، ويقوم الوارث مقامه في الإقباض (١) وفيه بعد.

ومن شرط صحّة القبض إذن الواهب فيه ، فلو قبض المتّهب بدون إذن الواهب لم يحصل الملك.

٤٦٠٣. الخامس : القبض شرط في الهبة ، سواء كانت الهبة بشي‌ء معين ، أو غير معيّن ، وسواء كان مكيلا ، أو موزونا ، أو لم يكن احدهما ، ويكون الواهب قبل الإقباض بالخيار إن شاء أقبضه ، وإن شاء منعه ، ولو أذن له في القبض فقبض ، صحّت الهبة. ولو رجع قبل القبض ، بطلت الهبة ، ولو قبض بغير إذن الواهب ، لم تصحّ الهبة وإن كانا في المجلس.

٤٦٠٤. السادس : الهبة قبل القبض باقية على ملك الواهب ، فلو نمت كان النماء للواهب ، وكذا تلحقها بقيّة أحكام الملك ، ولو أتلفها المتّهب ، كان له إلزامه بالضمان.

٤٦٠٥. السابع : إذا وهبه ما في ذمّته ، كان إبراء صحيحا ، ولا يفتقر الإبراء إلى القبول.

قال الشيخ : ويقوى في نفسي افتقاره إليه ، ثمّ قوّى العدم (٢) وهو يدلّ على تردّده.

٤٦٠٦. الثامن : لو وهبه ما هو في يد المتّهب ، كالوديعة ، والغصب انعقدت بالإيجاب والقبول ، ويكفي حصولها في يده عن القبض المتجدّد ، ولا يفتقر إلى تجديد قبض ولا مضيّ زمان يمكن وقوعه فيه ، ولا تجديد إذن في القبض.

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ٣٠٥.

(٢) المبسوط : ٣ / ٣١٤.

٢٧٥

٤٦٠٧. التاسع : القبض فيما لا ينقل ولا يحوّل التخلية ، وفيما ينقل ويحوّل النقل والتحويل ، وتصحّ هبة المشاع كالمقسوم ، ويتحقّق فيه القبض بتسليم الجميع إليه ، فإن أبى الشريك ، أمر المتّهب بتوكيل الشريك في قبضه ، فإن امتنع ، نصب الحاكم من يكون في يده لهما فينقله.

٤٦٠٨. العاشر : تجوز هبة المشاع ، سواء قبل القسمة كالعقار أو لم يقبلها كالجوهرة ، ولو وهب واحد اثنين شيئا صحّ ، وإن كان ممّا لا يمكن (١) قسمته ، وكذا يصحّ لو وهب اثنان اثنين شيئا ممّا يمكن قسمته أو لا يمكن ، وإذا وهب الاثنين وأذن لهما في القبض فقبضاه ، صحّت الهبة. ولو أذن لأحدهما دون صاحبه ، صحّت الهبة في نصيب المأذون خاصّة.

٤٦٠٩. الحادي عشر : لا تصحّ هبة ما لا يصحّ إقباضه ، كالطير في الهواء ، والسمك في الماء ، والعبد الآبق ، والجمل الشارد ، والمغصوب لغير الغاصب مع عدم إمكان القبض منه ، ولو أمكن ووهبه لغير الغاصب صحّ ، ولزم مع القبض وليس للمتّهب القبض من الغاصب بدون إذن الواهب ، ولو وكّل الواهب الغاصب في التقبيض جاز ، ولو وكّل المتّهب الغاصب في القبض له ، جاز أيضا ، ويصير مقبوضا بذلك ، ولا يفتقر إلى مضيّ زمان يتحقّق فيه القبض ، وملكه المتّهب ، وبرئ الغاصب من ضمانه.

٤٦١٠. الثاني عشر : لا تصحّ هبة اللبن في الضرع ، ولا الحمل في البطن. والوجه عندي جواز هبة الصوف على ظهر الغنم (٢) لجواز بيعه كذلك ، وإذا أذن

__________________

(١) هذا ما أثبتناه ولكن في النسختين «ممّا يمكن».

