تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٣

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة - ج ٣

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: الشيخ ابراهيم البهادري
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: الإعتماد
الطبعة: ١
ISBN: 964-6243-66-5
ISBN الدورة:
964-6243-91-6

الصفحات: ٦١٣

الفصل الثاني : في الأحكام

وفيه ثمانية عشر بحثا :

٤٣٢٥. الأوّل : إذا كان في الأرض شجر فساقاه على الشجر ، وزارعه على الأرض الّتي بين الشّجر ، صحّ ، سواء قلّ بياض الأرض أو كثر ، فإذا قال : ساقيتك على النخل ، وزارعتك على الأرض مدّة كذا على النصف ، جاز ، وكذا لو قال : عاملتك على الأرض والشجر بالنصف.

ولو قال : زارعتك على الأرض بالنصف ، وساقيتك على الشجر بالربع ، أو بالعكس ، جاز.

ولو قال : ساقيتك على الأرض والشجر بالنصف ، ففي الجواز إشكال ، من حيث إنّ المزارعة تستلزم السقي ، (١) وإنّ شرط المساقاة المعاملة على أصل ثابت ، والأقرب الجواز ، مع إرادة المجاز الشرعي (٢) ، وكذا البحث في الأرض البيضاء (ولو قال : ساقيتك على هذه الأرض بنصف ما يزرع فيها) (٣).

ولو قال : ساقيتك على الشجر بالنصف ، ولم يذكر الأرض لم تدخل في

__________________

(١) وجه للجواز ، كما أنّ ما بعده وجه لعدمه.

(٢) أي استعمال اللفظ في المعنى الجامع بين المزارعة والمساقاة.

(٣) ما بين القوسين موجود في نسخة «ب» ولعلّ الصحيح «لو قال» بحذف «الواو» ليكون مثالا للأرض البيضاء.

١٤١

العقد ، وليس للمالك أن يزرع ، ولو شرط ربّ الأرض أن يزرع هو دون العامل ، جاز.

ولو زارعه أرضا فيها نخلات يسيرة ، جاز أن يشترط العامل ثمرتها ، سواء كان الشجر بقدر الثلث فما دون ، أو أزيد ، ولو آجره بياض الأرض وساقاه على الشجر الّذي فيها ، جاز سواء فعلا ذلك حيلة على شراء الثمرة قبل وجودها أو لا.

٤٣٢٦. الثاني : تصحّ المزارعة إذا كان البذر من ربّ الأرض والعمل من العامل ، وكذا تصحّ لو كان البذر والعوامل من العامل ، أو كان من أحدهما الأرض والعمل ، ومن الآخر البذر ، ولو كان بلفظ الإجارة لم تصحّ لجهالة العوض.

٤٣٢٧. الثالث : لو كان البذر منهما نصفين ، وشرطا أنّ الزرع بينهما بالسّوية ، فهو بينهما كذلك وليس لأحدهما الرجوع على الآخر بشي‌ء ، وكذا لو شرطا التفاضل ، فإنّه يلزم الشرط ، سواء كان الفاضل للمالك أو العامل ، وكذا لو تفاضلا في البذر وتساويا في الحاصل ، أو تفاضلا فيه.

٤٣٢٨. الرابع : إذا فسدت المزارعة كان الزرع لصاحب البذر ، فإن كان هو المالك ، كان عليه أجرة المثل لعمل العامل ، وإن كان هو العامل ، كان عليه أجرة مثل الأرض لربّها ، ولو كان البذر منهما فالزرع لهما ويترادّان الفاضل من أجرة مثل الأرض الّتي فيها نصيب العامل وأجرة العامل بقدر عمله في نصيب صاحب الأرض.

ولو قال : صاحب الأرض آجرتك نصف أرضي مدّة كذا بنصف بذرك ونصف منفعتك ومنفعة عواملك وآلتك ، وأخرج العامل البذر كلّه ، لم تجز ، لجهالة المنفعة ، ولو أمكنت معرفة المنفعة وضبطها وضبط البذر ، جاز.

١٤٢

٤٣٢٩. الخامس : لو قال صاحب الأرض : أنا أزرع الأرض ببذري وعواملي ، ويكون سقيها من مائك ، والزرع بيننا ، جاز.

