تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-66-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦١٣

أقيمت عليه البيّنة ، فادّعى عليه الردّ أو التّلف من قبل ، فإن كانت صيغة جحوده إنكار أصل الوديعة ، لم يقبل قوله بغير بيّنة ، ومع إقامة البيّنة ، فالأقرب عدم قبوله أيضا ، وإن كانت الصيغة انّه لا يلزمني تسليم شي‌ء إليك ، أو ليس في ذمّتي شي‌ء ، قبل قوله في الردّ والتلف.

٤٤٤٥. السابع : يجب ردّ الوديعة مع المطالبة والمكنة ، فإن أخّر معها ضمن ، ولو أخّر لضرورة لم يضمن ، وإن كان لاستتمام غرض نفسه ، مثل أن يكون في حمام ، أو على طعام ، أو على نوم ، أو طلب الإمهال لينهضم الطعام.

٤٤٤٦. الثامن : لو قال : ردّ على وكيلي ، وطلب الوكيل ، ولم يردّ مع المكنة ، ضمن ، ولو لم يطلب ولكن تمكّن من الردّ فلم يردّ ، فالأقرب الضمان على إشكال ، ولو علم من حال الموكّل المسارعة ، فأهمل ضمن قطعا.

وإذا ردّ على الوكيل ، ولم يشهد ، فأنكر الوكيل فالأقرب عدم الضمان ، بخلاف الوكيل لقضاء الدين.

٤٤٤٧. التاسع : لو طالب بالردّ ، فادّعى التلف ، فالقول قوله مع يمينه ، سواء ادّعى سببا ظاهرا ، كالحريق والغارة على إشكال ، أو خفيّا ، ولو ادّعى الرّدّ ، فالقول قوله مع اليمين ، إلّا أن يدّعي الردّ على غير من ائتمنه ، كدعوى الردّ على وارث المالك ، أو دعوى وارث المستودع على المالك ، أو دعوى من طير الريح ثوبا إلى داره ، أو دعوى المستودع الرد على وكيل المالك.

٤٤٤٨. العاشر : لو ادّعى اثنان عليه وديعة فاعترف لأحدهما مطلقا ، وقال : نسيت التعيين ، فإن صدّقاه خلص منهما وتنازعا ، والأقرب انّه لا يجب نقلها إلى عدل غيره ، وإن كذباه حلف على نفي العلم ، ولا تكفي يمين واحدة على

٢٠١

إشكال ، بل لا بدّ من يمينين ، فإذا حلف احتمل استعمال القرعة ، فمن خرج اسمه حلف ، فإن نكل حلف صاحبه ، فإن نكلا قسم بينهما ، واحتمل القسمة بينهما وحينئذ لا يضمن المستودع نصفها لتفويت ما استودع بجهله ، لأنّ الجهل عذر ، وإن نكل ، فحلفا على علمه ، ضمن القيمة ، وجعلت القيمة والعين في أيديهما ، فإن سلّم العين بحجّة لأحدهما ردّ نصف القيمة إلى المودع ، ولم يجب على الثاني الردّ ، لأنّه استحقّها بيمينه ، ولم يعد عليه البدل.

وقال الشيخ : لو حلفا ، فيه قولان : أحدهما القسمة بينهما ، والثاني انّه يوقف حتّى يصطلحا ، والأوّل أقوى ، ثمّ قال : ولو قلنا بالقرعة كان قويّا (١) وعندي في ذلك نظر.

ولو حلف أحدهما حكم له ، ولو نكلا احتمل القسمة والقرعة ، ولو كذّبهما معا ، فالقول قوله مع يمينه ، ولو كذّب أحدهما وصدّق الآخر فكذلك ، ويدفعها إلى من اعترف له بها مع يمينه للمكذّب ، ولو أقرّ لهما معا ، كان إقرارا لكلّ واحد منهما بالنصف ، ويكون الحكم في النصف الآخر ما تقدّم فيها إذا أقرّ بالجميع لغيره.

