تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-66-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦١٣

أرادا ، وإن قلنا إنّه جائز ، ولم يأخذا في الرمي ، أو أخذا فيه ، وتساويا رميا وإصابة ، فلهما الزيادة والنقصان.

ولو طلب أحدهما الزيادة ، فإن أجابه ، وإلّا كان له الفسخ ، وإن تفاضلا ، فإن طلب الزيادة صاحب الفضل ، تخيّر المفضول في الإجابة والفسخ ، وإن طلب المفضول لم يكن له ذلك.

٤٤٠٨. الخامس عشر : لو قالا : من سبق إلى خمس إصابات من عشرين ، فهو السابق ، فأصابا خمسة من عشرة ، لم يجب الإكمال ، ولا سبق ، ولو أصاب أحدهما خمسة ، والآخر أربعة ، فقد نضله الأوّل ، ولو رمى أحدهما عشرا فأصاب خمسا ، والآخر تسعا فأصاب أربعا ، لم يحكم بالسّبق قبل العاشر ، فإن أخطأه ، فهو مسبوق ، وإلّا فلا ، ولو أصاب دون الأربع من التسعة ، فهو مسبوق ، ولا حاجة إلى الإكمال.

ولو قالا : أيّنا فضل صاحبه بثلاث من عشرين فهو سابق ، فهو محاطّة ، ويسمّى أيضا مفاضلة ، ويلزم إتمام الرشق مع الفائدة كما قلنا لا بدونها ، كما لو أصاب أحدهما اثني عشر وأخطأها الآخر.

ولو قالا : أيّنا أصاب خمسا من عشرين ، فهو سابق ، فمن أصاب خمسة منها قبل صاحبه ، فهو سابق ، ولو أصاب كلّ منهما خمسا ، أو لم يصب واحد منهما خمسا ، فلا سابق ، وهذه كالمحاطّة في وجوب الإكمال مع الفائدة لا بدونها ، كما لو رميا ستّة عشر فأخطئاها معا ، لم يجب الإكمال.

ولو شرط أن يحسب كلّ واحد منهما خاسقه بإصابتين ، فالأقرب الجواز.

١٨١

٤٤٠٩. السادس عشر : إذا شرطا أن يرميا أرشاقا كثيرة جاز مع التعيين من غير حصر ، فإن شرطا أن يرميا كلّ يوم قدرا منها ، جاز ، ولو أطلقا ، حمل على التعجيل ، ويرميان من أوّل النهار إلى آخره ما لم يحصل عارض من مرض ، أو شبهه ، فإذا جاء الليل قبل إكماله أخّراه إلى الغد ما لم يشترطا الرمي ليلا. ولو أراد أحدهما التطويل والتشاغل عن الرمي بمسح القوس وشبهه ، منع من ذلك ولا يدهش بالاستعجال بالكلّية ، ويمنع كلّ منهما من الكلام الرّدئي الذي يغيظ صاحبه ، كالافتخار ، والارتجاز ، وتعنيف صاحبه على الخطأ ، وإظهار أنّه يعلمه ، وكذا يمنع الحاضر معهما من ذلك كالشاهد ، والأمين ، ولا يمدح السابق ولا يعنّف المسبوق.

وإذا تشاحّا في الموقف مع تساويه ، كان الحكم للسابق ، ولو اختلف كان الحكم لمن يختار الأصلح إلّا مع الشرط.

٤٤١٠. السابع عشر : لو رميا عشرة من عشرين ، فأصاب كلّ واحد اثنين ، فقال أحدهما : ارم سهمك هذا ، فإن أصبت ) سبقت ، لم يجز ، ولو فسخا العقد ، أو قال ابتداء : ارم سهمك فإن أصبت فلك كذا ، جاز جعالة.

ولو قال : ارم هذا السهم فإن أصبت فلك كذا غير مال النضال ، جاز جعالة أيضا ، ويأخذ مع الإصابة لا مع عدمها ، ولا يحتسب من الرشق.

ولو قال : ارم سهما فإن أصبت فلك كذا ، وإن أخطأت فعليك كذا ، لم يجز.

٤٤١١. الثامن عشر : لو قال : ناضل نفسك ، فإن كان صوابك أكثر ، فلك

__________________

(١) في «ب» : فإن أصيب.

