تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-66-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦١٣

نصفه سهما ، يبقى سهم فهو للموهوبة ، ويبقى للواهب أربعة ، فتقسم المائة بينهم على خمسته ، والسهم الّذي أسقطته لا يذكر ، لأنّه يرجع على جميع السهام الباقية بالسوية ، فيطرح كالسهام الفاضلة عن الفروض في مسألة الردّ ، مثل أن يخلّف أمّا وابنين ، فللابنين أربعة ، وللأمّ سهم ، ويسقط ذكر السهم الآخر.

٤٨٧٩. العشرون : لو أعتق المريض عبدا لا شي‌ء له سواه ، وقيمته مائة ، فقطع إصبع سيّده خطأ عتق نصفه ، وعليه نصف قيمته ، ويصير للسيّد نصفه ونصف قيمته ، وذلك مثلا ما عتق منه ، وإنّما وجب نصف القيمة عليه ، لأنّ عليه من أرش الجناية بقدر ما عتق منه ، وحساب ذلك أن تقول : عتق منه شي‌ء ، وعليه للسيّد شي‌ء ، فصار مع السيّد عبد إلّا شيئا (١) وشي‌ء يعدل شيئين ، فأسقط شيئا بشي‌ء ، بقى ما معه من العبد يعدل شيئا مثل ما عتق منه ، ولو كانت قيمته مائتين ، عتق خمساه ، لأنّه عتق منه شي‌ء ، وعليه نصف شي‌ء للسيّد ، فصار للسيّد نصف شي‌ء وبقية العبد تعدل شيئين ، فتكون بقيّة العبد تعدل شيئا ونصفا ، وهو ثلاثة أخماسه والشي‌ء الّذي عتق خمساه ، ولو كانت قيمته خمسين أو أقلّ عتق بأجمعه ، لأنّه يلزمه مائة ، وهي مثلاه ، ولو كانت قيمته ستّين ، قلنا : عتق منه شي‌ء ، وعليه شي‌ء وثلثا شي‌ء للسيّد مع بقيّة العبد تعدل شيئين ، فبقيّة العبد إذا ثلث شي‌ء ، فتعتق منه ثلاثة أرباعه ، وعلى هذا القياس إلّا أنّ ما زاد من العتق على الثلث ، يقف على أداء ما يقابله من القيمة.

٤٨٨٠. الواحد والعشرون : لو أعتق عبدين ـ لا مال سواهما ـ دفعة واحدة ، قيمة أحدهما مائة والآخر مائة وخمسون ، فجنى الأدنى على الأرفع جناية

__________________

(١) في «ب» : فصار مع السيد عبده إلّا شيئا.

٤٠١

نقصته ثلث قيمته ، وأرشها كذلك ، ثمّ مات السيّد ، فإن وقعت قرعة الحرية على الجاني عتق منه أربعة أخماسه ، وعليه أربعة أخماس أرش جنايته ، وبقي لورثة سيّده خمسه وأرش جنايته والعبد الآخر ، وذلك مائة وستون ، هي مثلا ما عتق منه ، وطريقه أن تقول : عتق منه شي‌ء ، وعليه نصف شي‌ء ، لأنّ جنايته بقدر نصف قيمته ، بقي للسيّد نصف شي‌ء وباقي العبدين يعدل شيئين ، فعلمنا أنّ باقي العبدين شي‌ء ونصف ، فإذا أضفت إلى ذلك الشي‌ء الّذي عتق صار جميعا يعدلان شيئين ونصفا ، فالشي‌ء الكامل خمساهما ، وذلك أربعة أخماس أحدهما.

ولو وقعت قرعة الحريّة على المجني عليه ، عتق ثلثه ، وله ثلث أرش جنايته ، يتعلّق برقبة الجاني ، وذلك تسع الدية ، لأنّ الجناية على من ثلثه حر تضمن بقدر ما فيه من الحرية والرق ، والواجب له من الأرش يستغرق قيمة الجاني ، فيستحقه بها ، ولا يبقى لسيّده مال سواه ، فيعتق ثلثه ويرق ثلثاه.