٤٤٤٩. الحادي عشر : إذا أخرج الوديعة المنهيّ عن إخراجها فتلفت ، فادّعى أنّه أخرجها للخوف إمّا من حريق ، أو غريق ، أو نهب ، أو غير ذلك ، فأنكر المالك ، فعلى المدّعي البيّنة على حصول السبب ، وحينئذ يبقى القول قوله في التلف مع اليمين.

__________________

(١) المبسوط : ٤ / ١٥١.

٢٠٢

٤٤٥٠. الثاني عشر : إذا أودع المودع من غير إذن ولا ضرورة ، ضمن ، وللمالك الرجوع على من شاء ، فإن رجع على الأوّل برئ الثاني ، وإن رجع على الثاني كان للثاني مطالبة الأوّل (مع الغرور). (١)

٤٤٥١. الثالث عشر : لو مات وثبت أنّ عنده وديعة لم توجد بعينها ، أخذت من التركة ، ولو كان عليه دين سواها ، فهي والدين سواء ، ولا فرق بين أن يوجد في تركته من جنس الوديعة أو لا ، هذا إذا أقرّ المستودع أنّ عندي وديعة ، أو عليّ وديعة لفلان ، أو ثبت ببيّنة أنّه مات وعنده وديعة ، ولو كانت عنده وديعة في حياته ولم يوجد بعينها ، ولم يعلم هل هي باقية عنده أو تلفت ، ففي وجوب ضمانها إشكال.

٤٤٥٢. الرابع عشر : لو مات وعنده وديعة معلومة بعينها ، فعلى ورثته تمكين صاحبها من أخذها ، ولو لم يعلم المالك بالموت ، وجب على الورثة إعلامه بها ، وليس لهم إمساكها ، وكذا لو أطارت الريح إلى داره ثوبا ، وعلم به ، فعليه إعلام المالك.

٤٤٥٣. الخامس عشر : المستودع أمين والقول قوله فيما يدّعيه من تلف الوديعة مع يمينه ، ولو ادّعى ردّها إلى صاحبها ، فالقول قوله أيضا ، سواء أودعه إيّاها ببيّنة ، أو بغير بيّنة.

٤٤٥٤. السادس عشر : (٢) لو قال : دفعتها إلى فلان بأمرك ، فأنكر مالكها الإذن

__________________

(١) ما بين القوسين يوجد في «أ».

(٢) جاء في حاشية المطبوع : انّ البحث السادس عشر لا يوجد في جميع النسخ ، وانّما اثبتناه للاحتياط فلاحظ.

٢٠٣

في دفعها ، فالقول قول المالك ، ولو صدّقه على الإذن ، لم يضمن بترك الإشهاد ، ولو اعترف المالك بالإذن وأنكر الدفع ، فالقول قول المستودع ، فإن أقرّ المدفوع إليه بالقبض ، وكان الدفع إليه في دين ، برئ الجميع ، وإن أنكر فالقول قوله مع يمينه ، ويضمن المأمور بترك الإشهاد ، وإن كان الأمر بالدفع وديعة ، فالوجه عدم الضمان ، فإذا حلف برئ أيضا وكان الهلاك من المالك.

٤٤٥٥. السابع عشر : إذا استودع دابّة وجب عليه القيام بعلفها وسقيها ، فإن قدر على المالك ، أو وكيله ، طالبه بالإنفاق ، أو ردّها عليه ، أو يأذن له ثم يرجع به ، فإن تعذّر المالك ووكيله ، رفع أمره إلى الحاكم فينفق عليها من مال صاحبها ، ولو لم يجد [المال] ، ورأى من الحظّ (١) بيعها ، أو بيع بعضها وإنفاقه على الباقي ، أو إجارتها ، أو الاستدانة على صاحبها من بيت المال أو من غيره ، ويدفعه إلى المودع ، فعل ، وإن رأى دفعه إلى غيره ليتولى الإنفاق عليها ، جاز.

ولو استدان من المودع جاز ، ثم يدفعه إليه إن شاء أو إلى غيره ، ويجوز أن يأذن له في الإنفاق بقدر ما يراه المودع ، ويرجع به على صاحبها ، فإن اختلفا في قدر النفقة ، فالقول قول المودع في المعروف وفي الزائد قول المالك ، وان اختلفا في قدر المدّة التي أنفق فيها ، فالقول قول المالك.