١٨٢

السبق ، لم يجز ، وكذا لو قال : ناضل نفسك ، فإن كان صوابك أكثر ، فقد نضلتني.

ولو قال : ارم عشرين ، فإن كان صوابك أكثر ، فلك كذا ، جاز جعالة.

٤٤١٢. التاسع عشر : لو رمى سهما فانكسر ، فإن أصاب بالنصل ، أو بهما معا ، فهو إصابة ، وإن اصاب بالفوق ، فهو خطأ ، ولو أصاب فوق سهم ثابت نصله في الغرض ، لم يحتسب له ولا عليه ، ولو كان الثابت في الغرض قد نفذ فيه حتى بلغ فوقه الغرض ، ثم أصابه ، فإن كانت الإصابة مطلقة حسب له ، وإن شرط الخاسق لم يحتسب له ولا عليه ، ولو أصاب الفوق وشجّ على السهم حتى أصاب الغرض ، فهو إصابة.

٤٤١٣. العشرون : إن قلنا انّ العقد لازم لم يكن لأحدهما الترك بعد العقد ، فإن امتنع حبس ، فإذا امتنع عزّر ، فإن فعل ، وإلّا ردّ إلى الحبس ، فإن فعل وإلّا عزّر ، وإن قلنا انّه جائز ، كان للفاضل أن يترك ، وفي المفضولة وجهان.

ولو شرطا أن يقعد أحدهما متى أراد ، بطل العقد إن قلنا انّه لازم ، وإلّا فلا.

ولا يجوز أن يشترطا كون السبق على الجالس ، ولا يجب في عقد النضال اشتراط قدر ارتفاع السهم ، ولو سمّى قدر ذلك ، فالوجه المنع ، لعدم ضبطه ، وحصول التنازع به ، وكذا لا يشترط قدر ارتفاع الغرض عن وجه الأرض ، وينصرف الإطلاق إلى العرف ، ولو شرطاه لم يجز خفضه ولا رفعه ، إن قلنا بلزوم العقد وإلّا جاز.

٤٤١٤. الحادي والعشرون : لو عقدا على مائة ذراع ، ثمّ اتّفقا على الزيادة ، لم يكن لهما ذلك إلّا بعد التفاسخ وإنشاء عقد على ما يريدانه ، إن قلنا انه

١٨٣

لازم ، وإلّا جاز. وكذا البحث لو شرط إصابة الهدف أوّلا ، ثمّ طلبا إصابة الغرض.

ولا يجوز اشتراط بعد تتعذر الإصابة معه ، كأربعمائة ذراع ، ويجوز على مائتين وخمسين فما دون ، وكذا لا يجوز اشتراط الإصابة في عدد يتعذّر معه ذلك كما لو شرطا إصابة تسعة من عشرة ، وكذا لو شرطا إصابة العشرة ، وقوّى الشيخ الجواز فيهما (١) وهو جيّد.

ولو كان الرّشق عشرة والإصابة خمسة ، وشرط الإصابة من تسعة بمعنى أنّ العاشر لا يحسب له وإن أصابه ، لم يجز.

٤٤١٥. الثاني والعشرون : يجوز للرامي أن يقف أين شاء من الغرض عن يمينه أو يساره ، ولو شرطا موضعا خاصّا ، لزم ، ولو قال أحدهما : نستقبل الشمس والآخر : نستدبرها (٢) أجيب طالب الاستدبار ، ولو شرطا الاستقبال لزم.

٤٤١٦. الثالث والعشرون : يجوز أن تكون الرماة ضربين ، ويقتسمون بالاختيار ، والأقرب جواز القرعة ، والأوّل أولى ، فيختار رئيس أحد الحزبين واحدا ، ثم يختار الآخر واحدا ، وهكذا ، ولا يختار أحدهما الجميع ثمّ الآخر الباقي ، ويقرع في المبتدئ للاختيار من الزعيمين ، ولو جعلوا الرئيس للحزبين واحدا ، لم يجز ، ولو قال أحد الزعيمين : أنا أختار أوّلا ، على أن أخرج السبق أو على أن يكون السبق على حزبي لم يجز ، وكذا لو قال للآخر : اختر أنت على أنّ عليك السبق ، أو يقرع فمن أصابته كان السبق عليه ، ولا نرمي معا ، فأيّنا أصاب ، كان السبق على الآخر.