٤٣٣٠. السادس : لو اشترك ثلاثة من أحدهم الأرض ، ومن الآخر البذر ، ومن الآخر العوامل والعمل ، فالأقرب الجواز على إشكال بلفظ المزارعة لا الشركة ، وكذا لو كانوا أربعة ، وكان العوامل والعمل من اثنين ، ولو كان شركة لم تصحّ ، وكان الزرع لصاحب البذر ، ولصاحب الأرض والفدّان (١) والعمل ، الأجرة عليه ولا يجب عليه الصّدقة بالفاضل.

ولو كانت الأرض لثلاثة فاشتركوا على أن يزرعوها ببذرهم ودوابّهم وأعوانهم على الشركة في الحاصل على قدر مالهم ، جاز.

٤٣٣١. السابع : لو زارع رجلا على أرض أو آجره إيّاها فسقط من الحبّ الحاصل من الزرع في تلك الأرض عاما آخر ، فهو لصاحب البذر لا لصاحب الأرض ، إلّا أن يكون صاحب البذر أسقط حقّه منه.

٤٣٣٢. الثامن : إذا تنازعا في المدّة ، فالقول قول منكر الزيادة ، ولو اختلفا في قدر الحصّة ، فالقول قول صاحب البذر مع يمينه ، ولو أقاما بيّنة ، قدّمت بيّنة العامل ، وقيل : يرجع إلى القرعة. (٢)

٤٣٣٣. التاسع : لو ادّعى [العامل] العارية وادّعى المالك الحصّة أو الأجرة ولا بيّنة ، تحالفا ، ويثبت لصاحب الأرض أجرة المثل ، وقيل : القرعة ، (٣) إذا عرفت هذا فللزارع تبقية الزّرع إلى وقت أخذه.

__________________

(١) الفدّان : المحراث وربما يقال : الثوران يقرن بينهما للحرث. لاحظ المعجم الوسيط والمنجد.

(٢) كما في شرائع الإسلام : ٢ / ١٥٢.

(٣) كما في شرائع الإسلام : ٢ / ١٥٣.

١٤٣

٤٣٣٤. العاشر : لو ادّعى العارية وادّعى المالك الغصب ، فالقول قول المالك مع يمينه ، وكان له أجرة المثل وأرش الأرض إن عابت وطمّ الحفر ، ولا يجب على المالك تبقية الزرع إلى وقت أخذه ، بل للمالك قلعه وإن لم يدرك بغير أرش عليه ، وكذا لو ادّعى الإجارة ، وادّعى المالك الغصب.

٤٣٣٥. الحادي عشر : يجوز للمزارع أن يزارع غيره مع الإطلاق ، وإن لم يأذن المالك ، وكذا له أن يشارك غيره في العمل ، ولو شرط المالك العمل بنفسه لم تجز المشاركة ولا مزارعة الغير.

٤٣٣٦. الثاني عشر : خراج الأرض ومئونتها على ربّها ، ولو شرطه على العامل أو بينهما ، جاز.

٤٣٣٧. الثالث عشر : يجوز للمالك خرص الزرع على العامل ، ولا يجب على العامل القبول ، فإن قبل ، صحّ ، وعليه دفع حصّة الأرض ، سواء زاد الخرص [عن الواقع] ، أو نقص ، وكان مشروطا بالسّلامة (١) فلو تلف الزرع بآفة سماويّة ، أو أرضيّة من غير تفريط من العامل ، لم يكن عليه شي‌ء.

وقال ابن إدريس : إن كان ذلك بيعا إمّا بحاصلها أو بغيره ، بطل ، وإن كان صلحا من حاصلها ، بطل ، وإن كان من غيره ، لزم ، وإن تلفت الغلّة بالآفات السماويّة وغيرها (٢) وفيه قوّة.

٤٣٣٨. الرابع عشر : الحصّة الّتي يأخذها المزارع الّذي منه العمل دون البذر ، يملكها بالزراعة ، لا بالإجارة ، فلو بلغت النصاب وجبت الزكاة فيها عليه لا

__________________

(١) أي استقرار ما فرض مشروط بالسلامة.

(٢) السرائر : ٢ / ٤٥٠ ـ ٤٥١.

١٤٤

على المالك ، وكذا المالك إن بلغ نصيبه النصاب وجبت الزكاة فيه عليه وإلّا فلا.