ولو تعذّر الحاكم وأنفق على نيّة الرّجوع وأشهد ، فالأقرب الرجوع ، ولو تمكّن من الحاكم فلم يستأذنه ، فالأقرب عدم الرجوع وإن أشهد.

ولو عجز عن الحاكم ولم يشهد ، فالأقرب عدم الرجوع.

__________________

(١) والمراد انّه : لو لم يجد الحاكم مالا لصاحب الدابّة فعل ما يرى لصاحبها الحظّ فيه من بيعها و...

٢٠٤

٤٤٥٦. الثامن عشر : إذا فرّط واختلفا في القيمة ، فالقول قول الغارم ، وقيل (١) :

قول المالك ، وفيه ضعف.

٤٤٥٧. التاسع عشر : إذا مات المودع سلّمت الوديعة إلى الوارث ، فإن كانوا جماعة سلّمت إلى الجميع أو من يقوم مقامهم ، ولو سلّمها إلى بعضهم من غير إذن الباقين ، ضمن حصص من لم يأذن.

__________________

(١) القائل هو الشيخ الطوسي في النهاية : ٤٣٧ ، والشيخ المفيد في المقنعة : ٦٢٦.

٢٠٥
٢٠٦

كتاب العارية

٢٠٧
٢٠٨

المقصد الثاني : في العارية

وفيه فصول :

[الفصل] الأوّل : في العقد

وفيه ثلاثة مباحث :

٤٤٥٨. الأوّل : العارية مأخوذة من : عار الشي‌ء يعير : إذا ذهب وجاء ، وشدّد الياء لأنّها منسوبة إلى العارة وهو اسم من قولك : أعرت المتاع إعارة وعارة ، فالعارة الاسم ، والإعارة المصدر (١).

والعارية عقد يقتضي إباحة المنفعة خاصّة بغير عوض ، فخرج عنه إباحة الأعيان كالبيع والصدقة والإجارة.

٤٤٥٩. الثاني : العارية عقد مشروع بالنصّ والإجماع قال الله تعالى : (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) (٢). وقال تعالى : (وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ) (٣).

__________________

(١) وللنووي تحقيق حول لفظة «العارية» ومعناها. لاحظ المجموع : ١٥ / ٣٨.

(٢) المائدة : ٢.

(٣) الماعون : ٧.

٢٠٩

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«العارية مؤدّاة ، والمنحة مردودة ، والدّين مقضيّ ، والزّعيم غارم» (١).

٤٤٦٠. الثالث : العارية عقد جائز من الطرفين ، ويفتقر إلى إيجاب وقبول ، وعبارته الصريحة : أعرتك ، فيقول : قبلت ، ويقع بكلّ لفظ يشتمل على الإذن في الانتفاع ، وقد يحصل القبول بالفعل.

الفصل الثاني : في أركانها

وفيه سبعة مباحث :

٤٤٦١. الأوّل : أركان العارية ثلاثة : المعير ، والمستعير ، والمستعار.

ويشترط في المعير التكليف وجواز التصرّف ، فلو أعار الصبيّ ، أو المجنون ، أو المحجور عليه للسّفه أو الفلس ، لم يجز ، ولو كان الصبيّ مميّزا ، أو أذن له الوليّ في الإعارة جاز مع المصلحة ، ولا فرق بين أن يعير ما يملكه أو يكون نائبا عن غيره.

٤٤٦٢. الثاني : يشترط في المعير كونه مالكا للمنفعة ، فلو أعار المستأجر صحّ ، ولو أعار غيره ممّن ليس بمالك لم يجز وإن كان مستعيرا ، نعم للمستعير أن يستوفي المنفعة لنفسه بوكيله ، وليس له أن يؤجر.

__________________

(١) سنن الترمذي : ٤ / ٤٣٣ برقم ٢٠٢١ ؛ ومسند أحمد بن حنبل : ٥ / ٢٦٧ و ٢٩٣ ؛ ورواه ابن قدامة في المغني : ٥ / ٣٥٤ ؛ والشيخ الطوسي قدس سرّه في المبسوط : ٣ / ٤٩.