(٢) في «ب» : على ظهور الغنم.

٢٧٦

له في حلب الشاة ، كان إباحة لا هبة. ولو وهبه زيت زيتونه (١) قبل استخراجه ، أو دهن سمسمه (٢) قبل عصره ، لم تصحّ.

ولا تصحّ هبة المعدوم ، كهبة ثمرة شجرته المتجدّدة ، أو حمل دابته المتجدّد.

٤٦١١. الثالث عشر : لا تصحّ (٣) هبة المجهول ، مثل شاة من غنمه ، أو عبد من خدمه ، والأقرب جواز هبة المعلوم عند الواهب المجهول عند المتّهب ، ويحتمل البطلان على ضعف ، أمّا لو كان مجهولا عند الواهب معلوما عند المتّهب ، بأن يكون في يد المتّهب مال للواهب ولا يعلم الواهب قدره ولا نوعه ، فوهبه جميع ما في يده ، فالأقرب البطلان على إشكال.

ولو وهبه صبرة مشاهدة صحّت الهبة ، وإن كانت مجهولة القدر.

٤٦١٢. الرابع عشر : لو شرط في العقد شروطا تنافي مقتضى الهبة ، كقوله :

وهبتك بشرط ان لا تبيعه ، أو لا تهبه ، أو بشرط أن تبيعه ، أو تهبه ، بطل الشرط ، والأقرب صحّة الهبة.

٤٦١٣. الخامس عشر : إذا أبرأه عمّا في ذمّته ، صحّ بلفظ الإبراء والهبة والإسقاط والعفو والتمليك والصّدقة.

ولا تصحّ هبة ما في ذمّة غيره له ، قال الشيخ : الّذي يقتضيه مذهبنا جواز بيعه وهبته ورهنه (٤) ويلوح من كلامه عدم اشتراط الإقباض هنا ، ويجعله كالحوالة.

__________________

(١) في «ب» : زيتونة.

(٢) في «ب» : أو دهن شحمته.

(٣) في «أ» : لا يجوز.

(٤) المبسوط : ٣ / ٣١٤.

٢٧٧

ويجوز بيعه بعين حاضرة ، أو بموصوف بشرط قبضه في المجلس ، سواء كان الدّين على مليّ باذل ، أو معسر ، أو جاحد ، وتصحّ البراءة من المجهول إذا لم يكن طريق إلى معرفته ، ولا يشترط أن يقول : أبرأتك من درهم إلى ألف مثلا.

ولو كان من عليه الحقّ يعلمه ، ويكتمه ، لئلّا يطالبه صاحبه به لكثرته ، فالأقرب المنع من جواز الإبراء.

ولو أبرأه من مائة ، وهو يعتقد أن لا شي‌ء له ، وله عليه مائة (١) ، ففي صحّة الإبراء نظر.

٤٦١٤. السادس عشر : لوليّ الصبي قبول الهبة وقبضها ، ولا يصحّ قبض غير الوليّ ولا قبوله ، وإن عدم الوليّ ، ولا فرق بين المميّز في ذلك وغيره ، ويفتقر المميّز في القبول والقبض إلى إذن الوليّ.

٤٦١٥. السابع عشر : لو وهب الأب ولده الصّغير شيئا في يده صحّ ، ولم يحتج إلى قبول ، ولا قبض مستأنف ، ولا مضيّ زمان له ، ولا يجب على الأب وضع الموهوب على يد غيره ، وإن كان من الأثمان ، وكذا حكم الجدّ.

أمّا باقي الأولياء ، فقال الشيخ : ليس لهم أن يتولّوا الإيجاب والقبول ، بل ينصب الحاكم من يقبلها منهم. (٢)

٤٦١٦. الثامن عشر : إذا أقرّ بالهبة والإقباض ، حكم عليه بإقراره ، سواء كان الموهوب في يده أو يد المتّهب ، ولو أنكر بعد ذلك لم يقبل ، وله إحلافه لو

__________________

(١) المقصود : أبرأه هو يعتقد أنّه غير مدين ولكن كان في الواقع مدينا.