٤٣٣٩. الخامس عشر : إذا سوّغنا اشتراط إخراج البذر أولا على ما ذهب إليه الشيخ (١) وابن إدريس (٢) فاختلفا في قدره ، فالقول قول العامل إن كان البذر من ربّ الأرض ، ولو كان من العامل ففي تقديم قوله نظر.

ولو ادّعى أحدهما اشتراط حصّة معيّنة ، والآخر مجهولة ، فالقول قول مدّعي الصحّة ، وكذا البحث في الإجارة.

٤٣٤٠. السادس عشر : إذا شرط الخراج على العامل ، وكان قدرا معلوما ، جاز ، وكان لازما له ، فإن زاد السلطان ، كانت الزيادة على المالك ، ولم يتعرّض الشيخ لطرف الجهالة ، وفي تسويغ اشتراطه إشكال ، ومعه يكون الخراج بأجمعه على العامل.

٤٣٤١. السابع عشر : لو زارع على أرض ثمّ باعها ، لم تبطل المزارعة ، ووجب على المشتري الصبر إلى انقضاء المدّة إن كان عالما قبل العقد ، وإن لم يكن عالما ، تخيّر بين الصبر بغير عوض ولا أرش على إشكال ، وبين الفسخ.

٤٣٤٢. الثامن عشر : من استأجر دارا للسّكنى فزرع فيها ، أو غرس بغير إذن المالك ، وجب عليه قلعه ، وللمالك مع امتناعه قلعه بغير أرش ، وله أجرة المثل وأرش الأرض إن عابت ، وطمّ الحفر ، وإن كان بإذنه ، لم يكن له القلع إلّا بالأرش.

__________________

(١) النهاية : ٤٤٠.

(٢) السرائر : ٤٤٤.

١٤٥
١٤٦

كتاب المساقاة

١٤٧
١٤٨

المقصد الثالث : في المساقاة والنظر في الماهيّة والشرائط والأحكام

فهاهنا فصلان :

[الفصل] الأوّل : في ماهيّتها وشروطها

وفيه أحد عشر بحثا :

٤٣٤٣. الأوّل : المساقاة : معاملة على أصول ثابتة بحصّة من ثمرتها ، وهي مفاعلة من السقي ، ولا بدّ فيها من إيجاب كقوله : ساقيتك ، أو عاملتك ، أو سلّمت إليك ، وما أشبهه ، ومن قبول.

وهي عقد صحيح لازم من الطرفين ، لا يبطل إلّا بالتقايل ، ولا ينفسخ بموت أحد المتعاملين ، ولا بجنونه ، ولا بالحجر عليه ، ولو شرط المريض للعامل أزيد من أجرة المثل ، ففي إخراج الزيادة من صلب المال إشكال.

ولو قال : استأجرتك لسقي البستان حتّى تكمل ثمرته بنصف الثمرة ، لم تصحّ ، بخلاف ما لو قال : ساقيتك.

١٤٩

٤٣٤٤. الثاني : عقد المساقاة لا يدخل فيه خيار المجلس ، لاختصاصه بالبيع ، ولا الشرط ، لعدم إمكان ردّ المعقود عليه ، وهو العمل مع الفسخ ، على إشكال.

٤٣٤٥. الثالث : يشترط في الصحة أن تكون المعاملة على أصل ثابت له ثمرة ينتفع بها مع بقاء عينه ، فتصحّ المساقاة على النخل والكرم وشجر الفواكه ، ولا تجوز المساقاة على ما لا ثمر له من الأشجار ولا ورق ينتفع به ، كالصفصاف ، (١) ولا على ما له ثمر غير مقصود كالصّنوبر ، ولو كان له ورق ينتفع به كالتوت والحنّاء ، أو زهر مقصود كالورد ، فالأقرب جواز المساقاة عليه.

٤٣٤٦. الرابع : لو ساقاه على وديّ (٢) النخل مغروس ، أو على صغار الشجر إلى مدّة يحمل فيها غالبا بجزء من ثمرها ، جاز ذلك ، ثمّ إن حمل في تلك المدة ، استحقّ العامل الحصّة ، وإلّا فلا شي‌ء له.

٤٣٤٧. الخامس : يشترط أن تكون المعاملة على الثمرة ، فلو جعل للعامل مع النّصيب من الثمرة نصيبا من الأصل ، لم تصحّ ، وكذا لو جعل له جزءا من ثمرها مدّة بقائها ، فلو جعل له ثمرة عام بعد مدّة المساقاة ، ففي البطلان نظر.