٢١٠

٤٤٦٣. الثالث : يشترط في المستعير كونه أهلا للتبرّع عليه ، فلو استعار المحرم صيدا لم يجز له إمساكه وإن كان من محلّ ، ولو أمسكه ضمنه وإن لم يشترط عليه الضمان ، وعليه مع تلفه قيمته لصاحبه والجزاء لله تعالى ، وهل يجوز للمشرك استعارة المصحف أو العبد المسلم للاستخدام؟ فيه نظر.

٤٤٦٤. الرابع : يشترط في المستعار كونه عينا مملوكة يصحّ الانتفاع به مع بقاء عينه

كالثوب ، والدابّة ، وتصحّ إعارة الأرض للزراعة ، أو الغرس ، أو البناء ، وكذا تجوز إعارة الحيوان للركوب ، والعبد والجارية للخدمة ، وإن كانت الجارية أجنبيّة ، وتجوز أيضا عارية الفحل للضراب وعارية الكلب للصّيد ، أو الحفظ.

٤٤٦٥. الخامس : لا تجوز إعارة العين لنفع محرّم كإعارة الدار لمن يشرب فيها الخمر.

٤٤٦٦. السادس : يكره أن يستعير أحد والديه لخدمته ، ويستحبّ استعارتهما للترفّه ، ولا تجوز استعارة الجواري للاستمتاع إلّا بلفظ التحليل أو الإباحة ، فلو وطئ بلفظ العارية مع علمه ، بالتحريم ، كان زانيا ، وإلّا فهو وطء شبهة ، وتجوز استعارة الشاة للحلب ، ويكون ذلك منحة ، وتجوز استعارة العين للرّهن.

٤٤٦٧. السابع : تجوز إعارة كلّ عين يصحّ الانتفاع بها منفعة مباحة مع بقائها ، كالدّور ، والعقار ، والثياب ، والحليّ ، وغير ذلك ، ولو استعار الدراهم والدنانير لمنفعة التزيّن (١) بها جاز ، ولا يكون قرضا ، ولو استعارها للإنفاق كان قرضا ، ولو قال : أجرتك حماري لتعيرني فرسك ، فالأقرب الجواز ، فلو قال : اغسل هذا الثوب ، فهو استعارة لبدنه ، فإن كان العمل ممّا يؤخذ الأجرة عليه ، استحقّ الأجرة وإلّا فلا.

__________________

(١) في «أ» : التزيين.

٢١١

الفصل الثالث : في أحكامها

وفيه خمسة وعشرون بحثا :

٤٤٦٨. الأوّل : يملك المستعير من الانتفاع بالعارية ما جرت العادة به في الانتفاع بذلك المستعار ، كالدابة في الركوب ، والدار في السكنى ، والثوب في اللبس ، ولو أذن المالك في نوع من التصرف لم يجز التعدّي إلى ما ضرره أكثر ، فإن أذن له في زرع الحنطة لم يكن له زرع ما هو أضرّ منها ، ويزرع ما ضرره مثلها أو دونها ، ولو نهاه عن التجاوز لم يجز مطلقا ، ولو أذن في الغراس فبنى ، أو في البناء فغرس ، فالوجه المنع.

٤٤٦٩. الثاني : إذا أطلق له العارية ، فالأقرب الجواز ، وله الانتفاع بمجرى العادة ، فلو استعار أرضا من غير قيد جاز أن يبني ويغرس ويفعل كلّما هي معدّة من الانتفاع ، ولو اذن له في الغراس ، أو البناء جاز له الزرع دون العكس.

ولو أذن له في الزرع مرّة لم يكن له التكرار ، ولو أطلق ، فالأقرب الجواز.

ولو أذن له في الغرس مطلقا ، فانقلعت الشجرة لم يكن له غرس أخرى ، وكذا لو أذن له في وضع خشبة على حائط فانكسرت لم يكن له وضع أخرى.