٤٨٨١. الثاني والعشرون : إذا أوصى للمريض بمن ينعتق عليه فقبله ، ومات في ذلك المرض ، عتق من الأصل ، لأن اعتبار الثلث (١) إنّما يكون لما يخرج من ملكه ، ويرث ، وقال الشافعي : يكون من الثلث (٢) وهو قويّ.

ولو اشترى المريض أباه بألف لا يملك سواها ، فعلى القول بإخراج المنجزات من الأصل ، يصحّ البيع وينعتق جميعه ، وعلى ما اخترناه يعتق ثلثه ، ويبقى ثلثاه رقا لورثة ابنه ، فإن كان ممّن ينعتق عليهم عتق وإلّا فلا ، ويرث بقدر الحريّة فيه.

__________________

(١) كذا في النسختين ويحتمل أن تكون العبارة «لأنّ الاعتاق من الثلث».

(٢) لاحظ المغني لابن قدامة : ٦ / ٤٩٦.

٤٠٢

٤٨٨٢. الثالث والعشرون : إذا أوصى لرجل بجارية وأتت بولد بعد موت الموصي ، ولا تركة سواهما وقيمتهما متساوية ، كان للموصى له ثلثا الجارية ، والثلث الباقي والولد للورثة.

ولو أوصى له بجارية حامل منه ، ومات قبل القبول ، قام وارثه مقامه فيه ، ويكره له الردّ ، فإذا قبل الوارث ملك الجارية وحملها بالقبول من الموصي لا من المورث.

وهل تقضى ديون المورث من الجارية وحملها وينفذ منهما وصاياه؟ فيه نظر ، ينشأ من كون الملك حصل من الموصي ، والسبب وهو القبول لم يحصل من المورث ، ومن كون الوارث إنّما ملك بما ورث عنه من القبول ، فهو مملوك بسبب (١) من جهته ، كالدّية ، وعلى كل تقدير فالولد لا يرث ، لتوقفه على الحريّة المتوقفة على القبول من جميع الورثة ، فلو كان ، أحدهم دار.

ولو أوصى بأمة لرجل ، ومات الموصي والموصى له ، وله ابن من الأمة ولم يجز الورثة ، فقبلها الولد ، عتق ثلثها وفي تقويم الباقي عليه إشكال.

٤٨٨٣. الرابع والعشرون : إذا أعتق المريض شقصين من عبدين على التعاقب ، فإن خرج الأوّل بكماله من الثلث عتق ، وإن فضل من الثلث شي‌ء عتق من الثاني بقدر الفاضل ، ولو خرج الثاني كلّه ، عتق ، ولو لم يفضل عن كمال الأوّل شي‌ء لم يعتق من الثاني شي‌ء ، ونفذ العتق في الأوّل بأجمعه ، ولو قصر الثلث عن الأوّل ، عتق منه بقدره.

__________________

(١) في «أ» : لسبب.

٤٠٣

ولو أعتق الشقصين منهما دفعة ، فإن خرج العبدان من الثلث عتقا ، وإن خرج الشقصان خاصّة عتق الشقصان ، وإن خرج أزيد منهما ، فالأقرب القرعة ، ويحتمل قسمة الفاضل بينهما.

٤٨٨٤. الخامس والعشرون : إذا ملك المريض من يعتق عليه بغير عوض ، عتق وورث كالهبة والميراث ، ولو كان بعوض صحّ الشراء من الثلث ، وعتق ، وفي إبطال الشراء في الزائد نظر ، وعلى تقدير الصحّة لا يعتق على المريض ، وأمّا الوارث فإن كان ممن يعتق عليه ، عتق وإلّا فلا ، ومع عتق جميعه على المريض ، يرث منه ، وإن عتق بعضه ورث بقدر الحريّة ، وإن عتق على الوارث لم يرث بالنسبة إلى نصيبه.

ولو اشترى أباه بألف لا يملك سواها [ثمّ مات] وخلّف ابنا ، فعلى القول بصحّة البيع من الأصل يعتق على المريض ، وعلى الآخر يعتق ثلثه ، ويعتق باقيه على الابن.