٤٣٤٨. السادس : يشترط أن تكون المعاملة (٣) على أصل ثابت ، فلو ساقاه

__________________

(١) قال في القاموس : ٣ / ٢٣٧ : الصفصاف : شجر الخلاف ، واحدته بهاء. مادة (صفف) وقال في مادّة (خلف) : الخلاف ـ ككتاب ـ : صنف من الصفصاف ، سمّي خلافا لأنّ السيل يجي‌ء به سبيا فينبت من خلاف أصله.

(٢) قال المصنف في التذكرة : الوديّ ـ بكسر الدال وتشديد الياء ـ : الفسيل. تذكرة الفقهاء : ٢ / ٣٤٢ ـ الطبعة الحجرية ـ وفي مجمع البحرين : الوديّ ـ بالياء المشدّدة ـ : هو صغار النخل قبل أن يحمل.

(٣) في «ب» : يشترط وقوع المعاملة.

١٥٠

على شجر يغرسه لم تجز ، وإن قرنه بمدّة يمكن أن يحمل فيها غالبا ، ولو قال : اغرس أرضي فما كان من غلّة فلك بحقّ عملك كذا وكذا ، ولي الباقي ، لم يجز ، وللمالك القلع مع الأرش وأخذ الغرس بالقيمة إن رضي العامل ، ولو اختار العامل أخذ شجرة كان له ذلك ، ولا أرش عليه للأرض ، ولو اتفقا على إبقاء الغرس ودفع الأجرة ، جاز ، وكذا لو دفع الأرض ليغرسها على أنّ الغرس بينهما ، أو على أنّ الأرض والغرس بينهما.

٤٣٤٩. السابع : يشترط كون المدّة معلومة لا يتطرّق إليها الزيادة والنقصان ، ويكون وجود الثمرة فيها غالبا ، ولا تقدير لأكثرها ، أمّا أقلّها فيتقدّر بمدّة تكمل فيها الثمرة ، فلو ساقاه أقلّ منها لم تصحّ ، وكان له أجرة المثل إن ظهرت الثمرة ، ولو لم تظهر فالأقرب الأجرة أيضا ، ولو ساقاه سنة فظهرت الثمرة في آخرها ولم تكمل ، فالعامل شريك.

٤٣٥٠. الثامن : يشترط ذكر الحصّة للعامل ، فلو أهمل بطلت المعاملة ، وكذا لو شرط أحدهما الانفراد بالثمرة ، ويجب كون الحصّة مشاعة ، فلو شرط أحدهما ثمرة نخلات بعينها والآخر الباقي لم يجز ، وكذا لو شرط لنفسه أرطالا معيّنة ، وللآخر الباقي ، أو شرطا إخراج قدر معيّن من الثمرة لأحدهما والباقي بينهما.

٤٣٥١. التاسع : يجب كون الحصّة معيّنة ، سواء قلّت أو كثرت ، وسواء كانت جزءا واحدا كالثلث ، أو أجزاء كالخمسين ، أو سدس ، ونصف سبع ، فلو أبهما كالسهم والحظّ والنصيب لم يصحّ ، وكذا لو قال : ساقيتك على أنّ نصف الثمرة لي ، وسكت على إشكال ، ولو قال : على أنّ نصف الثمرة لك وسكت ،

١٥١

صحّ ، ويجوز أن يجعل لكلّ صنف من الشجر حصّة على حدة ، سواء ساوت الأخرى أو لا ، لكن يشترط مع المفاوتة أن يكون العامل عارفا بكلّ نوع.

٤٣٥٢. العاشر : لو شرط في العقد أنّه إن سقى سيحا فالنصف ، وبالناضح الثلث ، فالأقرب البطلان ، ولو قال : لك الخمسان إن كان عليك خسارة ، وإلّا فالربع ، فكذلك.

٤٣٥٣. الحادي عشر : يجوز ان يشترط أحدهما على الآخر شيئا من ذهب أو فضّة على كراهية ، ويجب الوفاء بالشرط لو وقع ، ولو تلفت من الثمرة لم يلزم.