٤٤٧٠. الثالث : لو استعار ثوبا ليلبسه هو فأعطاه غيره فلبسه ، فهو ضامن ، وكذا لو لم يسمّ من يلبسه ، وكذا غير الثوب من الأعيان إذا أعاره غيره من غير إذن ضمنه وإن كان الثاني لا يعمل بها إلّا ما كان المستعير يعمل بها ، إذا ثبت هذا

٢١٢

فللمالك أجرة المثل على من شاء منهما ، فإن رجع على الأوّل رجع الأوّل على الثاني مع علمه ، وإن رجع على الثاني لم يرجع الثاني على الأوّل ، ولو كان جاهلا ففي رجوع الأوّل عليه وعدم رجوعه على الأوّل لو رجع عليه ، نظر.

ولو تلفت العين في يد الثاني ضمنها الثاني ، فإن رجع على الأوّل كان للأوّل الرجوع على الثاني ، وإن رجع على الثاني لم يرجع الثاني على أحد.

٤٤٧١. الرابع : لو آجره المستعير لم يجز ، وكان للمالك الأجرة إن شاء أجرة المثل ، وإن شاء المسمّى ، وله الرجوع على من شاء ، والتفصيل هنا كما قلنا في العارية.

ولو أذن له المالك في الإجارة مدّة معلومة أو في الإعارة مطلقا ، أو معيّنا ، جاز فإذا عقد المستعير الإجارة لم يكن للمالك الرجوع حتّى تنقضي المدّة ، ولا تكون العين مضمونة على المستعير ولا على المستأجر.

٤٤٧٢. الخامس : تجوز العارية مطلقة ومقيّدة ، وللمعير الرجوع في العارية متى شاء ، سواء كانت مطلقة أو مؤقّتة ما لم يأذن في الشغل بما لا يجوز معه الرجوع ، ولا يلزمه في المطلقة الصبر إلى وقت يمكن للمستعير (١) الانتفاع في مثله بالعين ، ولا في المقيّدة خروج الوقت ، بل يجوز قبله ، وكذا يجوز للمستعير الردّ متى شاء إجماعا.

٤٤٧٣. السادس : للمستعير الانتفاع بالعارية المطلقة ما لم يرجع المالك والمقيّدة ما لم يرجع ، أو يمضي الوقت ، ولو تصرف بعد المدّة كان غاصبا ،

__________________

(١) أي يتمكّن المستعير من الانتفاع بالعين.

٢١٣

وعليه الأجرة ، فإن كان قد غرس قلعه وعليه تسوية الحفر ونقص الأرض.

٤٤٧٤. السابع : إذا استعار شيئا ليرهنه ، ففي اشتراط العلم بقدر الدّين وجنسه إشكال ، فان عيّن له قدر الدّين ، أو جنسه ، أو صفته من الحلول والتأجيل ، تعيّن ، ولا يجوز له المخالفة ، فإن خالف كان للمعير فسخ الرّهن إلّا أن يأذن له في الرّهن بمقدار فيرهنه على أقلّ ، وللمالك المطالبة بافتكاكه إن كان الدّين حالّا ، أو مؤجّلا حل أجله ، وإن لم يحلّ فكذلك على إشكال ، وإذا حلّ الدّين ولم يفكّه الراهن ، جاز بيعه في الدّين ، فإذا بيع بالدّين ، أو تلف بتفريط ، كان للمالك الرجوع على الراهن بالقيمة ، وله الرجوع في صورة البيع بالثمن ، ولو تلف من غير تفريط ، لم يكن على أحدهما (١) ضمانه.

ولو استعار شيئا من اثنين فرهنه على مائة صفقة عند واحد ثمّ قضى خمسين ليفكّ حصّة أحدهما لم ينفكّ إلّا بقضاء الجميع ، ولا يضمن المعير الدّين في رقبة عبده إذا رهنه المستعير.

٤٤٧٥. الثامن : إذا استعار شيئا لينتفع به نفعا يلزم من الرجوع فيه الضرر ، ففي جواز الرجوع إشكال ، فلو استعار لوحا فرقّع به السفينة لم يكن له الرّجوع بعد إصلاحه فيها إذا لجج (٢) في البحر ، ويجوز الرجوع قبل دخول البحر وبعد الخروج منه.

ولو أعاره أرضا للدفن جاز الرّجوع ما لم يدفن ، فيلزم حينئذ ما لم يبل الميّت.

__________________

(١) في «ب» : على أحد.

(٢) الاولى : لججت.