ولو اشترى ابنه بألف من تركته ، وقيمته ثلاثة آلاف ، وخلّف ابنا آخر ، عتق كله على أحد القولين ، وعلى الآخر يملك أخوه تسعيه ، ويعتق سبعة أتساعه ، لأنّه ملك ثلثيه بالمحاباة ، ولو ترك ألفين سواه ، عتق كلّه وورث ألفا ، لأنّ التركة هي الثمن لا القيمة.

ولو اشترى ابني عمّه بألف لا يملك سواها وقيمة كل واحد ألف ، فأعتق أحدهما ثمّ خلّف أبعد منهما في النسب ، فعلى ما اخترناه يعتق ثلثاه إلّا أن يجيز الوارث عتقه أجمع ، ثمّ يرث بثلثيه ثلثي بقيّة التركة ، فيعتق منه ثمانية أتساعه ، ويبقى تسعة وثلث أخيه للأبعد (١) ، ويحتمل عتقه كلّه ويرث أخاه ، لأنّه بالإعتاق

__________________

(١) الظاهر ان المراد من «الأبعد» هو المولى.

٤٠٤

يصير وارثا لثلثي التركة ، فتنفذ إجازته في إعتاق باقيه ، فتكمل له الحريّة ، ثمّ يكمل له الميراث.

ولو تبرّع بثلث تركته ثم اشترى أباه وله ابن ، فإن قلنا بإخراج المنجّزات من الأصل ، صحّ العتق للأب ، وورث ، وإن قلنا إنّه من الثلث ، قدمنا السابق من المنجّزات ، فيصحّ الشراء ولا يعتق على المريض ، لأنّه لم يبق من الثلث شي‌ء ، ويرثه الولد ، فيعتق عليه ولا يرث ، لأنّ العتق انما حصل له بعد الموت ، وكذا البحث لو اشترى أباه ثم أعتقه.

أمّا لو وهب له أبوه أو ورثه ، فإنّه يعتق عليه ويرث.

ولو ملك [المريض] من يرثه ممّن لا يعتق عليه ، كابن عمّه ، فأعتقه في مرضه ، كان إعتاقه وصيّة من الثلث ، على ما اخترناه ، فإن خرج من الثلث عتق وورث ، وإن لم يخرج من الثلث ، عتق منه بقدر الثلث ، وورث بقدر ما فيه من الحريّة.

٤٨٨٥. السادس والعشرون : كلّ ما يلزم المريض في مرضه من الحقوق الواجبة ، فهو من رأس المال ، كأرش الجناية ، وجناية عبده ، وما عاوض عليه (١) بثمن المثل ، وما يتغابن الناس بمثله ، والنكاح بمهر المثل ، وشراء جارية للتسري كثيرة الثمن بثمن المثل ، وكذا شراء طعام لا يأكله مثله بثمن مثله ، بلا خلاف بين العلماء في ذلك.

ولو قضى [المريض] بعض غرمائه ووفّت تركته بسائر الديون ، صحّ

__________________

(١) في «ب» : وما عارض عليه.

٤٠٥

قضاؤه ، ولا سبيل للغرماء عليه ، وإن لم يف فكذلك ، لأنّه أدّى واجبا فصار كما لو اشترى بثمن المثل.

ولو اعتق [المريض] تبرعا ، ثمّ أقرّ بدين مستوعب ، ففي صحّة العتق نظر.

٤٨٨٦. السابع والعشرون : العطايا المنجزة تشترك مع الوصيّة في أحكام أربعة :

أحدها : أنّها تخرج من الثلث على ما اخترناه ، ويقف نفوذها فيما زاد عليه على الإجازة.

الثاني : أنّ فضلها أنقص من فضل الصدقة في حال الصحّة.

الثالث : أنّ خروجها من الثلث يعتبر حال الموت لا قبله ولا بعده.

الرابع : أنّها إذا اجتمعت العطايا قدّم الأوّل منها فالأوّل ، كالوصيّة.