__________________

(١) المبسوط : ٦ / ٣١١.

(٢) هذا ما أثبتناه ، ولكن في النسختين «يستقبل ... ويستدبرها».

١٨٤

٤٤١٧. الرابع والعشرون : لا بدّ من تعيين الرماة ، فلو اختار ثلاثة لا يسمّيهم لصاحبه ، وصاحبه ثلاثة لا يسمّيهم للأوّل ، لم يجز.

ولو حضر غريب لا يعرفونه ، فاختير في أحد الحزبين فخرج لا يحسن الرمي ، بطل العقد فيه وفي محاذيه الذي اختاره الزعيم الآخر في مقابلته ، ولا يبطل في الباقين ، بل لكلّ حزب خيار تفريق الصفقة ، ولو ظهر راميا قليل الإصابة ، فقال حزبه : ظننّاه كثيرها ، أو بان كثيرها ، فقالا الآخر : ظننّاه قليلها ، لم يلتفت إليهم.

٤٤١٨. الخامس والعشرون : إذا شرطوا تقديم أحد الحزبين ، فيكون أحدهم المبتدئ ، جاز ، ولو شرطوا أن يكون فلان مقدّما وفلان معه من الحزب الآخر ، ثمّ فلان ثانيا من الحزب الأوّل ، وفلان معه ، كان باطلا وإذا تعيّنت البدأة لواحد فرمى غيره ، ردّ السهم عليه ، ولم يحتسب له ولا عليه.

٤٤١٩. السادس والعشرون : لو أخرج أحد الزعيمين السبق منه ، فسبق حزبه ، لم يرجع عليهم إلّا مع الشرط ، فيرجع بالسّوية ، ويأخذه السابق بالسّوية ويحتمل قسمته على قدر الإصابة.

٤٤٢٠. السابع والعشرون : يشترط كون الرشق بين الحزبين يمكن قسمته بغير كسر ويتساوون فيه ، فلو كانوا ثلاثة وجب أن يكون له ثلث ، وكذا لو كانوا أربعة وجب أن يكون له ربع.

٤٤٢١. الثامن والعشرون : إذا قال أحد المتناضلين لصاحبه وقد فضله : اطرح الفضل وعليّ كذا (١) لم يجز ، ولو تفاسخا العقد وعقدا عقدا آخر ، جاز. ولو

__________________

(١) في «أ» : اطرح الفضل مقابله وعليّ كذا.

١٨٥

لم يفسخاه فتمّت الإصابة مع ما أسقطه ، استحقّ السبق ، وردّ ما أخذه في مقابلة الطرح.

ولو سبّق أحدهما صاحبه عشرة ، فقال : إن نضلتني فلك هذه العشرة ، وإن نضلتك فلا شي‌ء لك ، فقال : ثالث للمسبق : أنا شريكك في الغنم والغرم إن نضلك فنصف العشرة عليّ وإن نضلته فنصفها لي ، لم يجز ، لأنّ الغرم والغنم للمناضل لا لغير الرامي ، وكذا لو سبّق كلّ واحد منهما صاحبه عشرة وأدخلا محلّلا ، فقال رابع لكلّ من المسبّقين : أنا شريكك في الغنم والغرم.

٤٤٢٢. التاسع والعشرون : لو قال واحد لآخر : ارم هذا السهم فإن أصبت به فلك درهم ، صحّ جعالة ، ولو قال : إن أصبت فلك درهم ، وإن أخطأت فعليك درهم ، لم يجز ، ولو قال : ارم عشرة فإن كان صوابك أكثر من خطائك فلك درهم ، صحّ جعالة ، وكذا : إن كان صوابك أكثر ، فلك بكلّ سهم أصبت به درهم ، أو قال : ارم عشرة ولك بكلّ سهم أصبت به منها درهم ، أو قال : فلك بكلّ سهم زائد على النصف من المصيبات درهم.

ولو قال : فإن كان خطائك أكثر فعليك درهم ، لم يجز ، لأنّ الجعل في مقابلة العمل ، ولا عمل للقائل ، وكذا لا يجوز لو قالوا : نقرع فمن خرجت قرعته فهو السابق ، ولا من خرجت قرعته فالسّبق عليه ، ولا نرمي فأيّنا أصاب فالسّبق على الآخر.