٢١٤

ولو أعاره حائطا لطرح خشبة ، جاز الرجوع ما لم يطرح ويبنى عليه ، ففي الرجوع حينئذ مع الأرش إشكال ، ولا يجوز الرجوع مجانا ، ولو أزاله المستعير باختياره ، أو سقط الحائط فبناه المالك بذلك اللّبن أو غيره لم يكن للمستعير الوضع ثانيا إلّا مع تجدّد الإذن ، وكذا لو سقط الخشب خاصّة.

٤٤٧٦. التاسع : لو استعار أرضا للزراعة ، فله الرجوع ما لم يزرع ، فإن زرع بعد الرجوع ، كان للمالك قلعه بغير شي‌ء وعلى الزارع أرش الأرض وتسوية الحفر والأجرة ، وإن زرع قبله ، ففي جواز الرّجوع إشكال ، فإن سوّغناه ، أوجبنا الأرش على الإذن فليس له القلع بدونه ، وان منعناه أوجبنا بقاءه في الأرض إلى وقت إدراكه بغير عوض. ولو بذل المالك قيمة الزرع لم يجب على ربّه القبول على التقديرين. ولو كان ممّا يمكن حصاده قصيلا ، فالوجه التردّد أيضا.

٤٤٧٧. العاشر : لو أذن له في البناء والغرس كان له أن يرجع قبل الفعل ، وحينئذ لا يجوز للمستعير البناء والغرس ، فإن فعل كان للمالك قلعه وإلزامه بالأجرة وأرش الأرض وتسوية الحفر ، فإن لم يرجع حتّى غرس أو بنى ثمّ رجع في الإذن ، فإن كان قد شرط على المستعير القلع عند انقضاء مدّة العارية إن كانت مقدّرة ، أو شرط القلع متى طالبه به ، إن كانت مطلقة ، فانّه يلزمه القلع ، وليس على المالك ضمان ناقص الغرس والبناء بالقلع ، ولا يجب على المستعير طمّ الحفر وتسوية الأرض ، وإن لم يشترط القلع ، فإن اختار المستعير القلع ، كان له ذلك ، وإن كره المالك ، وهل تلزمه تسوية الحفر وطمّها؟ فيه احتمال.

وإن لم يختر القلع وطالبه المعير به ، لم يكن له ذلك إلّا بعد ضمان

٢١٥

ما ينقص بالقلع ، فحينئذ يجب عليه قلعها بعد غرم ما نقص ، فيقوّم قائمه ومقلوعه (١) ويغرم ما بين القيمتين.

ولو قال المعير : أنا أغرم قيمة الغرس ، قال الشيخ : يجبر المستعير على ذلك (٢) وعندي فيه نظر.

ولو قال المستعير : أنا أدفع قيمة الأرض ، لم يلزم المالك إجابته إجماعا ، ولو طالبه المالك بالقلع من غير ضمان أرش النقص ، لم يجبر صاحب الغرس عليه.

ولو أذن مقيّدا ، فطالب بالقلع من غير ضمان الأرش قبل المدّة ، لم يكن له ذلك ، وإن كان بعد المدّة ، فالأقرب أنّ له ذلك.

إذا عرفت هذا فإن لم يدفع المعير قيمة الغرس ولا ضمن أرش النقص ، لم يكن له القلع ، فإن اتفقا على البيع جاز ، ويقسم الثمن على قدر القيمتين بأن يقوّم الغراس منفردا في أرض المعير ، والأرض مشغولة بزرع الغير ، فيؤخذ بالنّسبة ، وإن امتنعا من البيع ، كان للمعير الدخول إلى أرضه والاستظلال بالشجر دون الانتفاع به ، من شدّ دابّته فيه وغيرها. (٣)

وأمّا المستعير فليس له الدخول لغير حاجة قطعا ، وفي دخوله لحاجة (٤) كسقي الغرس وجهان ، قوّى الشيخ المنع (٥).

__________________

(١) كذا في النسختين ، وفي المبسوط : ٣ / ٥٥ : قائمة ومقلوعة.

(٢) المبسوط : ٣ / ٥٥.

(٣) هذا ما أثبتناه ، ولكن في النسختين «من شدّ دابّة وغيره».