وتفارقها في أحكام خمسة :

الأوّل : أنّها لازمة في حقّ المعطي ، ليس له الرجوع فيها ، وإن كثرت.

الثاني : أنّ قبولها على الفور في حياة المعطي ، وكذا ردّها ، بخلاف الوصيّة ، فإنّه لا حكم لقبولها ولا ردّها إلّا بعد الموت.

الثالث : أنّ العطية تفتقر إلى شروطها المعتبرة في الصحّة ، من العلم بالقدر في البيع ، وعدم التعليق على شرط في العتق ، وغير ذلك من الأحكام ، بخلاف الوصيّة.

الرابع : أنّ المرض إن اتصل بالوفاة ، خرجت من الثلث ، وإن برأ منه ، ثمّ مات خرجت من الأصل ، والوصيّة تخرج من الثلث مطلقا.

٤٠٦

الخامس : أنّها مقدّمة على الوصيّة فيبدأ بها ، ويدخل النقص على الوصايا.

ولو اجتمعت العطايا ، فإن ترتبت بدئ بالأوّل فالأول ، وكان النقص داخلا على الأخير ، وإن وقعت دفعة بأن وكل جماعة في إيقاعها ، فأوقعوها دفعة ، قسّم الثلث بينها على قدر الحقوق.

ولو نذر عتق سعيد عند عتق سعد ، ثمّ أعتق سعدا عتق سعيد إن خرجا من الثلث ، وإن لم يخرج [من الثلث] إلّا أحدهما ، قدم عتق سعد ، وإن بقى من الثلث ما يعتق به بعض سعيد ، عتق تمام الثلث منه.

ولو نذر عتق عبده إن تزوّج ، فتزوّج بأكثر من مهر المثل ، فالزيادة معتبرة من الثلث ، فإن قصر الثلث عن المحاباة والعتق ، قدمت المحاباة ، لأنّ التزويج شرط في العتق ، فيتقدم عليه ، فوجوب المحاباة أسبق ، ويحتمل التساوي ، لأنّ التزويج سبب للمحاباة وشرط في العتق.

٤٨٨٧. الثامن والعشرون : المرض قسمان : مخوف ، وغير مخوف.

والثاني كوجع العين والضرس ، والصداع اليسير ، وحمى ساعة ، وهذا حكمه حكم الصحيح في عطاياه.

والأوّل إمّا ممتدّ كالجذام ، وحمى الرّبع ، (١) والفالج عند انتهائه ، والسلّ في ابتدائه ، وحمى الغب ، (٢) أو غير ممتد ويعلم تعجيل موته كالمذبوح ، ومن انتزعت

__________________

(١) قال الفيومي : حمى الرّبع ـ بالكسر ـ : هي الّتي تعرض يوما وتقلع يومين ثمّ تأتي في الرابع.

المصباح المنير.

(٢) غببت عن القوم : اتيتهم يوما بعد يوم ، ومنه حمى الغب. المصباح المنير.

٤٠٧

حشوته ، أو لا يعلم لكنه يخاف منه ذلك ، كالبرسام ، (١) والحمى الصالب (٢) ، والرعاف اللازم ، وذات الجنب ، ووجع القلب والرئة ، والقولنج ، فهذه كلها يتحقّق معها الحجر في الوصايا والتبرعات عمّا زاد على الثلث ، سواء كان معها حمى أو لا.

والإسهال المنخرق الّذي لا يمكنه منعه ولا إمساكه ، (٣) مخوف وإن لم يكن منخرقا ، بل ينقطع ويعود ، فليس بمخوف إلّا أن يكون معه زحير (٤) أو يدوم عليه ، أو يستصحب الدم.

ولو أشكل الحال في المخوف وغيره ، رجع إلى الخبرة وهم الأطباء المسلمون العدول.

ولو هاج به الدم ، فهو مخوف وإن لم يتغيّر عقله ، وكذا الصفراء إذا هاجت به ، أو البلغم الهائج ، والطاعون.

والجراح النافذ إلى الدماغ أو إلى الجوف مخوف ، ولو كان في يد أو ساق وشبههما ولم يرم الموضع ، ولا يأتكل (٥) ، ولا حصل معه ضربان ، فهو غير مخوف.

