تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-66-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦١٣

كتاب القراض

٢٤١
٢٤٢

المقصد الرابع : في القراض

وفصوله ثلاثة :

[الفصل] الأوّل : في أركانه

وهي ستّة : الصّيغة ، والمالك والساعي ، ورأس المال ، والعمل ، والربح.

فهاهنا مطالب

[المطلب] الأوّل : في الصّيغة

وفيه بحثان :

٤٥٢٨. الأوّل : القراض معاملة صحيحة بالإجماع ، وهو أن يدفع شخص إلى آخر مالا ليسعى به على الشركة في الكسب من غير أن يكون عليه شي‌ء من الخسارة ، وهذا تسمّيه أهل الحجاز بالقراض إمّا من القرض وهو القطع ، لأنّ صاحب المال اقتطع بعض ماله ودفعه إلى العامل ، وإمّا من المساواة ، كما يقال : تقارض الشاعران : إذا وازن كلّ منهما صاحبه بشعره ، فكأنّ المالك بإخراج ماله

٢٤٣

وازن العامل بعمله ، وأهل العراق يسمّونه مضاربة ، مأخوذة إمّا من الضرب في الأرض ، أو من ضرب كلّ واحد منهما في الربح بسهم.

والمقارض بكسر الراء صاحب المال وبفتحها العامل ، والمضارب بكسر الراء العامل ، ولم يشتق لربّ المال من المضاربة اسما.

٤٥٢٩. الثاني : لا بدّ في هذا العقد من صيغة خاصّة ، وهي إمّا قارضتك ، أو ضاربتك ، أو ما أدّى معناهما ، فيقول العامل : قبلت ، وما أشبهه. ومع حصول الإيجاب والقبول يتمّ العقد ، وهو جائز من الطرفين لكلّ منهما الفسخ ، سواء نضّ المال ، أو كان به عروض ، ولا يلزم فيه التأجيل بأن يقول : قارضتك إلى سنة فإذا مضت فلا تبع ولا تشتر وإن شرطه ، قاله الشيخ رحمه‌الله (١) ولو قيل : بالجواز كان وجها.

ولو قال : إن مرّت بك سنة فلا تشتر بعدها وبع ، لزم ، ولو قال : قارضتك سنة على أنّي لا أملك فيها منعك ، لم يصحّ. (٢)

المطلب الثاني : في المتعاقدين

وفيه ثلاثة مباحث :

٤٥٣٠. الأوّل : يشترط في المتعاقدين التكليف وإمكان التصرف ، فلو قارض الصبيّ ، أو المجنون ، أو السفيه ، أو المفلس ، أو المملوك ، لم يصحّ. ويجوز تعدّد العامل واتحاده ، وكذا المالك.

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ١٧٠.

(٢) علّله الشهيد قدس‌سره في المسالك : (٤ / ٣٤٥) بأنّ مقتضاه جواز الفسخ لكلّ من المتعاقدين ، كما هو شأن العقود الجائزة ، فإذا شرط ما ينافيه فسد العقد لفساد الشرط.

٢٤٤

وتنفسخ المضاربة بموت العامل أو المالك وبجنون أحدهما.

٤٥٣١. الثاني : يصحّ قراض المريض ، ولو شرط للعامل ما يزيد على أجرة المثل صحّ ، ولزم من صلب المال ، بخلاف ما لو حابى الأجير في الأجر ، فإنّه تحتسب الزيادة من الثلث ، وفي المزارعة والمساقاة لو شرط الزائد نظر في احتسابه من الأصل أو من الثلث.

فإذا مات ، انفسخ القراض ، فإن كان المال ناضّا ولا دين ، أخذ الوارث رأس المال ، واقتسما الربح على الشرط ، وإن كان هناك دين انفرد العامل بنصيبه من الربح ، وقضي من الباقي دين الميّت. وان كان به عروض جاز للوارث أخذ نصيبه بالقيمة ، واقتسما الفاضل قال الشيخ : وله إلزام العامل بالبيع بجنس رأس المال ، والفاضل على الشرط (١) وإن كان دين (٢) فعلى العامل بيع المتاع ، ويصرف إلى الغرماء الدين ، ويأخذ هو حصّته من الربح.

٤٥٣٢. الثالث : المملوك يصحّ أن يكون عاملا بإذن المولى ، وتكون حصّته من الربح لمولاه ، ولا يجوز أن يكون عاملا للمولى ، لأنّ المولى يستحق العمل بدون عقد القراض.