(٤) في «ب» : بحاجة.

(٥) المبسوط : ٣ / ٥٦.

٢١٦

ولو باع الغارس غرسه على المالك جاز ، ولو باعه لغيره ابتني على جواز الدخول ، فإن سوّغناه ، جاز البيع وإلّا فلا.

٤٤٧٨. الحادي عشر : إذا حمل السيل إلى أرضه حبّ غيره فنبت زرعا ، أو شجرا ، كان لصاحب الحبّ ، وله نقله عن أرض غيره ، وإن طالب صاحب الأرض بالنقل ، كان له ذلك ، ولا أرش عليه ، وهل على صاحب الغرس طمّ الحفر؟ الأقرب ذلك.

٤٤٧٩. الثاني عشر : العارية أمانة غير مضمونة إلّا مع التعدّي أو التفريط في الحفظ ، أو اشتراط الضمان ، أو تكون العارية للذهب والفضة ، وإن لم يشترط الضمان ، أو يكون المستعير محرما والعارية صيدا ، أو يستعير من غير المالك ، ولو اشترط في ذلك سقوط الضمان ، سقط إلّا في الصّيد وغير المملوك.

٤٤٨٠. الثالث عشر : إذا ذهب شي‌ء من أجزاء العين بالاستعمال من غير تفريط لم يضمن المستعير ، وكذا لو تلفت العين بجملتها بالاستعمال من غير تعدّ ما لم يشترط الضمان ، ولو تلفت العين أو أبعاضها بغير الاستعمال ، فإن فرّط ضمن ، وإلّا فلا.

ولو استعملها استعمالا مأذونا فيه فتلف بعض أجزائها ثم أتلفها بتفريط ، ضمنها ناقصة ، وكذا يضمنها ناقصة لو تلفت بغير تفريط مع شرط الضمان.

وكذا لا يضمن ولد العارية ، أمّا ولد المغصوبة فإن كان مغصوبا ضمنه أيضا ، وإلّا فلا.

٤٤٨١. الرابع عشر : إذا كانت العارية مضمونة ، ضمنها بالمثل إذا كانت

٢١٧

من ذوات الأمثال ، وإلّا فالقيمة يوم التلف ، ولو تلف من أجزائها شي‌ء حال الضمان بالاستعمال ، ثمّ تلفت ضمنها كاملة.

٤٤٨٢. الخامس عشر : إذا كانت العين باقية وجب ردّها إلى مالكها أو إلى وكيله ، ويبرأ بذلك ، ولا يبرأ لو ردّها إلى ملك صاحبها أو إلى الموضع الّذي أخذها منه ، أو إذا أودعها مع عدم الضرورة ، وكذا لو ردّها إلى من جرت العادة بحفظها كزوجة المالك وسائس الدابّة.

٤٤٨٣. السادس عشر : إذا استعار دابّة ليركبها إلى موضع فتجاوزه ، لزمه الضمان ، وعليه أجرة الزيادة ، وكذا لو حملها أثقل من المأذون ، أو سيّرها أكثر من المعتاد أو أشدّ.

ولو ادّعى المستعير الإذن في السير إلى المسافة البعيدة ، فالقول قول المالك لو أنكر ، وإن كان (١) يشبه ما قاله المستعير.

٤٤٨٤. السابع عشر : إذا ظهر استحقاق العين كان للمالك الرجوع على من شاء بأجرة مدّة الانتفاع ، لكن مع رجوعه على المستعير يرجع المستعير على المعير ، دون العكس ، هذا (٢) إذا كان المستعير جاهلا ، ولو كان عالما فالرجوع عليه ، ولا يرجع هو على أحد ، ولو رجع على المعير كان للمعير الرجوع عليه ، وكذا البحث في القيمة لو تلفت العين في يد المستعير بغير تفريط.

٤٤٨٥. الثامن عشر : إذا ادّعى المالك الإجارة والمنتفع العارية ، فإن لم

__________________

(١) أي يشبه قول المالك لقول المستعير في اللفظ.

(٢) في «أ» : وهذا.