__________________

(١) في مجمع البحرين : البرسام : علّة معروفة يهذى فيها ، يقال : برسم الرجل فهو مبرسم.

(٢) في المصباح المنير : صلبت الحمى : دامت فهي صالب.

(٣) هذا ما أثبتناه ولكن في النسختين : «ولامسكه».

(٤) الزحير : استطلاق البطن والتنفس بشدّة. مجمع البحرين. قال الشيخ في المبسوط : ٤ / ٤٤ : الزحير : ما لا يخرج الّا بعد شدّة شديدة. ولاحظ تذكرة الفقهاء : ٢ / ٥٢٣ ـ الطبعة الحجرية.

(٥) قال الشيخ في المبسوط : ٤ / ٤٥ : وأمّا إذا لم يكن [الجراح] نافذا إلى جوفه ويكون جراحه بالخشب والمثقل نظرت : فإن لم يأتكل ويرم فغير مخوف ، وإن ورم فانّه يكون مخوفا.

٤٠٨

٤٨٨٨. التاسع والعشرون : لو حصل الخوف من غير مرض ، لم يتعلّق به الحجر ، مثل حال التحام الحرب حال التحام الطائفتين ، وكالأسير إذا وقع مع من يرى قتله ، ركوب البحر وقت اضطرابه ، وحضور مستوفي القصاص منه ، والطلق (١) إذا ضرب الحامل ، فهذه الأسباب كلها لا يتعلّق بها حكم المرض ، وتمضى التبرعات المنجزة معها من الأصل ، وكذا لو حصل الطاعون ببلد ، هو ساكن فيه.

__________________

(١) الطلق : وجع الولادة. مجمع البحرين.

٤٠٩
٤١٠

كتاب النكاح

وفيه مقدّمة ومقاصد

٤١١
٤١٢

أمّا المقدّمة ففيها فصول

الفصل الأوّل : في ماهيّته وفضله

وفيه خمسة مباحث :

٤٨٨٩. الأوّل : الأقرب أنّ النكاح حقيقة في العقد مجاز في الوطء ، لورودهما معا في الكتاب العزيز ، قال تعالى : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) (١) وقال تعالى : (حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) (٢).

وإنّما جعل حقيقة في الأوّل ، لغلبة الاستعمال فيه ، وصحّة نفيه عن الثاني ، فيقال : هذا سفاح وليس بنكاح ، وأولويّة المجاز على الاشتراك ، يدلان على مجازيته في الثاني ، فيكون النكاح شرعا حقيقة في عقد التزويج مجازا في الوطء.

٤٨٩٠. الثاني : النكاح مشروع بالنص والإجماع ، قال الله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) (٣) (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) (٤).

وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

__________________

(١) الأحزاب : ٤٩.

(٢) البقرة : ٢٣٠.

(٣) النساء : ٣.

(٤) النور : ٣٢.

٤١٣

«يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنّه أغضّ للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فليصم فإنّ الصوم له وجاء» (١).

وأجمع المسلمون كافّة على مشروعيته.

٤٨٩١. الثالث : النكاح مندوب إليه مرغّب فيه ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«من تزوّج فقد أحرز نصف دينه» (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ما بني في الإسلام بناء أحبّ إلى الله تعالى من التزويج» (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«تزوّجوا فإني مكاثر بكم الأمم غدا في القيامة حتّى أنّ السقط يجي‌ء محبنطئا (٤) على باب الجنة فيقال له : ادخل (الجنة) ، فيقول : لا أدخل حتّى يدخل أبواي (الجنّة) قبلي» (٥).

__________________

(١) رواه البخاري في صحيحه : ٣ / ٣٤ ، كتاب الصوم ، باب الصوم لمن خاف على نفسه العزوبة ؛ وأخرجه مسلم في صحيحه على ما في شرح صحيح مسلم للنووي : ٩ / ١٨٢ ؛ ورواه ابن قدامة في المغني : ٧ / ٣٣٤ ؛ ونقله الشيخ الطوسي قدس‌سره في المبسوط : ٤ / ١٥٢ ثمّ قال : فجعله كالموجوء الّذي رضّت خصيتاه ، فمعناه : أنّ الصوم يقطع الشهوة. ورواه الترمذي في سننه : ٣ / ٣٩١ برقم ١٠٨١.