المطلب الثالث : في المال

يشترط في رأس المال أمور أربعة :

أن يكون نقدا ، معيّنا ، معلوما ، مسلّما.

وأردنا بالنقد الدّراهم والدنانير ، فلا يجوز القراض بالعروض ولا بالنّقرة

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ١٧٩.

(٢) في «ب» : ولو كان دين.

٢٤٥

والسبائك والحلي ، ولا بالفلوس ، ولا بالدراهم المغشوشة ، سواء كان الغشّ أكثر أو أقلّ أو مساويا.

واحترزنا بالمعيّن عن الدين ، فلا تجوز المضاربة بما في الذمّة قبل قبضه ، فإن قبضه جاز ، ولو أذن للعامل في القبض من الغريم ، لم يصحّ العقد ما لم يجدّده بعد القبض ، ولو قال : أقرضتك هذه الألف شهرا ، ثم هي قراض بعد ذلك ، لم يصحّ ، وكذا لو عكس إن قلنا ببطلان القراض المؤجّل.

ولو عيّن وأبهم فقال : قارضتك على أحد هذين الألفين والآخر عندك وديعة ، وهما في كيسين متميّزين ، لم يجز ، وكذا لو قال : قارضتك بأيّهما شئت ، أو قال : بع هذه السلعة ، فإذا نضّ ثمنها فهو قراض ، لم يصحّ.

ولو مات المالك وبالمال عروض ، بطلت المضاربة ، فلو أقرّه الوارث لم يصحّ.

ولو كان النقد في يد العامل وديعة ، أو غصبا ، وقارضه عليه ، صحّ ، ولو تلفت الوديعة بالتفريط أو الغصب لم يصحّ بهما.

وأردنا بالمعلوم أن يكون معلوم القدر والوصف ، ولا تكفي المشاهدة ، وقيل : لا يشترط علم المقدار ، ويكون القول قول العامل مع التنازع في قدره.

وأردنا بالمسلّم أن يكون في يد (١) العامل ، ولو شرط المالك أن يكون له فيه يد ، ويراجع [إليه] في التصرف ، أو يراجع مشرفه ففي الفساد نظر.

ولو شرط أن يعمل معه غلام المالك جاز.

ويجوز القراض بالمشاع كما يجوز بالمشترك.

__________________

(١) في «أ» : في يدي.

٢٤٦

المطلب الرابع : في العمل

وفيه تسعة مباحث :

٤٥٣٣. الأوّل : العمل عوض الرّبح ، وشرطه أن يكون تجارة ، فإن عقد القراض على الحرف والصنائع كالطبخ والخبز ، فالوجه البطلان.

والتجارة هي الاسترباح بالبيع والشراء ، ويدخل تحتها ما هو من توابعها ، كالنقل ، والكيل ، والوزن ، وليس الإذن في التجارة إذنا في الزرع.

ولو شرط أن يشتري أصلا يشتركان في نمائه ، كالشجر والغنم ، بطل ، لأنّ مقتضاه التصرف في رأس المال ، ثمّ إطلاق الإذن يوجب أن يتولّى العامل ما يتولّاه المالك من عرض القماش ونشره على المشتري وطيّه وإحرازه ، وبيعه ، وشرائه ، وقبض ثمنه ، وإقباضه ، وإيداعه الصندوق.

ولا يجب عليه فعل ما لا يليه المالك ، كالنداء على المتاع في الأسواق ، ونقله إلى الخانات بل يستأجر له ، وكذا له استئجار ما جرت العادة بالاستيجار فيه ، كالدلّال ، والوزّان ، والحمال ، والمسكن. ولو تولّى ذلك بنفسه لم يستحق أجرة عليه ، ولو استأجر لما يجب عليه مباشرة كان عليه الأجرة.

٤٥٣٤. الثاني : إذا نصّ المالك على نوع من التصرف ، لم يجز له المخالفة ، كما لو شرط النقد فباع نسيئة ، أو بالعكس ، أو نقد البلد ، أو غيره ، فإن خالف ضمن ، ووقف التصرف على الإجازة ، ولو أطلق كان الإذن مصروفا إلى البيع والشراء نقدا بثمن المثل من نقد البلد ، فلو باع نسيئة لم يجز ، وكذا لو باع بدون ثمن المثل ، أو بغير نقد البلد ، ويسترد المبيع مع وجوده ومثله ، أو قيمته مع تلفه ،

٢٤٧

ويتخير المالك في إلزام من شاء ، فإن رجع على المشتري بالمثل أو القيمة ، لم يرجع على العامل ، وإن رجع على العامل ، كان له الرجوع على المشتري ، وإن اشترى نسيئة ، فإن لم يذكر المالك ، وقع الشراء له ، وكان الثمن في ذمّته ، وإن ذكره كان باطلا ، هذا كلّه مع عدم الإجازة ، ولو أجاز المالك في المواضع كلّها لزم.