٤٤٢٣. الثلاثون : إذا شرطا إصابة موضع من الهدف على أنّ ما كان أقرب إلى الشنّ يسقط الأبعد ، جاز ، لأنّه نوع من المحاطّة ، فإذا رمى أحدهما سهما فوقف في الهدف ، ورمى الآخر خمسة فوقعت أبعد من سهم الأوّل ، ثم رمى

١٨٦

الأوّل سهما فوقع أبعد من الخمسة سقطت الخمسة بالأوّل ، وسقط الّذي بعد الخمسة بالخمسة.

ولو رمى أحدهما خمسة في الهدف بعضها أقرب من بعض ، ورمى الثاني خمسة كلّها أبعد من الخمسة الأولى ، سقطت الثانية أجمع ، وتثبت الأولى أجمع ، ولا يسقط الأقرب الأبعد ، لأنّ الأقرب يسقط الأبعد من رمي الآخر لا من رمي نفسه.

ولو أصاب أحدهما الهدف ، والآخر الغرض ، سقط ما أصاب الهدف بما أصاب الغرض.

ولو أصاب أحدهما الغرض والآخر العظم الذي في وسطه ، لم يسقط الأوّل ، ولو أصابا الهدف وكانا في القرب سواء ، تساقطا.

ولو رمى أحدهم ساقطا ـ وهو ما وقع بين يدي الغرض ـ والآخر عاضدا ـ وهو ما وقع من أحد الجانبين ـ والآخر خارجا ـ وهو ما جاوز الغرض ـ قبل الأقرب إلى الغرض من أيّ الجهات كان وسقط به الأبعد.

١٨٧
١٨٨

كتاب الوديعة وتوابعها

وفيه مقاصد

١٨٩
١٩٠

[المقصد] الأوّل : في الوديعة

والنظر في فصول ثلاثة :

[الفصل] الأوّل : في العقد

وفيه ثمانية مباحث :

٤٤٢٤. الأوّل : الوديعة حقيقتها : استنابة في حفظ المال ، وأتوا بالهاء لأنّهم ذهبوا بها إلى الأمانة (١) وهي مأخوذة من ودع يدع : إذا سكن واستقرّ.

قال الكسائي : أودعت الرّجل مالا : إذا دفعته إليه يكون وديعة عنده ، وأودعته : قبلت وديعته (٢).

وهي عقد جائز من الطرفين : ولها حكم في الشريعة بالنّص والإجماع.

٤٤٢٥. الثاني : تفتقر الوديعة إلى إيجاب وقبول ، ويكفي فيهما كلّ عبارة دالّة

__________________

(١) الظاهر أنّ المراد : انّهم لمّا أماتوا مصدر «ودع» استعمل مكانه اسم المصدر ، أعني «الوديع» فألحق بآخرها الهاء ، لتضمّنه معنى الأمانة أو إلحاقها بها.

(٢) وهو من الأضداد. لاحظ الصحاح للجوهري : ٣ / ١٢٩٦ ؛ والمصباح المنير : ٢ / ٣٧١ ـ ٣٧٢ (ودع).

١٩١

على معناهما ، ويكفي في القبول الفعل مجرّدا عن اللفظ ، ولو طرح الوديعة عنده لم يلزمه حفظها إذا لم يقبلها.

ولا بدّ في العاقدين من التكليف ، فلو استودع من الصبيّ ، أو المجنون ، ضمن. ولو أكره على القبول ، لم تصر وديعة ، ولو أهملها لم يضمن.

٤٤٢٦. الثالث : لو أودع الصبيّ ففرّط فيها ، لم يضمن ، أمّا لو باشر الإتلاف فانّه يضمن ، ولو أودع المجنون لم يضمن بالإتلاف مباشرة وتسبيبا.

٤٤٢٧. الرابع : عقد الوديعة يبطل بالموت منهما ، والجنون ، والإغماء ، وبعزله نفسه ، وإذا انفسخ بقي أمانة شرعيّة في يده ، كالثوب تطيّره الريح في داره.

٤٤٢٨. الخامس : الحرّيّة شرط في المتعاقدين (١) أو إذن المولى ، فلو استودع العبد فإن كان بإذن مولاه صحّ ، وإلّا فلا ، وعلى التقدير الأوّل لو فرّط العبد أو باشر الإتلاف ، فالوجه تعلّق الضمان بكسبه ، أمّا على التقدير الثاني ، فالأقرب أنّه يتبع به بعد العتق.