(٢) الوسائل : ١٤ / ٥ ، الباب ١ من أبواب مقدماته ، الحديث ١١.

(٣) الوسائل : ١٤ / ٣ ، الباب ١ من أبواب مقدماته ، الحديث ٤.

(٤) في مجمع البحرين نقلا عن أبي عبيدة : المحبنطئ ـ بالهمزة ـ : العظيم البطن المنتفخ ، من قولهم احبنطأ : انتفخ جوفه إذا امتلأ غيظا.

(٥) الوسائل : ١٤ / ٣ ، الباب ١ من أبواب مقدماته ، الحديث ٢. وما بين القوسين يوجد في المصدر.

٤١٤

وعن الباقر عليه‌السلام :

«ركعتان يصلّيهما متزوّج أفضل من سبعين ركعة يصلّيها أعزب» (١).

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ركعتان يصلّيهما متزوّج أفضل من رجل عزب يقوم ليله ويصوم نهاره» (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أراذل موتاكم العزّاب» (٣).

وقال [صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم] :

«أكثر أهل النار العزّاب» (٤).

وقال عليه‌السلام :

«ما استفاد امرؤ (مسلم) فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها ، وتطيعه إذا أمرها ، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله» (٥).

٤٨٩٢. الرابع : الناس على أقسام ثلاثة :

__________________

(١) الوسائل : ١٤ / ٦ ، الباب ٢ من أبواب مقدماته ، الحديث ١ (رواه عن الصادق صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم).

(٢) الوسائل : ١٤ / ٧ ، الباب ٢ من أبواب مقدماته ، الحديث ٢.

(٣) نفس المصدر ، الحديث ٣ (وفيه : رذّال موتاكم).

(٤) نفس المصدر : ٨ ، الحديث ٧.

(٥) الوسائل : ١٤ / ٢٣ ، الباب ٩ من أبواب مقدماته ، الحديث ١٠. ما بين القوسين يوجد في المصدر.

٤١٥

خائف على نفسه من الوقوع في محظور إذا ترك النكاح ، فهذا يجب عليه إعفاف نفسه بالنكاح.

ومن له شهوة ويأمن معها الوقوع في محظور ، فهذا يستحبّ له النكاح ، وهو أفضل له من التخلّي للعبادة.

ومن لا شهوة له كالعنّين ، والكبير ، والمريض مرضا ملازما ، فالأقرب في هذا عدم استحباب النكاح له ، لانتفاء مصالحه ، ولمنعه الزوجة من التحصين بغيره ، ولاشتغاله عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه.

٤٨٩٣. الخامس : النكاح مستحبّ للغني والفقير ، ولا ينبغي أن يترك مخافة العيلة ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم زوّج فقيرا لم يقدر على خاتم حديد ، ولا وجد له إلّا إزاره ، ولم يكن له رداء. (١) وقال :

«من سرّه أن يلقى الله طاهرا مطهّرا فليلقه بزوجة ، ومن ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظنّ بالله عزوجل» (٢).

وقال الصادق عليه‌السلام :

«من ترك التزويج مخافة العيلة فقد أساء الظنّ بالله سبحانه ، إنّ الله عزوجل يقول : (إِنْ يَكُونُوا فُقَراءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ)» (٣).

__________________

(١) نقله ابن قدامة في المغني : ٧ / ٣٣٧.

(٢) الوسائل : ١٤ / ٢٥ ، الباب ١٠ من أبواب مقدمات النكاح ، الحديث ٤.

(٣) الوسائل : ١٤ / ٢٤ ، الباب ١٠ من أبواب مقدمات النكاح ، الحديث ٢.

٤١٦

الفصل الثاني : في خصائص النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وهي : واجب ، ومحرّم ، ومباح ، وكرامة.