٤٥٣٥. الثالث : لو قال له : اعمل برأيك أو اصنع ما شئت ، قال الشيخ : حكمه حكم الإطلاق ليس له أن يبيع نسيئة (١) والأقرب عندي جواز ذلك ، فحينئذ إذا فات من الثمن شي‌ء لم يلزمه ضمانه إلّا أن يفرط ببيع المعسر ، أو المجهول ، أو من لا يثق به ، أو يفرّط في ترك الإشهاد ، (أو الضمين ، أو الرهن ، وليس الأخيران واجبين إلّا مع ترك الإشهاد). (٢) وعلى قول الشيخ ينبغي أن يكون موقوفا على الإجازة لا باطلا من أصله (٣) نعم يكون العامل ضامنا على التقديرين عنده.

٤٥٣٦. الرابع : إطلاق الإذن يقتضي التجارة في بلد القراض ، فلا يجوز السفر بالمال إلّا بإذن المالك ، فإن خالف ضمن ، وكان الربح على ما شرطاه ، وإن أذن المالك جاز ، وكان على العامل أن يعمل بنفسه ما كان المالك يباشره عادة كحمل المال ، أو حطّه وحفظه ، والاحتياط في حراسته ، وليس عليه رفع الأحمال بنفسه ولا حطّها ، بل له الاستيجار فيه من مال القراض.

وأمّا نفقة العامل من المأكول والمشروب والملبوس والمركوب في حال السفر ، فالأقرب أنّها تؤخذ من أصل مال القراض لا من حصّة العامل ، وقوّى الشيخ انّها لا تؤخذ من مال القراض ، بل تجب على العامل (٤).

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ١٧٤.

(٢) ما بين القوسين يوجد في «ب».

(٣) في «أ» : من نفسه.

(٤) المبسوط : ٣ / ١٧٢.

٢٤٨

وعلى ما اخترناه هل يؤخذ كمال النفقة من مال القراض ، أو الزائد عن نفقة الحضر؟ الأقرب الأوّل وقوّى الشيخ الثاني على تقدير القول بالنفقة (١).

أمّا النفقة في الحضر ، فانّها على العامل في خاصّته ، ولو كان مع العامل مال لنفسه ليسعى فيه ، أو لغيره ، قسّط النفقة على المالين ، وأخذ من مال المضاربة بقسطه ومن مال نفسه بقسطه ، ولو أخذ المالك ماله من العامل في السفر ، فالأقرب أنّ نفقة العامل في الرجوع على خاصّته.

ولو مات العامل لم يكن على المالك كفنه ، وإذا أذن له في السفر مطلقا ، لم يجز له أن يسلك طريقا مخوفا ، ولا إلى بلد مخوف ، فإن فعل ضمن.

٤٥٣٧. الخامس : إذا أطلق له العمل جاز أن يبيع ويشتري مهما شاء ممّا يظهر فيه الفائدة ويعامل من شاء ، فان شرط عليه أن لا يبيع إلّا على شخص معيّن ، أو لا يشتري إلّا منه ، أو لا يشتري إلّا سلعة معيّنة لزم ولم يجز له التعدّي ، سواء كانت السلعة عامّة الوجود في أيدي الناس كافّة كالطعام ، أو غير عامّة كلحم الصّيد ، أو يحصل في وقت دون آخر كالرطب ، فإن خالف ، وقف على الإذن ، وكان ضامنا ، والربح على ما شرطاه ، ولو لم يجز بطل البيع إن سمّاه عند العقد ، وإلّا وقع الشراء له.

٤٥٣٨. السادس : إذا اشترى شيئا فبان معيبا ، كان له الردّ بالعيب والإمساك بأرش وغيره ، فان كان الحظّ في الأخذ لم يردّ ، وكذا العكس ، ولو حضر المالك واختلفا قدّم الحاكم قول من الحظّ معه.

٤٥٣٩. السابع : إطلاق الإذن يبيح شراء المعيب مع الحظّ بخلاف الوكيل.

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ١٧٢.