٤٤٢٩. السادس : لا تصحّ وديعة الطفل ، ولا المجنون ، فلو أودعا شيئا ضمن القابض. ولو ردّه إليهما لم يبرأ وإنّما يبرأ بردّه إلى وليّهما.

٤٤٣٠. السابع : الوديعة. أمانة يجب حفظها ، فلو أهمل المستودع ضمن ، ولو لم يهمل لم يضمنها وإن تلفت ، سواء تلف معها شي‌ء من ماله أو لا ، وكذا لو أخذت منه قهرا. ولو تمكّن من الدفع وجب. ولو أهمل حينئذ ضمن ، ولو

__________________

(١) في «أ» : الحرّيّة يشترط في المتعاقدين.

١٩٢

خاف من الظالم لو منعها ، جاز دفعها إليه ولا يجب تحمّل الضرر الكثير لأجل حفظها عنه ، ولو أنكرها فطالبه الظالم باليمين ظلما ، جاز الحلف ويورّي ما يخرج به عن الكذب.

٤٤٣١. الثامن : يجب ردّ الوديعة إلى صاحبها مع الطلب وإمكان الدفع ، فلو أهمل مع القدرة والمطالبة ، ضمن.

الفصل الثاني : في أسباب الضمان :

وهي شي‌ء واحد على الإجمال : هو التقصير

وللتقصير أسباب سبعة :

٤٤٣٢. الأوّل : الانتفاع بالوديعة ، فإذا لبس الثوب ، أو ركب الدابة ، أو أخذ الدراهم ليصرفها في حاجته ، ضمن ، ولو نوى الأخذ ولم يأخذ ، أو عزم على التعدّي ولم يفعله ، لم يضمن ، وفيه احتمال ضعيف ، بخلاف الملتقط ، ولا يعود أمينا لو ترك الخيانة ، ولو ردّ الثوب بعد ما لبسه أو الدابّة ، بعد ما ركبها إلى الحرز ، لم يزل الضمان ، ولو أعاده إلى المالك ، سقط الضمان وإن جدّد الاستيمان ، ولو لم يردّها لكن جدّد الاستيمان ، أو أبرأه من الضمان ، برئ أيضا ، ولو أخرجها من الحرز للاستعمال ولم يستعملها ضمنها ، وإن أعادها إلى الحرز لم يبرأ ، ولو دفع إليه دراهم فوضعها في كيس ، ثمّ أخرج منها درهما ، ضمنه خاصّة ، ولو ردّ ذلك الدرهم بعينه إلى الكيس واختلط بالباقي ولم يتميّز ، لم يتعدّ الضمان إلى الباقي ولم يزل الضمان عن الدرهم ، وإن ردّ بدله ومزجه بالباقي ضمن الجميع ، ولو

١٩٣

تميّز لم يتعدّ الضّمان إلى الباقي ، وكذا لو مزج الوديعة بغيرها من ماله أو من غير ماله من غير استيذان بحيث لا يتميّز ، فإنّه يضمنها.

ولو كانت الدراهم في كيس للمودع فإن لم يكن مشدودا ، فكذلك ، وإن كان مشدودا فحلّ الشدّ ، أو كانت مختومة فكسر الختم ، وإن لم يحلّ الشدّ فإنّه يضمنها أجمع ، وإن لم يأخذ منها شيئا ، ولا يختصّ ضمانه بالختم.

ولو خرق الكيس ، فإن كان الخرق فوق الشدّ ، ضمن ما خرقه دون الدراهم ، وإن كان تحته ، ضمن الدراهم ، فلو أودع كيسين فمزجهما ضمن ، وإن لم يكونا مشدودين.

ولو أتلف بعض الوديعة لم يضمن الباقي إلّا إذا كان متّصلا به ، كما لو قطع الثوب أو يد العبد ، ولو كان الثوب مخيطا ، فالأقرب انّه يضمن الجميع لو فتقه وأتلف بعضه.