فالواجبات : السواك ، والوتر ، والأضحية ، وتخيير النساء ، فمن اختارت نفسها منهنّ بانت ، وإذا لبس لامته ـ وهي الدرع والسلاح ـ لا ينزعها حتّى يلقى العدوّ ، وقيام الليل ، ثم نسخ بقوله : (فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) (١).

والمحرّمات : الكتابة ، وقول الشعر وتعليمه ، وأخذ الصدقة الواجبة والمندوبة ، ونكاح الكتابيّات ، وخائنة الأعين ، وهو الغمز بها ، بل كان عليه‌السلام يصرّح بشي‌ء من غير تعريض.

والمباحات : الوصال بمعنى أنّه كان يطوي الليل بلا أكل وشرب مع صيام النهار ، لا أن يكون صائما ، وأن يحمي لنفسه (٢) وأبيح له الغنائم والفي‌ء ، وأن يصطفي من الغنيمة ، وأن يصلّي أين شاء من الأرض ، ويتطهّر بأيّ تراب منها كان ، ولم يكن لأحد قبله ذلك ، وقيل : أبيح له أخذ الماء من العطشان (٣) وأبيح له أن يتزوّج ما شاء بغير حصر ، وأن يتزوّج بلا مهر.

واختلف في خمس : أن يتزوّج بلا وليّ ، ولا شهود ، وهما ثابتان عندنا

__________________

(١) الإسراء : ٧٩.

(٢) قال المحقّق الثاني في شرح قول العلّامة في القواعد «والحمى لنفسه» : وأبيح له أن يحمي لنفسه الأرض لرعي ماشيته. جامع المقاصد : ١٢ / ٦٢.

(٣) لم نتحقّق القائل وكذا نقله الشيخ في المبسوط : ٤ / ١٥٤.

٤١٧

لكلّ أحد ، وأن يتزوّج محرما على خلاف ، قال الشيخ رحمه‌الله الظاهر أنّه محرّم عليه أيضا (١) وبلفظ الهبة ، وإذا قسّم لواحدة من نسائه وبات عندها ، هل يجب عليه القسمة للباقيات ، خلاف.

والكرامات : بعث إلى الجميع ، (٢) واختص كلّ نبيّ ببعثه (٣) إلى قوم ، وساوى الأنبياء كلّهم في معجزاتهم ، وخصّ بالقرآن وبقائه إلى البعث ، ونصر بالرعب ، وجعلت زوجاته أمّهات المؤمنين ، وحرمن على غيره من بعده ، وكان ينام عينه ولا ينام قلبه ، ويرى من خلفه كما يرى من قدامه.

الفصل الثالث : في مباحث متفرقة من هذا الباب

وهي أحد عشر بحثا

٤٨٩٤. الأوّل : كلّ امرأة مات النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عنها لم يحلّ لأحد ان يتزوّجها ، سواء دخل بها أو لا ، لكن زوجاته عليه‌السلام كلّهنّ دخل بهنّ ، أمّا من فارقها من حياته إمّا بفسخ كالمرأة الّتي وجد بكشحها بياضا ففسخ نكاحها ، أو بطلاق كالّتي قالت له : أعوذ بالله منك ، فطلّقها ، فهل للغير نكاحها؟ فالأصحّ تحريمها أيضا.

٤٨٩٥. الثاني : التحريم في أزواجه غير معلّل بكونه عليه‌السلام أبا ، ولا بكونهنّ

__________________

(١) المبسوط : ٤ / ١٥٦.

(٢) في «ب» : إلى الجميع بها.

(٣) في «أ» : ببعثته.

٤١٨

أمّهات ، بل بوحي من الله سبحانه إكراما له عليه‌السلام ، ولهذا لا تحرم بناتهنّ ولا أمّهاتهنّ ، ولو كنّ أمّهات حقيقة لحرمن.

٤٨٩٦. الثالث : قال بعض الناس : القسمة لا تجب على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سواء ابتدأ بالقسمة أو لا ، والأقرب وجوبه انتهاء كغيره من الأمّة ، وعدم وجوبه ابتداء كما في حقّ غيره من أمّته.