٢٤٩

٤٥٤٠. الثامن : لا يجوز للعامل أن يشتري بأكثر من ثمن المثل ، وكذا لا يبيع بدونه ، فإن باع ، وقف على الإجازة ، فإن لم يجز المالك استردّ العين ، وإن تلفت كان له الرجوع على من شاء ، فإن رجع على المشتري رجع بالقيمة ، ولا يرجع على العامل ، وإن رجع على العامل ، فالوجه رجوعه بجميع القيمة لا بالتفاوت بين ثمن المثل محذوفا عنه ما يتغابن الناس به (١) وبين المسمّى ، وإن اشترى بأكثر من ثمن المثل ، فإن كان بالعين بطل ، وإن كان في الذمّة وقع الشراء له إن لم يسمّ المالك ، وإلّا وقف على الإجازة.

٤٥٤١. التاسع : ليس للعامل أن يشتري ما لا يحلّ للمسلم تملّكه إذا كان المالك مسلما ، كالخمر والخنزير وإن كان العامل ذميّا ، وإن كان في يده عصير فاستحال خمرا ، لم يجز له بيعه ، فلو اشترى العامل ذلك ودفع الثمن من مال القراض ، ضمنه.

وليس له أن يمزج مال القراض بغيره ، فإن فعل بدون الاذن ضمن ، وكان الربح على ما شرطاه.

المطلب الخامس : في الربح

وفيه تسعة مباحث :

٤٥٤٢. الأوّل : يشترط في الربح أمور أربعة :

أن يكون مخصوصا بالمتعاقدين ، (٢) مشتركا ، معلوما بالجزئيّة لا بالتقدير ، وعنينا بالخصوص

__________________

(١) في «ب» : عنه.

(٢) في «أ» : بالعاقدين.

٢٥٠

بالمتعاقدين صرفه إلى المالك والعامل ، فلو أضيف جزء من الربح إلى غيرهما لم يجز ، وبالاشتراك عدم تخصيص كلّ واحد منهما به ، فلو اختص به المالك ، بطل قراضا ، وكان بضاعة ، ولو اختصّ بالعامل كان قرضا ، وبالعلم معرفة حصّة كلّ واحد منهما ، وبالجزئيّة النسبة بالجزء المشاع كالنصف والثلث. ولو قال : على أنّ لك من الربح (١) مائة ولي الباقي ، أو يكون بيننا ، أو بالعكس ، بطل.

٤٥٤٣. الثاني : إذا وقع القراض صحيحا ، ملك العامل الحصّة المشترطة ، وللشيخ رحمه‌الله قول آخر ضعيف : انّ له أجرة المثل (٢) والأخبار الصحاح (٣) واردة بالأوّل.

٤٥٤٤. الثالث : إذا شرط المالك لمملوكه قدرا من الربح ، صحّ ، سواء كان المملوك عاملا ، أو لا. وكذا العامل لو شرط لمملوكه ، ويكون ما شرط لكلّ من العبدين لسيّديهما.

وإن شرط لغلامه الحرّ (٤) أو ابنه ، أو أجنبيّ ، فإن شرط على أحدهم العمل مع العامل ، صحّ ، وكانا عاملين ، وإن لم يشترط بطل ، ولا يكون للمالك.

ولو قال للعامل : لك الثلثان على أن تعطي امرأتك حصّة ، ففي اللزوم نظر.

٤٥٤٥. الرابع : لو شرط على الساعي أن يولّيه سلعة معيّنة برأس مالها ، لم يجز ، لإمكان اختصاصها بالربح فينفرد المالك به ، ولو شرط المالك الانتفاع

__________________

(١) كذا في «ب» : ولكن في «أ» : ولو قال : على الشريك من الربح.

(٢) ذهب إليه في النهاية : ٤٢٨.

(٣) لاحظ التهذيب : ٧ / ١٨٧ ـ ١٨٩ برقم ٨٢٧ ـ ٨٢٩ و ٨٣٦.

(٤) الظاهر انّ المراد به الخادم.

٢٥١

بالسلعة إلى وقت البيع ، كاستخدام العبد وركوب الفرس ، قال الشيخ : يبطل القراض (١).

٤٥٤٦. الخامس : إذا دفع إليه ألفين متميّزين ، وقال : خذهما قراضا على أنّ ربح هذه لي وربح هذه لك ، بطل ، ولو كانتا ممتزجتين وقال : لي ربح ألف ولك ربح ألف ، صحّ. ولو قال : لك ربح إحدى السفرتين أو ربح تجارة في شهر أو عام بعينه ، لم يجز.