فلو خلط المستودع الوديعة بماله خلطا لا يتميّز ضمنها ، سواء كان المخلوط بها دونها ، أو مثلها ، أو أجود ، ولو تميّز. كالدراهم والدنانير لم يضمّن إلّا أن يتضمّن التفريط بغير المزج ، كحلّ الشد وفتح الختم ، وكذا لا يضمن لو مزجها بإذن المالك.

ولو أنفق الوديعة ضمنها ، ولو ردّ بدلها إلى موضعها ، لم يتعيّن بذلك ، وكانت في ضمانه.

٤٤٣٣. الثاني : التضييع بأن يلقيه إلى مضيعة ، أو يدلّ عليه سارقا ، أو يسعى به إلى ظالم ، أو لا يحرزها في حرز مثلها ، ولو ضيّع بالنسيان ، فالأقرب الضمان ،

١٩٤

ولو أكره على أخذ الوديعة لم يضمن ، وكذا لو سلّمها مكرها ، وللمالك الرجوع على من شاء من الودعي (١) والظالم ، وإذا طالبه الظالم ، وجب إخفاؤها ، ولو طلب منه الحلف ولم يحلف ، فالأقرب الضمان.

٤٤٣٤. الثالث : المخالفة في كيفيّة الحفظ ، فلو عيّن له موضعا للحفظ ، تعيّن ، فإن لم ينهه عن غيره ، ونقلها ، فإن كان الموضع ملكا للمودع ، أو مستأجرا له ، ضمن ، لأنّه في الحقيقة وكالة لا استيداع ، إلّا أن يخاف عليها فينقلها ، لأنّه مأمور بحفظها ، وإن كان ملكا للمستودع ، فنقلها منه ، أو حفظها ابتداء في غيره ، فإن كان أدون ، ضمن قطعا ، وإن كان مثله أو أحرز ، قال الشيخ : لم يضمن (٢) وعندي فيه نظر ويقوى الإشكال لو تلفت بالنقل ، كانهدام البيت المنقول إليه.

ولو نهاه عن النقل ، ضمن به ، وإن كان إلى مساو أو أحرز ، ولو لم يعيّن له موضعا ، فنقلها بعد إيداعها في حرز إلى حرز مثلها ، لم يضمن ، سواء كان مثل الأوّل أو أدون.

تنبيه

كلّ موضع قلنا انّه يضمن بالنقل إنّما هو مع عدم خوف التلف ، أمّا لو خاف التلف من حريق ، أو غرق ، أو نهب ، أو لص ، فإنّه يجوز نقلها وإن عيّن له حرزا ، سواء نهاه عن نقلها عنه ، أو لا ، ولا ضمان عليه إذا نقلها إلى مثل المعيّن ، أو أحرز.

ولو نقلها إلى أدون ، فإن لم يتمكّن ، من المساوي والأجود فلا ضمان ،

__________________

(١) في «ب» : من المودع.

(٢) المبسوط : ٤ / ١٤٠.

١٩٥

وإن تمكّن ولم يكن حرز مثلها ، ضمن ، وإن كان حرز مثلها ففي الضمان إشكال.

ولو لم ينقلها مع الخوف فتلفت ، فالأقرب التفصيل ، فإن لم يعيّن له موضعا ضمن ، وإن عيّن ولم ينهه عن النقل فكذلك ، ولو نهاه عن النقل ففي عدم الضمان إشكال.

إذا عرفت هذا فلا فرق في الضمان بين أن ينقلها من دار إلى أخرى ، أو من بيت من دار إلى بيت آخر منها مع التعيين والنّهي عن التحويل.

ولو قال : لا تخرجها من المعيّن وإن خفت التلف ، فأخرجها من غير خوف ، ضمن. وإن أخرجها مع الخوف ، أو تركها ، فلا ضمان.

ولو أمره بوضعها في صندوق فوضعها في غيره ، أو في خريطة ، فوضعها في غيرها ، فالتفصيل فيه كما قلنا في البيت سواء.

ولو أمره بوضعها في بيته ، فتركها في ثيابه ضمن ، ولو دفعها إليه في دكّانه وأمره بوضعها في بيته ، فسارع فتلفت من غير تفريط ، لم يضمن ، ولو وضعها في دكّانه إلى وقت فراغه ليستصحبها إلى بيته مع المكنة من المسرعة ، فالأقرب الضمان ، ولو نهاه عن التأخير ضمن قطعا.