الفصل الثاني : في الأحكام

وفيه سبعة وعشرون بحثا :

٤٣٥٤. الأوّل : لو ساقاه في هذا الحائط بالثلث على أن يساقيه في الحائط الآخر بجزء معلوم ، صحّ.

٤٣٥٥. الثاني : إذا شرط المالك على العامل عملا معيّنا وجب على العامل القيام به ، فإن أخلّ بشي‌ء منه ، تخيّر المالك بين فسخ العقد وإلزامه بأجرة العمل ، وكذا لو أخلّ بجميعه.

وإن أطلق المساقاة ، اقتضى الإطلاق قيام العامل بجميع ما فيه استزادة

١٥٢

النماء من الرفق ، أو حرث الأرض تحت الشجر ، وإصلاح الأجاجين (١) وسقي الشجر ، واستقاء الماء ، وإصلاح طرق الماء ، وتنقية الأرض من الحشيش المضرّ بالشجر ، والشوك ، وقطع الشجر اليابس ، وتهذيب الجريد ، وزبار الكرم (٢) وقطع ما يحتاج إلى قطعة ، وإدارة الدّولاب ، والبقر الّتي تديره وتحرث الأرض (٣) والتلقيح ، والتعديل ، واللّقاط ، والجذاذ ، وإصلاح موضع التشميس ، ونقل الثمرة إليه ، وحفظها على رءوس الشجر إلى وقت قسمتها.

ويجب على المالك القيام بما فيه حفظ الأصل ، كبناء الجدار ، وإنشاء النهر ، وعمل الدولاب وحفر البئر ، وإقامة الدالية ، وهل كشّ (٤) التلقيح على العامل أو المالك؟ فيه إشكال ينشأ من كونه غير عمل ، ومن كون التلقيح لا يتمّ إلّا به ، فأشبه بقر الحرث ، واختار الشيخ الثاني (٥) وابن إدريس الأوّل (٦).

وأمّا تسميد الأرض بالزبل ، فعلى المالك شراؤه ، وعلى العامل تفريقه على الأرض إن احتاجت الثمرة إليه.

٤٣٥٦. الثالث : إذا أطلقا العقد ولم يبيّنا ما على كلّ واحد منهما ، فعلى كلّ منهما ما ذكرنا أنّه عليه ، وإن شرطاه كان تأكيدا ، وإن شرطا على أحدهما شيئا يلزم الآخر ، صحّ إلّا أن يشترط العامل على المالك القيام بجميع العمل ، ولو

__________________

(١) الأجاجين جمع إجّانة بالكسر والتشديد ، والمراد بها هنا الحفر الّتي يقف فيها الماء في أصول الشجر التي تحتاج إلى السقي ، لاحظ تذكرة الفقهاء : ٢ / ٣٤٦ ـ الطبعة الحجرية ـ.

(٢) والمراد به كما قيل : تقليمه وقطع رءوس الأغصان المضر بقاؤها على الثمرة والأصل.

(٣) في «أ» : وتحريث الأرض.

(٤) الكشّ ـ بالضم ـ : ما يلقح به النخل. لسان العرب.

(٥) المبسوط : ٣ / ٢١٠.

(٦) السرائر : ٢ / ٤٥١.

١٥٣

شرط القيام بأكثره جاز ، ولا بدّ أن يكون ما يشترطه المالك على العامل ممّا قلنا انّه على المالك معلوما.

٤٣٥٧. الرابع : لو شرط أن يعمل معه غلمان المالك ، جاز ، ولو شرط أن يكون عمل الغلمان لخاص العامل فالأقرب الجواز ، وكذا الأقرب جواز اشتراط عمل المالك معه.

إذا ثبت هذا فإنّ نفقة الغلمان على مالكهم لا على العامل ، ولو شرطها المالك على العامل جاز ، وهل يشترط حينئذ تقديرها؟ فيه نظر ، ولا بدّ من معرفة الغلمان المشروط عملهم برؤية أو صفة تحصل بها المعرفة. (١)

٤٣٥٨. الخامس : لو شرط العامل أنّ أجر الأجراء الذين يحتاج إلى الاستعانة بهم من الثمرة ، وقدّر الأجرة ، فالأقرب الجواز ، ومنعه الشيخ وأبطل معه العقد (٢) وكذا لو شرطها على المالك ، ولو لم يقدّر الأجرة ، فالأقرب البطلان.