٤٥٤٧. السادس : العامل يملك حصّته من الربح بظهوره ، ولا يتوقف على وجوده ناضّا على أقرب الوجهين ، ملكا غير مستقرّ بل هو وقاية لرأس المال ، فإن وقع خسران انحصر في الربح وإنّما يستقرّ بالقسمة ، أو بإنضاض المال ، والفسخ قبل القسمة على إشكال.

فإن كان ممّا يجب فيه الزكاة ، كانت زكاة الأصل وحصّة المالك على المالك نفسه ، وزكاة حصّة العامل على خاصّ العامل ، ولا يضمّ أحدهما إلى الآخر في الحول ، بل للفائدة حول بانفرادها ، ولو قلنا لا يملك كان له حقّ مؤكّد يورث عنه ، ولو أتلف المالك أو غيره المال غرم حصّته.

٤٥٤٨. السابع : لو قال : خذه على النصف صحّ ، واقتضى التنصيف بينهما في الربح ، وكذا لو قال : على أنّ الربح بيننا.

ولو قال : على أنّ لك النصف ، وسكت عن الآخر ، صحّ ، ولو قال : على أنّ

__________________

(١) قال الشيخ في المبسوط : ٣ / ١٧٠ : فإن شرط عليه أن يولّيه سلعة من السلع مثل أن يقول ربّ المال : أعطني هذا الثوب بقيمته من غير ربح ، كان باطلا ، لأنّه قد لا يكون الربح إلّا في ذلك الثوب فيؤدّي إلى ما قدمناه من انفراد أحدهما بالربح ، وكذلك إن قال : على أنّ لي أن أنتفع ببعض المال مثل أن يكون عبدا يستخدمه وثوبا يلبسه.

٢٥٢

لي النصف وسكت بطل ، ويحتمل الصحّة ، ويكون الباقي للعامل ، ولو قال : على أنّ لك ربح نصفه ، أو نصف ربحه ، صحّ.

ولو قال لاثنين : على أنّ لكما نصف ربحه ، صحّ ، وتساويا في الحصّة ، وإن اختلفا في العمل ، ولو فضل أحدهما صحّ وإن تساويا في العمل.

ولو قال : خذه مضاربة على ما شرط فلان لعامله ، صحّ إن كانا عالمين ، وإن جهلاه أو أحدهما لم يصحّ ، ولو قال للعامل : لك ثلث ربحه وثلثا باقي الربح صحّ وكان له سبعة أتساع (١) الربح.

ولو قال : لك ثلث الربح وثلث ما بقي ، كان له خمسة أتساعه.

ولو قال : ثلث الربح وربع ما بقي ، فالنصف.

ولو قال : ربع الربح وربع الباقي ، فله ثلاثة أثمان ونصف ثمن ، سواء عرف بالحساب ، أو لا.

ولو قال المالك : على أنّ لك النصف ولي الثلث ، صحّ ، وكان السدس له أيضا ، ولو قال : خذه على النصف ، ولم يتبيّن صحّ ، وكان الشرط للعامل ، لأنّ النماء للمالك فيصرف الشرط إلى من يفتقر إلى ذكره في حقه.

ولو اختلفا فقال العامل : شرطته لي ، وقال المالك : شرطته لنفسي ، احتمل تقديم قول العامل ، لأنّه يدّعي الظاهر.

٤٥٤٩. الثامن : إذا قال : خذه قراضا على أنّ الربح كلّه لي بطل ، وكذا يبطل لو قال : كله لك ، ولا يكون بضاعة ولا قرضا ، ولو لم يذكر قراضا ، كان الأوّل بضاعة والثاني قرضا.

__________________

(١) «أتساع» جمع التّسع وهو جزء من تسعة أجزاء الشي‌ء. مجمع البحرين.

٢٥٣

ولو قال : خذه والربح كلّه لك ، ولا ضمان عليك ، كان قرضا قد شرط فيه نفي الضمان ، ولا ينتفي بشرطه ، وكذا لو قال : خذه والربح كلّه لي كان بضاعة ، فلو قال : وعليك الضمان ، لم يلزمه.

ولو قال : خذه على أنّ لي نصف الربح إلّا عشرة دراهم ، لم يصحّ.

ولو قال : قارضتك على أنّ لك شركة في الربح ، أو شركاء ، لم يصحّ لعدم البيان ، ولا يكون له مضاربة المثل.