ولو أمره بوضعها في كمّه فوضعها. في جيبه ، ففي الضمان إشكال ، وبالعكس يضمن.

ولو أمره بوضع الخاتم في الخنصر ، فوضعه في البنصر وكان متّسعا ينزل إلى أسفل لم يضمن ، وإن كان ضيّقا يقف عند الأنملة ضمن ، وبالعكس يضمن.

ولو قال : ضعها في جيبك أو كمك ، فوضعها في يده ، ضمن إن سقطت منه ، ولو غصبت منه فكذلك على إشكال.

١٩٦

ولو أمره بحفظها مطلقا ، فوضعها في جيبه أو يده ، لم يضمن ، إلّا أن تسقط من يده ، لاسترخائه بنوم أو نسيان ولو تركها في كمّه مشدودة لم يضمن ، فان كانت غير مشدودة فسقطت ضمن إن كانت خفيفة ، وكذا إن كانت ثقيلة على إشكال ضعيف.

ولو شدّها في عضده لم يضمن ، سواء كان ممّا يلي الجيب أو لا ، نعم لو أمره بشدّها ممّا يلي الجيب فعكس ضمن ، ولو كان بالعكس لم يضمن ، ولو شدّها على وسطه لم يضمن.

ولو دفع إليه صندوقا وقال : لا تنم عليه ، أو لا تقفل عليه ، أو لا تضع عليه رجلا ، فخالفه ، أو قال : لا تقفل عليه إلّا قفلا واحدا ، فقفل قفلين ، لم يضمن.

ولو قال : اجعلها في هذا البيت ولا تدخله أحدا ، فأدخل إليها فسرقها الداخل ضمن ، سواء سرقها حال الإدخال أو بعده ، ولو سرقها من لم يدخل البيت ، فالأقرب الضمان.

٤٤٣٥. الرابع : الإيداع ، ومن استودع شيئا فأودعه من غير إذن المالك ولا ضرورة كان ضامنا ، سواء أودع من جرت عادته بحفظ ماله كالمرأة والغلام ، أو غيرهما ، وإن كان القاضي ، ولو أراد السفر ردّها إلى المالك أو وكيله ، فإن فقدهما فالى الحاكم ، فإن تعذّر فإلى ثقة ، فإن تعذّر جاز له السفر بها ، ولو خالف هذا الترتيب ، ضمن على إشكال ضعيف ، ولو أودع في السفر جاز النقل ، ولا ضمان عليه.

ولو دفنها في موضع وأعلم بها ثقة يده على الموضع ، وكانت ممّا لا يغيّرها الدفن ، فهو كإيداعها عنده وإن لم يعلم بها أحدا ضمنها إلّا مع

١٩٧

خوف المعاجلة عليها وكذا يضمن لو أعلم بها غير الثقة ، أو اعلم بها الثقة ولم يشعره بالمكان ، أو أشعره وليس ساكنا بالمكان ، أو كانت ممّا يتغيّر بالدفن.

ولو أراد السفر بها وقد نهاه المالك ، ضمنها إلّا أن يخاف التلف مع المقام بها ، وإن لم يكن نهاه وكان الطريق مخوفا ، أو البلد المقصود كذلك ، ضمنها وإن لم يكن كذلك احتمل جواز السفر بها مع القدرة على المالك والوكيل والحاكم والثقة ، وعدمه ، وهو الأقوى.

ولو دفع إلى الحاكم للضرورة ، ففي وجوب القبول على الحاكم وجهان ، ولو دفعها إلى الحاكم من غير إرادة السفر ، للضرورة كالحريق والنّهب وغيرهما ، لم يضمن.

وإن تعذّر الحاكم واحتاج إلى إيداعها ، أودعها الثقة ، ولو وجد المالك أو وكيله ، فتخطاهما إلى الحاكم أو الثقة ، ضمنها ، ولو جعلها في بيت المال بنفسه من دون الحاكم ضمن.

ولو جنّ المالك أو حجر عليه للسفه ، كان على المودع ردّ الوديعة إلى الحاكم ، ولو نقل الوديعة من قرية إلى أخرى ، كان حكمه حكم المسافر بها ، وإن لم يكن بينهما مسافة القصر.