٤٣٥٩. السادس : تصحّ المساقاة على الثمرة المعدومة إجماعا ، والأقرب جوازها على الموجودة بشرط أن يكون في العمل ما يستزاد به الثمرة ، وإن بقي ما لا يستزاد به الثمرة كالجذاذ لم يجز ، وعلى هذا إن كانت الثمرة قد بدا إصلاحها قبل العقد ، فالزكاة على المالك ، وإلّا فعليهما إن بلغ نصيب كلّ منهما النصاب وإلّا فلا.

٤٣٦٠. السابع : إذا عيّنا حصّة أحدهما وسكتا عن الآخر ، فإن كانت المعيّنة حصّة العامل ، صحّت ، وإلّا فإشكال ، وقد تقدّم ، فلو اختلفا في الجزء

__________________

(١) في «أ» : يحصل معها.

(٢) المبسوط : ٣ / ٢١٧.

١٥٤

المشروط لمن هو منهما ، فإن قلنا بالصحّة مع تعيين حصّة المالك خاصّة ، فلا بحث وإلّا فالقول قول العامل.

٤٣٦١. الثامن : إذا قال : ساقيتك على هذين البستانين بالنصف منهما ، أو بالنصف من هذا والثلث من ذاك صحّ ، ولو قال : بالنصف من أحدهما والثلث من الآخر ، ولم يعيّن ، بطل.

ولو قال : ساقيتك على هذا البستان نصفه بالنصف والنصف الآخر بالثلث ، جاز ، وإن لم يعيّنهما.

٤٣٦٢. التاسع : إذا كان البستان لاثنين فساقيا عاملا على أنّ له نصف نصيب هذا وثلث نصيب الآخر ، جاز مع معرفته بالنصيبين ، ولو جهل بطل ، ولو شرطا قدرا واحدا من النصيبين ، جاز وإن جهلهما.

٤٣٦٣. العاشر : لو كان البستان لواحد فعامل اثنين جاز ، سواء شرط تساويهما في الحصّة ، أو اختلافهما ، ولو أطلق انصرف إلى التساوي.

٤٣٦٤. الحادي عشر : لو ساقاه ثلاث سنين على أنّ له في الأولى النّصف وفي الثانية الثلث وفي الثالثة الرّبع ، جاز.

٤٣٦٥. الثاني عشر : لو كان البستان لاثنين فساقى أحدهما شريكه ، وجعل له من الثمرة أكثر من نصيبه ، جاز ، ولو شرط للعامل مثل نصيبه ، أو أقلّ ، بطلت ، وللعامل بقدر نصيبه من الأصل ولا أجرة له على عمله.

ولو ساقى شريكه وشرط أن يعملا معا ، ففي الإبطال نظر مع الاختلاف في الحصّة والتساوي في الملك ، أو بالعكس ، ولو اتّفقا فيهما فلا فائدة للمساقاة

١٥٥

مع تساويهما في العمل ، ولو تفاضلا فيه ، فإن كان قد شرط له فضل في مقابلة عمله ، استحقّ ما فضل له من أجرة المثل ، وإن لم يشرط (١) له شي‌ء فلا شي‌ء له.

٤٣٦٦. الثالث عشر : تجوز المساقاة على البعل من الشجر(٢) كما تجوز على المفتقر إلى الماء.

٤٣٦٧. الرابع عشر : انما تصحّ المساقاة على شجر معلوم بالمشاهدة أو الصفة الرافعة للجهالة ، فلو ساقاه على مجهول ، أو على أحد بستانين من غير تعيين لم تصحّ.

٤٣٦٨. الخامس عشر : إذا ساقاه إلى سنة (٣) يحمل فيها غالبا فلم يحمل تلك السنة ، لم يكن للعامل شي‌ء ، ولو ظهرت الثمرة ولم تكمل ، فله نصيبه منها وعليه تمام العمل فيها على إشكال ، ولو ساقاه إلى مدّة لا يحمل فيها غالبا ، أو يحتمل وجود الثمرة وعدمها ، فالأقرب البطلان وله أجرة المثل ، وإن ظهرت الثمرة في تلك المدّة لم يكن للعامل فيها شي‌ء.