٤٥٥٠. التاسع : لو قارض اثنان واحدا ، وشرطا له قدرا واحدا من الربح ، جاز ، وكذا لو اختلفا فشرط أحدهما أكثر والآخر أقل ، ولو شرط أحدهما النصف والآخر الثلث على أن يكون الباقي بينهما بالسوية ، احتمل المنع والجواز ، وقوّى الشيخ المنع. (١)

الفصل الثاني : في الأحكام

وفيه سبعة وثلاثون بحثا :

٤٥٥١. الأوّل : العامل أمين لا يضمن ما يتلف إلّا بالتفريط أو التعدّي ، وقوله مقبول في التلف مع اليمين ، وهل يقبل في الردّ؟ قولان.

٤٥٥٢. الثاني : إذا اشترى العامل من ينعتق على المالك ، فإن كان بإذنه ،

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ١٩١.

٢٥٤

صحّ الشراء وانعتق ، فإن لم يبق من مال القراض شي‌ء بطل القراض ، وإلّا بطل في الثمن خاصّة ، ثمّ العبد على التقديرين إن كان فيه فضل ، قال الشيخ : ضمن المالك حصّة العامل (١) والأقرب الأجرة ، وإن لم يكن فيه فضل لم يضمن المالك على قول الشيخ شيئا ، وعلى قولنا ففي الأجرة نظر.

وإن كان بغير إذنه فإن كان بالعين بطل الشراء ، قاله الشيخ (٢) والأقرب وقوفه على الإجازة ، وإن كان في الذمّة ، فإن ذكر المالك ، وقف على الإجازة ، وإن لم يذكر ، وقع له ، وليس له دفع الثمن من مال القراض ، فإن خالف ضمن.

والوكيل في شراء عبد مطلق ، لو اشترى من ينعتق على المالك ، فالأقرب وقوفه على إجازة الموكّل.

٤٥٥٣. الثالث : إذا اشترى زوجة المالك ، احتمل الصحة والبطلان ، ولو أذن ، صحّ وبطل النكاح ، ولو قلنا بالصحّة مع الإطلاق ، لو كان بعد الدخول ، استحق المولى المهر ، وإن كان قبله فإشكال.

ولو كان المالك امرأة ، فاشترى العامل زوجها بإذنها ، صحّ الشراء ، وبطل النكاح ، وكان العبد قراضا ، وإن كان بغير إذنها ، بطل الشراء إن كان بالعين ، وإن كان في الذمّة وقع له إن لم يذكرها لفظا ، وإلّا بطل مع عدم الإجازة.

٤٥٥٤. الرابع : إذا اشترى المأذون من ينعتق على سيّده بإذنه ، صحّ والوجه أنّه يعتق على المولى ويأخذ المأذون القيمة من مولاه ، ليصرفه في الثمن ، وإن كان بغير إذنه ، بطل ، سواء اشتراه في الذمّة ، أو بالعين ، بخلاف العامل

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ١٧٥.

(٢) نفس المصدر.

٢٥٥

إذا اشترى في الذمّة ، ولا فرق بين أن يشتريه بدين على المأذون أو بغيره.

٤٥٥٥. الخامس : إذا اشترى العامل أبا نفسه ، فإن لم يكن فيه ربح ، صحّ الشراء للقراض ، وجاز بيعه ، فإن بيع قبل ظهور الربح ، فلا بحث ، وإن بقي في يده حتى ظهر ربح ، وقلنا انّه يملك الحصّة بالظهور وهو الأقوى ، عتق عليه قدر ما ملكه (١) ويستسعى العبد في الباقي ، وهل يقوم على العامل مع يساره؟

قال الشيخ : نعم (٢) والأقرب أنّه يستسعى العبد ، وإن كان العامل موسرا ، وإن اشتراه وكان فيه ربح ، فالوجه صحّة الشراء أيضا.

وإن قلنا انّه يملك الحصّة بالقسمة ، لم ينعتق عليه نصيبه

٤٥٥٦. السادس : إذا فسخ المالك القراض ، وكان المال ناضّا ، قبل التصرف أو بعده ، ولا ربح ، أخذ المالك المال أجمع ، وهل للعامل أجرة المثل إلى ذلك الوقت مع العمل؟ فيه نظر ، ولو كان ربح اقتسماه على الشرط ، ولو كان به عروض ، قال الشيخ : للعامل بيعه ، سواء ظهر فيه ربح ، أو لا ، لجواز أن يرغب فيه من يشتريه بربح إلّا أن يدفع المالك قيمة العروض بقول مقوّمين ، فليس له البيع حينئذ (٣).