٤٨٩٧. الرابع : لا يجوز للأجنبيّ النظر إلى المرأة إلّا لضرورة ، كالطبيب للعلاج ، وإن كان إلى العورة ، وكذا من يريد الشهادة على العيب الّذي يدّعيه الزوج ، أو لحاجة كمن يريد أن يشهد على امرأة لا يعرفها إلّا بالنظر إلى وجهها ، ومن يريد معاملتها ، وكالحاكم المحتاج إلى رؤية وجهها ، ليحكم عليها وبحليتها.

ويجوز أن ينظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها ، وإن لم يستأذنها ، وكفّيها وشعرها ، وأن يكرّر النظر إليها قائمة وماشية ، ولا يجوز النظر إلى غير الوجه والكفّين من غير ساتر ، وكذا يجوز أن ينظر إلى أمة يريد شراءها وإلى شعرها ، وإلى الذمّية وشعرها ، لأنّها بمنزلة الأمة ، ولا يجوز للتلذّذ أو ريبة ، ويجوز أن ينظر إلى وجه الأجنبيّة وكفّيها مرّة ، ولا يجوز معاودة النظر.

٤٨٩٨. الخامس : يجوز للرجل أن ينظر إلى جسد زوجته ، وكلّ أجزائها باطنا وظاهرا ، ويكره إلى العورة ، وليس بمحرّم ، وكذا المرأة في حقّ الزوج ، وللزوج النظر إلى المحارم ما عدا العورة ، وكذا المرأة.

٤٨٩٩. السادس : انّما يجوز النظر إلى الأجنبيّة مع الضرورة أو الحاجة ، كما قلناه أوّلا ، ويقتصر الناظر على ما يفتقر إليه في النظر.

٤١٩

٤٩٠٠. السابع : يجوز للرجل أن ينظر إلى مثله عدا العورة ، سواء كان شابّا أو شيخا ، وسواء كان حسن الصورة أو قبيحها (١) ما لم يكن النظر لتلذّذ أو ريبة ، فيحرم عليه النظر إليه حينئذ ، وكذا المرأة يجوز لها النظر إلى مثلها ، سواء كانت حسنة أو قبيحة ما لم يكن لريبة أو تلذّذ فيحرم.

٤٩٠١. الثامن : لا يجوز للمرأة النظر إلى الأجنبي من الرجال إلّا للضرورة ، ولا يجوز للخصيّ النظر إلى المرأة ، سواء كانت مالكة له أو لا على إشكال ، قال الشيخ : والّذي يقوى في نفسي التحريم ، وروى أصحابنا في تفسير قوله تعالى : (أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ) (٢) المراد به الإماء. (٣)

أمّا الخصيّ إذا كبر وهرم وذهبت شهوته ، فإنّه يجوز النظر له لقوله تعالى : (أَوِ التّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ) (٤).

٤٩٠٢. التاسع : لا يجوز للأعمى سماع صوت المرأة الأجنبية ، ولا يجوز للمرأة النظر إليه ، لأنّ ابن أمّ مكتوم دخل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وعنده عائشة وحفصة فلم تحتجبا عنه ، فلمّا خرج ، أنكر عليهما ، فقالتا : إنّه أعمى ، فقال : أفعمياوان أنتما (٥).

أما الصبي والمجنون فلهما النظر إلى المرأة ، بمعنى أنّ المرأة لا إثم عليها

__________________

(١) في «ب» أو قبحها.

(٢) النور : ٣١.

(٣) المبسوط : ٤ / ١٦١.

(٤) النور : ٣١.

(٥) رواه البيهقي في سننه الكبرى : ٧ / ٩١ ـ ٩٢ ، وابن قدامة في المغني : ٧ / ٤٦٥ باختلاف قليل.

ولاحظ الوسائل : ١٤ / ١٧١ ، الباب ١٢٩ من أبواب مقدمات النكاح ، الحديث ١ و ٤. ورواه الشيخ في المبسوط : ٤ / ١٦٠ كما في المتن.

٤٢٠