٢١٨

تمض مدّة يمكن الانتفاع فيها ، فالقول قول المنتفع ، (١) وكذا لو قال المالك : أعرتك ، وادّعى المنتفع الإجارة ، فالقول قول المالك مع يمينه.

ولو مضت مدّة ينتفع فيها فالأقرب (٢) انّ القول قول المالك مع يمينه لا قول المنتفع ، خلافا للشيخ ، (٣) والوجه أنّ المالك يحلف على عدم الإعارة لا على المدّعى ، (٤) فحينئذ يثبت له أجرة المثل ، ولو نكل ففي إحلاف الآخر نظر.

ولو اختلفا في أثناء المدّة ، فالقول قول المالك فيما مضى ، وقول المستعير فيما بقي ، ولو ادّعى المالك هنا العارية والمنتفع الأجرة ، فالمنتفع يدّعي استحقاق المنافع ويعترف بالأجر للمالك ، والمالك ينكرها ، فيحلف ويأخذ العين خاصّة.

ولو اختلفا في ذلك بعد تلف العين ، فإن كان التلف عقيب القبض ، فلا فائدة هنا ، إلّا فيما يكون مضمونا بالعارية ، كالذّهب والفضة ، فالأقرب فيه أنّ القول قول المالك ، سواء ادّعى الأجرة أو العارية ، لأنّه بادّعاء الإجارة يعترف ببراءة ذمّة القابض ، وبادّعاء الإعارة يلتجئ إلى الأصل ، وهو ضمان القابض ، فيحلف المالك ويأخذ القيمة ، والقول في قدرها قول القابض.

ولو اختلفا بعد مضيّ مدّة لمثلها أجرة ، فإن ادّعى المالك الإجارة ، فالقول قوله مع يمينه في عدم العارية ، ويثبت له أجرة المثل ، وإن ادّعى الإعارة ، فلا

__________________

(١) لأنّ الأصل عدم عقد الإجارة وبراءة ذمة المنتفع عنها.

(٢) كذا في «ب» ولكن في «أ» : ينتفع فيها به فالأولى.

(٣) المبسوط : ٣ / ٥٠.

(٤) أي الإجارة حتّى يكون مدّعيا ويحتاج إلى البيّنة ، بل يحلف على عدم الإعارة الموافق للأصل.

٢١٩

ضمان على المستعير عندنا ، ولو كانت العين ممّا يضمن بالإعارة ، فالقول أيضا قوله مع اليمين إلّا أن يكون الأجر بقدر القيمة أو أكثر ، فلا يمين.

٤٤٨٦. التاسع عشر : لو اختلفا في اشتراط التضمين ، فالقول قول المنكر ، ولو اختلفا في القيمة أو القدر مع التفريط ، فالقول قول منكر الزيادة ، ولو ادّعى أنّه استعار الصّيد حالة إحرامه ، وقال المستعير : بل بعده (حتّى يغرم) (١) ففي تقديم قول المالك نظر.

٤٤٨٧. العشرون : لو ادّعى المالك الغصب والقابض العارية ، فإن كانت العين قائمة ، ولم تمض مدّة ، فلا فائدة للاختلاف ، فيأخذ المالك عينه وإن مضت مدّة ، لها أجرة ، فالقول قول المالك مع اليمين ، ويثبت له أجرة المثل ، ولو تلفت فعلى القابض الضمان.

فلو ادّعى المالك الغصب والقابض الإجارة ، فالاختلاف هنا في وجوب القيمة وقدر الأجرة ، فالقول قول المالك مع اليمين ، وإن نقص المسمّى عن أجرة المثل.

٤٤٨٨. الحادي والعشرون : إذا استعار من الغاصب ، كان للمالك الرّجوع على من شاء بالأجرة وبالقيمة مع التلف ، فإن رجع على المستعير رجع المستعير على الغاصب ، ولو رجع على الغاصب لم يرجع الغاصب عليه ، هذا إذا كان المستعير جاهلا لم يشترط عليه الضمان ، ولو كان عالما لم يكن له الرجوع على الغاصب لو رجع عليه المالك ، وللغاصب الرجوع عليه إن رجع عليه المالك.

__________________

(١) ما بين القوسين يوجد في «أ».

٢٢٠