والوجه أنّه ليس للعامل بيعه مع فسخ المالك بل يقتسمانه إن كان فيه ربح ، وإن لم يكن ، أخذه المالك.

ولو وجد العامل من يشتريه بربح ، كان له بيعه ، أو يتقبل به المالك بالربح ،

__________________

(١) في «ب» : يملكه.

(٢) المبسوط : ٣ / ١٧٨.

(٣) المبسوط : ٣ / ١٧٩.

٢٥٦

قاله بعض الجمهور (١) والأقرب أنّه ليس كذلك ، لأنّ حدوث الزيادة بعد فسخ العقد ، فلا يستحقها العامل ، قال : فلو امتنع العامل من البيع الزمه المالك بانضاض المال (٢) وفيه نظر.

أمّا لو كان المال دينا ، فإن باع نسيئة ، كان على العامل تحصيله ممّن هو عليه ، وللمالك إجباره عليه مع الامتناع ، وإن لم يكن فيه ربح ، وفيه احتمال ضعيف ، وكذا البحث لو كان الفاسخ العامل ، وإذا قلنا بوجوب البيع على العامل لو باع برأس المال لم يجب بيع الباقي وانضاض ثمنه ، ولو كان نسيئة وجب.

ولو طلب أحدهما قسمة الربح مع بقاء المضاربة ، لم يجبر الآخر عليها سواء كان الممتنع المالك ، أو العامل ، ولو اتّفقا على القسمة ، جاز ، فإن خسر ردّ العامل أقلّ الأمرين من نصف الخسارة ومن جميع ما أخذه.

٤٥٥٧. السابع : إذا مات المالك ، فإن كان المال ناضّا قبل التصرّف أو بعده ، ولا ربح ، أخذه الوارث ، وإن كان فيه ربح ، قاسمه ، وإن كان عروض ، قال الشيخ كان للعامل بيعه إلّا أن يمنعه الوارث (٣) وهل للعامل إجباره على البيع؟ فيه ما تقدّم ، ولو كان دينا كان على العامل تحصيله.

ولو أراد الوارث إقرار العامل ، فإن كان المال ناضّا افتقر إلى تجديد عقد ، وإن كان به عروض لم يجز.

ولو مات العامل ، وكان المال ناضّا ، ولا ربح ، أخذه المالك ، وإن كان به

__________________

(١) و (٢) لاحظ المغني لابن قدامة : ٥ / ١٨٠.

(٣) المبسوط : ٣ / ١٧٩.

٢٥٧

ربح ، قاسم الوارث ، وإن كان به عروض ، كان للمالك منع الوارث من البيع ، وأخذه الحاكم باعه ، أو قوّمه على المالك ، فإن كان فيه ربح قسّمه بين المالك والوارث ، وإن طلب المالك إقرار الوارث ، فإن كان المال ناضّا صحّ استيناف العقد وإلّا فلا.

٤٥٥٨. الثامن : إذا قارض على النصف ، فقارض العامل غيره بإذن المالك وشرط الربح بينه وبين المالك نصفين ، صحّ ، وكان الربح بين المالك والثاني ، وإن شرط بعضه لنفسه ، بطل وكان الربح للمالك ، وعليه أجرة مثل الثاني (١) ولا شي‌ء للأوّل.

وإن كان بغير إذن المالك ، وشرط الربح بينه وبين الثاني دون المالك ، بطل ، ثمّ إن ربح احتمل أن يكون الربح كلّه للمالك ونصفه ، فيكون النصف الآخر للعامل الأوّل ، وعليه للثاني الأجرة ، وهو الأقرب.

ويحتمل كون النصف الثاني بين العاملين ويرجع الثاني على الأوّل بنصف أجرة عمله ، ويحتمل عدم الرجوع.

ويحتمل أن لا يكون للمالك شي‌ء من الربح ، ويكون الربح كلّه بين العاملين ، أو للأوّل ، وعليه أجرة الثاني.

وللمالك تضمين من شاء منهما ، فإن رجع على الأوّل لم يكن للأوّل الرجوع على الثاني وإن طالب الثاني احتمل رجوعه على الأوّل ، لغروره ، وعدمه ، لحصول التلف في يده ، ولو كان الثاني عالما كان للأوّل الرجوع

__________________

(١) في «ب» : أجرة مثله للثاني.