(٢) المبسوط : ٣ / ٣٠٥.

٢٧٨

طلبه على عدم المواطاة. ولو أقرّ بالهبة مطلقا ، فادّعى المتّهب الإقباض ، فالقول قول الواهب ، سواء كانت العين في يد الواهب ، أو المتّهب ، ولو قال : نعم ، عقيب قوله : وهبتنيه وأقبضتنيه (١) كان إقرارا.

الفصل الثاني : في الأحكام

وفيه اثنان وعشرون بحثا :

٤٦١٧. الأوّل : يكره تفضيل بعض الأولاد على بعض في العطيّة ، وليس بمحرّم ، ويستحبّ العطيّة لذي الرحم ويتأكد في الولد ، والتسوية بينهم في العطية ، وهل تزول الكراهية لو خصّصه لمعنى مثل زيادة حاجته ، أو زمانته ، أو كثرة عائلته ، أو اشتغاله بالعلم ونحوه من الفضائل؟ أو فسق الآخر واستعانته بالعطيّة على المعصية؟ الأقرب ذلك.

٤٦١٨. الثاني : المراد بالتسوية ما يفهم من معناها ، وهو عدم التفاضل ، سواء كانوا ذكورا ، أو إناثا ، ولا نعني بالتسوية جعل الذكر ضعف الأنثى.

٤٦١٩. الثالث : يجوز للولد مطالبة أبيه بالدّين مع تمكّنه ، ولو امتنع كان له حبسه على كراهية شديدة.

__________________

(١) في «ب» : عقيب قوله : وهبته واقبضته.

٢٧٩

٤٦٢٠. الرابع : إذا تمّت الهبة بالإيجاب والقبول والقبض ، ملكها الموهوب له ، فإن كان الموهوب له أحد الأبوين ، لزمت الهبة إجماعا ، ولم يكن للواهب الرجوع فيها ، سواء أثاب عليها ، أو لا ، وكذا لو كان ذا رحم غيرهما ، وإن كان أجنبيّا ، كان له الرجوع فيها ، ما دامت العين باقية ، ولم يعوّض عنها ، فإن تلفت ، أو أثاب عنها ، وإن كان العوض يسيرا ، لم يكن له الرجوع فيها.

ولو كان المتّهب قد تصرف ولم يثب والعين باقية ، ففي جواز الرجوع قولان.

أمّا الزوج والزوجة ، فقد أجراهما الشيخ مجرى ذي الرحم في أنّه ليس لأحدهما أن يرجع فيما يهبه لصاحبه (١) وفيه نظر.

ولو أقبض البعض ففي اللزوم فيه إشكال ، أقربه اللزوم ، والأقرب أنّ موت المتّهب كالتصرف.

٤٦٢١. الخامس : الهبة المطلقة لا تقتضي الثواب ، سواء كانت من الإنسان لمثله ، أو لمن دونه ، أو لمن هو أعلى ، فإن أثاب لم يكن للواهب الرجوع في هبته ، فإن شرط الثواب صحّ ، فإن عيّن لزمت الهبة بدفع المعيّن ، ولم يكن ذلك بيعا ، فلا يلحقه الخيار ، ولا الشفعة ، فلو ظهر العوض مستحقّا ، كان للواهب الرجوع ، ولو ظهر استحقاق الموهوب ، كان للمتّهب الرجوع في العوض ، وليس إلزامه بالضمان ، وليس لكلّ منهما مع فساد ما أخذه أن يرجع في نماء ما دفعه إن كان منفصلا ، وإن شرط ثوابا مجهولا ، صحّ ولزمه دفع (٢) ما يصدق عليه إطلاق

__________________

(١) لاحظ الاستبصار : ٤ / ١١٠ برقم ٤٢٣ ؛ والتهذيب : ٩ / ١٥٢ برقم ٦٢٤.

(٢) في «أ» : ودفع.

٢٨٠