٤٤٣٦. الخامس : التقصير فيما تحتاج الوديعة إليه ، فلو استودع دابّة وجب عليه القيام بعلفها وسقيها على قدر حاجتها ، سواء أمره المالك أو لم يأمره ، ولو نهاه المالك عن العلف والسقي ، لم يجز له الامتثال ، لكن لو امتثل لم يضمن ، وكذا لو لم ينشر الثوب المحتاج إلى النشر ، ولو افتقر إلى اللّبس وجب لبسه ، ولو أهمل ضمن إلّا مع نهي المالك.

١٩٨

٤٤٣٧. السادس : الجحود ، فمن أودع شيئا وجب ردّه على مالكه مع المكنة ، فإن طالبه المالك فجحد ، ضمن ، ولو طالبه غير المالك فجحد ، لم يضمن ، ولو سأله المالك من غير مطالبة فجحد ، ففي الضمان إشكال.

٤٤٣٨. السابع : التأخير عن الدفع مع المطالبة وإمكان الدفع ، ولو لم يمكن لبعدها ، أو لمخافة في طريقها ، أو للعجز عن حملها ، أو غير ذلك ، لم يكن متعدّيا بترك تسليمها ، وليس على المستودع مئونة لو حملها إلى مالكها إذا كان حملها يفتقر إلى المئونة قلّت ، أو كثرت ، بل عليه التمكين من أخذها ، ولو سافر بها بغير إذن المالك ، كان عليه الردّ ، ولزمته مئونته.

الفصل الثالث : في الأحكام

وفيه تسعة عشر بحثا :

٤٤٣٩. الأوّل : قبول الوديعة مستحبّ لمن يعلم من نفسه الأمانة ، وليس بواجب إجماعا.

٤٤٤٠. الثاني : الوديعة أمانة لا يضمن الّا بالتعدّي ، ولو شرط الضمان في العقد لم يلزم وإن قبل الشرط ، وكذا لو قال : أنا ضامن لها ، وكذا كلّ ما أصله الأمانة.

٤٤٤١. الثالث : لا يجوز مزج الوديعة بغيرها من جنسها أو غير جنسها أجود أو أدون أو مساو ، مثل أن يمزج السمن بمثله أو بالزيت ، ولو استودع من اثنين

١٩٩

وأذنا في المزج ، جاز ولا ضمان ، ولو أذن أحدهما ضمن حصّة (١) غير الآذن ، ولو امتزجت بغير تفريط فلا ضمان ، ولو مزجها غيره ، فالضمان على المباشر.

٤٤٤٢. الرابع : إذا حضرت المودع الوفاة وجب عليه دفعها إلى المالك ، أو الوكيل ، أو الحاكم ، أو الثقة على الترتيب ، ولو تعذّر وجب الإيصاء بها والإشهاد ، فإن أهمل مع القدرة حتّى مات ، ضمن ، ولو مات فجأة ولم يوص فالأقرب عدم الضمان ، ولو أوصى إلى فاسق ضمن ، وكذا لو أوصى وأجمل من غير تميّز ، كما لو قال : عندي ثوب ، ولم يميّزه ، وعنده أثواب ، ولو لم يكن عنده غيره لم يضمن.

ولو قال : عندي ثوب وديعة ، ولم يوجد في تركته ثوب أصلا ، فالأقرب عدم الضمان على إشكال ، ولو وجد في تركته كيس مختوم عليه مكتوب أنّه وديعة فلان لم يسلمه إليه إلّا مع البيّنة.

٤٤٤٣. الخامس : لو أمر المودع غلامه أو صاحبه بعلف الدّابة أو سقيها ، فالأقرب عدم الضمان. ولو أخرجها للسقي ، والطريق آمن ، ففي الضمان إشكال ، أمّا لو كان مخوفا ، فإنّه يضمن.

ولو قال المالك : اربط الدراهم في كمّك ، فوضعها في يده فأخذها غاصب ، فالأقرب الضمان ، ولو أمره بحفظها ، فشدّها في كمّه الظاهر ، أو وضعها (٢) في جيبه الظاهر ، فالوجه الضمان ، بخلاف ما لو كانا باطنين.

٤٤٤٤. السادس : إذا ادّعى عليه وديعة فأنكر ، فالقول قوله مع اليمين ، فإن

__________________

(١) في «ب» : ضمن حقّه.

(٢) في «ب» : أو جعلها.

٢٠٠