٢٥٨

عليه إن رجع المالك عليه ، ولا يرجع هو على الأوّل لو رجع عليه المالك.

٤٥٥٩. التاسع : إذا تصرّف العامل وحصل له فضل ، ثمّ طلب القسمة ، وكان المال ناضّا من جنس رأس المال ، اقتسماه على ما شرط ، وإن كان من غير جنسه ، كالدراهم مع الدنانير ، أخذ المالك بقيمة رأس المال ، إن شاء ، واقتسما الباقي ، وإلّا باع العامل بقدر رأس المال ، وقسّما الباقي ، وإن كان عرضا ، تخيّر المالك في الأخذ بقيمة رأس المال وطلب البيع به ، ولو تعذّر بيع البعض بيع الجميع ، وأخذ المالك رأس المال ، وقسّما الباقي.

وإن قال العامل : خذه أجمع ، وقد تركت حقي ، فإن قلنا يملك الحصّة بالظهور ، لم يجب القبول ، وإلّا وجب.

٤٥٦٠. العاشر : إذا دفع ألفا للقراض ، فاشترى العامل بها عبدا للقراض ، إمّا بالعين ، أو مطلقا ، ثمّ اشترى عبدا آخر بألف ، فإن كان بالعين ، بطل الثاني. وإن كان بألف مطلقة ، وقع الشراء له ، وليس له أن يدفع مال القراض فيها ، فإن خالف ، ضمن والربح له.

٤٥٦١. الحادي عشر : إذا دفع ألفين للقراض ، فتلفت إحداهما بعد دورانها في التجارة ، كانت محسوبة من الربح ، وليس للعامل في الربح شي‌ء إلّا بعد توفية الألفين.

وإن تلفت قبل العمل ، قال الشيخ : يكون أيضا من الربح. (١) واختاره ابن إدريس (٢) وفيه نظر ضعيف.

__________________

(١) المبسوط : ٣ / ١٩٠.

(٢) السرائر : ٢ / ٤١٦.

٢٥٩

٤٥٦٢. الثاني عشر : إذا كان في يده وديعة ، أو غصب ، فأمره المالك بالشراء (به). (١) قراضا صحّ وهل يبرأ الغاصب بنفس العقد أو بالدفع إلى البائع؟ قال الشيخ : بالثاني (٢) ، وفيه احتمال.

٤٥٦٣. الثالث عشر : إذا قال للمديون : اعزل الدين الّذي لي عليك ، واقبضه ، فإذا فعلت فقد قارضتك عليه ، قال الشيخ : لا يصحّ قبض المديون ، وذمّته مشغولة كما كانت ٣ ولو قيل : بالصحّة كان وجها ، فإن اشترى بعين المال ، قال الشيخ : كان الشراء له ، لأنّه لا يملك أن يشتري بعين ماله ملكا لغيره ، وإن اشترى في الذمّة قيل : فيه وجهان ، أحدهما انّه قراض فاسد ، لتعليقه بالصّفة ، فإذا دفع المال ثمنا برئت ذمّته ، لأنّه قضى دين غيره بإذنه ، ولا حصّة له بل الأجرة ، والثاني أنّه ليس بقراض صحيح ولا فاسد ، بل الربح للعامل ، وكذا الخسران (٤) ولو قيل : بالأوّل كان وجها ، وعلى القول بصحّة القبض ، إذا اشترى بالعين كان قراضا فاسدا ، له الأجرة وللمالك الربح ، أمّا لو كان الدين على أجنبيّ فقال للعامل : اقبضه وقد قارضتك عليه ، كان القبض صحيحا ، والقراض فاسدا ، فالربح للمالك ، وللعامل الأجرة.

٤٥٦٤. الرابع عشر : إذا تلف المال بعد الشراء قبل دفعه ، فالأقوى أنّ السلعة لربّ المال ، ويجب عليه ثمنها ثانيا ، ويكوّنان معا رأس المال ، وليس للمالك الخيار بين دفع الثمن ثانيا ، ويكون الثاني رأس المال دون الأوّل ، وبين عدم الدفع ، فيكون المبيع للعامل والثمن عليه ، وكذا لو تلف الثمن الثاني قبل

__________________

(١) ما بين القوسين يوجد في «ب».

(٢) و (٣) المبسوط : ٣ / ١٩٢.

(٤) المبسوط : ٣ / ١٩٢ ـ ١٩٣.

٢٦٠