٤٣٦٩. السادس عشر : إذا مات العامل أو المالك قام وارثه مقامه ، ولو امتنع وارث العامل من العمل ، لم يجبر عليه ، فيستأجر الحاكم من التركة من يعمله ، ولو لم تكن تركة ، أو تعذّر الاستئجار فللمالك الفسخ ، وعليه الأجرة إلى وقت الموت ، ولو اختار الإمضاء صحّ ، فإن كانت الثمرة قد ظهرت بيع من نصيب العامل بأجرة ما بقي من العمل ، ويستأجر عنه به ، ولو احتيج إلى بيع

__________________

(١) في «أ» : لم يشترط.

(٢) في مجمع البحرين : يستعار البعل للنخل ، وهو ما يشرب بعروقه من الأرض فاستغنى عن السقي.

(٣) في «ب» : إلى مدّة.

١٥٦

الجميع ، بيع في ذلك ، فإن كان قد بدا صلاحها خيّر المالك بين شراء حصّة العامل وبيع حصّته ، ويبيع الحاكم حصّة العامل ، ولو امتنع المالك ، باع الحاكم حصّة العامل ، واستأجر على باقي العمل ، والفاضل للورثة ، وكذا لو لم يبد صلاحها.

ومن يشترط (١) بدوّ الصّلاح ، سوّغ بيع حصّة العامل بشرط القطع إن باع المالك أيضا ، ولو امتنع ، فالأقرب جواز بيع حصّته بانفراده على تقدير الاشتراط أيضا.

وللمالك البقاء على المعاملة ، فيستأذن الحاكم على الإنفاق على الثمرة ، ويسترجعه منها ، فإن عجزت ، فالأقرب أخذ الباقي من التركة ، ولو عجز عن استئذان الحاكم ، فالأقرب جواز الرجوع بما أنفقه مع الإشهاد على احتساب الرّجوع ، ولو تمكّن من الحاكم وأنفق وأشهد على الرّجوع ، فالأقرب عدم الرجوع ، وكذا لو أنفق متبرّعا.

٤٣٧٠. السابع عشر : إذا هرب العامل ، فللمالك الفسخ والبقاء ، فينفق الحاكم من ماله إن لم يتبرّع بالعمل أحد ، فإن لم يجد فمن بيت المال قرضا ، فإن لم يجد اقترض (٢) من أحد ، فإن لم يجد استأجر من يعمل بأجرة مؤخّرة إلى الإدراك ، فإن تعذّر استأذن الحاكم وأنفق ، فإن تعذّر الاستئذان أشهد في الإنفاق والرجوع.

ولو عمل المالك بنفسه كان متبرّعا ، وللمالك الفسخ وعليه الأجرة إلى

__________________

(١) في «ب» : يشرط.

(٢) هذا ما اثبتناه ، ولكن في النسختين : أقرض.

١٥٧

وقت الهرب ، وهل للمالك الفسخ مع وجود المتبرّع بالعمل؟ فيه نظر ، فإن عمل الأجنبيّ ولم يشعر به استحقّ العامل الأجرة ، وكان الأجنبيّ متبرّعا.

٤٣٧١. الثامن عشر : العامل أمين لا يضمن إلّا مع التفريط أو التعدّي ، وقوله مقبول مع اليمين في التلف وعدم الخيانة (١) ، ولو ثبتت الخيانة بالإقرار أو البيّنة ، أو النكول ، لم يكن للمالك رفع يده عن حصّته ، وله رفع يده عن حصّة المالك ، ولو ضمّ المالك إليه من يحفظ نصيبه كانت أجرة الحافظ على المالك لا على العامل.

٤٣٧٢. التاسع عشر : لو عجز عن العمل مع أمانته ، ضمّ إليه آخر يساعده ، ولا ينتزع يده منه ، وأجرة الآخر عليه ، ولو عجز بالكليّة أقام من يعمل عوضه ، وأجرته عليه أيضا.

٤٣٧٣. العشرون : لو اختلفا في الحصّة ، فالقول قول المالك لا العامل ، ولا يتحالفان بل المالك ، وكذا البحث لو اختلفا في قدر ما تناولته المساقاة من الشجر ، ولو كان هناك بيّنة عمل بها ، وإن تعارضتا ، فالوجه تقديم بيّنة العامل ، قال الشيخ : يقرع ولا يحلف من خرجت القرعة له (٢).

ولو تعدّد المالك فصدّقه أحدهما دون الآخر ، أخذ من نصيب المصدّق ما ادّعاه ومن نصيب الآخر ما حلف عليه ، ولو شهد المصدّق على المنكر ، وكان عدلا ، قبلت شهادته ، ولو كان العامل اثنين والمالك واحدا ، فشهد أحد العاملين على صاحبه ، قبلت شهادته أيضا.

__________________

(١) في «ب» : الجناية.

(٢) المبسوط : ٣ / ٢١٩.

١٥٨

٤٣٧٤. الحادي والعشرون : الحصّة يملكها العامل بالظهور لا بالمقاسمة ، وتجب الزكاة على كلّ من بلغ نصيبه نصابا ، سواء كان منفردا أو منضمّا إلى غير هذه الثمرة ، ولا يضمّ حصّة أحدهما إلى الآخر ، ولو كان أحدهما لا تصحّ الزكاة منه ، كالنصرانيّ والمكاتب ، وجبت على الآخر إن بلغت حصّته نصابا.

٤٣٧٥. الثاني والعشرون : لو كانت المساقاة على نخل في أرض خراجيّة ، كان الخراج على المالك ، ولو شرطه أو بعضه على العامل جاز.

ولو شرط العامل دراهم منفردة عن الجزء ، أو المالك من الثمرة ، لم يجز.

وكذا لا يجوز لو جعل له ثمرة السنة الّتي تلي سنة المساقاة ، أو ثمرة بستان غير بستان المعاملة ، ولو شرط عليه عملا في غير النخل الّذي ساقاه عليه ، أو في غير السنة ، ففي البطلان نظر.

٤٣٧٦. الثالث والعشرون : لو ساقاه على نخل ، فعامل العامل غيره على النخل

لم يجز وإن جاء بأمين. (١)

٤٣٧٧. الرابع والعشرون : لو ساقاه على شجر فبان مستحقّا ، دفع إلى المالك ولا شي‌ء للعامل عليه ، ولا في الثمرة ، ويرجع بأجرة مثله على المساقي.

ولو نقصت الثمرة بالتشميس ، كان للمالك الرجوع بالنقص على من شاء منهما ، ويستقرّ الرّجوع على الغاصب.

ولو اقتسماها وأكلاها ، كان للمالك الرجوع على من شاء منهما بالجميع وبالتقسيط ، وقوّى الشيخ أنّه لا يرجع على العامل بالجميع ، بل بالنصيب (٢).

__________________

(١) ناظر إلى ردّ فتوى «مالك» حيث أجازه إذا ساقى رجلا أمينا. لاحظ المغني لابن قدامة : ٥ / ٥٧٨.

(٢) المبسوط : ٣ / ٢١٧.

١٥٩

فإن رجع بالجميع على الغاصب ، ففي رجوع الغاصب على العامل بما أتلفه نظر ، فإن رجع عليه ، رجع العامل بأجرته فيه ، فإن رجع على العامل بالجميع ، رجع العامل بقدر نصيب الغاصب وبأجرة مثل نصيبه ، ويحتمل بنصيبه على إشكال ، ولو رجع عليهما ، رجع العامل بأجرة مثله.

ولو تلفت الثمرة في الشجر ، أو بعد الجذاذ قبل القسمة ، فالوجه الرجوع على من شاء منهما.

٤٣٧٨. الخامس والعشرون : إذا دفع أرضا إلى غيره للغرس على أنّ الغرس بينهما ، بطلت المغارسة ، والغرس لصاحبه ، ولصاحب الأرض قلعه إذا دفع أرش نقصه بالقلع ، وله أجرة أرضه ، ولو دفع القيمة ليكون الغرس له ، لم يجبر الغارس ، وكذا لو دفع الغارس أجرة التبقية لم يجبر صاحب الأرض عليها.

٤٣٧٩. السادس والعشرون : كلّ موضع يبطل فيه المساقاة تكون الثمرة للمالك ، وعليه أجرة المثل للعامل.

٤٣٨٠. السابع والعشرون : لو استأجره للعمل في الثمرة بحصّة منها معلومة بعد بدوّ صلاحها ، جاز ، وكذا لو استأجره قبل بدوّ الصلاح بها أجمع ، أو ببعضها بشرط القطع أوّلا ، أمّا لو استأجره قبل ظهورها بها ، أو ببعضها ، فإنّه لا يجوز.

١٦٠